مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٣

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-503-039-0
ISBN الدورة:
964-503-039-0

الصفحات: ٤٦٢

ووجدنا فيه الصرّة الحمراء والدنانير بختمها وكنّا رددناها على أيّوب فما يصنع ها هنا فوا سوئتاه من سيّدنا ، فصاح بنا من مجلسه : ما لكما سوءة فإنّ أيّوب قد آمن في وقت ردّ الصرّة عليه فقبل الله إيمانه وقبلنا هديّته ، فحمدنا الله وشكرناه على ذلك.

نبذة من كتبه ورساله إلى وكلائه وشيعته ومواليه

تقدّم في خلال معاجزه نحو عشرين من كتبه ورسائله كما أنّه سيأتي في خلال احتجاجاته عليه‌السلام كتابه إلى يحيى بن أكثم وكتابه إلى ابن السكّيت وكتابه إلى أهل الأهواز وكتابه إلى أحمد بن هلال الأهوازي وغيرهم ، وأيضا تقدّم بعضها في معالي أموره وما جرى بينه وبين خلفاء عصره فلا نطيل المقام بالإعادة ، فنقول :

٢١ ـ كتابه إلى القزويني : قال الشيخ الطوسي في الغيبة : روى عبد الله بن جعفر الحميري قال : كتب أبو الحسن العسكري إلى علي بن عمرو القزويني بخطّه : اعتقد فيما تدين الله به أنّ الباطن عندي حسب ما أظهرت لك فيمن استنبأت عنه وهو فارس لعنه الله فإنّه ليس يسعك إلّا الإجتهاد في لعنه وقصده ومعاداته والمبالغة في ذلك بأكثر ما تجد السبيل إليه ما كنت آمر ان تدين الله بأمر غير صحيح فجد وشدّ في لعنه وهتكه وقطع أسبابه وسدّ أصحابنا عنه وإبطال أمره ، وأبلغهم ذلك منّي واحكه لهم عنّي وإنّي سائلكم بين يدي الله عن هذا الأمر المؤكّد ، فويل للعاصي والجاحد ، كتبت بخطّي ليلة الثلاثاء لتسع ليال من شهر ربيع الأوّل سنة ٢٥٠ وأنا أتوكّل على الله وأحمده كثيرا.

سيأتي ترجمة فارس بن الحاتم في الجزء الرابع بصورة تفصيليّة.

٢٢ ـ كتابه إلى عليّ بن بلال : قال الكشّيّ في رجاله : وجدت بخطّ جبرئيل بن

٢٢١

أحمد ، حدّثني محمّد بن عيسى اليقطيني قال : كتب أبو الحسن الهادي عليه‌السلام إلى علي ابن بلال في سنة اثنتين وثلاثين ومأتين : «بسم الله الرحمن الرحيم ، أحمد الله إليك وأشكر طوله وعوده ، وأصلّي على محمّد النبيّ وآله صلوات الله ورحمته عليهم ، ثمّ إنّي قمت أبا عليّ مقام حسين بن عبد ربّه فائتمنته على ذلك بالمعرفة بما عنده والذي لا يقدمه أحد ، وقد أعلم أنّك شيخ فأحببت إفرادك وإكرامك بالكتاب بذلك فعليك بالطاعة له والتسليم إليه جميع الخلق قبلك وأن تحضّ مواليّ على ذلك وتعرّفهم من ذلك ما يصير سببا إلى عونه وكفايته فذلك توقير علينا ومحبوب لدينا ولك بجزاء من الله وأجر فإنّ الله يعطي من يشاء أفضل العطاء والجزاء برحمته ، أنت في وديعة الله ، وكتبت بخطّي وأحمد الله كثيرا».

٢٣ ـ كتابه إلى مواليه ببغداد ونواحيها : قال الكشّي أيضا في رجاله : نسخة الكتاب مع ابن الراشد إلى جماعة الموالي الذين هم ببغداد والمقيمين بها والمداين والسواد وما يليها : «أحمد الله عليكم بما أنا عليه من عاقبة وحسن عائدته وأصلّي على نبيّه وآله أفضل صلواته وأكمل رحمته ورأفته ، وأنّي أقمت أبا عليّ بن راشد مقام الحسين بن عبد ربّه ومن كان قبله من وكلائي وصار في منزلة عندي ووليّه ما كان ينزلاه غيره من وكلاء قبلكم ليقبض حقّي وارتضيته لكم وقدّمته في ذلك وهو أهله وموضعه فصيروا ـ رحمكم الله ـ إلى الدفع إليه ذلك وإليّ وأن لا تجعلوا له على أنفسكم علّة فعليكم بالخروج عن ذلك والتسرّع إلى طاعة الله وتحليل أموالكم وحقن لدمائكم وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، واتّقوا الله لعلّكم ترحمون ، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون ، فقد أوجبت طاعتي في طاعته والخروج إلى عصيانه الخروج إلى عصاني فالزموا الطريق يأجركم الله ويزدكم من فضله فإنّ الله بما عنده واسع كريم متطوّل ، وعلى عباده رحيم ، نحن وأنتم في وديعة الله وحفظه ، وكتبته بخطّي ، والحمد لله كثيرا».

٢٢٢

٢٤ ـ كتابه إلى أيّوب بن نوح : وقال الكشّيّ أيضا : وفي كتاب آخر كتب عليه‌السلام وقال : «أنا آمرك يا أيّوب بن نوح أن لا تقطع الإكثار بينك وبين أبي علي وأن يلزم كلّ واحد منكما ما وكّل به وأمر بالقيام فيه بأمرنا حسبة فإنّكم إن انتهيتم إلى كلّ ما أمرتم به استغنيتم بذلك عن معاودتي ، آمرك يا أبا علي بمثل ما أمرت به أيّوب بن نوح إذ لا تقبل من أحد من أهل بغداد والمدائن شيئا يحملونه ولا تلي لهم استيذانا عليّ ، ومر من أتاك بشيء من غير أهل ناحيتك أن يصيّره إلى الموكّل بناحيته ، وآمرك يا أيّوب بمثل ما أمرت به أبا عليّ وليقبل كلّ واحد منكما ما أمرت به».

