الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

علي داود جابر

الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

المؤلف:

علي داود جابر


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٠

السنة نفسها ـ أي ٥٨٣ ه‍ ـ فنزل إلى الصرفند ، يقول الأصفهاني : «فصرفنا الأعنّة إلى صرفند ، وأسمنا (١) في مسارحها الجند. وهي مدينة لطيفة على الساحل ، مورودة المنهل ، ذات بساتين وأزهار ورياحين. وأشجار النارنج والأترنج ، تعرب مسرّاتها لجناتها عن أشجان الفرنج ، فجسنا خلالها ، وكل قلب مشغول خلالها ، وراقتنا وشاقتنا تلك الحالة والحلية. وقرّتنا بما اشتهينا من فواكهها تلك القرية» (٢).

٣ ـ فتح صيداء «[٥٨٣ ه‍ / ١١٨٧ م]

توجّه جيش صلاح الدين من صرفند إلى صيدا ، فنزلها يوم الأربعاء ٢١ جمادى الأولى سنة ٥٨٣ ، يقول الأصفهاني : «ولم نعرّج عليها حتّى خيّمنا على صيداء وقد حصلنا على صيدها ، وخلصنا من كيدها ، وانطلقت هممنا من قيدها. فقد جاءت رسل صاحبها. بمفاتيحها ، وأذهبنا ظلماتها من العزائم الغرّ بمصابيحها ... وفتحت أبوابها ، وأنجحت آرابها ، وعزّ مسلموها ، وذلّ مشركوها ... وأقيمت بها الجمعة والجماعة» (٣).

٤ ـ هلاك القومص ودخول المركيس إلى صور [٥٨٣ ه‍ / ١١٨٧ م]

لمّا انهزم القومص صاحب طرابلس في حطّين التجأ إلى مدينة صور وأقام بها ، فلمّا رأى صلاح الدين قد سيطر على تبنين وصيدا خاف أن يقصده إلى صور ، فتركها شاغرة لا مانع لها ولا عاصم من المسلمين ، يقول

__________________

(١) أسمنا : أرعينا.

(٢) الفتح القسي : ص ١٠٣ ، الروضتين : م ٢ ، ج ١ ، ص ٢٠٧ ، الكامل : ج ٧ ، ص ٣٣٠. يقول : فأخذها صفوا عفوا بغير قتال.

(٣) الفتح القسي : ص ١٠٣ ، الروضتين : م ٢ ، ج ١ ، ص ٢٠٧ ، الكامل : ج ٧ ، ص ٣٣٠.

٣٤١

الأصفهاني : «ولما عرف القومص قرب السلطان منها أخلاها وخلّاها ... لكنها تعوّضت عن القومص بالمركيس (١) ، كما يتعوّض عن الشيطان بإبليس ... وثبت في صور ونبت ، وجمع إليه من الفرنج من تشتت» (٢) ثم يقول : «وكان المركيس عند اشتغالنا بالقدس بإحكام صور مشتغلا ، وعلى الاستهتار بتحصينها مشتغلا. وقد استجدّ قدّامها من البحر إلى البحر خندقا ، وجعل الطريق إليها مضيقا» (٣) ..

٥ ـ حصار صور [٥٨٣ ه‍ / ١١٨٧ م]

رحل صلاح الدين من عكا ، فوصل إلى صور في ٩ رمضان سنة ٥٨٣ ه‍ ، يقول ابن الأثير : «فنزل على نهر (٤) قريب من البلد بحيث يراه ، حتّى اجتمع الناس وتلاحقوا ، وسار في الثاني والعشرين من رمضان ، فنزل على تلّ يقارب سور البلد (٥) بحيث يرى القتال» (٦).

__________________

(١) هو كنراد بن ماركيز مونتفرات ، وشقيق أوّل زوج للملكة سبيلا.

(٢) الفتح القسي : ص ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١١٠ ، الكامل : ج ٧ ، ص ٣٣٠ ، السلوك : ج ١ ، ص ٩٥.

(٣) الفتح القسي : ص ١٥٢ ، الكامل : ج ٧ ، ص ٣٣١.

(٤) النهر هو برك رأس العين ، ويصفه الصوري بقوله : «والمعتقد أنّ أشهر هذه العيون ذكرا في العالم هو النبع الذي يتكلّم عنه سليمان في نشيد الأنشاد إذ يقول : «ينبوع جنات بئر ، مياه حيّة ، وسيول من لبنان» ... وتتفجّر هذه المياه من أسفل جزء من السهل ... وتبدو وكأنّها تنبع من أعماق الجحيم ... كما أمكن رفع المياه إلى ارتفاع عشرة أقدام ، وذلك بتشييد بناء حجري يضاهي الحديد في صلابته ...

ويستفيد كلّ الإقليم الذي حول هذه الناحية فوائد جمّة من هذه المياه التي لا تقف عند حدّ ري الحدائق والبساتين اليانعة الحافلة بأشجار الفاكهة بل تتعدّاها إلى ريّ حقول القصب الذي يستخرج منه السكّر» راجع : الحروب الصليبية : ج ٣ ، ص ٢٢ ، ٢٣.

(٥) التلّ هو تل الرشيدية أو تل المعشوق.

(٦) الكالم : ج ٧ ، ص ٣٣٨ ، النجوم الزاهرة : ج ٦ ، ص ٣٨.

٣٤٢

ويقول الأصفهاني : «فوصل إلى صور تاسع شهر رمضان يوم الجمعة بالمحافل المحتفلة ، والجموع المجتمعة ، فنزل بعيدا من سورها ... فمكث أياما حتّى تواصل المدد ، وتكامل العدد ، واستحضر آلات الحصار ، واستكثر من المجانيق الصغار والكبار ... ووصل إليه في تلك الأيام من قوى به ظهر الإسلام ، ولده الملك الظاهر غياث الدين غازي ، ورأى نصب خيمته وراء خيمة أبيه المنصوبة ، وجدّ في استرجاع مدينة الإسلام المغصوبة» (١).

