الزهور المقتطفة من تاريخ مكّة المشرّفة

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

الزهور المقتطفة من تاريخ مكّة المشرّفة

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: دكتور مصطفى محمّد حسين الذّهبي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧

وفيه على ما يقال : قبر آدم ـ عليه‌السلام ـ فى غار يقال له : غار الكنز ، فيما قال وهب بن منبه ، وهذا الغار غير معروف. وقد سبق أن قبر آدم بمسجد الخيف. وقيل : قبره عند مسجد الخيف. وقيل : فى الهند فى الموضع الذى نزل فيه من الجنة. وصححه ابن كثير (١).

وفى تاريخ الأزرقى ما يوهم أنه ببيت المقدس (٢) ، فيتحصل فى موضع قبره خمسة أقوال.

وفى أبى قبيس ، على ما يقال : قبر شيث ، وأمه حواء ، على ما وجدت بخط الذهبى.

وفى أبى قبيس ، انشق القمر للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على ما يروى عن ابن مسعود رضى الله عنه ، فيما ذكر الفاكهى (٣). ولم أر ما يدل لما يقال فى موضع الانشقاق بأبى قبيس ، والله أعلم.

ومن فضائل أبى قبيس : أن الدعاء يستجاب فيه ، وهذا فى الفاكهى (٤).

وهو أول جبل وضع فى الأرض ، وهذا فى الأزرقى عن ابن عباس ، رضى الله عنهما (٥).

ومن خواصه ـ على ما ذكر القزوينى فى عجائب المخلوقات ـ ما قيل : إن من أكل عليه الرأس المشوى يأمن من أوجاع الرأس (٦). قال القزوينى : وكثير من الناس يفعل ذلك .. انتهى.

وكان بعض مشايخنا يفضل جبل أبى قبيس على جبل حراء ، ويحتج فى

__________________

(١) تفسير ابن كثير ٢ / ٢٦٧.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٢٢.

(٣) أخبار مكة للفاكهى ٣ / ٤٧ ، والحديث فى صحيح مسلم (٢٨٠٠).

(٤) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٤٧.

(٥) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٤٦ ، والحديث ذكره البسنوى فى محاضرة الأوائل (ص : ١١٩) وقال عنه إن إسناده متروك ؛ لأن فيه سليم بن مسلم ، وهو الخشاب ، قال عنه ابن معين : ليس بثقة ، وفيه عبد الوهاب بن مجاهد : متروك الحديث كذبه الثورى.

(٦) عجائب المخلوقات (ص : ١٢٦).

١٠١

ذلك بكونه أقرب إلى الكعبة من حراء. وفى النفس من ذلك شىء ؛ لكثرة مجاورة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحراء ، وما نزل فيه من الوحى عليه ، ولم يتفق له مثل ذلك فى أبى قبيس ، فلا يكون أفضل من حراء ، والله أعلم.

ومنها : جبل الخندمة (١) ؛ لأن الفاكهى روى بسنده إلى ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : ما مطرت مكة قط إلا كان للخندمة عزة ، وذلك أن فيها قبر سبعين نبيا (٢).

والخندمة معروفة عند الناس بقرب أبى قبيس.

ومنها : جبل حراء بأعلى مكة ، لكثرة مجاورة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه ، وما خصه الله به فيه من الكرامة بالرسالة إليه ، ونزول الوحى فيه على ، وذلك فى غار مشهور فى هذا الجبل ، يأثره الخلف عن السلف ويقصدونه بالزيارة ، وبين حراء ومكة ثلاثة أميال ، قاله صاحب «المطالع» وغيره.

وقيل : ميل ونصف ، قاله البكرى ، وهو بعيد.

وقيل : أربعة أمثال. كذا فى تفسير ابن عطيه ، والله أعلم.

ومنها : جبل ثور بأسفل مكة ؛ لاختفاء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والصديق رضى الله عنه فى غار به ، وهو الغار الذى ذكره الله فى كتابه العزيز حيث يقول : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ.)

وهذا الغار مشهور عند الناس ، ويدخلونه من بابه المتسع والضيق ، وقد وسع بابه الضيق لانحباس بعض الناس فيه ، وذلك فى سنة ثمانمائة أو قبلها أو بعدها بيسير.

وما ذكرناه فى تسمية هذا الجبل «بثور» هو المعروف. وسماه البكرى «بأبى ثور» وذكر أنه على ميلين من مكة ، وأن ارتفاعه نحو ميل ، وذكر ابن الحاج أنه من مكة على ثلاثة أميال.

__________________

(١) هو ما بين حرف السويداء إلى الثنية التى عليها بئر ابن أبى سمير ، فى شعب عمرو ، وهى مشرفة على أجياد الصغرى ، وعلى شعب ابن عامر فى طريق منى (معجم البلدان ٢ / ٣٩٢).

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ١٣٤.

١٠٢

ومنها : جبل ثبير بمنى ؛ لأنا روينا من حديث أنس رضى الله عنه مرفوعا : أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ لما تجلى للجبل تشظى فطارت لطلعته ثلاثة أجبل فوقعت بمكة ، وثلاثة أجبل فوقعت بالمدينة ، فوقع بمكة : حراء وثبير وثور ، وبالمدينة : أحد وورقان ورضوى (١). أخرجه الأزرقى.

