الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

علي داود جابر

الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

المؤلف:

علي داود جابر


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٠

١
٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الإهداء

إلى الشيخ الذي زرع لغز التاريخ على بوابة خيبر.

إلى أبي ذر الغفاري «رض» الشامخ جهادا وإيمانا وزهدا.

إلى الحسام المبشّر بمستقبل عربي أفضل ،

ليس أعرابي الدين والهوية والسياسة.

أقدّم هذا الكتاب.

علي جابر

٥
٦

المقدمة

تعدّدت الكتابات التأريخية ـ لاسيما في الآونة الأخيرة ـ حول جبل عامل ، وفي مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأدبية والتراجم وغيرها ، فكان كتاب «خطط جبل عامل» للسيد محسن الأمين ، و «تاريخ جبل عامل» لمحمد جابر آل صفا ، و «جبل عامل في التاريخ» للشيخ محمد تقي الفقيه ، و «للبحث عن تاريخنا» للشيخ علي الزين ، وفي العقود الأخيرة ظهرت دراسات وأبحاث للدكتور محمد كاظم مكّي ، والأساتذة محمد كوراني وإبراهيم درويش وغيرهم من العلماء والباحثين والطلّاب الجامعيين.

وقد أفادتنا هذه الكتب والدراسات كثيرا ، لما قدّمته من معلومات قيّمة وتحليلات هامّة حول تاريخ هذا الجبل ، إلا أنها بمجملها تحدّثت عن العصور المتأخرة ، أعني بها تلك التي تلت السيطرة العثمانية على بلادنا. اللهمّ سوى معلومات قليلة ومتفرّقة عن الفترة السابقة التي عبّروا عنها ب «الحلقة الضائعة» من تاريخ جبل عامل ، لقلّة أو قل لندرة ما وصلهم من معلومات حولها.

٧

وما يبعث على الدهشة والاستغراب والحيرة والافتخار معا ، أن هذه البقعة الصغيرة بحجمها ، ذات ماض مجيد ، وتاريخ مفعم بالبطولات ، وقد أنبتت أبطالا أشدّاء ، وقادة حكماء ، وعلماء بررة ، وشعراء كبارا وكتبة ومؤلفين ، تركوا آثارا علمية عظيمة ، ومؤلفات جمّة في : الفلسفة ، والأصول ، والفقه ، والعقائد ، والرياضيات ، والطبّ ، واللغة ، والأدب ، والشعر ، ومع كلّ هذا ، لم يصل إلينا من متروكاتهم التأريخية كتاب واحد يتحدّث عمّا تعرّضت له بلادنا من أحداث!.

ولعل السبب في ذلك ، يعود إلى عدم رغبة العامليين في كتابة التاريخ السياسي لبلادهم ، لأنهم شأن جميع الشيعة في كل العصور السالفة ، قد جافوا السياسة وأربابها ، لاكتوائهم بحرّ نارها ، حتى في العصر الفاطمي الذي كان يتشيّع لبعض أئمتهم ، لم يتحمّسوا له ولدولته إلّا بمقدار ، حتى أنّك لتجد ـ مثلا ـ شاعرا (١) من مدينة صور ، ذائع الصيت ، مدّاحا للغني والفقير على حدّ سواء ، وهو مع ذلك لم يمدح خلفاء هذه الدولة إلّا بقصائد معدودة في ديوانه.

وهناك رأي جدير بالاهتمام ، يفترض أن مؤلفات العامليين التاريخية تفرّقت أيدي سبأ ، ولعبت بها أيدي الضياع ، وبدّدتها الحوادث ، فعفى أثرها ، وامّحى خبرها ، في عصور ، كانت البلاد تسبح فيها ، في بحر من الدماء ، وتهزّها الفتن ، وترهقها الحروب ، فاقتضت السياسات المتعاقبة على مصادرة مكتبات العلماء ومخطوطاتهم النفيسة فيكفي أن ينشد عالم في قرية مجدل سلم قصيدة ، وذلك في أوائل القرن الثامن من الهجرة ، حتى

__________________

(١) هو الشاعر عبد المحسن الصوري.

