الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

علي داود جابر

الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

المؤلف:

علي داود جابر


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٠

السنوات الخمس ، ونشأت محبّة للأدب والشعر مثل أبيها وجدها ، ثم تزوّجت من فاضل بن سعد الله بن صمدون الصوري القاضي بالإسكندرية ، فانتقلت إليها وأقامت معه بها ، وهكذا انتقلت من بيت علم وأدب ، إلى بيت علم وقضاء ، ورزقت هي بعلي بن فاضل الصوري ، وكان مقرئا نحويا.

صحبت أبا الطاهر أحمد بن محمد السّلفي الأصبهاني زمانا بثغر الإسكندرية بمصر ، فذكرها في بعض تعاليمه ، وأثنى عليها ، وكتب بخطه : «عثرت في منزل سكناي ، فانجرح أخمصي ، فشقّت وليدة في الدار خرقة من خمارها وعصبته ، فأنشدت تقية في الحال لنفسها تقول :

لو وجدت السبيل جدت بخدّي

عوضا عن خمار تلك الوليدة

كيف لي أن أقبل اليوم رجلا

سلكت دهرها الطريق الحميدة (١)

١ ـ نسبة الأرمنازي :

تنسب تقية وآياؤها إلى أرمناز ، وهي قرية قال ابن السمعاني إنها قرية من قرى بلدة صور من بلاد الشام (٢). وقال ابن عساكر في ترجمة جدها علي بن عبد السلام الأرمنازي ، أصله من أرمناز قرية من نواحي أنطاكية (٣).

وقال ياقوت بعد أن ذكر ما قاله السمعاني : لا شكّ في أرمناز التي من نواحي حلب ، وإلّا فأرمناز قرية أخرى بصور (٤).

ونحن نقول : لا توجد الآن قرية من قرى صور تسمّى أرمناز ، بل توجد قرية خربة تسمّى «إرمث» على بعد ١٩ كيلومترا جنوبي صور ، وإرمث

__________________

(١) وفيات الأعيان : ج ١ ، ص ٢٩٨ ، شذرات الذهب : ج ٤ ، ص ٢٦٥.

(٢) الأنساب : ج ١ ، ص ١٧٢.

(٣) تاريخ دمشق : ج ٤٣ ، ص ٦٨.

(٤) معجم البلدان : ج ١ ، ص ١٥٨.

٣٢١

تحريف ل «إرمز» أو «هرمز» أو «هرمس» (١) وسمّيت بذلك نسبة لأحد أجداد الاسكندر ، كما سمّيت «إسكندرونة» تحتها نسبة للإسكندر نفسه.

فإذا صحّ أن إرمز هي أرمناز كانت نسبتهم إليها ، وإلا فالأقرب نسبتهم إلى أرمناز التي حافظت على اسمها في نواحي حلب.

٢ ـ والدها غيث الأرمنازي ال صوري

هو غيث بن علي بن عبد السلام بن محمد بن جعفر ، أبو الفرج الأرمنازي الصوري (٢). كان كاتبا مؤرّخا خطيبا شاعرا (٣) محدثا.

ولد في ١٩ شعبان سنة ٤٤٣ ه‍ في مدينة صور ، طلب العلم وهو صغير ، فسمع من الخطيب البغدادي المتوفى سنة ٤٦٣ ه‍ في صور ، وتنقل بين بلاد الشام ومصر ، فزار بانياس سنة ٤٦٧ ه‍ ، وتنيس سنة ٤٦٩ ه‍ ، والإسكندرية سنة ٤٧٢ ه‍ ، والقاهرة سنة ٤٧٣ ه‍ ، وفي هذه السنة عاد إلى صور ، ثم زار دمشق سنة ٤٧٤ ه‍ ، وعاد إلى بلده ، وكان بها عند وفاة والده سنة ٤٧٨ ه‍ ، ثم زار عسقلان سنة ٤٨٨ ه‍ (٤).

تأثر غيث بالخطيب البغدادي ، فتولّى الخطابة في جامع مدينة صور ، وكان يلتقي بالعلماء والأدباء والشيوخ من أهل بلده ، وكل من يدخل إليها ،

__________________

(١) إرميس باليونانية تعني عطارد ، وهي اسم من أسماء النبي إدريس عليه‌السلام وإرمنت تعني مدينة الإله واسمها الرومي هرمونيتس. راجع النجوم الزاهرة : ج ٩ ، ص ٢٣٠ ه‍.

(٢) تاريخ دمشق : ج ٤٨ ، ص ١٢٤.

(٣) من شعر غيث :

عجبت وقد حان توديعنا

وحادي الركائب في أثرها

ونار توقّد في أضلعي

ودمع تصعّد من فقرها

فلا النار تطفئها أدمعي

ولا الدمع ينشف من حرّها

راجع تاريخ دمشق : ج ٤٨ ص ١٢٥.

(٤) تاريخ دمشق : ج ٤٨ ، ص ١٢٤ ، المجموع : ص ٧.

٣٢٢

فيسألهم عن أنسابهم وسيرتهم ورحلاتهم ومؤلفاتهم وأشعارهم ، ويدوّن ذلك في أوراق عنده ، فألّف كتابا سمّاه «تاريخ صور» ، لكنه لم يتمّه (١) ، إذ خرج من صور بعد أن أخذت تتعرّض للحصار الصليبي ، واستوطن دمشق في أواخر عمره ، مصطحبا زوجه ومسوّدة كتابه ، وفي دمشق ولدت له تقية سنة ٥٠٥ ه‍ ، وأثناء تواجده الأخير بدمشق التقى بمؤرّخها ابن عساكر ، فأطلعه غيث على «تاريخ صور» ومشروع تاريخ دمشق.

