مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٣

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-503-039-0
ISBN الدورة:
964-503-039-0

الصفحات: ٤٦٢

الرضا عليه‌السلام حتّى ينصّ على زيارته والمحقّق أنّ الراوي روى تنصيص أبي الحسن على زيارته مريدا بأبي الحسن الثالث وهو الهادي فاشتبه الشهيد الثاني وزعمه الرضا فأبدله به.

ويروي عنه أحمد بن أبي عبد الله البرقي وأبو تراب عبيد الله بن موسى الحارثي الروياني وسهل بن زياد الآدمي وأحمد بن مهران وسهل بن جمهور والنوفلي.

وذكره في الروضات وقال بعد أن ساق نسبه : كان من أصحاب أبي جعفر الجواد وأبي الحسن الهادي عليهما‌السلام ومحترما عندهما في الغاية وكانا يحبّانه حبّا شديدا ويبالغ هو أيضا في تعظيمهما كثيرا ، وقد عرض دينه الحقّ على سيّدنا أبو الحسن الثالث عليّ بن محمّد النقي الهادي عليه‌السلام فيما نقله عنه شيخنا الصدوق وغيره بالإسناد المتصل ، ثمّ ساق الحديث بطوله إلى أن قال : وله كتاب خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام وكتاب يسمّيه كتاب يوم وليلة ، وكتب ترجمتها روايات عبد العظيم بن عبد الله الحسني.

قال : وذكر السيّد العماد والأمير الداماد قدس‌سره العزيز في كتابه «الرواشح السماويّة في الفوائد الرجاليّة» فقال في جمله كلام له من الذايع الشايع أنّ طريق الرواية من جهة أبي القاسم عبد العظيم بن عبد الله الحسني المدفون بمسجد الشجرة بالري رضي‌الله‌عنه وأرضاه من الحسن لأنّه ممدوح غير منصوص على توثيقه.

ثمّ قال المحقّق الداماد : وعندي أنّ الناقد البصير والمبتصر الخبير يستهجنان ذلك ويستقبحانه جدّا ، ولو لم يكن له إلّا حديث عرض الدين وما فيه من حقيقة المعرفة وقول سيّدنا الهادي عليه‌السلام : يا أبا القاسم أنت وليّنا حقّا ، مع ما له من النسب الطاهر والشرف الباهر لكفاه إذ ليس سلالة النبوّة والطهارة كأحد من الناس إذا آمن واتّقى وكان عند آبائه الطاهرين مرضيّا مشكورا ، فكيف وهو صاحب الحكاية المعروفة التي قد أوردها النجاشي في ترجمته وهيم ناطقة بجلالة قدره وعلوّ درجته وفي فضل زيارته روايات متظافرة وقد ورد : من زار قبره وجبت له

٤٢١

الجنّة ، ثمّ ذكر حديث ثواب الأعمال المتقدّم ذكره وقال : ولأبي جعفر بن بابويه كتاب أخبار عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، ذكره النجاشي في عدّ كتبه. وبالجملة قول ابن بابويه والنجاشي وغيرهما فيه بأنّه كان عابدا ورعا مرضيا يكفي في استصحاح حديثه فضلا عمّا أوردناه فإذن الأصحّ الأرجح والأصوب الأقوم أن يعدّ الطريق من جهته صحيحا وفي الدرجة العليا من الصحّة والله سبحانه أعلم.

هل كان لعبد العظيم عقب أو لا؟

قال صاحب عمدة الطالب في طيّ ذكره لعقب السيّد أبي الحسن زيد بن الحسن المجتبى بعد ما نقل عن أبي نصر البخاري النسّابة أنّه كان يتولّى صدقات رسول الله وتخلّف عن عمّه الحسين فلم يخرج معه إلى العراق وبايع بعد قتله عمّه الحسين عبد الله ابن الزبير ، ثمّ إنّه ذكر عقبه من الحسن ابنه وقال بعد ذلك : أمّا علي السديد ابن الحسن زيد يكنى أبا الحسن وأمّه أمّ ولد وعقبه من ابنه عبد الله بن عليّ أمّه أمّ ولد.

قال أبو نصر سهل بن داود البخاري : يقال إنّ عبد الله بن عليّ استلحقه الحسن ابن زيد وهو جدّه بعد فوت أبيه بالقافة وذلك أنّ أباه عليّا هلك في حياة أبيه الحسن بن زيد وأمّ عبد الله جارية بيعت ولم يعلم أنّها حامل فلمّا توفّي عليّ بن الحسن بن زيد ردّها المشتري إلى أبيه الحسن بن زيد فولدت عبد الله فشكّ فيه فدعا بالقافة فألحقوه به واسم الجارية الهيفاء فولدت عبد الله بن عليّ السديد عبد العظيم السيّد الزاهد المدفون في مسجد الشجرة بالري وقبره يزار وأولد عبد العظيم محمّد بن عبد العظيم وكان زاهدا كبيرا وانقرض عبد العظيم ولا عقب له.

رسالة صاحب بن عبّاد في ذكر حاله رضى الله عنه

قال العلّامة الخبير النوري في خاتمة مستدرك الوسائل (١) : وأمّا عبد العظيم فهو

__________________

(١) خاتمة مستدرك الوسائل : ٦١٤.

