الزهور المقتطفة من تاريخ مكّة المشرّفة

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

الزهور المقتطفة من تاريخ مكّة المشرّفة

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: دكتور مصطفى محمّد حسين الذّهبي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧

الباب الخامس والثلاثون

فى ذكر حلف الفضول ، وخبر ابن جدّعان الذى كان

هذا الحلف فى داره ، وذكر أجواد قريش وحكامهم

فى الجاهلية ، وتملك عثمان بن الحويرث ابن أسد بن

عبد العزى بن قصى عليهم ، وشىء من خبره

كان سبب حلف الفضول : أن رجلا من بنى زبيد قدم مكّة معتمرا فى الجاهلية ، ومعه تجارة له ، فباعها من العاض بن وائل السهمى ، فآواها إلى بيته ، ثم تغيب ، وابتغى الزبيدى متاعه فلم يقدر عليه ، فجاء إلى بنى سهم يستعين بهم على العاص ، فأغلظوا عليه ، فعرف أن لا سبيل إلى ماله ، فطوف فى قبائل قريش يستعين بهم ، فتخاذلوا عنه ، فلما رأى ذلك أشرف على أبى قبيس حين أخذت قريش مجالسها ، ثم قال أبياتا.

فما نزل من الجبل أعظمت ذلك قريش وتكلموا فيه ، ثم اجتمع بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وبنو أسد بن عبد العزى ، وبنو زهرة ، وبنو تميم ؛ فى دار عبد الله بن جدعان ، وعمل لهم طعاما ، وتحالفوا بالله ألا يظلم أحد بمكّة إلا كنا جميعا مع المظلوم على الظالم ، حتى نأخذ له مظلمته ممن ظلمه ؛ شريفا أو وضيعا ، منا أو من غيرنا.

ثم انطلقوا إلى العاص بن وائل ، فقالوا : والله لا نفارقك حتى تؤدى إليه حقه. فأعطى الرجل حقه. فمكثوا كذلك لا يظلم أحد بمكّة إلا أخذوه له.

وشهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا الحلف قبل أن يوحى إليه ، واغتبط به ؛ فيما قيل.

وما ذكرناه من خبر حلف الفضول لخصناه من خبرين ذكر هما الزبّبير بن بكّار ، وذكر ما يوهم أن سبب حلف الفضول غير ذلك. وقد أشرنا إلى شىء من ذلك فى أصله ، والمشهور ما ذكرناه هنا (١).

__________________

(١) يراجع فى ذلك : السيرة لابن هشام ١ / ١٥٥ ـ ١٦٠ ، وأخبار مكّة للفاكهى ٥ / ١٩٠ ـ ١٩٦.

١٦١

وكان حلف الفضول فى شوال بعد انصراف قريش من الفجار. كذا فى خبر ذكره الفاكهى ؛ قال : ويقال بعد فراغهم من بنيان الكعبة (١) .. انتهى.

وأما ابن جدعان المشار إليه : فهو عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب القرشى التيمى المكى ، يكنى أبا زهير ، من رهط أبى بكر الصديق رضى الله عنه ، وكان من رؤساء قريش وأجوادهم ، وله فى الجود أخبار مشهورة ، منها : أنه كانت له جفنة للأضياف يستظل بظلها فى الهاجرة.

ومنها : أنه كان له مناديان بأعلى مكّة وبأسفلها ؛ أحدهما يقول : ألا من أراد اللحم والشحم فليأت دار ابن جدعان ، والآخر يقول : ألا من أراد الفالوذج فليأت دار ابن جدعان.

وهو أول من أطعمه بمكّة.

والفالوذج هو : لباب البر يلبك بالعسل.

ولما مات ابن جدعان ، نعاه بعض الجن بأبيات إلى رفقة من أهل مكّة مسافرين إلى الشام ؛ وذلك فى خبر ذكره الفاكهى ، وذكرناه فى أصله (٢).

ومن خبر ابن جدعان : أنه دخل شقّا فى بعض شعاب مكّة يرجو أن يكون فيه حية تقتله فيستريح من تعب الفقر وغيره ، فظفر فيه بكنز عظيم.

وكان فى قريش أجواد منهم المعروفون : بأزواد الركب ؛ لكفايتهم من معهم المؤنة فى السفر ، منهم : الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ، وأخوه زمعة بن المطلب ، ومسافر بن عمرو بن أمية بن المغيرة المخزومى.

وأما حكام قريش بمكّة فى الجاهلية : فمنهم : عبد المطلب بن هاشم ، وإبناه : الزبير ، وأبو طالب ، وآخرون ذكرناهم فى أصله ؛ ولم يكن أحد منهم متملكا على بقية قريش ، وإنما ذلك بتراضيهم عليه حسما لمادة الشر ، وسيأتى ما يؤيد ذلك قريبا.

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٩٥.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٩٦ ـ ١٩٨.

