مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٣

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-503-039-0
ISBN الدورة:
964-503-039-0

الصفحات: ٤٦٢

وفيه أيضا بهذا الإسناد عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن الصادق عليهم‌السلام : عليكم بالورع (١) فإنّه الدين الذي تلازمه وتدين الله به ، ويريده ممّن يوالينا لأنّه يتقرّب بالشفاعة.

وفيه أيضا عن جماعة ، عن أبي المفضّل عن عبد الله بن محمّد بن عبيد بن ياسين عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : من أصبح والآخرة همّه استغنى بغير مال ، واستأنس بغير أهل ، وعزّ بغير عشيرة.

وفيه أيضا عن الفحّام عن المنصوري عن عمّه أبيه عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال الصادق عليه‌السلام في قول الله عزوجل في قول يعقوب : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)(٢) قال : بلا شكوى.

وفي رواية : تصبر في الضرّاء كما تصبر في السرّاء ، وفي الفاقة كما تصبر في الغنى ، وفي البلاء كما تصبر في العافية ، فلا يشكو حاله عند المخلوق بما يصيبه من البلاء.

وفيه أيضا قال عليه‌السلام : إنّ من الغرّة بالله أن يصرّ العبد إلى المعصية ويتمنّى على الله المغفرة.

وفيه أيضا بالإسناد عن أبي المفضّل عن رجاء بن يحيى ، عن يعقوب بن السكّيت النحوي عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إيّاكم والإلفاظ بالمنى فإنّها من بضايع الفجرة.

وفيه أيضا : الفحّام عن المنصوري عن عمّ أبيه عن أبي الحسن الثالث عن آبائه

__________________

(١) الورع الكفّ عن المحارم والتحرّج منها ، وله أربع مراتب : ورع التائبين وهو الذي تقبل به شهادته ، وورع الصالحين وهو الذي يكون بينه وبين المعاصي حاجزا فيترك المحرّمات كلّها ، وورع المتقين وهو الذي يتحرّج بسببه عن الشبهات فضلا عن المحرّمات ، وورع الصدّيقين وهو الذي يتحرّج عن أكل الحلال خوفا من وقوعه في الشبهات ، وكذا يتحرّج عن المجالسة.

(٢) يوسف : ١٨.

٣٠١

عن الصادق عليهم‌السلام : قوله تعالى : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً)(١) قال : القنوع.

وفيه أيضا : الفحّام ، عن المنصوريّ ، عن عمر بن أبي موسى ، عن عيسى بن أحمد ، عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عليهم‌السلام عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال : يقول الله تبارك وتعالى : يابن آدم ، ما تنصفني ؛ أتحبّب إليك بالنعم وتتمقّت إليّ بالمعاصي ، خيري إليك نازل ، وشرّك إليّ صاعد ، ولا يزال ملك كريم يأتيني عنك في كلّ يوم وليلة بعمل قبيح. يابن آدم ، لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تعلم من الموصوف لسارعت إلى مقته.

وفيه أيضا عن الفحّام عن المنصوري عن عمّ أبيه عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال الصادق عليه‌السلام : ثلاث دعوات لا يحجبن عن الله : دعاء الوالد لولده إذا برّه ، ودعوته عليه إذا عقّه ، ودعاء المظلوم على ظالمه ، ودعائه لمن انتصر له عنه ، ورجل مؤمن دعا لأخ له مؤمن واساه فينا ، ودعاء عليه إذا لم يواسه مع القدرة عليه واضطرار أخيه إليه.

وفيه أيضا عن الفحّام عن المنصوري عن عمّ أبيه عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عليهم‌السلام عن الصادق عليه‌السلام قال : إذا كان لك صديق فولّى ولاية فأصبته على العثرة ممّا كان قبل ولايته لك عليه فليس بصديق سوء.

وفيه أيضا عن جماعة عن أبي المفضّل عن عبد الله بن محمّد بن عبيد عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام قال : سمعت بسرّ من رأى يقول : الغوغاء (٢) قتلة الأبنياء ،

__________________

(١) النحل : ٩٧.

(٢) فسّر أمير المؤمنين عليه‌السلام الغوغاء كما في نهج البلاغة ، قال : الغوغاء هم الذين إذا اجتمعوا ضرّوا ، وإذا تفرّقوا نفعوا ، فقيل له : قد علمنا مضرّة اجتماعهم فما منفعة افتراقهم؟ فقال عليه‌السلام : يرجع أهل المهن إلى مهنهم فينتفع الناس بهم كرجوع البنّاء إلى بنائه ، والنسّاج إلى منسجه ، والخبّاز إلى مخبزه. وقال عليه‌السلام وقد أتي بجان ومعه غوغاء ، فقال : لا مرحبا بوجوه لا ترى إلّا عند كلّ كريهة ـ أو قال : سوءة ـ.

٣٠٢

والعامّة اسم مشتقّ من العمى ، ما رضي الله أن شبّههم بالأنعام حتّى قال : (بَلْ هُمْ أَضَلُ)(١).

وفيه أيضا عن الفحّام عن المنصوري عن عمّ أبيه عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن الصادق عليهم‌السلام في قوله تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ)(٢) قال : كانوا لا ينامون حتّى يصلّوا العتمة.

وفيه أيضا عن الفحّام عن المنصوريّ عن عمّ أبيه عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن عليّ عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا أسري بي إلى السماء كنت من ربّي كقاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إليّ ربّي ما أوحى ، ثمّ قال : يا محمّد ، اقرأ عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين السّلام ، فما سمّيت به أحدا قبله ولا أسمّي بهذا أحدا بعده.

