الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

علي داود جابر

الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

المؤلف:

علي داود جابر


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٠

صور الأموال وغيرها ، ثم أصلحوا ما تشعث من سورها وخندقها وكان الفرنج قد طموه» (١).

٦ ـ بناء حصن اسكندرونة [٥١٠ ه‍ / ١١١٦ م]

وفي سنة ٥١٠ ه‍ / ١١١٦ م بنى بلدوين حصن اسكندرونة لشنّ الغارات على صور ، يقول الصوري : «وكان الملك بلدوين الأول ... قد اختار بقعة ساحلية تقع على بعد ستة أميال أو سبعة إلى الجنوب من صور ، وهذه البقعة قريبة من نبع ماء صاف وعذب وشيّد حصنا عرف بحصن سكند اليوم» (٢).

ويتحدّث عن تجديد بنائها فيقول : «قد جدّد الملك بلدوين بناءها لتكون شوكة في جنب أهل صور تقضّ مضجعهم وتصلح أن تشنّ الغارات منها عليهم ، ويصحف الناس اليوم اسم هذا المكان فيقولون سكند اليوم ، ويرجع ذلك إلى أن الإسكندر يسمّى بالعربية بسكندر» (٣).

٧ ـ سقوط تبنين [٥١١ ه‍ / ١١١٧ م]

وفي سنة ٥١١ ه‍ أعاد الصليبيون سيطرتهم على تبنين (٤) ، وبقيت صور مستعصية عليهم.

__________________

(١) الكامل : ج ٦ ، ص ٥٠٩ ، ٥١٠. وعن تخريب بغدوين للأرزاق وشدّة المقاومة في وجهه يقول ابن القلانسي : «وتقدم بقطع الشجر والنخيل وبنى بيوت الإقامة عليها وزحف إليها ، فقاتلها عدّة دفعات ويعود خاسرا ، لم ينل منها غرض ، وقيل إنّ أهل صور رشقوا في بعض الأيام مقاتلتها في يوم واحد بعشرين ألف سهم» راجع ذيل تاريخ دمشق : ص ١٧٨ ، والحروب الصليبية : ج ٣ ، ص ٢٩.

(٢) الحروب الصليبية : ج ٣ ، ص ٤٢ ، الحركة الصليبية : ج ١ ، ص ٣٢٨.

(٣) الحروب الصليبية : ج ٢ ، ص ٣٢٨ ، ويعتبر الشيخ علي الزين أن القلعة التي بناها بلدوين لإحكام السيطرة على صور هي قلعة شمع وليست حصن اسكندرونة.

راجع : للبحث عن تاريخنا : ص ٣٢٩.

(٤) النجوم الزاهرة : ج ٥ ، ص ١٧٠.

٣٠١

٧ ـ سقوط صور [٥١٨ ه‍ / ١١٢٤ م]

استمرّ عزّ الملك أنوشتكين واليا على صور من سنة ٤٩٠ ه‍ إلى سنة ٥٠٦ ه‍ ، ففي هذه السنة عيّن طغتكين حاكم دمشق واليا جديدا على صور هو مسعود السّلار بعد مراسلات وصلته من أهل صور ، وبادر بالكتابة إلى مصر يطلع الأفضل على ما اتّخذه ، ويطمئنه بأن صور لا تزال على تبعيتها للسيادة الفاطمية (١) ، واستحسن الأفضل ما أقدم عليه طغتكين ، وبعث إليه كتابا جاء فيه : «إن هذا أمر وقع منّا أجمل موقع وأحسن موضع» (٢). واهتمّ بعد ذلك بتجهيز أسطول يحمل إلى صور الغلال والميرة وأعطى قيادته إلى والي طرابلس السابق شرف الدولة بن أبي الطيب الدمشقي ، ووصل إلى صور في آخر شهر صفر سنة ٥٠٧ ه‍. وفيه كلّ ما يحتاج إليه أهلها ، فرخصت الأسعار بها ، وحسنت أحوال الناس ، وأيقن بلدوين أنّ من الصعب منازلة صور بعد هذه التطوّرات ، فأرسل إلى واليها مسعود المقيم بها يلتمس منه عقد هدنة بينهما ، فاستجاب لرغبته ، وانعقدت الهدنة بين الطرفين ، وكان لذلك أثره الإيجابي على الحركة التجارية فاستقامت الأحوال ، وأمن الناس على أنفسهم ، وتردّد التجار والسّفار الواردين على المنطقة من جميع الأقطار (٣).

