مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٣

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-503-039-0
ISBN الدورة:
964-503-039-0

الصفحات: ٤٦٢

ثمّ قال : توفّي أبو طالب وكان عمره ثمانين سنة فلمّا بلغ خبره إلى النبيّ بكى بكاء شديدا ثمّ غسّله وكفّنه ودفنه ، ثمّ قال : يا عمّ ، جزاك الله خيرا ولقد ربّيتني وكفلتني صغيرا ، ونصرتني كبيرا ، والله لأستغفرنّ لك وأشفع في حقّك شفاعة يتعجّب منها الجنّ والإنس.

نبذة يسيرة من معاجز مولانا عليّ الهادي عليه‌السلام وخوارق عاداته

تقدّم في الجزء الأوّل من هذا الكتاب إخباره عن خراب سامرّاء وعن ميلاد الحجّة في خبر جهة العليا نرجس وخبر بركة السباع وخبر تلّ المخالي وخبره عمّا يكون في أخته السيّدة حكيمة بنت الجواد عليه‌السلام ، فهذه خمس ، وأمّا المعاجز التي ظهرت من مشهد العسكريّين تقدّم في الجزء الثاني بصورة تفصيليّة.

٦ ـ خبر خيران الأسباطي : روى الكليني في الكافي بإسناده عن خيران الأسباطيّ قال : قدمت إلى أبي الحسن عليه‌السلام بالمدينة ، فقال : ما خبر الواثق عندك؟ قلت : جعلت فداك ، خلّفته في عافية ، أنا من أقرب الناس عهدا به ، وعهدي به كان منذ عشر أيّام. قال : فقال لي : إنّ أهل المدينة يقولون إنّه قد مات. فقلت : أنا أقرب الناس به عهدا ، فقال : إنّ الناس يقولون لي إنّه قد مات. فلمّا قال لي الناس ، علمت أنّه هو.

ثمّ قال : ما فعل جعفر المتوكّل؟ قلت : تركته أسوأ الناس حالا في السجن. قال : فقال : أمّا إنّه صاحب الأمر.

فقال : ما فعل ابن الزيّات؟ قلت : جعلت فداك ، الناس معه والأمر أمره ، قال : فقال : أمّا إنّه شوم عليه.

قال : ثمّ سكت وقال لي : لا بدّ أن تجري مقادير الله وأحكامه ، يا خيران ، مات

١٨١

الواثق وقد قعد المتوكّل وقد قتل ابن الزيّات.

فقلت : متى ، جعلت فداك؟ قال : بعد خروجك بستّة أيّام.

٧ ـ إخراج الروضات بخان الصعاليك : تقدّم خبره في الجزء الأوّل عند ترجمة خان الصعاليك ، كما أنّ خبر ميلاده ، وخبر معالجة جرح المتوكّل ، وخبر علمه بأجله ، وخبر غزارة علمه في حال صغره ، وخبر تبديل الرمل ذهبا بيده ، وخبر دعائه لهلاك المتوكّل ، وخبر إشالة الستر بين يديه ، وخبر الأسد وأمره بأن يبتلع المشعبذ ، وخبر إحضار المتوكّل الخزر ليقتلوا عليّ الهادي ، وخبر إحيائه خمسين غلاما ، وخبر اصفرار الآس ، وخبر إيمان أبي طالب وقوله للمتوكّل إنّه يأتيك في نومك ، وخبر الملّاح الواقفي ، وخبر محمّد بن الريّان ، وخبر ما جرى بينه وبين زيد بن موسى ، وخبر ما جرى بينه وبين أبي هاشم الجعفري ، وخبر شخوصه إلى سامرّاء ، وخبره مع يحيى بن هرثمة ، وخبر أمر المتوكّل بتسيير الإمام عليه‌السلام بين يديه ، وخبر زينب الكذّابة ، وخبر خروجه مع المتوكّل إلى الصحراء ، وخبر إيمائه عليه‌السلام إلى رجل مصارع تقدّم كلّها في هذا الجزء تحت عنوان فضائله ، وبعضها تحت عنوان معالي أموره ، وبعضها تحت عنوان النصوص الواردة في إمامته ، وبعضها تحت عنوان ما جرى بينه وبين خلفاء عصره ، فصار المجموع تسعة وعشرون.

٣٠ ـ خبر إسحاق الجلّاب : روى الكليني أيضا في الكافي بسنده عن إسحاق الجلّاب (١) قال : اشتريت لأبي الحسن غنما كثيرا فدعاني فأدخلني من اصطبل داره إلى موضع واسع لا أعرفه ، فجعلت أفرّق بتلك الغنم فيمن أمرني به ، فبعثت إلى

__________________

(١) الجلّاب ـ بالفتح والتشديد ـ من يشتري الغنم ونحوها في موضع ويسوقها إلى موضع آخر ليبيعها ، المراد بأبي جعفر ابنه السيّد محمّد ، ورواق الفسطاط أو سقف في مقدّم البيت. وقوله : «عرّفت بالعسكر» يعني سكنت يوم عرفة بالعسكر وهي كانت من أسماء سامرّاء ثمّ صارت علما لمحلّة من محلّاتها التي كانت فيها دار عليّ الهادي عليه‌السلام. وفي المصباح : التعريف الوقوف بعرفات.

١٨٢

أبي جعفر وإلى والدته وغيرهما ممّن أمرني ، ثمّ استأذنته في الانصراف إلى بغداد إلى والدي وكان ذلك يوم التروية فكتب إليّ : تقيم غدا عندنا ثمّ تنصرف.

قال : فأقمت فلمّا كان يوم عرفة أقمت عنده وبتّ ليلة الأضحى في رواق له ، فلمّا كان في السحر أتاني وقال : يا إسحاق ، قم ، فقال : قمت ففتحت عيني فإذا أنا على بابي ببغداد. قال : فدخلت على والدي وأنا في أصحابي ، فقلت لهم : عرّفت بالعسكر وخرجت ببغداد إلى العيد.

ورواه أبو علي أحمد بن الحسين في الاختصاص أيضا.