وبعد وفاة غيث في ٢٠ صفر سنة ٥٠٩ بدمشق (٢) ، نقل ابن عساكر مادتي الكتابين ، وأفرغهما في كتابه الكبير «تاريخ مدينة دمشق» وبالتالي سلم أغلب ما في الكتابين من الزوال ، وأسدى لنا ابن عساكر خدمة جليلة في معرفة جزء من تاريخ هذه المدينة وأعلامها ومن نزل بها.

٣ ـ شعرها :

تركت تقية الصورية أشعارا تعدّ من محاسن الشعر العربي ، وسأكتفي بإيراد ثلاثة أنواع من شعرها.

أ ـ الحنين إلى الوطن

قالت في الحنين إلى وطنها :

هاجت وساوس شوقي نحو أوطاني

وبان عني اصطباري بعد سلواني

وبتّ أرعى السّها والليل معتكر

والدمع منسجم من سحب أجفاني

وعاتبت مقلتي طيفا ألمّ بها

أهكذا فعل خلان بخلّاني

__________________

(١) تاريخ دمشق : ج ٤٨ ، ص ١٢٤ ، تاريخ الإسلام (٥٠١ ـ ٥٢٠) ، ص ٢٢٥.

(٢) تاريخ دمشق : ج ٤٨ ، ص ١٢٥ ، اللباب : ج ١ ، ص ٤٤ ، تاريخ الإسلام (٥٠١ ـ ٥٢٠) ص ٢٢٥ ، ٢٢٦ ويقول : إنّه دفن بالباب الصغير ، شذرات الذهب : ج ٤ ، ص ٢٤.

٣٢٣

نأيت عنكم وفي الأحشاء جمر لظى

وسقم جسمي لما أهواه عنواني

إذا تذكرت أياما لنا سلفت

أعان دمعي على تفريق نسياني (١)

ومن شعرها في الحنين إلى دمشق :

نأيت وما قلبي على النأي بالراضي

فلا تغترر مني بصدي وإعراضي

إذا ما تذكّرت الشآم وأهله

بكيت دما حزنا على الزمن الماضي

ومذ غبت عن وادي دمشق كأنني

يقرض قلبي كلّ يوم بمقراض (٢)

ب ـ الخمرة :

ذكر الحافظ تقي الدين المنذري أن تقية نظمت قصيدة تمدح بها الملك المظفر تقي الدين عمر ابن أخي السلطان صلاح الدين فوصفت الخمر وآلة المجلس ، فلمّا قرأها قال : الشيخة تعرف هذه الأحوال من صباها.

فبلغها ذلك ، فعملت قصيدة أخرى حربية وأرسلتها تقول : علمي بذاك كعلمي بهذا

وقد نقل لها المقري بيتين في الخمر تقول :

لا خير في الخمر على أنها

مذكورة في صفة الجنّه

لأنها إن خامرت عاقلا

خامره في عقله جنّه (٣)

ج ـ مدحها لنفسها

مدحت تقية نفسها ، فكتب بعض الأفاضل لها :

وما شرف أن يمدح المرء نفسه

ولكن أفعالا تذمّ وتمدح

__________________

(١) خريدة القصر : ج ٢ ، قسم شعراء مصر : ص ٢٢٣.

(٢) تاريخ الإسلام (٥٧١ ـ ٥٨٠) ، ص ٢٨٣ ه‍.

(٣) نفح الطيب : ج ٣ ، ص ٣٥٨.

٣٢٤

فكتبت إليه :

تعيب على الإنسان إظهار علمه

أبا لجدّ هذا منك أم أنت تمزح

فدتك حياتي قد تقدّم قبلنا

إلى مدحهم قوم وقالوا فأفصحوا

وللمتنبي أحرف في مديحه

على نفسه بالحقّ والحق أوضح

أروني فتاة في زماني تفوقني

وتعلو على علمي وتهجو وتمدح (١)

عاشت تقية ٦٤ سنة وتوفّت في أوائل شوال سنة ٥٧٩ ه‍ (٢).

ثامنا : ابن جبير في جبل عامل : [٥٧٩ ه‍ / ١١٨٣ م] :

مرّ ابن جبير في جبل عامل سنة ٥٧٩ ه‍ ، في رحلته التي قام بها بين سنتي ٥٧٨ و ٥٨١ ، وذكر المدن والمناطق التالية.

١ ـ حصن هونين

دخل ابن جبير إلى جبل عامل من جهة الشرق ، فبعد أن تحدث عن بانياس ، يذكر حصن هونين فيقول : «يشرف عليها حصن للإفرنج يسمى هونين ، بينه وبين بانياس مقدار ثلاثة فراسخ» (٣).

٢ ـ ميس الجبل ووادي الإسطبل

يقول : «فرحلنا عنها (٤) عشي يوم السبت المذكور إلى قرية تعرف بالمسية بمقربة من حصن الإفرنج المذكور ، فكان مبيتنا بها ، ثم رحلنا منها

__________________

(١) خريدة القصر : ج ٢ ، قسم شعراء مصر : ص ٢٢٣ ، تاريخ الإسلام (٥٧١ ـ ٥٨٠) ، ص ٢٨٣ ه‍.

(٢) وفيات الأعيان : ج ١ ، ص ٢٩٩ ، تاريخ الإسلام (٥٧١ ـ ٥٨٠) ، ص ٢٨١ ، تبصير المنتبه : ج ١ ، ص ٢٠٠ ، شذرات الذهب : ج ٤ ، ص ٢٦٥ ، الأعلام : ج ٢ ، ص ٨٦.

(٣) رحلة ابن جبير : ص ٢٧٣.

(٤) الضمير يعود لبانياس.

