الزهور المقتطفة من تاريخ مكّة المشرّفة

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

الزهور المقتطفة من تاريخ مكّة المشرّفة

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: دكتور مصطفى محمّد حسين الذّهبي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧

الباب الثالث والعشرون

فيما بمكّة من المدارس ، والربط ، والسقايات ،

والبرهك المسبلة ، والآبار ، والعيون ، والمطاهر ،

وغير ذلك من المآثر ، وما فى حرمها من ذلك

أما المدارس الموقوفة : فإحدى عشر ، منها : مدرسة الملك الأفضل عباس ابن المجاهد ـ صاحب اليمن ـ بالجانب الشرقى من المسجد الحرام ، على الفقهاء الشافعية ، وقفت قبيل سنة سبعين وسبعمائة ، وفى هذه السنة ابتدء التدريس بها (١).

ومنها : مدرسة بدار العجلة القديمة على يسار الداخل إلى المسجد [الحرام] ، عملها الأمير أرغون النائب الناصرى للخليفة ، قبل العشرين وسبعمائة أو بعدها بقليل.

ومنها : مدرسة الأمير فخر الدين الزنجيلى نائب عدن على باب العمرة للحنفية ، وقفها سنة تسع وسبعين وخمسمائة. وتعرف اليوم بدار السلسلة (٢).

ومنها : مدرسة الملك المنصور عمر بن على بن رسول صاحب اليمن ، على الفقهاء الشافعية ، وبها درس أظنه من عمل ولده المظفر ، وتاريخ عمارتها سنة إحدى وأربعين وستمائة.

ومنها : مدرسة طاب الزمان الحبشية عتيبة المستضىء العباسى على عشرة من فقهاء الشافعية ، تاريخ وقفها سنة ثمانين وخمسمائة فى شعبان ، وهى من دار زبيدة (٣).

ومنها : مدرسة الملك المنصور غياث الدين أبى المظفر أعظم شاه صاحب بنجاله من بلاد الهند على الفقهاء من المذاهب الأربعة ، وكان ابتداء عمارتها فى

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٣٠٩.

(٢) رحلة ابن جبير (ص : ١٤٦ ـ ١٤٩) ، والعقد الثمين ٦ / ٣٥ ، وإتحاف الورى ٢ / ٥٤٨ ، ٥٤٩.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٦٠ ، والعقد الثمين ٦ / ٣٤٨.

١٢١

رمضان سنة ثلاث عشرة وثمانمائة ، والفراغ من ذلك فى جمادى الأولى سنة أربع عشرة (١) ، وفى المحرم من هذه السنة وقفت ودرست بها للمالكية. ولها وقف بالركانى أصيلتان ، وأربع وجاب ماء.

ومنها : مدرسة الملك المجاهد صاحب اليمن ، بالجانب الجنوبى من المسجد الحرام على الفقهاء الشافعية ، وتاريخ وقفها فى ذى القعدة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة (٢).

ومنها : مدرسة أبى على بن أبى زكرى ، وهو الموضع المعروف بأبى الطاهر العمرى المؤذن ، بقرب المدرسة المجاهدية ، وتاريخ وقفها سنة خمس وثلاثين وستمائة (٣).

ومنها : مدرسة الأرسوفى العفيف عبد الله بن محمد ، بقرب باب العمرة ؛ ولعلها وقفت فى تاريخ وقف رباطه الآتى ذكره ، وسيأتى تاريخه.

ومنها : مدرسة ابن الحداد المهدوى ، على المالكية ، بقرب باب الشبيكة ، وتعرف بمدرسة الأدارسة ، وتاريخ وقفها سنة ثمان وثلاثين وستمائة.

ومنها : مدرسة النهاوندى ، بقرب الدريبة ، ولها نحو مائتى سنة.

وأما الربط : فمنها : رباط السدرة ، وكان موقوفا فى سنة أربعمائة.

ومنها : رباط المراغى إلى جانبه ؛ ويعرف بالكيلانى ، وتاريخ وقفه سنة خمس وسبعين وخمسمائة (٤).

ومنها : رباط الأمير إقبال الشرابى المستنصرى العباسى ، تحت منارة باب بنى شيبة ، وتاريخ عمارته سنة إحدى وأربعين وستمائة (٥).

ومنها : رباط أم الخليفة الناصر العباسى ، وتاريخ عمارته سنة تسع وسبعين وخمسمائة ؛ ويعرف الآن بالعطيفية (٦).

__________________

(١) إتحاف الورى ٢ / ٥٥٣ ، ٢٦١.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٤١٨ ، ٣ / ٤٨٥ ، والعقد الثمين ٣ / ٣٢١.

(٣) العقود اللؤلؤية ٢ / ٦٨ ، والعقد الثمين ٦ / ١٥٨.