١٦٢

وأما تملك عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى على قريش : فإن قيصر ملكه عليهم وكتب له إليهم ، فتلطف بهم عثمان وخوفهم فى تجارتهم من قيصر إن لم يطيعوه ، فوافقوه على أن يعقدوا التاج على رأسه عشية ، وتملكوه ، ثم انتقضوا عن ذلك ؛ لتنفير ابن عمه أبى زمعه لقريش عن ذلك ، فلحق عثمان بقيصر فأعلمه الخبر ، فأمر قيصر عمرو بن جفنه الغسانى أن يحبس لعثمان من أراد حبسه من تجار قريش بالشام ، ففعل ذلك عمرو ، ثم مات عثمان بالشام مسموما ، وكان من أظرف قريش وأعقلها (١).

وخبر تملكه وما جرى له بعد رجوعه إلى قيصر ، أطول من هذا.

__________________

(١) السيرة لابن هشام ١ / ١٥٥ وما بعدها ، والروض الأنف ١ / ١٥٦ ـ ١٦٠.

١٦٣
١٦٤

الباب السادس والثلاثون

فى ذكر شىء من فتح مكّة المشرفة ،

وفوائد تتعلق بذلك

كان سبب فتح مكّة أن بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم بأسفل مكّة يقال له الوتير ، فأصابوا منهم رجلا ، وتحاوزوا واقتتلوا ، ورفدت قريش بنى بكر بالسلاح ، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا حتى حازوا خزاعة إلى الحرم.

ثم خرج ناس من خزاعة إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستنصرونه ؛ لأن خزاعة فى صلح الحديبية دخلت فى عقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودخلت بنو بكر فى عقد قريش ، فوعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخزاعيين بالنصر.

وقدم المدينة أبو سفيان بن حرب ليشهد العقد ، ويزيد فى المدة ، فلم ينل قصدا ، ورجع إلى مكة ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهله أن يجهزوه ، ثم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة ، وأمرهم بالجد والتأهب ، وقال : «اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها فى بلادها» ، فتحفز الناس ، ولما أجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسير إلى مكّة ، كتب حاطب بن أبى بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذى أجمع عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأمر فى المسير إليهم ، ثم أعطاه امرأة ـ قيل : إنها من مزينة. وقيل : إنها سارة ، مولاة لبعض بنى عبد المطلب ـ وأعلم الله بذلك رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبعث على بن أبى طالب ، والزبّير بن العوام لإحضار الكتاب ، فأتيا به.

ثم مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسفره ، وخرج لعشر مضين من شهر رمضان ، فصام ، وصام الناس ، حتى إذا كان بالكديد (١) ؛ بين عسفان وأمج (٢) : أفطر ،

__________________

(١) الكديد : ماء فى طريق مكة ـ المدينة ، بعد عسفان ، وهى مرحلة من مراحل الطريق بين مكة والمدينة ، مشهورة بهذا الاسم حتى الآن.

(٢) أمج : بلد ، أو جبل غربى المدينة المنورة ، ولعلها البلدة المسماة الآن : أملج (معجم البلدان ٤ / ٤٤٢ ، ومعجم ما استعجم ٣ / ١١١٩).

١٦٥

ثم مضى حتى نزل مر الظهران (١) فى عشرة آلاف من المسلمين ، وقريش لا تعلم بذلك.

ثم إن أبا سفيان بن حرب حضر عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمر الظهران فأسلم ـ وكان خرج يتجسس الأخبار عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من دخل دار أبى سفيان ، ومن أغلق عليه بابه ، ومن دخل المسجد ، فلما جاء قومه أخبرهم الخبر ، وأن النبى قد جاءهم بما لا قبل لهم به ، فتفرق الناس إلى دورهم ، وإلى المسجد.

ولما انتهى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ذى طوى ، أمر الزبّير بن العوام أن يدخل فى بعض الناس من كداء (٢) ، وكان الزّبير على المجنبة اليسرى.

وأمر سعد بن عبادة أن يدخل فى بعض الناس من كداء.

وأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد فدخل من الليط أسفل مكّة فى بعض الناس ، وكان خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى ، وفيها : أسلم ، وسليم ، وغفار ، ومزينة ، وجهينة ، وقبائل من قبائل العرب.

وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكّة بين يدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ودخل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أذاخر (٣) حتى نزل بأعلى مكّة ، وضربت هنالك قبته.

وكان صفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبى جهل ، وسهيل بن عمرو ، قد جمعوا ناسا بالخندمة (٤) ليقاتلوا ؛ فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد ناوشوهم شيئا من قتال ، فقتل كرز بن جابر أحد بنى محارب بن فهر ، وحنيش بن خالد بن ربيعة بن أصرم ـ حليف بنى منقذ ـ وكانا فى خيل خالد

__________________

(١) مرّ الظهران : هو الوادى المسمى بوادى فاطمة اليوم ، ويعرفه بهذا الاسم كل الحجازيين.