٤٢٢

من أجلّاء السادت وسادة الأجلّاء ، نقتصر في ذكر حاله على نقل رسالة من الصاحب بن عبّاد وصلت إلينا بخطّ بعض بني بويه ، تاريخ الخطّ سنة ستّ عشرة وخمسمائة صورتها :

قال الصاحب رحمة الله عليه : سألت عن نسب عبد العظيم الحسني المدفون بالشجرة صاحب الشهيد قدّس الله روحه وحاله واعتقاده وقدر علمه وزهده وأنا ذاكر لك على اختصار وبالله التوفيق.

فقال بعد ذكر اسمه ونسبه الشريف ذو ورع ودين عابد معروف بأمانة وصدق اللهجة ، عالم بأمور الدين ، قائل بالتوحيد والعدل كثير الحديث والرواية ، يروي عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى وعن ابنه أبي الحسن صاحب العسكر ولهما إليه الرسائل ، ويروي عن جماعة من أصحاب موسى بن جعفر وعليّ بن موسى.

إلى أن قال : وصف علمه : روى أبو تراب الروياني قال : سمعت أبا حمّاد الرازي يقول : دخلت على عليّ بن محمّد بسرّ من رأى فسألته عن أشياء من الحلال والحرام فأجابني فيها ، فلمّا ودّته قال لي : يا حمّاد ، إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك فسل عنه عبد العظيم بن عبد الله الحسني واقرأه منّي السّلام.

قال : وما روي عنه في التوحيد : روى عليّ بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال : حدّثني عبد العظيم الحسني ـ في خبر طويل يقول : ـ إنّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء وليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر بل هو مجسّم الأجسام ومصوّر الصور ، خالق الأعراض والجواهر.

وروى عبيد الله بن موسى الروياني عن عبد العظيم بن إبراهيم بن أبي محمود قال : قلت للرضا عليه‌السلام : ما تقول في الحديث الذي يروي الناس بأنّ الله منزل إلى السماء الدنيا ، فقال : لعن الله المحرّفين الكلم عن مواضعه والله ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ، إنّما قال : إنّ الله تعالى ينزل ملكا إلى السماء الدنيا ليلة الجمعة فنادى : هل من سائل فأعطيه ، وذكر الحديث.

٤٢٣

وبهذا الإسناد عن الرضا عليه‌السلام في قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)(١) قال : مشرقة منتظرة ثواب ربّها عزوجل.

وما روي عنه في العدل : روى عليّ بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن عليّ بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه موسى الرضا عليهم‌السلام قال : خرج أبو حنيفة من عند الصادق جعفر بن محمّد عليه‌السلام فاستقبله موسى عليه‌السلام ، فقال له أبو حنيفة : يا غلام ، ممّن المعصية؟ فقال : لا تخلو من ثلاثة : إمّا أن تكون من الله عزوجل وليس منه فلا ينبغي للكريم أن يعذّب عبده بما لم يكتسبه ، وإمّا أن تكون من الله ومن العبد فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف ، وإمّا أن تكون من العبد ـ وهي منه ـ فإن عاقبه فبذنبه وإن عفا عنه فبكرمه وجوده.

وروى عبيد الله بن موسى عن عبد العظيم الحسني عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا عليه‌السلام : ثلاثة أشياء لا تكون إلّا بقضاء الله وقدره : النوم واليقظة والقوّة والضعف والصحّة والمرض والموت والحياة ، ثبّتنا الله بالقول الثابت من موالاة محمّد وآله ، وصلّى الله على سيّدنا رسوله محمّد وآله أجمعين ، هذا آخر الرسالة.

ثمّ قال صاحب المستدرك : وقول الصدوق هنا ـ يعني ما تقدّم آنفا ـ وفي كتاب الصوم من النهاية : وكان مرضيّا أي كان دينه صحيحا والأصحاب يرضون حديثه ويعملون به كذا في شرح المجلسي والظاهر أنّ هذا الوصف مأخوذ من الآية الشريفة وهي قوله : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ)(٢) ولذا استعمل في باب

__________________

(١) القيامة : ٢٢ و ٢٣.

(٢) آل عمران : ٢٨٢.

٤٢٤

الشهادات ، ففي الباقري المروي في التهذيب : شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيّا ومعه شاهد آخر.

وفي تفسير الإمام عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في قوله تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) قال : ممّن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفّته وتيقّظه فيما يشهد به وتحصيله وتميّزه ، فما كلّ صالح مميّز ومحصّل ولا كلّ مميّز ومحصّل صالح ، فانقدح بالبال أنّ هذه الكلمة تدلّ على الوثاقة الكاملة ، انتهى.

وقال في روضات الجنّات (١) : وأمّا مرقد الشاه عبد العظيم المذكور فهو الآن خارج عن محوّطة طهران التي هي قاعدة بلاد الري في هذا الزمان وذلك لأنّ المدينة القديمة المسمّاة بالري قد انهدمت بتمامها ولم يبق منها إلّا أثر من ذلك القبر المطهّر وما يحوم حوله فبقي هو بمنزلة قرية كبيرة أو قصبة واقعة على رأس فرسخ من طهران المذكور ، وطهران المذكور أيضا قد كانت في قديم الزمان قرية كبيرة من قرى الري كثيرة الأشجار والبساتين ، مونقة الثمار ، لهم بيوت تحت الأرض من خوف العدوّ بها رمّان جيّد لا يوجد مثله في جميع البلاد ، ثمّ إنّ بأرض الري وجبالها العالية من مقابر أولاد الأئمّة جمّ غفير يطلب خصوص مواضعها من كتب التاريخ والنسب.

