مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٣

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-503-039-0
ISBN الدورة:
964-503-039-0

الصفحات: ٤٦٢

كما أنّ الحسين وأبو جعفر السيّد محمّد وجعفر المعروف بالكذّاب وأخته السيّدة حكيمة تقدّم في المجلّد الثاني مع أعقابهم وأخبارهم مفصّلا.

وأمّا إخوته عليه‌السلام : على ما نقله الملك الكتّاب في كتابه بحر الأنساب : موسى المبرقع وزيد وجعفر وأبو الحسن وأبو طالب ، قال ما ملخّص مضمونه : إنّ أبا جعفر الجواد لمّا استشهد اشتدّ ظلم بني العبّاس على العلويّين فانتشروا في البلاد ومن جملتهم أبو الحسن وجعفر وموسى مع عيالاتهم وخدمهم وحشمهم رحلوا من الكوفة إلى بلاد الري واتفق أنّ جماعة من المخالفين صادفهم في أثناء الطريق فلمّا عرفوهم عزموا على القتال فحاصروهم واشتعلت بين الفريقين نائرة الحرب فقتل في تلك الوقعة إبراهيم بن جعفر بن محمّد الجواد عليه‌السلام وجرح آخرون وفرّ أخوه إسماعيل بن جعفر بن محمّد الجواد إلى طهران واختفى في بيت حدّاد كان من خيار محبّيهم فاشتغل بمعالجة جراحاته شهرا كاملا فلمّا عوفي من ذلك وظهر أمره واشتهر خبره أخذ وقتل.

وأمّا موسى المبرقع وأخوه جعفر مع سائر بني أخيه وخدمه وحشمه نفروا إلى بلدة دار المرز فلمّا وصلوا إلى قرية (آهنك لار) نزلوا واطمأنّوا من هجوم العدو وجاء إليهم رجل فلّاح يقال له شعبان وعلم بحالهم وعرفهم سارع إلى حاكم البلد وهو ابن أخي مأمون العبّاسي فأخبره بالقصّة فجهّز جيشا وأرسله إليهم فاشتدّ القتال بينهما وقتل من المخالفين ستّة آلاف ومن العلويّين ثلاثة عشر ، فعند ذلك جاء البريد بأنّ المعتصم توفّي ، فتزلزلت أركان المخالفين وانهزموا بأجمعهم.

وقيل : كان سبب انهزامهم أنّ جماعة من الشيعة كانوا في تلك القرى وكان رئيسهم عبد الله بن إبراهيم بن محمّد بن قاسم بن ثابت بن عليّ بن محمود بن يحيى بن أسد بن مسيّب بن فعقاع الخزاعي ، فلمّا أخبروا بالقصّة ارتفعت أصواتهم بالبكاء والنحيب وكثر الصراخ والعويل ، فعقدوا راية للمحاربة واستنصروا عن

٤٠١

شيوخ العشاير ورؤساء القبايل فنصروهم بخيلهم ورجالهم فنشروا علم جدّهم مسيّب بن فعقاع الخزاعي وساروا إلى مقتل العلويّين ، فلمّا رأوا مصارعهم تمرّغوا على التراب ولطموا الخدود وأكثروا العويل والبكاء حزنا على قتل سلالة الأطياب ، ثمّ حملوا على المخالفين وقتلوهم عن آخرهم حتّى لم يبق لهم مخبر ، وكانت القتلى تتجاوز عن ألفين ، فنهبوا أموالهم وأخذوا بلادهم فرجعوا غانمين ، واشتغلوا بمعالجة جعفر وأخيه موسى المبرقع حتّى برءا عن ألم الجراح ، تزوّج عبد الله بن إبراهيم الخزاعي رئيس البلد ابنة زينب لجعفر بن محمّد الجواد عليه‌السلام فأقام فيهم جعفر وكثرت أعقابه فيها فهم يدعون سادات الرضوي والتقوي.

ثمّ ذكر ملك الكتّاب أقاصيص لسائر إخوة مولانا عليّ الهادي أعرضنا عن ذكرها لعدم الاعتماد على متفرّداته مع كون الكتاب فارسيا تكلّفنا على تعريبه.

حياة موسى المبرقع أخ الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام

قال المفيد في الإرشاد : خلّف أبو جعفر الجواد عليه‌السلام من الولد عليّا ابنه الإمام بعده ، وموسى وفاطمة وأمامة وابنتيه ولم يخلف ذكرا غير من سمّيناه ، انتهى.

والمشهور حكيمة بدل فاطمة إلّا أنّ ملك الكتّاب ذكر في بحر الأنساب أنّ لأبي جعفر الجواد ستّة من الأولاد : أبو الحسن عليّ الهادي وأبو طالب زيد وأبو جعفر موسى المبرقع وحكيمة وخديجة وأمّ كلثوم.

وأمّا موسى المبرقع ابن محمّد الجواد هو لأمّ ولد ، مات بقم ليلة الأربعاء لثمان ليال بقين من ربيع الآخرة سنة ٢٩٦ ودفن في داره وهو المشهد المعروف اليوم.

وقال في عمدة الطالب : وأمّا موسى المبرقع هو لأمّ ولد ، مات بقم وقبره بها ، ويقال لولده الرضويّون وهم بقم إلّا من شذّ منهم إلى غيرها ، وأعقب من أحمد بن موسى المبرقع وحده ، وزعم الشريف أبو حرب الدينوري النسّابة أنّ محمّد بن

٤٠٢

موسى المبرقع أيضا معقّب ورفع إليه نسب بني الخشّاب ، ومحمّد بن موسى دارج عند جميع النسّابين ، فنسب بني الخشّاب باطل لا يصحّ إليه ، فأعقب أحمد بن موسى المبرقع من محمّد الأعرج وحده والبقيّة في ولده لابنه أبي عبد الله أحمد نقيب قم.