وفيه أيضا عن الفحّام عن المنصوري عن عمّ أبيه عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن الصادق عليهم‌السلام قال : ما كان وما يكون إلى يوم القيامة رجل مؤمن إلّا وله جار يؤذيه.

وفيه أيضا بهذا الإسناد قال عليه‌السلام : خمس تذهب ضياعا : سراج وضع في الشمس ؛ الدهن يذهب والضوء لا ينفع ، ومطر جود (أي غزير) على أرض سبخة ؛ المطر يضيع والأرض لا ينتفع بها ، وطعام يقدّم عند شبعان ؛ فلا ينتفع به ، وامرأة حسناء تزفّ إلى عنين ؛ فلا ينتفع بها ، ومعروف يصطنعه إلى من لا يشكره.

وفيه أيضا وبهذا الإسناد عنه عليه‌السلام قال : ثلاثة أوقات لا تحجب فيها الدعاء عن الله تعالى : في أثر المكتوبة ، وعند نزول القطر ، وظهور آية معجزة لله في أرضه.

وفيه أيضا عن الفحّام عن المنصوري عن عمّ أبيه عن أبي الحسن الثالث عن

__________________

(١) الأعراف : ١٧٩.

(٢) السجدة : ١٦.

٣٠٣

آبائه عن الباقر عليهم‌السلام عن جابر قال : كنت أماشي أمير المؤمنين على الفرات إذ خرجت موجة عظيمة فغطّته حتّى استتر عنّي ثمّ انحسرت عنه ولا رطوبة عليه فوجمت لذلك وتعجّبت وسألته عنه ، قال : رأيت ذلك؟ قلت : نعم ، قال : إنّما الملك الموكّل بالماء فرح فسلّم عليّ واعتنقني.

وفيه أيضا عن الفحّام عن المنصوري عن عمّ أبيه عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن الكاظم صلوات الله عليهم ، قال : من لم يغضب في الجفوة لم يشكر في النعمة.

كلام بعض المحقّقين في الغضب

قال : الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة إلّا أنّها لا تطّلع على الأفئدة وإنّما لمتسكّنة في طيّ الفؤاد كاستكنان الجمر تحت الرماد ويستخرجها الكبر الذين من قلب كلّ جبّار عنيد كما يستخرج الحجر النار من الحديد ، وقد انكشف للناظرين بنور اليقين أنّ الإنسان ينزع منه عرق إلى الشيطان اللعين فمن أسعرته نار الغضب فقد قويت فيه قرابة الشيطان حيث خلقني من نار وخلقته من طين ، فمن شأن الطين السكون والوقار ، وشأن النار التلظّى والاستعار ، والحركة والاضطراب والاصطهار ، ومنه قوله تعالى : (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ)(١). ومن نتائج الغضب الحقد والحسد وبهما هلك من هلك ، وفسد من فسد.

ثمّ قال : اعلم أنّ الله لمّا خلق الإنسان معرضا للفساد والموتان بأسباب في داخل بدنه وأسباب خارجة منه أنعم عليه بما يحميه من الفساد ويدفع عنه الهلاك إلى أجل معلوم سمّاه في كتابه.

__________________

(١) الحجّ : ٢٠.

٣٠٤

أمّا سبب الداخل فإنّه ركّبه من الرطوبة والحرارة وجعل بين الرطوبة والحراة عداوة ومضادّه فلا تزال الحراة تحلل الرطوبة وتجفّفها وتبخرها حتّى يتفشّى أجزاؤها بخارا يتصاعد منها ، فلو لم يتّصل بالرطوبة مدد من الغذاء يجر ما انحلّ وتبخر من أجزائها لفسد الحيوان فخلق الله الغذاء الموافق لبدن الحيوان ، وخلق للحيوان شهوة تبعثه على تناول الغذاء كالموكّل به في جبر ما انكسر وسدّ ما انثلم ليكون حافظا له من الهلاك بهذه الأسباب.

وأمّا الأسباب الخارجة التي يتعرّض لها الإنسان فكالسيف والسنان وسائر المهلكات التي يقصد بها فافتقر إلى قوّة وحميّة تثور من باطنه فيدفع المهلكات عنه فخلق الله الغضب من النار وغرزه في الإنسان وعجنه بطينته فمهما قصد في غرض من أغراضه ومقصود من مقاصده اشتعلت نار الغضب وثارت ثورانا يغلي به دم القلب وينتشرف العروق ويرتفع إلى أعالي البدن كما ترفع النار ، وكما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر ولذلك ينصبّ إلى الوجه فتحمرّ الوجه والعين والبشرة بصفائها تحكي ما ورائها من حمرة الدم كما تحكي الزجاجة لون ما فيها ، وإنّما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه فإنّ صدر الغضب على من هو فوقه وكان معه يأس من الانتقام تولّد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب وصار حزنا ولذلك يصفرّ اللون ، وإن كان الغضب على نظير يشكّ القدرة عليه تولّد منه تردّد بين انقباض وانبساط فيحمرّ ويصفرّ ويضطرب.

