الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

علي داود جابر

الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

المؤلف:

علي داود جابر


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٠

فإذا عزمت على الرحيل تركتني

رهن البلى ومجاور الأموات

وقال وقد عمل مصيدة من رحى عملها لنمس كان قد أفسد عليه خلايا النحل :

ومقشعرّ الجلد مزورّ الحدق

لا يرهب الليل إذا الليل غسق

مستتر حتّى إذا النجم بسق

عدا على النحل فآذى وفسق

وفتّح الأبواب منها وخرق

وكسّر الأصنام منها ومحق

سقّطه بمستدير كالطبق

كضغطة القبر إذا القبر انطبق

فما استقرّت فوقه حتّى اختنق

من صخر حوران شديد المتّسق

من لج في البحر تغشاه الغرق

أو سارع الدهر إلى الحتف التحق

وقال وقد كبس بيته وأخذت كتبه (١) :

لئن كان حمل الفقه ذنبا فإنني

سأقلع خوف الحبس عن ذلك الذنب

وإلّا فما ذنب الفقيه إليكم

فيرمى بأنواع المذمّة والسب

إذا كنت في بيتي فريدا عن الورى

فما ضرّ أهل الأرض رفضي ولا نصبي

أوالي رسول الله حقا وصنوه

وسبطيه والزهراء سيدة العرب

على أنّه قد يعلم الله أنني

على حبّ أصحاب النبي انطوى قلبي» (٢)

وعندما تشيّع محمد بن أرغون بن أبغا بن هولاكو ، المعروف ب «خدابندا» على يد العلامة الحلي ، وكان صاحب العراق وأذربيجان وخراسان ، قال جمال الدين إبراهيم بن الحسام العاملي. وكان في قريته مجدل سلم يمدحه شعرا :

__________________

(١) سياسة مصادرة المكتبات الشيعية في جبل عامل وإحراقها ، سياسة قديمة ، توارثها الخلف عن السلف ، فالمماليك سنوا هذه السنة السيئة وتبعهم الجزار وبنو عثمان وغيرهم.

(٢) أعيان العصر : ج ١ ، ص ١٠٧ ـ ١١٠ ، الوافي بالوفيات : ج ٦ ، ص ٧٩ ـ ٨٢.

٤٢١

أهدي إلى ملك الملوك دعائي

وأخصّه بمدائحي وثنائي

وإذا الورى والوا ملوكا غيره

جهلا ففيه عقيدتي وولائي

هذا خدابندا محمد الذي

ساد الملوك بدولة غراء

ولقد نشرت العدل حتّى أنه

قد عمّ في الأموات والأحياء

فليهن دينا أنت تنصر ملكه

وطبيبه الدّاري بخسم الدّاء

وبسطت فيه بذكر آل محمد

فوق المنابر ألسن الخطباء

وغدت دراهمك الشريفة نقشها

باسم النبي وسيد الخلفاء

ونقشت أسماء الأئمّة بعده

أحسن بذاك النقش والأسماء

ولقد حفظت عن النبي وصية

ورفعت قرباه على القرباء

فابشر بها يوم المعاد ذخيرة

يجزيكها الرحمن خير جزاء

يابن الأكاسرة الملوك تقدّموا

وورثت ملكهم وكلّ علاء (١)

توفى شيخنا إبراهيم بن الحسام سنة ٧٣٦ ه‍ كما قال ابن فضل الله (٢).

رابعا : جبل عامل من [٧٤٤ ـ ٧٨٥ ه‍] [١٣٤٣ ـ ١٣٨٣ م]

١ ـ صيدا [٧٤٤ ـ ٧٧٠ ه‍] [١٣٤٣ ـ ١٣٦٨ م]

قبل سنة ٧٤٤ ه‍ ولي الأمير تنكز الأمير بهادر الدواداري واليا على صيدا ومنطقتها ، فأقام فيها فترة من الزمن يخدم الناس ، وخصوصا العسكر الصفدي الذي كان يحضر في كلّ شهر إلى صيدا ، واستمرّ واليا عليها إلى سنة ٧٤٤ فعزل عنها (٣).

__________________

(١) الشعور بالعور : ص ٢٠٤ ، ٢٠٥

(٢) أعيان العصر : ج ١ ، ص ١٠٨.

(٣) المصدر السابق : ج ٢ ، ص ٦٦.

٤٢٢

وفي سنة ٧٥١ ه‍ مات فيها ناصر الدين الحسين بن الخضر بن محمد التنّوخي ، ويعرف بابن أمير الغرب ، وكان جوادا كثير الخدمة لمن يتوجّه إلى تلك النواحي (١).

وفي سنة ٧٥٢ ه‍ أعاد المماليك بناء البرج الكبير فيها ، بعد أن كان دمّره الأمير الشجاعي سنة ٦٩٠ ه‍ ، ويؤكّد ذلك ما جاء في اللوحة الرخامية التي تعلو نافذة البرج ، وجاء فيها : «بسم الله الرحمن الرحيم أنشأ هذا الحصن السعيد المقرّ الكريم العالي المولوي العادلي العالمي ، جلبان الظاهري أنصاره على نية الغزاة في سبيل الله تعالى سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة» (٢).

وفي سنة ٧٥٣ ه‍ استقر في نيابة صفد الأمير شهاب الدين أحمد بن علي بن صبح ولحق التعميرة على جزيرة صيدا (٣).

وفي سنة ٧٥٧ ه‍ أغار الفرنج ومن تبعهم من المسلمين الفجّر على مدينة صيدا وغيرها من بلاد الساحل ، واستباحوا المدينة وقصدوا نبع ماء فيها ليشربوا فمنعهم المسلمون ، فارتحلوا عطاشا بعد أن قتل منهم بضع وثلاثون (٤).