وأحضر صلاح الدين الأسطول من عكا لمحاربة الصليبيين في صور ، وكانت هذه السفن تمنع سفن الإفرنج من الخروج لقتال المسلمين ، وتمكّن المسلمون من القرب من صور ، وقاتلوا برّا وبحرا حتّى كادوا ينتصرون ، لكن ماذا حدث لسفنهم؟. يقول ابن الأثير : «فجاءت الأقدار بما لم يكن في الحساب ، وذلك أن خمس قطع من شواني (٢) المسلمين باتت في بعض تلك الليالي ، مقابل ميناء صور ، ليمنعوا من الخروج منه والدخول إليه ، فباتوا ليلتهم يحرسون ، وكان مقدمهم عبد السلام المغربي الموصوف بالحذق في صناعته وشجاعته ، فلمّا كان وقت السحر أمنوا فناموا فما شعروا إلّا بشواني الفرنج قد نازلتهم وضايقتهم فأوقعت بهم» (٣).

٦ ـ فتح هونين [٥٨٣ ه‍ / ١١٨٧ م]

عندما سقطت تبنين بأيدي صلاح الدين امتنع من بهونين من تسليمها ، فسيّر عسكرا لمحاصرتها ، وتمكّنوا من ذلك ، ومنعوا حمل الميرة إليها ،

__________________

(١) الفتح القسي : ص ١٥٣ ، ١٥٤ ، ١٥٥. السلوك : ج ١ ، ص ٩٧.

(٢) شواني : سفن.

(٣) الكامل : ج ٧ ، ص ٣٣٩.

٣٤٣

فأرسل من فيها يطلبون الأمان فأمنهم (١) ، يقول الأصفهاني : «وورد الخبر عن هونين أنّها هانت ، ودنا أمرها ودانت ، وأن طريق فتحها بانت ، ... حتى طلب أهلها الأمان ... فأوّل ما قالوا : أمهلونا حتّى نعلم ما يكون من صور ، ونكشف هذه الأمور ، فإن أخذتموها أخذتم هذه ، وإن خليتموها فيا هوان هونين! ... فندب السلطان بدر الدين دلارم الياروقي ، وهو من أكابر عظمائه ، وأكارم أمرائه ، وأمره باستنزالهم واستذلالهم ... فما زال يغرب ويرهب حتّى رغبوا ورهبوا ، وأخذوا الأمان على أن يذهبوا ... وتسلمت هونين بما فيها من عدّة وذخيرة» (٢).

٧ ـ الناقورة والرأس الأبيض [٥٨٤ ه‍ / ١١٨٨ م]

يقول الأصفهاني : «وقدمنا عن صور الارتحال آخر شوال ، غرة كانون الثاني ، وعمّ البرد في القاصي والداني ... وسرنا عبابيد (٣) في لبابيد (٤) : وبين جليد وجلاميد. على الناقورة (٥) وطريقها والأثقال قد ازدحمت في مضيقها (٦) ، والأحمال تتواقع ، والأجمال تتقاطع ، والسبل تنسدّ ، والسابلة ترتدّ. وسلكت الخيل الجبل ، وقطع العسكر طريقه إلى المخيّم ووصل» (٧).

٨ ـ زيارة أسامة بن منقذ ل صور [قبل ٥٨٤ ه‍ / ١١٨٨ م]

زار أسامة بن منقذ مدينة صور قبل سنة ٥٨٤ ه‍ عندما كانت خاضعة للاحتلال الصليبي ، وذكر قصّة حدثت أمامه أثناء حديثه عن طبائع الصليبيين

__________________

(١) الكامل : ج ٧ ، ص ٣٤٠. الروضتين : م ٢ ، ج ١ ، ص ٢٦٨.

(٢) الفتح القسي : ص ١٧٠ ، ١٧١.

(٣) عبابيد : مجموعات.

(٤) لبابيد : جمع لبيد وهو المخلاة.

(٥) أول مؤرخ يذكر بلدة الناقورة بدلا من ذكر النواقير.

(٦) يقصد عقبة صور أو الرأس الأبيض.

(٧) الفتح القسي : ص ١٧٥ ، ١٧٦.

٣٤٤

وأخلاقهم يقول : «وممّا يقارب هذا أنني دخلت الحمام بمدينة صور ، فجلست في خلوة فيها. فقال لي بعض غلماني في الحمام : معنا امرأة. فلمّا خرجت جلست على المصاطب ، وإذا التي كانت في الحمام قد خرجت وهي مقابلي قد لبست ثيابها ، وهي واقفة مع أبيها ، ولم أتحقق أنّها امرأة ، فقلت لواحد من أصحابي : بالله أبصر هذه امرأة هي؟ وأنا أقصد أن يسأل عنها. فمضى وأنا أراه ، رفع ذيلها واطّلع فيها ، فالتفت إليّ أبوها وقال : هذه ابنتي ، ماتت أمّها ومالها من يغسل رأسها. فأدخلتها معي الحمام غسلت رأسها. قلت : جيد ما عملت. هذا لك فيه ثواب» (١).