٨

يطوّق بيته ، وتصادر حريته ، وتؤخذ كتبه. ولا يخفى على ملمّ بالتاريخ ما فعله الجزّار بمكتبات جبل عامل ، وتشغيله أفران عكا أياما بما احتوت. وهو ذاته ما فعله الصليبيون والمماليك ، وآل عثمان وغيرهم.

وعند مراجعتنا لمؤلفات العاملين في الفترة موضوع الدراسة ، أي من الفتح الاسلامي إلى السيطرة العثمانية ، لم نجد في علماء الشيعة ـ على ما وصلنا ـ من ألّف في باب التاريخ إلا الشيخ إبراهيم الكفعمي المتوفى سنة ٩٠٥ ه‍ ، وكتابه «تاريخ وفيات العلماء» وهو كتاب تراجم للرجال ، لكنه لم يصل إلينا.

بيد أننا وجدنا من العامليين السنّة ، من كتب في التاريخ وتراجم الرجال ، كالحسن بن محمد بن بكار بن بلال العاملي ، الذي كان حيا قبل سنة ٢٦٠ ه‍ ، وقد صنّف كتابا في «معرفة الرجال» ولم يصل إلينا أيضا. وألّف محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي المتوفى سنة ٤٠٢ ه‍ كتابه «معجم الشيوخ» مترجما فيه لشيوخه الذين روى عنهم ، وهو الآخر كاد أن يضيع ، لو لا أن أدركه الدكتور عمر تدمري فطبعه سنة ١٤٠٥ ه‍ ، وألّف غيث الأرمنازي الصوري المتوفى سنة ٥٠٩ ه‍ مسوّدة لكتابه «تاريخ صور» وحملها معه إلى دمشق قبل دخول الصليبيين إلى مدينة صور ، وبعد وفاته قام ابن عساكر الدمشقي بأخذ مادّتها بل قل أفرغها في كتابه الموسوعي الكبير «تاريخ مدينة دمشق» فأسدى بهذا العمل خدمة كبيرة لتاريخنا العاملي ، وخاصة لتاريخ مدينتي صور وصيدا وجوارهما.

وقد اعتمدت في دراستي على مصادر كثيرة ومراجع عديدة.

فمن المصادر العاملية : ديوان عدي بن الرقاع العاملي المتوفى سنة ٩٥

٩

ه ، وكتاب «معجم الشيوخ» لابن جميع الصيداوي المتوفى سنة ٤٠٢ ه‍ ، وديوان علي بن محمد التهامي العاملي المتوفى سنة ٤١٩ ه‍ ، والفوائد المنتقاة للحافظ محمد بن علي الصوري المتوفى سنة ٤٤١ ه‍ ، والقصيدة الصورية لمحمد بن علي الإسماعيلي الصوري المتوفى حوالي سنة ٤٨٧ ه‍ ، وكتاب قضاء حقوق الإخوان المؤمنين للحسن بن طاهر الصوري ، وهو من أعلام القرن السادس من الهجرة ، ومسوّدة غيث الأرمنازي المتوفى سنة ٥٠٩ ه‍ ، الموجودة في «تاريخ مدينة دمشق» ، وأمل الآمل لمحمد بن الحسن الحر العاملي المتوفّى سنة ١١٠٤ ه‍.