وفي عيون المعجزات للسيّد المرتضى علم الهدى روى فيه عن الحميريّ ، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى عن أبيه أنّ أبا جعفر عليه‌السلام لمّا أراد الخروج من المدينة إلى العراق ومعاودتها ، أجلس أبا الحسن عليه‌السلام في حجره بعد النصّ عليه وقال له : ما الذي تحبّ أن أهدي إليك من طرائف العراق؟ فقال : سيفا كأنّه شعلة نار ، ثمّ التفت إلى ابنه موسى وقال له : ما تحبّ أنت؟ فقال : فرسا. فقال عليه‌السلام : أشبهني أبو الحسن وأشبه هذا أمّه.

وقال الحسن بن عليّ القمّي في ترجمة تاريخ قم أنّ أوّل من انتقل من الكوفة إلى قم من السادات الرضويّة كان أبا جعفر موسى بن محمّد بن الرضا عليه‌السلام في سنة ستّة وخمسين ومأتين وكان يسدل على وجهه برقعا دائما ، فأرسلت إليه العرب أن اخرج من مدينتنا وجوارنا ، فرفع البرقع عن وجهه فلم يعرفوه ، فانتقل عنهم إلى قاشان فأكرمه أحمد بن عبد العزيز بن دلف العجليّ فرحّب به وألبسه خلعا فاخرة وأفراسا جيادا وجعل له وظيفة في كلّ سنة ألف مثقال من الذهب وفرسا سرجا ، فدخل قم بعد خروج موسى منها أبو السليم الحسين بن عليّ بني آدم ورجل آخر من رؤساء العرب فاطّلعا على إخراج المبرقع فأرسلا خلفه وردّاه إلى قم واعتذر أهل قم منه وأكرموه واشتروا من مالهم له دارا ووهبوا له سهاما من قرى متعدّدة وأعطوه عشرين ألف درهم واشتروا له ضياعا كثيرة ، فأتت أخواته زينب وأمّ محمّد وميمونة بنات الجوا عليهم‌السلام ونزلن عنده ، فلمّا توفّين دفنّ عند فاطمة بنت موسى بن جعفر.

٤٠٣

واقام موسى بقم حتّى مات ليلة الأربعاء لثمان ليال بقين من ربيع الآخرة سنة ستّ وتسعين ومائتين ودفن في داره وهو المشهد المعروف اليوم ، وكان قبل وفاة المبرقع يعرف بدار محمّد بن الحسن بن أبي خالد الأشعريّ ، وأوّل من دفن فيها موسى المبرقع ثمّ بنته ميمونة لمّا توفّيت دفنت بمقبرة بابلان في جوار فاطمة بنت موسى بن جعفر عليه‌السلام وبنوا عليها قبّة ، ثمّ دفنت عنده أمّ حبيب جارية أبي عليّ محمّد بن أحمد بن موسى المبرقع ، وكانت هذه الجارية أمّ أمّ كلثوم.

وقال المفيد في الإرشاد : روى الحسين بن الحسن الحسينيّ قال : حدّثني أبو الطيب ويعقوب ابن ياسر قال : كان المتوكّل يقول : ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا وجهدت أن يشرب معي وأن ينادمني فامتنع ، وجهدت أن أجد فرصة في هذا المعنى فلم أجدها. فقال له بعض من حضر : إن لم تجد من ابن الرضا ما تريده من هذه الحالة فهذا أخوه موسى قصّاف غرّاف يأكل ويشرب ويعشق ويتخالع فأحضره وأشهره فإنّ الخبر يشيع عن ابن الرضا بذلك فلا يفرق الناس بينه وبين أخيه ومن عرفه اتّهم أخاه بمثل فعاله ، فقال : اكتبوا بإشخاصه مكرّما ، فأشخص مكرّما ، فتقدّم المتوكّل أن يتلقّاه جميع بني هاشم والقوّاد وساير الناس وعمل على أنّه إذا رآه أقطعه قطيعة وبنى له فيها دارا وحوّل إليها الخمّارين والقيان وتقدّم بصلته وبرّه وأفرد له منزلا سريا بصلح أن يزوره هو فيه.

فلمّا وافى موسى تلقّاه أبو الحسن الهادي عليه‌السلام في قنطرة وصيف وهو موضع يتلقّى فيه القادمون فسلّم عليه ووفّاه حقّه ثمّ قال له : إنّ هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك فلا تقرّ له إنّك شربت نبيذ واتّق الله يا أخي أن ترتكب محظورا. فقال له موسى : وإنّما دعاني لهذا ، فما حيلتي؟ قال : فلا تضع من قدرك ولا تعص ربّك ولا تفعل ما يشينك ، فما غرضه إلّا هتكك ، فأبى عليه موسى ، فكرّر عليه أبو الحسن القول والوعظ وهو مقيم على خلافه ، فلمّا رأى أنّه لا يجيب قال له : أمّا إنّ المجلس

٤٠٤

الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه أنت وهو أبدا.

قال : فاقام موسى ثلاث سنين يبكّر كلّ يوم إلى باب المتوكّل فيقال له : قد تشاغل اليوم فيروح ويبكّر فيقال له قد سكر ، فيبكّر فيقال له : قد شرب دواء ، فما زال على هذا ثلاث سنين حتّى قتل المتوكّل ولم يجتمع معه على شراب.

وروى الكلينيّ في الكافي بسنده عن يعقوب بن ياسر مثله كما تقدّم في الثانية والأربعين من معاجز الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام مع شرح بعض ألفاظها.

ثمّ إنّ العلّامة الخبير الميرزا حسين النوري ضعّف هذا الحديث بما لا مزيد عليه في رسالة الفارسيّة «البدر المشعشع في أحوال موسى المبرقع» وتوجد النسخة الشريفة عندي ، فقال ما حاصل مضمونه :

فنقول : أوّلا : إنّ الحسين بن الحسن الحسيني ويعقوب بن ياسر من المجاهيل وليس لهما ذكر في كتب الرجال وهما من حواشي المتوكّل وندمائه المطّلعين على قبائح أفعاله والحاضرين في مجلس شربه ، فالخبر الضعيف لا يثبت جرحا ولا تعديلا ، وهذا الخبر وإن رواه الكليني والمفيد إلّا أنّه لا يثبت به حكم شرعيّ من واجب أو حرام أو حلال لضعفه ، نعم لا بأس بذكره إذا تضمّن فضيلة من فضائل أهل البيت بل إذا كان الراوي من المنحرفين عنهم فنقله أولى وأهمّ.