وقال القزوينى : إنه جبل مبارك يقصده الزوار (٢).

وذكر النقاش المفسر : أن الدعاء مستجاب فى ثبير.

ومنها : الجبل الذى يلحقه مسجد الخيف ؛ لأن فيه غارا يقال له : غار المرسلات يأثره الخلف عن السلف. ويدل له حديث ابن مسعود رضى الله عنه «بينا نحن مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غار بمنى ، إذا نزلت عليه سورة المرسلات» (٣) أخرجه البخارى فى باب : ما يقتل المحرم من الدواب.

وفى بعض نسخ مسند ابن حنبل من مسند ابن مسعود رضى الله عنه ما يقتضى أن هذه السورة نزلت بحراء (٤) ، فإن لم يكن ذلك تصحيفا فهو مخالف لما قيل فى هذا الغار ، والله أعلم.

وأما مقابر مكة ، فمنها : المقبرة المعروفة بالمعلاة ، وهى مشهورة كثيرة الفضل والبركة لما حوته من سادات الصحابة والتابعين ، وكبار العلماء والصالحين ، ولما جاء فيها من الفضل عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنا روينا من حديث ابن عباس عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «نعم المقبرة هذه ، مقبرة أهل مكة» (٥). أخرجه الأزرقى.

قال : وكان أهل مكة يدفنون موتاهم فى جنبتى الوادى يمنه وشامه ، فى الجاهلية وفى الإسلام ، ثم حول الناس جميعا قبورهم فى الشعب الأيسر لما جاء فيه من الرواية (٦) .. انتهى.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٨٠.

(٢) عجائب المخلوقات (ص : ١٢٧).

(٣) صحيح البخارى ٤ / ٢٩ (كتاب الحج : باب ما يقتل من الدواب).

(٤) مسند أحمد ١ / ٤٥٨.

(٥) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٥٠ ، والحديث أخرجه البخارى فى الكبير ١ / ٨٤ ، وأحمد ١ / ٣٦٧ ، والطبرانى فى الكبير ١١ / ١٣٧ ، وعبد الرازق فى مسنده ٣ / ٥٧٩ ، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٣٩٧ ، وعزاه لأحمد ، والبزار ، والطبرانى فى الكبير.

(٦) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٩.

١٠٣

وهذا الشعب هو الذى فيه ـ على ما قيل ـ قبر خديجة أم المؤمنين ، رضى الله عنها.

والرواية التى جاءت فيه هى ما يروى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «نعم الشعب ونعم المقبرة» (١) .. انتهى.

ومن فضائل مقبرة المعلاه : ما حكاه بعض الصالحين عن بعض الموتى بالمعلاة أنهم قالوا : ما يقف حال أحد فى هذا المكان ، وأنهم غير محتاجين إلى ما يهدى إليهم من قراءة أو نحوها.

ومنها : المقبرة العليا. وهى على ما ذكر الأزرقى عند ثنية أذاخر (٢).

وقال فى موضع آخر : إن آل أسيد ، وآل سفيان بن عبد الأسد يدفنون بالمقبرة العليا بحائط خرمان .. انتهى.

وحائط خرمان هو الموضع المعروف بالخرمانية ، وهو وديان بأعلى المعابدة ، وثنية أذاخر فوق ذلك.

ومنها : مقبرة المهاجرين بالحصحاص ، وهى على مقتضى ما ذكر الأزرقى فى تعريفها : عند الثنية التى يتوجه منها إلى المعلاة ، وتسميها الناس الحجون الأول ، والله أعلم.

ومنها : مقبرة بأسفل مكة دون باب الشبيكة ، وقريب منه ، وهى مشهور عند الناس لما حوته من أهل الخير ؛ الغرباء وغيرهم.

وذكر الفاكهى : أن الأحلاف كانوا يدفنون بأسفل مكة ، والمطيبين بأعلا مكة ، والظاهر أن المقبرة التى كان يدفن بها الأحلاف هى مقبرة الشبيكة ، والله أعلم.

والأحلاف : طوائف من قريش. وكذلك المطيبون ، وهم مذكورون فى أصله.

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٥٩ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٤١١.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٠٩.

١٠٤

ومن القبور المباركة التى ينبغى زيارتها : قبر ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين ـ رضى الله عنها ـ بسرف ، وهو مشهور عند الناس ، يأثره الخلف عن السلف.

وكان بناء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بميمونة فى سرف ، وسرف من مكة على أميال ، قيل : ستة ، وقيل : سبعة ، وقيل : تسعة ـ بتقديم التاء ـ وقيل : بريد ، والله أعلم.

***

١٠٥
١٠٦

الباب الثاني والعشرون

فى ذكر أماكن بمكّة المشرفة وحرمها

وقربه لها تعلق بالمناسك

وهى ستة وعشرون موضعا ، مرتبة على ترتيب حروف المعجم.