٣١ ـ إخباره عن خلاص محمّد بن فرج من الحبس : وفيه أيضا بإسناده عن عليّ بن محمّد النوفلي قال : قال لي محمّد بن الفرج : إنّ أبا الحسن كتب إليه : يا محمّد ، أجمع أمرك وخذ حذرك. قال : فإنّي في جمع أمري لست أدري ما الذي أراد بما كتب به إليّ حتّى ورد إليّ رسول حملني من مصر مقيّدا وضرب على كلّ ما أملك ، وكنت في السجن ثماني سنين ثمّ ورد عليّ منه في السجن كتاب فيه : يا محمّد ، لا تنزل في ناحية الجانب الغربي ، فقرأت الكتاب وقلت : يكتب عليّ بهذا وأنا في السجن إنّ هذا لعجب ، فما مكثت أن خلّي عنّي والحمد لله.

قال : وكتبت إليه محمّد بن الفرج يسأله من ضياعه ، فكتب إليه : سوف تردّ إليك وما يضرّك أن لا تردّ إليك ، وتوفّي قبل الردّ.

٣٢ ـ إخباره عن موت محمّد بن الفرج : وفيه أيضا بسنده عن عليّ بن محمّد النوفلي قال : لمّا أشخص محمّد بن الفرج إلى العسكر كتب إليه بردّ ضياعه ، فمات قبل ذلك.

وكتب أحمد بن الخضيب (١) إلى محمّد بن الفرج يسأله الخروج إلى العسكر ،

__________________

(١) ابن الخضيب هو أحمد بن الخضيب كان من قوّاد المتوكّل ، سيأتي ترجمته في رجال الهادي.

١٨٣

فكتب إلى أبي الحسن يشاوره ، فكتب إليه : اخرج فإنّ فيه فرجك إن شاء الله ، فخرج فلم يلبث إلّا يسيرا حتّى مات.

وقال : رأيت محمّد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشيّته وقد استقبل أبا الحسن فنظر إليه واعتل من غد ، ودخلت إليه عايدا بعد أيّام من علّته وقد ثقل فأخبرني أنّه بعث إليه بثوب فأخذه وأدرجه ووضعته تحت رأسه. قال : فكفن فيه.

٣٣ ـ استجابة دعائه في ابن الخضيب : وفيه أيضا ، وكذا المفيد في الإرشاد بالإسناد عن أبي يعقوب قال : رأيت أبا الحسن مع ابن الخضيب ، فقال له ابن الخضيب : سر جعلت فداك ، فقال له : أنت المقدّم (١) ، فما لبث إلّا أربعة أيّام حتّى وضع الدهق (٢) على ساق ابن الخضيب ثمّ نعى.

قال : وروي أنّه حين ألحّ عليه ابن الخضيب في الدار التي يطلبها منه بعث إليه : لأقعدنّ بك من الله تعالى مقعدا لا تبقى لك باقية ، فأخذه الله تعالى في تلك الأيّام.

٣٤ ـ استجابة دعائه في قضاء الحاجة لأبي موسى : وروى الشيخ في الأمالي بسنده عن أبي الحسن محمّد بن أحمد قال : حدّثني عمّ أبي قال : قصدت الإمام عليّ ابن محمّد عليهما‌السلام يوما فقلت : يا سيّدي ، إنّ هذا الرجل قد أطرحني وقطع رزقي وملّني وما اتّهم في ذلك إلّا علمه بملازمتي لك ، وإذا سألته شيئا منه يلزمه القبول منك فينبغي أن تتفضّل عليّ بمسألته. فقال عليه‌السلام : تكفى إن شاء الله.

فلمّا كان في الليل طرقني رسل المتوكّل رسول يتلو رسولا ، فجئت والفتح على

__________________

(١) قوله : «أنت المقدم» أي الذهاب إلى الآخرة ، والمراد بالدار الدار التي كان قد نزلها أبو الحسن عليه‌السلام وطالبه بالانتقال منها وتسليمها إليه.

(٢) قال في القاموس : الدهق ـ محرّكة ـ خشبتان تعمز بهما الساق ويقال له بالفارسيّة : اشكنجه. قوله : لأقعدنّ بك ، الباء للتعليل أي للدعاء عليك. قوله : «باقية» كناية عن موته.

١٨٤

الباب قائم ، فقال : يا رجل ، ما تأوى في منزلك بالليل ، كدّني هذا الرجل ممّا يطلبك ، فدخلت وإذا المتوكّل جالس في فراشه ، فقال : يا أبا موسى ، نشغل عنك وتنسينا ، أيّ شيء لك عندي؟ فقلت : الصلة الفلانية والرزق الفلاني ، وذكرت أشياء فأمر لي بها وبضعفها ، فقلت للفتح : وافى عليّ بن محمّد إلى هاهنا؟ فقال : لا ، فقلت : كتب رقعة؟ فقال : لا ، فولّيت منصرفا ، فتبعني فقال لي : لست أشكّ أنّك سألته دعاء لك فالتمس لي منه دعاء.

فلمّا دخلت إليه عليه‌السلام فقال : يا أبا موسى ، هذا وجه الرضا؟ فقلت : ببركتك يا سيّدي ولكن قالوا لي إنّك ما مضيت إليه ولا سألته ، فقال : إنّ الله تعالى علم منّا أنّا لا نلجأ في المهمّات إلّا إليه ولا نتوكّل في الملمّات إلّا عليه ، وعوّدناه إذا سألناه الإجابة ونخاف أن نعدل فيعدل بنا.

قلت : إنّ الفتح قال لي كيت وكيت. قال : إنّه يوالينا بظاهره ويجانبنا بباطنه ، الدعاء لمن يدعو به ، إذا أخلصت في طاعة الله واعترفت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبحقّنا أهل البيت وسألت الله تبارك وتعالى شيئا لم يحرمك.

قلت : يا سيّدي ، علّمني دعاء اختصّ به من الأدعية.

قال : هذا الدعاء كثيرا ما أدعو الله تعالى به وقد سألت الله ألّا يخيب من دعا به في مشهدي بعدي ، وهو : «يا عدّتي عند العدد ، ويا رجائي والمعتمد ، ويا كهفي والسند ، ويا واحد يا أحد ، ويا قل هو الله أحد ، أسألك اللهمّ بحقّ من خلقته من خلقك ولم تجعل في خلقك مثلهم أحد أن تصلّي عليهم وأن تفعل بي كذا وكذا».