٩ ـ حصار شقيف أرنون وقلعة أبي الحسن [٥٨٤ ه‍ / ١١٨٨ م]

يقول الأصفهاني : «وكانت قد بقيت من الحصون التي تعذّر فتحها ، وبرح بالقلوب برحها ، من عمل صيداء : قلعة أبي الحسن وشقيف أرنون ، ... وقد أوكل بهما أميرين من خواصه كبيرين ، وقد ضيّقا على من بهما من العلوج ، ومنعا من الدخول والخروج» (٢)

١٠ ـ فتح شقيف أرنون [٥٨٥ ه‍ / ١١٨٩ م]

وبعد الحصار بسنة فتح صلاح الدين شقيف أرنون بعد أن عقد هدنة مع صاحبه رينالد لمدّة ثلاثة أشهر إلا أن رينالد أخذ يعدّ العدّة للقتال (٣) ، يقول

__________________

(١) كتاب الاعتبار : ص ١٣٧ ، وأسامة بن منقذ ولد سنة ٤٨٨ ه‍ وتوفى سنة ٥٨٤ ه‍ ، كان من المقرّبين لصلاح الدين ، أقام بمصر وقد ولّدت فيه هذه الإقامة ميلا للتشيّع لحظه صلاح الدين. راجع الاعتبار : ص. ل.

(٢) الفتح القسي : ص ١٧١.

(٣) يتحدّث وليم الصوري عن أساليب الدبلوماسية التي اتّبعها رينالد مع صلاح الدين لإنقاذ الحصن ، فقد قصد خيمته ، ولوّح له بأنه قد يعتنق الإسلام ، وانخدع السلطان بذلك. راجع تاريخ الحروب الصليبية : ج ٢ ، ص ٧٥٨.

٣٤٥

الأصفهاني : «فشرع إرناط في إذالة (١) حصنه ، وإزالة وهنه ، وترميم مستهدمه ... وكان يبتاع من سوق عسكرنا الميرة ، ويكثر فيه من الذخيرة» (٢).

وبعد سنة من الحصار علم صلاح الدين بنواياه ، فقيّده وحمل إلى قلعة بانياس وتسلّم بالأمان شقيف أرنون (٣).

١١ ـ قتل المركيس صاحب صور [٥٨٨ ه‍ / ١١٩٢ م]

في سنة ٥٨٨ ه‍ قتل المركيس صاحب صور على يد رجلين من الشيعة الإسماعيلية.

فقد استضاف أسقف صور المركيس على الطعام ، وبعد تناوله الطعام نفّذت عملية القتل ، يقول الأصفهاني : «فأكل وتغدّى ، ما درى أنّه يتردّى ، وأكل وشرب ... فوثب عليه رجلان بل ذئبان أمعطان. وسكّنا حركته بالسكاكين ، ودكّاه عند تلك الدكاكين. وهرب أحدهما ودخل الكنيسة ، فحملوه ... فلما أبصره أحد الجارحين ، وثب إليه للحين. وزاده جرحا على جرح ، وقرحا على قرح. فأخذ الفرنج الرقيقين ، فألفوهما من الفدائية الإسماعيلية مرتدين ... وذكر عنهما أنهما تنصّرا منذ ستة أشهر ، ودخلا في ترهب وتطهّر ، ولزما البيع ، والتزما الورع. وخدم أحدهما ابن بارزان ، والآخر صاحب صيداء ، لقربهما من المركيس (٤) ... ثم علقا بركابه ، وفتكا

__________________

(١) إذالة : تقوية وتوسيع.

(٢) الفتح القسي : ص ٢٨٥ ، ٢٨٦.

(٣) المصدر السابق : ص ٢٥٩ ، الكامل : ج ٧ ، ص ٣٥٩ ، ٣٦٠. الروضتين : م ٢ ، ج ٢ ، ص ٤٢.

(٤) تخطيطهما ينمّ عن خبرة وذكاء.

٣٤٦

به ، فقتلا شرّ قتلة ... فيا لله من كافرين (١)! سفكا دم كافر ، وفاجرين فتكا بفاجر» (٢). ولمّا قتل المركيس ولّي بعده مدينة صور هنري كونت شامبانيا (٣).

١٢ ـ الحصون التي افتتحها صلاح الدين

يذكر الأصفهاني أسماء الحصون التي افتتحها صلاح الدين فيقول : «وقد اشتمل الفتح على البلاد المعيّنة ، والمعاقل المبينة ، وهي : طبرية ، عكاء ، الزيب ، معليا ، اسكندرونة ، تبنين ، هونين ، الناصرة ، الطور ، صفورية ، الفولة ، حينين ، زرعين ، ذبورية ، عفربلا ، بيسان ، سمسطية ، نابلس ، اللجون ، ريحا ، سنجيل ، البيرة ، يافا ، أرسوف ، قيسارية ، حيفا ، صرفند ، صيداء ، قلعة أبي الحسن ، جبل جليل ، بيروت ، جبيل ، مجدل يابا ، مجدل حباب ، الداروم ، غزّة ، عسقلان ، تل الصافية ، التل الأحمر ، الأطرون ، بيت جبريل ، جبل الخليل ، بيت لحم ، لد ، الرملة ، قرتيا ، القدس ، صوبا ، هرمس ، السلع ، عفرا ، الشقيف ...» (٤).

وقد أورد غير واحد من المؤرّخين أسماء البلاد والحصون التي افتتحها صلاح الدين ، وفيما يتعلّق بجبل عامل ذكر ابن شداد المتوفى سنة ٦٣٢ ه‍ : «صيدا ، هونين ، تبنين ، السرفند [كذا] ، قلعة صفد ، شقيف أرنون ، حصن اسكندرونة ، قلعة أبي الحسن» (٥).

__________________

(١) المخالف في المذهب بنظره كافر حتّى ولو قال الشهادتين وآمن بأركان الإسلام.