وثانيا : هذا الخبر معارض بخبر أصحّ سندا وأقوى دلالة تتضمّن توليته في الأوقاف من قبل الإمام عليه‌السلام كما رواه الكليني في الكافي بسنده عن أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر الجواد عليه‌السلام وتوليته من قبل الإمام عليه‌السلام من شواهد عدالته قطعا.

وثالثا : من نسب إلى المبرقع نسبة الشرب هو من أعوان المتوكّل وشهادتهم لا تثبت شيئا ولا تنفي شيئا باتفاق جميع العلماء ، وربّما رأوا من المبرقع زلّة ثمّ نسبوا إليه ما يرتكبون أنفسهم من المآثم فقاسوا بأنفسهم المبرقع.

٤٠٥

ورابعا : لم يبعد ارتكابه من جهة صغر سنّه وقلّة معاشرته مع أبيه وأخيه عليّ الهادي عليهما‌السلام وعدم من يربّيه في المدينة كما يظهر من تاريخ وفاة أبي جعفر عليه‌السلام وهجرة الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام من المدينة إلى سامرّاء ثمّ بلغ أمره في الجلالة إلى أن جلّله وعظّمه مثل أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري وأحمد بن إسحاق ومحمّد بن أحمد ابن يحيى وأمثالهم وهؤلاء من الأعلام والأجلّاء.

وخامسا : إنّ العلماء رووا حديثه في صحاحهم منهم الكليني في الكافي في باب ميراث الخنثى ، والشيخ في التهذيب في باب ميراث الخنثى ، والحسن بن عليّ بن شعبة في تحف العقول وغيرهم ولم يقدحوا فيه.

أقول : وله ذكر في الرجال الكبير ورجال أبي عليّ والمامقاني وغيرها.

وسادسا : ومن الحقوق العظيمة على إخوان المؤمنين ستر معايبهم سيّما السادات المكرّمين لما ورد في الأخبار الكثيرة الأمر بإحسانهم والتجاوز عن سيّئاتهم وإخفاء قبائحهم لقرابتهم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نعم يجوز الجرح والتعديل في مقام كشف الحقيقة عن صحّة الخبر وسقمه وليس هذا منه ، ولا يجوز التمسّك بالخبر الضعيف لإثبات معصية محتملة ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لو أرى مؤمنا على فاحشة لأستره بثوبي كي لا يراه غيري.

أعقاب موسى المبرقع

وقال في البدر المشعشع أيضا : كان لموسى المبرقع عقب من ولده أحمد ، وكان أحمد من أفاضل العلماء كما في تاريخ قم ، وكان ابن العميد الوزير المعروف يروي عنه ، وكذا جعفر بن محمّد بن قولويه مؤلّف كامل الزيارة ، وهو يروي عن أحمد بن محمّد بن خالد.

وخلّف أحمد أبا عليّ محمّد بن أحمد بن موسى المبرقع ، هاجر من الكوفة إلى قم مع بعض بناته فاطمة وأمّ سلمة ، ولمّا وصل إلى قم أكرموه غاية الإكرام ، وكان

٤٠٦

فاضلا ورعا تقيّا حسن المجالسة بهيّ المنظر فصيح اللسان.

وروى أحمد بن إسماعيل بن سمكة النحوي أنّ أبا مسلم محمّد بن بحر الاصبهاني لمّا ولّى في قم كان يركب كلّ جمعة ويزور أبا عليّ محمّد بن أحمد بن موسى المبرقع ، وركب يوما ليزور الرؤساء والأعيان والفقهاء والسادات ويؤدّي حقوقهم ، قال : وكنت معه وابتدأ بزيارة أبي عليّ محمّد بن أحمد بن موسى المبرقع وهو جالس في موضع نظيف وعليه قباء أخضر ، فسلّم وجلس عنده وشكر سعيه ثمّ خرج ودخل على عبد الله بن العبّاس العلويّ فرأى حوله أقفاصا من الدجاج والقمريّ ، فسلّم عليه ورجع حتّى دخل على أبي سهل بن أبي طاهر الأشعريّ فسلّم عليه وأدّى حقّه وخرج من عنده ودخل على عليّ بن أحمد بن عليّ الشجريّ فلمّا خرج من عنده التفت إليّ وقال : يا أبا عليّ ، ما أشبه محمّد بن أحمد بن موسى المبرقع بالأئمّة في فضله وسكونه ووقاره ، ولا أشبّهه إلّا بهم ، ولا أشبّه عبّاسيّ العلويّ إلّا برجال رأيتهم تحت الطاق ببغداد ـ عنى بيّاع الدجاج ـ.

ثمّ قال : مالكم لا تقولون بإمامة أبي عليّ محمّد بن أحمد مع ما فيه من خصال الخير واجتماعها فيه؟ قلت : معاذ الله أن نعترف بإمامته إن ادّعى ، ولو ادّعى نتبرّأ منه كما نتبرّا من جعفر الكذّاب ، ونحن لا نقول بإمامة أحد غير الأئمّة الإثني عشر.

فقال أبو مسلم : إنّي أتعجّب من اعتقادكم ـ وكان يرى مذهب الاعتزال ـ.

قال : وولدت لأبي عليّ بقم بريهة وفاطمة وأمّ سلمة وأمّ كلثوم وأحمد ، ثمّ توفّي أبو عليّ محمّد بن أحمد بن موسى المبرقع بقم يوم الأحد لثلاث خلون من ربيع الأوّل سنة ثلاثمائة وخمسة عشر ودفن عند محمّد بن موسى المبرقع.