واستمرّ الهدوء قائما على جبهة صور لعدّة سنوات ، فدخلها أحد أولاد الملك «تكش» ابن السلطان «ألب أرسلان» ومنها انتقل إلى مصر حيث تلقاه الأفضل (٤).

__________________

(١) ذيل تاريخ دمشق : ص ١٨٢.

(٢) المصدر السابق : ص ١٨٨.

(٣) المصدر السابق : ص ١٨٨ ، ١٨٩ ، الأعلاق الخطيرة : ج ٢ ، ص ١٦٩.

(٤) المصدر السابق : ص ٧١٩ ، لبنان من السيادة الفاطمية : ق ١ ، ص ٣٠٠.

٣٠٢

وفي سنة ٥١٥ قتل الأفضل في مصر وتولّى بعده المأمون بن البطائحي ، فقام في السنة التالية أي ٥١٦ ه‍ بالقبض على مسعود نائب صور بعد أن كثرت الشكاوى بحقّه من أهل صور لمعاملته السيئة معهم والإضرار بهم (١) يقول ابن الأثير : «وبقيت بيد مسعود إلى ما بعد قتل الأفضل. فأرسل الفاطميون أسطولا ، وأمروا المقدم عليه أن يعمل الحيلة على مسعود ويقبض عليه ويتسلّم البلد منه ، لأن أهل صور أكثروا الشكوى منه إلى الآمر بأحكام الله ، وألقى القبض على مسعود ، وتسلّم الوالي الفاطمي صور ، ورضي طغتكين صاحب دمشق بذلك» (٢).

إذا تولّى الوالي الفاطمي وحشي بن طلائع على صور ، فطيّب قلوب الناس وراسل طغتكين يخبره أن ما أقدم عليه بسبب شكوى أهل صور من مسعود ، فأحسن طغتكين الجواب وتفهّم صدق موقفه.

ولمّا علم الصليبيون بانصراف مسعود ، شرعوا في الجمع والتأهّب للنزول عليها ، فعلم الوالي بذلك ، فأرسل إلى الآمر يخبره بالأمر ، فرأى الآمر أن يرد ولاية صور إلى طغتكين صاحب دمشق وهذا ما حصل في شهر جمادى الأولى من سنة ٥١٧ ه‍ عندما أرسل طغتكين نائبا عنه ليتولّى أمرها هو القاضي الأعزّ محمد بن اللبان وعاد وحشي بن طلائع إلى مصر (٣) وأرسل معه جماعة غير كفوئين وأخذت الأمور تسير من سيء إلى أسوأ ، ففسد أمر المدينة بدل إصلاحه (٤).

وبعد معاهدة تمّ توقيعها في عكا بين الصليبيين أنفسهم تقاسموا فيها

__________________

(١) الأعلاق الخطيرة : ج ٢ ، ص ١٦٩.

(٢) الكامل : ج ٦ ، ص ٥٩٣.

(٣) لبنان من السيادة الفاطمية : ق ١ ، ص ٣٠٣.

(٤) ذيل تاريخ دمشق : ص ٢٠٩.

٣٠٣

صور وعسقلان فيما بينهم. سار عساكر الإفرنج برا وبحرا حتّى وصلوا إلى صور في شهر ربيع الأول سنة ٥١٨ ه‍ وحاصروها وقطعوا مياه الشرب عنها بسدّ السقاية التي تسقي المدينة من مياه رأس العين.

واستمرّ الحصار طوال فصل الربيع ، وامتدّ إلى أوائل الصيف ، وكان الإفرنج أثناء ذلك لا يتوقّفون عن قذف أسوار المدينة من مواقعهم عبر البرزخ الموصل إلى المدينة ، بالآلات الحربية. وفي المقابل كان أهل صور مجهّزين بآلات المنجنيق التي ترمي الإفرنج بالحجارة والنيران ، واستبسلوا في الدفاع والقتال رغم إمكاناتهم الضئيلة حتّى اشتدّ عليهم الحصار ، وبدأ مخزون المياه في خزانات المدينة بالنفاذ ، وظهر السأم والوهن على معظم أهل المدينة لطول الحصار وانقطاع الأمل بوصول الإمدادات من مصر أو دمشق وأشرف أهلها على الهلاك (١).