(٢) الفتح القسي : ص ٥٨٩ ، الكامل : ج ٧ ، ص ٣٩٣ ، البداية والنهاية : ج ١٢ ، ص ٤٠٩ ، تاريخ ابن الفرات : م ٤ ، ج ١ ، ص ٦٤.

(٣) الكامل : ج ٧ ، ص ٣٩٣. البداية والنهاية : ج ١٢ ، ص ٤٢٣.

(٤) الفتح القسي : ص ١٩٩ ، ٢٠٠. ولعل الأسماء الأربعة الأخيرة هي : إرمث ، شمع ، كفرا ، الشقيف.

(٥) النوادر السلطانية : ص ٢٤٨.

٣٤٧

وذكر بيبرس المنصوري المتوفّى سنة ٧٢٥ ه‍ : «صيدا ، تبنين ، هونين» (١).

وذكر شيخ الربوة المتوفى سنة ٧٢٧ ه‍ : «اسكندرونة ، صور ، صيدا ، صرفند» (٢).

وذكر السبكي المتوفى سنة ٧٧١ ه‍ : «صيدا ، اسكندرونة ، صرفند ، المعبر في جبل عامل [النواقير] ، الشقيف ، صفد» (٣).

وذكر السيوطي المتوفى سنة ٩١١ ه‍ : «صيدا ، اسكندرونة ، مجدل الحار غير في جبل عاملة ، الشقيف ، صفد» (٤).

١٣ ـ الهدنة بين صلاح الدين والصليبيين [٥٨٨ ه‍ / ١١٩٢ م]

عقد صلاح الدين هدنة مع الصليبيين في شعبان سنة ٥٨٨ ه‍ مدّتها ثلاث سنين وثمانية أشهر ، وأصبح للصليبيين بموجبها حكم المنطقة من يافا إلى قيسارية إلى عكا إلى صور وطرابلس وأنطاكية (٥). وكانت هذه الهدنة فاتحة بلاء وشر ، أدّت في النهاية إلى ضياع ثمرات النصر الذي تحقّق سابقا ، ونجا القسم الداخلي من جبل عامل مؤقتا من شرورها.

١٤ ـ صلاح الدين والشيعة :

دخل صلاح الدين التاريخ كفاتح بطل ، استطاع بشجاعته ومواقفه أن يمهّد لزوال الحكم الصليبي من بلادنا الإسلامية ، إلا أن تعصّبه المذهبي

__________________

(١) مختار الأخبار : ص ٤.

(٢) نخبة الدهر : ص ٢١٣.

(٣) طبقات الشافعية : ج ٧ ، ص ٣٤٥ ، ٣٤٦.

(٤) حسن المحاضرة : ج ٢ ، ص ٢٨ ، ٢٩.

(٥) الروضتين : م ٢ ، ج ٢ ، ص ١٩١ ، السلوك : ج ١ ، ص ١١٠ ، تاريخ ابن الفرات : م ٤ ، ج ٢ ، ص ٨٥ ، الصليبيون وآثارهم : ص ١٦٨.

٣٤٨

أدّى إلى حدوث كوارث ضد بعض مناطق الشيعة الخاضعة له. فقد قام بعزل قضاة الشيعة من أماكن تواجدهم واستناب عنهم بقضاة شافعية ، وكان يحمل الناس على التسنن وعقيدة الأشعري ، وأعاد يوم قتل الإمام الحسين بن علي عليه‌السلام عيدا يحتفل به أتباعه كما فعل بنو أمية سابقا ، وأبطل من الآذان «حيّ على خير العمل» ، وأباد المكتبات الشيعية في القاهرة والإسكندرية وحلب وغيرها ، يقول السيوطي : «وأخذ السلطان صلاح الدين في نصرة السنّة وإشاعة الحق وإهانة المبتدعة والانتقام من الروافض» (١). إلا أن هذه الإجراءات أخذت شكلا أقل وطأة في جبل عامل ، وذلك للعلاقة القوية بين حسام الدين بشارة العاملي والملك الأفضل علي بن صلاح الدين أبي الحسن الذي كان شيعي المذهب.

١٥ ـ وفاة صلاح الدين [٥٨٩ ه‍ / ١١٩٣ م]

توفى صلاح الدين في سنة ٥٨٩ ه‍ وبعيد وفاته دبّ الضعف في الدولة الأيوبية ، بسبب انشغال خلفائه بالصراعات على الحكم ، فقد ترك ملكا مترامي الأطراف يشمل مصر وبلاد الشام معا ، كما ترك عائلة كبيرة فيها الأبناء والأخوة وأبناء الأخوة والأعمام ، فصرف هؤلاء جهدهم للحصول على المكاسب والنزاع والتخاصم ، وكادت تؤدّي بإنجازات السنون الخوالي ، إلا أن وعي الحسام العاملي لما يجري ، دفعه لمحاولة الصلح بين ورثة صلاح الدين كما عبّر الذهبي. وكان صلاح الدين قد أعدّ ولده الملك الأفضل علي ليكون خليفة من بعده ، فماذا حدث؟

١٦ ـ علي بن صلاح الدين والتشيّع

هو الملك الأفضل علي بن يوسف بن أيوب ، أبو الحسن. كان

__________________

(١) حسن المحاضرة : ج ٢ ، ص ٢٨.