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٥٤ ، والعقد الثمين ١ / ١١٨.

(٥) إتحاف الورى ٢ / ٥٤٣ ، والعقد الثمين ٢ / ٦٧.

(٦) إتحاف الورى ٣ / ٦٠ ، والعقد الثمين ٣ / ٣٢٤.

١٢٢

ومنها : رباط الحافظ ابن منده الأصفهانى. ويعرف بالبرهان الطبرى ، على باب الزيادة : زيادة دار الندوة.

ومنها : رباط الميانشى فى شارع السويقة.

ومنها : رباط يعرف برباط صالحة ، عند باب الزيادة المنفردة.

ومنها : رباط عنده أيضا يعرف بالفقاعية ، وقف فى سنة اثنين وتسعين وأربعمائة (١).

ومنها : رباط القزوينى ، على باب السدّة خارج المسجد الحرام.

ومنها : رباط آخر قبالته يعرف بالخاتون ، وبابن محمود ، وقف سنة سبع وسبعين وخمسمائة (٢).

ومنها : رباط الزنجيلى مقابل مدرسته عند باب العمرة ، وتاريخهما واحد.

ومنها : رباط الخوزى لسكناه به ، وقفه قرامرز الأفرزى الفارسى سنة سبع عشرة وستمائة (٣).

ومنها : رباط الشيخ أبى القاسم رامشت عند باب الحزورة ، وقف فى سنة تسع وعشرين وخمسمائة (٤).

وفى أوائل سنة ثمان وعشرين وثمانمائة أزيل جميع ما فيه من الشعث ، وعمّر عمارة حسنة من مال صرفه الشريف حسن بن عجلان صاحب مكة (٥) ، أثابه الله.

ومنها : رباط الشريف حسن بن عجلان صاحب مكّة ؛ وهو الذى أنشأ عمارته ، ووقفه فى سنة ثلاث وثمانمائة ، وله عليه أوقاف بمكّة ومنى والوادى ، وما عرفت مثل هذه الحسنة لغيره من الأشراف ولاة مكّة (٦).

__________________

(١) إتحاف الورى ٢ / ٥٥٢ ، والعقد الثمين ٨ / ٢٣٨.

(٢) إتحاف الورى ٢ / ٤٨٩.

(٣) إتحاف الورى ٢ / ٥٤٤ ، العقد الثمين ٤ / ٣٨٥.

(٤) درر الفرائد (ص : ٢٧٣) ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٢٤٩ ، والعقد الثمين ١ / ١١٩.

(٥) إتحاف الورى ٢ / ٥٠٤ ، والعقد الثمين ٤ / ٣٨٥.

(٦) إتحاف الورى ٣ / ٣٤٩ ، والعقد الثمين ٢ / ٢٥٤.

١٢٣

ومنها : رباط الجمال محمد بن فرج ، المعروف بابن بعلجد ، وتاريخ وقفه سنة سبع وثمانين وسبعمائة (١).

ومنها : رباط بأول زقاق أجياد الصغير قبالة باب المسجد الحرام ، أمر بإنشائه وزير مصر تقى الدين عبد الوهاب بن أبى شاكر ، ومات قبل تمام عمارته ، فاستصاره الأمير فخر الدين بن أبى الفرج ، الاستادار الملكى المؤيدى ، وأمر بتكميل عمارتة ، فعمر من ذلك جانب كبير ، ومات الآخر قبل تمام عمارته فى نصف شوال سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ، والفقراء به ساكنون.

ومنها : رباط السلطان شاه شجاع ، صاحب بلاد فارس ، وقف سنة إحدى وسبعين وسبعمائة ؛ وينسب للشيخ غياث الدين الأبرقوهى لتوليه لأمره وعمارته (٢).

ومنها : رباط البانياسى ، بقرب هذا الرباط عند باب الصفا ، وقف فى سنة خمس وعشرين وستمائة (٣).

ومنها : الدار المعروفة بدار الخيزران.

ومنها : الرباط المعروف برباط العباس ، وكان المنصور لاجين عمله مطهرة ، ثم عمله ابن أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون رباطا.

ومنها : رباط أبى القاسم بن كلالة الطيبى ، وقف سنة أربع وأربعين وستمائة (٤).

ومنها : رباط : بقرب المروة ، وقفه أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن مطرف التميمى ، ووقف عليه الحمام الذى بأجياد.

ومنها : رباط على بن أبى بكر بن عمران العطار ، وقف سنة إحدى وثمانمائة.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٣١٢ ، والعقد الثمين ٥ / ٣.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٤٤ ، والعقد الثمين ٣ / ٣٣٨.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٦٤ ، والعقد الثمين ١ / ١٢٠.