وفي شهر ذي القعدة سنة ٧٧٠ ه‍ ، وصل إلى صيدا عدّة من مراكب الإفرنج فحاربوا المسلمين ورجعوا خائبين. ق

__________________

(١) دول الإسلام : ج ١ ، ص ١١٨.

(٢) دليل معالم صيدا الإسلامية : ص ٩٨.

(٣) تاريخ بيروت : ص ٢٨ ، ٢٩ ، هو أحمد بن علي بن الحسن بن صبح ، كان والي الولاة في بلاد صفد ، اعتقل سنة ٧٥١ ، واستقرّ في نيابة صفد سنة ٧٥٣ راجع : الوافي بالوفيات : ج ٧ ، ص ٢٥٣.

(٤) السلوك : ج ٣ ، ص ٢٨ ، دول الإسلام : ج ١ ، ص ١٥١.

٤٢٣

٢ ـ حضور أهل جزّين مأتم درزي [٧٨٣ ه‍ / ١٢٨١ م]

يذكر صالح بن يحيى أن أهل جزّين حضروا مأتم الأمير شهاب الدين أحمد بن صالح المتوفّى عام ٧٨٣ ه‍ ، ما يدلّ على علاقة متينة كانت تربط بين الأمراء التنوخيين وأهل جزّين الشيعة ، يقول : «وحضروا أهل جزّين في يوم عزاه قبل دفنه» (١).

٣ ـ صيدا [٧٨٥ ه‍ / ١٣٨٣ م]

يتحدّث العسقلاني في حوادث سنة ٧٨٥ ه‍ عن دخول الفرنج إلى صيدا ، فيقول : «وكان الفرنج قد دخلوا صيداء فوجدوا المسلمين قد نذروا [كذا] بهم فأحرزوا أموالهم وأولادهم بقرية خلف الجبل ، فوجد الفرنج بعض أمتعتهم فنهبوها وأخذوا ما وجدوا من زيت وصابون وأحرقوا السوق» (٢).

فخرج إليهم عسكر الشام بقيادة إينال اليوسفي ، وجرت هناك وقعة ثم انكسورا وقتل منهم جماعة (٣).

خامسا : الشيخ الشهيد الأول محمد بن مكّي العاملي الجزّيني [٧٨٦ ه‍ / ١٣٨٤ م]

هو الشيخ شمس الدين محمد ابن الشيخ جمال الدين مكي ابن الشيخ شمس الدين محمد بن حامد بن أحمد المطلبي (٤) العاملي النباطي الجزّيني ، أبو عبد الله المعروف بالشهيد الأول.

__________________

(١) تاريخ بيروت : ص ١٩١ ، التنّوخيون : ص ١٥٣.

(٢) إنباء الغمر : ج ٢ ، ص ١٢٧ ، ١٢٨ ، دول الإسلام : ج ١ ، ص ٣٣٠.

(٣) دول الإسلام : ج ١ ، ص ٣٣٠.

(٤) المطلبي : نسبة إلى المطلب أخي هاشم.

٤٢٤

كان عالما ماهرا فقيها محدثا مدققا ثقة متبحّرا كاملا جامعا لفنون العقليات والنقليات ، زاهدا ، عابدا ورعا شاعرا أديبا منشئا (١).

ولد سنة ٧٣٤ ه‍ في جزّين عرين الشيعة آنذاك ، وقرأ أولا على علماء جبل عامل ، ثم هاجر إلى العراق سنة ٧٥٠ ه‍ وعمره ست عشرة سنة ، فقرأ على فخر المحققين في داره بالحلّة وأجازه سنة ٧٥١ ه‍ ، وأجازه ابن نما وابن معية والمطارباذي ، وبقي في العراق خمس سنين ثم رجع إلى جبل عامل وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، وزار مكّة والمدينة وبغداد وبيت المقدس ومقام إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، وروى عن أربعين شيخا من شيوخ العامة في هذه المدن (٢).

ويظهر أنّه كان يتردّد كثيرا إلى دمشق ، ولعلّه كان فيها في ذلك العصر عدد كبير من الشيعة. كان يذهب لتعليمهم وإرشادهم ، وقد ألف كتابه اللّمعة الدمشقية فيها.

١ ـ تلاميذه في القراءة والإجازة

كانت جزّين في زمن الشهيد الأول قصبة محشوة بالسكان ، وفيها جامع كبير ومنارة رفيعة (٣) ، وقد أطلق عليها بلاد المياذنة لكثرة ما فيها من المآذن ، وفي هذه المدينة أنشأ الشهيد الأول مدرسة علمية هي أشبه بالمجمع العلمي ، وأمّها الكثير من العلماء للاستزادة من علومها المختلفة ، وتخرج منها عدد وافر من العلماء والفقهاء الذين نشروا العلم وأنشأووا

__________________

(١) أمل الآمل : ج ١ ، ص ١٨١.

(٢) أعيان الشيعة : ج ١٠ ، ص ٥٩.

(٣) جبل عامل بين (١٥١٦ ـ ١٦٩٧) ص ١٢٧.

٤٢٥

المدارس في أنحاء جبل عامل ، ومن تلاميذه فيها : ولده رضي الدين محمد ، وولده ضياء الدين علي ، وولده جمال الدين الحسن ، وابنته فاطمة ست المشايخ ، وزوجته أم علي ، والسيد حسن بن أيوب الأطراوي العاملي ، والشيخ محمد بن نجدة الشهير بابن عبد العالي ، والشيخ محمد بن عبد العلي الكركي وغيرهم.

