مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٣

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-503-039-0
ISBN الدورة:
964-503-039-0

الصفحات: ٤٦٢

فقال : إذا أسعد فتشقى.

فأمر به فقتلوه.

قصّة الأشجع السلمي : روى المجلسيّ في الحادي عشر من البحار في باب مداحي جعفر بن محمّد عليه‌السلام بالإسناد عن عليّ بن محمّد العسكري عليه‌السلام عن آبائه عن موسى بن جعفر عليهم‌السلام قال : كنت عند سيّدنا الصادق عليه‌السلام إذ دخل عليه أشجع السلمي يمدحه فوجده عليلا ، فجلس وأمسك ، فقال له سيّدنا الصادق عليه‌السلام : عد من العلّة واذكر ما جئت له ، فقال له :

ألبسك الله منه عافية

في نومك المعرى وفي أرقك

يخرج من جسمك السقام كما

أخرج ذلّ السؤال من عنقك

فقال عليه‌السلام : يا غلام ، أيش معك؟ قال : أربعمائة درهم ، قال : أعطها للأشجع.

قال : فأخذها وشكر وولّى ، فقال : ردّوه ، فقال : يا سيّدي ، سألتك فأعطيت وأغنيت فلم رددتني؟ قال : حدّثني أبي عن آبائه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّه قال : خير العطايا ما أبقى نعمة باقية ، وإنّ الذي أعطيتك لا يبقي لك نعمة باقية ، وهذا خاتمي فإن أعطيت به عشرة آلاف درهم وإلّا فعد إليّ وقت كذا وكذا أوفك إيّاها.

قال : يا سيّدي ، قد أغنيتني وأنا كثير الأسفار وأحصل في المواضع المفزعة فعلّمني ما آمن به على نفسي.

قال : إذا خفت أمرا فاترك يمينك على أمّ رأسك واقرأ برفيع صوتك : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(١).

قال أشجع : فحصلت في واد كانت فيه الأخنبة ، سمعت قائلا يقول : خذوه ، فقرأتها ، فقال قائل : كيف نأخذه وقد احتجر بآية طيّبة.

__________________

(١) آل عمران : ٨٣.

٣٢١

رواية الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام في فضائل قم : وروى أيضا في السادس من البحار وكذا مثله صاحب الاختصاص قال : روي عن عليّ بن محمّد العسكري عليه‌السلام عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا أسري بي إلى السماء الرابعة نظرت إلى قبّه من لؤلؤ لها أربعة أركان ، كلّها من استبرق أخضر ، قلت : يا جبرئيل ، ما هذه القبّة التي لم أر في السماء الرابعة أحسن منها؟ فقال : حبيبي محمّد ، هذه صورة مدينة يقال لها قم تجتمع فيها عباد الله المؤمنون ينتظرون محمّدا وشفاعته للقيامة والحساب ، يجري عليهم الهمّ والغمّ والأحزان والمكاره.

قال : فسألت عليّ بن محمّد العسكري عليه‌السلام : متى ينتظرون الفرج؟ قال : إذا ظهر الماء على وجه الأرض.

أقول : أمّا ظهور الماء على وجه الأرض بقم فقد نبعت عين في قديم الزمان في حوالي مسجد جمكران وخربت منها البيوت الكثيرة.

وفي هذا ـ يعني سنة ١٣٥٣ ـ فاض نهر قم الذي هو مشهور عندهم ب «رودخانه» فتراكم الماء فجاء السيل في أواسط الليل وقد أخبر أهالي البلدة بمجيئه ففرّ الناس يمنة ويسرة وسكنوا في أعالي البلدة فجرى كالبحر المتلاطم في الأزقّة والشوارع فخربت منه أكثر من ألفين من الدور والقصور العالية والأبنية الجليلة ، وفسد ما فيها من الأمتعة ، ومات كثير من الحيوانات ، وأمّا الدكاكين والمزارع والحدائق فقد خربت وانهدمت أكثر المساكن ، فكم من غنيّ أصبح محتاجا ، وكم من صاحب قصر أصبح ولا مسكن له. ثمّ إنّ العلّامة الكبير الحجّة الشيخ عبد الكريم اليزدي الذي انتهت رياسة الإماميّة إليه في بلاد العجم وغيرها ـ الآتي ذكره ومآثره في محلّه إن شاء الله ـ أخذ في إصلاح ما أفسده السيل وذلك بمساعدة أولي الثراء من التجّار وغيرهم ، ولا يخفى كثرة نظائره في سائر بلاد ايران والعراق وغيرهما ، ولقد ذكرنا في الجزء الأوّل فيضان دجلة بغداد كثير من السنين

٣٢٢

وما ترتّب عليه من الخسائر الفادحة ويحتمل قويّا أن يكون المراد بظهور الماء على وجه الأرض من مصنع أحدثوه جديدا وهو أن يحفروا البئر على طول مأتي مترا وأزيد فينبع الماء من قعر البئر على وجه الأرض كالعين الخرّارة الفوّارة ، وقد رأينا في بلدة قم وغيرها.

وجه تسمية قم : روى المجلسيّ أيضا في الرابع عشر من البحار في باب الممدود من البلدان المذموم منها عن أبي مقاتل الديلمي نقيب الري قال : سمعت أبا الحسن عليّ ابن محمّد يقول : إنّما سمّي قم به لأنّه لمّا وصلت السفينة إليه في طوفان نوح عليه‌السلام ، قامت وهو قطعة من بيت المقدس.