وخلّف أبو عليّ محمّد أبا عبد الله أحمد ، ولد في شوّال سنة ثلاثمائة وإحدى عشر ، وكان جوادا كريم النفس ، انتهت إليه نقابة العلويّين بقم ، وكان رئيسا مطاعا إلى أن توفّي يوم الخميس منتصف شهر صفر سنة ثلاثمائة وثمانية وخمسين وكان

٤٠٧

عمره ستّا وأربعين سنة ودفن في مشهد محمّد بن موسى المبرقع.

وخلّف أبو عبد الله أحمد أربعة أولاد ذكور وهم أبو عليّ محمّد وأبو الحسن موسى وأبو القاسم عليّ وأبو محمّد الحسن ، وأربع بنات ورحلوا بعد وفاة أبيهم إلى الري عند ركن الدولة البويهيّ فعزّاهم وأكرم قدومهم ورفع الخراج عن أملاكهم ، ثمّ رجعوا إلى قم.

أمّا أبو عليّ محمّد بن أحمد فسار إلى خراسان وأقام بها إلى أن توفّي فيها.

وأمّا أبو القاسم عليّ بن أحمد فرحل أيضا إلى خراسان بعد أن تزوّج ابنته أبي محمّد الحسن بن محمّد بن حمزة العلويّ بقم ، فلمّا وصل إلى خراسان اتصل به بعض الأكابر وانتظم أمره وعلا فيها شأنه وكثر أولاده.

وأمّا أبو الحسن موسى بن أحمد ، أقام بقم فعمر ضياعها ودبّر معيشة إخوانه ، وفكّ عن الرهن ما كان مرهونا من العقار ، وسار بين أهل قم بسيرة حسنة ، وعاش عيشة رغيدة ، ووفّى حقّ كلّ ذي حقّ ، فمال الناس إلى صحبته وأحبّوه وعرفوا قدره ، وكان مؤيّد الدولة والأمير فخر الدولة من آل بويه يعظّمون قدره ، وفي سنة ثلاثمائة وسبعين سافر إلى بيت الله فلمّا فرغ من الحجّ رجع إلى قم وكان يوم وروده يوما مشهودا من كثرة المستقبلين ، وتزيين الأسواق والأزقّة ، وأرسل الصاحب بن عبّاد إليه يهنّيه بمعاودته من الحجّ.

وكان أبو الحسن موسى بن أحمد رجلا فاضلا متواضعا سهل الجانب ، انتهت نقابة العلويّين إليه مع حداثة سنّه ، وكانت الرسومات والصلات والوظايف كلّها بيده يقسمها بين أهل قم وآبه وكاشان وغيرها ، وكان عدد من يقسم فيه ثلاثمائة وثلاثين نفسا ، وكان لكلّ واحد منهم في رأس كلّ شهر ثلاثون منّا من الخبز وعشرة دراهم ، وإذا توفّي واحد منهم طرحوا اسمه وإذا ولد لهم مولود أثبتوا اسمه ، وزار جدّه الرضا في سنة ٣٧٥ وكانت له أمّ ولد ولدت له أبا جعفر محمّدا وبنتا ،

٤٠٨

وكانت له أمّ ولد أخرى ولدت له أبا عبد الله أحمد في يوم السبت لخمس خلون من صفر سنة ٣٧٢.

وأمّا أخوه أبو محمّد الحسن بن أحمد فكان رجلا متأدّبا فاضلا ، وكانت له في علم الزرع وبناء العمارات مهارة فائقة.

ومن أحفاد موسى المبرقع السيّد العالم عبيد الله بن موسى بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن موسى المبرقع ، وكان ثقة ورعا فاضلا محدّثا له كتاب أنساب آل الرسول وأولاد البتول ، وكتاب في الحلال والحرام ، وكتاب الأديان والملل ، انتهى ما أردنا نقله عن البدر المشعشع.

عبيد الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام وخدمه

منهم : أبو الطيب ، روى الشيخ قدس‌سره في الأمالي عن الفحّام قال : كان أبو الطيب أحمد ابن محمّد بن بوطير رجلا من أصحابنا وكان جدّه بوطير غلام الإمام أبي الحسن عليّ ابن محمّد وهو سمّاه بهذا الاسم ، وكان ممّن لا يدخل المشهد ويزور من وراء الشبّاك ويقول : للدار صاحب ، حتّى أذن له ، وكان متأدّبا يحضر الديوان ، وكان إذا طلب من الإنسان حاجة فإن أنجزها شكر وسرّ ، وإن وعده عاد إليه ثانية فإن أنجزها وإلّا عاد الثالثة فإن أنجزها وإلّا قام في مجلسه إن كان ممّن له مجلس أو في مجمع الناس ، فأنشد :

أعلى الصراط تريد رعية ذمّتي

أم في المعاد تجود بالإنعام

إنّي لدنيائي أريدك فانتبه

يا سيّدي من رقدة النوّام

ومنهم : محمود بن أيّوب بن نوح بن درّاج. قال الشيخ في غيبته : قال عمرو بن سعيد المدائني ـ وكان فطحيّا ـ : كنت عند أبي الحسن العسكريّ بصريا إذ دخل

٤٠٩

أيوّب ابن نوح ووقف قدّامه فأمر بشيء ثمّ انصرف ، فالتفت إليّ أبو الحسن عليه‌السلام وقال : يا عمرو ، إن أحببت أن تنظر إلى رجل من أهل الجنّة فانظر إلى هذا ، وأشار إلى أيّوب. وسيأتي تمام الكلام في ترجمة أيّوب المذكور.

منهم : كافور الخادم ، عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الهادي قائلا : كافور الخادم ثقة. وتقدّم ذكره في خلال المعاجز في مسألة السطل.

ومنهم : مقبل الديلمي ، يحدّث معاجز الإمام عليّ الهادي كما عرفت في معاجزه.

منهم : صافي ، تقدّم في المعاجز حكايه الخاتم الذي أعطاه الإمام عليه‌السلام.

ومنهم : مسرور الطبّاخ مولى أبي الحسن عليه‌السلام ، من أهل بغداد ، رأى الحجّة المنتظر عليه‌السلام ووقف على معجزاته على ما ذكره الصدوق في الإكمال وغيره في غيره ، فهو من الحسان لأنّه أعظم مدح في الرجل بعد دلالته على كونه إماميّا.