٣٥ ـ استجابة دعائه في حقّ عبد الرحمان الاصفهاني : روى الراوندي في الخرايج قال : حدّثنا جماعة من أهل اصفهان منهم أبو العبّاس أحمد بن النضر وأبو جعفر محمّد بن علوية قالوا : كان باصفهان رجل يقال له عبد الرحمان وكان شيعيّا. قيل له : ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة علي النقي عليه‌السلام دون غيره من

١٨٥

أهل الزمان؟ قال : شاهدت ما أوجب ذلك عليّ وهو أنّي كنت رجلا فقيرا وكان لي لسان وجرأة ، فأخرجني أهل اصفهان سنة من السنين ، فخرجت مع قوم آخرين إلى باب المتوكّل متظلّمين ، فبينا نحن بالباب إذ خرج الأمر بإحضار عليّ بن محمّد بن الرضا عليهم‌السلام ، فقلت لبعض من حضر : من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره؟فقيل : هو رجل علويّ تقول الرافضة بإمامته.

ثمّ قال : وقدّرت أنّ المتوكّل يحضره للقتل ، فقلت : لا أبرح من هاهنا حتّى أنظر إلى هذا الرجل أيّ رجل هو. قال : فأقبل راكبا على فرس وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفّين ينظرون إليه ، فلمّا رأيته وقع حبّه في قلبي فصرت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه شرّ المتوكّل ، فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إليّ ولا ينظر يمنة ولا يسرة وأنا أكرّر في نفسي الدعاء له ، فلمّا صار بحذائي أقبل بوجهه عليّ ثمّ قال : استجاب الله دعاك وطوّل عمرك وكثر مالك وولدك ، فارتعدت من هيبته ووقعت بين أصحابي ، فسألوني ما شأنك؟ فقلت : خير ولم أخبر بذلك مخلوقا ، ثمّ انصرفنا بعد ذلك إلى اصفهان ، ففتح الله عليّ بدعائه وجوها من المال حتّى أنا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم سوى مالي خارج ورزقت عشرة من الأولاد وقد مضى لي من العمر نيّف وسبعين سنة وأنا اقول بإمامة ذلك الرجل الذي علم ما كان في نفسي واستجاب الله دعائه في أمري.

٣٦ ـ استجابة دعائه في شفاء المبروص : وفيه أيضا عن أبي هاشم الجعفري قال : إنّه ظهر برجل من سرّ من رأى برص فتنغّص عليه عيشه ، فاجتمع يوما بأبي علي الفهري فشكا إليه حاله ، فقال له : لو تعرّضت يوما لأبي الحسن عليّ بن محمّد ابن الرضا فسألته أن يدعو لك لرجوت أن يزول عنك هذا.

قال : فتعرّضت له يوما في الطريق وقت منصرفه من دار المتوكّل فلمّا نظره قام ليدنو منه فيسأله ذلك فقال له : تنحّ عافاك الله وأشار إليه بيده تنحّ عافاك الله ، تنحّ

١٨٦

عافاك الله ـ ثلاث مرّات ـ فرجع الرجل ولم يجسر أن يدنو منه ، فانصرف فقصد الفهري فعرّفه الحال وما قال ، فقال له : قد دعا لك قبل أن تسأله فامض فإنّك ستعافى فانصرف الرجل إلى بيته فبات تلك الليلة فلمّا أصبح لم ير على بدنه شيئا من ذلك.

٣٧ ـ استجابة دعائه في هلاك رجل : قال الراوندي في الخرايج : روي أنّه أتاه رجل من أهل بيته يقال له معروف وقال : أتيتك فلم تأذن لي ، فقال : ما علمت بمكانك وأخبرت بعد انصرافك وذكرتني بما لا ينبغي ، فحلف أنّي ما فعلت. وقال أبو الحسن عليه‌السلام : فعلمت أنّه حلف كاذبا ، فدعوت الله عليه ، فقلت : اللهمّ إنّه حلف كاذبا فانتقم منه ، فمات الرجل من الغد.

٣٨ ـ استجابة دعائه في دفع المرض : وروى الأربليّ في كشف الغمّة عن عليّ بن محمّد الحجّال قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : أنا في خدمتك وأصابتني علّة في رجلي ولا أقدر على النهوض والقيام بما يجب فإن رأيت أن تدعو الله أن يكشف علّتي ويعينني على القيام بما يجب عليّ وأداء الأمانة في ذلك ، ويجعلني من تقصيري من غير تعمّد منّي وتضييع مال أتعمّده من نسيان يصيبني في حلّ ويوسّع عليّ ، وتدعو لي بالثبات على دينه الذي ارتضاه لنبيّه عليه‌السلام. فوقّع : كشف الله عنك وعن أبيك. قال : وكان بأبي علّة ولم أكتب فيها ، فدعا له ابتداء.

٣٩ ـ استجابة دعائه في خلاص عليّ بن جعفر من الحبس : روى الكشّيّ في رجاله عن محمّد بن مسعود قال : قال يوسف بن السخت : كان عليّ بن جعفر وكيلا لأبي الحسن عليه‌السلام وكان رجلا من أهل همينيا قرية من قرى سواد ببغداد ، فسعى به إلى المتوكّل فحبسه فطال حبسه واحتال من قبل عبيد الله بن خاقان بمال ضمنه عنه ثلاثة آلاف دينار وكلّمه عبيد الله فعرض جامعة على المتوكّل ، فقال : يا عبيد الله لو شككت فيك لقلت أنّك رافضيّ ، هذا وكيل فلان وأنا عازم على قتله.

١٨٧

قال : فتأدّى الخبر إلى عليّ بن جعفر ، فكتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام : يا سيّدي ، الله الله فيّ ، فقد والله خفت أن ارتاب ، فوقّع في رقعته : أمّا إذا بلغ بك الأمر ما أرى فسأقصد الله فيك ، وان هذا في ليلة الجمعة فأصبح المتوكّل محموما فازددت عليه حتّى صرخ عليه يوم الاثنين فأمر بتخليته كلّ محبوس عرض عليه اسمه حتّى ذكر هو عليّ ابن جعفر ، فقال لعبيد الله : لم لم تعرض على أمره؟ فقال : لا أعود إلى ذكره أبدا. قال : خلّ سبيله الساعة وسله أن يجعلني في حلّ ، فخلّى سبيله وصار إلى مكّة بأمر أبي الحسن ، فجاور بها ، وبرأ المتوكّل من علّته.

٤٠ ـ استجابة دعائه في اليسع بن حمزة : روى السيّد بن طاوس في مهج الدعوات بسنده عن اليسع بن حمزة القمّي قال : جعل يظلمني عمرو بن مسعدة وزير المعتصم الخليفة وإنّه جاء عليّ بمكروه فظيع حتّى تخوّفت على إراقة دمي وقطع عقبي ، فكتبت إلى سيّدي أبي الحسن العسكري عليه‌السلام أشكو إليه ما حلّ بي ، فكتب إليّ : لا روع عليك ولا بأس فادع الله بهذه الكلمات يخلّصك وشيكا ممّا وقعت فيه ، ويجعل لك فرجا فإنّ آل محمّد يدعون بها عند إشراف البلاء وظهور الأعداء وعند تخوّف الفقر وضيق الصدر.