أقول : وقد وردت في وجه تسميتها رواية أخرى لا بأس أن نشير إليها وإلى روايات واردة في فضلها ننقلها من الكتاب المذكور في الباب المزبور :

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا أسري بي إلى السماء حملني جبرئيل على كتفه الأيمن فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء أحسن لونا من الزعفران وأطيب ريحا من المسك ، فإذا فيها شيخ على رأسه برنس ، فقلت لجبرئيل : ما هذه البقعة الحمراء التي هي أحسن لونا من الزعفران وأطيب ريحا من المسك؟ قال : بقعة شيعتك وشيعة وصيّك عليّ عليه‌السلام. فقلت : من الشيخ صاحب البرنس؟ قال : إبليس ، قلت : فما يريد منهم؟ قال : يريد أن يصدّهم عن ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ويدعوهم إلى الفسق والفجور. فقلت : يا جبرئيل ، أهو بنا إليهم ، فأهوى بنا إليهم أسرع من البرق الخاطف والبصر اللامح ، فقلت : قم يا ملعون فشارك أعدائهم في أموالهم وأولادهم ونسائهم ، فإنّ شيعتي وشيعة عليّ ليس لك عليهم سلطان. قال : فسمّيت قم.

وعن عبد الله بن سنان إنّه سأل أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام وقال له : أين بلاد الجبل فإنّا قد روينا أنّه إذا ردّ إليكم الأمر يخسف ببعضها؟ فقال عليه‌السلام : إنّ فيها موضعا يقال له بحر ويسمّى بقم وهو معدن شيعتنا ، فأمّا الري فويل له من جناحيه وإنّ الأمن

٣٢٣

فيه من جهة قم وأهله. قيل : ما جناحاه؟ قال : أحدهما بغداد والآخر خراسان فإنّه يلتقي فيه سيوف الخراسانيّين وسيوف البغداديّين فيعجّل الله عقوبتهم فيهلكهم فيأوي أهل الري إلى قوم فيؤويهم أهله ثمّ ينتقلون منه إلى موضع يقال له أردستان.

وعن أنس بن مالك قال : كنت ذات يوم جالسا عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ دخل عليه عليّ ابن أبي طالب عليه‌السلام فقال : إليّ يا أبا الحسن ثمّ اعتنقه وقال : يا عليّ ، إنّ الله تعالى عرض ولايتك على السماوات فسبقت إليها السماء السابعة فزيّنها بالعرش ، ثمّ سبقت إليها السماء الرابعة فزيّنها بالبيت المعمور ، ثمّ سبقت إليها السماء الدنيا فزيّنها بالكواكب ، ثمّ عرضها على الأرضين فسبقت إليها مكّة فزيّنها بالكعبة ، ثمّ سبقت إليها المدينة فزيّنها بي ، ثمّ سبقت إليها الكوفة فزيّنها بك ، ثمّ سبق إليها قم فزيّنها بالعرب وفتح إليها بابا من أبواب الجنّة.

وعن الصادق عليه‌السلام إنّه ذكر الكوفة وقال : ستخلو الكوفة من المؤمنين ويأزر ـ أي يسلخ ـ عنها العلم كما تأزر الحيّة في جحرها ثمّ يظهر العلم ببلدة يقال لها قم وتصير معدنا للعلم والفضل حتّى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتّى المخدّرات في الحجال وذلك عند قرب ظهور قامئنا ، فيجعل الله قم وأهله قائمين مقام الحجّة ولو لا ذلك لساخت الأرض بأهلها ، ولم يبق في الأرض حجّة إلّا ويفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب فيتمّ حجّة الله على الخلق حتّى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم ثمّ يظهر القائم ويصير سببا لنقمة الله وسخطه على العباد لأنّ الله لا ينتقم من العباد إلّا بعد إنكارهم الحجّة.

وعن الصادق قال : إذا عمّت البلدان الفتن فعليكم بقم وحواليها ونواحيها فإنّ البلاء مدفوع عنها.

وعن الصادق عليه‌السلام : أهل خراسان أعلامنا ، وأهل قم أنصارنا ، وأهل الكوفة أوتادنا.

٣٢٤

وعن موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : قم عشّ آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومأوى شيعتهم ، الخبر.

وعن الصادق عليه‌السلام : ما أراد أحد بقم وأهله سوء إلّا أذلّه الله وأبعده من رحمته.

وعن الرضا عليه‌السلام : إنّ للجنّة ثمانية أبواب ولأهل قم واحد منها ، فطوبى لهم ثمّ طوبى لهم.

وعن الصادق عليه‌السلام قال للبصري : أتدري لم سمّي قم؟ قلت : الله ورسوله وأنت أعلم ، قال : إنّما سمّي قم لأنّ أهله يجتمعون مع قائم آل محمّد صلوات الله عليهم ويقومون معه ويستقيمون عليه وينصرونه.

وعن الصادق عليه‌السلام : هم خيار شيعتنا من بين سائر البلاد ، خمر الله ولايتنا في طينتهم.

وعن الصادق عليه‌السلام : إنّ لله حرما وهو مكّة ، وإنّ للرسول حرما وهو المدينة ، وإنّ لأمير المؤمنين عليه‌السلام حرما وهو الكوفة ، وإنّ لنا حرما وهو بلدة قم ، وستدفن فيها امرأة من ولدي تسمّى فاطمة ، فمن زارها وجبت له الجنّة.

قال الراوي : وكان هذا الكلام قبل أن يولد الكاظم عليه‌السلام.

وعن الصادق عليه‌السلام : قم بلادنا وبلاد شيعتنا ، مطهّرة مقدّسة ، قبلت ولايتنا أهل البيت ، لا يريدهم أحد بسوء إلّا عجّلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم جبابرة السوء ، أما إنّهم أنصار قائمنا ودعاة حقّنا ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهمّ اعصمهم من كلّ فتنة ونجّهم من كلّ هلكة.