الأول : باب بنى شيبة (١) الذى يستحب للمحرم دخول المسجد الحرام منه ، وهو أول باب فى الجانب الشرقى بين رباط الشرابى ورباط السدرة ، وعليه منارة المسجد الحرام.

وأما الباب الذى يخرج منه المسافر إلى بلده من المسجد الحرام فينبغى أن يكون باب الحزورة ، أو باب إبراهيم ، أو باب العمرة ، وقد أوضحنا دليل ذلك فى أصله ، والله أعلم.

الثانى : التنعيم ، المذكور فى حد الحرم من جهة المدينة المنورة ، وهو أمام أدنى الحل ، على ما ذكر المحب الطبرى. قال : وليس بطرف الحل ، ومن فسره بذلك تجوز وأطلق اسم الشىء على ما قرب منه (٢) .. انتهى.

وهو أفضل مواقيت العمرة بعد الجعرانة (٣) عند الأربعة إلا أبا حنيفة ، رحمة الله عليه.

الثالث : ثبير (٤) ، الذى إذا طلعت عليه الشمس سار الحاج من منى إلى عرفة ، وهو على ما قال المحب الطبرى فى شرح التنبيه : بثاء مثلثة مفتوحة ، ثم باء موحدة مكسورة ، أعلى جبل بمنى.

ثم قال : وهو يشرف على منى من جمرة العقبة التى تلقاء مسجد الخيف ، وأمامه قليلا على يسار الذاهب إلى عرفة .. انتهى.

__________________

(١) يعرف الآن بباب السلام ، وكان ينسب لآل شيبة سدنة الكعبة.

(٢) القرى (ص : ٦٦٤).

(٣) الجعرانة : بئر شرقى مكة ذات ماء عذب ، وأهل مكة يكثرون الاعتمار منها فى رمضان ، ويتخذون منها منتزها لما فى وادى الجعرانة من إشراق وبهجة ، ولما فى مائها من عذوبة ، وقد نزل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بها عند تقسيمه هوازن بعد غزوة حنين.

(٤) ثبير : جبل عظيم بالمزدلفة على يسار الذاهب فيها إلى منى.

١٠٧

وكلام النووى يقتضى أن ثبير المراد فى مناسك الحج بالمزدلفة ، وليس ذلك بمستقيم على ما ذكر شيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى اللغوى.

الرابع : الجعرانة (١) الموضع الذى أحرم منه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رجع من الطائف بعد فتح مكّة ، هو موضع مشهور على بريد من مكّة فيما ذكر الفاكهى (٢).

وقال الباجى المالكى : إن بينه وبين مكّة نحو ثمانية عشر ميلا ، والله أعلم.

وذكر الواقدى : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحرم من المسجد الأقصى الذى تحت الوادى بالعدوة القصوى من الجعرانة ؛ وكان مصلّى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا كان بالجعرانة ، وذكر أن إحرامه من الجعرانة ليلة الأربعاء لاثنتى عشرة ليلة بقيت من ذى القعدة (٣).

ومن فضائل الجعرانة : ما رويناه عن يوسف بن ماهك ، قال : اعتمر من الجعرانة ثلثمائة نبى (٤) ، أخرجه الجندى.

وهى أفضل مواقيت العمرة من مكّة ، على مقتضى مذهب مالك والشافعى وابن حنبل.

الخامس : الجمار ، المذكورة فى صفة الحج ، وهى بمنى.

ونقل عن ابن سيده اللغوى (٥) ، ما يقتضى أنهاه بعرفة ؛ نقل ذلك عنه السهيلى (٦) ، وهو وهم ذكرناه للتنبيه عليه. وهذه الجمار مشهورة بمنى.

السادس : الحجون المذكور فى حدّ المحصّب ؛ هو جبل بالمعلّاة مقبرة أهل مكّة على يسار الداخل إلى مكّة ، ويمين الخارج منها إلى منى ، على مقتضى ما

__________________

(١) الجعرانة : بكسر الجيم ، وإسكان العين المهملة ، وقد يكسران مع تشديد الراء : موضع بين مكة والطائف ، وهو إلى مكة أقرب ، وهو من الحل.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ٦٢ ، ٦٣.

(٣) أى فى السنة التاسعة للهجرة النبوية.

(٤) هداية السالك ٣ / ١٢٦٤.

(٥) هو الحافظ أبو الحسن على بن إسماعيل الأندلسى ، كان إماما فى اللغة العربية حافظا لها ، وتوفى سنة ٤٥٨ ه‍.

(٦) الروض الأنف ١ / ١٣٨.

١٠٨

ذكر الأزرقى والفاكهى فى تعريفه ؛ لأنهما ذكراه فى شق معلاة مكّة اليمانى ، وهو الجهة التى ذكرناها (١).

وإذا كان كذلك : فهو يخالف لما يقوله الناس من أن الحجون : الثنية التى يهبط منها إلى مقبرة المعلّاة ؛ وكلام المحب الطبرى يوافق ما يقوله الناس.

ولعل الحجون على مقتضى قول الأزرقى والفاكهى والخزاعى : الجبل الذى يقال فيه قبر ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ أو الجبل المقابل له ، الذى بينهما الشعب المعروف بشعب العفاريت ، والله أعلم.