٢٥ ـ كتابه إلى أحمد بن الحاتم : روى الكشّيّ بسنده عن أحمد بن الحاتم بن ماهويه قال : كتبت إليه ـ يعني أبا الحسن الثالث ـ أسأله عمّن آخذ معالم ديني ، وكتب أيضا أخوه بذلك ، فكتب عليه‌السلام إليهما : «فهمت ما ذكرتماه فاصمدا في دينكما على مسنّ في حبّنا وكلّ كثير القدم في أمرنا فإنّهم كافوكما إن شاء الله».

٢٦ ـ كتابه إلى داود بن فرقد : روى الصفّار في بصائر الدرجات قال محمّد بن عيسى : أقرأني داود بن فرقد الفارسي كتابه إلى أبي الحسن الثالث وجوابه بخطّه ، فقال : نسألك عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك قد اختلفوا علينا فيه كيف العمل به على اختلافه ، فكتب : «إن علمتم أنّه قولنا فالزموه ، وما لم تعلموه فردّوه إلينا».

٢٧ ـ كتابه إلى أحمد بن إسماعيل : وروى الشيخ الجليل يوسف بن الحاتم الفقيه الشامي في الدرّ النظيم قال : كتب عليه‌السلام إلى أحمد بن إسماعيل بن يقطين في سنة سبع وعشرين ومأتين : «بسم الله الرحمن الرحيم ، عصمنا الله وإيّاك من الفتنة فإن لم يفعل فأعظم بها منّة وإلّا يفعل فهي الهلكة ، نحن نرى أنّ الكلام في القرآن اشترك فيه السائل والمجيب فتعاطى السائل ما ليس له ، وتكلّف المجيب ما ليس عليه ، وليس خالق إلّا الله ، وكلّما دون الله مخلوق ، والقرآن كلام الله فابتد بنفسك

٢٢٣

وبالمخالفين القرآن إلى أسمائه التي سمّاه الله بها وذر الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ، ولا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالّين ، جعلنا الله وإيّاك من الذين يخشون ربّهم وهم من الساعة مشفقون». وذكره الصدوق في توحيده أيضا.

٢٨ ـ كتابه إلى بعض أهل همدان : وفيه أيضا قال عليه‌السلام : «ليس مع سوء الظنّ بنا إيمان».

وكتب السري بن سلامة إلى أبي الحسن عليه‌السلام سأله عن الغالية وما يدعون إليه وما يتخوّف من معرّتهم ـ أي من فسادهم ـ وسأله الدعاء له ولإخوانه في ذلك ، فأجاب : «عدل الله عنكم ـ أي انصرفكم ـ ما سلكوا فيه من الغلوّ فحسبهم أن تبرأ أوليائه منهم وجعل الله ما أنتم عليه مستقرّا لا جعله مستودعا ، وثبّتكم بالقول الثابت في الدنيا والآخرة ولا أضلّكم بعد إذ هداكم وأحمد الله كثيرا وأشكره».

٢٩ ـ كتابه إلى بعض أصحابه : وفيه أيضا قال سهل بن زياد : كتب إليه بعض أصحابنا يسأله ان يعلّمه دعوة جامعة للدنيا والآخرة ، فكتب إليه : «أكثر من الاستغفار والحمد فإنّك تدرك بذلك الخير كلّه».

٣٠ ـ كتابه إلى الحميري : وفيه أيضا قال الحميري : كتبت إليه عليه‌السلام : إنّه يختلف علينا أخباركم فكيف العمل بها؟ قال : فكتب إليّ : «من لزم رأس العين لم يختلف عليه أمره فإنّها يخرج من مخرجها وهي بيضاء صافية نقيّة فتخالطها الأكدار في طريقها». قال : فكتبت إليه عليه‌السلام : كيف لنا براس العين وقد حيل بيننا وبينه؟ قال : فكتب إليّ : «هي مبذولة لمن طلبها إلّا لمن أراد بالإلحاد».

٣١ ـ كتابه إلى أحمد بن إسحاق : وفيه أيضا : قال أحمد بن إسحاق : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه الناس ، فكتب : «لا يجوز الرؤية

٢٢٤

ما لم تكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر فإذا انقطع الهواء من الرائي والمرئي لم تصحّ الرؤية وكان في ذلك التشبيه لأنّ الأسباب لا بدّ من اتصالها بالمسبّبات». ومثله في توحيد الصدوق.

٣٢ ـ كتابه إلى محمّد بن عليّ بن عيسى : قال المجلسيّ في الرابع عشر من البحار باب العصير وأقسامه : قال محمّد بن عليّ بن عيسى : كتبت إلى عليّ بن محمّد الهادي عليه‌السلام : جعلت فداك ، عندنا طبخ يجعل فيه الحصرم وربّما جعل فيه العصير من العنب وإنّما هو لحم يطبخ به ، وقد روي عنهم في العصير إذا جعل على النار لم يشرب حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، وإنّ الذي يجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة وقد اجتنبوا أكله إلى أن يستأذن مولانا ، فكتب بخطّه : «لا بأس بذلك».