وعن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ لعلى قم ملكا رفرف عليهما بجناحيه لا يريدها جبّار بسوء إلّا أذابه الله كذوب الملح في الماء ، ثمّ أشار إلى عيسى بن عبد الله فقال : سلام الله على أهل قم ، يسقي الله بلادهم الغيث وينزل الله عليهم البركات ، ويبدّل الله سيّئاتهم حسنات ، هم أهل ركوع وسجود وقيام وفعود ، هم الفقهاء العلماء الفهماء ، هم أهل الدراية والرواية وحسن العبادة.

٣٢٥

وعن عبد العظيم الحسني قال : سمعت عليّ بن محمّد العسكري عليه‌السلام يقول : أهل قم وأهل آبه مغفور لهم لزيارتهم لجدّي عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام بطوس ، ألا ومن زاره فأصابه في طريقه قطرة من السماء حرّم الله على النار جسده.

رواية الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام في فوائد الهليلج وأنواعها

وروى أيضا في الرابع عشر من البحار في باب الهليلج ، عن عليّ بن محمّد العسكريّ عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : لو علم الناس ما في الهليلج الأخضر لاشتروها بوزنها ذهبا.

وقال لرجل من أصحابه : خذ هليلجة صفراء وسبع حباة فلفل واسحقها واكتحل بها.

قال المجلسيّ رحمه‌الله في ذيل هذا الحديث : إنّه ذكر ابن بيطاران الهليلج على أربعة أصناف : فصنف أصفر ، وصنف هنديّ صغار ، وصنف أسود كابليّ كبار وصنف حشف رقاق يعرف بالعينيّ.

وقال الرازيّ : الأصفر منه يسهّل المرّة الصفراء ، والأسود الهنديّ يسهّل السوداء ، والذي فيه عفوصة لا يصلح للإسهال بل يدبّغ المعدة ولا ينبغي أن يتّخذ للإسهال لكن ماؤه مع السكّر.

وقال ابن سينا في القانون : الهيليلج معروف منه الأصفر الفجّ ، ومنه الأسود الهنديّ وهو البالغ البضخ وهو أسخن ، ومنه كابليّ وهو أكبر الجميع ، ومنه صينيّ وهو دقيق خفيف ، وأجوده الأصفر الشديدة الصفرة الضارب إلى الخضرة الرزين الممتلئ الصلب ، وأجود الكابليّ ما هو أسمن وأثقل يرسب في الماء والضارب إلى الحمرة ، وأجود الصينيّ ذو المنقار ، وقيل : إنّ الأصفر أسخن من الأسود ، وقيل : إنّ

٣٢٦

الهنديّ أقلّ برودة من الكابليّ وجميعه بارد في الأولى يابس في الثانية ، وكلّها تطفئ المرّة وتنفع منها ، والأسود يصفّي اللون وكلّها نافعة من الجذام ، والكابليّ ينفع الحواسّ والحفظ والعقل وينفع أيضا من الصداع ، وينفع الأصفر منه للعين المسترخية وينفع المواد التي تسيل كحلا ، وينفع الخفقان والتوحّش شربا وهو نافع لوجع الطحال وآلات الغذاء كلّها خصوصا الأسودان فإنّهما يقوّيان المعدة وخصوصا المربّيان ، ويهضم الطعام ويقوّي خمل المعدة بالدبغ والتنقية والتنشيف ، والأصفر دباغ جيّد للمعدة وكذلك الأسود ، إلى آخر كلامه بطوله.

جوابه عن مسألة الجاموس

وروى في الرابع عشر من البحار عن أيّوب بن درّاج قال : سألت أبا الحسن الثالثعليه‌السلام عن الجاموس وأعلمته أنّ أهل العراق يقولون إنّه مسخ ، فقال عليه‌السلام : أو ما سمعت قول الله عزوجل : (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ)(١).

فائدة الجاموس :

واحد الجواميس ، فارسيّ معرّف ، وهو حيوان عنده شجاعة وشدّة وبأس ، وهو مع ذلك أعجز خلق الله ، يفرّ من عضّ البعوضة ، ويهرب منها إلى الماء ، والأسد يخاف منه وهو مع شدّته وغلظته ذكيّ يناديه راعيه فيأتي إليه ، ومن طبعه كثرة الحنين إلى وطنه ويقال : إنّه لا ينام أصلا لكثرة حراسة لنفسه وأولاده وإذا اجتمع ضرب دائرة وتجعل رؤوسها خارج الدائرة وأذنابها إلى داخلها والرعاة

__________________

(١) الأنعام : ١٤٤. ظاهره أنّ «الاثنين» في الآية البقر والجاموس ، ويحتمل أن يكون المراد أنّ الله أحلّ البقر الأهليّ والوحشيّ ، أو الذكر والأنثى من الأهليّ ، والجاموس صنف من الأهليّ ، فإطلاق الآية يشمله.

٣٢٧

وأولادها من داخل فتكون الدائرة كأنّها مدينة مسورة والذكر منها يناطح ذكر الأخر ، فإذا غلب أحدهما دخل أجمة فيقيم فيها حتّى يعلم من نفسه أنّه قوي فيخرج ويطلب ذلك الفحل الذي غلبه فيناطحه حتّى يغلبه ويطرده ، وهو ينغمس في الماء غالبا إلى عنقه. وحكمه وخواصّه كالبقر لكن إذا بخر البيت بجلد الجاموس طرد منه البقّ وأكل لحمه يورث القمّل وشحمه إذا خلط بملح وطلي به الكلف (شيء يعلو الوجه كالسمسم) والجرب والبرص أزالها وأبرأها.

وقال ابن زهر نقلا عن أرسطاطاليس في دماغ الجاموس دود من أخذ منه شيئا وعلّقه عليه أو على غيره لم ينم ما دام عليه.

تعبير الجاموس في المنام رجل شجاع جلد لا يخاف أحدا ، يتحمّل أذى الناس فوق طاقته ، فإن رأت امرأة أنّ لها قرن جاموس فإنّها تتزوّج ملكا وإلّا كان ذلك قوّة ومنعة لقيّمها ، والله أعلم.