السابع : الحديبية ، الموضع الذى نزل عنده النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قدم من المدينة محرما ، فعاقه المشركون عن دخول مكّة ، يقال : إنه الموضع الذى فيه البئر المعروفة ببئر شميس بطريق جده ، والله أعلم.

وقد ذكره غير واحد من العلماء. وما قالوه لا يعرف الآن.

وهى بتخفيف الياء الثانية على الصواب فيها. وقيل : بتشديدها.

واختلف فى كونها فى الحل أو فى الحرم.

وهى أفضل مواقيت العمرة بعد الجعرانة والتنعيم على ما قال الشافعية ؛ إلا أن الشيخ أبا حامد ـ منهم ـ فضلها على التنعيم ، والله أعلم.

الثامن : ذو طوى : الموضع الذى يستحب الاغتسال فيه للمحرم إذا قدم مكّة ، هو ما بين الثنية التى يهبط منها إلى المعلّاة ، والثنية الأخرى التى إلى جهة الزاهر ، على مقتضى ما ذكر الأزرقى فى تعريفه ، وفى صحيح البخارى ما يؤيده.

وقال النووى : إنه الموضع المعروف بآبار الزاهر بأسفل مكّة (٢) .. انتهى.

وقيل : هو الأبطح ؛ نقله صاحب «المطالع» عن الداودى ، وهو بعيد. وطاؤه مثلثة.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٠٩ ، وأخبار مكة للفاكهى ٤ / ٥٠ ، ٥١.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٠١.

١٠٩

التاسع : الردم ، الذى ذكر بعض الشافعية أن المحرم يقف فيه للدعاء إذا قدم مكّة ، وهو ردم بأعلى مكّة مشهور عند الناس ، ردمه عمر [بن الخطاب] رضى الله عنه صونا للمسجد من السيل فى سنة سبع عشرة من الهجرة (١).

العاشر : الصفا ، الذى هو مبدأ السعى ، وهو فى أصل جبل أبى قبيس على ما ذكر البكرى والنووى وغيرهم. وهو مكان مرتفع من جبل ، له درج ، وفيه ثلاثة عقود.

والدرج من أعلى العقود وأسفلها ، وبعض الدرج الذى تحت العقود مدفون ، وذلك ثمان درجات ، ثم فرشة مثل بعض الفرشات الظاهرة تحت العقود ، ثم درجتان ، وما عدا ذلك فهو ظاهر ، وهو درجة تحت العقود ، ثم فرشة كبيرة ، ثم ثلاث درجات ، ثم فرشة كبيرة إلا أن هذه الفرشة السفلى ربما غيبت بما يعلو عليها من التراب.

وما ذكرناه من الدرج المدفون شاهدناه بعد حفرنا عنه فى شوال سنة أربع عشرة وثمانمائة ، وهذا المدفون ليس محلا للسعى ، ومحله : الظاهر.

ويتأيد كون الظاهر محلا للسعى بأن الأزرقى قال : ذرع ما بين الركن الأسود إلى الصفا : مائتان ذراع ، اثنان وستون ذراعا وثمانية عشر إصبعا (٢) .. انتهى.

وحررنا ما بين الحجر الأسود ، وبين الفرشة السفلى التى يعلو عليها التراب ، فجاء مثل ما ذكر الأزرقى فى ذرع ما بين الحجر الأسود والصفا.

ولم يذكر الأزرقى ذرع ذلك إلا ليبين أن ما وراء ذلك محل للسعى.

والفرشة السفلى المشار إليها من وراء الذرع المذكور ، فتكون محلا للسعى على هذا ، ويصح ـ إن شاء الله ـ سعى من وقف عليها فلا يقصر الساعى عنها ، ولا يجب عليه الرقى على ما وراءها ، والله أعلم.

ومن محاذاة نصف العقد الوسط من عقود الصفا إلى الدرج الذى بالمروة من داخله : سبعمائة ذراع وسبعون ذراعا وسبع ذراع ـ بتقديم السين ـ فى

__________________

(١) إتحاف الورى ٢ / ٨ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٤ ، ١٧٠.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١١٨.

١١٠

السبعمائة ، وفى السبعين ، وفى السبع ؛ وذلك يزيد على ما ذكره الأزرقى فى ذرع ذلك نحو أربعة أذرع (١).

الحادى عشر : طريق ضبّ (٢) ، التى يستحب للحاج سلوكها إذا قصد عرفة ، وهى طريق مختصرة من المزدلفة إلى عرفة فى أصل المأزمين عن يمينك وأنت ذاهب إلى عرفة. هكذا عرفها الأزرقى (٣).

وإنما استحب للحاج سلوكها ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلكها لما راح من منى إلى عرفة ؛ على ما نقل الأزرقى عن بعض المكيين.

وروى عن عطاء : أنه سلكها ، وقال : هى طريق موسى بن عمران.