شاعر الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام

منهم العوفي ، والديلمي ، ومحمّد بن إسماعيل بن صالح الصيمري ، وأبو تمام حبيب ابن أوس الطائي ، وأبو الغوث أسلم بن مهوز المنبجي ، وأبو هاشم الجعفري داود بن القاسم ، والحماني يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمان بن ميمون أبو زكريّا

__________________

(١) روضات الجنّات : ٣٥٧.

٤٢٥

الحماني الكوفي ، والسوسي المتوفّى سنة ٢٤٣ ، وسيأتي ترجمة هؤلاء في شعراء سامرّاء بصورة تفصيليّة إن شاء الله تعالى.

اختلاف الأقوال في وفاة الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام

قال المورّخ الشهير أحمد بن أبي يعقوب المتوفّى بعد سنة ٢٩٢ في تاريخه المعروف بتاريخ اليعقوبي : توفّي عليّ الهادي بسرّ من رأى يوم الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة ٢٥٤.

تقدّم في صدر الكتاب أنّه هو الأصحّ وهو القول المختار عندي لأنّ اليعقوبي كان من معاصري الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام وكان ببغداد تارة وفي سامرّاء أخرى ، وكتابه أقدم تاريخ عربيّ ، والحاضر يرى ما لا يرى الغائب ، وكان من رجال الشيعة كما صرّح بذلك العلّامة الخبير صاحب الذريعة وغيره.

وذهب إلى ما ذكره اليعقوبي جماعة من مشاهير المورّخين والمحدّثين منهم رشيد الدين محمّد بن عليّ بن شهرآشوب السروي المازندراني ، قال في المناقب : قبض عليه‌السلام بسرّ من رأى يوم الاثنين لثلاث ليال بقين من جمادى الآخر نصف النهار وليس عنده إلّا ابنه أبو محمّد عليه‌السلام.

وكيف كان اختلفوا في يوم وفاته : قيل يوم الأربعاء ، وقيل يوم الاثنين ؛ ذهب إلى الثاني ابن شهرآشوب والطبري وابن الأثير الجزري في كامل التواريخ في حوادث سنة ٢٥٤ والمسعودي في مروج الذهب وابن خلّكان في وفيات الأعيان.

وقد اختلفوا أنّ وفاته عليه‌السلام في أيّ يوم من الشهر : قيل لثلاث بقين من جمادى الآخر ، وقيل لأربع منها ، وقيل لخمس ليال بقين من جمادى الآخر ، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد وقال : توفّي أبو الحسن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن

٤٢٦

محمّد ابن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام بسرّ من رأى في داره التي ابتاعها من دليل بن يعقوب النصراني يوم الاثنين لخمس ليال بقين من جمادى الآخر سنة ٢٥٤.

وقال الطبري في حوادث سنة ٢٥٤ من تاريخه : وفيها مات عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا عليه‌السلام يوم الاثنين لأربع بقين من جمادى الآخرة وصلّى عليه أبو أحمد بن المتوكّل في الشارع المنسوب إلى أبي أحمد ، ودفن في داره.

وقال المسعودي في مروج الذهب : كانت وفاة أبي الحسن عليّ بن محمّد في خلافة المعتزّ بالله وذلك يوم الاثنين لأربع بقين من جمادى الآخرة سنة ٢٥٤.

وقال الكلينيّ في الكافي : مضى عليه‌السلام لأربع بقين من جمادى الآخرة سنة ٢٥٤ وله إحدى وأربعون سنة وستّة أشهر.

وقال عليّ بن عسى الأربليّ في كشف الغمّة : لخمس ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ٢٥٤.

وقال محمّد خواوند شاه في روضة الصفا مثله.

وقال ابن خلّكان في وفيات الأعيان : وكان وفاته يوم الاثنين لخمس بقين من جمادى الآخرة ، وقيل لأربع بقين منه ، وقيل في رابعه ، وقيل في الثالث من رجب سنة ٢٥٤.

وقال اليافعي في مرآة الجنان في حوادث سنة أربع وخمسين ومائتين : وفيها توفّي العسكري أبو الحسن علي الهادي ابن محمّد الجواد ابن عليّ الرضا ، عاش أربعين سنة وكان متعبّدا فقيها إماما ، استفتاه المتوكّل مرّة ووصله بأربعة آلاف درهم وهو أحد أئمّة الإثني عشر على زعم الشيعة.

وقال الشيخ جمال الدين يوسف بن الحاتم الفقيه الشامي في الدرّ النظيم مثل ما ذكره ابن خلّكان.