٢ ـ مؤلفاته

لشيخنا مؤلفات جمّة نذكر منها :

١ ـ الباقيات الصالحات : أورده بتمامه الشيخ إبراهيم الكفعمي في مصباحه (١).

٢ ـ التكليفية : رسالة مبسوطة تاريخها ١١ جمادى الأولى سنة ٧٦٩ ه‍ (٢).

٣ ـ الدروس الشرعية في فقه الإمامية : شرع فيه سنة ٧٨٠ ه‍ ، وفرغ من جزئه الأول في ١٢ ربيع الثاني سنة ٧٨٤ وأدركته الشهادة قبل إتمامه (٣).

٤ ـ ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة : فرغ منه في ٢١ صفر سنة ٧٨٤ ه‍ (٤).

٥ ـ غاية المراد في شرح نكت الإرشاد (٥).

__________________

(١) الذريعة : ج ٣ ، ص ١٢.

(٢) المصدر السابق : ج ٤ ، ص ٤٠٨.

(٣) المصدر السابق : ج ٨ ، ص ١٤٥.

(٤) المصدر السابق : ج ١٠ ، ص ٤٠.

(٥) المصدر السابق : ج ١٦ ، ص ١٧.

٤٢٦

٦ ـ القواعد والفوائد في الفقه : مختصر مشتمل على تعليقات للشيخ أبي القاسم علي بن طي (١).

٧ ـ اللمعة الدمشقية : ألفها بدمشق في سبعة أيام ، وكان تصنيفها لسلطان خراسان شمس الدين الآوي سنة ٧٨٢ ه‍ أي قبل شهادته بأربع سنين (٢).

٣ ـ شعره :

ترك الشهيد الأول أشعارا كثيرة ، منها قوله في المناجاة :

عظمت مصيبة عبدك المسكين

في نوعه من مهر حور العين

الأولياء تمتّعوا بك في الدجى

بتهجّد وتخشع وحنين

فطردتني عن قرع بابك دونهم

أترى لعظم جرائمي سبقوني

أوجدتهم لم يذنبوا فرحمتهم

أم أذنبوا فعفوت عنهم دوني (٣)

وله قصيدة طويلة في العرفان والأخلاق والتقوى وذم طريقة المتصوّفة منها :

بالشوق والذوق نالوا عزّة الشرف

لا بالدلوف ولا بالعجب والصلف

ومذهب القوم أخلاق مطهّرة

بها تخلّقت الأجساد في النطف

ليس التصوّف عكازا ومسبحة

كلا ولا الفقر رؤيا ذلك الشرف (٤)

ومن شعره أيضا ، قوله :

إذا العلوي تابع ناصبا

لمذهبه فما هو من أبيه

__________________

(١) الذريعة : ج ١٧ ، ص ١٩٣.

(٢) المصدر السابق : ج ١٨ ، ص ١٠٨.

(٣) أمل الآمل : ج ١ ، ص ١٨٢ ، شهداء الفضيلة : ص ٨٨ ، روضات الجنات : ج ٧ ، ص ١٠.

(٤) أعيان الشيعة : ج ١٠ ، ص ٦٣ ، شهداء الفضيلة : ص ٨٩.

٤٢٧

فإن الكلب خير منه طبعا

لأن الكلب طبع أبيه فيه (١)

٤ ـ حوار مع ابن جماعة

جرى يوما بين الشهيد الأول وابن جماعة كلام في بعض المسائل وكانا متقابلين ، وبين يدي الشهيد محبرة ، وكان ابن جماعة رجلا بادنا ، وأمّا الشهيد فإنّه كان صغير الجثّة ، فقال له ابن جماعة وهو يريد تحقيره : إنّي لا أحسّ إلّا صوتا من وراء الدواة ، ولا أفهم ما يكون معناه ، فأجابه الشيخ قائلا : نعم ابن الواحد لا يكون أعظم من هذا فخجل ابن جماعة ، وامتلأ منه غيضا وحقدا إلى أن فعل به ما فعل (٢).

٥ ـ خبر اليالوشي [٧٨٤ ه‍ / ١٣٨٢ م]

ومما عرف عن الشهيد رحمه‌الله أنّ رجلا مشعوذا ظهر في جبل عامل وادّعى النبوة واسمه محمد اليالوشي من قرية تسمّى برج يالوش ، فحاربه الشهيد ، وقضى عليه في سلطنة برقوق [٧٨٤ ه‍] ، ويقال إنّه كان من تلامذة الشهيد ، فوقع بيد الشهيد كتاب شعوذة فسلّمه إليه ليتلفه ، فأخذه وغاب ثم رجع وأخبره بإتلافه كاذبا وأخفاه عنده ، وتعلّم منه الشعوذة وعمل به حتّى ادّعى النبوّة (٣).

٦ ـ سبب قتله وكيفيته وتاريخه

جاء في كتاب لؤلؤة البحرين : «كان سبب حبسه أن وشى به تقي الدين الجبلي أو الخيامي بعد ارتداده وظهور إمارة الارتداد منه وإنه كان عاملا [عامليا] ثم بعد وفاة هذا الفاجر قام على طريقه شخص اسمه يوسف بن يحيى وارتدّ عن مذهب الإمامية وكتب محضرا يشنّع فيه على الشيخ شمس

__________________

(١) أعيان الشيعة : ج ١٠ ، ص ٦٣.

(٢) شهداء الفضيل : ص ٨٥.