الثانى عشر : عرفة ـ بالفاء ـ موضع الوقوف : وهى خارج الحرم قريب منه ، وقد ذكر حدها ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ لأنه قال : حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبل عرفة إلى ملتقى وصيف ، ووادى عرفة. أخرجه الأزرقى (٤).

وقوله : ووادى عرفة : اختلف فى ضبطه ؛ ففى بعض نسخ الأزرقى بالفاء ، وفى بعضها بالنون.

وممن ضبطه بالنون : ابن الصلاح ، واعترض عليه فى ذلك المحب الطبرى ؛ لأنه قال بعد أن ذكر ضبط ابن الصلاح : قلت : وفيما ذكره نظر ؛ لأنه أراد تحديد عرفة ـ بالفاء ـ ؛ لأن وادى عرنة لا ينعطف على عرفة ، بل هو ممتد مما يلى مكّة يمينا وشمالا. فكان التقييد بوادى عرفة أصح (٥) ، والله أعلم.

__________________

(١) انظر تفاصيل ذلك فى أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٨٦ ـ ١٨٧.

(٢) طريق ضبّ يمر عليه اليوم طريق السيارات رقم (٣) ، (٤) ، وإذا سلكت هذا الطريق من مزدلفة إلى عرفات ؛ جعلت ذات السّليم (جبل مكسّر) على يمنيك ، ومأزم عرفات الجنوبى على يسارك ، وتوجهت إلى عرفات ، وعلى يسارك فى هذا الطريق تجد بناء لمجرى عين زبيدة لاصقا بالجبل.

(٣) انظر تفاصيل ذلك فى أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٩٣.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٩٣.

(٥) القرى (ص : ٣٨٤ ـ ٣٨٥).

١١١

قال : وهذا التحديد يدخل عرنة فى عرفة .. انتهى.

وحد عرفة من جهة مكّة ـ الذى فيه هذا الاختلاف ـ قد صار معروفا بما بنى فى موضعه من الأعلام ، وهى ثلاثة : سقط منها واحد ، وبقى اثنان. وفيها أحجار مكتوب فى بعضها أن المظفر صاحب إربل أمر بإنشاء هذه الأعلام الثلاثة بين منتهى أرض عرفة ، ووادى عرنة ، لا يجوز لحاج بيت الله العظيم أن يجاوز هذه الأعلام قبل غروب الشمس ، وفيه مكتوب بتاريخ شعبان سنة خمس وستمائة (١).

والمسجد الذى يصلى فيه الإمام بالناس فى يوم عرفة ليس من عرفة ـ بالفاء ـ ؛ على مقتضى ما ذكر ابن الصلاح والنووى.

وكلام المحب الطبرى يقتضى أنه منها.

وقيل : إن مقدمه من عرنة ـ بالنون ـ ، ومؤخره ـ بالفاء ـ من عرفة.

ويظهر ثمرة هذا الخلاف فى إجزاء الوقوف بهذا المسجد.

وتوقف مالك فى ذلك ، ولأصحابه قولان فيه : بالإجزاء ، وعدمه.

وأفضل المواقف بعرفة : الموضع الذى وقف فيه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو قريب فى الموضع الذى تقف فيه المحامل التى تصل من مصر والشام والعراق ، فى غالب السنين ، وهو مكان معروف عند الناس.

وسميت عرفة عرفة : لتعارف آدم وحواء فيها ؛ لأن آدم أهبط إلى الهند ، وحواء إلى جدة ، فتعارفا بالموقف.

وقيل : لتعريف جبريل المناسك بها للخليل.

وقيل : لاعتراف الناس فيها بذنوبهم.

إلى غير ذلك من الأقوال التى ذكرناها فى أصله الأكبر.

الثالث عشر : عُرَنة ـ بالنون ـ ، الموضع الذى يجتنب الحاج فيه الوقوف ، وهو بين العلمين اللذين هما حد عرفة ، والعلمين اللذين هما حد الحرم من هذه الجهة.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٨ ، والعقد الثمين ٧ / ١٠٠ ، ١٠١.

١١٢

وقد اختلف فيها ؛ فقيل : إنها من الحرم ، وهذا يروى عن ابن حبيب المالكى.

وقيل : إنها من عرفة ، حكاه ابن المنذر عن مالك. وفى صحته عنه نظر ؛ لمخالفته ما فى كتب المالكية ، والله أعلم.

ومذهب الشافعى : أنها ليست من عرفة.

وعرنة ـ بضم العين وفتح الراء المهملتين ـ هذا هو المشهور فيها.

الرابع عشر : قَزح ، الموضع الذى يستحب للحاج أن يقف عنده للدعاء غداة النحر ، وهو مكان مشهور بالمزدلفة ، وهو الموضع الذى يسمونه المشعر الحرام ، أشار إلى ذلك المحب الطبرى (١).

وذكر ابن الصلاح : أن قزح جبل صغير فى آخر المزدلفة ، ثم قال : وقد استبدل الناس بالوقوف على الموضع الذى ذكرناه بناء محدثا فى وسط المزدلفة ، ولا تتأدى به هذه السنة.

قال المحب الطبرى : والظاهر أن البناء إنما هو على الجبل كما تقدم ، والمشاهدة تشهد لصحة ذلك ، ولم أر ما ذكره لغيره (٢) ... انتهى.