(٤) إتحاف الورى ٢ / ٥٤٥ ، والعقد الثمين ٧ / ٨٤.

١٢٤

ومنها : رباط يعرف برباط أبى سماحة ؛ لسكناه به ، بقرب المجزرة الكبيرة ، وقف فى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة.

ومنها : ربط الأخلاطى : ثلاثة ، بعضها وقف على نساء الحنفية ، وبعضها على أهل مدينة أخلاط ، وبعضها وقف سنة تسعين وخسمسائة ، وبعضها فى التى بعدها.

ومنها : رباط الوتش ، وقف فى آخر القرن الثامن.

ومنها : رباط لعطية بن خليفة المطيبين أحد تجار مكّة فى عصرنا.

ومنها : بزقاق الحجر رباطان : أحدهما : للسيدة أم الحسين بنت قاضى مكّة شهاب الدين الطبرى ، وقفته فى سنة أربع وثمانين وسبعمائة ، والآخر : للعز إبراهيم بن محمد الأصفهانى ، وقف فى سنة تسع وأربعين وسبعمائة (١).

وبسوق الليل عدة ربط ؛ منها : رباط سعيد الهندى.

ومنها : بيت المؤذنين ، وواقفه هو واقف رباط الحوزى على شرطه فى تاريخه.

ومنها : زاوية أم سليمان المتصوفة ، تاريخها سنة اثنين وسبعين وسبعمائة (٢).

وبأجياد عدة ربط ؛ منها : رباط الزيت.

ومنها : رباط غزى ـ بغين وزاى معجمتين ـ وقف فى سنة اثنين وأربعين وستمائة (٣).

ومنها : رباط السياحة ، وقفه عدة نساء ؛ منهن : أم القطب القسطلانى.

ومنها : رباط ربيع ، وهو واقفه عن موكلة الملك الأفضل على بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، وتاريخ وقفه سنة أربع وتسعين وخمسمائة.

ومنها : رباط بنت التاج ؛ وله أزيد من مائتى سنة.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٢٣٨ ، والعقد الثمين ٣ / ٢٤٠.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٣١٣ ، والعقد الثمين ٨ / ٣٤٣ ، وكانت هذه الزاوية بسوق الليل.

(٣) إتحاف الورى ٢ / ٥٦٤.

١٢٥

ومنها : رباط بقرب رباط ربيع ، أمر بإنشائه الشريف حسن بن عجلان فى سنة ست عشرة وثمانمائة (١) ، وقد عمر منه جانب كبير.

ومنها : رباط المسيكينة.

ومنها : بالحزامية ـ بحاء مهملة وزاى معجمة ـ الرباط المعروف برباط الدمشقية ، وقف سنة تسع وعشرين وخمسمائة (٢).

ومنها : رباط الدورى (٣) ، وله أزيد من ثلثمائة سنة.

ومنها : رباط السبتية ؛ وكان موجودا فى سنة تسع وعشرين وخمسمائة.

ومنها : رباط للنسوة خلف رباط الدورى ، وكان موجودا فى القرن السابع.

ومنها : رباط بنت الحرابى ؛ بمهملتين وموحدة.

ومنها : رباط الوراق ، بقرب باب إبراهيم.

ومنها : رباط الموفق ، وقفه الموفق علىّ بن عبد الوهاب الإسكندرى سنة أربع وستمائة (٤).

وبأسفل مكّة إلى جهة الشبيكة عدة ربط ؛ منها : رباط أبى رقيبة (٥) ؛ لسكناه به ، ويقال له : رباط العفيف ؛ وهو عبد الله بن محمد الأرسوفى صاحب المدرسة السابقة ، وقفه عنه وعن موكله : القاضى الفاضل عبد الرحيم بن على البيشانى ، وقف من هذا الرباط نصفه عن نفسه ، ونصفه الآخر عن موكله القاضى الفاضل فى سنة إحدى وتسعين وخمسمائة (٦).

ومنها : رباط الطويل ، بنى فى عشر السبعين وسبعمائة ، فيما أظن.

ومنها : رباط الجهة ؛ جهة السلطان الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٥٠٨.

(٢) إتحاف الورى ٢ / ٥٠٤.

(٣) فى شفاء الغرام ٢ / ٥٣٥ «الزرندى».

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٦ ، والعقد الثمين ٦ / ٢٠٤.

(٥) فى شفاء الغرام ٢ / ٥٣٦ : «أبى قتيبة».

(٦) درر الفرائد (ص : ٢٦٧) ، وإتحاف الورى ٢ / ٥٩٢.

١٢٦

صاحب اليمن ، وأم أولاده ، ويعرف برباط الشيخ على السعدانى لتوليه لأمره ، وقف فى سنة ست وثمانمائة (١).