كلامه عليه‌السلام في البطّيخ وذكر فوائده

وروى فيه أيضا في باب البطّيخ نقلا عن تحف العقول عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام أنّه قال يوما : إنّ أكل البطّيخ يورث الجذام. فقيل له : أليس قد أمن المؤمن إذا أتى عليه أربعون سنة من الجنون والجذام والبرص؟ قال : نعم ولكن إذا خالف المؤمن ما أمر به ممّن آمنه لم يأمن أن يصيبه عقوبة الخلاف.

أقول : كلامه عليه‌السلام في البطّيخ مطلق ويجب أن يقيّد بأكله على الريق لأنّ أكله على الريق يورث الأمراض كما رواه المجلسيّ في الباب المذكور عن كتاب المحاسن للبرقيّ عن ياسر الخادم عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : البطّيخ على الريق يورث الفالج. وفي رواية : يورث القولنج.

٣٢٨

وفي رواية الكاظم عليه‌السلام : لا تأكل البطّيخ على الريق فإنّه يورث الفالج. ووجه التقييد الأخبار الواردة في خواصّ البطّيخ وخصاله :

منها : عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : تفكّهوا بالبطّيخ فإنّ ماؤه مرحمة وحلاوة من حلاوة الجنّة.

ومنها : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : البطّيخ شحمة الأرض (١) لا داء ولا غائلة فيه.

وقال : فيه عشر خصال : طعام وشراب وفاكهة وريحان وأدام وحلواء وأشنان وخطميّ ونقل ودواء.

وعن الرضا عليه‌السلام :

أهدت لنا الأيّام بطّيخة

من حلل الأرض ودار السّلام

تجمع أوصافا عظاما وقد

عددتها موصوفة بالنظام

كذاك قال المصطفى المجتبى

محمّد جدّي عليه‌السلام

شرب وحلواء وريحانة

فاكهة حرض طعام أدام

تنقي المثانة وتصفي الوجوه

تطيّب النكهة عشر تمام

وعن ابن عبّاس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : في البطّيخ عشر خصال : طعام وشراب ويغسل المثانة وهو ريحان وأشنان ويغسل البطن ويزيد في الباه وينقي البشرة ويدرّ البول ويزيد في ماء الوجه.

وعن الرضا عن آبائه عن عليّ عليهم‌السلام قال : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أتي ببطّيخ ورطب فأكل منهما وقال : هذان الأطيبان. وبهذا المعنى أخبار أخر.

__________________

(١) سمّي شحمة الأرض لأنّه شبيه بالشحم يخرج من الأرض كما سمّيت الكماة شحمة الأرض. قال في القاموس : شحمة الأرض الكماة وسمّي أشنانا لأنّه يفعل فعله في تنضيف الفم ، وسمّي خطميّا لأنّ قشر بل جوفه يفعل فعل الخطميّ طلاء وأكلا. وقال في القاموس : النقل ما يتنقّل به على الشراب ويحتمل أن يكون صفة لشحمه أو بذره. والحرض ـ بضمّتين ـ الأشنان.

٣٢٩

وقال ابن سينا في القانون : البطّيخ بارد في أوّل الثانية رطب في آخرها وقيل : بل الحلو منه حارّ في الأولى وبذره يابس والبطّيخ لطيف ، والفجّ (١) كثيف في طبع القثّاء (٢) وهو مفتح حال مدرّ غسال ينفع من حصاة الكلى (٣) والمثانة وينقي الجلد من الوسخ وينفع الكلف (٤) والرش (٥) والنمش (٦) والبهق (٧) ويستحيل إلى خلط وافق في المعدة.

كلامه عليه‌السلام في الباذنجان وفوائده

وروى المجلسيّ أيضا في الرابع عشر من البحار نقلا عن المحاسن عن السيّاري عن بعض البغداديّين أنّ أبا الحسن الثالث قال لبعض قهارمته : استكثر لنا من الباذنجان فإنّه حارّ في وقت الحرارة وبارد في وقت البرودة ومعتدل في الأوقات كلّها ، جيّد على كلّ حال.

قال المجلسيّ بعد نقل الرواية ولا يبعد أن تكون هذه الخواصّ لنوع يكون معتدلا في الكيفيّات المتقدّمة فإنّا قد أكلناه في المدينة الطيّبة الحجاز وكان في غاية اللطافة والاعتدال ولم نجد فيه حراقة ، بمثل هذا لا يبعد أن تكون فيه حرارة ولا

__________________

(١) الفجّ البطّيخ الشامي.

(٢) والقثّاء الخيار.

(٣) وكلى وكليات جمع واحده كلية ، والكليتان بالضمّ لحمتان حمراوان لازقتان بعظم الصلب عند الخاصرتين.

(٤) والكلف بين السواد والحمرة الكدرة تعلو الوجه وقيل : السواد في الصفرة وشيء يعلو الوجه كالسمسم.

(٥) الرش والرشراش الرخوة من العظام.

(٦) والنمش محرّكة نقط بيض وسود تقع في الجلد تخالف لونه.

(٧) البهق محرّكة بياض رقيق يعتري ظاهر البشرة لسوء مزاجه.

٣٣٠

تكون فيه مولدة للسوداء ، ولذا قال عليه‌السلام : معتدل في الأوقات كلّها.

ولا يخفى أنّ الأطبّاء اختلفوا في طبعه فقيل بارد وقيل حار يابس في الثانية وهو أصحّ عند ابن سينا ، ومن طبعه قالوا وهو مركّب من جوهر أرضيّ بارد به يكون قابضا ومن جوهر أرضيّ حارّ به يكون مرّا ، ومن جوهر مائيّ به يكون تفها ، ومن جوهر ناريّ شديد الحرارة به يكون حريقا ويختلف طبعه بحسب غلبة هذه الطعوم ولذلك اختلف في مزاجه وقالوا : يولد السوداء والسدد والجرب السوداوي والسرطان والبواسير والورم الصلب والجذام ويفسد اللون ويسوّده ويصفّره.