ويتحدّث ابن جبير عن الحالة التي وصل إليها أهل صور أثناء حصار مدينتهم ، فيقول عن لسان شيخ من أهل صور : «ذكر لنا أنّهم انتهوا منها لحال نعوذ بالله منها ، وأنّهم حملتهم الأنفة على أن همّوا بركوب خطة عصمهم الله منها ، وذلك أنّهم عزموا على أن يجمعوا أهاليهم وأبناءهم في المسجد الجامع ويحملوا السيف عليهم غيرة من تملّك النصارى لهم ثم يخرجوا إلى عدوّهم بعزمة نافذة ويصدمونهم صدمة صادقة حتّى يموتوا على دم واحد ، ويقضي الله قضاءه ، فمنعهم من ذلك فقهاؤهم والمتورّعون منهم» (٢).

وخشي طغتكين أن تسقط المدينة حربا بأيدي الصليبيين ، ويباد أهلها ، فجمع عسكره وخيم بالقرب من النهر المتاخم لصور ، وبعث رسلا يعرضون

__________________

(١) الكامل : ج ٦ ، ص ٥٩٣ ، ٥٩٤ ، ويروي قصة سقوط صور بشكل تفصيلي.

(٢) رحلة ابن جبير : ص ٢٧٩ ، الروض المعطار : ص ٣٦٩ ، انظر كثرة الفقهاء في هذه المدينة.

٣٠٤

الصلح مع الصليبيين وطال الأخذ والردّ بين الطرفين حتّى انتهوا أخيرا إلى عقد موادعة بينهما تنصّ على أن تستسلم المدينة إلى الصليبيين ، على أن يسمح أن يغادرها من أهلها من شاء مغادرتها (١).

وجاء طغتكين بعسكره فوقف بإزاء الإفرنج ووقفوا بإزائه ، وصاروا صفين ، وفتحت المدينة أبوابها وخرج أهلها يمرّون بين الصفّين (٢) وتفرّق أهلها في البلاد ، وقصد قاضيها الأعزّ دمشق ولم يبق فيها إلّا الضعيف عجز عن الحركة ، وملك الفرنج البلد في الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة ٥١٨ ه‍ (٣).

ودخل الصليبيون إليها ورفعوا راياتهم فوق أبنيتها ، يقول وليم الصوري : «ثم رفع بيرق الملك على البرج الموجود فوق باب المدينة رمزا للنصر الذي أحرزه الصليبيون ، كما نصّبت راية دوج البندقية على البرج المسمّى بالبرج الأخضر ، بينما خفقت أعلام كوّنت طرابلس على برج تاراناريا» (٤).

وبسقوط صور أصبح الساحل الممتدّ من طرابلس حتّى عسقلان بيد الصليبيين وبالتالي خضعت أغلبية البلاد العاملية للاحتلال الصليبي اللهمّ سوى حصن الشيعة في منطقة جزّين.

ويبدو أنّ الشيعة كانوا شديدي الامتعاض من تصرّفات والي صور القاضي الأعزّ ومن مساعديه الذين كانوا السبب في إفساد أمرها. لذا نرى

__________________

(١) الحروب الصليبية : ج ٣ ، ص ٤٠.

(٢) النجوم الزاهرة : ج ٥ ، ص ١٨٣.

(٣) معجم البلدان : ج ٣ ، ص ٤٣٣ ، الكامل : ج ٦ ، ص ٥٩٤ ، كنز الدرر : ج ٦ ، ص ٤٩٤ ، اتّعاظ الحنفا : ج ٣ ، ص ١٣١ ، الإعلام والتبيين : ص ٢٤.

(٤) الحروب الصليبية : ج ٣ ، ص ٤١.