قال اليسع ابن حمزة : فدعوت الله بالكلمات التي كتب إليّ سيّدي بها في صدر النهار ، فو الله ما مضى شطرا حتّى جائني رسول عمرو بن مسعدة ، فقال لي : أجب الوزير ، فنهضت ودخلت عليه ، فلمّا بصر بي تبسّم إليّ وأمر بالحديد ففكّ عنّي والأغلال فحلّت منّي ، وأمرني بخلعة من فاخر ثيابه وأتحفني بطيب ثمّ أدناني وقرّبني وجعل يحدّثني ويعتذر إليّ ، وردّ على جميع ما كان استخرجه منّي وأحسن رفدي وردّني إلى الناحية التي كنت أتقلّدها وأضاف إليها الكورة التي تليها ، ثمّ ذكر الدعاء الذي سيأتي ذكره في محلّه إن شاء الله.

٤١ ـ استجابة دعائه في هلاك رجل : قال المسعودي في إثبات الوصيّة : روي أنّه

١٨٨

دخل يوما على المتوكّل فقام عليه‌السلام يصلّي في الدار ، فأتاه بعض المخالفين فوقف بحياله فقال : إلى كم هذا الرياء ، فأسرع الصلاة وسلّم ثمّ التفت إليه فقال : إن كنت كاذبا فيسحقك الله ، فوقع الرجل ميّتا فسار حديثه في الدار.

٤٢ ـ علمه بما يكون في مجيء أخيه موسى المبرقع (١) : وروى الكليني في الكافي بسنده عن يعقوب بن ياسر قال : كان المتوكّل يقول : ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا ، أبى أن يشرب معي أو ينادمني أو أجد منه فرصة في هذا. فقالوا له : فإن لم تجد منه فرصة فهذا أخوه موسى قصّاف عزّاف يأكل ويشرب ويتعشّق ، فقال : ابعثوا إليه فجيئوا به حتّى نموّه به على الناس ونقول : ابن الرضا ، فكتب إليه وأشخصه مكرّما وتلقّاه جميع بني هاشم والقوّاد والناس على أنّه إذا وافى أقطعه قطيعة وبنى له فيها وحوّل الخمّارين والقيان إليه ووصله وبرّه وجعل له منزلا سريا حتّى يزوره هو فيه ، فلمّا وافى موسى تلقّاه أبو الحسن في قنطرة وصيف وهو موضع يلتقي فيه القادمون ، فسلّم عليه ووفّى حقّه ثمّ قال له : إنّ هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك فلا تقرّ له إنّك شربت نبيذا قطّ. فقال له موسى : فإذا كان دعاني لهذا فما حيلتي؟ قال : ولا تضع لقدرك ولا تفعل فإنّما أراد هتكك ، فأبى عليه ، فكرّر عليه ، فلمّا رأى أنّه لا يجيب. قال : أمّا إنّ هذا مجلس لا تجتمع أنت

__________________

(١) أقول : سيأتي في ترجمة موسى المبرقع تضعيف هذا الحديث ، وكان موسى مشكورا مقبولا. و «أعياني» أي أعجزني وحيّرني. و «ينادمني» من نادم أي جالسه على الشراب وكان المراد بالمنادمة الحضور في مجلس الشراب ، ويقال : المنادمة مقلوبة من المدامنة لأنّه يدمن شرب الشراب مع نديمه. و «قصاف» من القصف وهو اللهو وعزاف ـ بالعين المهملة والزاء المعجمة ـ أي لعاب بالملاهي كالعود والطنبور ، وعزيف الرعد دويه ، وابن الرضا خبره محذوف أي فعل كذا وكذا ، والناس مبتدأ والظرف خبره ، والجملتان حالية أي الناس كانوا فيه على هذا الاعتقاد. و «القيان» جمع القين وهو العبد ، والقينة بتقديم المثنّاة التحتانيّة على النون هي الجارية المغنية. و «سريا» أي عليا ، وذكره المفيد في الإرشاد أيضا بمثله.

١٨٩

وهو عليه أبدا ، فأقام ثلاث سنين يبكر كلّ يوم ، فقال له : قد تشاغل اليوم ، فرح ، فيروح فيقال له : قد سكر فبكّر فيبكّر ، فيقال له : شرب دواء ، فما زال على هذا ثلاث سنين حتّى قتل المتوكّل ولم يجتمع معه عليه.

٤٣ ـ علمه بالغائب في معالجته زيد : وفيه أيضا بسنده عن زيد بن عليّ بن الحسين ابن زيد قال : مرضت فدخل الطبيب عليّ ليلا فوصف لي دواء بليل (١) آخذه كذا وكذا يوما فلم يمكنني فلم يخرج الطبيب من الباب حتّى ورد عليّ نصر بقارورة فيها ذلك الدواء بعينه ، فقال لي : أبو الحسن يقرؤك السّلام ويقول لك : خذ هذا الدواء كذا وكذا يوما ، فأخذته وشربته فبرأت.

قال محمّد بن عليّ : قال لي زيد بن عليّ : يأبى الطاعن أين الغلات من هذا الحديث.

٤٤ ـ إخباره عن وفاة أبيه : وفيه أيضا بسنده عن هارون بن فضل قال : رأيت أبا الحسن عليّ بن محمّد في اليوم الذي توفّي فيه أبو جعفر قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، مضى أبو جعفر. فقيل له : وكيف عرفت؟ قال : لأنّه تداخلني ذلّة لله لم أكن أعرفها.

وعلى رواية الطبري الإمامي : فقلت له : كيف تعلم وهو ببغداد وأنت هاهنا بالمدينة؟ فقال : لأنّه تداخلني ذلّة واستكانة لله عزوجل لم أكن أعرفها.

٤٥ ـ علمه بالغائب في قصّة الزنفيلجة : وروى الشيخ الطوسي في الأمالي بسنده عن المنصوري قال : حدّثني عمّ أبي قال : دخلت يوما على المتوكّل وهو يشرب ، فدعاني للشرب ، فقلت : يا سيّدي ، ما شربته قطّ. قال : أنت تشرب مع عليّ بن محمّد! قال : فقلت له : ليس تعرف من في يديك إنّما يضرّك ولا يضرّه ، ولم أعد ذلك عليه.