ومنهم : الخيراني ، وكان أبوه من خدّام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام وله رواية في النصّ على عليّ الهادي عليه‌السلام كما تقدّم في النصوص على إمامته ، وهو المعروف بخيران الخادم القراطيسي ، عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الهادي قائلا : خيران الخادم ثقة.

وفي الخلاصة : خيران الخادم من أصحاب أبي الحسن الثالث ثقة.

ووثّقه في الوجيزة والبلغة والمشتركاتين والحاوي وغيرها.

وقال النجاشي : خيران مولى الرضا له كتاب.

وقال الكشّيّ : ما ورد في خيران الخادم القراطيسي : وجدت في كتاب محمّد بن الحسن بن بندار القمّي بخطّه : حدّثني الحسين بن محمّد بن عامر قال : حدّثني خيران الخادم القراطيسي قال : حججت أيّام أبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى عليهم‌السلام وسألته عن بعض الخدم وكانت له منزلة من أبي جعفر عليه‌السلام وسألته أن يوصلني إليه ، فلمّا صرنا إلى المدينة قال لي تهيّأ فإنّي أريد أن أمضي إلى أبي جعفر عليه‌السلام ، فمضيت معه فلمّا أن وافينا الباب قال لي : كن في الحانوت ، فاستأذن

٤١٠

ودخل فلمّا أبطأ عليّ رسوله خرجت إلى الباب وسألته عنه فأخبرني أنّه قد خرج ومضى ، فبقيت متحيّرا فإذا أنا كذلك إذ خرج خادم من الدار فقال : أنت خيران؟ فقلت : نعم ، قال لي : أدخل ، فدخلت وإذا أبو جعفر عليه‌السلام قائم على دكّان لم يكن فرش له ما يقعد عليه ، فجاء غلام بمصلّى فألقاه له فجلس ، فلمّا نظرت إليه تهيّبته ودهشت ، فذهبت لأصعد الدكّان من غير درجه فأشار إلى موضع الدرجة فصعدت فسلّمت فردّ السّلام ومدّ يده إليّ فأخذتها وقبّلتها ووضعها على وجهي فأقعدني بيده فأمسكت يده ممّا دخلني من الدهش فتركها في يدي فلمّا سكنت خلّها ، فسايلني وكان الريّان بن شبيب قال لي : إن وصلت إلى أبي جعفر قل له : مولاك الريّان بن شبيب يقرئك السّلام ويسألك الدعاء له ولولده ، فذكرت له ذلك ، فدعا له ولم يدع لولده ، فأعدت عليه فدعا له ولم يدع لولده ، فأعدت عليه ثلاثا فدعا له ولم يدع لولده ، فودّعته وقمت ، فلمّا مضيت نحو الباب سمعت كلامه ولم أفهم ما قال ، وخرج الخادم في أثري ، فقلت له : ما قال سيّدي لمّا قمت؟ فقال لي : قال : من هذا الذي يرى أن يهدي نفسه هذا ولد في بلاد الشرك فلمّا أخرج منها صار إلى من هو شرّ منهم فلمّا أراد أن يهديه هداه.

وروى أيضا بالإسناد عن عليّ بن مهزيار قال : كتبت إلى خيران الخادم : قد وجّهت إليك ثمانية دراهم كانت أهديت إليّ من طرطوس دراهم منهم وكرهت أن أردّها إلى صاحبها أو أحدث فيها حدثا دون أمرك فهل تأمرني في قبول مثلها أم لا لأعرّفها إن شاء الله حتّى انتهى إليّ أمرك ، فكتب وقرأته : اقبل منهم إذا أهدي إليك دراهم أو غيرها فإنّ رسول الله لم يردّ هديّة يهوديّ ولا نصرانيّ.

وروى أيضا بالإسناد عن محمّد بن عيسى قال : حدّثني خيران الخادم قال : وجّهت إلى سيّدي ثمانية دراهم ، وذكر مثله سواء.

وروى أيضا عن خيران الخادم قال : قلت : جعلت فداك ، إنّه ربّما أتاني الرجل

٤١١

لك قبله الحقّ أو يعرف موضع الحقّ لك فيسألني عمّا يعمل به فيكون مذهبي أخذ ما يتبرّع في ستر. قال : اعمل في ذلك برأيك فإنّ رأيك رأيي ومن أطاعك أطاعني.

وقال أبو عمرو : هذا يدلّ على أنّه كان وكيله ، ولخيران هذا مسائل روينا عنه عن أبي الحسن عليه‌السلام.

وقال المقامقاني : فيه دلالة على أزيد من الوكالة ، وفي قوله : «رأيك رأيي ومن أطاعك فقد أطاعني» دلالة على مرتبة عظيمة للرجل لا ينالها إلّا ذو حظّ عظيم.

بوّابه عليه‌السلام

تفصيل المقام سيأتي في الأجزاء الآتية عند ذكر مآثر أصحاب الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام غير أنّا نتبرّك هنا بذكر أشرف بوّابه عثمان بن سعيد العمري أبو عمرو السمّان الأسدي ويقال له الزيّات.

قال العلّامة في الخلاصة : اختلف في تسميته بالعمريّ فقيل : إنّه ابن بنت أبي جعفر العمري فنسب إلى جدّه فقيل العمريّ ، وقيل : إنّ أبا محمّد العسكري قال : لا يجمع على امرئ بين عثمان وأبي عمر فأمر بكسر كنيته فقيل العمريّ.

وعن السمعاني : إنّ العمري ـ بفتح العين وسكون الميم وكسر الراء ـ نسبة إلى بني عمرو بن عامر بن ربيعة ، وعمرو بن حريث وغيرهما.

والسمّان يطلق على بيّاع السمن والزيت لأنّه رضى الله عنه كان يتّجر بالسمن تغطية على الأمر وكان يجعل ما ورد إليه من الشيعة في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلى أبي محمّد عليه‌السلام تقيّة وخوفا فاشتهر بالسمّان تارة وبالزيّات أخرى.