ومنها : رباطان عند الدوريبة : أحدهما : يعرف بابن السوداء ؛ لسكناه به ، وقف فى سنة تسعين وخمسمائة.

والآخر : يعرف بابن غنايم ، وقفه السلطان الملك العادل ملك الجبال والغور والهند محمد بن أبى على فى سنة ستمائة (٢).

فهذه الربط المعروفة الآن بمكّة ـ فيما علمت ـ أجزل الله ثواب واقفيها ، ومن أحسن النظر فيها ، وقد ذكرنا كثيرا من شروط واقفيها ، وأسماء جماعة منهم ، وأوضحنا ذلك أكثر فى أصله «شفاء الغرام» (٣).

وبمكّة أوقاف كثيرة على جهات من البر غالبها الآن لا يعرف لتوالى الأيدى عليها.

ومن المعروف منها : البيمارستان بالجانب الشمالى من المسجد الحرام ، وقفه المستنصر العباسى ، وتاريخ وقفه سنة ثمان وعشرين وستمائة (٤) ، ثم عمره السيد حسن بن عجلان عمارة حسنة ، وأحدث فيها ما يحصل به النفع ؛ وذلك : إيوانان ، وصهريج ، وغير ذلك ، بعد استئجاره له مائة عامة من القاضى الشافعى ، ووقف ما عمره وما يستحقه من منعته على الضعفاء والمجانين فى صفر سنة ست عشر وثمانمائة (٥).

وأما السقايات ـ وهى السبل ـ فهى كثيرة ؛ منها بمكّة خمسة.

ومنها : بين مكّة ومنى : سبعة ؛ منها : سبيل بالمعلاة للمقر الأشرف الزينى عبد الباسط ناظر الجيوش المنصورة بالممالك الشريفة ، والدعاء له بسببه متكاثر من البادى والحاضر ؛ لأن النفع به جزيل ـ عامله الله بلطفه الجميل ـ وله ـ حفظه الله ـ بديار مصر والشام مآثر حسنة مشهورة ، وأفعال مشكورة.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٤٣٨.

(٢) إتحاف الورى ٢ / ٥٧٠ ، والعقد الثمين ١ / ١٥٣.

(٣) انظر شفاء الغرام ٢ / ٥٣٧.

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٤٩ ، والعقد الثمين ١ / ١٢٣ ، وغاية المرام ٢ / ٢٩٣.

(٥) إتحاف الورى ٣ / ٥٠٧.

١٢٧

ومنها : السبيل المعروف بسبيل الست ـ وهى أخت الملك الناصر حسن ـ وتاريخ عمارتها له : سنة إحدى وستين وسبعمائة (١).

وبمنى عدة سبل

ومنها : فيما بين منى وعرفة عدة سبل متخربة.

ومنها : فى جهة التنعيم فيما بينها وبين مكّة عدة سبل ؛ منها : سبيل المنصور صاحب اليمن.

ومنها : سبيل الجوخى ، وهو الآن معطل لخرابه.

ورأيت مكتوبا فى حجر ملقى فيه : أن المقتدر العباسى ووالدته أمرا بعمارة هذه السقايات والآثار التى وراءها ، وتصدقا بها فى سنة اثنين وثلثمائة (٢).

وأما البرك المسبلة : فهى كثيرة بمكّة وحرمها وبعرفة ، وقد أوضحنا أمر السبل والبرك المشار إليها أكثر من هذه فى أصله.

وفى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة عمرت البركتان اللتان بالمعلّاة على يمين الداخل إلى مكة ويسار الخارج منها عمارة حسنة (٣).

أما الآبار التى بمكة :فهى ثمانية وخمسون بئرا ؛ وذلك فيما حوته أسوار مكة ، وكلها مسبلة إلا بئرا فى بيت لعطية المطيبين بأعلى مكة ، وبئرا فى بيت القائد زين الدين بن سكر مولى الشريف حسن بن عجلان ، وبئرا فى بيت أحمد بن عبد الله الدورى العراس ، وبئرا بقربه تنسب للينبعى. ولم نذكر الآبار التى لا ماء فيها. وقد أوضحنا أمر الآبار كثيرا فى «شفاء الغرام».

وأما الآبار التى فيما بين مكّة ومنى : فستة عشر بئرا فيها الماء ؛ منها : البئر المعروفة ببئر ميمون بن الحضرمى أخى العلاء بن الحضرمى ، وهى التى فى السبيل المعروف بسبيل الست ؛ على ما وجدت بخط عبد الرحمن بن أبى حرمى

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٢٨٦.

(٢) إتحاف الورى ٢ / ٣٦٣ ، والعقد الثمين ٣ / ٤١٦ ، وغاية المرام ٢ / ٥٣٧.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٥٦٠.