(٣) أعيان الشيعة : ج ١٠ ، ص ٦٠.

٤٢٨

الدين محمد بن مكي رحمه‌الله بأقاويل شنيعة ومعتقدات فظيعة ، وأنّه كان أفتى بها الشيخ محمد بن مكّي رحمه‌الله تعالى ، وكتب في ذلك المحضر سبعون نفسا من أهل الجبل ممّن كان يقول بالإمامة والتشيّع وارتدّوا عن ذلك ، وكتبوا خطوطهم تعصبا مع ابن يحيى في هذا الشأن ، وكتب في هذا ما ينيف على الألف من أهل السواحل المتسننين ، وأثبتوا ذلك عند قاضي بيروت ، وقيل قاضي صيدا ، وأتوا بالمحاضر إلى القاضي عباد بن جماعة بدمشق» (١).

هذا العمل أدّى إلى حبس الشهيد في قلعة دمشق في دولة بيدمر وسلطنة برقوق سنة ٧٨٥ ، فقام أثناء حبسه بإرسال قصيدة إلى بيدمر يقول فيها :

يا أيّها الملك المنصور بيدمر

بكم خوارزم والأقطار تفتخر

إنّي أراع بكم في كلّ آونة

وما جنيت لعمري كيف اعتذر

لا تسمعنّ فيّ أقوال الوشاة فقد

باؤوا بوزر وإفك ليس ينحصر

والله والله إيمانا مؤكّدة

إنّي بريء من الإفك الذي ذكروا

عقيدتي مخلصا حبّ النبي ومن

أحبّه وصحاب كلّهم غرر (٢)

وبقي بالسجن سنة كاملة إلى أن أفتى القاضي برهان الدين المالكي والقاضي عباد بن جماعة الشافعي بقتله في التاسع من جمادى سنة ٧٨٦ ه‍ فألبسوه اللباس ، وقتل بالسيف ثم صلب ثم رجم ثم أحرق برحبة القلعة أو تحتها بدمشق (٣) ، يقول ابن قاضي شهبة المتوفى سنة ٨٥١ ه‍ : «وفي

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ص ١٤٦ ، ١٤٧ ، أعيان الشيعة : ج ١٠ ، ص ٦٠ ، والقصيدة أطول من هذا.

(٢) أعيان الشيعة : ج ١٠ ، ص ٦١.

(٣) أمل الآمل : ج ١ ، ص ١٨٢ ، هداية العارفين : ج ٦ ، ص ١٧١ ، تكملة أمل الآمل : ص ٣٦٨ ، روضات الجنّات : ج ٧ ، ص ٣ ـ ٢١.

٤٢٩

عاشره (١) عقد مجلس للشمس محمد بن مكّي العراقي الأصل المقيم بقرية جزّين ، وكان له في السجن مدّة ، وأثبت في حقّه محضر عند قاضي بيروت يتضمّن رفضه وإطلاقه في عائشة وأبيها وعمر ـ رضي‌الله‌عنهم ـ عبارات منكرة بل مكفرة على ما أفتى به جماعة من الشافعية والحنفية وغيرهم ، فاجتمع القضاة والعلماء بدار السعادة ، وادّعى عليه عند القاضي المالكي ، فأنكر أن يكون قال شيئا من ذلك ، فتوقّف المالكي توقفا زائدا فقدّر أنّهم استدرجوا ابن مكّي حتّى اعترف وأقرّ ظنا منه أن ذلك ينفعه ، ثم أتى بكلمتي الشهادتين. فسئل المالكي حينئذ الحكم بكفره وإراقة دمه ، فقال : حتّى تفتوا بزندقته بما وقع منه ، فأفتى بذلك المالكية وبعض الشافعية ... فأخرج إلى تحت القلعة فضربت عنقه بعد أن صلّى ركعتين وأتى بكلمة الشهادة ... قال ابن حجّي : ولم يظهر منه جزع ولا خوف ، نسأل الله العافية ، قال : وهو مشهور بالرفض» (٢).

سادسا : جبل عامل عند القلقشندي

في بداية القرن التاسع ، تحدّث القلقشندي المتوفّى سنة ٨٢١ ه‍ عن جبل عامل ، فذكر :

١ ـ جبل عامل

قال : «جبل عاملة وهو جبل ممتد شرقي ساحل بحر الروم وجنوبيّة ،

__________________

(١) الصحيح تاسعه.

(٢) تاريخ ابن قاضي شهبه : ص ١٣٤ ، ١٣٥ ، وقد ساق أمثال ابن قاضي شهبة التهم في سبب قتله واختلفوا في ذلك ، فقال ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة ٨٥٢ ه‍ : «وفيها قتل محمد بن مكّي الرافضي بدمشق بسبب ما شهد به عليه من الانحلال ، واعتقاد مذهب النصرانية واستحلال الخمر الصرف» راجع إنباء الغمر : ج ١ ، ص ٣١١ ، أقول : السبب في قتله تشيّعه لأهل البيت عليهم‌السلام ، وما هذه الافتراءات وغيرها بأصعب من قتل مولاه شهيد كربلا عليه‌السلام.

٤٣٠

حتّى يقرب من مدينة صور ، وعليه شقيف أرنون ، نزله بنو عاملة بن سبأ من عرب اليمن ، عند تفرّقهم بسيل العرم فعرف بهم» (١).

٢ ـ صفد

اعتبر القلقشندي صفد في جبال عاملة ، فقال : «وهي من جند الأردن ، وحدها من الشمال نهر ليطا ، وحدها من الغرب البحر ... وقد ذكر لها في مسالك الأبصار أحد عشر عملا» (٢).