أقول : هذا كلّه إذا ان المزاج منحرفا ومستعدّا لقبول الأمراض وحملات الأسقام فعند ذلك لا ذنب للباذنجان ، فالقول قول أهل البيت عليهم‌السلام لأنّهم أدرى بما في ألبيت حيث قالوا : كلوا الباذنجان فإنّه جيّد للمرّة السوداء.

وعن الصادق عليه‌السلام : كلوا الباذنجان فإنّه يذهب الداء ولا داء له.

وقال المجلسيّ : وقد يقال يمكن نفعه ودفع مضارّه لموافقة قول الأئمّة عليهم‌السلام فيكون ذكر هذه الأمور لامتحان إيمان الناس وتصديقهم لأئمّتهم ومع العمل بها يدفع الله ضررهما بقدرته كما ترى جماعة المؤمنين المخلصين يعملون بما يروى عن أئمّتهم وينتفعون به ، وإذا عمل غيرهم على وجه الإنكار أو التجربة ربّما يتضرّر به.

وأمّا معنى قول الإمام عليه‌السلام : «حارّ في وقت الحرارة» يحتمل أن يكون البدن تارة محتاجا إلى الحرارة وتارة إلى البرودة وحينئذ وجه صحّته ما ذكره أنّ المعتدل يفعل البرودة في المحرورين والحرارة في المبرودين.

كلامه عليه‌السلام في العسل

وفيه أيضا في باب العسل بالإسناد عن أبي عليّ بن راشد قال : سمعت أبا الحسن

٣٣١

الثالث عليه‌السلام يقول : أكل العسل حكمة. أي أكل العسل يكون سببا لحصول الحكمة.

ثمّ اعلم أنّ الأخبار في فضل العسل وفوائده كثيرة ، وقد جمع الله في النحل السمّ والعسل دليلا على كمال قدرته وأخرج منها العسل ممزوجا بالشمع وجعله شفائا للناس كما قال الله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ)(١) وقد شبّه الإمام الصادق عليه‌السلام المؤمن بالنحل فكما أنّ النحل فيه السمّ والعسل فكذلك المؤمن فيه الخوف والرجاء ، فكما أنّ النحل عسله ممزوج بالشمع فكذلك المؤمن أتعب نفسه لآخرته وأراح الناس من نفسه ، فكما أنّ النحل يتبع سلطانه وينقاد ليعسوبه فكذلك المؤمن يتبع يعسوب الدين أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكما أنّ النحل لا يقع إلّا على الأوراد والأزهار الطيّبة فكذلك المؤمن لا يقع إلّا على مجالس العلم والعبادة ، فكما أنّ النحل لا يأكل إلّا الطيب فكذلك المؤمن لا يأكل إلّا الحلال ، فكما أنّ النحل لا يقع على الجيف ويحترز عن النجاسات فكذلك المؤمن يحترز عن المعاصي ، فكما أنّ النحل لا تحبّ البطالة فكذلك المؤمن ، فكما أنّ النحل يأكل من كدّه فكذلك المؤمن ، فكما أنّ النحل يأوي إلى الجبال المرتفعة أو العروش والأشجار الطويلة فكذلك المؤمن يرفع نفسه عن الرذائل الدانسات ويطير من حضيض الشهوات إلى أرفع الدرجات من الكمال والحسنات ، فكما أنّ النحل متّحدون في مرامهم وهو تكثير العسل فكذلك المؤمن لا همّ له إلّا همّ الآخرة وترويج الدين ، فكما أنّ النحل تعيش في حياة اجتماعيّ فكذلك المؤمن قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(٢) وغير ذلك من وجوه الشبه ، ولو خضنا في هذا المضمار لطال المقال ويفوت منّا ما نحن بصدده.

__________________

(١) النحل : ٦٩.

(٢) الحجرات : ١٠.

٣٣٢

معنى أنّ الحسنات يذهبن السيّئات

وروى في الثامن عشر من البحار عن مجالس ابن الشيخ ، عن أبيه ، عن أبي محمّد الفحّام ، عن محمّد بن أحمد الهاشميّ المنصوريّ ، عن موسى بن عيسى ، عن أبي الحسن العسكريّ عن آبائه عن الصادق عليهم‌السلام في قوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ)(١) قال : صلاة الليل تذهب بذنوب النهار.

* وفيه أيضا : في باب أحكام الجماعة قال عليّ بن محمّد عليهما‌السلام : من قام بالجسم فلا تعطوه شيئا من الزكاة ولا تصلّوا خلفه.

* وفيه أيضا في باب ما يكون بين يدي المصلّي نقلا عن علل الشرايع بسنده عن أبي سليمان مولى أبي الحسن العسكريّ عليه‌السلام قال : سأله بعض مواليه وأنا حاضر عن الصلاة يقطعها شيء ، فقال : لا ، ليست الصلاة تذهب هكذا بحيال صاحبها ، إنّما تذهب مساوية لوجه صاحبها.

* وجه وجيه : قوله عليه‌السلام مساوية لوجه صاحبها أي إلى السماء من جهة رأسها ويحتمل أن يكون المراد أنّها تذهب إلى الجهة التي كان قلبه متوجّها إلى الله تعالى وعمله خالصا له سبحانه فإنّه يعود إليه ويقبل عنده سواء كان في مقابله شيء أو لم يكن ، وإن كان وجه قلبه متوجّها إلى غيره تعالى وعمله مثوبا بالأغراض الفاسدة فعمله ينصرف إلى ذلك الغير سواء كان ذلك الغير مقابل وجهه أو لم يكن ، ولذا يقال له يوم القيامة : خذ ثواب عملك ممّن عملت له ، وهو المراد من قول موسى بن جعفر عليه‌السلام حيث يمرّون الناس بين يديه وهو غلام يصلّي ، فقيل له : إنّ الناس يمرّون بك وهم في الطواف ، فقال : الذي أصلّي له أقرب إليّ من هؤلاء.