قال المجلسيّ رحمه‌الله في ذيل هذا الخبر : تدلّ الرواية إذا صبّ العصير في الماء وغلا الجميع لا يحرم ولا يشترط في حلّه ذهاب الثلثين ، ولم أر قائلا به من الأصحاب لكن قال صاحب الجامع : لا بأس أن يجمع بين عشرة أرطال عصير وبين عشرين رطلا من الماء ثمّ يغلى حتّى تبقى عشره فيحلّ ، ثمّ ذكر الرواية ولم يتعرّض لتأويلها ويمكن حمل الخبر على ما إذا كان العصير المصبوب فيه قليلا يضمحلّ فيه فلا يسمّى عصيرا حينئذ.

٣٣ ـ كتابه إلى جماعة القمّيّين : ذكر العلّامة الفقيه الشيخ عبد النبي العراقي في كتابه روح الإيمان ما مضمونه أنّ القمّيّين عرفوا بقدم التشيّع ولم يزل كانوا في صفّ الأخيار ، فظهرت بينهم جماعة من الفسقة والأشرار فضاق المخرج على الأخيار فكتبوا إلى الإمام عليّ الهادي بسامرّاء شاكين منهم مع أسئلة من المسائل الشرعيّة ، فورد الجواب عن المسائل من غير تعرّض لشكواهم مع أنّه كان من أهمّ ما سألوه عنه ، فعجب القمّيّون عن ذلك ، فما مضت مدّة إلّا وظهرت فيهم عدّة من أهل البدع والضلال فأقبلوا يسارعون إلى إغواء الناس وإضلالهم فعظم خطبهم

٢٢٥

على القمّيّين ولم يجدوا لدفعهم علاجا ، فكتبوا إلى الإمام عليه‌السلام بالقصّة وطلبوا منه العلاج ، فكتب عليه‌السلام إليهم وقال : اذهبوا إلى الذين كانوا عندكم من الفسقة واشتكيتم منهم إليّ أوّل مرّة فقولوا لهم : إنّ الإمام أرسل إلينا بأن يدعوكم لدفع هؤلاء المضلّين ، فتعجّبوا من كلامه عليه‌السلام وقالوا : كيف ننتصر على الفسقة الأشرار الذين هم أعدائنا ونحن أعدائهم ، ثمّ جاؤوا إليه امتثالا لأمر الإمام وأخبروهم بالقصّة فأنعموا بالقبول كلّ واحد منهم ، فأصبح القمّيّون ولم يروا أثرا من أهل البدع والمضلّين ، فعند ذلك علموا مصلحة إعراض الإمام عليه‌السلام عن جواب شكواهم.

٣٤ ـ كتابه إلى إبراهيم بن شيبة : قال الكشّيّ في رجاله : وجدت بخطّ جبرئيل بن أحمد الفاريابي ، حدّثني موسى بن جعفر بن وهب ، عن إبراهيم بن شيبة قال : كتبت إلى أبي الحسن العسكري عليه‌السلام : جعلت فداك ، إنّ عندنا قوما يختلفون في معرفة فضلكم بأقاويل مختلفة تشمئزّ منها القلوب وتضيق لها الصدور ، ويروون في ذلك الأحاديث لا يجوز لنا الإقرار بها لما فيها من القول العظيم ولا يجوز ردّها ولا الجحود بها إذ نسبت إلى آبائك فنحن وقوف عليها من ذلك لأنّهم يقولون ويتأوّلون معنى قوله عزوجل : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(١) وقوله عزوجل : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(٢) أنّ الصلاة معناها رجل لا ركوع ولا سجود ، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم ولا إخراج مال وأشياء تشبهها من الفرائض والسنن والمعاصي تأوّلوها وصيّروها على هذا الحدّ الذي ذكرت فإن رأيت أن تمنّ على مواليك بما فيه سلامتهم ونجاتهم من الأقاويل التي تصيرهم إلى العطب والهلاك والذين ادّعوا هذه الأشياء ادّعوا أنّهم أولياء ودعوا

__________________

(١) العنكبوت : ٤٥.

(٢) البقرة : ٤٣.

٢٢٦

إلى طاعتهم منهم عليّ بن حسكة والقاسم اليقطيني ، فما تقول في القبول منهم؟ فكتب عليه‌السلام : «ليس هذا ديننا فاعتزله». وسيأتي ترجمة ابن الحسكة واليقطيني في المجلّد الرابع.

٣٥ ـ كتابه إلى محمّد بن عليّ بن عيسى : وفيه أيضا قال محمّد بن عليّ بن عيسى : كتب إليّ أبو الحسن العسكري ابتداء منه : «لعن الله القاسم اليقطيني ولعن الله عليّ بن حسكة القمّي ، إنّ شيطانا ترائى للقاسم فيوحي إليه زخرف القول غرورا».

٣٦ ـ كتابه إلى بعض أصحابه : وفيه أيضا عن الحسين بن الحسن بن بندار القمّي ، عن سهل بن زياد الآدمي قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن العسكري عليه‌السلام : جعلت فداك يا سيّدي ، إنّ عليّ بن حسكة يدّعي أنّه من أوليائك وأنّك أنت الأوّل القديم وأنّه بابك ونبيّك أمرته أن يدعو إلى ذلك ويزعم أنّ الصلاة والزكاة والحجّ والصوم كلّ ذلك معرفتك ومعرفة من كان في مثل حال ابن حسكة فيما يدّعي من النابة والنبوّة ويدّعي من كان في مثل حال ابن حسكة فهو مؤمن كامل سقط عنه الاستعباد بالصوم والصلاة والحجّ وذكر جمع شرايع الدين أنّ معنى ذلك كلّه ما ثبت لك ، ومال إليه ناس كثير ، فإن رأيت أن تمنّ على مواليك بجواب في ذلك تنجيهم من الهلكة.