وبالجملة فقوّة الغضب محلّها القلب ومعناها غليان دم القلب لطلب الانتقام وإنّما تتوجّه هذه القوّة عند ثوراتها إلى دفع المؤذيات قبل وقوعها وإلى التشفّي والانتقام بعد وقوعها ، والانتقام قوّة هذه القوّة وشهوتها وفيه لذّتها ولا تسكن إلّا به ثمّ الناس في هذه القوّة على درجات ثلاث في أوّل الفطرة وبحسب ما يطرأ عليها من الأمور الخارجة من التفريط والإفراط والاعتدال.

٣٠٥

أمّا التفريط فبفقد هذه القوّة أو ضعفها بأن لا يستعملها فيما هو محمود عقلا وشرعا مثل دفع الضرر عن نفسه على وجه سائغ والجهاد مع الأعداء والبطش فيهم وإقامة الحدود على الوجه المعتبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتحصل فيه ملكة الجبن بل ينتهي إلى عدم الغيرة على حرمة وأشباهه ، وهذا مذموم معدود من الرذايل النفسانيّة ، وقد وصف الله تعالى الصحابة بالشدّة والحميّة ، فقال تعالى : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ)(١) ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)(٢) وإنّما الغليظة والشدّة من آثار القوّة الحميّة وهو الغضب.

وأمّا الإفراط فهو الإقدام على ما ليس بالجميل واستعمالها فيما هو مذموم عقلا وشرعا مثل الضرب والبطش والشتم والنهب والقتل والقذف وأمثال ذلك ممّا لا يجوّزه العقل والشرع.

أمّا الاعتدال فهو غضب ينتظر إشارة العقل والدين فينبعث حيث تجب الحميّة وينطفي حيث يحسن الحلم وحفظه على حدّ الاعتدال هو الاستقامة التي كلّف الله تعالى به عباده وهو الوسط الذي وصفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال : خير الأمور أوسطها ، فمن مال غضبه إلى الفتور حتّى أحسّ من نفسه ضعف الغيرة وخسّة النفس واحتمال الذلّ والضيم في غير محلّه فينبغي أن يعالج نفسه حتّى يقوى غضبه ، ومن مال إلى الإفراط حتّى جرّه إلى التهوّر واقتحام الفواحش فينبغي أن يعالج نفسه ليسكن من ثورة الغضب ويقف على الوسط الحقّ بين الطرفين فهو الصراط المستقيم وهو أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف فينبغي أن يسعى في ذلك بحسب جهده ويتوصّل إلى الله معه في أن يوفّقه لذلك.

__________________

(١) الفتح : ٢٩.

(٢) التوبة : ٧٣.

٣٠٦

رواياته في فضائل أمير المؤمنين وفاطمة عليهما‌السلام

روى المجلسيّ في المجلّد العاشر من البحار بالإسناد عن أبي الحسن الثالث عن آبائه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله عزوجل فطمها وفطم من أحبّها من النار.

وفي المجلّد الثامن منه بالإسناد عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن الباقر عليهم‌السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : كنت عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا من جانب وعليّ أمير المؤمنين من جانب إذ أقبل عمر بن الخطّاب ومعه رجل قد تلبّب به ، فقال : ما باله؟ قال : حكى عنك يا رسول الله أنّك قلت : «من قال لا إله إلّا الله محمّد رسول الله دخل الجنّة» وهذا إذا سمعه الناس فرطوا في الأعمال ، أفأنت قلت ذلك يا رسول الله؟ قال : نعم إذا تمسّك بمحبّة هذا وولايته ـ وأشار إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ.

وروى المجلسيّ أيضا في الجزء التاسع من البحار في باب تاريخ ولادة أمير المؤمنينعليه‌السلام

بالإسناد عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن أمير المؤمنين قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ، خلقني الله وأنت من نوره حين خلق آدم فأفرغ ذلك النور في صلبه فأفضى به إلى عبد المطّلب ثمّ افترقا من عبد المطّلب فصرت أنا في عبد الله وأنت في أبي طالب ؛ لا تصلح النبوّة إلّا لي ، ولا تصلح الوصيّة إلّا لك ؛ فمن جحد وصيّتك جحد نبوّتي ، ومن جحد نبوّتي أكبّه الله على منخره في النار.

وفيه أيضا بالإسناد عن عيسى بن أحمد عن أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما‌السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّ أن يلقى الله عزوجل آمنا مطهّرا لا يحزنه الفزع الأكبر فليتولّك يا عليّ وليتولّ ابنيك الحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعليّ بن موسى ومحمّد بن عليّ وعليّ بن محمّد والحسن بن عليّ ثمّ المهدي وهو خاتمهم ،

٣٠٧

وليكوننّ في آخر الزمان قوم يتولّونك ـ يا علي ـ ويشنأهم الناس ، ولو أحبّوهم كان خيرا لهم لو كانوا يعلمون ، ويؤثرونك وولدك على آبائهم وأمّهاتهم وأخواتهم وعلى عشائرهم والقرابات ، صلوات الله عليهم أفضل الصلوات ، أولئك يحشرون تحت لواء الحمد ، يتجاوز عن سيّئاتهم ويرفع درجاتهم جزاء بما كانوا يعملون.

وفيه أيضا في باب حبّه وبغضه بالإسناد عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عليهم‌السلام عن جابر قال : سمعت ابن مسعود يقول : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : حرّمت النار على من أحبّ عليّا وتولّاه ، ولعن الله من مارى عليّا وناواه ، عليّ منّي كجلدة ما بين العين والحاجب.

وفيه أيضا عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن النبيّ عليهم‌السلام قال : يا علي ، محبّك محبّي ومبغضك مبغضي.