والأسديّ نسبة إلى جدّ قبيلة عظيمة من مضر الحمراء اسمه أسد بن خزيمة بن

٤١٢

مدركة ابن إلياس بن مضر ، أو إلى جدّ قبيلة أخرى اسمه أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.

حياة العمريّ ومآثره الجميلة

عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الهادي والعسكريّ عليهما‌السلام قائلا : عثمان بن سعيد العمريّ يكنى أبا عمرو السمّان ، ويقال له الزيّات ، خدم الهادي وله إحدى عشرة سنة وله إليه عهد معروف ، جليل القدر ثقة ، وكان وكيله.

وذكره في الخلاصة وعدّه من أصحاب أبي جعفر الثاني عليه‌السلام وقال : خدمه وله إحدى عشرة سنة وله إليه عهد معروف وهو ثقة جليل القدر ، وكيل أبي محمّد.

واستبعد الجزائري في الحاوي كونه من أصحاب أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، ولا مانع من كونه من خدّام أبي جعفر الثاني عليه‌السلام برهة من الزمان. وكيف كان وقد أدرك أربعة من الأئمّة الجواد والهادي والعسكري والحجّة عليهم‌السلام.

وعن ربيع الشيعة عند ذكر أبواب الناحية المقدّسة : كان أبو عمرو عثما بن سعيد العمريّ قدّس الله روحه بابا لأبيه وجدّه عليهما‌السلام من قبل وثقة عندهما ثمّ تولّى البابيّة من قبله عجّل الله تعالى فرجه وظهرت المعجزات على يده وكان وكيلا لأبي الحسن الهادي والعسكري عليهما‌السلام ثمّ تولّى النيابة من سنة ستّين ومأتين وهي التي توفّي فيها أبو محمّد الحسن وكانت مدّة غيبة الصغرى تسعا وستّين سنة ، انتهيت في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة غير أنّ مدّة نيابة العمري ووفاته على التحقيق لم نظفر بهما ، نعم تقريبا كانت مدّة سفارته وسفارة ولده محمّد بن عثمان خمسا وأربعين سنة ، ونيابة الحسين بن روح إحدى وعشرين سنة ، وبقي ثلاث سنين لعليّ بن محمّد السمريّ كما ستعرفه في محلّه.

٤١٣

فضائله رضى الله عنه

١ ـ ما رواه الكليني في الكافي بالإسناد عن أحمد بن إسحاق قال : سألت أبا الحسن عليّ الهادي وقلت : من أعامل؟ وعمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال عليهما‌السلام له : العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي ، وما قال عنّي فعنّي يقول ، فاسمع له وأطع فإنّه الثقة المأمون.

٢ ـ ما رواه الصدوق في الإكمال بإسناده عن إسحاق بن رياح البصري ، عن أبي جعفر العمري قال : لمّا ولد السيّد ـ يعني الحجّة ـ قال أبو محمّد : ابعثوا إلى أبي عمرو ، فبعث إليه فصار إليه فقال : اشتر عشرة آلاف رطل خبزا وعشرة آلاف رطل لحما وفرّقه. قال : وأحسبه قال : على بني هاشم ، وعقّ عنه بكذا وكذا شاة.

٣ ـ ما رواه أيضا فيه بإسناده عن إسحاق بن يعقوب قال : سمعت الشيخ العمري يقول : صحبت رجلا من أهل السواد ومعه مال للغريم ـ أي الحجّة عليه‌السلام يعبّرون به تقيّة ـ فأنفذه فردّ عليه وقيل له : أخرج حقّ ابن عمّك منه وهو أربعمائة درهم ، فبقي الرجل باهتا متعجّبا ونظر في حساب المال وكانت في يده ضيعة لولد عمّه قد كان ردّ عليهم بعضها وزوى عنهم بعضها فإذا الذي فضّ (١) لهم من ذلك أربعمائة درهم كما قال عليه‌السلام ، فأخرجه وأنفذ الباقي ، فقبل.

٤ ـ ما رواه فيه أيضا عن محمّد بن علي الأسود رضى الله عنه قال : دفعت إليّ امرأه سنة من السنين ثوبا وقالت : احمله إلى العمري فحملته مع ثياب كثيرة فلمّا وافيت بغداد أمرني بتسليم ذلك كلّه إلى محمّد بن العبّاس القمّي ، فسلّمت ذلك كلّه ما خلا ثوب المرأة ، فوجّه إليّ العمري وقال : ثوب المرأه سلّمه إليه ، فذكرت بعد ذلك أنّ امرأه سلّمت إليّ ثوبا فطلبته فلم أجده ، فقال لي : لا تغتمّ فإنّك ستجده ، فوجدته بعد

__________________

(١) يقال : فضّ المال في يدي أي حصل وتيسّر.

٤١٤

ذلك ولم يكن مع العمري نسخة ما كان معي.

٥ ـ ما رواه فيه أيضا : أمّا السفراء الممدوحون في زمان الغيبة فأوّلهم من نصبه أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكري وأبو محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد ابنه عليهم‌السلام وهو الشيخ الموثوق به أبو عمرو وعثمان بن سعيد العمريّ ، وكان أسديّا ـ إلى أن قال : ـ ويقال له العسكريّ أيضا لأنّه كان من عسكر سرّ من رأى ، ويقال له السمّان لأنّه كان يتّجر في السمن تغطية على الأمر ، وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمّد ما يجب عليهم من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو فيجعله في جراب السمن وزقافه ويحمله إلى أبي محمّد تقيّة وخوفا.

ثمّ روى فيه بالإسناد عن أحمد بن إسحاق بن سعد القمّي قال : دخلت على أبي الحسن عليّ بن محمّد عليه‌السلام في يوم من الأيّام فقلت : يا سيّدي ، أنا أغيب وأشهد ولا يتهيّأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كلّ وقت ، فقول من نقبل؟ وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه : هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه.