(٢) كداء : هى الثنية التى ينحدر منها إلى الأبطح ومقابر مكة ، وهى اسم جبل على مشارف مكة ، والحكمة فى الدخول منها ـ كما قال بعض العلماء ـ استقبال الداخل منها وجه الكعبة.

(٣) أذاخر : هو جبل أذاخر المشرف على المعابدة من ناحية الشمال.

(٤) الخندمة : هو جبل الخندمة المشرف على سوق الليل ، والمتصل بجبل أبى قبيس.

١٦٦

ابن الوليد ، فشذّا عنه ، فسلكا طريقا غير طريقه ، فقتلا جميعا ، وأصيب من جهينة سلمة بن الميلا من خيل خالد ، وأصيب من المشركين ناس قريب من اثنى عشر ، أو ثلاثة عشر ، ثم انهزموا.

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين ـ حين أمرهم أن يدخلوا ـ أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم ؛ إلا أنه قد عهد فى نفر سماهم أمر بقتلهم ، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة ، فقتل بعضهم ، واستؤمن لبعضهم.

ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزل مكّة واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت ، فطاف به سبعا على راحلته ، يستلم الركن بمحجن فى يده ، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له ، فدخلها فوجد فيها حمامة من عيدان ، فكسرها بيده ، ثم طرحها ، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكفّ له الناس فى المسجد ، فخطب خطبته المشهورة ؛ وفيها : «يا معشر قريش ، ما ترون أنى فاعل فيكم؟» قالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم. قال : «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

ثم جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المسجد ، فقام إليه على بن أبى طالب رضى الله عنه ، ومفتاح الكعبة فى يده ، فقال : يا رسول الله : اجمع لنا الحجابة مع السقاية. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أين عثمان بن طلحة؟».

فدعى له. فقال : «هاك مفتاحك يا عثمان ، إن اليوم يوم بر ووفاء» وأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلالا أن يؤذن (١).

وكان أبو سفيان بن حرب ، وعتّاب بن أسيد ، والحارث بن هشام جلوسا بفناء الكعبة ، فقال عتّاب بن أسيد : لقد أكرم الله أسيد أن لا يكون سمع هذا ، فيسمع منه ما يغيظه.

وقال الحارث بن هشام : أما والله لو أعلم أنه محق لا تبعته.

فقال أبو سفيان : لا أقول شيئا ؛ لو تكلمت لأخبرت عنى هذه الحصا.

__________________

(١) رواه : مسلم (الحج : ٣٩٠) ، ورواه البخارى (٨ / ١٤ المغازى : أين ركز النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح).

١٦٧

فخرج عليهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «قد علمت الذى قلتم» ، ثم ذكر ذلك لهم.

فقال الحارث وعتّاب : نشهد إنك رسول الله ، والله ما اطّلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك.

ولما طاف النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح على راحلته ، كان حول البيت أصنام مشددة بالرصاص ، فجعل النبى يشير بقضيب فى يده إلى الأصنام ويقول : «جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا» فما أشار إلى صنم منها فى وجهه إلا وقع لقفاه ، ولا أشار لقفاه إلا وقع لوجهه ، حتى ما بقى منها صنم إلا وقع (١) ، فقال تميم بن أسد الخزاعى :

وفى الأصنام معتبر وعلم

لمن يرجو الثواب أو العقاب

وأقام رسول الله بمكّة بعد فتحها خمس عشر ليلة يقصر الصلاة ، وكان فتح مكّة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة.

وخبر فتح مكّة أكثر مما ذكرناه ، وما ذكرناه ملخص مختصر مما ذكره أبو إسحاق فى «سيرته» ، بعضه بالمعنى ، وكثير منه باللفظ (٢).

وأما الفوائد المتعلقة بخبر فتح مكة : فإن بعضها يخالف ما ذكره ابن إسحاق وابن هشام من خبر الفتح ، وبعضها يوضح بعض ما أبهماه فى ذلك ، فمنها : أن الفاكهى قال : الوتير : ماء بأسفل مكة ، فى المشرق عن يمين ملكان ؛ على ستة أميال منها.

وهذا بيّن الوتير أكثر مما فى كلام ابن إسحاق.

ومنها : أن ابن عقبة ذكر فى «مغازية» ما يقتضى أن إغارة بنى كنانة على خزاعة ـ التى هى سبب فتح مكّة ـ كانت بعرنة ؛ وهذا يخالف ما ذكره ابن إسحاق.

__________________

(١) البخارى (٤٢٨٧) ، ومسلم (٣ / ١٤٠٨) ، والترمذى (٣١٣٨) ، والبغوى (٣٧٠٧).