* وروى الصدوق في علل الشرايع عن أحمد بن محمّد الشيبانيّ عن الأسديّ

__________________

(١) هود : ١١٤.

٣٣٣

عن سهل عن عبد العظيم الحسينيّ عن أبي الحسن العسكريّ عليه‌السلام ، قال : إنّما اتّخذ الله إبراهيم خليلا لكثرة صلاته على محمّد وآل محمّد.

* وروى المجلسيّ في الجزء العشرين من البحار في باب أصناف المستحقّين نقلا عن معاني الأخبار بالإسناد عن الحسن بن رشاد قال : سألت أبا الحسن العسكريّ عليه‌السلام بالمدينة عن رجل أوصى بمال في سبيل الله ، قال عليه‌السلام : سبيل الله شيعتنا.

* وروى أيضا في مزار البحار في باب الزيارة بالنيابة نقلا عن التهذيب بالإسناد عن داود الصرمي قال : قلت له ـ يعني أبا الحسن العسكريّ عليه‌السلام ـ : إنّي زرت أباك وجعلت ذلك لك ، فقال عليه‌السلام : لك من الله أجر وثواب عظيم ومنّا المحمدة.

* وروى الصدوق في ثواب الأعمال بإسناد عن محمّد بن العطّار عن رجل عن أبي الحسن العسكريّ عليه‌السلام قال : دخلت عليه فقال : أين كنت؟ فقلت : زرت الحسين عليه‌السلام ، قال : أما لو أنّك زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين ابن عليّ عليهما‌السلام.

أقول : سيأتي تحقيق المقام في ترجمة عبد العظيم في محلّه إن شاء الله.

نبذة ممّا روي عنه عليه‌السلام في معاجز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

قال المجلسيّ في الجزء السادس من البحار في رواية طويلة ملخّصها عن الإمام أبي محمّد الحسن العسكريّ عليه‌السلام إنّه قال : قلت لأبي عليّ بن محمّد الهادي عليه‌السلام : كيف كانت الأخبار في هذه الآيات التي ظهرت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة والمدينة؟ فقال عليه‌السلام : يا بني ، استأنف له النهار ، فلمّا كان في غد قال : يا بني!

أمّا الغمامة : فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسافر إلى الشام مضاربا لخديجة بنت

٣٣٤

خويلد ، وكان من مكّة إلى بيت المقدس مسيرة شهر ، وكانوا في حمّارة القيظ يصيبهم حرّ تلك البراري ، وربّما عصفت عليهم فيها الرياح وسفت عليهم الرمال والتراب ، وكان الله تعالى في تلك الأحوال يبعث لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غمامة تظلّه فوق رأسه ؛ تقف لوقوفه ، وتزول لزواله ، إن تقدّم تقدّمت ، وإن تأخّر تأخّرت ، وإن تيامن تيامنت ، وإن تياسر تياسرت ، وكانت تكفّ عنه حرّ الشمس من فوقه ، وكانت تلك الرياح المثيرة لتلك الرمال والتراب تسفيها في وجوه قريش ووجوه رواحلها ، حتّى إذا دنت من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله هدأت وسكنت ولم تحمل شيئا من رمل ولا تراب ، وهبّت عليه ريح باردة ليّنة ، حتّى كانت قوافل قريش يقول قائلها : جوار محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من جوار خيمة ، فكانوا يلوذون به ويتقرّبون إليه ، فكان الرّوح يصيبهم بقربه ، وإن كانت الغمامة مقصورة عليه.

وكان إذا اختلط بتلك القوافل غرباء فإذا الغمامة تسير في موضع بعيد منهم ، قالوا : إلى من قرنت هذه الغمامة فقد شرف ذكره ، فيخاطبهم أهل القافلة : انظروا إلى الغمامة تجدوا عليها اسم صاحبها واسم صاحبه وصفيّه وشقيقه ، فنيظرون فيجدون مكتوبا عليها : «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أيّدته بعليّ سيّد الوصيّين ، وشرّفته بأصحابه الموالين له ولعليّ وأوليائهما والمعادين لأعدائهما» ، فيقرأ ذلك ويفهمه من يحسن أن يقرأ ويكتب ، ومن لا يحسن ذلك.

قال عليّ بن محمّد الهادي عليه‌السلام : وأمّا تسليم الجبال والصخور والأحجار عليه ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا ترك التجارة إلى الشام وتصدّق بكلّ ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات ، كان يغدو كلّ يوم إلى حراء ؛ يصعده وينظر من قلّته إلى آثار رحمة الله وأنواع عجائب حكمته وبدائع صنعه ، وينظر إلى أكناف السماء وأقطار الأرض والبحار والمفاوز والفيافي ، فيعتبر بتلك الآثار ، ويتذكّر بتلك الآيات ، ويعبد الله حقّ عبادته.

٣٣٥

فلمّا استكمل أربعين سنة ، ونظر الله إليه وإلى قلبه فوجده أفضل القلوب وأجلّها وأطوعها وأخشعها وأخضعها ، أذن لأبواب السماوات ففتحت ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ينظر إليها ، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينظر إليهم ، وأمر بالرحمة فأنزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمّد وغمرته ، ونظر إلى جبرئيل الروح الأمين ـ المطوّق بالنور طاووس الملائكة ـ فهبط إليه فأخذ بعضده وهزّه ، وقال : يا محمّد اقرأ ، قال : وما أقرأ؟ قال : يا محمّد (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ)(١) إلى قوله : (ما لَمْ يَعْلَمْ)(٢) ، ثمّ أوحى إليه ما أوحى إليه ربّه عزوجل.