٤٢٧

وذهب جماعة إلى أنّه توفّي في رجب منهم عليّ بن عيسى الأربلي في أحد أقواله في كشف الغمّة ، والشيخ في المصباح ، والمفيد في الإرشاد ، وصاحب عيون المعجزات ، والفيض في تقويم المحسنين ، وشيخنا البهائي في توضيح المقاصد ، والكفعمي في المصباح ، والشهيد في الدروس ، وابن عيّاش وابن خشّاب ، والفتّال في روضة الواعظين ، والطبرسي في إعلام الورى ، وصاحب كنز المصائب ، وصاحب لوامع الأنوار ، والشيخ الجليل أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختي في كتاب الفرق والمذاهب ، وهؤلاء بين قائل لثلاث خلون من رجب وقائل لخمس خلون منه.

قال الشيخ أبو جعفر الطوسي في المصباح : روى إبراهيم بن هاشم القمّي قال : توفّي أبو الحسن صاحب العسكر يوم الاثنين لثلاث خلون من رجب سنة أربع وخمسين مائتين.

كيف توفّي عليه‌السلام

قال السبط في تذكرة خواصّ الأمّة : توفّي عليّ بن محمّد في جمادى الآخرة سنة ٢٥٤ بسرّ من رأى ومولده في رجب سنة أربع عشر ومائتين وكان عمره يوم وفاته أربعين سنة وكانت وفاته في أيّام المعتزّ بالله ودفن بسرّ من رأى. وقيل : إنّه مات مسموما.

وقال ابن شهرآشوب : وفي آخر ملك المعتمد استشهد مسموما.

وقال ابن بابويه القمّي : سمّه المعتمد.

أقول : المشهور الموافق لتاريخ المعتمد أنّ الذي سمّ الإمام عليّ الهادي هو المعتزّ لا المعتمد لأنّ المعتمد في سنة ٢٥٤ لم يكن بيده أمر ولا نهي كما فصّلناه في محلّه.

٤٢٨

وقال الزرندي : سمّه المستعين ونسبه إلى القيل.

وقال الآخر : سمّه المتوكّل.

ويمكن الجمع بين هذه الأقوال بأنّ كلّ واحد من هؤلاء دسّ إلى الإمام عليه‌السلام السمّ فلمّا دسّ إليه المعتزّ أو المعتمد بلغ الكتاب أجله ومنه قضى نحبه صلوات الله عليه ، وحديث «ما منّا إلّا مقتول أو مسموم» ، مشهور إلّا أنّي لم أظفر بكيفيّة وفاته مسموما.

وقال ابن صبّاغ المالكي في فصول المهمّة في ترجمة أبي محمّد العسكري : ذهب كثير من الشيعة إلى أنّ أبا محمّد الحسن العسكري مات مسموما وكذلك أبوه وجدّه وجميع الأئمّة الذين من قبلهم خرجوا كلّهم من الدنيا على الشهادة ، واستدلّوا على ذلك بما روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : ما منّا إلّا مقتول أو شهيد.

وقال الطبرسيّ في إعلام الورى : ذهب كثير من أصحابنا إلى أنّه عليه‌السلام قبض مسموما وكذلك أبوه وجدّه وجميع الأئمّة وخرجوا من الدنيا على الشهادة واستدلّوا في ذلك بما روي عن الصادق عليه‌السلام من قوله : والله ما منّا إلّا مقتول أو مسموم.

وروى المجلسيّ في عاشر البحار خبر جنادة بن أبي أميّة حيث قال له أبو محمّد الحسن المجتبى : ما منّا إلّا مقتول أو مسموم.

رواية إثبات الوصيّة في وفاته عليه‌السلام : قال المسعوديّ في إثبات الوصيّة : حدّثنا جماعة كلّ واحد منهم يحكي أنّه دخل الدار ـ أي دخل دار أبي الحسن عليه‌السلام ـ يوم وفاته وقد اجتمع خلق من الشيعة ولم يكن ظهر عندهم أمر أبي محمّد عليه‌السلام ولا عرف خبره إلّا الثقاة الذين نصّ أبو الحسن عليه‌السلام عندهم عليه فحكوا أنّهم كانوا في مصيبة وحيرة في ذلك إذ خرج من الدار الداخلة خادم فصاح بخادم آخر : يا رياش ، خذ هذه الرقعة وامض بها إلى دار أمير المؤمنين وادفعها إلى فلان وقل له : هذه رقعة

٤٢٩

الحسن بن عليّ ، فاستشرف الناس لذلك ثمّ فتح من صدر الرواق باب وخرج خادم أسود ثمّ خرج بعده أبو محمّد عليه‌السلام حاسرا مكشوف الرأس ، مشقوق الثياب وعليه مبطنة ملحم بيضا وكان وجهه وجه أبيه عليه‌السلام لا يخطئ منه شيئا ، وكان في الدار أولاد المتوكّل وبعضهم ولاة العهد فلم يبق أحد إلّا قام على رجليه ووثب إليه أبو محمّد الموفّق فقصده أبو محمّد عليه‌السلام فعانقه ثمّ قال له : مرحبا يابن العمّ ، وجلس بين بابي الرواق والناس كلّهم بين يديه وكانت الدار كالسوق بالأحاديث.