٣٢٥

يوم الأحد سحرا ، واجتزنا في طريقنا بين هونين وتبنين بواد ملتف الشجر ، وأكثر شجره الرند ، بعيد العمق كأنه الخندق السحيق المهوى ، تلتقي حافتاه ، ويتعلّق بالسماء أعلاه ، يعرف بالإسطبل ، لو ولجته العساكر لغابت فيه ، لا منجى ولا مجال لسالكه عن يد الطالب فيه ، المهبط إليه والمطلع عنه عقبتان كؤودان ، فعجبنا من أمر ذلك المكان» (١).

٣ ـ حصن تبنين : ٩ جمادى الآخرة سنة ٥٧٩ هـ

يقول : «فأجزناه (٢) ومشينا عنه يسيرا ، وانتهينا إلى حصن كبير من حصون الإفرنج يعرف بتبنين ، وهو موضع تمكيس القوافل ، وصاحبته خنزيرة تعرف بالملكة ، وهي أمّ الملك الخنزير صاحب عكّة دمرها الله ، فكان مبيتنا أسفل ذلك الحصن» (٣).

٤ ـ عمران جبل عامل ودفع الضرائب الباهظة للصليبيين

يقول : «ورحلنا من تبنين ، دمّرها الله ، سحر يوم الاثنين ، وطريقنا كلّه على ضياع متّصلة وعمائر منتظمة ، وسكّانها كلّها مسلمون ، وهم مع الإفرنج على حالة ترفيه ، نعوذ بالله من الفتنة ، وذلك أنّهم يؤدون لهم نصف الغلّة عند أوان ضمّها ، وجزية على كلّ رأس دينار وخمسة قراريط (٤) ولا

__________________

(١) رحلة ابن جبير : ص ٢٧٤.

(٢) يقصد وادي الإسطبل.

(٣) رحلة ابن جبير : ص ٢٧٤.

(٤) وأي ترفيه ذكره سابقا واستعاذ بالله منه ، وأهالي هذا الجبل الأشم يعاملون كالرقيق المستعبدين ، فهم يعيشون بين نار الضرائب المرهقة التي طالت البشر والغلّة والشجر وهجرة شبابهم الذين التحقوا بجيش حسام الدين بشارة العاملي ، وبين نار التعصّب المذهبي الذي أحدث تغييرا ديموغرافيا في مدنهم الكبرى كصيدا وطبرية والرملة ونابلس وغيرها.

٣٢٦

يعترضونهم في غير ذلك ، ولهم على ثمر الشجر ضريبة خفيفة يؤدّونها أيضا ، ومساكنهم بأيديهم ، وجميع أحوالهم متروكة لهم» (١).

٥ ـ إسكندرونة

يقول : «ثم توجّهنا إلى صور يوم الخميس الثاني عشر لجمادى المذكورة ، والموفي عشرين لشتنبر المذكور على البرّ ، واجتزنا في طريقنا على حصن كبير يعرف بالزاب ، وهي مطلة على قرى وعمائر متّصلة ، وعلى قرية مسوّرة تعرف بإسكندرونة ، وذلك لمطالعة مركب بها ، أعلمنا أنّه يتوجّه إلى بجاية ، طمعا في الركوب فيه» (٢).

٦ ـ مدينة صور

يقول : «فنزلنا بها (٣) في خان معدّ لنزول المسلمين» ... ثم يقول : «ذكر مدينة صور ، دمرها الله تعالى ، مدينة يضرب بها المثل في الحصانة ، لا تلقى لطالبها بيد طاعة ولا استكانة ، قد أعدّها الإفرنج مفزعا لحادثة زمانهم ، وجعلوها مثابة لأمانهم ، هي أنظف من عكة سككا وشوارع ، وأهلها ألين في الكفر طبائع ، وأجرى إلى بر غرباء المسلمين شمائل ومنازع ، فخلائقهم أسجع ، ومنازلهم أوسع وأفسح ، وأحوال المسلمين بها أهون وأسكن ، وعكة أكبر وأطغى وأكفر» (٤).

أ ـ حصانة المدينة

يقول : «وأما حصانتها ومناعتها فأعجب ما يحدّث فيه ، وذلك أنها

__________________

(١) رحلة ابن جبير : ص ٢٧٤ ، ٢٧٥.

(٢) المصدر السابق : ص ٢٧٧.

(٣) يقصد مدينة صور.

(٤) المصدر السابق : ص ٢٧٧.

٣٢٧

راجعة إلى بابين : أحدهما في البر ، والآخر في البحر ، وهو يحيط بها إلا من جهة واحدة ، فالذي في البر يفضى إليه بعد ولوج ثلاثة أبواب أو أربعة ، كلها في ستائر مشيّدة محيطة بالباب ، وأمّا الذي في البحر فهو مدخل بين برجين مشيدين إلى ميناء ليس في البلاد البحرية أعجب وضعا منها ، يحيط بها سور المدينة من ثلاثة جوانب ، ويحدق بها من الجانب الآخر جدار معقود بالجص. فالسفن تدخل تحت السور وترسو فيها ، وتعترض بين البرجين المذكورين سلسلة عظيمة تمنع عند اعتراضها الداخل والخارج ، فلا مجال للمراكب إلّا عند إزالتها ، وعلى ذلك الباب حرّاس وأمناء ، لا يدخل الداخل ولا يخرج الخارج إلّا على أعينهم ، فشأن هذه الميناء شأن عجيب في حسن الوضع ، ولعكة مثلها في الوضع والصفة لكنها لا تحمل السفن الكبار حمل تلك ، وإنّما ترسو خارجها والمراكب الصغار تدخل إليها ، فالصورية أكمل وأجمل وأحفل» (١).