ثمّ صعد إلى العلوّ ، ونزل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الجبل وقد غشيه ـ من تعظيم جلال الله ، وورد عليه من كبر شأنه ما لا يوصف وكان يخاف من تكذيب قريش في خبره ، فأراد الله عزوجل أن يشرح صدره ويشجّع قلبه ، فأنطق الجبال والصخور والمدر ، وكلّما وصل إلى شيء منها ناداه : السّلام عليك يا محمّد ، السّلام عليك يا وليّ الله ، السّلام عليك يا رسول الله ، أبشر فإنّ الله عزوجل قد فضّلك وجمّلك وزيّنك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الأوّلين والآخرين ، لا يحزنك أن تقول قريش إنّك مجنون ، وعن الدين مفتون ، فإنّ الفاضل من فضّله ربّ العالمين ، والكريم من كرّمه خالق الخلق أجمعين ، فلا يضيقنّ صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك ، فسوف يبلغك ربّك أقصى الكرامات ، ويرفعك ربّك إلى أرفع الدرجات ، وسوف ينعّم الله ويفرّح أولياءك بوصيّك عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وسوف يبثّ علومك في العباد والبلاد ، فمفتاحك وباب مدينة حكمتك عليّ بن

__________________

(١) العلق : ١ و ٢.

(٢) العلق : ٥.

٣٣٦

أبي طالب ، وسوف يقرّ عينك ببنتك فاطمة عليها‌السلام ، وسوف يخرج منها ومن عليّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وسوف ينشر في البلاد دينك ، وسوف يضع في يدك لواء الحمد فتضعه في يد أخيك عليّ فيكون تحته كلّ نبيّ وصدّيق وشهيد ، يكون قائدهم أجمعين إلى جنّات النعيم.

ثمّ أنزل الله عليه ميزان الجلال ، فجعل محمّد في كفّة منه ، ومثّل له عليّ وسائر الخلائق من أمّته إلى يوم القيامة في كفّة فوزن بهم فرجح ، ثمّ مثل له عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فجعل في الكفّة التي كان فيها رسول الله فوزن بساير أمّته فرجح بهم فعرفه رسول الله بعينه وصفته ونودي : يا محمّد ، هذا عليّ بن أبي طالب صفيّي الذي أؤيّد به هذا الدين ، يرجح على جميع أمّتك بعدك.

قال عليّ بن محمّد عليه‌السلام : وأمّا دفاع الله القاصدين لمحمّد إلى قتله وإهلاكه إيّاهم كرامة لنبيّه وتصديقه إيّاه فيه ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ابن تسع سنين بمكّة قد نشأ في الخير نشوءا لا نظير له في سائر صبيان قريش ، حتّى ورد مكّة قوم من يهود الشام فنظروا إلى محمّد وشاهدوا نعته وصفته ، فأسرّ بعضهم إلى بعض : هذا والله محمّد الخارج في آخر الزمان ، يزيل الله تعالى به دولة اليهود ويذلّهم ويقمعهم ، وقد كانوا وجدوه النبيّ الأمّيّ الفاضل الصادق ، فحملهم الحسد على أن كتموا ذلك.

ثمّ قال بعضهم لبعض : تعالوا نحتال عليه فنقتله ، فإنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت ، لعلّنا نصادفه ممن يمحو ، فهمّوا بذلك ، ثمّ قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتّى نمتحنه ونجرّبه بأفعاله ، فإنّ الحلية قد توافق الحلية والصورة قد تشاكل الصورة ، وإنّ ما وجدناه في كتبنا أنّ محمّدا يجنّبه ربّه الحرام والشبهات فصادقوه وآلفوه وادعوه إلى دعوة وقدّموا إليه الحرام والشبهة ، فإن انبسط فيهما أو في أحدهما فأكله فاعلموا أنّه غير من تظنّون ، وإنّما الحلية وافقت الحلية والصورة قد تساوي الصورة ، وإن لم يكن الأمر كذلك ولم يأكل منهما شيئا فاعلموا أنّه هو ، فاحتالوا له في تطهير الأرض منه لتسلم لليهود دولتهم منه.

٣٣٧

قال : فجاؤوا إلى أبي طالب فصادفوه ودعوه إلى دعوة لهم ، ولمّا حضر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قدّموا إليه وإلى أبي طالب والملأ من قريش دجاجة مسمّنة كانوا قد وقذوها وشووها ، فجعل أبو طالب وسائر قريش يأكلون منها ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يمدّ يده نحوها فيعدل بها يمنة ويسرة ثمّ أماما ثمّ خلفا ثمّ فوقا ثمّ تحتا ، لا تصيبها يده.

قالوا : مالك يا محمّد لا تأكل منها؟ فقال : يا معاشر اليهود قد جهدت أن أتناول منها ، وهذه يدي يعدل بها عنها ، وما أراها إلّا حراما يصونني ربّي عنها. فقالوا : ما هي إلّا حلال فدعنا نلقمك منها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فافعلوا إن قدرتم ، فذهبوا ليأخذوا منها ويطعموه فكانت أيديهم يعدل بها عنها إلى الجهات كما كانت يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تعدل عنها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فهذه قد منعت منها فائتوني بغيرها إن كانت لكم.

فجاؤوه بدجاجة أخرى مسمّنة مشويّة قد أخذوها لجار لهم غائب لم يكونوا اشتروها ، وعمدوا على أن يردّوا عليه ثمنها إذا حضر ، فتناول منها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقمة ، فلمّا ذهب أن يرفعها ثقلت عليه وفصلت حتّى سقطت من يده ، وكلّما ذهب يرفع ما تناوله بعدها ثقلت وسقطت ، فقالوا : يا محمّد فما بال هذه لا تأكل منها؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وهذه أيضا قد منعت منها وما أراها إلّا من شبهة يصونني الله ربّي عنها عزوجل ، فقالوا : ما هي شبهة دعنا نلقمك منها ، قال : افعلوا إن قدرتم عليه ، فكلّما تناولوا لقمة ليلقموه ثقلت كذلك في أيديهم ثمّ سقطت ولم يقدروا أن يعلوها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هو ما قلت لكم ، هذه شبهة يصونني ربّي عزوجل عنها.