وأمّا المصادر غير العاملية فهي كثيرة ويصعب حصرها في مقدمة هذه الدراسة ، وبالرغم من كثافة موضوعاتها ومعلوماتها وكثرة فائدتها ، إلّا أن ميزة مشتركة تجمعها ، ألا وهي التأريخ للسياسة الحاكمة ، والتقرّب من السلطان وكسب رضاه ، وتمجيد آرائه وما يصدر عنه ، والتعتيم على هفواته وسيئاته ، والتمذهب بمذهبه ، والتعصّب ضد الآخر ، وخاصة الإمامية ، ووسمهم بالكفر والرفض تارة ، والنصيرية والنصرانية تارة أخرى ، لذا وجدتني أحيانا أرجع إلى دواوين الشعراء ، لعلّني أجد في مشاعر الأحرار التي كسرت قيود التعصّب والحاكمين ، ما يروي ظمئي لمعرفة سير الأحداث والوقائع التاريخية ، وإذا ب «الحلقة الضائعة» من تاريخنا ، حلقة ملأى بالأحداث ، غزيرة المعلومات واضحة في عمومياتها ، وربما في بعض خصوصياتها ، فجمعتها من نبعها وسواقيها ، ولملمتها من كنزها وخزائنها ، وسكبتها في الّلجين لآلىء تضيء طريق الآمل في معرفة ما ضاع من تاريخ جبل عامل ، وسمّيتها «الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل».

وجاءت دراستنا هذه في سبعة فصول ، بحسب العصور المختلفة ،

١٠

فتحدثت عن عاملة في العصر الجاملي ، وصدر الإسلام ، والأموي ، والعباسي ، والفاطمي ، والصليبي ، والمملوكي ، وقسّمت الفصول إلى أبواب ، كانت تطول وتقصر بحسب ما وصلنا من معطيات ومعلومات.

وترجمت في نهاية كلّ عصر لأعلام جبل عامل من العلماء والمحدثين والفقهاء والرواة والأدباء والشعراء والنحاة والحكماء والأطباء والفلاسفة والرياضيين والولاة والأمراء والأبطال ومن وصلني خبره ، ترجمة مختصرة على مفاصل أساسية في حياتهم ، إذ لو كتبت جميع ما وصلني عنهم لاحتجت إلى مجلدات عدّة. ورتّبتهم على حروف المعجم ، كلّ قرن على حدة ، وبحسب سني وفاتهم ، وإن تعذّرت فآخر سنة وجدوا فيها ، وإلا قدّرت عصرهم من خلال مشائخهم وتلاميذهم ومعاصريهم.

كما ترجمت لنزلاء جبل عامل في العصرين العباسي والفاطمي بالطريقة السابقة ، ودمجتهم في بقية العصور مع أعلام جبل عامل لقلّة ما وصلنا من أسمائهم.

وهناك ملاحظة نرجو المعذرة لأجلها هي إكثاري للنصوص المقتبسة أثناء سرد الأحداث ، وذلك لأهمّية هذه النصوص ، وجدّة البحث.

وحتى تبقى أرض عاملة ميدانا للعلم والجهاد معا ، نطلب من الله القبول ، ومنكم الدراسة المتأملة المتأنية المدققة لما كتبت والله المستعان.

علي جابر

١١

تقديم : بقلم السيد حسين شرف الدين أبي رائد

إنّه الأمثولة

كنت أصغي إليه وهو يتكلّم عمّا بذله من جهد لجمع معلومات حول جبل عامل ، يتكلم وبين يديه إضمامة أوراق يحتضنها بكل ما ولّد عنده الجهد من حنان.

لا أدري سبب أن تقتحم ذهني الكلمة العامية عندنا توصيفا لطلب شيء تحت التراب ، وأن تخطر عبارة (بحش) بدلا من (بحث) ، وكأن (البحبشة) هي أوقع في الحسّ ، مع أنها من استعمالات الصخر التي هجرناها من زمن. المهم أنني كنت أتخيله (علي داود جابر) يبحش في بطون الكتب القديمة ، بما انهال عليها من الغبار وتراكم ، ليخرج بمعلومة عن جبل عامل تاريخية وسيرة وأدبا وسياسة ، ثم وضع بين يديّ ما استخرج من مناجمه الثّرة ، فكانت بالنسبة لي ، كما هي الأرض العطشى يرادوها بليل المطر.