وروى الطبرسيّ في الاحتجاج عن أبي جعفر الطوسي عن أبي محمّد الفحّام عن أبيه عن أبي محمّد العسكري عليه‌السلام عن آبائه عن الحسين عليه‌السلام عن قنبر مولاى عليّ قال : كنت مع مولاي عليّ عليه‌السلام على شاطئ الفرات فنزع قميصه ونزل في الماء فجائت موجة فأخذت القميص فإذا هاتف يهتف : يا أبا الحسن ، أنظر عن يمينك وخذ ما ترى فإذا منديل عن يمينه وفيها قميص مطوى فأخذه ولبسه وإذا في جيبه رقعة فيها مكتوب : «هديّة من الله العزيز الحكيم إلى عليّ بن أبي طالب ، هذا قميص هارون بن عمران كذلك وأورثناها قوما آخرين».

وروى الأربليّ في كشف الغمّة عن موفّق بن أحمد ، عن شهردار ، عن عبدوس ، عن أبي الفرج ابن سهل ، عن أحمد بن إبراهيم ، عن زكريّا العلائي ، عن الحسن بن موسى ، عن عبد الرحمان بن القاسم ، عن أبي حازم محمّد بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى عن أبيه أبي الحسن الثالث عن آبائه عليهم‌السلام عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ بن أبي طالب : يا أبا الحسن ، كلّم الشمس فإنّها تكلّمك. قال

٣٠٨

عليّ عليه‌السلام : السّلام عليك أيّها العبد المطيع لله ، فقالت الشمس : وعليك السّلام يا أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغرّ المحجّلين ، يا علي ، أنت وشيعتك في الجنّة ، يا علي ، أوّل من ينشقّ عنه الأرض محمّد ثمّ أنت ، وأوّل من يكسى محمّد ثمّ أنت ، ثمّ انكبّ عليّ ساجدا وعيناه تذرفان بالدموع ، فانكبّ عليه النبيّ فقال : يا أخي وحبيبي ارفع رأسك فقد باهى الله بك أهل سبع سماوات.

وفي التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري قال عليّ بن محمّد الهادي عليهما‌السلام : لمّا رجع أمير المؤمنين عليه‌السلام من صفّين وسقى القوم من الماء الذي تحت الصخرة التي قلّبها فقعد لحاجة ، فقال بعض منافقي عسكره : سوف أنظر إلى سوأته وإلى ما يخرج منه فإنّه يدّعي مرتبة النبيّ ، وأخبر أصحابه بكذبه. فقال عليّ لقنبر : يا قنبر ، اذهب إلى تلك الشجرة وإلى التي تقابلها وقد كان بينهما أكثر من فرسخ فنادهما أنّ وصيّ محمّد يأمركما أن تتلاصقا ، فقال قنبر : يا أمير المؤمنين ، أو يبلغهما صوتي؟ قال عليه‌السلام : إنّ الذي يبلغ بصر عينك السماء وبينك وبينها مسيرة خمسمائة عام سيبلغها صوتك.

فذهب قنبر فنادى ، فسعت إحداهما إلى الأخرى سعي المتحابّين طالت غيبة أحدهما عن الآخر واشتدّ إليه شوقه وانضمّا ، فقال قوم من منافقي العسكر : إنّ عليّا يضاهي في سحر ابن عمّه محمّد ، ما ذاك رسول الله ولا هذا إمام بل إنّهما ساحران ، لكنّا سندور من خلفه فننظر إلى عورته وما يخرج منه ، فأوصل الله عزوجل ذلك إلى أذن عليّ عليه‌السلام من قبلهم ، فقال جهرا : يا قنبر ، إنّ المنافقين أرادوا مكايدة وصيّ رسول الله وظنّوا أنّه لا يمتنع منهم إلّا بالشجرتين ، فارجع إليهما فقل لهما : إنّ وصيّ رسول الله يأمركما أن تعودا إلى مكانكما ، ففعل ما أمر به فانقلعتا وعادت كلّ واحدة تفارق الأخرى كهزيمة الجبان من الشجاع ، ثمّ ذهب عليّ عليه‌السلام ورفع ثوبه ليقعدوا وقد مضى من المنافقين جماعة لينظروا إليه ، فلمّا رفع ثوبه أعلى الله

٣٠٩

أبصارهم فلم يبصروا شيئا فولّا عنه وجوههم فأبصروا كما كانوا يبصرون ، ففعلوا مرارا حتّى فرغ أمير المؤمنين عليه‌السلام وقام ورجع.

ثمّ ذهب القوم لينظروا ما خرج عنه فاعتقلوا في مواضعهم فلم يقدروا أن يروها فإذا انصرفوا أمكنهم الانصراف ، ففعلوا مرارا حتّى نودي فيهم بالرحيل فرحلوا وما وصلوا إلى ما أرادوا من ذلك ولم يزدهم إلّا عتوّا وطغيانا ، فقال بعضهم لبعض : أنظروا إلى هذا العجب فالذي هذه آياته فكيف يعجز عن معاوية وعمرو بن العاص؟! فأوصل الله عزوجل ذلك إلى أذن عليّ عليه‌السلام ، فقال عليه‌السلام : يا ملائكة ربّي ايتوني بمعاوية وعمرو بن العاص ويزيد ، فنظروا في الهواء فإذا ملائكة كأنّهم السودان قد تعلّق كلّ واحد منهم بواحد فأنزلوهم إلى حضرته فإذا أحدهم معاوية والآخر عمرو والآخر يزيد ، فقال عليّ عليه‌السلام : تعالوا فانظروا إليهم ، أما لو شئت لقتلتهم ولكنّي أمهلهم كما أمهل الله إبليس إلى الوقت المعلوم ، إنّ الذي ترونه بصاحبكم ليس لعجز ولا ذلّ ولكنّه محنة من الله عزوجل لينظر كيف تعملون ، ولئن طعنتم على عليّ فلقد طعن الكافرون والمنافقون قبلكم على رسول ربّ العالمين ، فقالوا : إنّ من طاف ملكوت السماوات الجنان في ليلة ورجع كيف يحتاج إلى الهرب ويدخل الغار ويأتي إلى المدينة من مكّه في أحد عشر يوما وإنّما هو من الله إذا شاء أراكم القدرة لتعرفوا صدق أنبياء الله ، وإذا شاء امتحنكم بما تكرهون لينظر كيف تعملون وليظهر حجّته عليكم.