٣٠٥

الشاعر ابن منير الطرابلس يهجو القاضي الأعزّ هجاء مريرا عندما رآه بدمشق بعد فراره من صور ، فقال يصف عمامته :

هو قاض كما تقول ولكن

ما عليه من القضاء علامه

عمة تملأ الفضاء عليه

فوق وجه كعشر عشر القلامه

وعليها من التصاوير ما لم

يجمع القدس مثله وقمامه (١)

ولابن منير هجاء مقذع في القاضي الأعزّ موجود في قصيدته الزائية المشهورة ، وهي من أطرف القصائد في بابها ، منها :

كنت يوما في باب جيرون أتلو

آية الدين عند بيّاع خبز

فإذا وقع بغلة وغلام

يفرّج الناس بين دفع ولهز

وعليها فتى ضئيل المحيّا

مكثر من ملوّنات وطرز

قلت : من ذا؟ فقيل قاض جليل

لقّبوه في بيته بالأعزّ

قال لما أن قد اكتفيت وقد

أيقن أنّي قد صرت زادا بكرز

ما تعاني من الصنائع؟ قلت :

النحو والشعر والترسل خبزي

وجرى بيننا اجتماع مرارا

فمهنّ طورا وطورا معزّي

فهو إن غاب حنّ [...] إليه

وإذا غبت حنّ موضع حزي (٢)

ثانيا : الضحاك بن جندل البقاعي

[٥١٥ ـ ٥٥٦ ه‍] [١١٢١ ـ ١١٦٠ م]

١ ـ أصل الضحاك ومذهبه

جاء في كتاب أمل الآمل في تاريخ قبائل جبل عامل وجبل لبنان

__________________

(١) ديوان ابن منير : ص ١٤٦ ، وهاتان القصيدتان طويلتان فلينظر.

(٢) ديوان ابن منير : ص ١٤٧ ، ١٤٨.

٣٠٦

والبقاع للشيخ محمد بن الشيخ حسن الحرّ العاملي ، عن الشهيد الأول محمد بن مكّي الجزّيني العاملي ، عن علي بن عبد العال الميسي ، وعن الشهيد الثاني زين الدين الجبعي العاملي ، قال : أتى من بلاد الموصل والعراق في سنة ٥١٥ ه‍ في زمن الصليبيين أحد أفراد بني حمدان المدعوّ الضحاك بن جندل الحمداني التغلبي الوائلي من آل ربيعة بن نزار مع أحلافه من قيس ، وقيس من مضر ، وحلف من قحطان ، مع عشائر من بني تغلب ، والنمر بن قاسط بن وائل من آل ربيعة بن نزار ، إلى البلاد الشامية ، وعمل عند ملك الشام المدعوّ طغتكين التركي السلجوقي ، فأعطاه إمارة وادي التيم والشوف ، فعمّرها وسكن بها مع عشائره وأحلافه من مضر وقحطان ، وقد كانوا يقدرون أثناءها بأكثر من ستّين ألف فارس وراجل. وكان يغير على بلاد الإفرنج في جبل عامل وسواحل لبنان ، إلى أن اشتدّ ساعده فقضى على ملك الشام المدعوّ شمس الملوك إسماعيل حفيد طاغتكين ، فحاربه إسماعيل المذكور وانتزع منه إمارة البلاد المذكورة وعوّضه عنها بعلبك والبقاع ، وذلك لأن الضحّاك بن جندل كان في بعض الأوقات يتحالف مع الإفرنج ضدّ ملك الشام ، ولأن ملك الشام كان شديد التعصّب على الشيعة ، والتشيّع كان مذهب الضحاك وعشائره وأحلافه ، فبقي في إمارة بعلبك إلى أن انتزعها منه الشهيد نور الدين بن زنكي ملك الشام ، ورجع إلى بلاد الشقيف ووادي التيم من دون إمارة إلى أن اعتنق بعض عشائره وأحلافه الدعوة الإسماعيلية «أي الدرزية» فعندها. انقسمت عشائره وأحلافه إلى شيعة إمامية وشيعة درزية «هذا ما جاء كاملا في موجز تاريخ عائلة آل عمرو» (١).

__________________

(١) موجز تاريخ آل عمرو.