وذكر النووى : أن الأظهر أن الحاج يتحصل السّنّة بالوقوف على البناء المستحدث ؛ قاله فى «الإيضاح».

الخامس عشر : كداء ، الموضع الذى يستحب للمحرم دخول مكّة منه ، وهو الثنية التى تهبط منها إلى المقبرة المعروفة بالمعلّاة والأبطح ؛ على مقتضى ما ذكره الفاكهى (٣) ، وسليمان بن خليل ، والمحب الطبرى.

وقال المحب الطبرى : هى بالفتح والمد ، تصرف على إرادة الموضع ، وتركه على إرادة البقعة ؛ وما ذكره من أنها بالفتح هو المعروف. وقيل : إنها بالضم.

وسهل بعض المجاورين طريقا فيها غير الطريق المعتادة ، ووسعها بعد أن

__________________

(١) القرى (ص : ٤١٧).

(٢) القرى (ص : ٤١٧).

(٣) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ١٧٩ ، ١٨٠.

١١٣

كانت حزنة ضيقة ، وصار الناس يسلكونها أكثر من الأولى ، وذلك فى النصف الثانى من سنة سبع عشرة وثمانمائة (١).

السادس عشر : كداء ، الموضع الذى يستحب الخروج منه لمن كان فى طريقه ، وهو الثنية التى بنى عليها باب مكّة المعروف بباب الشبيكة ، على مقتضى ما ذكر المحب الطبرى فى شرح «التنبيه».

وذكر القاضى بدر الدين بن جماعة ما يقتضى أنها الثنية التى عندها الرجم المعروف بقبر أبى لهب ، والله أعلم بالصواب.

وهى بضم الكاف ، والقصر والتنوين ؛ على ما هو مشهور فيها.

وقيل : إنها بفتح الكاف.

وإنما استحب الدخول من كداء ـ ثنية المقبرة ـ ، والخروج من كداء ، التى إلى جهة المدينة ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعل ذلك فى حجة الوداع (٢).

وأما فى الفتح : فقيل : إنه دخل من كداء ـ ثنية المقبرة ـ. وقيل : من ثنية أذاخر.

وأما فى عمرة الجعرانة : فدخل وخرج من أسفل مكّة ، كما فى خبر ذكره الفاكهى بإسناد فيه من لم أعرفه (٣) ، والله أعلم.

السابع عشر : المأزمان ، اللذان يستحب سلوكهما للحاج إذا رجع من عرفة ، وهو الموضع الذى يسميه أهل مكّة الآن المضيق ؛ بين مزدلفة وعرفة.

وذكر النووى ما يقتضى أن هذين المأزمين فى غير هذا المحل ؛ لأنه قال فى «الإيضاح» : والسنة أن يسلك فى طريقه إلى المزدلفة على طريق المأزمين ، وهو بين العلمين اللذين هما حد الحرم من تلك الناحية .. انتهى.

وهذا بعيد ؛ لمخالفته فيه قوله وقول غيره كما بيناه فى أصله.

والمأزم فى اللغة : الطريق الضيق بين جبلين.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٥٢٢.

(٢) هداية السالك ٢ / ٧٤٤ ، ٧٤٥.

(٣) هداية السالك ٢ / ٧٤٥.

١١٤

الثامن عشر : محسر : الموضع الذى يستحب للحاج الإسراع فيه ، هو واد عند المكان الذى يقال له : المهلل ؛ لأن الناس إذا وصلوا إليه فى حجهم هللوا وأسرعوا السير فى الوادى المتصل به.

والمهلل المشار إليه : مكان مرتفع عنده بركتان معطلتان بلحف قرن جبل عال ، ويتصل بهما آثار حائط ، ويكون ذلك كله عن يمين الذاهب إلى عرفة ، ويسار الذاهب إلى منى.

التاسع عشر : المحصب ، الذى يستحب النزول فيه للحاج بعد انصرافه من منى ، وهو مسيل بين مكّة ومنى ، وهو أقرب إلى مكّة بكثير ، وحده من جهة مكّة : الحجون على ما ذكر الأزرقى.

ولا يعارض ذلك ما وقع لابن الصلاح ، والنووى ، والمحب الطبرى ، وغيرهم من أن المقبرة ليست من المحصب ؛ لأن مراد هؤلاء الأئمة استثناء المقبرة من عرض المحصب لا من طوله لحزونة موضعها.

وذلك يخالف صفة المحصب ؛ فإن المحصب ما سهل من الأرض ، على مقتضى ما ذكر ابن الصلاح وغيره فى تفسير المحصب.

وأما حده من جهة منى : فجبل العيرة على ما وجدته منقولا عن الشافعى فيما حكاه سليمان بن خليل. وجبل العيرة بقرب السبيل ، الذى يقال له : سبيل الست ، بطريق منى على ما ذكر الأزرقى فى تعريفه.

العشرون : المروة ، الموضع الذى هو منتهى السعى ، وهو فى أصل جبل قعيقعان ، على ما قال أبو عبيد البكرى.