قال : فكتب عليه‌السلام : «كذب ابن حسكة عليه لعنة الله وبحسبك أنّي لا أعرفه في مواليّ ، ما له لعنه الله ، فو الله ما بعث الله محمّدا والأنبياء قبله إلّا بالحنيفة والصلاة والزكاة والحجّ والصيام والولاية ، وما دعا محمّدا إلّا إلى الله وحده لا شريك له وكذلك نحن الأوصياء من ولده عبيد الله لا نشرك به شيئا ، إن أطعناه رحمنا ، وإن عصيناه عذّبنا ، ما لنا على الله من حجّة بل الحجّة لله علينا وعلى جميع خلقه ، أبرأ إلى الله ممّن يقول ذلك ، وأنتفي إلى الله من هذا القول ، فاسجروهم لعنهم الله

٢٢٧

والجئوهم (١) إلى أضيق الطريق فإن وجدت في خلوة فاشدخ (٢) رأسه بالصخرة».

٣٧ ـ كتابه إلى العبيدي : وقال أيضا فيه : قال سعد : حدّثني العبيدي قال : كتب إليّ أبو الحسن العسكري ابتداء : «من الفهري والحسن بن محمّد بن بابا القمّي فابرأ منهما فإنّي محذّرك وجميع مواليّ وإنّي ألعنهما عليهما لعنة الله ، مستأكلين يأكلان بنا الناس ، فتأنين مؤذين آذاهما الله وأركسهما الله في الفتنة ركسا ، يزعم ابن بابا أنّي بعثته نبيّا وإنّه باب ، ويله لعنه الله سخر منه الشيطان فأغواه فلعن الله من قبل منه ذلك ، يا محمّد إن قدرت أن تشدخ رأسه بحجر فافعل فإنّه قد آذاني آذاه الله في الدنيا والآخرة» سيأتي في الجزء الرابع ترجمة الفهري.

٣٨ ـ كتابه إلى إبراهيم بن عقبة (٣) : وروى الكشّيّ أيضا بسنده عن إبراهيم بن عقبه قال : كتبت إلى العسكريّ عليه‌السلام : جعلت فداك ، قد عرفت هؤلاء الممطورة (٤) فأقنت عليهم في الصلاة؟ قال : نعم ، أقنت عليهم في صلاتك.

٣٩ ـ كتابه إلى بعض الشيعة : روى العلّامة المجلسي في الثالث عشر من البحار في باب نصّ العسكريّين عليهما‌السلام على القائم بالإسناد عن عليّ بن عبد الغفّار قال : لمّا مات أبو جعفر الثاني كتبت الشيعة إلى أبي الحسن يسألونه عن الأمر فكتب إليهم : «الأمر لي ما دمت حيّا فإذا نزلت بي مقادير الله تبارك وتعالى أتاكم الخلف منّي وأنّى لكم بالخلف من بعد الخلف؟!»

__________________

(١) الإلجاء إلى أضيق الطريق كناية عن إتمام الحجّة عليهم أو تشهيرهم وتكذيبهم أو انتهاز الفرصة لقتلهم.

(٢) والشدخ كسر الشيء الأجوف وسيأتي ترجمة عليّ بن حسكة في الجزء الرابع.

(٣) عقبة ـ بضمّ العين وسكون القاف ـ وسنذكر ترجمة إبراهيم.

(٤) الممطورة هم الواقفيّة لقّبوا بذلك لأنّهم لكثرة ضررهم على الشيعة وافتتانهم بهم كانوا كالكلاب الممطورة يعني الكلاب التي أصابها المطر ومشت بين الناس فلا محالة يتنجّس الناس بها فكذلك هؤلاء في اختلاطهم بالإماميّة وافتتانهم.

٢٢٨

٤٠ ـ كتابه إلى محمّد بن ريّان : روى المجلسيّ أيضا في التاسع عشر من البحار في باب الاستغفار عن محمّد بن ريّان قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث أن يعلّمني دعاء للشدائد والنوازل والمهمّات وأن يخصّني كما خصّ آبائك مواليهم ، فكتب إليّ : «الزم الاستغفار».

٤١ ـ كتابه إلى حمران : روى الطبرسيّ في مكارم الأخلاق عن حمران قال :كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام : جعلت فداك ، ابتلي رجل من مواليك بحصر البول وهو يسألك الدعاء أن يلبسه الله العافية ، واسمه نفيس الخادم ، فأجاب : «كشف الله ضرّك ودفع عنك مكاره الدنيا والآخرة ، وألحّ عليه بالقرآن فإنّه يشفي إن شاء الله».

٤٢ ـ كتابه إلى الحسن بن خالد : في كتاب طبّ الأئمّة : أحمد بن عبد الرحمان بن جميل ، عن الحسن بن خالد قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أشكو إليه علّة في بطني وأسأله الدعاء ، فكتب : «بسم الله الرحمن الرحيم ، اكتب أمّ القرآن والمعوّذتين وقل هو الله أحد ثمّ تكتب أسفل من ذلك أعوذ بوجه الله العظيم وعزّته التي لا ترام وقدرته التي لا تمنع منها شيء من شرّ هذا الوجع وشرّ ما فيه وممّا أحذر ، تكتب ذلك في لوح أو كتف ثمّ تغسله بماء السماء ثمّ تشربه على الريق وعند منامك وتكتب أسفل من ذلك : اجعله شفاء من كلّ داء».

٤٣ ـ كتابه إلى عمرو الحذّاء : روى الكلينيّ رحمه‌الله في الكافي بسنده عن أبي عمرو الحذّاء قال : سائت حالي فكتبت إلى أبي جعفر الجواد عليه‌السلام ، فكتب إليّ : «أدم قرائة إنّا أرسلنا نوحا إلى قومه» قال : فقرأتها حولا فلم أر شيئا فكتبت إليه أخبره سوء حالي وإنّي قد قرأت إنّا أرسلنا نوحا إلى قومه حولا كاملا كما أمرتني ولم أر شيئا ، فكتب إليّ : «قد وفى لك الحول فانتقل منها إلى قرائة إنّا أنزلنا» ، قال : ففعلت فما كان إلّا يسيرا حتّى بعث إليّ بن أبي دواد فقضى عنّي ديني أجرى عليّ وعلى عيالي

٢٢٩

ووجّهني إلى البصرة في وكالته وأجرى عليّ خمسمائة درهم.