٣٠٧

وقال الأمير حيدر الشهابي : «وجندل هذا كان رجلا من البقاع حصل له الحظّ في خدمة الملوك الفاطميين لأنه كان ذا شجاعة وعقل ، فتولّى على بلاد وادي التيم ، وإليه تنسب قلعة جندل التي في سفح جبل الشام قرب راشيا الوادي ، ومن بعض ذرّيته المقدم فايز. وقد أخذها الأمير محسن ، وبقيت بلاد وادي التيم لجندل في حياته ولبنيه من بعده ، إلى أن ظهر من ذرّية جندل أبو الضحاك المذكور ، وكان شجاعا ذا تدبير ومعرفة طائلة ، فاستولى على بلاد جبل عامل ، وضمّها إلى بلاد وادي التيم ، ولمّا توفّي قام بعده ولده الضحّاك ، وتولّى على ما كان في يد أبيه ، وفتح إسماعيل شمس الملوك صاحب دمشق حصن الشقيف سنة ٥٢٨ ه‍ ثم التحق الضحّاك بعد ذلك بمجير الدين أرتق صاحب دمشق» (١).

٢ ـ ملاحظاتنا حول ما تقدّم

أ ـ كتاب أمل الآمل المذكور في النصّ

لم يعرف للشيخ محمد بن الحسن الملقّب بالحرّ العاملي ، سوى كتابه أمل الآمل في علماء جبل عامل ، أما الكتاب المذكور في موجز تاريخ آل عمرو. فلم يصرّح باسمه أحد من المؤرّخين ، إلا أنني سأورد ملاحظتين هامتين :

١ ـ كامل عمرو والسيد محسن الأمين : برواية الشيخ يوسف عمرو قال : «دخل المرحوم الشيخ كامل عمرو وسلّم على السيد محسن الأمين ، وقدّم له كتابا خطّيا قديما (٢). وكان قول السيد الأمين (قده) بعد اّطلاعه على ذلك الكتاب للشيخ كامل عمرو : إنّني أحرم عليك وأمنعك من أن يطلع

__________________

(١) تاريخ الأمير حيدر الشهابي : ج ٢ ، ص ٤٦٨.

(٢) يعني به كتاب آمل الآمل المذكور في الموجز.

٣٠٨

أحد على هذا الكتاب لأن في ذلك وقوع فتنة عمياء بين الشيعة في البقاع ، وجبل لبنان ، وسائر لبنان ، لما في هذا الكتاب من وقائع وآثار تبيّن أنّ بعض العائلات الشيعية التي تنسب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليسوا بسادة أشراف (١) ، وأن بعض العائلات الأخرى ، هم من العبيد والمماليك ثم ردّ إليه الكتاب ... وقد تقيّد المرحوم الشيخ كامل عمرو بهذه الفتوى طيلة حياته ولم يفرط في ذلك الكتاب أبدا. إلى أن حدثت فتنة عمياء بعد وفاته بين أرحامنا من أبناء المرحوم علي رضا محمد كاظم عمرو من جهة وبين آل سويدان من جهة أخرى في شهر آب سنة ١٩٨٣ م. قام آل سويدان بعدها بتهجير أرحامنا من مزرعة السلوقي وحرق بيوتهم ، وكان بين تلك البيوت بيت المرحوم كامل عمرو ، ومكتبته ، ومن بينها كتابه الآنف الذكر (٢).

٢ ـ كتاب الشيخ حسين نور الدين : برواية الشيخ محمد تقي الفقيه العاملي : «حدّثني العلّامة الشيخ علي نور الدين حفيد العلّامة الشيخ حسين نور الدين أن جدّه المذكور كان عنده كتاب يتضمّن أنساب العامليين ، وأنّه إنّما كان يخفيه لاشتماله على معايب بعض العوائل (٣).

ب ـ قدوم الضحاك وتحالفه مع الصليبيين

يبدو من نصّ الأمير حيدر الشهابي أن جندل جد الضحّاك كان يحكم وادي التيم منذ فترة الحكم الفاطمي ، فهل أن أبناءه ذهبوا إلى العراق

__________________

(١) أقول : ما هذا التبرير للتحريم؟ وما ذا نفعل بحقوق الله تعالى في سهم السادة التي هو من فروع مذهبنا؟؟. وكيف يتصرف العبد المملوك إذا حكم الناس وسيطر على مقدراتهم؟!.

(٢) ملاحظات القاضي يوسف عمرو : ص ١١ ، وهذا هو مصير ذخائرنا أما الإحراق بأيدي الغير أو الإحراق والتلف بأيدينا ، وإنني في هذا المقام أناشد جميع من لهم غيرة على تأريخ هذه البلاد بإبراز ما تحتويه زواياهم ورفوفهم من مخطوطات تفيد الباحثين في هذا المجال.