وروى الشيخ الطوسيّ في الأمالي عن أبي محمّد الفحّام ، عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن عبد الله المنصوريّ ، عن أبي الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ عليهما‌السلام قال : إنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : أخبرني عمّا ليس لله وعمّا ليس عند الله وعمّا لا يعلمه الله؟ فقال عليه‌السلام : أمّا ما لا يعلمه الله فلا يعلم أنّ له ولد تكذيبا لكم حيث قلتم عزير ابن الله ، وأمّا قولك عمّا ليس عند الله فليس عند الله ظلم على

٣١٠

العباد ، وأمّا قولك عمّا ليس لله فليس له شريك.

فقال اليهوديّ : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ، وأشهد أنّك الحقّ ومن أهل الحقّ وقلت الحقّ ، وأسلم على يديه.

تقدّم هذا الحديث في النصوص بوجه أبسط.

نبذة من قصائد أمراء الكلام في مدح أمير المؤمنين عليه‌السلام

منها قول الصاحب إسماعيل بن عبّاد ذكره في أعيان الشيعة :

يا أمير المؤمنين المرتضى

إنّ قلبي عندكم قد وقفا

كلّما جدّدت مدحي فيكم

قال ذو النصب نسيت السلفا

من كمولاي عليّ مفتيا

خضع الكلّ له واعترفا

من كمولاي عليّ زاهد

طلّق الدنيا ثلاثا ووفى

من دعي للطير أن يأكله

ولنا في بعض هذا مكتفى

من وصيّ المصطفى عندكم

ووصيّ المصطفى من يصطفى

ولداه شنفا العرش فقل

حبّذا العرش وحبّا شنفا

وله أيضا :

بلغت نفسي مناها بالموالي آل طه

برسول الله من حاز المعالي وحواها

وبنيت المصطفى من أشبهت فضلا أباها

من كمولاي عليّ والوغى تحمي لظاها

من يصيد الصيد فيها بالظبى حين انتضاها

من له في كلّ يوم وقعات لا تضاها

كم وكم حرب ضروس سدّ بالمرهف فاها

أذكروا أفعال بدر لست أبغي ما سواها

أذكروا غزوة أحد إنّه شمس ضحاها

أذكروا حرب حنين إنّه بدر دجاها

أذكروا الأحزاب قدما إنّه ليث شراها

أذكروا مهجة عمرو كيف أفناها شجاها

٣١١

أذكروا أمر برائه واخبروني من تلاها

أذكروا من زوجة زهراء قد طاب ثراها

حاله حالة هارون لموسى فافهماها

أعلى حبّ عليّ لامني القوم سفاها

أوّل الناس صلاة جعل التقوى حلاها

ردّت الشمس عليه بعد ما غاب سناها

وله أيضا :

ما لعليّ العلى أشباه

لا والذي لا إله إلّا هو

مبناه مبنى النبيّ تعرفه

وابناه عند التفاخر ابناه

لو طلب النجم ذات أخمصه

علاه والفرقدان فعلاه

أما عرفتم سموّ منزله

أما عرفتم علوّ مثواه

أما رأيتم محمّد حدبا

عليه قد حاطه وربّاه

واختصّه يافعا وآثره

واعتامه مخلصا وآخاه

زوّجه بضعة النبوّة إذ

رآه خير امرئ وأتقاه

يا بأبي السيّد الحسين وقد

جاهد في الدين يوم بلواه

يا بأبي أهله وقد قتلوا

من حوله والعيون ترعاه

يا قبّح الله أمّة خذلت

سيّدها لا تريد مرضاه

يا لعن الله جيفة نجسا

يقرع من بغضه ثناياه

وله أيضا :

يا كفء بنت محمّد لولاك ما

زفّت إلى بشر مدى الأحقاب

يا أصل عترة أحمد لو لا لم

بك أحمد المبعوث ذا أعقاب

كان النبيّ مدينة العلم التي

حوت الكمال وكنت أفضل باب

ردّت عليك الشمس وهي فضيلة

بهرت فلم تستر بلفّ نقاب

لم أحك إلّا ما روته نواصب

عادتك فهي مباحة الأسلاب

عوملت ياتلو النبيّ وصنوه

بأوابد جائت بكلّ عجاب

٣١٢

قد لقّبوك أبا تراب بعد ما

باعو شريعتهم بكفّ تراب

لم تعلموا أنّ الوصيّ هو الذي

آتى الزكاة وكان في المحراب

لم تعلموا أنّ الوصيّ هو الذي

حكم الغدير له على الأصحاب

وله أيضا :