٣٤٩

أكبر ولد أبيه ، وقد أعدّه والده ليكون خليفة من بعده ، فكان حسن السيرة متأدّبا متديّنا حليما ، بيد أنّه خالف أباه وأرحامه في عقيدته ومذهبه ، فقد تشيّع لأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما ذكره الصفدي في مؤلفاته ففي شرح قول الشاعر :

أهبت بالحظ لو ناديت مستمعا

والحظ عني بالجهال في شغل

يقول : الزمان مولع بخمول الأدباء ، وخمود نار الألباء ، كم أخنى على الفضلاء ، وجهل قدر العلماء ، هذا الملك الأفضل نور الدين علي بن السلطان صلاح الدين يوسف ... لما مات أبوه حضر إليه عمه العادل أبو بكر وأخوه العزيز عثمان فأخرجاه من ملكه بدمشق إلى صرخد ، وفي ذلك كتب إلى الإمام الناصر أحمد في بغداد أبياتا يستنهضه بها على ما فعلا به ، ويشكو إليه اغتصابهما ميراثه من أبيه ، يقول :

مولاي إن أبا بكر وصاحبه

عثمان قد غصبا بالسيف حق علي

وهو الذي كان قد ولّاه والده

عليهما فاستقام الأمر حين ولي

فخالفاه وحلا عقد بيعته

والأمر بينهما والنصب فيه جلي

فانظر إلى حظ هذا الاسم كيف لقي

من الأواخر ما لاقى من الأول (١)

فجاءه جواب الإمام الناصر يقول :

وافى كتابك يا بن يوسف معلنا

بالود يخبر أن أصلك طاهر

غصبا عليا حقّه إذ لم يكن

بعد النبي له بيثرب ناصر

فابشر فإن غدا عليه حسابهم

واصبر فناصرك الإمام الناصر

ومن شعر علي الملك الأفضل أيضا يعلن فيه تشيّعه يقول :

أما آن للسعد الذي أنا طالب

لإدراكه يوما يرى وهو طالبي

__________________

(١) يلمّح إلى اغتصاب الخلافة بعد وفاة النبي ومعاناة أمير المؤمنين علي عليه‌السلام.

٣٥٠

ترى هل يريني الدهر أيدي شيعتي

تمكن يوما من نواصي النواصب

توفى سنة ٦٢٢ ه‍ (١).

الثاني عشر : جبل عامل بعد صلاح الدين

[٥٩٠ ـ ٥٩٨ ه‍] [١١٩٣ ـ ١٢٠١ م]

١ ـ جبل عامل تحت حكم الملك الأفضل [٥٩٠ ه‍ / ١١٩٣ م]

كانت مناطق واسعة من بلاد الشام تدخل في حكم الملك الأفضل علي ، وقد امتدّت مناطق نفوذه من دمشق وبيت المقدس وبعلبك إلى الساحل وصرخد وبصرى وبانياس وهونين وتبتين (٢)

وكان الأفضل قد استوزر فارس الدين ميمون القصري على صيدا وأعمالها ، وشمس الدين سنقر الكبير على الشقيف وأعمالها ، وفي ١٥ المحرم سنة ٥٩٠ ه‍ ترك هؤلاء الولاة أماكن ولاياتهم وفارقوا الملك الأفضل (٣).

٢ ـ تخريب صيدا وصور [٥٩٣ ه‍ / ١١٩٦ م]

يقول ابن الأثير في حوادث سنة ٥٩٣ ه‍ : «فأرسل العادل إلى صيدا من خرب ما كان بقي منها ، فإن صلاح الدين كان قد خرّب أكثرها ، وسارت العساكر الإسلامية إلى صور ، فقطعوا أشجارها ، وخرّبوا ما لها من قرى

__________________

(١) الغيث المنسجم : ج ٢ ، ص ١٣٣ ، ١٣٤ ، الوافي بالوفيات : ج ٢٢ ، ص ٣٤٢ ، السلوك : ج ١ ، ص ٢١٦ ، حلب والتشيّع : ص ١٥١ ، أعيان الشيعة : ج ٨ ، ص ٣٧٢ ، طبقات أعلام الشيعة : ج ٣ ، ص ١٢١.

(٢) مصر والشام في عصر الأيوبيين : ص ٦١.

(٣) السلوك : ج ١ ، ص ١١٥.

٣٥١

وأبراج ، فلمّا سمع الفرنج ذلك رحلوا من بيروت إلى صور وأقاموا عليها» (١).

٣ ـ تخييم العادل في القصبة [٥٩٣ ه‍ / ١١٩٦ م]

يقول ابن واصل في أحداث سنة ٥٩٣ ه‍ : «وفي هذه السنة تحرّكت الفرنج لقصد بلاد الإسلام ، فخرج الملك العادل بالعساكر ، فخيّم بالقصبة ، وهي قريب من صور» (٢).

٤ ـ حصار تبنين [٥٩٤ ه‍ / ١١٩٧ م]

وفي سنة ٥٩٤ ه‍ جاء الصليبيون بجموعهم وحاصروا تبنين ، فاستدعى العادل بني أخيه لقتالهم ، فجاءه العزيز من مصر ، والأفضل من صرخند ، فأقلع الفرنج عن الحصن (٣).

ومن الطريف أن هذا الحصار أثار قرائح الشعراء ، فقال ابن سناء الملك مادحا :

ويا عماد الدين يا من له

كلّ مبار في المعالي مبار

جئت تبنين ومن حولها

قوم كأعداد الحصى للحصار

سدوا عليها الطرق حتى لقد

كادوا يسدّون طريق القطار

ساق إليها الكفر أجناسه ال

عظام قادتها الملوك الكبار

ويمّموا الثغر وطافوا به

وأحدقوا كالغل لا كالسوار (٤)

__________________

(١) الكامل : ج ٧ ، ص ٥٩٣.

(٢) مفرّج الكروب : ج ٣ ، ص ٧١ ، ولعلّ القصبة تحريف للقصيبة وهي بلدة في قضاء النبطية حاليا.

(٣) البداية والنهاية : ج ١٣ ، ص ٢١ ، السلوك : ج ١ ، ص ١٤١.

(٤) ديوان ابن سناء الملك : ج ٢ ، ص ١٣٢.