(٣) جبل عامل في التاريخ : ص ٣٨٣ ه‍.

٣٠٩

والحجاز وعادوا من جديد إلى جبل عاملة؟ في فترة السيطرة الصليبية؟ أم أن أحلافه من قيس وقحطان وتغلب وسواهم قصدوا الضحّاك في تلك الفترة من الزمن؟ وهم الذين جاؤوا من العراق والحجاز لا الضحاك بن حندل؟

أما قضية تحالفه مع الصليبيين فنقول : إنّ الرجل كان مجاهدا ومدافعا عن بلاد المسلمين فكان يغير باستمرار على بلاد الإفرنج في جبل عامل ، وبقي كذلك إلى سنة ٥٢٠ ه‍ ، ففي هذه السنة قام طغتكين حاكم دمشق بتسليم قلعة بانياس التي كانت تتبع لحكم الضحاك إلى بهرام داعي الباطنية ، يقول ابن الأثير : «فطلب (١) من طغتكين حصنا يأوي إليه هو ومن اتّبعه ، فأشار الوزير بتسليم قلعة بانياس إليه ، فسلّمت إليه» (٢).

ونتيجة لذلك ، أوقف الضحّاك غاراته على الصليبيين ، وأخذ يزعج حاكم دمشق ، يقول نديم نايف حمزة : «ربما كان الضحاك بن جندل قد هادن الفرنجة في تلك الأثناء حيث يذكر أن فرنجة صيدا من آل غارينيه كانوا لا يتعرّضون له ، وكان لا يزعجهم بمقدار ما يزعج حكّام دمشق ، على أن موقف الضحّاك كان بعد أن قبل طغتكين بتسليم بهرام عام ٥٢٠ قلعة بانياس القريبة من وادي اليتم» (٣). وفي الوقت نفسه تفرّغ حاكم دمشق لقتال الضحّاك وقومه.

٣ ـ مقتل برق أخي الضحّاك [٥٢٣ ه‍ / ١١٢٨ م]

كان للضحّاك بن جندل أخ يدعى برق ، فقرّر بهرام حاكم بانياس الجديد أن يقتله دونما سبب سوى انتقامه من أخيه الضحّاك ، يقول الذهبي :

__________________

(١) الضمير يعود لبهرام.

(٢) الكامل : ج ٦ ، ص ٦٠٢ ، وكان تسليمها لهم في ذي القعدة سنة ٥٢٠ فعظم أمر الإسماعيلية وقويت شوكتهم بها. راجع : الكامل : ج ٦ ، ص ٦٠١.

(٣) التنّوخيون : ص ٨٨.

٣١٠

«فخدعه إلى أن وقع في يده ، فذبحه ، وتألّم الناس لذلك ، لشهامته وحسنه وحداثة سنّه ، ولعنوا من قتله علانية ، فحملت الحمية أخاه الضحاك وقومه على الأخذ بثأره ، فتجمّعوا أو تحالفوا على بذل المهج في طلب الثأر ، فعرف بهرام الحال ، فقصد بجموعه وادي اليتم ، وقد استعدّوا لحربه ... فكبس الضحاك عسكر بهرام ، وقتل طائفة منهم ، ورجعوا إلى بانياس بأسوأ حال ، وقطع رأس بهرام» (١).

٤ ـ الضحاك حاكما على شقيف تيرون [٥٢٨ ه‍ / ١١٣٣ م]

يتحدّث ابن الأثير في أحداث سنة ٥٢٨ ه‍ ، فيقول : في هذه السنة ، سار شمس الملوك إسماعيل من دمشق إلى شقيف تيرون ، وهو في الجبل المطلّ على بيروت وصيدا ، وكان بيد الضحّاك بن جندل رئيس وادي التيم ، قد تغلّب عليه وامتنع به ، فتحاماه المسلمون والفرنج ، يحتمي كل طائفة بالأخرى ، فسار شمس الملوك إليه في هذه السنة ، وأخذه منه في المحرم ، وعظم أخذه على الفرنج لأن الضحّاك كان لا يتعرّض لشيء من بلادهم المجاورة له» (٢).