ب ـ عرس نصراني في صور

يقول : «ومن مشاهد زخارف الدنيا المحدّث بها زفاف عروس شاهدناه في أحد الأيام عند مينائها ، وقد احتفل لذلك جميع النصارى رجالا ونساء ، واصطفوا سماطين عند باب العروس المهداة ، والبوقات تضرب والمزامير وجميع الآلات اللهوية ، حتّى خرجت تتهادى بين رجلين يمسكانها من يمين وشمال ، كأنهما من ذوي أرحامها ، وهي في أبهى زي ، وأفخر لباس ، تسحب أذيال الحرير المذهب سحبا على الهيئة المعهودة من لباسهم ، وعلى رأسها عصابة ذهب قد صفّت بشبكة ذهب منسوجة ، وعلى لبتها مثل ذلك منتظم ، وهي رافلة في حلّها وحللها ، تمشي فترا في فتر مشي الحمامة ، أو

__________________

(١) رحلة ابن جبير : ص ٢٧٧ ، ٢٧٨.

٣٢٨

سير النعامة ، نعوذ بالله من فتنة المناظر. وأمامها جلّة رجالها من النصارى في أفخر ملابسهم البهية ، تسحب أذيالها خلفهم ، ووراءها أكفاؤها ونظراؤها من النصرانيات يتهادين في أنفس الملابس ويرفلن في أرفل الحلى ، والآلات اللهوية قد تقدّمتهم ، والمسلمون وسائر النصارى من النظار قد عادوا في طريقهم سماطين يتطلّعون فيهم ولا ينكرون عليهم ذلك ، فساروا بها حتّى أدخلوها دار بعلها ، وأقاموا يومهم ذلك في وليمة» (١).

ج ـ عين صور

يقول : «ولصور عند بابها عين معينة ينحدر إليها على أدراج والآبار والجباب بها كثيرة لا تخلو دار منها ، والله تعالى يعيد إليها وإلى أخواتها كلمة الإسلام بمنّه وكرمه» (٢).

تاسعا : الشيخ إسماعيل بن العودي الجزيني

[٥٨٠ ه‍ / ١١٨٤ م]

الشيخ شهاب الدين إسماعيل بن الشيخ شرف الدين أبي عبد الله الحسين العودي العاملي الجزيني.

ولد في بلدة جزّين من بلاد عاملة ، في زمن الاحتلال الصليبي أو قبله بقليل ، وكان عالما علامة ، أديبا شاعرا ، تلقّى علومه الأولى في مهبط رأسه جزين ، ودخل العراق ، وزار المشاهد المقدّسة ، وحضر على علماء الحلّة ، ثم رجع إلى بلدة جزّين.

__________________

(١) رحلة ابن جبير : ص ٢٧٨ ، ٢٧٩.

(٢) رحلة ابن جبير : ص ٢٨٣ ، استغرقت رحلته لجبل عامل ستة أيام عدا بقائه بصور عدّة أيام. أخرى

٣٢٩

له كتاب «نظم الياقوت» أرجوزة نظم بها «الياقوت» لابن نبوخت في علم الكلام. وله شعر كثير أورده معاصره ابن شهر آشوب في مناقبه.

وله قصيدة قيّمة في أهل البيت عليهم‌السلام ، وقد أورد هذه القصيدة بتمامها السيد هبة الله ابن أبي محمد الحسن الموسوي في كتابه «المجموع الرائق من أزهار الحدائق» الذي ألّفه سنة ٧٠٣ ه‍ (١).

بيد أن السيد الأمين رحمه‌الله ، قد نسب هذه القصيدة للشيخ محمد بن علي بن الحسين العودي العاملي الجزيني الذي كان حيا سنة ٩٧٥ ه‍ (٢). ويتحدث عن ورودها في كتاب المجموع الرائق مع أنه في ترجمته للسيد هبة الله الموسوي يقول : «وله كتاب المجموع الرائق من أزهار الحدائق» والظاهر أنّه ألّفه سنة ٧٠٣ ه‍ (٣). أي قبل ولادة الشيخ محمد بن العودي بقرنين تقريبا.

يقول الشيخ إسماعيل بن العودي :

بفنا الغريّ وفي عراص العلقمي

تمحى الذنوب عن المسيء المجرم

قبران : قبر للوصيّ وآخر

فيه الحسين فعج عليه وسلّم

هذا قتيل بالطفوف على ظما

وأبوه في كوفان ضرّج بالدم

وإذا دعا داعي الحجيج بمكّة

فإليها قصد للتقيّ المسلم

فاقصدهما وقل السلام عليكما

وعلى الأئمة والنبي الأكرم

أنتم بنو طه وقاف والضحى

وبنو تبارك والكتاب المحكم

وبنو الأباطح والمحصّب والصفا

والركن والبيت العتيق وزمزم

بكم النجاة من الجحيم وأنتم

خير البرية من سلالة آدم

__________________

(١) الذريعة : ج ٢٠ ، ص ٥٥ ، أدب الطف : ص ٢٢١.

(٢) أعيان الشيعة : ج ٩ ، ص ٤٢٥ ، ويقول بأنها وردت في المجموع الرائق.

(٣) المصدر السابق : ج ١٠ ، ص ٢٦٢.