وكتبت من البصرة على يد عليّ بن مهزيار إلى أبي الحسن العسكري عليه‌السلام : إنّي كنت سألت أباك عن كذا وكذا وشكوت كذا وكذا وإنّي قد نلت الذي أحببت فأحببت أن تخبرني يا مولاي كيف أصنع في قرائة إنّا أنزلناه اقتصر عليها وحدها في فرايضي وغيرها أم أقرأ معها غيرها أم لها حدّ أعمل به؟ فوقّع عليه‌السلام وقرأت التوقيع : «لا تدع من القرآن قصيرة ولا طويلة ويجزيك من قرائة إنّا أنزلناه يومك وليلتك مائة مرّه».

٤٤ ـ كتابه إلى اليقطيني : روى الصدوق في الإكمال بالإسناد عن اليقطيني قال : كتبت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد عليه‌السلام : جعلني الله فداك ، رجل جعل لك شيئا من ماله ثمّ احتاج إليه أيأخذه لنفسه أو يبعث إليك؟ فقال : «هو بالخيار في ذلك ما لم يخرجه عن يده ولو وصل إلينا لرأينا أن نواسيه وقد احتاج إليه».

٤٥ ـ كتابه إلى إبراهيم بن محمّد : روى المجلسيّ في المجلّد العشرين من البحار في باب أصناف مستحقّ الخمس عن العيّاشيّ عن إبراهيم بن محمّد قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث أسأله عمّا يجب في الضياع ، فكتب : «الخمس بعد المؤونة». قال : فناظرت أصحابنا فقالوا : المؤونة بعد ما يأخذ السلطان وبعد مؤونة الرجل ، فكتبت إليه : إنّك قلت الخمس بعد المؤونة وإنّ أصحابنا اختلفوا في المؤونة ، فكتب : «الخمس بعد ما يأخذ السلطان وبعد مؤونة الرجل وعياله».

٤٦ ـ كتابه إلى الفتح بن يزيد الجرجاني : وروى أيضا فيه في باب ما يوجب الكفّارة بالإسناد عن الفتح بن يزيد الجرجاني أنّه كتب إلى أبي الحسن يسأله عن رجل واقع امرأته في شهر رمضان من حلّ أو حرام في يوم عشر مرّات ، قال : «عليه عشر كفّارات لكلّ مرّة كفّارة ، فإن أكل أو شرب فكفّارة يوم واحد».

٤٧ ـ كتابه إلى عليّ بن مهزيار : وروى أيضا فيه في باب الحامل والمرضعة من

٢٣٠

كتاب المسائل عن عليّ بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي الحسن أسأله عن امرأة ترضع ولدها أو غير ولدها في شهر رمضان وتشدّ عليها الصوم وهي ترضع حتّى يغشى عليها ولا تقدر على الصيام أترضع وتفطر وتقضي صيامها إذا أمكنها أو تدع الرضاع فإن كانت ممّا لا يمكنها اتّخاذ من ترضع فكيف تصنع؟ فكتب : «إن كانت يمكنها اتّخاذ ظئر استرضعت بولدها وأتمّت صيامها ، وإن كانت لا يمكنها ذلك أفطرت وأرضعت ولدها وقضت صيامها متى أمكنها».

٤٨ ـ كتابه إلى محمّد بن الفرج : روى الشيخ الطوسيّ في كتاب الغيبة عن محمّد ابن الفرج قال : كتبت إلى أبي الحسن العسكري عليه‌السلام أسأله عن أبي عليّ بن راشد وعن عيسى بن جعفر وعن ابن بندار العاصمي ، فكتب إليّ : «ذكرت ابن راشد إنّه عاش سعيدا ومات ، ودعا لابن بندار العاصمي وابن بندار ضرب بعمود فقتل وابن عاصم ضرب بالسياط على الجسر ثلاثمائة سوط ورمي به في دجلة».

نبذة من احتجاجاته وما برز من غوامض علمه عليه‌السلام

وهي كثيرة تقدّم بعضها فيما جرى بينه عليه‌السلام وبين المتوكّل وكذا في خلال معاجزه.

ومنها جوابه عن أسئلة ابن السكّيت (١) : روى المجلسيّ في الثاني عشر من البحار وابن شهرآشوب في المناقب بالإسناد عن أبي عبد الله الزيادي قال : قال المتوكّل لابن السكّيت : سل ابن الرضا مسألة عوصاء (٢) بحضرتي ، فسأله ، فقال : لم بعث الله موسى بالعصا وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى وبعث محمّدا بالقرآن والسيف؟

__________________

(١) هو يعقوب بن السكّيت الشيعيّ ، تقدّم ترجمته في الجزء الثاني بصورة تفصيليّة.

(٢) عوصاء من عوص كفرح أي صعب ، والعويص من الشعر ما يصعب استخراج معناه.

٢٣١

فقال عليه‌السلام : بعث الله موسى بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم وأثبت الحجّة عليهم ، وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله في زمان الغالب على أهله الطبّ فأتاهم من ذلك ما قهرهم وبهرهم ، وبعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله السيف والشعر فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر ما بهر به شعرهم وقهر سيفهم وأثبت الحجّة عليهم.

فقال ابن السكّيت : فما الحجّة الآن؟

قال : العقل ؛ يعرف به الكاذب على الله فيكذّب.

فقال يحيى بن أكثم : ما لابن السكّيت ومناظرته وإنّما هو صاحب نحو وشعر ولغة ، فرفع قرطاسا وكتب فيه مسائل.