٣ ـ تبنين وهونين

قال : «هما حصنان بنيا بعد الخمسماية بين صور وبانياس بجبل عاملة ، وأهل هذا العمل شيعة رافضة» (٣).

٤ ـ صور

قال : «عمل صور ... وبناؤها من أعظم أبنية الدنيا ، وكانت من أحصن الحصون التي على ساحل البحر فلمّا فتحها المسلمون في سنة تسعين وستمائة مع عكّا خربوها خوفا أن يتحصّن بها العدو وهي خراب إلى الآن ... وبصور كنيسة يقصدها ملوك من البحر عند تمليكهم فيملكون ملوكهم بها إذ لا يصحّ تمليكهم إلّا منها. قال : وشرطهم أن يدخلوها عنوة ، ولذلك لا يزال عليها الرقبة ومع ذلك يأتونها مباغتة فيقضون أربهم منها ثم ينصرفون وسكّان هذا العمل رافضة لا يشهدون جمعة ولا جماعة» (٤).

__________________

(١) صبح الأعشى : ج ٤ ، ص ٨٦ ، وجبل عامل شرقي البحر المتوسط وليس جنوبيه.

(٢) المصدر السابق : ج ٤ ، ص ١٤٩.

(٣) المصدر السابق : ج ٤ ، ص ١٥٠.

(٤) المصدر السابق : ج ٤ ، ص ١٥٣ ، فإذا كان عالم الشيعة قد اتّهم بأنه نصراني ويحلّل الخمر فما بالك وموقفهم من عوام الناس؟!.

٤٣١

٥ ـ شقيف أرنون وشقيف تيرون

قال : «عمل الشقيف ... ويعرف بشقيف أرنون ، وهو اسم رجل أضيف الشقيف إليه ، ويعرف أيضا بالشقيف الكبير ، وهو حصن بين دمشق والساحل بعضه مغارة منحوتة في الصخر ، وبعضه له سور وهو في غاية الحصانة وعلى القرب منه شقيف آخر يعرف بشقيف تيرون وهي قلعة حصينة من جند الأردن على مسيرة يوم من صفد في سمت الشمال وليست من بلاد صفد ، وأهل هذا العمل رافضة» (١).

٦ ـ صيدا

تحدّث عن صيدا واعتبرها من أعمال دمشق الشمالية فقال : «عمل صيدا ... وهي مدينة بساحل البحر الرومي ... ذات حصن حصين ... قال في الروض المعطار وبها سمك (٢) صغار له أيد وأرجل صغار إذا جفّف وسحق وشرب بالماء ، انعظ إنعاضا شديدا ... وهي ولاية جليلة واسعة العمل ممتدّة القرى تشتمل على نيف وستمائة ضيعة» (٣). ويتحدّث عن قلعتها فيقول : «تارة يليها أمير طبلخاناه (٤) وتارة أمير عشرة (٥) ، والغالب في نيابتها أن تكون تقدمة ألف ، وبقلعتها بحرية وخيالة وكشافة وطوائف من المستخدمين» (٦).

__________________

(١) صبح الأعشى : ج ٤ ، ص ١٥٤.

(٢) يقصد سمك عين تول بالقرب من النبطية والتي ذكرت في مجربات ابن سينا.

(٣) المصدر السابق : ج ٤ ، ص ١١١.

(٤) طبلخاناه : معناه بيت الطبل.

(٥) أمراء العشرة : عدّة كل منهم عشرة فوارس.

(٦) المصدر السابق : ج ٤ ، ص ٢٠٢ ..

٤٣٢

سابعا : بنون بشارة وحكمهم لجبل عامل

بعد وفاة أمير الأمراء حسام الدين بشارة العاملي في سنة ٥٩٨ ه‍ ، لم يذكر لنا التاريخ أن أحدا من أبنائه أو أحفاده المباشرين قد حكم جبل عامل حتّى سنة ٧٨٣ ه‍ لتظهر من جديد معلومات تتحدّث عن عودة أحفاده إلى حكم بلادهم واستمرّ حكمهم لها إلى سنة ٩٠٩ ه‍ واحتفظت هذه البلاد باسمها الجديد «بلا بشارة» إلى جانب تسميتها جبل عامل ، يقول بولياك في في حديثه عنهم : «زعماء العشير في القرن الرابع عشر ولا يزال اسمهم يطلق اليوم على الأرض الواقعة في جنوبي الجمهورية اللبنانية والمعروفة ببلاد بشارة وأكثر سكّانها من الشيعيين» (١).

ويبدو أن هذه الفترة من حكمهم. كانت فترة تطوّر وازدهار للحالة العلمية والثقافية في جميع أنحاء هذا الجبل.

١ ـ أحمد بن بشارة العاملي [٧٨٣ ـ ٨١٠ ه‍] [١٣٨١ ـ ١٤٠٧ م]

هو أحمد بن بشارة العاملي ، جمال الدين ، عينه السلطان زين الدين قلاوون في سنة ٧٨٣ وزيرا في الشام ، يقول المقريزي في حوادث هذه السنة : «وكتب باستقرار ابن بشارة في نظر الشام على عادته» (٢). ويبدو من هذا النص أن ابن بشارة كان حاكما قبل هذه السنة وأن السلطان جدد له فترة حكمه.

وفي سنة ٧٨٧ ه‍ كان نائب وزير دمشق في نظر الجيش يقول

__________________

(١) الإقطاعية في : ص ٤٥ ، ٤٦ ، ويقول عنهم : «أهمّ الزعماء اللبنانيين في عهد سلاطين المماليك الأول بنو صبح أو بنو صبيح وبنو بشارة ، ثم يقول : «وقد يكون بنو بشارة وبنو صبيح من الشيعة».