٣٣٠

أنتم مصابيح الدجى لمن اهتدى

والعروة الوثقى التي لم تفصم

وإليكم قصد الولي وأنتم

أنصاره في كل خطب مؤلم

بكم يفوز غدا إذا ما أضرمت

في الحشر للعاصين نار جهنم

من مثلكم في العالمين وعندكم

علم الكتاب وعلم ما لم يعلم

جبريل خادمكم وخادم جدّكم

ولغيركم فيما مضى لم يخدم

أبني رسول الله إن أباكم

من دوحة فيها النبوّة ينتمي

آخاه من دون البرية أحمد

واختصّه بالأمر لو لم يظلم

نص الولاية والخلافة بعده

يوم الغدير له برغم اللوّم

ودعا له الهادي وقال ملبّيا

يا ربّ قد بلّغت فاشهد واعلم

حتّى إذا مرّ الزمان وأصبحوا

مثل الذباب يلوب حول المطعم

طلبوا ثؤرهم ببدر فاقتضوا

بالطفّ ثارهم بحدّ المخذم

غصبوا عليا حقّه وتحكّموا

ظلما بدين الله أيّ تحكم

نبذو كتاب الله خلف ظهورهم

ثم استحلّوا منه كل محرّم

وأتوا على آل النبي بأكبد

حرّى وحقد بعد لم يتصرّم

بئس الجزاء جزوه في أولاده

تالله ما هذي فعائل مسلم

يا لائمي في حب آل محمد

أقصر هبلت عن الملامة أو لم

كيف النجاة لمن علي خصمه

يوم القيامة بين أهل الموسم

وهو الدليل إلى الحقايق عارضت

فيها الشكوك من الضلال المظلم

واختاره المختار دون صحابه

صنوا وزوّجه الإله بفاطم

سل عنه في بدر وسل في خيبر

والخيل تعثر بالقنا المتحطّم

يا من يجادل في علي عاندا

هذي المناقب فاستمع وتقدّم

هم آل ياسين الذين بحبّهم

نرجو النجاة من السعير المضرم

لولاهم ما كان يعرف عاندا

لله بالدين الحنيف القيم

٣٣١

لهم الشفاعة في غد وإليهم

في الحشر كشف ظلامة المتظلّم

مولاكم العودي يرجو في غد

بكم الثواب من الإله المنعم (١)

توفى شيخنا في بلدة جزين سنة ٥٨٠ ه‍ وترك ذرية بها (٢).

عاشرا : حسام الدين بشارة العاملي

[ت ٥٩٨ ه‍ / ١٢٠١ م]

١ ـ اسمه ونسبه

هو حسام الدين بشارة بن أسد الدين بن عامر بن مهلهل بن سليمان بن أحمد بن سلامة العاملي ، من رهط عاملة السبئي ، كما ساق نسبه ابن فتحون في تاريخه (٣).

ووالده أسد الدين العاملي صحب الملك العادل مع أولاده الخمسة ، يقول ابن فتحون : «ثم إنّ أسد الدين بن عامر بن مهلهل والد بشارة صحب الملك العادل هو وأولاده وكانوا خمسة : بشارة ، وعمر ، وقاسم ، وصالح ، ومحمد ، وكان أكبرهم وأجلّهم وأشجعهم بشارة ، وكان جهوري الصوت ، أطول الناس وأقواهم» (٤).

فالاسم ـ إذا ـ عربي محض ، والصفات عربية ، والقبيلة عربية يمنية ، وهو مع هذا فارس شجاع قوي جليل القدر.

__________________

(١) أدب الطف : ج ٣ ، ص ٢١٩ ، ٢٢٠ ، ولا توجود في مراجع التراجم.

(٢) أمل الآمل : ج ١ ، ص ٤١ ، رياض العلماء : ج ١ ، ص ٨٣ ، أعيان الشيعة : ج ٣ ، ص ٣١٩ ، معجم المؤلفين : ج ٢ ، ص ٢٦٥.

(٣) خطط جبل عامل : ص ١٣٢ ، تاريخ جبل عامل : ص ٢٨ ، جبل عامل في التاريخ : ص ٧٦.

(٤) المصدر السابق : ص ١٣٢.

٣٣٢

٢ ـ انتماؤه المذهبي

تحدّثت المصادر المعاصرة لحسام الدين العاملي بإسهاب عن سيرة جميع الأمراء الذين كوّنوا جيش صلاح الدين الأيوبي ، والذين كانوا في أغلبيتهم من الأكراد والأتراك ، كسنقر ، وإياز ، وجهاركس ، وسياروخ وغيرهم. إلا أنها لم تضع لبشارة العاملي ترجمة مستقلّة شأن غيره من الأمراء ، مع أنه كان المقدّم عليهم جميعا في جهاده ومواقفه ، هذا التجاهل لسيرته يخفي في ثناياه العصبية المذهبية التي تمكّنت وتحكّمت في عقول هؤلاء ، ولم يذكروا من سيرته إلّا ما لا يمكن إخفاؤه ، أو ما يمتّ بصلة إلى سير الأحداث والمعارك ، وما رووه عن بسالة وشجاعة سلطانهم الأكبر صلاح الدين.

ولعلّ انتماءه إلى قبيلة عاملة يكشف لنا حقيقة ما تحدّثنا عنه سابقا ، هذه القبيلة التي كانت بأغلبيتها الساحقة ومنذ الفتح الإسلامي على مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، كما صرّح به غالبية من زار هذا الجبل أو تحدّث عنه. وبشارة العاملي من هذه القبيلة ، وأولاده وأحفاده حكموها طيلة ثلاثة قرون ، وكانت علاقتهم مميّزة بعلماء الشيعة في جبل عامل إلى درجة أن الشيخ إبراهيم الكفعمي قد أجاب على بيتين من الشعر ، أرسل بهما أحد الأعيان للأمير نجم الدين بن بشارة العاملي فقال :

وافى كتابك بالسعادة مخبرا

ففضته فإذا السماع عيان

لا زلت مشتملا بضافي بردها

ما سار في أعلى العلى كيوان (١)

ومن يلاحظ حال العامليين وازدهار علومهم في هذه الحقبة التي ساد فيها بنو بشارة ، ثم يلاحظ تقلّص مدارسهم ، وتشرّد علمائهم بعد ذلك.