٥ ـ الضحاك حاكم بعلبك ووادي التيم [٥٥٦ ه‍ / ١١٠٦ م]

يقول الأمير حيدر الشهابي : «ولمّا فتح مجير الدين [أرتق] بعلبك وأخذها من نجم الدين أيوب نائب عماد الدين زنكي سنة ٥٤٠ ه‍ ولّى الضحاك ابن جندل عليها. وفيها فتحها السلطان نور الدين سنة ٥٤٩ ه‍ ،

__________________

(١) تاريخ الإسلام (٥٢١ ـ ٥٤٠) ، ص ١٦ ، ١٩ وتحدّث ابن الأثير عن هذا الموضوع.

راجع الكامل : ج ٦ ، ص ٦١٦ ، وابن شداد راجع الأعلاق الخطيرة : ج ٢ ، ص ١٤٠.

(٢) الكامل : ج ٦ ، ص ٦٤٠ ، وج ٧ ، ص ١٢٩ ، ١٣٠ ، الأعلاق الخطيرة : ج ٢ ، ص ١٥٤. ويذكر أنه شقيف أرنون ، تاريخ حيدر الشهابي : ج ٢ ، ص ٤٤٦.

٣١١

ولمّا أخذت بعلبك منه رجع إلى وادي التيم ، ومنه أخذ نور الدين وادي التيم سنة تاريخه أي ٥٥٦ ه‍» (١).

ثالثا : جبل عامل بين [٥٣٤ ـ ٥٥٢ ه‍] [١١٣٩ ـ ١١٥٧ م]

١ ـ الشاعر علي بن عبد الله بن الحسن بن المحسن ال صور ي [حيا قبل ٥٣٧ ه‍ / ١١٤٢ م]

شاعر من مدينة صور ، ومن أحفاد الشاعر عبد المحسن الصوري ، إذ هو جدّ أبيه ، زار دمشق وسكن فيها ، وربّما ترك مدينته صور فيمن تركها بعد سقوطها بأيدي الصليبيين ، مدح خال ابن عساكر أبا المعالي (٢) بقصيدة وجدها ابن عساكر بخط هذا الشاعر ، وهي :

من عدت بعد الأنيس يحرم

ومعالم بصبابتي لا تعلم

يا دار دار عليك غائلة النوى

فاليوم ربعك للكآبة موسم

قف بالطلول مسائلا عن أهلها

فلعلها تنبئك أو تتكلم

عن كلّ فاتنة الجمال خريدة

تفتر عن كالأقحوان وتبسم

ترقوا فيضيء السحر من لحظاتها

فلكلّ صب عند مقتلها دم

غدرت غدائرها بوصلي في الهوى

تيها وعاجلنا الفراق المؤلم

فجعلت قصدي للمكارم أروعا

وكففت جيش الشوق وهو عرموم

قاض بثقف بالحجي ما أفاد

من حكم إذا خطب عرابا مبهم

غيث لإيراد الحقائق مقحم

بحر لمخترع البصائر مفعم

__________________

(١) تاريخ الأمير حيدر الشهابي : ج ٢ ، ص ٤٦٨.

(٢) هو محمد بن يحيى بن علي ، القاضي أبو المعالي المعروف بابن الصائغ قاضي دمشق ، وهو خال المؤرخ ابن عساكر الدمشقي ، ولد سنة ٤٦٧ ه‍ وتوفى سنة ٥٣٧ ه‍. راجع تاريخ الإسلام (٥٢١ ـ ٥٤٠) ، ص ٤٣٦ ، ٤٥٣.

٣١٢

كم صادر عن ورده بعجائب

كاد الزمان بفضلها يتكلّم

وضحت مآثره فهنّ مع الضحى

شمس وهن مع الدياجي أنجم

هذا ضياء الدين مؤئل خائف

أظماه ريب الليالي مؤلم

لولاه عون للشريعة عطلت

سبل الحقائق واستحلّ المحرم

أبدا نعيد غرائبا من علمه

ورغائبا لم يبق منها معدم

غمر يكاد من الفصاحة والحجى

ينبي الأنام يعلم ما لا يعلم

تأتي المعالي في المعالي منزل

كلّ امرىء بفنائه ...