(٢) انظر فتح مكة فى : السيرة لابن هشام ٢ / ٣٨٩ ، وتاريخ الطبرى ٢ / ١٥٢ ، وزاد المعاد ٢ / ١٦٠ والبداية والنهاية ٤ / ٢٧٨ ، والروض الأنف ٧ / ٤٩ ، والسيرة الشامية ٥ / ٣٠٤ ، وأخبار مكة للفاكهى ٥ / ٥٧ ، وإمتاع الأسماع ١ / ٣٥٧ ، وغيرها.

١٦٨

ومنها : أن الحافظ عبد الغنى بن سعيد المصرى ، ذكر فى «مبهماته» حديثا فيه : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث عليّا ، وعمر بن الخطاب ـ رضى الله عنهما ـ لإحضار كتاب حاطب ، وهذا يخالف ما ذكره ابن إسحاق.

ومنها : أن فى البخارى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث لإحضار كتاب حاطب أبا مرثد مع علىّ والزّبير.

وفى رواية فيه : المقداد ، بدل أبى مرثد ؛ وكلام ابن إسحاق لا يفهم شيئا من هذا.

ومنها : أن الحافظ عبد الغنى ذكر ما يقتضى أن حاملة كتاب حاطب : أم سارة مولاة لقريش ، وكلام ابن إسحاق يقتضى : أنها سارة.

وذكر مغلطاى أنها سارة «كنود المزينية» ، والله أعلم.

ومنها : أن السهيلى ذكر شيئا فى بيان ما كتبه حاطب ؛ قال : وقد قيل إنه كان فى الكتاب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل ، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم ؛ فإنه منجز له ما وعده (١).

وفى «تفسير» ابن سلام ، إنه كان فى الكتاب الذى كتبه حاطب : أن محمدا قد نفر ؛ إما إليكم ، وإما إلى غيركم ، فعليكم الحذر .. انتهى.

وكلام ابن إسحاق : ليس فيه شىء من هذا.

ومنها : أن كلام ابن إسحاق يقتضى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صام حتى بلغ الكديد بين عسفان وأمج.

وروى الفاكهى عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ : أنه صام حتى بلغ عسفان.

وروى أيضا عن جابر رضى الله عنه : أنه صام حتى بلغ كراع الغميم (٢).

__________________

(١) الروض الأنف ٤ / ٩٧.

(٢) كراع الغميم : موضع بين مكة والمدينة ، ويقال له اليوم : كراع ، فقط ، وهو موضع مشهور حتى الآن بهذا الإسم (معجم البلدان ٤ / ٤٤٣).

١٦٩

وهذان الخبران مخالفان لما ذكره ابن إسحاق.

ومنها : أن كلام ابن إسحاق يقتضى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل مكّة يوم فتحها من أذاخر.

وذكر ابن عقبة ما يقتضى أنه دخلها من ثنية كداء ، بأعلى مكة.

وذكر الفاكهى ، عن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ : ما يوافق ذلك.

ومنها : أن ابن عقبة قال : وقتل من بنى بكر قريبا من عشرين ، ومن هذيل :ثلاثة ، أو أربعة ، وانهزموا وقتلوا بالحزورة حتى بلغ قتلهم باب المسجد.

وقال ابن سعد : قيل : أربعة وعشرون رجلا من قريش ، وأربعة من هذيل.

وروى الفاكهى خبرا فيه : فاندفع خالد فقتل سبعين رجلا بمكة.

وجميع هذه الأقوال يخالف ما ذكره ابن إسحاق من أن المقتولين من المشركين قريب من اثنى عشر ، أو ثلاثة عشر .. والله أعلم.

ومنها : أن ما ذكره ابن إسحاق يقتضى أن الكعبة فتحت للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح.

وفى صحيح مسلم ـ رحمه‌الله تعالى ـ ما يقتضى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتحها بنفسه يوم الفتح (١).

ومنها : أن ما ذكره ابن إسحاق يقتضى أن على بن أبى طالب سأل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجمع لبنى هاشم الحجابة مع السقاية.

وذكر الأزرقى عن الواقدى ما يقتضى أن العباس بن عبد المطلب هو الذى سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ذلك.

ومنها : أن ابن هشام ذكر أن أبا سفيان ، وعتّاب بن أسيد ، والحارث بن هشام ، كانوا جلوسا بفناء الكعبة لما أذّن بلال ، وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج عليهم وأخبر هم بقولهم (٢).

وذكر الفاكهى خبرا يقتضى أنهم كانوا جلوسا فى الحجر ، وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) صحيح مسلم (الجهاد : ٨٦).

(٢) السيرة لابن هشام ٤ / ٩٤.

١٧٠

استدعاهم إلى الصفا وأخبرهم بقولهم ؛ إلا أن الخبر الذى ذكره الفاكهى ليس فيه ذكر الحارث بن هشام ؛ وفيه ذكر سهيل بن عمرو ، وصفوان بن أمية مع عتّاب بن أسيد ، وأبى سفيان.