فلمّا خرج وجلس أمسك الناس فما كنّا نسمع شيئا إلّا العطسة والسعال ، وخرجت جاريته تندب أبا الحسن ، فقال أبو محمّد : ما هاهنا من يكفي مؤونة هذه الجارية ، فبادر الشيعة إليها فدخلت الدار وهي تقول : ماذا لقينا من يوم الإثنين ، ثمّ خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمّد ، فنهض عليه‌السلام وأخرجت الجنازة وخرج يمشي حتّى أخرج بها إلى الشارع الذي بإزاء دار موسى بن بغا ، وقد كان أبو محمّد صلّى عليه قبل أن يخرج إلى الناس ، وصلّى عليه المعتمد لمّا أخرج ، ودفن صلّى الله عليه في داره واشتدّ الحرّ على أبي محمّد عليه‌السلام وضغطه الناس في طريقه ومنصرفه من الشارع بعد الصلاة عليه ، فصار في طريقه إلى دكّان لبقّال رآه مرشوشا ، فسلّم واستأذنه في الجلوس فأذن له وجلس ووقف الناس حوله. فبينا نحن كذلك إذ أتاه شابّ حسن الوجه ، نظيف الكسوة ، على بغلة شهباء ، فنزل عنها فسأله أن يركبها ، فركب حتّى أتى الدار ونزل وخرج في تلك العشيّة إلى الناس ما كان يخرج من أبي الحسن حتّى لم يفقدوا منه إلّا الشخص وتكلّمت الشيعة في شقّ ثيابه وقال بعضهم : أرأيتم أحدا من الأئمّة شقّ ثوبه في مثل هذه الحالة ، فوقّع عليه‌السلام إلى من قال ذلك : يا أحمق ، ما يدريك ما هذا ، قد شقّ موسى عليه‌السلام على أخيه هارون عليه‌السلام.

وقال أيضا في إثبات الوصيّة : قتل المتوكّل يوم الرابع من شوّال سنة ٢٤٧ وكان سنة سبع وعشرين من إمامة أبي الحسن عليه‌السلام وبويع لابنه المنتصر وملك ستّة أشهر

٤٣٠

ثمّ توفّي في شهر ربيع الآخر سنة ٣٤٧ ، وبويع لأحمد بن محمّد وهو المستعين بن المعتصم فكانت مدّته أربع سنين وشهرا إلى أن خلع وبويع للمعتز بن المتوكّل سنة ٢٥٢ وذلك في اثنين وثلاثين سنة من إمامة أبي الحسن عليه‌السلام ثمّ اعتمل أبو الحسن علّة التي توفّي فيها في سنة ٢٥٤ فأحضر أبا محمّد ابنه فسلّم إليه النور والحكمة ومواريث الأنبياء والسلاح وأوصى إليه صلّى الله عليه ثمّ مضى عليه‌السلام وقام منفردا بالإمامة ثلاثا وثلاثين سنة وشهورا.

وقال في الدمعة الساكبة : روى عليّ بن بلال أنّ المعتزّ أرسل إلى أبي محمّد فاستدعاه ليعزّيه فركب أبو محمّد وصار إليه فلمّا دخل عليه رحّب به وقرّبه وعزّاه.

وقال في جنّات الخلود : دفن أبو الحسن الثالث عليه‌السلام في داره التي هيّئها له المتوكّل وكان عليه‌السلام فيها مشتغلا بالعبادة وتلاوة كتاب الله وكتابته فهو مكان شريف ومحلّ منيف يستحبّ فيها الصلاة والدعاء.

دار بحمد الله قد أسّست

على التّقى والشرف الأطهر

فقل سلام الله وقف على

ذاك الجنان الممرع الأخضر

من جنّة الخلد شرى أرضها

ومائها من نهر الكوثر

حلّ بها شخصان من دوحة

أغصانها تنفح من عنبر

العسكريّان هما ما هما

فطوّل التقريض أو قصّر

غصنا علاء قمرا سدفة

شمسا نهار فارسا متبر

* * *

نبذة يسيرة من مراثي الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام

إنّ الراثين لإمام عليّ الهادي عليه‌السلام من الشيعة كثيرون لا يحصون من متقدّمين ومتأخّرين ، ولا ريب أنّ كلّ من رزق منحة قرض الشعر من جهة والولاء الصادق

٤٣١

من جهة أخرى يشحذ قريحة السيّالة في مدح أهل البيت عليهم‌السلام أو رثائهم برهانا على ولائه الذي طبع عليه وفطر من لدن أن برز إلى هذا الوجود إلى أن فارق الحياة ولا شكّ أنّ في ذلك من الثواب الجزيل والأجر الوافر ما الله أعلم به.

ففي عيون أخبار الرضا للصدوق رحمه‌الله : إنّ عبد الله بن الصلت كتب إلى أبي جعفر الجواد عليه‌السلام يستأذن في أن يرثي أباه أبا الحسن عليه‌السلام فكتب إليه : اندبني واندب أبي.

وفيه عن عليّ بن سالم عن أبيه عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : ما قال فينا قائل بيت شعر حتّى يؤيّد بروح القدس.

وغير ذلك من الأخبار التي رواها الصدوق رحمه‌الله وغيره من حملة الآثار وإليك نبذة يسيرة من مراثيهم نوردها هنا أنموذجا صالحا لولائهم الصادق ومحبّتهم الصحيحة.