عجبت ملائكة السماء لحربه

في يوم بدر والجهاد جهاد

فحكاه عنه جبرئيل لأحمد

أستاد مجد ليس فيه صياد

صرع الوليد بموقف شاب الو

ليد لهو له وتهارب الأعضاد

وأذاق عتبة بالحسام عقوبة

حسمت بها الأدواء وهي تلاد

أحلاف حرب أرضعوا أخلافها

فكأنّما حروبهم أولاد

ما كان في قتلاه إلّا باسل

فكأنّما صمصامه نقّاد

إن لم أكن حربا لحرب كلّها

فنفاني الآباء والأجداد

إن لم أفضّل أحمدا ووصيّه

لهدمت مجدا شاده عبّاد

يا كربلاء تحدّثي ببلائنا

وبكربنا إنّ الحديث يعاد

وله أيضا :

قالت فمن صاحب الدين الحنيف أجب

فقلت أحمد خير السادة الرسل

قالت فهل معجز وافى الرسول به

فقلت القرآن وقد أعيا عن الأول

قالت فمن بعده تصفي الولاء له

فقلت الوصي الذي أربى على زحل

قالت فمن أوّل الأقوام صدّقه

فقلت من لم يصر يوما إلى هبل

قالت فمن بات من فوق الفراش فدى

فقلت أثبت خلق الله في الوهل

قالت فمن ذا الذي آخاه عن مقة

فقلت من حاز ردّ الشمس في الطفل

قالت فمن زوّج الزهراء فاطمة

فقلت أفضل من حال ومنتعل

قالت فمن والد السبطين إذ فرعا

فقلت سابق أهل السبق في مهل

٣١٣

قالت فمن فاز في بدر بمعجزها

فقلت أضرب خلق الله في القلل

قالت فمن سار يوم الروع في أحد

فقلت من هالهم بأسا ولم يهل

قالت فمن أسد الأحزاب يفرسها

فقلت قاتل عمرو الضيغم البطل

قالت فخيبر من ذا هدّ معقلها

فقلت سائق أهل الكفر في عقل

قالت فيوم حنين من فرا وبرا

فقلت حاصد أهل الترك في عجل

قالت برائة من أدّى قوارعها

فقلت من صين عن ختل وعن دغل

قالت فمن صاحب الرايات يحملها

فقلت من حيط عن غشّ وعن نقل

قالت فمن ذا دعي للطير يأكله

فقلت أقرب مرضيّ ومنتحل

قالت فمن تلوه يوم الكساء أجب

فقلت أفضل مكسوّ ومشتمل

قالت فمن ساد في يوم الغدير أبن

فقلت من كان للإسلام خير ولي

قالت ففيمن أتى في هل أتى شرف

فقلت أبذل أهل الأرض للنقل

قالت فمن راكعا زكّى بخاتمه

فقلت أطعنهم مذ كان بالأسل

قالت فمن ذا قسيم النار يسهمها

فقلت من رأيه أزكى من الشعل

قالت فمن باهل الطهر النبيّ به

فقلت تاليه في حلّ ومرتحل

قالت فمن شبه هارون لنعرفه

فقلت من لم يحل يوما ولم يزل

قالت فمن ذا غدا باب المدينة قل

فقلت من سألوه وهو لم يسل

قالت فمن قاتل الأقوام إذ نكثوا

فقلت تفسيره في وقعة الجمل

قالت فمن حارب الأرجاس إذ قسطوا

فقلت صفّين تبدي صفحة العمل

قالت فمن قارع الأنجاس إذ مرقوا

فقلت معناه يوم النهروان جلي

قالت فمن صاحبالحوش الشريف غدا

فقلت من بيته في أشرف الحلل

قالت فمن ذا لواء الحمد يحمله

فقلت من لم يكافي الروع بالوجل

قالت أكلّ الذي قد قلت في رجل

فقلت كلّ الذي قد قلت في رجل

قالت فمن هو هذا الفرد سمّ لنا

فقلت ذاك أمير المؤمنين علي

٣١٤

أقول : وقد أتينا جمله وافية من قصائد أمراء الكلام في كتابنا «حقّ المبين» في قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام.

رواية الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام في ذمّ الصوفيّة

وذكر العلّامة الخبير السيّد محمّد باقر الخوانساري في روضات الجنّات في ترجمة الحسين بن المنصور الحلّاج والشيخ نصير الدين أبو طالب عبد الله بن حمزة بن الحسن ابن عليّ الطوسيّ في «إيجاز المطالب» والمحقّق المقدّس الأردبيلي في حديقة الشيعة بسند صحيح عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب قال : كنت مع أبي الحسن الهادي عليّ بن محمّد في مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري وكان رجلا بليغا وكانت له منزلة عظيمة عنده عليه‌السلام ، إذ دخل المسجد جماعة من الصوفيّة فجلسوا في جانب المسجد مستديرا وأخذوا بالتهليل ، فقال عليه‌السلام : لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخدّاعين فإنّهم خلفاء الشيطان ومخرّبوا قواعد الدين ، يتزهّدون لإراحة الأجسام ويتهجّدون لصيد الأنعام ، يتجوّعون عمرا حتّى يدبّجوا للإيكاف حمرا ، لا يهلّلون إلّا لغرور الناس ولا يقلّلون الغذاء إلّا لملاء العساس واختلاس قلب الذنفاس ، يتكلّمون الناس بإملائهم في الحبّ ويطرحونهم بأذاليلهم في الجبّ ، أورادهم الرقص والضدية ، وأذكارهم الترنّم والتغنية ، فلا يتبعهم إلّا السفهاء ، ولا يعتقدهم إلّا الحمقاء ، فمن ذهب إلى زيارة أحدهم حيّا أو ميّتا فكأنّما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبدة الأوثان ، ومن أعان واحدا منههم فكأنّما أعان معاوية ويزيد وأبي سفيان.