٣٥٢

ولمّا توجّه الملك العزيز وحاصر الفرنج الألمانيين حتّى انهزموا وفرّج عن أهل تبنين في سنة ٥٩٤ ه‍ قال يمدحه :

أغثت تبنين وخلّصتها

فريسة من ماضغي ضيغم

والكفر كالغلّ بها محدق

لا كسوار كان في معصم

ورام تبنين فقلنا له

لو لم ينم عقلك لم يحلم

فجاءه المولى العزيز الذي

يكلا به الدين ولم يكلم

فردها سالمة منهم

من بعد ما قيل لها سلّمي (١)

وكان في تبنين شاعر من أهلها ، وعندما فرّ عز الدين أسامة من بيروت عندما تقدّم نحوها الإفرنج سنة ٥٩٣ ه‍ هجاه هذا الشاعر بقوله :

سلّم الحصن ما عليك ملامة

لا يرم الذي يروم السلامة

فعطاء الحصون من غير حرب

سنّة سنها ببيروت سامة (٢)

٥ ـ بناء جامع المحتسب في صيدا [٥٩٨ ه‍ / ١٢٠١ م]

في سنة ٥٩٨ ه‍ بنى عمدة الطالبيين في صيدا ، أبو اليمن الصيداوي مسجدا داخل مدينة صيدا ، وجاء في لوحة أعلى مدخل المسجد الشمالي ما يلي : «بسم الله الرحمن الرحيم ، أنشأ هذا الجامع المبارك العلّامة الفقير إلى الله الشيخ الإمام عمدة الطالبيين مولانا شيخ أبو اليمن ابن العبد الفقير إلى الله تعالى ابن العلّامة مولانا شيخ الإسلام أبي إسحق إبراهيم بن ... الدين أواخر رمضان ٥٩٨ ه‍» (٣).

__________________

(١) ديوان ابن سناء الملك : ج ٢ ، ص ٢٩٤.

(٢) تاريخ بيروت : ص ٢٢ ، دائرة المعارف الشيعية : ج ٥ ، ص ٣٩٣.

(٣) دليل معالم صيدا : ص ٣٦.

٣٥٣

الثالث عشر :

جبل عامل بين [٦٠٤ ـ ٦٢٥ ه‍] [١٢٠٧ ـ ١٢٢٧ م]

١ ـ صيدا [قبل ٦٠٤ ه‍ / ١٢٠٧ م]

مرّ ابن الساعاتي المتوفى سنة ٦٠٤ ه‍ بنواحي صيدا ، فرأى مروجا كثيرة نباتها النرجس ، واتّفق أن هرب بعض الأسرى منها ، ولحقته الخيل فردّته من الموضع الذي كان فيه فقال :

لله صيداء من بلاد

لم تبق عندي هما دفينا

نرجسها حلية الفيافي

قد طبّق السهل والحزونا

وكيف ينجو بها هزيم

وأرضها تنبت العيونا (١)

٢ ـ جبل عامل [٦٠٨ ه‍ / ١٢١١ م]

يقول أبو شامة عند ما يتحدّث عن جهاركس : «أعطاه العادل بانياس وتبنين والشقيف وهونين وقلعة أبي الحسن وتلك البلاد ، فأقام بها وكان يتردّد إلى دمشق فمرض وتوفّى في رجب ودفن بقاسيون وخلّف ولدا» (٢) فأقرّه العادل على ما كان لأبيه ، وقام بأمره الأمير صارم الدين خطلبا المعروف بالتبنيني أحسن قيام وسدتك [كذا] الثغور ، وقوّم الأمور ...» (٣).

__________________

(١) ديوان ابن الساعاتي : ج ١ ، ص ١٦٨.

(٢) يذكر ابن شداد فيقول : «استمر جهاركس في حكمه لقلعة الشقيف إلى أن توفي.

فأقطعه الملك العادل ولده الملك المغيث عمر ، ولم يزل في يده إلى أن توفي.

ودفن بسفح قاسيون في سنة ست وستمائة ، فصار إلى ولده من بعده الملك المغيث محمود». راجع الأعلاق الخطيرة : ج ٢ ، ص ١٥٥.

(٣) الذيل على الروضتين : ص ٧٩. وسدتك تحريف وسدّ تلك.

٣٥٤

٣ ـ مقاومة شيعة جزّين للصليبيين [٦١٤ ه‍ / ١٢١٧ م]

يقول أبو شامة في حوادث سنة ٦١٤ ه‍ : «ولمّا انفصل الفرنج عن الطور قصد ابن أخت الهنكر جبل صيدا وقال : لا بدّ لي من أهل هذا الجبل ، فنهاه صاحب صيدا وقال : هؤلاء رماة وبلدهم وعر فلم يقبل وصعد في خمسمائة من أبطال الفرنج إلى جزيرة (١) ضيعة المياذنة (٢) قريبا من مسفرة (٣) ، فأخلاها أهلها ، وجاء الفرنج فنزلوا بها (٤) وترجّلوا عن خيولهم ليستريحوا فتحدّرت عليهم المياذنة من الجبال. فأخذوا خيولهم وقتلوا عامّتهم ، وأسروا ابن أخت الهنكر فهرب من بقي منهم نحو صيدا ، وكان معهم رجل يقال له الجاسوس من المسلمين قد أسروه فقال لهم : أنا أعرف إلى صيدا طريقا سهلا أوصلكم إليه ، فقالوا : إنّ فعلت أغنيناك ، فسلك بهم أودية وعرة والمسلمون خلفهم يقتلون ويأسرون. ففهموا أن الجاسوس غرّهم فقتلوه ، ولم يفلت إلى صيدا سوى ثلاثة أنفس بعد أن كانوا خمسمائة وجاء إلى دمشق بالأسارى وكان يوما عظيما» (٥).