فمن ذلك ما أنشأه محمّد بن إسماعيل بن صالح الصيمري في رثائه عليه‌السلام وتعزية أبي محمّد العسكري ، قال : وكان إنشائها هذا قبل مولد الحجّة عليه‌السلام :

الأرض حزنا زلزلت زلزالها

وأخرجت من جزع أثقالها

عشر نجوم أفلت في فلكها

ويطلع الله لنا أمثالها

بالحسن الهادي أبي محمّد

تدرك أشياع الهدى آمالها

يا حجج الرحمان إحدى عشره

آلت بثاني عشرها مآلها

ومن ذلك ما قال عليّ بن عيسى الأربلي في مدحهم :

يا أيّهذا الرايح الغادي

عرّج على سيّدنا الهادي

واخلع إذا شارفت ذاك الثرى

فعل كليم الله في الوادي

وقبّل الأرض وسف (١) تربة

فيها العلى والشرف العادي

__________________

(١) من سفا يسفو أي سرع ، ومنه تسفى الرياح.

٤٣٢

وقل سلام الله وقفا على

مستخرجا من صلب أجوادي

مؤيّد الأفعال ذو نائل

في النهل يروى غلّة الصادي

يفوق في المعروف صوب الحيا

الساري بإبراق وإرعاد

في البأس يروى شأفة المعتدي

بصولة كالأسد الغاد

وفي الندى يجري إلى غاية

بنفس مولى العرف معتاد

يعفو عن الجاني ويعطي المنى

في حالتي وعد وإيعاد

كأنّ ما يحويه من ماله

دراهم في كفّ نقّاد

مبارك الطلعة ميمونها

وماجد من نسل أمجاد

من معشر صادوا بناء العلى

كبيرهم والناشي الشاد

كأنّما جودهم واقف

لمبتغ الجود بمرصاد

عمّت عطاياهم وإحسانهم

ظلّاع أغوار وأنجاد

في السلم أقمار وإن حاربوا

كانت لهم نجدة آساد

ولائهم من خير ما نلته

وخير ما قدّمت من زاد

إليهم سعى وفي حبّهم

ومدحهم نصّي وإسناد

يا آل طه أنتم عدّتي

ووصفكم بين الورى عادي

وشكركم دأبي وذكري لكم

همّي وتسبيحي وأورادي

وواجب في شرع إحسانكم

أنالني الخير وامدادي

لا زال قلبي لكم مسكنا

في حالتي قرب وإبعادي

ومن ذلك ما قال السيّد محمّد القطيفي في قصيدة له في مدحهم عليهم‌السلام :

ثمّ عج يا مرشد النفس إلى

أرض سامرّاء ننشق من ثراها

واعطها مقودها حتّى ترى

قبّة فيه رجاها ومناها

فعلى نوري على حلّ بها

من صلاة الله والخلق رضاها

٤٣٣

قف فدتك النفس واغنم أجرها

حيث تحييها سلاما من فناها

مبلغا جلّ سلامي لهما

طالبا للنفس ما فيه هداها

أم لعيني نظرة ممّن رأى

جدثي قد سكبا تجلو جلاها

لم يرى الله أناسا غيركم

للشهادات فأنتم شهداها

جدّكم أعظم قدرا فأذى

فحسوتم بعده كأسا حساها

وسقاكم ثدي أخلاف بها

عطر القرآن من عطر شذاها

ما رجا راج بكم إلّا نجا

كيف والراجي الميامين فناها

ثمّ أنهضني فلا قوّة لي

من هموم أبهضتني من عداها

نحو سرداب حوى خوف العدى

عصمة العالم والمعطي رجاها

ومن ذلك ما قال الشيخ عبد الحسين بن الشيخ أحمد شكر في قصيدة له في رثاء الهادي عليه‌السلام :

لله رزء هدّ أركان الهدى

من بعده قل للرزايا هوّني

حطمت قناة الشرع حزنا بعده

وبكت بقاني الدمع عين الدين

لله يوم للإمام الهادي

سبع الطباق تزلزلت برنين

يوم به أضحى النقيّ متجرّعا

سمّا بكأس عداوة وضغون

لله مفتقد عليه تجلبب الد

ين الحنيف بذلّة وبهون

يا ضامن الجنّات يدخل من

يشا فيها ومن قد شاء في سبحين

يا أرض سامرّاء ضمنت معظّما

أيّ المعظّم وابن أيّ أمين

ومن ذلك هذه الأرجوزة لشيخنا الأستاذ المجتهد آية الله في العالمين الحاجّ شيخ محمّد حسين الاصفهاني النجفي قدس‌سره :