١٢٨

فى حجر فى هذه البئر ، يتضمن عمارتها فى سنة أربع وستمائة من قبل المظفر صاحب إربل (١).

وأما الآبار التى بمنى : فخمسة عشر بئرا ؛ وذكرنا فى أصله مواضعها ، وما تعرف به ، وبلغنى أن بمنى غير ذلك فى بعض البيوت.

وأما الآبار التى بمزدلفة :فثلاثة.

وأما الآبار التى بعرفة :فكثيرة ، والذى منها فيه الماء الآن : ثلاثة.

وفيما بين عرفة ومزدلفة بئر يقال لها : السقيا ؛ على يسار الذاهب إلى عرفة.

وأما الآبار التى بظاهر مكّة من أعلاها فيما بين بئر ميمون والأعلام التى هى حد الحرم فى طريق نخلة : فخمسة عشر بئرا ؛ منها : أربعة آبار تعرف بآبار العسيلة ، وفى رأس طى بعضها ما يقتضى أن المقتدر العباسى أمر بحفر بئرين منها ، وفى طى بعضها ما يقتضى : أن العجوز ـ والدة المقتدر العباسى ـ عمرتها مع سقايات هناك ومسجد لا يعرف منه الآن شىء.

وبقية هذه الآبار لا ماء فيها ، إلا بئرا لأبى بكر الحصار ، وهى تلى آبار العسيلة.

وأما الآبار التى بأسفل مكّة فى جهة التنعيم : فثلاثة وعشرون بئرا بجادة الطريق ؛ منها : بئر الملك المنصور صاحب اليمن عند سبيله ، وتعرف بالزاكية.

ومنها : الآبار المعروفة بآبار الزاهر الكبير.

وبعض هذه الآبار من عمارة المقتدر العباسى.

وبقرب باب الشبيكة ـ من خارجه ـ آبار يقال لها : آبار الزاهر الصغير ، وهى ثلاثة آبار ، وبقرب هذه الآبار بئر ببطن ذى طوى على مقتضى ما ذكره الأزرقى فى تعريف ذى طوى (٢).

وبأسفل مكّة بئر يقال لها : الطنبداوية.

وبأسفل مكّة مما يلى باب الماجن عدة آبار ؛ منها : بئر بقربه من خارجه.

وبئر بالشعب الذى يقال له خم ، وهو غير خم الذى يروى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال عند غديره «من كنت مولاه فعلى مولاه» ؛ لأن خما هذا عند الجحفة.

__________________

(١) أخبار مكّة للأزرقى ٢ / ٤٢٢ ، والعقد الثمين ٧ / ١٠١.

(٢) أخبار مكّة للأزرقى ٢ / ١٠٧.

١٢٩

وآما العيون التى أجريت بمكّة وبظاهرها : فكثيرة ، وليس منها الآن جار غير العين المعروفة بعين بازان ؛ وهى فى غالب الظن من عمل زبيدة ، ولها فى عينها نفقة عظيمة ، يقال : إنها ألف ألف وسبعمائة ألف دينار ـ فيما قيل ـ ، نقل ذلك المسعودى عن محمد بن على الخراسانى الأخبارى (١).

وقد عمرت عين بازان مرات كثيرة من قبل جماعة من الخلفاء والملوك والأعيان ، ومنهم : المستنصر العباسى فى سنة خمس وعشرين وستمائة (٢) ، وفى سنة أربع وثلاثين وستمائة (٣) ، ومنهم : الأمير جوبان نائب السلطنة بالعراقين عن السلطان أبى سعيد بن خربندا ملك التتر. وذلك فى سنة ست وعشرين وسبعمائة (٤) ، ووصلت إلى مكّة فى العشر الأخير من جمادى الأولى منها ، وعظم نفعها.

وكان الناس بمكّة قبل ذلك فى شدة لقلة الماء.

وممن عمرها من الملوك : مولانا السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ صاحب الديار المصرية والشامية والحرمين من مال تطوع به على يد علاء الدين القائد ، وكانت عمارته لذلك فى الجمادى ، ورجب ، وشعبان من سنة إحدى وعشرين وثمانمائة (٥) فى النصف الثانى من شعبان منها.

ثم قل جريان الماء فى العين المذكورة ، فوفق الله القائد علاء الدين لعمارتها ثانيا ، فجرت جريا حسنا كثر به للناس النفع فى شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة ، وبلغت فى عمارتها الثانيه إلى بركة الماجن بأسفل مكّة فلله الحمد ، وعم نفعها ، وعظم ، وذلك مستمر إلى تاريخه.

ومن العيون التى أجريت بمكّة : عين أجراها الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر فى مجرى عين بازان ، وتعرف العين التى أجراها المذكور : بعين جبل ثقبة ؛ وذلك فى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة.