__________________

(١) أعيان الشيعة : ج ٢ ، ص ١٨٩.

٣٣٣

يقوى شعوره بأن بشارة وأبناءه كانوا من صميم الشيعة ، إذ لا يعقل أن ينقاد العامليون ـ في عنفوان هذا التعصّب المذهبي ـ لبشارة وأبنائه طيلة قرون وهم على خلاف مذهبهم.

وهناك أمر لا يقلّ أهمية عمّا ذكرناه سابقا ، وهو العلاقة الحميمة بين حسام الدين بشارة من ناحية وابني صلاح الدين : الملك الأفضل علي وأخيه المحسن ، هذه العلاقة قامت على إعجابهما بقوة وشجاعة وحكنكة وجلالة حسامنا واستماتته وقومه في الدفاع عن بلاد المسلمين ، إذ سرعان ما أعلنا تشيّعهما لآل البيت عليه‌السلام وخالفا أباهما وأرحامهما في عقيدتهما وهذا ما سأتحدّث عنه لاحقا.

ولم يتحدّث أحد من المؤرّخين عن تشيّع أولاد بشارة إلّا الذهبي المتوفّى سنة ٨٥٢ ه‍ ، وذلك عندما ترجم لمحمد بن سيف بن عمر بن محمد بن بشارة ، فقال : «وفيه (١) قبض على ابن بشارة الرافضي وهو محمد بن سيف بن عمر بن محمد بن بشارة ، وكان قد زاد إفساده في طريق الشام وقطع الطريق فحمل إلى دمشق» (٢) ويحتمل بولياك أن يكون أحفاد بشارة وبنو صبح أو صبيح من الشيعة (٣).

٣ ـ مناطق حكمه

كان جيش صلاح الدين يتألّف من مجموعة جيوش متفرّقة ، على رأس كلّ جيش أمير ، يمثّل مقاطعة أو إقليما معينين ، وكان أغلب أمرائه من

__________________

(١) أي جمادى الآخرة سنة ٨١٩.

(٢) إنباء الغمر : ج ٧ ، ص ٢١٦ ، الضوء اللّامع : ج ٧ ، ص ٢٦٣.

(٣) الإقطاعية في مصر وسوريا وفلسطين ولبنان : ص ٤٥ ، ٤٦.

٣٣٤

الأكراد والأتراك ـ كما سبق وذكرت ـ باستثناء الجيش العربي الأوحد الذي كان يقوده بشارة العاملي.

هذا الجيش تكون في جبل عامل ، ومن أبنائه بعد الاحتلال الصليبي وسياسته القائمة على الضرائب والسخرة والظلم وتدنيس المحرّمات. ما حدا بفريق لا يستهان به من شباب ورجال هذا الجبل بالفرار من مناطق الاحتلال والانتظام تحت لواء حسامنا العاملي.

أ ـ في خدمة الملك الظاهر [٥٨٢ ه‍ / ١١٨٦ م]

أوّل ذكر لحسام الدين كان في يوم الجمعة ٨ جمادى الآخرة سنة ٥٨٢ ه‍ ، أي قبل معركة حطّين بسنة ، حيث سيّر صلاح الدين حسام الدين بشارة من دمشق إلى حلب في خدمة ابنه الملك الظاهر ، يقول ابن شداد : «وسيّر في خدمته شحنة حسام الدين بشارة» (١).

ب ـ ولايته على عكا [٥٨٥ ه‍ / ١١٨٩ م]

وعليه يمكننا أن نرجّح أن يكون حسام الدين قد شارك في معركة حطّين سنة ٥٨٣ ه‍ ، هذه المعركة الفاصلة بين جيش المسلمين وجيش الصليبيين أدّت إلى أن يسطع نجم حسامنا العاملي عاليا ، وهذا ما دفع بصلاح الدين أن يعيّنه أميرا على عكا في سنة ٥٨٥ ، يقول ابن تغري بردي في أحداث هذه السنة : «وفيها ولّى السلطان صلاح الدين على عكة حسام الدين بشارة» (٢).

ج ـ التصدي للصليبيين في النواقير وإسكندرونة [٥٨٥ ه‍ / ١١٨٩ م]

ففي الوقت الذي كانت فيه أعالي جبل عامل إلى جزين قد تحرر من

__________________

(١) النوادر السلطانية : ص ٧٣ ، جبل عامل تحت الاحتلال الصليبي : ص ٧٠.

(٢) النجوم الزاهرة : ج ٦ ، ص ١٠٩ ، الفتح القسي : ص ٢٧٦.

٣٣٥

أيدي الصليبيين ، ولم يبق بأيديهم إلا شقيف أرنون وصور ، كان لا بدّ من وجود جيش قوي في ولاية عكا التي كان الصليبيون يستعدون لاستعادتها ، لذا كان اختيار صلاح الدين لجيش العاملي ليقوم بهذه المهمة.

ويبدو أنه أثناء ولايته على عكا قد اتخذ من بلدة زبقين مركزا لإمارته ، فممّا تناقلته الألسن في جبل عامل ، ونصّ عليه بعض الباحثين أن قرية زبقين من أعمال صور ، كانت مركز إمارة له حيث الآثار الفخمة تدلّ على ذلك (١).