وقال ابن شهرآشوب في المناقب : فأملى عليّ بن محمّد عليه‌السلام على ابن السكّيت وأمره بأن يكتب أجوبة المسائل ثمّ ساق الكلام إلى آخر ما يلي.

أسئلة يحيى بن أكثم : قال ابن شعبة في تحف العقول : قال موسى (١) بن محمّد بن الرضا عليه‌السلام : لقيت يحيى بن أكثم (٢) في دار العامّة فسألني عن مسائل فجئت إلى أخي عليّ بن محمّد فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصّرني طاعته ، فقلت له : جعلت فداك ، إنّ ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لأفتيه فيها ، فضحك ثمّ قال :فهل أفتيته؟ قلت : لا ، قال : ولم؟ قلت : لم أعرفها ، قال : وما هي؟ قلت : كتب يسألني :

عن قول الله عزوجل : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)(٣) أنبيّ الله كان محتاجا إلى علم آصف؟

__________________

(١) معروف بموسى المبرقع ، سيأتي ترجمته في هذا المجلّد.

(٢) وهو قاضي القضاة في سامرّاء ، وسيأتي ترجمته.

(٣) النمل : ٤٠.

٢٣٢

وعن قوله : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً)(١) أسجد يعقوب وولده ليوسف وهم الأنبياء؟

وعن قوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ)(٢) من المخاطب بالآية؟ فإن كان المخاطب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد شكّ ، وإن كان المخاطب غيره فعلى من إذا أنزل الكتاب؟

وعن قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ)(٣) ما هذه الأبحر؟ وأين هي؟

وعن قوله : (فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ)(٤) فاشتهت نفس آدم عليه‌السلام أكل البرّ فاكل وأطعم فكيف عوقب؟

وعن قوله تعالى : (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً)(٥) يزوّج الله عباده من الذكران وقد عاقب قوما فعلوا ذلك؟

وعن شهادة المرأة جازت وحدها وقد قال الله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)(٦)؟

وعن الخنثى وقول عليّ : «يورث من المبال (٧)» فمن ينظر إذا بال إليه مع أنّه عسى

__________________

(١) يوسف : ١٠٠.

(٢) يونس : ٩٤.

(٣) لقمان : ٢٧.

(٤) الزخرف : ٧١.

(٥) الشورى : ٥٠.

(٦) الطلاق : ٢.

(٧) ويرث من المبال أي ينظر في الخنثى قوم عدول فإن خرج البول من ذكره فهو الرجل ، وإن خرج من فرجه فهو المرأة ، وإن خرج منهما ينظر فإن كان يطفر فهو الرجل ، وإلّا فهو المراة. وعن عليّ عليه‌السلام قال : عدّت أضلاعه فإن كان الجانبان متساويان فهو امرأة وإن كان الأيسر أنقص من الاليمن بضلع فهو رجل ، ذكر ذلك شارح قصيدة لأبي فراس وغيره.

٢٣٣

أن يكون امرأة وقد نظر إليها الرجال أو عسى أن يكون رجلا ونظرت إليه النساء وهذا ما لا يحلّ؟

وعن شهادة الجارّ إلى نفسه لا تقبل؟

وعن رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها فلمّا بصر بصاحبها خلّى سبيلها فدخلت بين الغنم كيف تذبح؟ وهل يجوز أكلها أم لا؟

وعن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقرائة وهي من صلاة النهار وإنّما يجهر في صلاة الليل؟

وعن قول عليّ عليه‌السلام لابن جرموز : بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار فلم لم يقتله وهو إمام؟

وعن عليّ عليه‌السلام لم قتل أهل صفّين وأمر بذلك مقبلين ومدبرين وأجهز على الجرحى وكان حكمه يوم الجمل أنّه لم يقتل مولّيا ولم يجهز على جريح ولم يأمر بذلك وقال : من دخل داره فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ، لم فعل ذلك فإن كان الحكم الأوّل صوابا فالثاني خطأ؟

وعن رجل أقرّ باللواط على نفسه أيحدّ أم يدرأ عنه الحدّ؟

جوابه عليه‌السلام عن أسئلة يحيى بن أكثم : قال عليه‌السلام : اكتب إليه. قال موسى : قلت : وما أكتب؟ قال : اكتب : «بسم الله الرحمن الرحيم ، وأنت فألهمك الله الرشد ، ألفاني كتابك وما استحمينا به من تعنّتك لتجد إلى الطعن سبيلا إن قصرنا فيها والله يكافيك على نيّتك ، وقد شرحنا مسائلك فاصغ إليها سمعك وذلّل لها فهمك واشغل بها قلبك فقد لزمتك الحجّة والسّلام.

أمّا قوله تعالى : (الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) فهو آصف بن برخيا ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف ولكنّه أحبّ أن يعرّف أمّته من الجنّ والإنس أنّه الحجّة من بعده وذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله ففهّمه ذلك لئلّا يختلف عليه في إمامته ودلالته من بعده ولتأكيد الحجّة على الخلق.

٢٣٤

وأمّا سجود يعقوب وولده ليوسف لم يكن ليوسف وإنّما كان ذلك من يعقوب وولده طاعة لله ومحبّة ليوسف كما أنّ السجود من الملائكة لم يكن لآدم فسجود يعقوب وولده ويوسف معهم كان شكرا لله باجتماع الشمل ، ألم تر أنّه يقول في شكره في ذلك الوقت : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(١).