وعين أجراها الأمير المعروف بالملك نائب السلطنة بمصر ، من منى إلى بركة السلم بطريق منى ؛ وذلك فى سنة خمس وأربعين وسبعمائة (٦).

__________________

(١) مروج الذهب ٤ / ٣١٧.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٤٤.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٥٢.

(٤) إتحاف الورى ٣ / ١٨١.

(٥) إتحاف الورى ٣ / ٥٦٠

(٦) إتحاف الورى ٣ / ٢٢٨ ، والعقد الثمين ٣ / ٣٣١.

١٣٠

وأما المطاهر :فمطهرة الملك الناصر محمد بن قلاوون ، عمرت فى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة (١) ، وفيها وقفت ، وهى التى عند باب بنى شيبة.

ومطهرة الأمير صرغتمش الناصرى ، بين العطيفية والبيمارستان بالجانب الشمالى من المسجد الحرام ، وتاريخ عمارتها سنة تسع وخمسين وسبعماذة (٢).

ومطهرة طنيفا (٣) الطويل بقرب باب العمرة ، عمرت فى أول عشر السبعين وسبعمائة ، فيما أظن.

ومطهرة الملك الأشرف شعبان صاحب مصر ، بالمسعى قبالة باب علىّ ، عمرت فى سنة ست وسبعين وسبعمائة.

ومطهرة خلفها للنسوة ، وعمرتها أم سليمان المتصوفة فى سنة ست وتسعين وسبعمائة (٤).

ومطهرة تنسب للواسطى عند باب الحزورة ، وما عرفت واقفها ، ولا متى وقفت.

وأعظمهم نفعا : مطهرة الملك الناصر ، وبعض هذه المطاهر معطل لخرابه.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ١٨٧.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٢٧٣.

(٣) فى المطبوع من الشفاء ٢ / ٥٦٠ : «الطّنبفا».

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٣٩١.

١٣١
١٣٢

الباب الرابع والعشرون

فى ذكر شىء من خبر بنى المحض بن جندل ملوهك

مكة ونسبهم ، وذكر شىء من أخبار العماليق ملوهك

مكة ونسبهم ، وذكر ولاية طسم للبيت الحرام

أما بنو المحض :فقال المسعودى : وقد كان عدة ملوك تفرقوا فى ممالك متصلة ومنفصلة ؛ فمنهم المسمى : بأبى جاد ، وهوّز ، وحطّى ، وكلمن ، وسعفص ، وقرشت. وهم على ما ذكرنا بنو المحض بن جندل.

وأحرف الجمل هى أسماء هولاء الملوك ، وهى الأربعة والعشرون حرفا التى عليها حساب الجمل.

ثم قال المسعودى : وكان أبجد ملك مكة وما يليها من الحجاز ، وكان هوز ، وحطى : ملكين ببلاد وجّ ؛ وهى أرض الطائف ، وما اتصل بذلك من أرض نجد ، وكلمن وسعفص وقرشت : ملوكا بمدين. وقيل : ببلاد مصر ، وكان كلمن على ملك مدين.

ومن الناس من رأى أنه كان ملك جميع من سميناه مشاعا متصلا على ما ذكرنا.

وذكر المسعودى فى نسب بنى المحض أكثر من هذا ؛ إلا أنه قال ـ لما ذكر الخلاف فى نسب قوم شعيب ـ : ومنهم من رأى أنهم من ولد المحض بن جندل بن يعصب بن مدين بن إبراهيم (١).

وأما العماليق :فهم من ولد عملاق ، وقيل : عمليق بن لاود ، ويقال : لود ابن سام بن نوح ، وقيل : إنهم من ولد العيص ، ويقال : عيصو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، وهذا القول ذكره المسعودى (٢).

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ١٤٨ ـ ١٥٠.

(٢) مروج الذهب ٢ / ١٤٣.

١٣٣

وفى تاريخ الأزرقى خبران فيهما : أن العماليق من حمير. وأحد الخبرين عن ابن عباس رضى الله عنهما (١).

وفى كون العماليق من حمير نظر بيناه فى أصله.

وذكر الفاكهى أخبارا تتعلق بالعماليق ، فى بعضها : أنهم كانوا بمكة لما قدم وقد عاد للاستسقاء.

وفى بعضها : أنهم كانوا بعرفة لما أخرج الله زمزم لإسماعيل ، وأنهم تحولوا إلى مكة لما علموا بذلك.

وفى بعضها : أنهم كانوا ولاة الحكم بمكة ، فضيعوا حرمة البيت ، واستحلوا منه أمورا عظاما ، ونالوا ما لم يكونوا ينالون ، فوعظهم رجل منهم يقال له : عملوق. فلم يقبلوا ذلك ، فأخرجهم قطورا وجرهم من الحرم ، وكانوا لا يدخلونه (٢).