__________________

(١) بليل على وزن شريف نعت دواء أي يشب بليل ، ويمكن أن يكون بليلة وهو الدواء المعروف. وأخذه كذا وكذا يوما عبارة عن عدد مركّب بالعطف. «نصر» اسم خادمه عليه‌السلام. يأبى الطاعن أي يأبى إمامتهم وفضلهم مع ظهور هذه الكرامة والمعجزات.

١٩٠

قال : فلمّا كان يوما من الأيّام قال لي الفتح بن خاقان : قد ذكر الرجل ـ يعني المتوكّل ـ خبر مال يجيء من قم وقد أمرني أن أرصده لأخبره له ، فقل لي من أيّ طريق يجيء حتّى أجتنبه ، فجئت إلى الإمام عليّ بن محمّد عليهما‌السلام فصادفت عنده من احتشمه فتبسّم وقال : لا يكون إلّا خيرا ، يا موسى لم لم تنفذ الرسالة الأولى؟ فقلت : أجللتك يا سيّدي. فقال لي : المال يجيء الليلة وليس يصلون إليه.

فبتّ عنده فلمّا كان من الليل وقام إلى ورده قطع الركوع بالسلام فقال لي : قد جاء الرجل ومعه المال وقد منعه الخادم الوصول إليّ ، فاخرج فخذ ما معه ، فخرجت فإذا معه زنفيلجة (١) فيها المال فأخذته ودخلت به إليه ، فقال : قد هات المخنقة التي قالت له القميّة أنّها ذخيرة جدّتها ، فخرجت إليه فأعطانيها فدخلت بها إليه ، فقال : قل له الجبّة التي أبدلتها منها ردّها إليها ، فخرجت إليه فقلت له ذلك ، فقال : نعم ابنتي استحسنتها فأبدلتها بهذه الجبّة وأنا أمضي فأجيء بها ، فقال : أخرج فقل له إنّ الله يحفظ لنا وعليها هاتها من كتفك ، فخرجت إلى الرجل فأخرجها من كتفه ، فغشي عليه ، فخرج إليه عليه‌السلام فقال له : قد كنت شاكّا فتيقّنت.

٤٦ ـ الماء الذي وجد مسخونا : وفيه أيضا بسنده عن كافور الخادم قال : قال لي الإمام عليّ بن محمّد عليه‌السلام : اترك لي السطل الفلاني في الموضع الفلاني لا تطهر منه للصلاة وأنفذني في حاجة وقال : إذا عدت فافعل ذلك ليكون معدّا إذا تأهّب للصلاة واستلقى عليه‌السلام لينام ونسيت ما قال لي وكانت ليلة باردة ، فحسست به وقد قام إلى الصلاة وذكرت أنّني لم أترك السطل ، فبعدت عن الموضع خوفا من لومه وتأمّلت له حتّى يسعى يطلب الإناء ، فناداني نداء مغضب ، فقلت : أنا لله أيش

__________________

(١) الزنفيلجة ـ بكسر الزاء وسكون النون وكسر الفاء وفتح اللام ـ معرب زنبيلة شبيه بالكيف. و «المخنقة» ـ كسر الميم ـ القلادة. و «القمّيّة» اسم امرأة.

١٩١

عذري إن أقول نسيت مثل هذا ولم أجد بدّا من إجابته ، فجئت مرعوبا ، فقال لي : يا ويلك ، أما عرفت رسمي أنّي لا أتطهّر إلّا بماء بارد فسخنت لي ماء وتركته في السطل؟! قلت : والله يا سيّدي ما تركت السطل ولا الماء. قال : الحمد لله ، والله لا تركنا رخصة ولا تركنا منحة ، الحمد لله الذي جعلنا من أهل طاعته ووفّقنا للعون على عبادته ، إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ الله يغضب على من لا يقبل رخصه.

وذكره أيضا ابن شهرآشوب في المناقب بتغيير يسير.

٤٧ ـ علمه بالغائب في قصّة يونس النقّاش : وفيه أيضا مسندا عن كافور الخادم قال : في مجاورة الإمام موضع كان فيها صنوف من أهل الصنايع من أصناف الناس وكان الموضع كالقرية ، وكان يونس النقّاش يغشي سيّدنا الإمام ويخدمه فجاء يوم يرعد ، فقال له : يا سيّدي ، أوصيك بأهلي خيرا. قال : وما الخبر؟ قال : عزمت على الرحيل. قال : ولم يا يونس؟ وهو يتبسّم عليه‌السلام. قال موسى بن بغا : وجّه إليّ بفصّ ليس له قيمة أقبلت أنقشه فكسرته باثنين وموعده غدا وهو موسى بن بغا إمّا ألف سوط أو القتل. قال : امض إلى منزلك إلى غد فما يكون إلّا خيرا. قال : فما أقوله يا سيّدي؟ فتبسّم وقال : امض إليه فاسمع ما يخبرك به فلن يكون إلّا خيرا.

قال : فمضى وعاد ضحك ، قال : قال لي يا سيّدي : إنّ الجواري اختصمن فيمكنك أن جعله نصفين حتّى نغنيك؟ فقال سيّدنا الإمام : اللهمّ لك الحمد إذ جعلتنا ممّن يحمدك حقّا ، فأيّ شيء قلت؟ قال قلت له : أمهلني حتّى أتأمّر أمره كيف أعمله ، فقال : أجبت.