ولا يصح ما فيه من أن صفوان كان معهم لفراره إلى جده فى يوم الفتح.

وفى الأزرقى ما يقتضى أن عتّاب بن أسيد لم يكن معهم ، وإنما كان معهم أخوه خالد بن أسيد ، مع الحارث ، وأبى سفيان ، وسهيل ، والحكم بن أبى العاص (١) ، والله أعلم.

ومنها : أن ابن عقبة ذكر أنه كان مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى فتح مكّة اثنى عشر ألفا ـ على ما قيل ـ ونقل ذلك مغلطاى عن الحاكم جزما.

وما ذكره ابن إسحاق يقتضى أنهم عشرة آلاف (٢) ، والله أعلم.

ومنها : أنه اختلف فى مدة إقامة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد فتحها ؛ ففى البخارى : وأقام بها خمس عشر ليلة (٣) ، وفى رواية : تسع عشرة.

وفى «الإكليل» : أصحها بضع عشرة ؛ يصلى ركعتين .. انتهى.

نقل هذه الروايات مغلطاى إلا الأولى التى فى البخارى.

ورأيت فى ذلك غير ما سبق ؛ لأن الفاكهى روى بسنده عن أنس رضى الله عنه ، قال : أقمنا بمكّة عشرا ، يعنى زمان الفتح .. انتهى.

وقد أتينا فيما يتعلق بخبر الفتح الذى ذكره ابن إسحاق وابن هشام بفوائد أكثر من هذا فى أصله ، ومثل ذلك لا يوجد مجموعا فى كتاب ، ويتعلق به مسائل كثيرة من الفقه ، واللغة ، والعربية ، تركنا ذكرها لكونها غير مقصودة بالذكر فى هذا التأليف ، وخيفة من التطويل ، ونسأل الله تعالى أن يهدينا إلى سواء السبيل.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٧٤ ، ٢٧٥.

(٢) السيرة لابن هشام ٤ / ١٠٦.

(٣) صحيح البخارى (٤٢٨٧).

١٧١
١٧٢

الباب السابع والثلاثون

فى ذكر ولاة مكّة المشرفة فى الإسلام

لما فتح الله تعالى على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكّة : استخلف عليها عتّاب بن أسيد ـ بفتح الهمزة ـ بن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى الأموى ، أميرا على من تخلف عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الناس حين خرج إلى حنين ، وذلك فى العشر الأول من شوال سنة ثمان من الهجرة.

ولم يزل عتّاب أميرا على مكة إلى أن توفى بها بعد موت الصديق رضى الله عنه أو يوم جاء نعى الصديق إلى مكة.

وفى تاريخ ابن جرير ، وابن الأثير ما يقتضى أنه ولى مكّة لعمر رضى الله عنه (١). وفى الاستيعاب ما يقتضى أن الصديق عزله عن مكة ، وولاها للحارث ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم (٢).

وفى مغازى موسى بن عقبة ما يقتضى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم استخلف معاذ بن جبل على مكّة لما خرج إلى حنين.

وفى الاستيعاب : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم استخلف على مكّة هبيرة بن شبل بن العجلان الثقفى.

والمعروف : استخلاف عتّاب ، ودوام ولايته حتى مات ، والله أعلم.

وولى مكّة : المحرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس نيابة عن عتّاب فى سفرة سافرها.

ثم وليها فى أول خلافة عمر رضى الله عنه : المحرز المذكور ، ثم قنفذ بن عمير بن جدعان التيمى ، ثم نافع بن عبد الحارث الخزاعى ، ثم خالد بن العاص ، ثم هشام بن المغيرة المخزومى.

وممن ولى مكّة فى خلافة عمر رضى الله عنه : طارق بن المرتفع بن الحارث

__________________

(١) تاريخ الطبرى ٤ / ٣٩ ، ٩٤ ، ١٦٠ ، والكامل لابن الأثير ٢ / ٣٨٩ ، ٥٠٨.

(٢) الاستيعاب لابن عبد البر ٣ / ٤٨٣.

١٧٣

ابن عبد مناة ، وعبد الرحمن بن أبزى الخزاعى ـ مولاهم ـ نيابة عن نافع بن عبد الحارث لما خرج للقاء عمر رضى الله عنه إلى عسفان ، وأنكر عليه عمر رضى الله عنه استخلافه لابن أبزى ، وعزل نافعا لكونه استخلف على أهل الله مولى.

وقيل : إن الحارث بن نوفل ـ السابق ذكره ـ ولى مكّة لعمر رضى الله عنه.

ثم ولى مكة فى أول خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه : على بن عدى ابن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس ، ثم خالد بن العاص ـ السابق ـ ودامت ولايته إلى أن عزله منها على بن أبى طالب رضى الله عنه.