وأمّا قوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ) فإنّ المخاطب بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يكن في شكّ ممّا أنزل الله عليه ولكن قالت الجهلة : كيف لم يبعث الله تعالى نبيّا من الملائكة ليكون الفرق بينه وبين الناس في الاستغناء عن المأكل والمشرب والمشي في الأسواق؟ فأوحى الله إلى نبيّه : (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ) بمحضر من الجهلة هل بعث الله نبيّا قبلك إلّا وهو يأكل الطعام ويشرب الشراب ولك بهم أسوة يا محمّد ، وإنّما قال فإن كنت في شكّ لنصفه كما قال : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ)(٢) ولو قال تعالى : نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيبوا إلى المباهلة وقد علم الله أنّ نبيّه مؤدّ عنه رسالته وما هو من الكاذبين وكذلك عرف النبيّ بأنّه صادق فيما يقول ولكن أحبّ أن ينصف من نفسه.

وأمّا قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) فهو كذلك لو أنّ أشجار الدنيا أقلام والبحر مداده يمدّه سبعة أبحر حتّى انفجرت الأرض عيونا كما انفجرت في الطوفان ما نفذت كلمات الله وهي عين الكبريت وعين اليمن وعين البرهوت وعين الطبريّة وحمة ما سبذان (٣) يدعى لسان ، وحمة أفريقيّة تدعى سبيلان ، وعين

__________________

(١) يوسف : ١٠١.

(٢) آل عمران : ٦١.

(٣) ما سبذان أو سيدان ، قال في مراصد الاطّلاع : موضع أو مدينة على بحر فارس وجزيرة عظيمة يقال دورها ثمانمائة فرسخ بها سرانديب وعدّة ملوك لا يدين بعضهم لبعض ، والبحر الذي عندها يسمّى سلاحط بين الصين والهند.

٢٣٥

باجة ، ونحن الكلمات التي لا تدرك فضائلها ولا تستقصى.

وأمّا الجنّة ففيها من المآكل والمشارب والملاهي ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين ، وأباح الله ذلك لآدم ، والشجرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته أن لا يأكل منها شجرة الحسد عهد الله إليها أن لا ينظرا إلى من فضّله الله عليهما وعلى خلايقه بعين الحسد فنسي ولم نجد لم عزما.

وأمّا قوله تعالى : (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) فإنّ الله تعالى زوّج الذكران المطيعين ومعاذ الله أن يكون الجليل العظيم عنى ما لبّست على نفسك بطلب الرخص لارتكاب المحارم (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً)(١) إن لم يتب.

وأمّا شهادة امرأة وحدها التي جازت فهي القابلة التي جازت شهادتها مع الرضا فإن لم يكن رضا فلا أقلّ من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة لأنّ الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها وإن كان وحدها قبل قولها مع اليمين.

وأمّا قول عليّ عليه‌السلام في الخنثى فهو كما قال يرث من المبال ، وينظر إليه قوم عدول يأخذ كلّ واحد منهم مرآة وتقوم الخنثى خلفهم عريانة وينظرون إلى المرآة فيرون الشيء ويحكمون عليه.

وأمّا الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة فإن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسّمها الإمام قسمين وساهم بينهما فإن وقع السهم على أحد القسمين فقد نجا النصف الآخر ثمّ يفرق الذي وقع عليه السهم نصفين فيقرع بينهما فلا يزال كذلك حتّى تبلغ اثنتان فيقرع بينهما فأيّهما وقع السهم عليها ذبحت واحترقت وقد نجا سايرها ، وسهم الإمام سهم الله لا يخيب.

__________________

(١) الفرقان : ٦٨ ـ ٦٩.

٢٣٦

وأمّا صلاة الفجر والجهر فيها بالقرائة لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يغلس بها فقرنها من الليل.

وأمّا قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان ممّن خرج يوم النهروان فلم يقتله أمير المؤمنين عليه‌السلام بالبصرة لأنّه علم أنّه يقتل في فتنة النهروان.

وأمّا قولك إنّ عليّا عليه‌السلام قاتل أهل صفّين مدبرين ومقبلين وأجهز على جريحهم وإنّه يوم الجمل لم يتبع مولّيا ولم يجهز على جريحهم وكلّ من ألقى سيفه وسلاحه آمنه ، فإنّ أهل الجمل قتل إمامهم ولم يكن لهم فئة يرجعون إليها وإنّما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا محتالين ولا متجسّسين ولا مبارزين ، فقد رضوا بالكفّ عنهم فكان الحكم فيه رفع السيف والكفّ عنهم إذ لم يطلبوا عليه أعوانا ، وأهل صفّين يرجعون إلى فئة مستعدّة وإمام منتصب يجمع لهم السلاح من الرماح والدروع والسيوف ، ويستعدّ لهم ويوفر لهم العطايا ، ويهيّئ لهم الأموال ، ويعقّب مريضهم ويجبر كسيرهم ويداوي جريحهم ويحمل راجلهم ويكسو حاسرهم ويردّهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم ، فإنّ الحكم في أهل البصرة الكفّ عنهم لما ألقوا أسلحتهم إذ لم تكن لهم فئة يرجعون إليها ، والحكم في أهل صفّين أن يتّبع مدبرهم ويجهز على جريحهم فلا يساوي بين الفريقين في الحكم ، ولو لا أمير المؤمنين عليه‌السلام وحكمه في أهل صفّين والجمل لما عرف الحكم في عصاة أهل التوحيد ، فمن أبى ذلك عرض على السيف.

وأمّا الرجل الذي أقرّ باللواط فإنّه أقرّ بذلك متبرّعا من نفسه ولم تقم عليه بيّنة ولا أخذه سلطان ، وإذا كان للإمام الذي من الله فله أن يعفو في الله ، أما سمعت قول

٢٣٧

الله تعالى لسليمان : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(١) بدأ بالمنّ قبل المنع.

فلمّا قرأ يحيى بن أكثم ، قال للمتوكّل : ما نحبّ أن تسأل هذا الرجل عن شيء بعد مسائلي فإنّه لا يرد عليه شيء بعدها إلّا دونها ، وفي ظهور علمه تقوية للرافضة.