فقال له رجل من أصحابه : وإن كان معترفا بحقوقكم؟

قال : فنظر إليه شبه المغضب وقال : دع ذا عنك ، من اعترف بحقوقنا لم يذهب في

٣١٥

عقوقنا ، أما تدري إنّهم أخسّ طوائف الصوفيّة ، والصوفيّة كلّهم مخالفونا ، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا ، وإن هم إلّا نصارى أو مجوس هذه الأمّة ، أولئك الذين يجتهدون في إطفاء نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره الكافرون.

روايته عليه‌السلام في مناجات موسى بن عمران

روى الصدوق في الأمالي بسنده عن عبد العظيم الحسني ، عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام قال : لمّا كلّم الله عزوجل موسى بن عمران ، قال موسى عليه‌السلام : إلهي ، ما جزاء من شهد في رسولك ونبيّك وأنّك كلّمتني؟ قال : يا موسى ، تأتيه ملائكتي فتبشّره بجنّتي.

قال موسى : إلهي ، فما جزاء من قام بين يديك يصلّي؟ قال : يا موسى ، أباهي به ملائكتي راكعا وساجدا وقائما وقاعدا ، ومن باهيت به ملائكتي لا أعذّبه.

قال موسى عليه‌السلام : إلهي ، فما جزاء من أطعم مسكينا ابتغاء وجهك؟ قال : يا موسى ، آمر مناديا ينادي يوم القيامة على رؤوس الخلائق : إنّ فلان بن فلان من عتقاء الله من النار.

قال موسى : فما جزاء من وصل رحمه؟ قال : يا موسى ، أنسي له أجله ، وأهوّن عليه سكرات الموت ، ويناديه خزنة الجنّة : هلمّ إلينا فادخل من أيّ أبوابها شئت.

قال موسى عليه‌السلام : إلهي ، فما جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه؟ قال : يا موسى ، أظلّله يوم القيامة بظلّ عرشي وأجعله في كنفي.

قال موسى عليه‌السلام : إلهي ، فما جزاء من تلا حكمتك سرّا وجهرا؟ قال : يا موسى ، يمرّ على الصراط كالبرق.

قال موسى عليه‌السلام : إلهي ، فما جزاء من صبر على أذى الناس ويشتمهم فيك؟ قال: أعينه على أهوال القيمة.

٣١٦

قال موسى عليه‌السلام : إلهي ، فما جزاء من دمعت عيناه من خشيتك؟ قال : يا موسى ، أقي وجهه من حرّ النار وأومنه يوم الفزع الأكبر.

قال موسى عليه‌السلام : إلهي ، فما جزاء من ترك الخيانة حياء منك؟ قال : يا موسى ، له الأمان يوم القيامة.

قال موسى عليه‌السلام : إلهي ، فما جزاء من أحبّ أهل طاعتك؟ قال : يا موسى ، أحرّم جسده على ناري.

قال موسى عليه‌السلام : إلهي ، فما جزاء من قتل مؤمنا متعمّدا؟ قال : لا أنظر إليه يوم القيامة.

قال موسى عليه‌السلام : إلهي ، فما جزاء من دعا نفسا كافرة إلى الإسلام؟ قال : يا موسى ، آذن له في الشفاعة يوم القيامة لمن يريد.

قال عليه‌السلام : فما جزاء من صلّى الصلوات لوقتها؟ قال : أعطيه سؤله وأبيحه جنّتي.

قال عليه‌السلام : فما جزاء من أتمّ الوضوء من خشيتك؟ قال : أبعثه يوم القيامة وله نور بين عينيه يتلألأ.

قال عليه‌السلام : إلهي ، فما جزاء من صام شهر رمضان محتسبا؟ قال : يا موسى ، أقيمه مقاما لا يخاف فيه.

قال عليه‌السلام : إلهي ، فما جزاء من صام شهر رمضان يريد به الناس؟ قال : يا موسى ، ثوابه كثواب من لم يصمه.

قال موسى عليه‌السلام : يا إلهي ، فما جزاء من كفّ أذاه عن الناس وبذل معروفه لهم؟

قال : يا موسى ، يناديه النار يوم القيامة : لا سبيل لي عليك.

نبذة أخرى ممّا روي عنه عليه‌السلام في معان شتّى

فائدة خاتم الفضّة من فيروزج : روى يوسف بن الحاتم الفقيه الشامي في الدرّ

٣١٧

النظيم بسنده عن عليّ بن أحمد الصيمري الكاتب قال : تزوّجت ابنة جعفر بن محمّد الكاتب فأحببتها حبّا لم أحبّ أحدا مثله ، فأبطأ عليّ الولد ، فصرت إلى أبي الحسن الهادي وذكرت له ذلك ، فتبسّم وقال : خذ خاتم الفضّة من فيروزج واكتب عليه : «ربّ لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين». قال : ففعلت فما أتى عليّ حول حتّى رزقت منها ولدا ذكرا.