ووليها لعثمان رضى الله عنه أيضا : الحارث بن نوفل ـ السابق ـ وعبد الله ابن خالد بن أسيد ، وهو ابن أخى عتّاب ، وعبد الله بن عامر الحضرمى ، على ما ذكر ابن الأثير.

ووليها أيضا ، فيما قيل : نافع بن عبد الحارث ، السابق ذكره.

ثم ولى مكّة فى خلافة على رضى الله عنه : أبو قتادة الأنصارى ، فارس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعد عزل خالد بن العاص ، ثم قثم بن العباس بن عبد المطلب ، ودامت ولايته إلى أن قتل على رضى الله عنه.

وقيل : إن معبد بن العباس بن عبد المطلب وليها لعلى رضى الله عنه.

ثم ولى مكّة فى خلافة معاوية بن أبى سفيان : أخوة عتبة بن أبى سفيان ، ومروان بن الحكم بن أبى العاص ، وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص ، وابنه عمرو بن سعيد ، المعروف : بالأشدق ، وخالد بن العاص ، وعبد الله بن خالد بن أسيد ـ السابق ذكرهما.

ثم ولى مكّة فى خلافة يزيد بن معاوية جماعة ؛ أولهم : عمرو بن سعيد الأشدق ، والوليد بن عتبة بن أبى سفيان بن حرب ، وعثمان بن محمد بن أبى سفيان الأمويون. والحارث بن خالد بن العاص المخزومى ـ المقدم ذكر أبيه ـ وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوى ، ابن أخى عمر رضى الله عنه ، ويحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية الجمحى.

١٧٤

ثم ولى مكة : عبد الله بن الزبّير بن العوام ـ رضى الله عنهما ـ بعد موت يزيد بن معاوية.

وبويع له بالخلافة فى الحجاز والعراق واليمن وغير ذلك حتى كادت الأمة تجمع عليه.

ودامت ولايته على مكّة حتى استشهد فى جمادى الأولى أو الآخرة سنة ثلاث وسبعين من الهجرة ، بعد أن حاصره الحجاج بن يوسف الثقفى أزيد من نصف سنة. وابن الزبّير ينتصف منهم ويفضل عليهم.

وكان قد حارب قبل أن يلى الخلافة : الحصين بن نمير أشهرا بمكة ، ثم تخلى الحصين عن الحرب لوصول نعى يزيد.

وولى مكة لعبد الله الزبّير ـ رضى الله عنهما ـ : الحارث بن حاطب الجمحى.

ثم ولى مكّة بعد قتل ابن الزبّير فى خلافة عبد الملك بن مروان جماعة ؛ أولهم : الحجاج بن يوسف الثقفى ، والحارث بن خالد بن العاص المخزومى ، وخالد بن عبد الله القسرى ، وعبد الله بن سفيان المخزومى ، وعبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العيص ـ المقدم ذكر أبيه ـ ومسلمة بن عبد الملك بن مروان ، ونافع بن علقمة الكنانى ، ويحيى بن الحكم بن أبى العاص الأموى.

وولى مكّة فى خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان : الإمام العادل عمر ابن عبد العزيز بن مروان ، ثم خالد بن عبد الله القسرى.

ثم ولى مكة فى خلافة سليمان بن عبد الملك بن مروان ثلاثة نفر : خالد ابن عبد الله القسرى ، ثم طلحة بن داود الحضرمى ، ثم عبد العزيز بن عبد الله ابن خالد بن أسيد ـ السابق ذكره.

ثم ولى مكّة فى خلافة عمر بن عبد العزيز بن مروان : عبد العزيز بن عبد الله بن خالد ـ السابق.

وقيل : وليها لعمر بن عبد العزيز : محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد

١٧٥

الرحمن بن أبى بكر الصديق رضى الله عنه ، وعروه بن عياض بن عدى بن الخيار النوفلى ، وعبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف ، وعثمان بن عبد الله بن سراقة العدوى.

ووليها : ابن سراقة لغير عمر ـ قبله ـ ولعل ولايته لعمر على مكّة لما كان واليا عليها للوليد ، والله أعلم.

ثم ولى مكّة فى خلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان ثلاثة نفر ؛ أولهم : عبد العزيز بن عبد الله ـ السابق ـ ثم عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهرى ، ثم عبد الواحد بن عبد الله النصرى ـ بالنون ـ.

ثم ولى مكّة فى خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان جماعة ؛ أولهم : عبد الواحد ـ المذكور ـ ثم إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومى ـ خال هشام ابن عبد الملك ـ ثم أخوه محمد بن هشام.

وولى مكّة فى خلافة هشام : نافع بن علقمة الكنانى.

وممن ولى مكّة فى خلافة عبد الملك ، أو فى خلافة أحد من أولاده المذكورين أو فى خلافة عمر بن عبد العزيز : أبو جراب محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر القرشى ، وكان على مكّة فى زمن عطاء بن أبى رباح.