وفي سنة ٥٨٥ أيضا ، حاولت الجيوش الصليبية التقدّم باتجاه عكا ، فتصدّى لها الجيش العاملي في اسكندرونة بعد عبورها عقبة صور ، أي الرأس الأبيض ، يقول الأصفهاني : «.. وصل الخبر يوم الأربعاء ثامن رجب ، أنّ العدو قد ركب ، وأجلب بخيله ورجله ... ونوى القرب من النواقير ... وأن نفرا منهم نفر ، وسبق إلى النواقير وعبر ، ونزل باسكندرونة ، واستباح طرقها المصونة. وهناك من المؤمنين رجال (٢) يحمون طرف الثغر ، ويضمون نشر الأمر ، ويصمون نحر الكفر ، ويجبون غارب الشر ، ويجوبون جانب البحر. ويطوفون للحراسة ، ويطولون بالحماسة. فلمّا رأوا مقدمة الفرنج واقعوها ودافعوها ، وعاقروها وقارعوها. وأهلكوا عدّة ، وملكوا عدة. ولمّا تكاثرت أعداد الأعداء ، استظهروا بالإنكفاء عن الأكفّاء ... ورحل الفرنج ثاني عشر رجب يوم الأحد ، وافية المدد وافرة العدد ، ونزلت على عين بصة» (٣).

د ـ إمارته في بانياس [٥٨٦ ـ ٥٨٨ ه‍] [١١٩٠ ـ ١١٩٢ م]

ويبدو أن السلطان قد وسع إمارة العاملي ، فولّاه على قلعة بانياس ،

__________________

(١) تاريخ جبل عامل : ص ٢٨.

(٢) ليته صرّح إلى من ينتمي هؤلاء المؤمنين الشجعان ، ولكن أليست اسكندرونة والنواقير تدخل ضمن إمارة عكا؟ أم أنها خارجة عنها؟

(٣) الفتح القسي : ص ٢٩٦.

٣٣٦

فاتّخذها مقرّا له ولأولاده ، وجعل من قلعة تبنين مركزا لعملياته العسكرية. يقول الأصفهاني ، وهو يصف تشكيل جيش صلاح الدين وهو يتقدّم للقتال حول عكا في شوال سنة ٥٨٦ ه‍ : «فسار حتّى وقف على تلّ عند الخروبة على المهابة الحالية ، والحالة المحبوبة ... ومقدّموا ميمنته عظماء دولته ، صاحب دمشق و... والأمير بشارة صاحب بانياس وهو الذي لا يرجو منازلته إلّا من فيه بان اليأس» (١) فحسام الدين كان في ميمنته جيش صلاح الدين ، وهو من عظماء دولته ولا يستطيع مواجهته إلّا من كان يائسا من الحياة.

وفي ١٦ جمادى سنة ٥٨٨ ه‍ وصل كتاب من حسام الدين بشارة إلى صلاح الدين يخبره عن واقعة حدثت مع الجيش الصليبي ، يقول ابن شداد : «وصل كتاب من حسام الدين بشارة يذكر فيه أنّه تخلّف في صور مائة مركب. وانضمّ إليهم من عكا مقدار خمسين وطرحوا فخرجوا لشنّ الغارة على البلاد الإسلامية (٢) ، فوقع عليهم العسكر المرصد لحفظ البلاد من ذلك الطرف (٣) ، وجرى بينهم قتال شديد ، قتل من العدوّ خمسة عشر نفرا ، ولم يقتل من المسلمين أحد وعادوا خائبين خاسرين» (٤)

ه ـ قبل وفاة صلاح الدين وبعدها [٥٨٩ ه‍ / ١١٩٣ م]

في سنة ٥٨٩ ه‍ وهي السنة التي توفى بها صلاح الدين ، كان الأمير بشارة قد بلغ أوج عزّه ومكانته ، فوصفه ابن شداد ب «المقدم على هؤلاء» ويعني بهم الأمراء الذين حضروا المجلس الذي عقده الملك الأفضل علي

__________________

(١) الفتح القسي : ص ٤٤٢ ، النوادر السلطانية : ص ١٤٧ ، وهو الذي حدّد زمن وقوفهم على الخروبة في شوال سنة ٥٨٦ ، تاريخ ابن الفرات : م ٤ ، ج ١ ، ص ٢٢٥ ، ويجعل جيش حسام الدين في أوّل الميمنة ، السلوك : ج ١ ، ص ١٠٢.

(٢) يقصد جبل عامل.

(٣) يقصد جيش الحسام العاملي. لكنه لم يذكره بالإسم ، فلاحظ.

(٤) النوادر السلطانية : ص ٢١٠.

٣٣٧

أثناء احتضار والده ، ليحلفهم على الإخلاص له وهم : أسامة الحلبي ، وصاحب دمشق ، وصاحب شيزر وغيرهم ، فيقول : «وحضر حسام الدين بشارة وحلف ـ وكان مقدما على هؤلاء ...» (١).

وبعد وفاة صلاح الدين أي في سنة ٥٩٠ ه‍ نجد أن العاملي يتوسّط لحلّ الخلاف الذي نشأ بين العائلة الأيّوبية ، يقول المقريزي في أحداث ١٠ محرّم سنة ٥٩٠ ه‍ : «وفي عاشره قدم الأمير حسام الدين بشارة من عند الملك العادل وبقية الأولاد الناصرية ، فتلقّاه السلطان والأمراء ، وحمل إليه سماط السلطنة ، فطلب الموافقة بين الأهل» (٢).

و ـ إمارته على تبنين [٥٩٤ ه‍ / ١١٩٧ م]

في سنة ٥٩٤ ه‍ كانت تبنين بيد حسام الدين بشارة ، فجاءت الجيوش الصليبية وحاصرتها ، يقول ابن واصل المتوفّى سنة ٦٩٧ ه‍ : «ولمّا جرى ما ذكرناه عظم ذلك على الفرنج ، فقصدوا تبنين ، وكانت بيد حسام الدين بشارة ، فنازلوها بفارسهم وراجلهم ، وأحدقوا بها وضايقوها ... فلمّا جنّ الليل رحل الفرنج عن تبنين عائدين إلى صور» (٣).