٤٨ ـ علمه بالآجال في قصّة القائد : روى النجاشي في رجاله في ترجمة الحسن بن محمّد بن سماعة بسنده عن أحمد بن يحيى الأودي قال : دخلت مسجد الجامع لأصلّي الظهر ، فلمّا صلّيت رأيت حرب بن الحسن الطحّان وجماعته من أصحابنا ، فملت إليهم فسلّمت عليهم ، وكان فيهم الحسن بن محمّد بن سماعة ذكروا أمر

١٩٢

الحسن بن عليّ عليه‌السلام وما جرى عليه ثمّ من بعده زيد بن عليّ بن الحسين وما جرى عليه ، ومعنا رجل غريب لا نعرفه ، فقال : يا قوم ، عندنا رجل علويّ بسرّ من رأى من أهل المدينة ما هو إلّا ساحر أو كاهن. فقال له ابن سماعة : بمن يعرف؟ فقال : عليّ بن محمّد بن الرضا. فقال له الجماعة : وكيف تبيّنت ذلك منه؟

قال : كنّا جلوسا معه على باب داره وهو جارنا بسرّ من رأى نجلس عليه في كلّ عشيّة فنحدّث معه إذ مرّ بنا قائد من دار السلطان معه خلع ومعه جمع كثير من القوّاد والرجال والشاكريّة وغيرهم ، فلمّا رآه عليّ بن محمّد وثب إليه وسلّم عليه وأكرمه ، فلمّا أن مضى قال لنا : هو فرح بما هو فيه وغدا يدفن قبل الصلاة ، فتعجّبنا من ذلك وقمنا من عنده وقلنا : هذا علم الغيب ، فتعاهدنا ثلاثة إن لم يكن ما قال أن نقتله ونستريح منه ، فإنّي في منزلي وقد صلّيت الفجر إذ سمعت جلبة ، فقمت إلى الباب فإذا خلق كثير من الجند وغيرهم وهم يقولون : مات فلان القائد البارحة ، سكر وعبر عن موضع إلى موضع فوقع واندقّت عنقه. فقلت : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وخرجت أحضره وإذا الرجل كما قال أبو الحسن ميّت ، فما برحت حتّى دفنته ورجعت متعجّبا جميعا من هذه الحالة.

أقول : تقدّم علمه بوفاة أبيه وإخباره عنه برواية الكافي.

وفي مدينة المعاجز عن الطبريّ الإماميّ بسنده عن الحسن بن عليّ الوشّا قال : حدّثتني أمّ محمّد مولاة أبي الحسن الرضا بالخبر وهي مع الحسن بن موسى ، قال : دنا أبو الحسن عليّ بن محمّد وقد رعد حتّى جلس في حجر أمّ أيما بنت موسى ، فقالت له : مالك؟ قال لها : مات أبي والله الساعة. قال : فبكت فجائت وفاة أبي جعفر في ذلك اليوم ، يوم مسيري.

وفيه بسند آخر عن رحيل ـ وكان رضيع أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ـ قال : بينا أبو الحسن جالس مع مؤدّبه إذ بكى بكاء شديدا ، فسأله المؤدّب : ممّ بكائك؟ فلم

١٩٣

يجبه ، فقال : ايذن لي بالدخول ، فأذن له فارتفع الصياح من داره بالبكاء ثمّ خرج إلينا فسألوه عن السبب في بكائه ، فقال : إنّ أبا جعفر أبي توفّي الساعة. قال : قلت : فما علمك؟ قال : دخلني من إجلال الله عزوجل شيء لم أكن أعرفه قبل فعلمت أنّ أبي قد مضى. قال : فعرفنا ذلك اليوم والشهر إلى أن ورد خبره فإذا هو في ذلك الوقت بعينه.

٤٩ ـ إخراج الدنانير من الجراب الخالي : روى المحدّث الشهير السيّد هاشم البحراني في مدينة المعاجز عن محمّد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي قال : حدّثنا سفيان ، عن أبيه قال : رأيت عليّ بن محمّد عليه‌السلام ومعه جراب ليس فيه شيء ، فقلت : أتراك ما تصنع بها؟ فقال : أدخل يدك ، فأدخلت يدي وليس فيه شيء ثمّ قال لي : عد ، فعدت فإذا مملوءة من دنانير.

٥٠ ـ إخراج الرمّان والتمر والعنب والموز من الأسطوانة : وفيه أيضا عن عمارة بن زيد قال : قلت لعليّ بن محمّد الرضا عليه‌السلام : هل تستطيع أن تخرج من هذه الأسطوانة رمّانة؟ قال : نعم وتمرا وعنبا وموزا ، وفعل ذلك وأكلنا وحملنا.

٥١ ـ ارتفاعه في الهواء والطير الذي أتى به : وروى أيضا بسنده عن عمارة بن زيد قال : قلت لعليّ بن محمّد بن الرضا : أتقدر أن تصعد إلى السماء حتّى تأتي بشيء ليس في الأرض لنعلم ذلك؟ فارتفع في الهواء وأنا أنظر إليه حتّى غاب ثمّ رجع بطير من ذهب في أذنه أشرقة من ذهب وفي منقاره درّة وهو يقول : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله عليّ وليّ الله. قال عليه‌السلام : هذا طير من طيور الجنّة ، ثمّ سيّبه.

٥٢ ـ إخراج البرّ والدقيق من الأرض : وروى فيه أيضا بسنده عن محمّد بن يزيد قال : كنت عند عليّ بن محمّد عليهما‌السلام فلاذ عليه قوم يشكون الجوع ، فضرب يده إلى الأرض فصار لهم برّا ودقيقا.

٥٣ ـ علمه بما في النفس في مسألة السجود على الزجاج : وفيه أيضا بسنده عن

١٩٤

أحمد ابن محمّد بن عبد الله قال : كتب إليه محمّد بن الحسن بن مصعب المدائني يسأله عن السجود على الزجاج ، فلمّا نفذ الكتاب قال : حدّثت نفسي أنّه ممّا أنبتت الأرض وإنّه قالوا : لا بأس بالسجود على ما أنبتت الأرض. قال : فجاء الجواب : لا تسجد فإن حدّثتك نفسك أنّه ممّا أنبتت الأرض وإنّهم قالوا لا بأس بالسجود على ما أنبتت الأرض فإنّه من الرمل والملح سبخ والسبخ بلد ممسوخ.

٥٤ ـ إخباره عن تخريب بناء قبل تمامه : وفيه أيضا بسنده عن عليّ بن محمّد النوفلي قال : قال عليّ بن محمّد : لمّا بدأ الموسم بالمتوكّل بسرّ من رأى والحضريّة قال : يا علي ، إنّ هذا الطاغي يبتلي ببناء مدينة (١) لا تتمّ ويكون حتفه فيها قبل تمامها على يد فرعون من فراعنه الأتراك.

ثمّ قال : يا علي ، إنّ الله عزوجل اصطفى محمّدا بالنبوّة والبرهان ، واصطفاه بالحجّة والتبيان ، وجعل كرامة الصفوة لمن ترى ـ يعني نفسه ـ.

قال : وسمعت يقول : اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا وإنّما كان عند آصف ابن برخيا حرف واحد فتكلّم به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ فتناول عرش بلقيس حتّى صيّره إلى سليمان ثمّ بسطت الأرض في أقلّ من طرفة عين وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا وحرف عند الله عزوجل استأثره به في علم الغيب.