ثم ولى مكّة فى خلافة الوليد بن عبد الملك : خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفى ، ودامت ولايته إلى انقضاء خلافته.

ثم ولى مكّة فى خلافة يزيد بن الوليد بن عبد الملك : عبد العزيز بن عمر ابن عبد العزيز ـ فيما أظن ـ والله أعلم.

ثم وليها فى خلافة مروان بن محمد بن مروان ـ آخر الخلفاء الأمويين ـ عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ـ المقدم ذكره ـ ثم عبد الواحد بن سليمان ابن عبد الملك ، ثم أبو حمزة المختار بن عوف الخارجى الأباضى بالتّغلّب بعد الحج من سنة تسع وعشرين ومائة.

وسار أبو حمزة إلى المدينة ، واستخلف على مكّة أبرهة ابن الصباح

١٧٦

الحميرى ، وسار لحربه من الشام : عبد الملك بن محمد بن عطية السعدى ، فالتقوا بالأبطح واقتتلوا إلى نصف النهار. وقتل : أبرهة ، وأبو حمزة وخلق من جيشه.

وقيل : إن أبا حمزة قتل بوادى القرى ، قتله جيش ابن عطية. وقتل ابن عطية فى آخر هذا العام ، وهو عام ثلاثين ومائة ، راجعا من اليمن ليقيم الحج ، بعد قتله لطالب الحق الذى يدعو إليه أبو حمزة.

وكان قد استخلف على مكة ـ إذ سار إلى اليمن ـ رجلا من أهل الشام يقال له ابن ماعز.

وولى مكّة لمروان ـ السابق ذكره ـ : الوليد بن عروة السعدى ـ ابن أخى عبد الملك ـ ودامت ولايته إلى انقضاء خلافة مروان.

ورأيت فى نسخة من كامل ابن الأثير : أن محمد بن عبد الملك بن مروان كان على مكّة والمدينة والطائف فى سنة ثلاثين ومائة ، وأنه حج بالناس فيها.

ولم أر ما يدل إلا لحجة بالناس دون ولايته ، والله أعلم.

ثم ولى فى خلافة أبى العباس السفاح ـ أول الخلفاء العباسيين ـ : عمه داود بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ثم زياد بن عبد الله الحارثى خال السفاح ، ثم العباس بن عبد الله بن معبد العباس بن عبد المطلب.

وممن وليها للسفاح على ما قيل : عمر بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب.

ثم وليها فى خلافة أبى جعفر المنصور : العباس بن عبد الله بن معبد ـ السابق ذكره ـ ثم زياد بن عبد الله الحارثى ، ثم الهيثم بن معوذة العتكى الخراسانى ، ثم السرى بن عبد الله بن الحارث بن العباس بن عبد المطلب ، ثم محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهم ـ لما خرج بالمدينة على المنصور استعمله على مكة ، واستعمل على اليمن القاسم بن إسحاق ، فسار إلى مكة ، فلقيهما السرى بأذاخر ، فهزماه.

ودخل محمد مكة ، وأقام بها يسيرا ، ثم سار عنها إلى المدينة لنصر محمد ابن عبد الله بن الحسن ، فأتاه بنواحى قديد نعى محمد بن عبد الله.

١٧٧

وفى كتاب الزبّير بن بكّار ما يقتضى : أن الذى ولاه محمد بن عبد الله بن الحسن مكّة هو : الحسن بن معاوية ـ والد محمد بن الحسن السابق ذكره ـ والله أعلم.

ثم عاد السرى لولاية مكة.

ثم وليها بعده عبد الصمد بن على عم المنصور.

ثم وليها بعده محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس.

ثم وليها فى خلافة المهدى بن المنصور : إبراهيم بن يحيى بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس ، بوصية من المنصور ، ثم جعفر بن سليمان بن على ابن عبد الله بن عباس ، ثم عبيد الله بن قثم بن العباس بن عبد الله بن عباس.

وممن وليها للمهدى : محمد بن إبراهيم الإمام ـ السابق ذكره ـ وكذا فيما أظن : قثم بن العباس ، والد عبيد الله بن قثم.

وولايته لمكّة ذكرها ابن حزم ، إلا أنه لم يذكر تاريخها.

ثم ولى مكّة فى خلافة الهادى بن المهتدى : عبيد الله بن قثم ـ السابق ـ والحسين بن على بن الحسين بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم بالتّغلب ؛ لأنه ثار بالمدينة ، واستولى عليها ، ثم سار إلى مكة واستولى عليها.

وقتل فى حرب كان بينه وبين أصحاب الهادى بفخ ـ وهو وادى الزاهر ـ يوم التروية من سنة تسع وستين ومائة. ولم يسهل بالهادى قتله. وكان كريما شجاعا ، وقبره معروف فى قبة عالية ، والمقتولون من أصحابه أزيد من مائة نفر.