وقال النووى : إنها أنف من جبل قعيقعان.

وذكر المحب الطبرى أن العقد الذى بالمروة جعل علما لحد المروة ، ثم قال : فينبغى للساعى أن يمر تحته ، ويرقا على البناء المرتفع. انتهى.

والعقد الذى بالمروة الآن جدد فى آخر سنة إحدى وثمانمائة ، أو فى أول التى بعدها بعد سقوطه.

١١٥

وكان بالمروة خمس عشرة درجة على ما ذكر الأزرقى ، وليس بها الآن غير واحدة.

الحادى والعشرون : المزدلفة ، الموضع الذى يؤمر الحاج بنزوله والمبيت فيه بعد دفعه من مزدلفة ليلا ، وهو ما بين مأزمى عرفة ـ اللذين يسميهما أهل مكّة : المضيق ـ وبين محسر. وقد حدّ مزدلفة بما ذكرناه غير واحد من الأئمة.

وسميت بالمزدلفة : لازدلاف الناس إليها ، ـ وهو اقترابهم ـ.

وقيل : لمجيئهم إليها فى زلف من الليل ، أى ساعات.

ويقال لها : جمع ؛ لاجتماع الناس بها. وقيل : لاجتماع آدم وحواء فيها.

وقيل : لجمع الصلاتين بها.

وطول المزدلفة من طرف وادى محسر الذى يليها إلى أول المأزمين مما يليها : سبعة آلاف ذراع وسبعمائة ذراع وثمانون ذراعا وأربعة أسباع ذراع.

ومن جدر باب بنى شيبة إلى حد المزدلفة من جهة منى : عشرون ألف ذراع وخمسمائة ذراع وسبعة أذرع ـ بتقديم السين ـ وثلاثة أسباع ذراع.

الثانى والعشرون : المشعر الحرام ، الئى يستحب الوقوف عنده للحاج كى يدعو ويذكر عنده غداة النحر ، وهو موضع معروف من المزدلفة ؛ وهو قزح السابق ذكره.

وأما قول ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ : المشعر الحرام المزدلفة كلها ، ومثله فى كثير من كتب التفسير : فهو محمول على المجاز ، أشار إلى ذلك المحب الطبرى وغيره (١).

وأحدث وقت بنى فيه المشعر الحرام سنة تسع وخمسين وسبعمائة ، أو فى التى بعدها (٢).

الثالث والعشرون : المطاف المذكور فى كتب الفقهاء ، وهو ما بين الكعبة ومقام الخليل ـ عليه‌السلام ـ ، وما يقارب ذلك من جميع جوانب الكعبة.

__________________

(١) القرى. ص : ٣٦٨).

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٢٧٤ ، والعقد الثمين ٥ / ٤٠.

١١٦

وأشار إلى تعريفه بما ذكرناه : الشيخ أبو محمد الجوينى فيما نقله عنه ابن الصلاح ، وقد ذكرنا كلامه مع ذرع ذلك فى أصله.

وهذا الموضع كله مفروش بحجارة منحوتة ، وفى سنة ست وستين وسبعمائة فرغ من عمله ، وفيها عمل منها جانب كبير (١).

وهذه العمارة من قبل صاحب مصر الأشرف شعبان.

وعمره من الملوك : لاجين المنصورى ، ومن الخلفاء : المستنصر العباسى.

وأول من فرش الحجارة حول البيت : عبد الله بن الزّبير رضى الله عنه ، على ما ذكر الفاكهى.

وينبغى للطائف أن لا يخرج فى حال طوافه عن هذا المكان ؛ لأن فى صحة طواف من خرج عنه مختارا اختلافا فى مذهب المالكية.

الرابع والعشرون : منى ، الموضع الذى يؤمر الحاج بنزوله يوم التروية والإقامة به حتى تطلع الشمس على ثبير من يوم عرفة ، وفى يوم النحر وما بعده من أيام التشريق ، والمبيت بها فى لياليها لأجل رمى الجمار.

وهو من أعلى العقبة التى فيها الجمرة المعروفة بجمرة العقبة إلى وادى محسر.

وقد حدّ منى بما يوافق ما ذكرناه : عطاء بن أبى رباح ، فيما ذكره عنه الفاكهى ، وما ذكره الفاكهى عن عطاء فى حد منى يفهم أنه أعلى العقبة من منى (٢).

وذكر الإمام الشافعى والنووى أن العقبة ليست من منى.

وذكر المحب الطبرى ما يقضتى أنها من منى.

وطول منى على ما ذكر الأزرقى : سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع (٣).

ومنى علم لمكان آخر فى بلاد بنى عامر ؛ ذكره صاحب «الأغانى».

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٣٠٤ ، والعقد الثمين ٥ / ١٠ ، ١١.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٤ / ٢٤٦.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٧٢.

١١٧

وجاء حديث فى النهى عن البناء بمنى من رواية عائشة ـ رضى الله عنها ـ أخرجه الترمذى وحسنه ، وأبو داود (١) وسكت عليه ؛ فهو صالح.