لقد تجلّى مبدء الإيجاد

في غاية الوجود باسم الهادي

أحسن خلق كلّ شيء فهدى

وباسمه الهادي اهتدى من اهتدى

٤٣٤

ميّز بين الماء والسراب

بالعلم الهادي إلى الصواب

فبان وجه الحقّ ذاتا وصفه

بنيّر العلم ونور المعرفه

وانفجرت لكلّ قلب صادي

عين الحياة من محيّا الهادي

منه حياة الروح بالهدايه

بل مطلق الحياة بالعنايه

بل هو في العقول والأرواح

كالروح في الأجساد والأشباح

كيف ومن مشرقه صبح الأزل

فلا يزال مشرقا ولم يزل

به حياة عالم الإمكان

فإنّه كالنفس الرحماني

معنى الحقيقة المحمّديّه

وصورة المشيّة الفعليّه

ووجهه في مصحف الإمكان

فاتحة الكتاب في القرآن

بل وجهه عنوان حسن الذات

ديباجة الأسماء والصفات

طلعة مطلع نور النور

ومشرق الشموس والبدور

غرّته في افق الإمامه

بارقة العزّة والكرامه

بل هي بيضاء سماء المعرفه

بها أضاء كلّ اسم وصفه

بل يده في البسط فوق كلّ يد

وكيف لا وهي يد الله الأحد

كلتا يديه مبدء الأيادي

وفيهما نهاية المراد

ففي اليمين قلم العنايه

وفي الشمال علم الهدايه

واليمن والأمان في يمناه

واليسر واليسار في يسراه

وعينه باصرة البصائر

ونوره النافذ في الضمائر

بل عينه في النور والشعاع

إنسان عين عالم الإيداع

بل هي في الضياء والبهاء

قرّة عين عالم الأسماء

أنفاسه جواهر الناسوت

وصدره خزانة اللاهوت

وقلبه في قالب الإمكان

كالروح في الأعيان والأكوان

٤٣٥

وكيف وهو أعظم المظاهر

للمتجلّي بالجمال الباهر

همّته فوق سماوات الهمم

بل هي كالعنقاء في قاف القدم

وعزمه يكاد يسبق القضا

كيف وفي رضاه لله رضا

وهوله ولاية الهدايه

في منتهى مراتب الولايه

وهو يمثّل النبيّ الهادي

في بثّ روح العلم والإرشاد

فإنّه لكلّ قوم هاد

كجدّه المنذر للعباد

بل سرّه الخفيّ في هدايه

موصل كلّ ممكن لغايه

فهو له في مسند التمكين

هداية التشريع والتكوين

هو النقيّ لم يزل نقيّا

وكان عنده ربّه مرضيّا

بل هو من شوائب الإمكان

مقدّس بمحكم البرهان

وكيف وهو برزخ البرازخ

ودونه كلّ مقام شامخ

وسرّه بكلّ معناه نقي

فإنّه سرّ الوجود المطلق

فهو مجرّد عن القيود

فكيف بالرسوم والحدود

فهو نقيّ السرّ والسريره

وسرّ جده بحكم السيره

وهو كتاب ليس فيه ريب

وشاهد فيه تجلّي الغيب

وكيف لا وهو ابن من تدلّى

في قوسه من العليّ الأعلى

ما كذب الفؤاد ما رآه

مذ بلغ الشهود منتهاه

مرآته نقيّة من الكدر

فما طغى قطّ وما زاغ البصر

حاذ من الجلال والجمال

ما جاوز الحدّ من الكمال

كماله ليس له نهايه

فإنّه غاية كلّ غايه

وفي محيط كلّ اسم وصفه

هو المداد عند أهل المعرفه

ومحور الأفلاك بل مديرها

بل منه أدنى أثر أثيرها

٤٣٦

والعرش والسبع العلى ببابه

مثنية العطف إلى أعتابه

له من النعوت والشئون

ما جلّ أن يخطر في الظنون

وبابه باب رواق العظمه

ومستجار الكعبة المعظّمه

وهو مطاف الملأ الأعلى كما

تطوف بالضراح أملاك السما

وبابه كعبة أهل المعرفه

لهم بها مناسك موظّفه

وهو منى وفيه غاية المنى

وكيف لا وهو مقام من دنى

فأين منه الحجر والمقام

وأين منه المشعر الحرام

والحرم الأمن حريم بابه

والبيت منسوب إلى جنابه

ملجأ كلّ ملّة ونحله

وهو لأرباب القلوب قبله

ملاذ كلّ حاضر وباد

وكيف لا والباب باب الهادي

بل هو باب الله من أتاه

فقد أتى الله فما أعلاه

ولست أحصي مكرمات الهادي

فإنّها في العدّ كالأعداد

وجوده الفرد مقوّم العدد

فهو مثال واحد به الأحد

مقامه مقام جمع الجمع

بمحكم العقل وحكم السمع

وليس يدنو من مقامه العلي

لا ملك ولا نبيّ أو ولي

وليس في وسع نبيّ أو ملك

نيل مقام دونه أعلى الفلك

له معارج إلى الصعود

في مبتداها منتهى الشهود

إذ هو سرّ من رقى أرقاها

ونال أقصى العزّ من أدناها

لا يرتقيها أحد سواه

غاية سير الغير مبتداه

هي المقامات فما أرقاها

إذ منتهى السدرة مبتداها

ويل لمن مشاه في ركابه

إسائة منه إلى جنابه

وهو ابن من أسرى به الجليل

وكان في ركابه جبريل

٤٣٧

أبوه فارس الوجود كلّه

ورامح السماء تحت ظلّه

أفي ركاب العبد يمشي سيّده

لا والذي بنصره يؤيّده