٥٥ ـ علمه بما في النفس في قصّة الفطحي : روى فيه أيضا بسنده عن مقبل الديلمي قال : كان رجل بالكوفة يقول بإمامة عبد الله بن جعفر الصادق عليه‌السلام ، فقال له صاحب له كان يميل إلى ناحيتنا ويقول بأمرنا : لا تقل بإمامة عبد الله وقل بالحقّ ، قال : وما الحقّ حتّى أتّبعه؟ قال : الإمامة في موسى بن جعفر ومن بعده. قال له

__________________

(١) تقدّم في الجزء الأوّل أنّه الماحوزة وفيها قصر الجعفري الذي قتل فيها المتوكّل.

١٩٥

الفطحي : ومن الإمام اليوم منهم؟ قال : عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا عليهم‌السلام. قال : فهل من دليل استدلّ به على ما قلت؟ قال : نعم ، قال : وما هو؟ قال : أضمر في نفسك ما تشاء وألقه بسرّ من رأى فإنّه يخبرك ، قال : نعم.

فخرجا إلى العسكر وقصدا شارع أبي محمّد ، فأخبرا أبا الحسن عليّ بن محمّد مولانا راكب في دار المتوكّل ، فجلسا ينتظران عوده ، فقال الفطحيّ لصاحبه : إن كان صاحبك هذا إماما فإنّه حين يرجع ويراني يعلم ما قصدته فيخبرني به من غير أن أخبره.

قال : فوقف إلى أن عاد أبو الحسن عليه‌السلام من موكب المتوكّل وبين يديه الشاكرية ومن ورائه الركبة يشيّعونه إلى داره ، قال : فلمّا أتى الموضع الذي فيه الرجلان التفت إلى الرجل الفطحي فتفل بشيء من فيه في صدر الفطحي كأنّه العزقئ البيض (١) فألصق في صدر الرجل مثل دائرة الدرهم وفيه سطر مكتوب بخضرة : ما كان عبد الله هناك ولا كذلك ، فقرأه الناس ، فقالوا له : ما هذا؟ وأخبرهم وصاحبه لقصّتهما ، فأخذ التراب من الأرض فوضعه على رأسه وقال : تبّا لما كنت عليه قبل يومي هذا ، والحمد لله ، فحسنت هدايته وقال بإمامته.

٥٦ ـ علمه بما قال الفتح القلانسي : ورواه فيه أيضا بسنده عن مقبل الديلمي قال : كنت جالسا على بابنا بسرّ من رأى ومولانا أبو الحسن راكب في دار المتوكّل الخليفة فجاء الفتح القلانسي وكانت له خدمة لأبي الحسن عليه‌السلام فجلس إلى جانبي وقال : إنّ لي على مولانا أربعمائة درهم فلو إن أعطانيها لأنفقت بها. قال : قلت له : ما أنت صانع بها؟ قال : كنت أشتري بمائتي درهم خرقا تكون في يدي أعمل منها

__________________

(١) قال في المجمع : العزقئ كزبرج القشرة المتزقة ببياض البيض أي البياض الذي يؤكل ، وقال الفرّا : همزته زائدة لأنّه من الغرق.

١٩٦

قلانس ، ومائتي درهم أشتري بها تمرا فأنبذه نبيذا ، قال : فلمّا قال لي ذلك أعرضت عنه بوجهي فلم أكلّمه لما ذكر لي ، فسكتّ.

وأقبل أبو الحسن على أثر هذا الكلام ولم يسمع هذا الكلام أحد ولا حضره ، فلمّا بصرت به قمت قائما فأقبل حتّى نزل بدابّته في دار الدوابّ وهو مقطب الوجه ، أعرف القطب في وجهه ، فحين نزل عن دابّته فقال لي : يا مقبل ، أدخل فأخرج أربعمائة درهم وادفعها إلى الفتح الملعون وقل له : حقّك فخذه فاشتر منه خرقا بمائتي درهم واتّق الله فيما أردت أن تفعله بمائتي درهم الباقية ، فأخرجت الأربعمائة درهم فدفعتها إليه وحدّثته القصّة ، فبكى وقال : والله ما شربت نبيذا ولا مسكرا أبدا وصاحبك يعلم ما تعلم.

٥٧ ـ قصّة يزداد الطبيب النصراني : وروى فيه أيضا بسنده عن أبي الحسين محمّد ابن إسماعيل بن أحمد الفهفكي الكاتب بسرّ من رأى سنة ثمان وثلاثين قال : حدّثني أبي قال : كنت بسرّ من رأى أسير في درب الحصا فرأيت يزداد الطبيب النصراني تلميذ بختيشوع وهو منصرف من دار موسى بن بغا ، فسايرني وأفضى الحديث بنا إلى أن قال : أترى هذا الجدار؟ قلت : نعم ، قال : تدري من صاحبه؟ قلت : من صاحبه؟ قال : هذا الفتى العلوي الحجازي ـ يعني عليّ بن محمّد بن الرضا.

وكنّا نسير في فناء دارا ليزداد ، قلت : فما شأنه؟ قال : إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو ، قلت : وكيف ذلك؟ قال : أخبرك عنه بأعجوبة لم تسمع بمثلها أبدا ولا غيرك من الناس ولكن لي الله عليك كفيل وراع أن لا تحدّث به أحدا فإنّي رجل طبيب ولي معيشة أرعاها عند هذا السلطان وبلغني أنّ الخليفة استقدمه من الحجاز فزعا منه لئلّا ينصرف إليه وجوه الناس فيخرج هذا الأمر منهم ـ يعني بني العبّاس ـ.

قلت : لك عليّ ذلك فحدّثني به وليس عليك بأس ، إنّما أنت رجل نصرانيّ لا

١٩٧

يتّهمك أحد فيما تحدّث به عن هؤلاء القوم.

قال : نعم ، أعلمك أنّي لقيته منذ أيّام وهو على فرس أدهم وعليه ثياب سود وعمامة سوداء وهو أسود اللون ، فلمّا بصرت به وقفت إعظاما له وقلت في نفسي : لا وحقّ المسيح ما خرجت من فيّ إلى أحد من الناس ما قلت في نفسي ثياب سوداء وعمامة سوداء ورجل أسود ودابّة سوداء ، سواد في سواد على سواد ، فلمّا بلغ إليّ أحدّ النظر إليّ وقال : قلبك أسود ممّا ترى عيناك من سواد في سواد على سواد.