(٢) السلوك : ج ٣ ، ص ٤٥٦.

٤٣٣

المقريزي : «واستقر جمال الدين بن بشارة وزير دمشق في نظر الجيش بها عوضا عن ناصر الدين بن مشكور» (١).

وفي سنة ٨٠٣ ه‍ استنجد نائب صفد دقماق المحمدي ، بالأمير شيخ المحمودي نائب طرابلس. وكان نازلا على مرج عيون فرجع إليه ، وركبا معا بمن معهما على متيريك فكسراه (٢).

وفي سنة ٨٠٦ ه‍ تبع الأمير شيخ الفرنج ، وقد ساروا إلى صيدا ... وقاتلوا أهلها ، فهاجمهم الأمير سيف وقت العصر ، وهم في البر ، فهزمهم إلى مراكبهم وساروا إلى بيروت (٣).

وفي سنة ٨٠٧ ه‍ استعدّ الأمير شيخ نائب الشام ، أن يهاجم صفد ، فخرج من دمشق ومعه جمع من عسكر مصر والشام ، حينئذ قصده أحمد بن بشارة العاملي بعشيره (٤).

ويبدو أن الخلاف قد دبّ بين ابن بشارة ونوروز الحافظي نائب الشام ، فاصطلح الأخير مع نائب طرابلس ، وتوجّها معا في سنة ٨١٠ ه‍ بعسكرهما إلى جبل عامل ونهبوه ، يقول العسقلاني : «وتوجّه الأميران بعسكرهما إلى بلاد ابن بشارة ، فأوسعوها نهبا ، وهرب ابن بشارة ، ثم قبض عليه نائب صفد» (٥) ولم يذكر لنا التاريخ زمن وفاته إلا أنه تخلّف بولدين هما حسن وحسين.

__________________

(١) السلوك : ج ٣ ص ٥٣٢.

(٢) المصدر السابق : ج ٣ ، ص ١٠٦٦.

(٣) المصدر السابق : ج ٣ ، ص ١١١٤ ، ١١١٥ ، إنباء الغمر : ج ٥ ، ص ١٣٣.

(٤) المصدر السابق : ج ٣ ، ص ١١٣٩ ، ١١٤٧ ، ويقول : «وقدم إليه ابن بشارة في عدّة من مشايخ العشير ، إنباء الغمر : ج ٥ ، ص ٢١٣ ، النجوم الزاهرة : ج ١٢ ، ص ٣٠٧.

(٥) إنباء الغمر : ج ٦ ، ص ٦٢ ، خطط الشام : ج ٢ ، ص ١٨١.

٤٣٤

٢ ـ حسن وحسين ومحمد بنو بشارة [٨١١ ه‍ / ١٤٠٨ م]

تذكر المصادر التأريخية أن أحمد بن بشارة قد أعقب ولدين هما :حسن وحسين وقد استمرا في حكم جبل عامل بعد والدهما. وفي الوقت نفسه تذكّر هذه المصادر شخصية ثالثة من آل بشارة ، هو محمد بن سيف بن عمر بن محمد بن بشارة الرافضي كما ترجمه العسقلاني (١) ، حكم إلى جانب حسن وحسين جبل عامل ، ما يوحي أن الثلاثة من أولاد العمومة.

وأوّل ذكر لهؤلاء كان في ٢ محرم سنة ٨١١ ه‍ عندما وقعت معركة الجاعونة ، فقد شاركوا فيها إلى جانب الأمير نوروز ، يقول المقريزي : «في ثانية برز الأمير نوروز من دمشق إلى قبّة يلبغا يريد صفد ، ثم رحل إلى سعسع. فأتاه الخبر بأن الأمير يكتمر شلق جمع لحربه ، ونزل الجاعونة ، فتقدّم إليه ومعه حسين ومحمد وحسن بنو بشارة ، واقتتلا ، فقتل بينهما جماعة ، وحرقت الزرع ، وخربت القرى ، ونهبت وسار نوروز إلى الرملة» (٢).

في ١٤ من شهر محرم سنة ٨١١ بلغ بنو بشارة أوج قوّتهم ، يقول المقريزي : «وفيه (٣) قدم أولاد بشارة في عشيرهم إلى وادي التيم في رابع عشره ، وعاثوا في معاملة صفد ، وقتلوا جماعة ، ونهبوا شيئا كثيرا ، فخرج إليهم عدّة من عسكر وقاتلوهم ، فقتلوا بأجمعهم (٤) ، واشتدّت وطأة بني بشارة على الناس ، وكتب ناصر الدين محمد ، وبدر الدين حسن ابنا بشارة

__________________

(١) إنباء الغمر : ج ٧ ، ص ٢١٦ ، أما السخاوي فيورد نسبه قائلا : «محمد بن سيف بن محمد بن عمر بن بشارة» راجع الضوء اللّامع : ج ٧ ، ص ٢٦٣.

(٢) السلوك : ج ٤ ، ص ٦٧.

(٣) محرم سنة ٨١١ ه‍.

(٤) يعني العسكر.

٤٣٥

إلى السلطان (١) يسألان في تقدمة العشير على عادتهما ، والتزما ما تحمل ثمانية آلاف دينار» (٢).