ز ـ وفاته [٥٩٨ ه‍ / ١٢٠١ م]

في سنة ٥٩٥ ه‍ دخل العادل ومن معه إلى دمشق ، وجاء الظاهر بعكسر حلب وجاء عسكر حماه وحمص ، وبشارة من بانياس (٤).

وفي سنة ٥٩٧ ه‍ كانت نهاية حكم حسام الدين بشارة على بانياس.

__________________

(١) النوادر السلطانية : ص ٢٤٥ ، النجوم الزاهرة : ج ٦ ، ص ٥٩.

(٢) السلوك : ج ١ ، ص ١٢٠.

(٣) مفرج الكروب : ج ٣ ، ص ٧٥ ، ٧٦ ، ١١٧. تاريخ ابن الفرات : م ٤ ، ج ٢ ، ص ١٣٥.

(٤) النجوم الزاهرة : ج ٦ ، ص ١٤٨.

٣٣٨

يقول ابن واصل : «وكان الملك العادل قد جهّز فخر الدين جهاركس إلى بانياس لحصرها وأخذها من حسام الدين بشارة. وإنّما فعل ذلك الملك العادل. ذلك استصلاحا لجهاركس إذ هو مقدّم الصلاحية ، وغضبا على بشارة لكونه لمّا توجّه إلى مصر خلف الملك الأفضل ، طلبه ليحلف له ويكون معه فامتنع. فنازل جهاركس بشارة ، وأعانه الملك المعظّم على ذلك حتّى تسلّمها» (١) ، وبعد سنة على إخراجه توفّى الأمير بشارة في السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة ٥٩٨ ه‍ كما ذكر أبو شامة (٢) إلا أن الذهبي يعتبر أنّه توفى في بانياس وليس خارجها (٣).

ممّا تقدّم نعلم بأن حكم هذا الأمير العاملي ، كان يشمل معظم مناطق جبل عامل ـ يومئذ ـ من عكا إلى زبقين إلى هونين وتبنين وبانياس وما حولها من البلاد والدساكر ، فقد وحد كلمتها ، وجعل لها حكما شبه مستقلّ ، فأخذت اسمه «بلاد بشارة» حتّى كاد ينسخ اسمها الأول «جبل عاملة». ولا تزال المناطق الجنوبية من هذا الجبل تعرف بهذا الاسم ، وتفتخر به.

الحادي عشر : صلاح الدين الأيوبي وحربه للصليبيين

بدأت المعارك بين صلاح الدين والصليبيين سنة ٥٨٣ ه‍ ، وكان الأصفهاني المؤرّخ المتوفّى سنة ٥٩٧ ه‍ من الملازمين له في معاركه ،

__________________

(١) مفرج الكروب : ج ٣ ، ص ١١٧. السلوك : ج ١ ص ١٥٤ ، تاريخ ابن الفرات : م ٤ ج ٢ ص ١٨٢ ، ١٩٣.

(٢) الذيل على الروضتين : ص ٣١.

(٣) تاريخ الإسلام (٥٩١ ـ ٦٠٠) ، ص ٣٤١ ، وقد تحدّثت عن حسام الدين بشارة قبل فتوحات صلاح الدين ليتعرّف القارىء على مساهمة العامليين الأساسية في هذه الفتوحات.

٣٣٩

وشاهد الأحداث بنفسه وكتب كتابه الفتح القسي ما بين ٥٨٣ ه‍ ـ ٥٨٩ ه‍ ، لذا سأعتمده كمصدر أساسي في هذا الباب ، مع توضيح ما أمكن من نصوصه باعتماد المصادر الأخرى.

١ ـ فتح تبنين : [٥٨٣ ه‍ / ١١٨٧ م]

كان فتح تبنين نهار الأحد في ١٨ من جمادى الأولى سنة ٥٨٣ ه‍ ، وتمّ حصارها أسبوعا كاملا قبل فتحها على يد ابن أخ صلاح الدين ، يقول الأصفهاني : «أوعز السلطان إلى ابن أخيه الملك المظفر عمر بن شاهنشاه تقي الدين بقصد حصن تبنين ، وأن يتوكّل على الله فيه ويستعين ... ووصلنا إلى تبنين (١) في ثلاث مراحل. فرمينا أهل التثليث فيها بثالثة الأثافي (٢) ، وأوطأناهم بشفاه الشفار (٣) ، على حدود الأشافي. ونزلنا عليها بالنوازل. وبسطنا من المجانيق عليها أيدي الغوائل ، فتبلّدوا من الرعب ، وتجلّدوا على الحرب ... وراسلوا السلطان ، وسألوا الأمان ، واستمهلوا خمسة أيّام لينزلوا بأموالهم فأمهلوا. وبذلوا رهائن (٤) من مقدّميهم ووفوا بما بذلوا ... ولمّا خلوا القلعة وأخلوا البقعة ، سيّرهم ومعهم من العسكر المنصور من أوصلهم إلى صور» (٥).

٢ ـ فتح الصرفند [٥٨٣ ه‍ / ١١٨٧ م]

بعد أن انتهى جيش صلاح الدين من فتح تبنين توجّه إلى مدينة صيدا في

__________________

(١) وصلوا إليها في ١١ جمادى الأولى سنة ٥٨٣ ه‍.

(٢) الأثافي : الشرّ كله.

(٣) الشفار : حد السيوف.

(٤) أطلقوا أسرى المسلمين ، وهم يزيدون على مائة رجل.

(٥) الفتح القسي : ص ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، الروضتين : م ٢ ، ج ١ ، ص ٢٠٧ ، ١٥٢ ، الكامل : ج ٧ ، ص ٣٢٩ ، السلوك : ج ١ ، ص ٩٥.

٣٤٠