فانتصر الله له بالمنتصر

وهكذا أخذ عزيز مقتدر

وكم أساء المتوكّل الأدب

أحضره عند الشراب والطرب

وهو من السنّة والكتاب

منزلة اللبّ من اللباب

أهذه القبايح الشنيعه

بمحضر من صاحب الشريعه

أيطلب الشرب من الإمام

وهو وليّ عصمة الأحكام

أيطلب الغناء بالأشعار

من معدن الحكمة والأنوار

أنزله في أشنع المنازل

وفخر كلّ منزل بالنازل

من هو عند ربّه مكين

فلا عليه إنّما يكون

له رياض القدس مأوى ومقر

خان الصعاليك غطاء للبصر

شاهد منه في بني الرسول

ما كاد أن يذهب بالعقول

وكم أساء القول في أبيه

عليّ القدر وفي بنيه

حتّى انتهى الأمر إلى الصدّيقه

فأظهر الكفر على الحقيقه

عاجله المنتقم القهّار

بضربة تقدح منه النار

فانهار في نار الجحيم الموصده

مخلّدا في عمد ممدّده

قاسى الإمام من بني العبّاس

ما ليس في الوهم وفي القياس

كم مرّة من بعد مرّة جلس

وهو بما يراه منهم محتبس

حتّى قضى بالغمّ عمرا كاملا

فسمّه المعتزّ سمّا قاتلا

قضى شهيدا في ديار الغربه

في شدّة ومحنة وكربه

بكته عين الرشد والهدايه

حيث هوى منها أجلّ رايه

بكته عين العلم والآداب

ومحكم السنّة والكتاب

٤٣٨

بكته عين الفلك الدوّار

حزنا على المدير والمدار

بكاه آدم الصفيّ مذ مضى

صفاء وجه الدهر واسودّ الفضا

وناح نوح لعظيم شأنه

حيث رأى أعظم من طوفانه

ورزئه الجليل في الخليل

رماه بالبكاء والعويل

لقد بكى الكليم حتّى صعقا

كأنّ روحه كأوّل اللقا

من رنّة المسيح في السما

أرجائها ترتجّ بالبكاء

بكاه جدّه النبيّ المجتبى

كأنّه ضياء عينه خبا

بكته أعين البدور النيّره

آبائه الغرّ الكرام البرره

بكاه كلّ ما سوى الله على

مصابه حتّى الوحوش في الفلا

ومن ذلك ما أنشأه العلّامة العلم السيّد صالح بن السيّد مهدي القزويني البغدادي في الإمام الهادي عليه‌السلام :

طريق المعالي في شدوق الأراقم

وليل الأماني في بروق الصوارم

وقد مني الهادي على ظلم جعفر

بمعتمد في ظلمه والجرائم

أتاحت له غدرا يدا متوكّل

ومعتمد في الجور غاش وغاشم

وما كفّ كفّ الظلم عنه بيثرب

ومدّ له شانيه كفّ المسالم

وأشخص رغما من مدينة جدّه

إلى الرجس إشخاص المعادي المخاصم

وأنزل في خان الصعاليك حطّة

لشامخ قدر منه سامي الدعائم

ولاقى كما لاقا من القوم أهله

جفاء وغدرا وانتهاك محارم

بنفسي مقيما في أعاديه مكرها

على الضيم في سوق من الظلم قائم

ومظهرا عجاب المزايا تنوشه

بوادر أوصاب الرزايا العظائم

يبلّ الثرى دمعا لأدمية له

أطلّت وما ابتلّت يداه بقائم

وينظر فيء الله في غير أهله

وأيديهم بالرغم صفر البراجم

٤٣٩

وعاش بسامرّاء عشرين حجّة

يجرّع من أعداه سمّ الأراقم

يزيدهم في كلّ يوم معاجزا

فتزداد أعداء له بالهضائم

مناقب أمثال المصائب عدّها

محال وإن تجهد بجمع العوالم

أرى صالحا ولدان عدن وحورها

وأسمعه في الدوح سجع الحمائم

وأرعب من غلب الضراغم تسعة

فطأطأهنّ المسح فوق الجماجم

وأخبر أنّ الحشر من كلّ بقعة

ولم تخل بطن الأرض من ولد آدم

وصدّقه موت الجنود بمحمة

ودفنهم ما بين تلك المعالم

فزال بذاك الشكّ عن قلب سامع

قد ارتاب في إخباره بالملاحم

وأبرز في وقت الظهيرة راجلا

بأمر ظلوم رام إعزاز ظالم

فقال دعاء ليس ناقة صالح

بأعظم عند الله من ولد فاطم

فلم يلبثا إلّا ثلاثا وأهلكا

هلاك ثمود بارتكاب المآثم

ونادى سعيدا باسمه متسلّقا

على الدار في جنح من الليل فاحم

غداة سعى الواشي به عند جعفر

بجمع سلاح وادّخار دراهم

فلم ير إلّا بدرة أهديت له

وقد كان مختوما عليه بخاتم

فضمّ إليها مثلها ثمّ ردّها

وقد قرع الواشي به سنّ نادم

ولمّا ابتغى فتكا به وهو محضر

له الخزر خرّوا سجّدا للمناسم

ولو لم ترى الأملاك محدقة به

لما ارتدعوا عن فتكهم بالصوارم

وداوى بماء الورد والكسب قرحة

له كلّ عن إصلاحها كلّ عالم

أسرّ الدعا داع فأبداه عالم

بأسرار ما في الكون من قبل آدم

وأخرسن إجلالا له عند جعفر

سواجع طير فوق زهر الكمائم

وشافى كعيسى أبرصا قبل سؤله

دعاه من الداء العضال الملازم

ولمّا أتى الذمّيّ يحمل نذره

إليه تلقّاه بإرسال خادم

٤٤٠