فأجاب السلطان فرج بن برقوق طلبهما ، وكتب مرسوما بذلك تاريخه ٢٦ جمادى الآخرة سنة ٨١١ ه‍ ، يقول المقريزي : «وفي سادس عشرينه ، كتب مرسوم باستقرار ناصر الدين محمد وبدر الدين حسن ابني بشارة في تقدمة العشير بمعاملة صفد ، على أن يحملا ثمانية آلاف دينار للسلطان ، ففرضا على أهل النواحي مالا كثيرا جبوه لأنفسهما ، ولم يصل منه شيء إلى السلطان» (٣).

٣ ـ الخلاف بين ابني بشارة : [٨١٨ ه‍ / ١٤١٥ م]

في شهر صفر سنة ٨١٨ ه‍ نشب خلاف بين بدر الدين حسن بن أحمد بن بشارة ، وناصر الدين محمد بن سيف بن عمر بن بشارة ، أدّى إلى انهزام الأخير وفراره إلى البقاع ثم إلى الزبداني ، يقول المقريزي : «وفيه استقرّ الأمير طوغان أمير أخور في نيابة صفد ، واستقرّ حسن بن بشارة في تقدمة العشير على ثلاثين ألف دينار ، يقوم بها للسلطان. وجهّز إلى كلّ منهما تشريفة من قلعة الجبل ، على يد يشبك الخاصكي ، فلبسه وقبل الأرض على العادة. ووكل يشبك بابن بشارة حتّى حمل ثلاثة عشر ألف دينار ، وأحيل عليه الأمير أرغون شاه الأستادار بالشام ، بعشرة آلاف دينار ، فغضب محمد بن بشارة ، وجمع على حسن واقتتلا ، فانكسر محمد وفر إلى البقاع ، ونزل بالزبداني ، خارج دمشق ، ومرّ على وجهه يريد العراق» (٤).

__________________

(١) السلطان زين الدين فرج بن برقوق.

(٢) السلوك : ج ٤ ، ص ٧٢.

(٣) المصدر السابق : ج ٤ ، ص ٧٧.

(٤) المصدر السابق : ج ٤ ، ص ٣٠٩.

٤٣٦

٤ ـ مقتل محمد بن بشارة [٨١٩ ه‍ / ١٤١٦ م]

بعد هذه الحادثة عاد محمد بن بشارة إلى جبل عامل ، وفي ربيع الأول سنة ٨١٩ ه‍ اشتدّ الغلاء بالرملة ونابلس ، واتّهم محمد بن بشارة بكثرة الفساد بمعاملة صفد (١) ، وفي شهر جمادى الآخرة سنة ٨١٩ ألقي القبض عليه ، يقول العسقلاني : «وفيه قبض على ابن بشارة الرافضي ، وهو محمد بن سيف بن عمر بن محمد بن بشارة ، وكان قد زاد إفساده في طريق الشام ، وقطع الطريق فحمل إلى دمشق» (٢).

ومن دمشق حمل إلى القاهرة ، ومات مقتولا بها ، وحشي جلده تبنا ، وحمل إلى صفد في ذي الحجّة سنة تسع عشرة (٣).

٥ ـ وفاة حسن بن أحمد بن بشارة [ت ٨٢٠ ه‍ / ١٤١٧ م]

في نهار السبت ١٥ جمادى الأولى سنة ٨٢٠ ، قصد الأمير بدر الدين حسن بن بشارة مقدم البلاد الصفدية غزّة بعد الأمان الذي أعطاه شيخ المحمودي الظاهري (٤). وبعدها بسبعة أشهر. أي في شهر ذي الحجّة من سنة ٨٢٠ ه‍ ومات الأمير بدر الدين حسن بن بشارة بجبال صفد كما صرّح المقريزي.

٦ ـ وفاة حسين بن أحمد بن بشارة [ت ٨٢٥ ه‍ / ١٤٢١ م]

قال الأسدي في ذيل العبر : في سنة ٨٢٤ في رمضان منها بلغني أن ابن

__________________

(١) إنباء الغمر : ج ٧ ، ص ٢١١.

(٢) المصدر السابق : ج ٧ ، ص ٢١٦ ، ٢١٧.

(٣) الضوء اللّامع : ج ٧ ، ص ٢٦٣.

(٤) السلوك : ج ٤ ، ص ٣٩٨.

٤٣٧

بشارة قد عمّر مدينة صور ، وجعل لها أسواقا ، ونقل إليها خلقا من الناس وحصنها (١).

وفي ٧ ذي الحجّة سنة ٨٢٥ ه‍ توفي حسين بن بشارة بالشام ، يقول السخاوي : «حسين بن أحمد مقدم العشير بالشام ، ويعرف بابن بشارة مات في سابع الحجّة سنة خمس وعشرين» (٢).

٧ ـ حادثة جسر بنات يعقوب [٨٢٧ ه‍ / ١٤٢٣ م]

في ١٢ صفر يوم السبت من سنة ٨٢٧ ه‍ ، حدثت واقعة بين الأمير تنبك نائب دمشق وسودون المولى عليها حديثا على جسر بنات يعقوب في المقاطعة الصفدية ، فشرعوا يترامون بالنشّاب نهارهم كلّه حتى حجز الليل بينهم ، وسار تنبك إلى جهة الصبية في انتظار ابن بشارة أن يأتيه بجموعه (٣) فمن هو ابن بشارة هذا الذي لم يذكر اسمه ابن تغري بردي؟ فلعلّه والد أيوب بن بشارة العاملي الآتي ذكره أو والد عبد الساتر بن بشارة الذي اتّخذ من بلدة شيحين مركزا لإمارته.