علي داود جابر هو الصورة العاملية النبيلة التي إن وقفت على الطلول ، فليس ليندب الخوالي من الأيام والغوابر من الأمجاد ، بل ليتحفّز التماسا

١٢

لما ضاع فإن أصابه فقد أغنى وإن لم يصبه فحسبه المحاولة ومنها العذر للعودة بعزمة الاستمرار ، وكذا رأيته.

عاد علي داود جابر بغنيمة كبرى ، هي حصيلة قرون وعهود ، بدأت من العصر الجاهلي ووقف فيها عند القرن العاشر مرورا بالعهد الإسلامي ، ثم الأموي فالعباسي فالصليبي فالمملوكي وغيرها. مستنطقا العشرات من المصادر المعتمدة والمعتبرة ، فوضع بين أيدينا كلّ ما طالته يداه ، بوركت يداه بكريم ما جمع وما قدّم.

ما قدّمه علي داود جابر يخرجنا مما وضعنا فيه سابقون من مرارة وأسف على ما ضاع ، وجعلنا أمام مسؤولياتنا ، وخطّ لنا بعمله ، الطريقة التي نرفع فيها يدنا عن خدّنا تحسرا ، لتمتدّ إلى خزائن الكتب. وهناك النصب وإثبات مدى حرارة التحرّق على ما فات ، وإن كنّا لا نجد فيها كل شيء ولكننا نجد الكثير ، ومثاله هذا الذي بين أيدينا.

ثمّ لفتنا إلى أمر هام بعودته ، باستخراج تاريخ بلدته أولا من خلال ما استخلصه من الأشتات المتناثرة في بطون الكتب القديمة. وليس أحفظ للتاريخ ولا أنجع للورود العذب من الكتب التي تختصّ بالزوايا الضيّقة وتفاصيلها ، فهي الأجزاء الدقيقة التي يمكن أن تقدّم لفروع المعرفة الكثير. ولقد بدأ علي داود جابر ببلدته (شمع). وبجزئية منها تفيد الباحث في التاريخي الديني ، إذ المشهور بأن تسمية (شمع) تعود إلى (شمعون الصفا) المدفون فيها ، ويتمحور كتابه حول النبي شمعون الصفا أو (بطرس) ، فيعرض لنا كل ما استخلصه من المصادر ليدلّ إلى مركز هام في التاريخي الديني.

١٣

بعد أن قدّم لنا علي داود جابر نفسه وجذوره من خلال قريته العاملية. جال على المصادر منقّبا ، مفتشا ، باحثا أو (مبحبشا) فلملم مجموعات من المعلومات المنثورة هنا وهناك ، وثّقها ... أسندها ... وتركها دون تدخّل ، وإنما حفظ مصادرها بتواريخها وصيغها التي وردت ، مع توثيق شعراء كلّ عهد من العهود التي عاد إليها ، مسلّطا إضاءات قيّمة ، وكأنه يرسم لنا بصورة عابرة الحالة الاجتماعية لكل شاعر من خلال الخبر ، ثم الحالة الأدبية ، ليترك لنا الاستزادة بالجمع والإدراك والاستنتاج وفهم المرحلة والبيئة.

ولا يسعني في النهاية إلا أن أشدّ على يديه. وأستزيده الإنتاج ، مما عنده من شعر وتفاصيل في حياة الشعراء يغني تراثنا الأدبي والاجتماعي ، ممّا يحدو بنا أن نحسّ بمسؤولية تجاهه.