فائدة قرائة سورة هل أتى : روى ابن الشيخ في المجالس عن أبيه ، عن المفيد ، عن جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن عليّ بن عمر العطّار قال : دخلت على أبي الحسن العسكري عليه‌السلام يوم الثلاثاء فقال : لم أرك أمس؟ قال : كرهت الحركة في يوم الإثنين. قال : يا علي ، من أحبّ أن يقيه الله شرّ يوم الاثنين فليقرأ في أوّل ركعة من صلاة الغداة (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) ثمّ قرأ أبو الحسن عليه‌السلام : (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً)(١).

الاحتجام في يوم الأربعاء : وروى الصدوق في الخصال عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن بعض أصحابنا قال : دخلت على أبي الحسن عليّ ابن محمّد العسكري يوم الأربعاء وهو يحتجم ، فقلت له : إنّ أهل الحرمين يروون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه من احتجم يوم الأربعاء فأصابه بياض فلا يلومنّ إلّا نفسه ، فقال : كذبوا ، إنّما يصيب ذلك من حملته أمّه في طمث.

شأن من عبد الله خالصا : روى المجلسي في الخامس عشر من البحار في آخر باب العزلة عن شرار الخلق ، عن الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام قال : لو سلك الناس واديا وسيعا لسلك وادي رجل عبد الله وحده خالصا.

وروي في باب الإخلاص عنه عليه‌السلام : لو جعلت الدنيا كلّها لقمة واحدة ولقمتها

__________________

(١) الإنسان : ١١.

٣١٨

من يعبد الله خالصا لرأيت أنّي مقصّر في حقّه ، ولو منعت الكافر منها حتّى يموت جوعا وعطشا ثمّ أذقته شربة من الماء لرأيت أنّي قد أسرفت. وكان عيسى عليه‌السلام يقول للحواريّين : إذا ان يصوم أحدكم فليدهّن رأسه ولحيته ويمسح شفتيه بالزيت لئلّا يرى الناس أنّه صائم ، وإذا أعطى بيمينه فليخف عن شماله ، فإذا صلّى فليخف.

فوائد التسريح والتجمّل والنظافة : عن طبّ الأئمّة ، قال : روي عن أبي الحسن العسكري عليه‌السلام إنّه قال : التسريح بمشط العاج ينبت الشعر في الرأس ، ويطرد الدود من الدماغ ، ويطفي المرار ، وينفي اللثّة والغمور.

وروى الشيخ في الأمالي عن الفحّام ، عن المنصوري ، عن عمّ أبيه ، عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام قال : إنّ الله يحبّ الجمال والتجمّل ، ويكره البؤس والبائس ، فإنّ الله عزوجل إذا أنعم على عبده نعمة أحبّ أن يرى عليه أثرها. قيل له : وكيف ذلك؟ قال : ينظّف ثوبه ويطيّب ريحه ويحسن داره ويكنس أفنيته حتّى أنّ السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق.

وروى الصدوق في العيون عن الجعفري قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : قلّموا أظفاركم يوم الثلاثاء ، واستحموا يوم الأربعاء ، وأصيبوا من الحجام حاجتكم يوم الخميس ، وتطيّبوا بأطيب طيبكم يوم الجمعة.

وفيه أيضا : قال أبو الحسن الهادي : لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة : الآكل زاده وحده ، والراكب في الفلاة وحده ، والنائم في البيت وحده.

أقول : ولقد استوفينا الكلام في التسريح والنظافة في كتابنا «مطلوب الراغب في حكم اللحى والشارب».

مدّة عمر نوح : روى الصدوق في علل الشرايع بسنده عبد العظيم الحسني قال : سمعت عليّ بن محمّد العسكري عليه‌السلام يقول : عاش نوح عليه‌السلام ألفين وخمسمائة سنة وكان يوما في السفينة نائما فهبت ريح فكشفت عورته فضحك حام ويافث ، فزجرهما

٣١٩

سام ونهاهما عن الضحك ، وكان كلّما غطّى سام شيئا تكشفه الريح كشف حام ويافث ، فانتبه نوح عليه‌السلام فرآهم وهم يضحكون ، فقال : ما هذا؟ فأخبره سام بما كان ، فرفع نوح عليه‌السلام يده إلى السماء يدعو ويقول : اللهمّ غيّر ماء صلب حام حتّى لا يولد له إلّا السودان ، اللهمّ غيّر ماء صلب يافث فغيّر الله ماء صلبهما ، فجميع السودان حيث كانوا من حام ، وجميع الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج والصين من صلب يافت حيث كانوا ، وجميع البيض حيث كانوا سواهم من سام.

فعلم من هذه الرواية أنّ يأجوج ومأجوج من ولد آدم عليه‌السلام.

أقول : أوردنا هذه الرواية مع قصّة يأجوج ومأجوج في كتابنا «قرّة العين في حقوق الوالدين».

قنبر مولى عليّ عليه‌السلام : روى الكشّيّ في رجاله عن أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام قال : إنّ قنبرا مولى أمير المؤمنين عليه‌السلام دخل على الحجّاج بن يوسف ، فقال له : ما الذي كنت تلي من عليّ بن أبي طالب؟

فقال : كنت أوضّيه.

فقال له : ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه؟

فقال : كان يتلو هذه الآية : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١).

فقال الحجّاج : أظنّه كان يتأوّلها علينا؟

قال : نعم.

فقال : ما أنت صانع إذا ضربت عنقك؟

__________________

(١) الأنعام : ٤٤ و ٤٥.

٣٢٠