وأما ولاية طسم : فذكرها الأزرقى فيما رواه بسنده إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وذكر أنهم استحلوا حرمة البيت فأهلكهم الله ، ثم وليه بعدهم جرهم ، وطسم أخو عملاق ، وقد تقدم نسبه (٣).

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٨٩.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٥ / ١٣٧ ، ١٣٨.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٨٠.

١٣٤

الباب الخامس والعشرون

فى ذكر شىء خبر جرهم ولاة مكّة ونسبهم ، وذكر

من ملك مكة من جرهم ، ومدة ملكهم لها ، وما وقع

فى نسبهم من الخلاف ، وفوائد تتعلق بذلك ، وذكر

من أخرج جرهما من مكة وكيفية خروجهم منها ،

وغير ذلك من خبرهم

أما نسبهم :فقال ابن هشام : إن جرهما هو ابن قحطان بن عابد بن سالح ابن أرفخشذ بن سام بن نوح.

وقيل : إن جرهما : ابن ملك من من الملائكة أذنب ذنبا فأهبط إلى مكة ، فتزوج امرأة من العماليق ، فولدت له جرهما ؛ فذلك قول الحارث بن مضاض الجرهمى :

اللهم إن جرهما عبادك

الناس طرف وهم تلادك (١)

وأما من ملك مكّة من جرهم ومدة ملكهم لها ونسبهم فذكره المسعودى ؛ لأنه قال : ووجدت فى وجه آخر من الروايات بأن أول من ملك من ملوك جرهم : مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هنى بن بنت بن جرهم بن قحطان : مائة سنة.

ثم ملك بعده ابنه عمرو بن مضاض مائة وعشرون سنة.

ثم ملك الحارث بن عمرو مائة سنة ، وقيل : دون ذلك.

ثم ملك بعده عمرو بن الحارث مائتى سنة.

ثم ملك بعده مضاض بن عمرو بن الأصفر بن الحارث بن عمرو بن مضاض بن عمرو بن سعيد بن الرقيب بن هنى بن نبت بن جرهم بن قحطان أربعين سنة .. انتهى.

وذكر المسعودى ما يقتضى أن مدة ملك جرهم لمكّة دون ذلك.

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٣٩.

١٣٥

وذكر أيضا ما يقتضى أن أول ملوكهم غير مضاض بن عمرو بن سعد ؛ لأنه ذكر أن الحارث بن مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن ظالم بن هنى بن نبت بن جرهم كان على جرهم حين أتوا من اليمن إلى مكة ، وذكر أن قدومهم إليها كان بعد أن سمعوا بما حصل بها من الخصب لمن تقدمهم من العماليق ، فقال : وعلى جرهم يومئذ الحارث المذكور ، وعلى العماليق السميدع المذكور.

ثم قال : فكانت على الجرهميين ، فافتضحوا ، وصارت ولاية البيت إلى العماليق ، ثم كانت لجرهم عليهم ، فأقاموا ولاة البيت نحو ثلاثمائة سنة (١) ..

وذكر ابن إسحاق ما يخالف ذلك ؛ لأنه ذكر ما يقتضى أن جرهما لما قدموا إلى مكّة كان عليهم مضاض بن عمرو ، وأنه وقومه تقاتلوا مع السميدع وقومه ، فقتل السميدع ، وصار ملك مكّة لمضاض (٢).

وما ذكره ابن إسحاق هو المعروف ، وما ذكره المسعودى غريب ، والله أعلم بحقيقة الحال.

وما ذكره فى نسب ملوك جرهم ذكر السهيلى ما يخالفه ، وكذلك فتح الأندلسى ؛ لأنه ذكر خبرا يتعلق بجرهم ؛ وفيه : أن الحارث بن مضاض الذى طالت غربته ، قال لإياد بن نزار بعد أن أوصله إلى مكة : أنا الحارث بن مضاض بن عبد المسيح بن نفيلة بن عبد الدان بن خشرم بن عبد يا ليل بن جرهم بن قحطان بن هود عليه‌السلام .. انتهى ، والله أعلم.

وأما من أخرج جرهما من مكّة وكيفية خروجهم منها : فقد اختلفت الأخبار فى ذلك ؛ ففى بعضها : أن بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وغبشان بن خزاعة لما رأوا استحلال جرهم لحرمة البيت ، وظلمهم بها ، قاتلوا جرهم ، فغلبهم بنو بكر وغبشان ، ونفوا جرهم من مكة.

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٥١.

(٢) السيرة لابن هشام ١ / ١١١.

١٣٦

وفى بعضها : أخرجهم ثعلبة بن عمرو بن عامر ماء السماء.