٨ ـ صور [٨٢٨ ه‍ / ١٤٢٤ م]

وفي شهر جمادى الأولى سنة ٨٢٨ ، هاجم الفرنج صور ، فتصدّى لهم أهلها ، يقول المقريزي : «وفيه قدّمت طائفة من الفرنج إلى صور من معاملة

__________________

(١) اللّمعات البرقية : ص ١٠٧ ، للبحث عن تاريخنا : ص ٢٠٧ ، وكان لابروكييرLa Brocquiere الرحالة الأوروبي قد زار صور قبل سنة ٨٣٦ ه‍ ، فوجدها قد بنيت خارج المدينة القديمة ، راجع منطلق الحياة الثقافية : ص ٧٢.

(٢) الضوء اللّامع : ج ٣ ، ص ١٣٨.

(٣) النجوم الزاهرة : ج ١٤ ، ص ٢٦٢.

٤٣٨

صفد ، فحاربهم المسلمون وقتلوا كثيرا منهم ، واستشهد من المسلمين نحو الخمسين رجلا» (١).

٩ ـ أيّوب بن بشارة العاملي

أيوب بن حسن بن محمد نجم الدين بن البد بن ناصر الدين بن بشارة العاملي ، مقدم العشير ببلاد صيدا ، تولّى هذه المهمة سنة ٨٤٩ ه‍ ، واستمرّ فيها ٤ سنوات ، وفي يوم السبت ١٢ شوال سنة ٨٥٣ ه‍ قبض عليه السلطان جقمق وحبسه ببرج القلعة بصيدا بتهمة الفساد ، يقول السخاوي : «وفي يوم السبت ثاني عشره (٢) قبض السلطان على النجم أيوب ابن بشارة مقدم العشير ببلاد صيدا وحبسه بالبرج من القلعة ، ثم بعد نحو شهرين وذلك في يوم الأربعاء رابع عشر ذي الحجّة ، وصل ناظر الجيش بالشام البدري حسن بن المزلق بعد أن كشف من بلاد صيدا عن أمره ، وأحضر معه عدّة محاضر (٣) تتضمّن نسبته لعظائم منها الجمع بين ثمان نسوة ، وأمره بقتل سبعة وعشرين نفسا أفتياتا [كذا] ، بل قتل بيده جماعة ، وأنّه استولى في مدّة مباشرته وهي نحو من أربع سنين على مائتي ألف دينار وسبعة عشر ألف دينار وأربعمائة دينار إلى غير ذلك ، فلمّا كان يوم الاثنين تاسع عشره (٤) رسم بتسميره فسمّر وطيف به القاهرة على جمل ثم وسط في يومه هو وآخر من أعوانه» (٥).

__________________

(١) السلوك : ج ٤ ، ص ٦٨٤.

(٢) يقصد ١٢ شوال.

(٣) ما لهذه المحاضر وزعماء هذا الجبل؟ فالقاعدة المتّبعة : كفّر تقتل ثم زور تقتل. فكأن القتل هو الأصل وحياة الإنسان هي الفرع بل دونه.

(٤) ويقول ابن تغري بردي : «في يوم تاسع عشر ذي الحجّة المذكور سمر نجم الدين أيّوب بن حسن بن محمد نجم الدين بن البدر بن ناصر الدين بن بشارة وطيف به ، ثم وسّط من يومة ووسط معه شخص آخر من أصحابه». النجوم الزاهرة : ج ١٥ ، ص ٤٠٤.

(٥) التبر المسبوك : ص ٢٦٨ ، الضوء اللّامع : ج ٢ ، ص ٣٣١ ، دول الإسلام : ج ٢ ، ص ٥٠ ، بدائع الزهور : ج ٢ ، ص ٢٧٦.

٤٣٩

ثم أطلق من السجن وعاد إلى صيدا (١) ، وفي سنة ٨٥٥ ه‍ بلغه أن جموعا من الفرنج في أكثر من عشرين مركبا أغاروا على مدينة صور ونهبوها. فأقبل مسرعا برجاله ، فقاتلهم وأجلاهم عن البلد ، وقبض على عدّة منهم ، وقطع رؤوسهم (٢).

ثم زار الديار المصرية ، ولم يلبث أن رجع إلى إمارته وكان شجاعا بطاشا ، توفي سنة ٨٦٥ ه‍ (٣).

ثامنا : الشيخ علي بن طي الفقعاني العاملي

[٨٥٥ ه‍ / ١٤٥١ م]

هو الشيخ علي بن علي بن جمال الدين محمد بن طي العاملي الفقعاني ، أبو القاسم. كان عالما فقيها مجتهدا أديبا شاعرا. وهو من أجلّة علماء عصره وفقهاء دهره ، ولعلّه من أسباط الشيخ محمد بن علي بن طي ، والفقعاني نسبة إلى فقعية ، قرية في ساحل صور من جبل عامل.

يروي عن جماعة من علماء عصره كالشيخ شمس الدين محمد العريضي عن السيد حسن بن أيوب العاملي عن السيد عميد الدين عن العلّامة ، والشيخ إسماعيل الرازاني تلميذ الشهيد الأول ، والشيخ ابن الحسام العاملي ، والشيخ ابن أبي جامع العاملي. ويروي عنه الشيخ محمد

__________________

(١) الأعلام : ج ٢ ، ص ٣٧ ، وهل هو الذي عاد أم آخر من أبناء بشارة؟ لا نستطيع الجزم بذلك.

(٢) خطط الشام : ج ٢ ، ص ١٨٩ ، الأعلام : ج ٢ ، ص ٣٧ ، نقلا عن حوادث الدهور : ج ١ ، ص ٥٣ ، ٥٦ ، ١٠٩.

(٣) الأعلام : ج ٢ ، ص ٣٧.

٤٤٠