فلمّا مضى أبو الحسن وصلت إلى أبي محمّد عليه‌السلام فقلت له مثل قولي لأبيه ، فقال لي : هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ثقة الماضي وثقتي في حياتي وبعد موتي ، فما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّي إليكم فعنّي يؤدّيه.

قال أبو العبّاس الحميري : فكنّا كثيرا ما نتذاكر هذا القول ونتواصف جلالة محلّ أبي عمرو.

٦ ـ ما رواه أيضا فيه بإسناده عن عبد الله بن جعفر قال : حججنا في بعض السنين بعد مضي أبي محمّد عليه‌السلام فدخلت على أحمد بن إسحاق بمدينة السّلام ، فرأيت أبا عمرو عنده ، فقلت : إنّ هذا الشيخ ـ وأشرت إلى أحمد بن إسحاق ـ وهو عندنا الثقة المرضي حدّثنا فيك بكيت وكيت واقتصصت عليه ما ذكرناه عنه من

٤١٥

فضل أبي عمرو ومحلّه وقلت : أنت الآن من لا يشكّ في قوله وصدقه فأسألك بحقّ الله وبحقّ الإمامين اللذين وثّقاك هل رأيت ابن أبي محمّد الذي هو صاحب الزمان؟ فبكى ثمّ قال : على أن لا تخبر بذلك أحدا وأنا حيّ ، قلت : نعم ، قال : قد رأيته وعنقه هكذا يريد أنّها أغلظ الرقاب حسنا تماما ، قلت : فالاسم ، قال : قد نهيتم عن هذا.

٧ ـ ما أورده أيضا فيه بإسناد عن محمّد بن إسماعيل وعليّ بن عبيد الله الحسينيّ قالا : دخلنا على أبي محمّد الحسن عليه‌السلام بسرّ من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتّى دخل عليه بدر خادمه فقال : يا مولاي بالباب قوم شعث غبر ، فقال لهم : هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن يسوقانه ـ في حديث طويل إلى أن قال الحسن عليه‌السلام لبدر ـ : فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمريّ ، فما لبثنا إلّا يسيرا حتّى دخل عثمان ، فقال له سيّدنا أبو محمّد : امض يا عثمان بن سعيد فإنّك الوكيل والثقة المأمون على مال الله واقبض من هؤلاء النفر اليمنيّين ما حملوه من المال ـ ثمّ ساق الحديث إلى أن قالا : ـ ثمّ قلنا : بأجمعنا : يا سيّدنا ، والله إنّ عثمان لمن خيار شيعتك ولقد زدتنا علما بموضعه من خدمتك وإنّه وكيلك وثقتك على مال الله. قال : نعم واشهدوا عليّ أنّ عثمان بن سعيد العمريّ وكيلي وإنّ ابنه محمّدا وكيل ابني مهديّكم.

٨ ـ ما رواه أيضا فيه بإسناده عن أبي نصر هبة الله بن محمّد بن أحمد الكاتب بن بنت أبي جعفر العمريّ عن شيوخه أنّه لمّا مات الحسن العسكريّ عليه‌السلام حضر غسله عثمان بن سعيد رضي‌الله‌عنه وأرضاه وتولّى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره مأمورا بذلك لظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها ولا دفعها إلّا بدفع حقايق الأشياء في ظواهرها ، وكانت توقيعات صاحب الأمر تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان إلى شيعته وخواصّ أبيه أبي محمّد عليه‌السلام بالأمر والنهي والأجوبة عمّا تسأل الشيعة عنه إذا احتاجت إلى السؤال فيه بالخطّ الذي

٤١٦

كان يخرج في حياة الحسن عليه‌السلام فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما إلى أن توفّي عثمان بن سعيد وغسله ابنه أبو جعفر وتولّى القيام به وحصل الأمر كلّه مردودا إليه والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته لما تقدّم له من النصّ عليه بالإمامة والعدالة والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن العسكريّ عليه‌السلام وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد رضى الله عنه.

٩ ـ ما رواه أيضا فيه بإسناده عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري عن جماعة من الشيعة منهم عليّ بن بلال وأحمد بن هلال ومحمّد بن معاوية بن حكيم والحسن بن أيّوب بن نوح في خبر طويل مشهور ، قالوا جميعا : اجتمعنا إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ عليه‌السلام نسأله عن الحجّة من بعده وفي مجلسه أربعون رجلا ، فقام إليه عثمان بن سعيد العمريّ وقال له : يابن رسول الله ، أريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به منّي. فقال له : اجلس يا عثمان ، فقام مغضبا ليخرج فقال عليه‌السلام : لا يخرجنّ أحد ، فلم يخرج منّا أحد إلى أن كان بعد ساعة فصاح بعثمان فقام على قدميه ، فقال : أخبركم بما جئتم؟ قالوا : نعم يابن رسول الله ، قال : جئتم تسلوني عن الحجّة من بعدي؟ قالوا : نعم ، فإذا غلام كأنّه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمّد عليه‌السلام ، فقال : هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم ، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتّى يتمّ له أمره فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه.

١٠ ـ ما رواه المجلسي في الثالث عشر من البحار نقلا عن الاحتجاج والإكمال بالإسناد عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عبد الله بن جعفر قال : خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري قدّس الله روحه في التعزية بأبيه وفي فصل من الكتاب : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، تسليما لأمره ، ورضا

٤١٧

بقضائه ، عاش أبوك سعيدا ومات حميدا ، فرحمه‌الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم‌السلام ، فلم يزل مجتهدا في أمرهم ، ساعيا فيما يقرّبه إلى الله عزوجل ، نضّر الله وجهه ، وأقاله عثرته.

وفي فصل آخر : أجزل الله لك الثواب ، وأحسن لك العزاء ، رزيت ورزينا ، وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسرّه الله في منقلبه ، كما كان من كمال سعادته أن رزقه الله ولدا مثلك يخلفه من بعده ، ويقوم مقامه بأمره ، ويترحّم عليه ، وأقول : الحمد لله ، فإنّ النفس طيّبة بمكانك ، وما جعله الله عزوجل فيك وعندك ، أعانك الله وقوّاك ، وعضّدك ووفّقك ، وكان لك وليّا وحافظا ، وراعيا وكافيا.