حسين شرف الدين

٩ / ١ / ٢٠٠٥

١٤

قبيلة عاملة

في العصر الجاهلي

١٥
١٦

أولا : هجرة قبيلة عاملة

في القرن الثاني قبل ميلاد السيد المسيح عليه‌السلام ، أي ما بين عامي ١٤٥ و ١١٥ ق. م ، انهار سدّ مأرب في اليمن ، وانهارت معه ـ بالتالي ـ الحضارة السبئية ، ما أدّى إلى هجرة جماعية للقبائل العربية باتجاهات مختلفة. «وتمزّقوا في الأرض بعد انهياره» (١). فكيف حدث ذلك؟

١ ـ انهيار سدّ مأرب وهجرة قبيلة عاملة :

تميّزت بلاد سبأ في اليمن بسد مأرب الشهير ، بحيث أن الماء كان يأتي أرضهم من أماكن متعددة ، ويجتمع وراء السدّ بين جبلين عظيمين ، ومن هذه المياه كانت كلّ قرية من قراهم الثلاث عشرة تسقي زرعها وبساتينها ، إذ كانت لهم بساتين متّصلة عن يمين بلادهم وشمالها ، وكان من كثرة النعم عندهم أن المرأة كانت تمشي والمكتل على رأسها فيمتلىء بالفواكه من غير أن تمسّ بيدها شيئا.

فلما كذّبوا رسلهم وتركوا أمر ربهم ، بعث الله جرذا نقبت ذلك الردم ،

__________________

(١) اليمن عبر التاريخ : شرف الدين ، ص ١٢٧ ، اليمن الكبرى : الويسي ، ص ٢٣٤ ، اليمن وحضارة العرب : ترسيس ، ص ٦٦ ، تاريخ حضارة اليمن القديم : ص ٩٠.

١٧

وفاض الماء عليهم ، فأغرق بلادهم ، وخرّب ديارهم ، وذهب بأموالهم ، وأبدلهم مكان جنّتهم جنّتين ذواتى خمط وأثل وشيء من سدر قليل. وتفرّقوا في البلاد ، حتّى ضرب بهم المثل «تفرّقوا أيادي سبأ». وهو ما رواه تعالى عنهم في سورة سبأ : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ ... فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ... وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً ... وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)(١).

وممّن تفرّق في البلاد قبيلة عاملة بن سبأ.

٢ ـ نسب قبيلة عاملة :

تعود قبيلة عاملة في نسبها إلى سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، وهو ما أجمع عليه النسّابون العرب. يقول ابن عبد ربه المتوفى سنة ٣٢٨ ه‍ : «عاملة هم بنو الحارث بن عدي بن الحارث بن مرّة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ» (٢).

وقال ابن الأثير : «والصحيح أن عاملة ولد الحارث بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، يجتمع عاملة وكندة في عدي بن الحارث» (٣)

وجاء في كتاب الأنساب للسمعاني : «روي عن فروة ابن مسيك أنه قال : أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : أخبرني عن سبأ ، أرجل هو أم امرأة.

__________________

(١) سورة سبأ ، الآيات : ١٥ ـ ١٩.

(٢) العقد الفريد : ج ٣ ، ص ٣٦٧ ، الاشتقاق : ص ١٥٨ وص ٣٧٣ ، البداية والنهاية : ج ٢ ، ص ١٩١ ، تاج العروس : ج ٨ ، ص ٣٥ ، الأعلام : ج ٣ ، ص ٢٥٦.

(٣) اللباب : ج ٢ ، ص ٣٠٧.

١٨

فقال : «هو رجل من العرب. ولد عشرة ، تيامن (١) منهم الأزد وكندة ومذحج والأشعرون وأنمار وبجيلة ، وتشاءم (٢) منهم عاملة وغسان ولخم وجذام. وهم الذين أرسل عليهم سيل العرم. وذلك أن الماء يأتي أرض سبأ من أودية اليمن. فردموا ردما بين جبلين ، وحبسوا الماء ، وجعلوا في الردم ثلاثة أبواب ، بعضها فوق بعض ، وكانوا يسقون من الباب الأعلى ثمن من الثاني ثم من الثالث. فأخصبوا ، فلمّا كذّبوا رسولهم بعث الله جرذا نقبت الردم حتّى انتقض. فدخل الماء جنّتهم فغرّقها ، ودفن السيل بيوتهم» (٣).