وممن ولى أمر مكّة فى خلاف الهادى ـ أو خلافة أخيه الرشيد ـ : محمد ابن عبد الرحمن السفيانى.

ثم ولى مكّة فى خلافة الرشيد بن المهدى جماعة ؛ وهم : أحمد بن إسماعيل بن على بن عبد الله بن عباس ، وحماد البربرى ، وسليمان بن جعفر

١٧٨

ابن سليمان بن على ، والعباس بن موسى بن عيسى بن موسى ، والعباس بن محمد بن إبراهيم الإمام ، وعبد الله بن محمد بن عمران بن إبراهيم التيمى ، وعبيد الله بن قثم بن العباس ـ السابق ـ وعبيد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام ، وعلى بن موسى بن عيسى ـ أخو العباس السابق. والفضل بن العباس ابن محمد بن على ، ومحمد بن إبراهيم الإمام ، ومحمد بن عبد الله بن المغيرة ابن عمر بن عثمان بن عفان ، وموسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن على.

ثم ولى مكّة فى خلافة الأمين بن راشد : داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن على.

ثم ولى مكّة فى خلافة المأمون بن الرشيد : داود بن عيسى ـ المذكور.

ثم وليها بالتّغلب : الحسين بن الحسن بن على بن على بن على بن الحسين ابن على بن أبى طالب المعروف : بالأفطس ، وفى أيام الحج من سنة تسع وتسعين ومائة ، بعد فرار داود ـ المذكور ـ ودامت ولايته إلى أن بلغه قتل مرسله أبى السرايا داعية ابن طباطبا. وبدا من الحسين وأصحابه ما لا يحمد.

ثم ولى مكّة بعده : محمد بن على بن أبى طالب الحسينى ، الملقب بالديباجة لجمال وجهه.

وبويع له فيها بالخلافة فى ربيع الأول سنة مائتين ، ودامت ولايته إلى جمادى الآخر سنة مائتين.

واستولى عليها أصحاب المأمون بعد قتال جرى بينهم وبين العلوين ، انهزم العلويون لأجله ، وفارق الديباجة مكّة بأمان ، ثم عاد إليها بأمان ثانى ، وطلع المنبر واعتذر عما وقع منه ، واستغفر ، وخلع نفسه ، ولحق بالمأمون ، فعفى عنه.

وولى مكّة ـ بعد هزيمة العلويين ـ عيسى بن يزيد الجلودى.

ووليها للجلودى ابنه محمد ، ويزيد بن محمد بن حنظلة المخزومى.

ووليها بعد عزل الجلود : هارون بن المسيب.

١٧٩

ووليها فى خلافة المأمون : حمدون بن على بن عيسى بن ماهان ، وإبراهيم ابن موسى بن جعفر الحسينى ـ أخو على بن موسى الرضا ـ وعبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهم ـ وصالح بن العباس بن على بن عبد الله بن العباس ، وسليمان بن عبيد الله بن سليمان بن على بن عبد الله بن العباس. وابنه محمد بن سليمان.

وممن وليها للمأمون : الحسن بن سهل ، إلا أنه لم يباشر ولايتها ، وإنما عقد له عليها الولاية.

ثم وليها فى خلافة المعتصم بن الرشيد : صالح بن العباس ـ السابق ـ ثم محمد بن داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن على بن عبيد الله بن عباس الملقب : ترنجة. ولعل ولايته دامت إلى أثناء خلافة المتوكل ، والله أعلم.

وأشناس التركى ـ أحد قواد المعتصم ـ وولايته كانت عليها وعلى غيرها عقدا لا مباشرة.

ثم وليها فى خلافة المتوكل بن المعتصم : على بن عيسى بن جعفر بن أبى جعفر المنصور ، ثم عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى ـ المقدم ذكر أبيه ، ثم عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهي الإمام ، ثم محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام ، المعروف : بالزينبى.

وولى مكّة فى خلافة المتوكل : ابنه محمد المنتصر. وما أظنه باشر ذلك ، وإنما عقد له بالولاية عليها مع غيرها ـ وإيتاخ الخوزى ـ أحد قواد المتوكل ، وولايته عليها وعلى غيرها ـ عقد لا مباشرة.

ثم ولى مكّة فى خلافة المنتصر بن المتوكل : محمد بن سليمان الزينبى ـ السابق ـ فيما أظن ، والله أعلم.

ووليها فى خلافة المستعين : أحمد بن محمد بن المعتصم بن عبد الصمد بن موسى ـ السابق ـ ثم جعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى المعروف بشاشان ، ثم إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن على بن أبى طالب ، بالتغلب والإحراق ، وحصر أهل مكّة حتى ماتوا جوعا وعطشا. وذلك سنة إحدى وخمسين ومائتين.

١٨٠