وجزم النووى فى «المنهاج» ـ من زوائده ـ بأن منى ومزدلفة لا يجوز إحياء مواتهما كعرفة ، والله أعلم.

وذكر أبو اليمن ابن عساكر ما يوافق ذلك.

ولمنى آيات منها : رفع ما تقبل من حصى الجمار بمنى ؛ ولو لا ذلك لسد ما بين الجبلين.

وممن شاهد رفع ذلك : شيخ الحرم نجم الدين بشير التبريزى ، وبلغنى أنه رأى ذلك فيما رمى هو به من الحصى ؛ وهذه منقبة عظيمة.

ومنها : اتساعها للحاج فى أيام الحج مع ضيقها فى الأعين عن ذلك.

ومنها : كون الحدأة لا تخطف اللحم بمنى أيام التشريق ، وذلك على خلاف عادتها فى غير هذه الأيام.

ومنها : أن الذباب لا يقع فى الطعام ، وإن كان لا ينفك عنها غالبا كالعسل.

ذكر هاتين الآيتين المحب الطبرى ، وذكر الأزرقى الأولتين (٢).

ومن باب بنى شيبة إلى أعلى العقبة التى فى حد منى : ثلاثة عشر ألف ذراع وثلثمائة ذراع ، وثمان وستون ذراعا باليد ، وذكرنا ذلك فى أصله بالأميال.

وذكر الرافعى : أن بين منى ومكّة ستة أميال ، وتعقب النووى عليه فى ذلك ، وقال : بينهما ثلاثة ، والله أعلم.

الخامس والعشرون : الميلان الأخضران اللذان يهرول الساعى بينهما فى سعيه بين الصفاء والمروة ، وهما : العلمان اللذان أحدهما بركنى المسجد الحرام ، الذى فيه المنارة التى يقال لها : منارة باب على ، والآخر : فى جدر باب المسجد الذى يقال له : باب العباس.

__________________

(١) أخرجه أحمد ٦ / ١٨٧ ، والدارمى ٢ / ٧٣ ، وأبو داود ٢ / ٢٨٦ ، وابن ماجه ٢ / ١٠٠٠ ، والحاكم ١ / ٤٦٦.

(٢) القرى (ص : ٤٣٦) وعزاه لسعيد منصور ، ووردت عدة أحدايث فى ذلك فى سنن البيهقى ٥ / ١٢٨ ، ١٣١ ، وسنن ابن أبى شيبة ٤ / ٣٢.

١١٨

والعلمان المقابلان لهذين العلمين : أحدهما : فى دار عباد بن جعفر ، ويعرف اليوم بسلمة بنت عقيل.

والآخر : فى دار العباس. ويقال له : رباط العباس.

ويسرع الساعى إذا توجه من الصفا إلى المروة إذا صار بينه وبين العلم فى المنارة ، والمحاذى له نحو ستة أذرع ، على ما ذكر صاحب «التنبيه» وغيره.

قال المحب الطبرى : وذلك لأنه أول محل الأنصاب فى بطن الوادى ، وكان ذلك الجبل موضوعا على بناء ، ثم على الأرض فى الموضع الذى يشرع منه ابتداء السعى (١) ، وكان السيل يهدمه ويحطمه ، فرفعوه إلى أعلى ركن المسجد ، ولم يجدوا على السنن أقرب من ذلك الركن ، فوقع متأخرا عن محل ابتداء السعى بستة أذرع ... انتهى.

ومقتضى هذا : أن الساعى إذا قصد الصفا من المروة ما يزال يهرول حتى يجاوز هذين العلمين بنحو ستة أذرع ؛ لأجل العلة التى شرع لأجلها الإسراع فى التوجه إلى المروة ، والله أعلم.

وذكر الأزرقى ما يقتضى أن موضع السعى فيها بين الميل الذى بالمنارة ، والميل المقابل له لم يكن مسعى إلا فى خلافة المهدى العباسى ؛ لتغيير موضع السعى قبله فى هذه الجهة ، وإدخاله فى المسجد الحرام فى توسعة المهدى له ثانيا (٢).

والظاهر : إجزاء السعى فيما بين الميلين ـ المشار إليهما ـ ؛ لتوالى الناس من العلماء وغيرهم على السعى بينهما ، ولا خفاء فى تواليهم على ذلك ، ولم يحفظ عن أحد ممن يقتدى به إنكار على من سعى بينهما ، ولا أنه سعى خارجا عنهما ، والله أعلم.

__________________

(١) القرى (ص : ٣٦١ ، ٣١٢).

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٢٧.

١١٩

السادس والعشرون : نمرة ، الموضع الذى يؤمر الحاج بنزوله إذا توجه من منى فى يوم عرفة ، وهو بطن عرنة ـ بالنون ـ على ما ذكر سليمان بن خليل.

ونقل المحب الطبرى عن الصباغ أنها من عرفة ؛ قال : والمعروف أنها ليست منها (١).

وروينا فى تاريخ الأزرقى ما يقتضى أن نمرة من الحرم (٢) ، والله أعلم.

***

__________________

(١) القرى. ص : ٣٨٠).

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٢٧.

١٢٠