قال أبو الحسين : قال أبي : فقلت له : أجل فلا تحدّث به أحدا ما صنعت وما قلت له. قال : أسقطت في يده ولم أحر جوابا ، قلت له : فما أبيض قلبك لما شاهدت ، قال : الله أعلم ، قال أبي : فلمّا اعتلّ يزداد بعث إليّ فحضرت عنده فقال : إنّ قلبي قد ابيضّ بعد سواده فأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا رسول الله ، وأنّ عليّ بن محمّد حجّة الله على خلقه وناموسه الأعظم ، ثمّ مات في مرضه ذلك وحضرت الصلاة عليهرحمه‌الله.

٥٨ ـ إبراء الأذى عن ذراع عيسى بن محمّد : وروى فيه أيضا عن أحمد بن عليّ قال : دعاني عيسى بن أحمد القمّي وكان أهيج (١) وقال لنا : أدخلني ابن عمّي أحمد بن إسحاق على أبي الحسن فرأيته كلّمه بكلام لم أفهمه ، فقال له : جعلني الله فداك ، هذا ابن عمّي عيسى بن أحمد بن بياض في ذراعه وشيء قد تكتل كأمثال الجوزة ، قال : فقال لي : تقدّم يا عيسى ، فتقدّمت فقال لي : أخرج ذراعك ، فأخرجت ذراعي فمسح عليها وتكلّم بكلام خفي طول فيه ، ثمّ قال : «بسم الله الرحمن الرحيم» ثمّ التفت إلى أحمد بن إسحاق فقال : يا أحمد بن إسحاق ، كان عليّ بن

__________________

(١) روى من هاج يهيج إذا يبست.

١٩٨

موسى عليه‌السلام يقول : «بسم الله الرحمن الرحيم أقرب من الاسم الأعظم من بياض العين إلى سوادها» ثمّ قال : يا عيسى ، قلت : لبّيك ، قال : أدخل يدك في كمّك ثمّ أخرجها ، ففعل ، فإذا ليس في يده قليل ولا كثير.

٥٩ ـ علمه بالغائب في تسمية التركي : روى الطبرسي في إعلام الورى بإسناده عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت بالمدينة حين مرّ بها بغا أيّام الواثق في طلب الأعراب ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام : أخرجوا بنا حتّى ننظر إلى تعبية هذا التركي ، فخرجنا فوقفنا فمرّت بنا تعبية فمرّ بنا تركيّ فكلّمه أبو الحسن بالتركية فنزل عن فرسه وقبّل حافر دابّته. قال : فحلفت التركي ، فقلت له : ما قال لك الرجل؟ قال : هذا نبيّ؟ قلت : ليس هذا نبيّ ، قال : دعاني باسم سمّيت به في بلاد الترك وما علمه أحد إلّا الساعة.

٦٠ ـ الحصاة التي وضعها في فم أبي هاشم : وفيه أيضا عن أبي هاشم الجعفري قال : دخلت على أبي الحسن عليّ الهادي عليه‌السلام فكلّمني بالهنديّة فلم أحسن أن أردّ عليه وكان بين يديه ركوة ملأ حصى فتناول حصاة واحدة فوضعها في فيه فمصّها ثلاثا ثمّ رمى بها إليّ فوضعتها في فيّ فو الله ما برحت من عنده حتّى تكلّمت بثلاثة وسبعين لسانا أوّلها هنديّة.

٦١ ـ التوقير له الذي لا يملك تركه : وفيه أيضا بإسناده عن محمّد بن الحسن بن الأشتر العلوي قال : كنت مع أبي على باب المتوكّل وأنا صبيّ في جمع الناس ما بين طالبيّ وعبّاسيّ وجنديّ ، وكان إذا جاء أبو الحسن ترجّل له الناس كلّهم حتّى دخل ، فقال بعضهم لبعض : لم نترجّل لهذا الغلام وما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سنّا ، والله لا ترجّلنا له.

فقال أبو هاشم الجعفري : والله لترجلنّ صغارا وذلّة إذا رأيتموه ، فما هو إلّا أن أقبل وبصروا به حتّى ترجّل له الناس كلّهم ، فقال لهم أبو هاشم : أليس زعمتم

١٩٩

أنّكم لا ترجّلون له؟ فقالوا له : والله ما ملكنا أنفسنا حتّى ترجّلنا.

٦٢ ـ خبر برذون أبي هاشم : وروى فيه أيضا بإسناده عن عبد الله بن عبد الرحمان الصالحي قال : إنّ أبا هاشم الجعفري شكا إلى مولانا أبي الحسن عليه‌السلام ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد وقال له : يا سيّدي ، أدع الله لي فما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه ، فقال : قوّاك الله يا ابا هاشم وقوّى برذونك.

فقال : وكان أبو هاشم يصلّي الفجر ببغداد ويسير على البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سرّ من رأى ويعود من يومه إلى بغداد إذا شاء على ذلك البرذون بعينه ، فكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت.

٦٣ ـ علمه بالآجال والانتقام من عدوّه : روى المحدّث الخبير السيّد هاشم في مدينة المعاجز نقلا عن كتاب الواحدة للحسن بن محمّد بن جمهور العمي قال : حدّثني أخي الحسين بن محمّد قال : كان لي صديق مؤدّب لولد بغا ووصيف ، فقال لي : قال الأمير حسين عند منصرفه من دار الخلافة : حبس أمير المؤمنين هذا الذي يقولون إنّه ابن الرضا اليوم ودفعه إلى عليّ بن كركر ، فسمعت يقول : أنا أكرم على الله من ناقة صالح (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ)(١) وليس يفصح بالآية ولا بالكلام ، أيّ شيء هذا؟ قال : قلت : أعزّك الله موعدا ، أنظر ما يكون بعد ثلاثة أيّام ، فلمّا كان من الغد أطلقه واعتذر إليه ، فلمّا كان في اليوم الثالث وبثّ إليه بأقر ويفلون وتامش وجماعة معهم فقتلوه وأقعدوا المنتصر مكانه.

٦٤ ـ إخباره عن موت شابّ في مجلس : وفيه أيضا قال : حدّثني أبو الحسين سعيد ابن سهل النضري وكان يلقّب بالملّاح ، قال : كان يقول بالوقف جعفر بن القاسم بن الهاشم البصري وكنت معه بسرّ من رأى إذ رآه أبو الحسن عليه‌السلام في بعض

__________________

(١) هود : ٦٥.

٢٠٠