جوابه عليه‌السلام عن إيراد الهاشميّين حين رفع في مجلسه فقيها : روى الطبرسيّ في الاحتجاج بالإسناد عن الإمام عليّ بن محمّد العسكري عليهما‌السلام أنّه اتصل به أنّ رجلا من فقهاء شيعته كلّم بعض النصّاب فأفحمه بحجّته حتّى أبان من فضيحته ، فدخل على عليّ بن محمّد عليه‌السلام وفي صدر مجلسه دست (٢) عظيم منصوب وهو قاعد خارج الدست وبحضرته خلق من العلويّين وبني هاشم ، فما زال يرفعه حتّى أجلسه في ذلك الدست وأقبل عليه ، فاشتدّ ذلك على أولئك الأشراف ؛ فأمّا العلويّون فأجلّوه من العتاب ، وأمّا الهاشميّون فقال له شيخهم : يابن رسول الله ، هكذا تؤثر عاميّا على سادات بني هاشم من الطالبيّين والعبّاسيّين؟!

فقال عليه‌السلام : إيّاكم وأن تكونوا من الذين قال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ)(٣) أترضون بكتاب الله عزوجل حكما؟

قالوا : بلى.

قال : أليس الله يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ)(٤) فلم يرض للعالم المؤمن إلّا أن يرفع على المؤمن غير العالم كما لم يرض

__________________

(١) ص : ٣٩.

(٢) الدست من اليشاب والورق وصدر البيت معربات والجمع دسوت مثل فلس وفلوس.

(٣) آل عمران : ٢٣.

(٤) المجادلة : ١١.

٢٣٨

للمؤمن إلّا أن يرفع على من ليس بمؤمن. أخبروني عنه قال : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) أو قال : «يرفع الله الذين أوتوا شرف النسب درجات» أوليس قال الله : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(١) فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه الله أن كسر هذا الفلان الناصب بحجج الله التي علّمه إيّاها لا فضل له من كلّ شرف في النسب؟

فقال العبّاسيّ : يابن رسول الله ، قد شرّفت هذا علينا وقصّرتنا عمّن ليس له نسب كنسبنا ، وما زال منذ أوّل الإسلام يقدّم الأفضل في الشرف على من دونه فيه. فقال عليه‌السلام : سبحان الله ، أليس العبّاس بايع أبا بكر وهو تيميّ والعبّاس هاشميّ؟ أوليس عبد الله بن عبّاس كان يخدم عمر بن الخطّاب وهو هاشميّ أبو لخلفاء وعمر عدويّ؟ وما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشورى ولم يدخل العبّاس؟ فإن كان رفعا لمن ليس بهاشميّ على هاشميّ منكرا فانكروا على العبّاس ببيعته لأبي بكر وعلى عبد الله بن عبّاس خدمته لعمر بعد بيعته ، فإن كان ذلك جائزا فهذا جائز ؛ كأنّما ألقم العبّاسيّ حجرا.

جوابه عن سؤال أحمد بن هلال : روى الصدوق في معاني الأخبار بسنده عن أحمد ابن هلال قال : سألت أبا الحسن الأخير عن التوبة النصوح ما هي؟ فكتب : أن يكون الباطن كالظاهر وأفضل من ذلك.

جوابه عن سؤال فتح بن يزيد الجرجاني حين سأله عن التوحيد : روى الأربليّ في كشف الغمّة عن فتح بن يزيد الجرجاني قال : قال عليّ بن محمّد أبو الحسن الثالث عليه‌السلام : يا فتح ، إنّ الله لا يوصف إلّا بما وصف به نفسه وأنّى يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه والأوهام أن تناله والخطرات أن تحدّه والأبصار عن

__________________

(١) الزمر : ٩.

٢٣٩

الإحاطة به ، جلّ عمّا يصفه الواصفون ، وتعالى عمّا ينعته الناعتون ، ناء في قربه ، وقريب في نأيه ، فهو في نأيه قريب ، وفي قربه بعيد ، كيّف الكيف فلا يقال كيف هو ، وأيّن الأين فلا يقال أين هو ، إذ هو منقطع عن الكيفيّة والأينيّة ، هو الواحد الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فجلّ جلاله.

بل كيف يوصف كنه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قرنه الجليل باسمه وأشركه في إعطائه وأوجب لمن أطاعه جزاء إطاعته إذ يقول : (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ)(١) وقال يحكي قول من ترك طاعته وهو يعذّبه بين أطباق نيرانها وسرابيل قطرانها : (يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا)(٢)؟

أم كيف يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله حيث قال : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(٣) ، وقال : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ)(٤) ، وقال : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)(٥) ، وقال : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٦).

يا فتح ، كما لا يوصف الجليل جلّ جلاله والرسول والخليل وولد البتول فكذلك لا يوصف المؤمن المسلّم لأمرنا ؛ فنبيّنا أفضل الأنبياء ، وخليلنا أفضل الأخلّاء ، ووصيّه أكرم الأوصياء ، اسمهما أفضل الأسماء ، وكنيهما أفضل الكنى وأحلاها ، لو لم يجالسنا إلّا كفو لم يجالسنا أحد ، ولو لم يزوّجنا إلّا كفو لم يزوّجنا أحد ، أشدّ الناس تواضعا أعظمهم حلما وأنداهم كفّا وأمنعهم كنفا ، ورث عنهما أوصيائهما علمهما ؛

__________________

(١) التوبة : ٧٤.

(٢) الأحزاب : ٦٦.

(٣) النساء : ٥٩.

(٤) النساء : ٨٣.

(٥) النساء : ٥٨.

(٦) النحل : ٤٣.

٢٤٠