١١ ـ ما روى الشيخ الطوسيّ في الغيبة عن محمّد بن يعقوب رفعه عن الزهريّ قال : طلبت هذا الأمر طلبا شاقّا حتّى ذهب لي فيه مال صالح ، فوقّعت إلى العمري وخدمته ولزمته وسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان ، فقال لي : ليس إلى ذلك وصول ، فخضعت ، فقال : بكّر بالغداة ، فاستقبلني ومعه شابّ من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة ، بهيئة التجّار وفي كمّه شيء ، فلمّا نظرت إليه دنوت من العمري فأومأ إليّ ، فعدلت إليه وسألت ، فأجابني عن كلّ ما أردت ثمّ مرّ ليدخل الدار وكانت من الدور التي لم تكترث لها ، فقال العمري : إذا أردت أن تسأل منه سل فإنّك لا تراه بعد ذا ، فذهبت لأسأل فلم يسمع ودخل الدار وما كلّمني بأكثر من أن قال : ملعون ملعون من أخّر العشاء إلى أن تشتبك النجوم ، معلون ملعون من أخّر الغداة إلى أن تنقضي النجوم ، ودخل الدار.

توفّي العمري ببغداد ودفن بها ومزاره مشهور عند الخاصّة والعامّة.

أصحابه عليه‌السلام

سيأتي في الأجزاء الآتية تراجم أصحاب الإمام عليّ الهادي وعددهم يزيد من

٤١٨

مائتين وعشرين رجلا غير أنّا نقتصر هنا بذكر واحد منهم وهو السيّد الأجل الشاه عبد العظيم ابن عبد الله بن عليّ بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام المدفون بالري وقبره يزار وعليها قبّة عالية من الذهب ، ولها أبنية جليلة من الأروقة والصحون والحجرات والحدائق النزهة ، وعلى قبره شبّاك من الفضّة ، ودفن بجواره عدّة من أولاد الأئمّة والعلماء والسلاطين ، وكان هو المعروف عند العجم بشاه زاده عبد العظيم ، وكان عالما فاضلا جليلا ورعا نقيّا متعبّدا ، أدرك الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام ويروي عنهم أخبار كثيرة في معان شتّى ، والذي زعم أنّه من أصحاب العسكري عليه‌السلام فهو سهو من قلمه لأنّه توفّي في حياة الإمام الهادي عليه‌السلام وكان عليه‌السلام يحثّ الناس على زيارته.

قال الصدوق في ثواب الأعمال بسنده عن عليّ بن أحمد قال : حدّثني حمزة بن القاسم العلوي قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار عمّن دخل على أبي الحسن عليّ بن محمّد الهادي من أهل الري قال : دخلت على أبي الحسن العسكري عليه‌السلام فقال : أينت كنت؟ قلت : زرت الحسين ، قال : أما إنّك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين بن عليّ.

وفيه دلالة على فضل زيارته وعلى كونه في زمان الهادي توفّي ، وتقدّم في باب النصوص على إمامة الهادي عليه‌السلام مجيئه إليه وقال : إنّي أحبّ أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضيّا ثبتّ عليه حتّى ألقى الله عزوجل ، إلى آخر ما نقلناه من أمالي الصدوق ، فقال عليّ بن محمّد عليهما‌السلام : يا أبا القاسم ، هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.

وقال النجاشي : عبد العظيم بن عبد الله بن عليّ بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام ، أبو القاسم كنيته ، له كتاب خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قال أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله : حدّثنا جعفر بن محمّد أبو القاسم قال :

٤١٩

حدّثنا عليّ بن الحسين السعدآبادي قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن خالد البرقي قال : كان عبد العظيم ورد الري هاربا من السلطان وسكن سربا في دار رجل من الشيعة في سكّة الموالي فكان يعبد الله في ذلك السرب ويصوم نهاره ويقوم ليله فكان يخرج مستترا فيزور قبر المقابل قبره وبينهما طريق ويقول : هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفر ، فلم يزل يأوي إلى ذلك السرب ويقع خبره إلى الواحد بعد الواحد من شيعة آل محمّد حتّى عرفه أكثرهم ، فرأى رجل من الشيعة في المنام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : إنّ رجلا من ولدي يحمل من سكّة الموالي ويدفن عند شجرة التفّاح في حديقة عبد الجبّار بن عبد الوهّاب وأشار إلى المكان الذي دفن فيه ، فذهب الرجل ليشتري الشجرة ومكانها من صاحبها فقال له : لأيّ شيء تطلب الشجرة ومكانها ، فأخبره بالرؤيا ، فذكر صاحب الشجرة أنّه كان رأى مثل هذه الرؤيا وإنّه قد جعل موضع الشجرة مع جميع الحديقة وقفا على الشريف ، والشيعة يدفنون فيه ، فمرض عبد العظيم وتوفّي رضى الله عنه ، فلمّا جرّد ليغسل وجد في جيبه رقعة ذكر نسبه فإذا فيها : وأنا أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن عليّ بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب.

أخبرنا أحمد بن عليّ بن نوح قال : حدّثنا الحسن بن حمزة بن عليّ قال : حدّثنا عليّ بن فضل قال : حدّثنا عبد العظيم بن عبد الله بجميع رواياته.

وذكره الشيخ في الفهرست أيضا والعلّامة في الخلاصة والميرزا في المنهج.

وقال المحقّق الداماد : الأصحّ الأرجح والأصوب الأقوم أن يعدّ الطريق من جهته صحيحا في الدرجة العليا من الصحّة.

وعن الشهيد أنّه قال : وقد نصّ على زيارته الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام قال : من زار قبره وجبت له الجنّة ، روى ذلك بعض النسّابين ، انتهى.

ولا يخفى أنّه اشتباه غريب ضرورة أنّ عبد العظيم لم يكن متوفّى في زمان

٤٢٠