__________________

(١) جزيرة : تحريف جزّين.

(٢) المياذنة : تحريف المتاولة ، وربما أطلقت هذه اللفظة على أهل جزّين وقتها لكثرة المساجد فيها وقد تحدّث أبو شقرا عن المنارة العالية التي كانت إلى جانب مسجدها. راجع جبل عامل بين : ص ١٢٧. وبقي اسم المآذنة يطلق على أهل جزين في عصر المماليك وكانت شهادتهم مقبولة عندهم ، يتحدث سامي مكارم عنهم فيقول : «وقد تكون تسميتهم بالميادنة عائدة إلى قرية الميدان القريبة من صيدا كما يرجح الأب لويس شيخو ، والظاهر أن اهتمام صالح بن يحيى بذكر الميادنة أولاء شهودا على المحضر ناتج على الأرجح عن كونهم مثاغرين ضد الفرنجة ومعروفين عند المماليك» راجع لبنان في عهد الأمراء التنوخيين : ص ١٠٤.

(٣) مسفرة : تحريف مشغرة.

(٤) نزلوا في وادي العواميد.

(٥) الذيل على الروضتين : ص ١٠٣ ، وذكر هذه الواقعة الذهبي في تاريخ الإسلام (٦١١ ـ ٦٢٠) ، ص ١٨ ، والدويهي في تاريخ الأزمنة : ص ٢٠٦ ، ٢٠٧. ولكنه يذكرها في حوادث سنة ٦١٣.

٣٥٥

٤ ـ صيدا والشقيف [٦١٤ ه‍ / ١٢١٧ م]

وفي سنة ٦١٤ ه‍ قصد الصليبيون صور ، ونهبوا صيدا والشقيف (١).

٥ ـ خراب بانياس وتبنين [٦١٥ ه‍ / ١٢١٨ م]

يقول أبو شامة في أحداث سنة ٦١٥ : «وسار المعظم إلى بانياس وأرسل الصارم التبنيني وهو بتبنين في تسليم الحصون فأجابه. فأخرب بانياس وسار إلى تبنين فأخربها وهدمها ، وكانت قفلا للبلاد وملجأ للعباد ، وأعطى جميع بلاد سركس [جهاركس] لأخيه العزيز عثمان ، وزوّجه ابنة سركس ، ونزل الصارم وولده وأصحابه من الحصون ، فأكرمهم المعظم ، وأحسن إليهم ، وأظهر أنه ما أخرب بانياس وتبنين إلّا خوفا من استيلاء الفرنج عليهما» (٢).

وفي سنة ٦١٦ ه‍ أورد ابن واصل بيتين من الشعر وهما :

وأين أولاد أيوب الذين لهم

مواقف أوقفت عكا على الغير

وكم جرت دون صور من صوارمهم

جرد الجياد على أرض من الصور (٣)

٦ ـ صيدا وصور [٦٢٥ ه‍ / ١٢٢٧ م]

وفي سنة ٦٢٥ ه‍ خرج الصليبيون من عكا وصور وبيروت إلى مدينة صيدا ، وكانت ـ يومئذ ـ مناصفة بينهم وبين المسلمين ، وسورها خراب فعمّروها واستولوا عليها وأزالوا عنها حكم المسلمين (٤) ، وعمّروا قلعتها

__________________

(١) الكامل : ج ٧ ، ص ٥٤٦ ، السلوك : ج ١ ، ص ١٨٧.

(٢) الذيل على الروضتين : ص ١١٣.

(٣) مفرج الكروب : ج ٤ ، ص ٦٧.

(٤) الكامل : ج ٧ ، ص ٦٤٥ ، مفرّج الكروب : ج ٤ ، ص ٢٣٥ ، البداية والنهاية : ج ١٣ ، ص ١٤٣.

٣٥٦

البحرية وانتهوا من بنائها في ٩ صفر سنة ٦٢٥ ه‍ (١).

الرابع عشر : ذكر صور وصيدا في أشعار الفتح

ذكر غير شاعر من شعراء هذا القرن صور وصيدا في أشعارهم أثناء مدح الأيّوبيين والتغنّي بانتصاراتهم ، وكمثال على ذلك نذكر :

١ ـ أشعار فتيان الشاغوري [ت ٦١٥ ه‍ / ١٢١٨ م]

قال يمدح الملك الناصر صلاح الدين أبا المظفر يوسف بن أيوب في قلعة دمشق ٢٣ رجب سنة ٥٨٣ ه‍ :

هل تعجزن صور مليكا ناصرا

لله أين يسر يسرّ وينصر

فانهد لصور فهي أحسن صورة

في هيكل الدنيا بدت لمصوّر (٢)

وقال يمدح الفقيه ضياء الدين ابن الشهرزوري :

ما عاد عن صور سور الموج منهزما

وعاش في العزّ حتى ينفخ الصور (٣)

وقال يمدح الأمير شمس الدين بكرور الأفضلي :

منه بلاد الكفر ترعد خيفة

وإليه من في صور خوفا صور (٤)

وقال يمدح الملك الأشرف مظفر الدين شاه أرمن أبا الفتح موسى بن الملك العادل :

مظفر دين الله كن في زماننا

سليمان لما جاءه عرش بلقيسا

وردّ إلى الإسلام صورا وعكة

وسائر مدن المشركين وتفليسا (٥)

__________________

(١) صيدا ودورها في الصراع الصليبي الإسلامي : ص ٢١٢.

(٢) ديوان الشاغوري : ص ١٤٧.

(٣) المصدر السابق : ص ١٩٢.