وقد اختلف في عاملة ، أرجل هو أم امرأة؟

أجمع أغلب المؤرخين على كون عاملة رجلا لا امرأة ، يقول الهمداني : «فأولد عدي بن الحارث عفيرا ومالكا وهو لخم ، وعمرا وهو جذام ، والحارث وهو عاملة وأمهم رقاش بنت همدان (٤).

ويقول ابن خلدون : «وأما عاملة واسمه الحرث بن عدي وهم إخوة لخم وجذام ، وهم بطن متّسع ومواطنهم ببرية الشام» (٥).

إذا ، فالحارث وهو عاملة وأمه رقاش بنت همدان ، وتسمّت ذريته باسمه ، لكن ابن عبد ربه يحتمل أن تكون عاملة منسوبة إلى عاملة بنت

__________________

(١) تيامن : سكن اليمن.

(٢) سكن الشام.

(٣) الأنساب : ج ١ ، ص ٢٤ و ٢٥ ، الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ٢٠ ، مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٠٩ ، المنتظم : ج ١ ، ص ٢٤٩ ، شروح سقط الزند : ج ٥ ، ص ١٩٨٦ ، البداية والنهاية : ج ٢ ، ص ١٩٢ ، العبر وديوان : ج ٢ ، ص ٥٧.

(٤) الإكليل : ص ٣١ و ٣٢ ، جمهرة أنساب العرب : ص ٤١٩.

(٥) العبر وديوان : ج ٢ ، ص ٥٣٦ ، قلائد الجمان : ص ١٠٦.

١٩

مالك بن ربيعة بن قضاعة أو إلى الحارث نفسه (١) ، ويعتبر أبو الفرج الأصفهاني أنّ عاملة تنسب إلى أمّ لهم هي عاملة بنت وديعة من قضاعة ، يقول : «الحارث وهو عاملة بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد ، وأمّ معاوية بن الحارث عاملة بنت وديعة من قضاعة ، وبها سموا عاملة ...» (٢).

ثانيا : عاملة في جبل الجليل

١ ـ في الحيرة والبلقاء

قبل نزول عاملة في جبل الجليل ، حلّ فرع منها في الحيرة ، وذلك يظهر من رواية لابن الكلبي في حديثه عن شمر مرعش ، يقول : «وأنه شخص من اليمن غازيا ومرّ بالحيرة ، فتحيّر عسكره هناك فسميّت الحيرة ، وخلّف قوما من الأزد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة» (٣).

ويبدو أن هذه القبيلة وعلى أثر تهدّم سدّ مأرب سنة ١١٥ قبل الميلاد ، قد ألقت رحلها في الجنوب الشرقي من البحر الميت في أرض البلقاء (٤). غير أنّها لم تثبت مكانها بل امتدّت شمالا ، وحلّت في جبل الجليل الذي دمغته باسمها ، فأصبح يطلق عليه اسم جبل عاملة أو جبل بني عاملة.

__________________

(١) العقد الفريد : ج ٣ ، ص ٣٦٧ ، جمهرة أنساب العرب : ص ٤١٩.

(٢) الأغاني : ج ٩ ، ص ٣٠٠ ، وجاراه في هذا الرأي ابن الأثير في كتابه اللباب ج ٢ ، ص ٣٠٧.

(٣) تاريخ الطبري : ج ١ ، ص ٤٠٠ ، العبر وديوان المبتدأ والخبر : ج ٢ ، ص ٩٩ وص ٤٩٦ ، المنتظم : ج ١ ، ص ٤١٥ ، ويذكر جواد علي أن نزولهم بالحيرة كان بعد حكم بلقيس ، راجع تاريخ العرب قبل الإسلام ج ١ ، ص ٥٤٧.

(٤) منطلق الحياة الثقافية : ص ٤٣ ، نقلا عن :

Encyclopedie de l\'Islame) N. E (A, ١, ٠٣٣

٢٠