فتعجّبت قريش من ذلك ، وكان ذلك ممّا يقيمهم على اعتقاد عداوتهم (١) إلى أن

__________________

(١) في المصدر : عداوته.

٣٣٨

أظهروها لمّا أظهره عزوجل بالنبوّة ، وأغرتهم اليهود أيضا ، وقالت لهم اليهود : أيّ شيء يرد عليكم من هذا الطفل؟ ما نراه إلّا سالبكم نعمكم وأرواحكم ، وسوف يكون لهذا شأن عظيم.

قال عليه‌السلام : ثمّ تواطئت اليهود على قتله في طريقه في جبل حراء ، وهم سبعون رجلا ، فعمدوا إلى سيوفهم فسمّوها ، ثمّ قعدوا له ذات غلس في طريقه على جبل حراء ، فلمّا صعد صعدوا إليه وسلّوا سيوفهم وهم سبعون رجلا من أشدّ اليهود وأجلدهم وذوي النجدة منهم ، فلمّا أهووا بها إليه ليضربوه بها التقى طرفا الجبل بينهم وبينه فانضمّا وصار ذلك حائلا بينهم وبين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانقطع طمعهم عن الوصول إليه بسيوفهم فغمدوها فانفرج الطرفان بعد ما كانا انضمّا ، فسلّوا بعد سيوفهم وقصدوه ، فلمّا همّوا بإرسالها عليه انضمّ طرفا الجبل وحيل بينهم وبينه فغمدوها ، ثمّ ينفرجان فيسلّونها ، إلى أن بلغ ذروة الجبل ، وكان ذلك سبعا وأربعين مرّة ، فصعدوا الجبل وداروا خلفه ليقصدوه بالقتل فطال عليهم الطريق فمدّ الله عزوجل الجبل فأبعدوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى فرغ من ذكره وثنائه على ربّه واعتباره بعبره ، ثمّ انحدر عن الجبل وانحدروا خلفه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولحقوه وسلّوا سيوفهم ليضربوه بها ، فانضمّ طرفا الجبل وضغطهم ورضّضهم حتّى ماتوا أجمعين ، وذهب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك الموضع سالما مكفيا مصونا محوطا تناديه الجبال وما عليها من الأحجار والأشجار : هنيئا لك يا محمّد بنصرة الله عزوجل لك على أعدائك بنا ، وسينصرك إذا ظهر أمرك على جبابرة أمّتك بعليّ بن أبي طالب وسيجعله تاليك وثانيك ، ونفسك التي بين جنبيك ، وسمعك الذي به تسمع ، وبصرك الذي به تبصر ، ويدك التي بها تبطش ، ورجلك التي عليها تعتمد ، وسيقضي عنك ديونك ، ويفي عنك بعداتك ، وسيكون جمال أمّتك وزين أهل ملّتك ، وسيسعد ربّك عزوجل به محبّيه ويهلك به شانئيه.

٣٣٩

قال عليّ بن محمّد الهادي عليه‌السلام : وأمّا الشجرتان اللتان تلاصقتا ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ذات يوم في طريق له بين مكّة والمدينة ، وفي عسكره منافقون من المدينة ومكّة ، وكانوا يتحدّثون فيما بينهم لمحمّد وآله الطيّبين وأصحابه الخيّرين ، فقال بعضهم لبعض : يأكل كما نأكل وينفض كرشه من الغائط والبول كما ننفض ، ويدّعي أنّه رسول الله.

فقال بعض مردة المنافقين : هذه صحراء ملساء تعالوا ننظر إلى عورته ، فعرّف الله عزوجل ذللك نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لزيد بن ثابت : اذهب إلى هاتين الشجرتين المتباعدتين وناد : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأمركما أن تلتصقا وتنضمّا ليقضي رسول الله خلفكما حاجته ، ففعل ذلك زيد وقال : فو الذي بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحقّ نبيّا إنّ الشجرتين انقلعتا بأصولهما من مواضعهما ، وسعت كلّ واحدة منهما إلى الأخرى سعي المتحابّين ، حتّى تلاصقتا وانضمّتا وقعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خلفهما.

فقال أولئك المنافقون : قد استتر عنّا ، فقال بعضهم لبعض : فدوروا خلفه تنظرون إليه ، فذهبوا ليدوروا خلفه فدارت الشجرتان كلّما داروا ومنعتاهم من النظر حتّى فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتوضّأ وخرج من هناك وعاد إلى العسكر.

قال لزيد بن ثابت : عد إلى الشجرتين وقل لهما : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأمركما أن تعودا إلى مواضعكما ، فقال المنافقون : قد امتنع محمّد من أن تبدى لنا عورته فتعالوا ننظر إلى ما خرج منه ، فجاؤوا إلى الموضع فلم يروا شيئا.

وقال عليّ بن محمّد الهادي عليه‌السلام : وأمّا دعاؤه صلى‌الله‌عليه‌وآله الشجرة ، فإنّ رجلا من ثقيف كان أطبّ الناس ـ يقال له الحارث بن كلدة الثقفيّ ـ جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمّد جئت أداويك من جنونك فقد داويت مجانين كثيرة فشفوا على يدي.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا حارث ، أنت تفعل أفعال المجانين ، وتنسبني إلى الجنون!

فقال الحارث : وما ذا فعلته من أفعال المجانين؟

٣٤٠