(٤) المصدر السابق : ص ٢٠١.

(٥) المصدر السابق : ص ٢٢٧.

٣٥٧

٢ ـ أشعار ابن البنية المصري [ت ٦١٩ ه‍ / ١٢٢٢ م]

قال يمدح سيف الدين أبا بكر بن أيوب :

يزاحم النجم له منكب

كالنجم في الرفعة والنّور

كأنما أوقفته حارسا

ينظر من عكا إلى صور (١)

ويخاطب أبا الفتح (٢) قائلا :

ثق يا أبا الفتح بالفتح المبين فلم

تخلق لغير أبيهنّ الفتوحات

عكا وصور إلى رؤياك عاطشة

فانهض فقد أمكنت منهنّ حلوات (٣)

٣ ـ أشعار الصاحب شرف الدين الأنصاري [ت ٦٦٢ ه‍ / ١٢٦٣ م]

قال (٤) في فتوح صيدا :

يا أيّها الملك الذي عزماته

قسرت عزائم كل ليث قسور

عم انتقامك أهل صيدا فاحتس

منهم كؤوس القتل من لم يؤسر

وخضبت صفر وجوههم بدمائهم

فحكت شعارك أحمرا في أصفر (٥)

الخامس عشر : جبل عامل عند الحموي

[قبل ٦٢٦ ه‍ / ١٢٢٨ م]

جاء ذكر جبل عامل في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي المتوفّى سنة ٦٢٦ ه‍ ، فقام بذكر المدن والقرى التالية :

__________________

(١) ديوان ابن البنية : ص ١١٩.

(٢) لعلّه الملك الأشرف مظفر الدين شاه ابن الملك العادل.

(٣) ديوان ابن البنية : ص ٣٦٢.

(٤) أغلب الظن أنها في ممدوحه الأمجد بهرام.

(٥) ديوان الصاحب : ص ٢٣٤ وفي هذه الأبيات إشارة هامّة إلى شعار ملوك الأيوبيين وهو اللون الأحمر واللّون الأصفر.

٣٥٨

١ ـ اسكندرونة :

يقول : «ووجدت في بعض تواريخ الشام أنّ اسكندرونة ، بين عكا وصور» (١).

٢ ـ تبنين :

يقول : «تبنين بلدة في جبال عامر [كذا] المطلّة على بلد بانياس بين دمشق وصور» (٢).

٣ ـ جبل الجليل :

يقول : «جبل الجليل في ساحل الشام ممتدّ إلى قرب حمص ، كان معاوية يحبس في موضع منه من يظفر به ممّن ينبز بقتل عثمان بن عفان ... قال أبو قيس بن الأسلب :

ولو لا ربنا كنا نصارى

مع الرهبان في جبل الجليل» (٣)

٤ ـ دوبان [طير دبه أو دوبيه]

يقول : «دوبان : بالضم ثم السكون ، وباء موحّدة ، وآخره نون : قرية بجبل عامل بالشام قرب صور ، ينسب إليها أبو عبد الله محمد بن سالم بن عبد الله الدوباني ، يروي عنه الحافظ السلفي في تعاليمه» (٤).

٥ ـ شقيف أرنون :

يقول : «شقيف أرنون : والشقيف كالكهف أضيف إلى أرنون اسم رجل إمّا رومي وإمّا افرنجي ، وهو قلعة حصينة جدا في كهف من الجبل قرب

__________________

(١) معجم البلدان : ج ١ ، ص ١٨٢.

(٢) المصدر السابق : ج ٢ ، ص ١٤ ، وجبال عامر تحريف جبل عامل.

(٣) المصدر السابق : ج ٢ ، ص ١٥٨.

(٤) المصدر السابق : ج ٢ ، ص ٤٨٠.

٣٥٩

بانياس من أرض دمشق بينها وبين الساحل» (١).

٦ ـ صرفندة :

يقول : «صرفندة : قرية من قرى صور من سواحل بحر الشام ، منها :

محمد بن رواحة بن محمد بن بشير أبو معن الأنصاري الصرفندي ، قال أبو القاسم : من أهل حصن صرفندة من أعمال صور ، سمع أبا مسهر بدمشق وحدّث في سنة ٢٦٦ ه‍ ، روى عنه إبراهيم بن إسحاق بن أبي الدرداء ، وأبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن أبي الدرداء الصرفندي الأنصاري ...» (٢).

٧ ـ صفد :

يقول : «وصفد : مدينة في جبال عاملة المطلة على حمص بالشام ، وهي من جبال لبنان» (٣).

٨ ـ صور :

يقول : «صور ... وهي مدينة مشهورة سكنها خلق من الزهّاد والعلماء ، وكان من أهلها جماعة من الأئمة ، كانت من ثغور المسلمين ، وهي مشرفة على بحر الشام ، داخلة في البحر مثل الكف على الساعد ، يحيط بها البحر من جميع جوانبها إلّا الرابع الذي منه شروع بابها ، وهي حصينة جدا ، ركينة ، لا سبيل إليها إلّا بالخذلان ، افتتحها المسلحون في أيام عمر بن الخطاب ... وهي معدودة في أعمال الأردن ، بينها وبين عكة ست فراسخ ، وهي شرقي عكّة ، وقد نسب إليها طائفة من العلماء ...» (٤).

__________________

(١) معجم البلدان : ج ٣ ، ص ٣٥٦.

(٢) المصدر السابق : ج ٣ ، ص ٤٠٢.

(٣) المصدر السابق : ج ٣ ، ص ٤١٢.

(٤) المصدر السابق : ج ٣ ، ص ٤٣٣ ، ٤٣٤ ، وهي شمالي عكا وليس شرقيها.

٣٦٠