وفى بعضها غير ذلك.

ومما قيل من الشعر عند خروج جرهم من مكّة الأبيات التى أولها :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر (١)

والأبيات التى أولها :

يا أيها الناس سيروا إن مصيركم

أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٤٤.

١٣٧
١٣٨

الباب السادس والعشرون

فى ذكر شىء من خبر إسماعيل عليه‌السلام ،

وذكر ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما‌السلام

كان إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ حمل إسماعيل ـ وهو رضيع ـ مع أمه هاجر إلى مكّة ، وأنزلهما عند الكعبة ، وليس بها يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، وفارقهما بعد أن وضع عندهما جرابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، فجعلت أم إسماعيل ترضعه وتشرب من ذلك الماء ، حتى نفد ما فى السقاء ، عطشت وعطش إسماعيل ، وجعلت تنظر إليه يتلوى ـ أو قال : يتلبط ـ فمنّ الله عليهما بزمزم ، سقيا لهما ، فشربت وأرضعت ولدها ، وقال لها الملك : لا تخافوا الضيعة ؛ فإن هذا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله.

ثم نزل عليهما ناس من جرهم بإذن هاجر ؛ على أن لا حقّ لهم فى الماء.

وشبّ إسماعيل وتعلم العربية منهم ، وأنفسهم وأعجبهم حين شب ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم ، ثم طلقها بإشارة من أبيه ؛ لشكواها فى المعيشة ، ثم تزوج منهم أخرى ، وزاره أبوه فلم يجده أيضا ، وأمره بإمساك زوجته ، لشكرها فى المعيشة ، ثم زاره الثالثة ، فبنيا البيت ؛ فكان إبراهيبم يبنى ، وإسماعيل ينقل الحجارة ويناولها له ، وهما يقولان : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(١).

وما ذكره من خبر إسماعيل وأمه وأبيه ؛ ذكر البخارى ما يوافقه (٢).

وفى بعض الأخبار الواردة فى هذا المعنى ما يخالف بعض ذلك ، وقد بينا شيئا من ذلك فى أصله.

وأما ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما‌السلام : فذكر الفاكهى فيه خبرا طويلا عن ابن إسحاق يقتضى أن إبراهيم لما أراد ذبح ابنه ، قال : أى بنى ، خذ الحبل

__________________

(١) سورة البقرة آية : ١٢٧.

(٢) صحيح البخارى ٦ / ٢٨١ ـ ٢٨٨ ، كتاب الأنبياء باب قوله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً.)

١٣٩

والمدية ـ وهى الشفرة ـ ثم امض بنا إلى هذا الشّعب لتحطب لأهلك منه ، قبل أن يذكر له ما أمر به ، فعرض لهما إبليس ليصدهما عن طاعة الله فى ذلك ، فلم يقبلا منه ، فلما خلا إبراهيم فى الشّعب ـ ويقال ذلك إلى ثبير ـ قال له :(يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)(١) ثم أدخل الشفرة فى حلقه ، فقلبها جبريل عليه‌السلام لقفاها فى يده ، ثم اجتذبها إليه ونودى : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) ، فهذه ذبيحتك فداء لابنك فاذبحها دونه (٢).

وقد تقدم الخلاف فى موضع ذبح هذا الفداء من منى فى الباب الحادى والعشرين.

واختلف فى الذبيح : هل هو إسماعيل بن إبراهيم ، أو أخوه إسحاق بن إبراهيم ؛ والصحيح أنه إسماعيل على ما قال الحافظ عماد الدين بن كثير (٣).

ونقل ذلك النووى عن الأكثرين.

وكلام السهيلى يقتضى ترجيح أنه إسحاق (٤) ، وكذلك المحب الطبرى ، والله أعلم.

وإسماعيل أول من ذلّلت له الخيل العراب ، وأول من ركب الخيل ، وأول من تكلم بالعربية.

وقيل فى أول من تكلم بالعربية غير ذلك (٥) ، والله أعلم.

وقال الفاكهى فى الأوليات بمكّة : وأول من أحدث الأرحية يطحن بها بمكّة : إسماعيل بن إبراهيم النبى عليه‌السلام.

__________________

(١) سورة الصافات آية : ١٠٢.

(٢) أخبار مكّة للفاكهى ٥ / ١٢٢ ـ ١٢٤.

(٣) انظر فى ذلك : البداية والنهاية ١ / ١٥٩ ، وأخبار مكّة للفاكهى ٥ / ١٢٧ ، والروض الأنف ١ / ١٧٧ ، وتهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ١٦٦.

(٤) الروض الأنف ١ / ١٧.

(٥) أخبار مكّة للفاكهى ٥ / ١٣٠ ، والروض الأنف ١ / ١٣٥.

١٤٠