أثني عليه وكم لسان معرب

يثني عليه بما أقول ويفحم

تالله بحدّي الدهر مثلك آخرا

إنّ النساء بحمل مثلك عقم

إن الأولى راموا محلك فوفت بهم

المراقي في السمو فأحجموا

أفما رأوك بمنزل الشرف الذي

هو فوق أعلى النيرين مخيم

لكنهم نظروا بغير تبصّر

وعقولهم عن كنه مجدك نوّم

فضلت سهامك بالبراهين التي

تفنى بها نهج الضلال ويحسم

ما زال سيف الدين نطقت عربه

وثنا اليقين لها لسانك لهزم

حتّى أمر الدين والحوب جلابيب

الدجى وأضاء الزمان المظلم

كم قد حسمت من الضلالة بالهدى

ما ليس يحسمه الحسام المحزم

لم تبق مكرمة تعدّ لحاكم إلا

وفضلك بينها يتسنّم

ولقد رأيت المجد يقسم أنّه بك

دون شعر أو لي النباهة مغرم

منك اشتقاق المكرمات بأسرها

ومحاسن الدنيا بذكرك تختم

شغلتك أيام المكارم أن ترى

إلا وأنت بحبّهن متيم

فاسلم مدى الأعياد دوابق بنعمة

تحوي المفاخر والحسود مرغم (١)

__________________

(١) تاريخ دمشق : ج ٤٣ ، ص ١٩ ، ٢٠. وبعض أبيات القصيدة مختلة الوزن فلتراجع.

٣١٣

٢ ـ صور وصيدا وتبنين عند الشعراء [٥٤٢ ـ ٥٤٨ ه‍] [١١٤٧ ـ ١١٥٢ م]

أ ـ أبو الحكم المغربي الأندلسي :

لمّا حاصر الصليبيون دمشق سنة ٥٤٢ ه‍ ثم انهزموا عنها ، قال أبو الحكم الأندلسي :

بشطي نهر داريا

أمور ما تواتينا

وأقوام رأوا سفك الد

ماء في جلق دينا

أتانا مائتا ألف

عديدا أو يزيدونا

فبعضهم من أندلس

وبعض من فلسطينا

ومن عكا ومن صور

ومن صيدا وتبنينا (١)

وقال يرثي ابن منير الطرابلسي المتوفّى سنة ٥٤٨ ه‍ :

ليتني متّ قبل موتك في صيدا

وغيبت في الثرى أو بصور (٢)

ب ـ ابن منير الطرابلسي :

ذكر ابن منير الطرابلسي المتوفى سنة ٥٤٨ ه‍ صور في قصيدة كتبها قبل وفاته بسنة ، يمدح فيها نور الدين زنكي ، ويحضّه على منازلتها ، يقول :

هتمت طرابلسا فأصبح ثغرها ال

بسام من عز الثّغور ثغيرا

باكر بركزقنا تنسّف أسّها

والخيل صوّر كي نزيرك صورا (٣)

٣ ـ صور [٥٥٠ ه‍ / ١١٥٥ م]

وفي سنة ٥٥٠ ه‍ جاء الأسطول المصري إلى ميناء صور فملكها

__________________

(١) الروضتين في أخبار الدولتين : م ١ ، ج ١ ، ص ٢٠٧ ، دائرة المعارف الشيعية : ج ٥ ، ص ٣٩٤.

(٢) ديوان ابن منير الطرابلسي : ص ٢٨٠.

(٣) المصدر السابق : ص ٤٢ ، ٤٣ ، ٢٤٦.

٣١٤

وأخربها وأحرقها وعاد مظفرا بعدّة مراكب فيها حجاج من الصليبيين (١).

٤ ـ بانياس وصفد [٥٥١ ـ ٥٥٢ ه‍] [١١٥٦ ـ ١١٥٧ م]

وفي سنة ٥٥١ ه‍ تسلّم نور الدين زنكي بانياس من الصليبيين وفي سنة ٥٥٢ كانت معركة كبيرة بين نور الدين وبين الصليبيين في صفد وانتصر عليهم (٢).

رابعا : جبل عامل في رحلة التطيلي

[٥٦١ ه‍ / ١١٦٥ م]

بنيامين التطيلي يهودي أندلسي ، زار بلاد الشام في فترة الحروب الصليبية في السنة التي توفّي فيها وهي سنة ٥٦١ ه‍ ، وسجّل ما شاهد في رحلته ، ومرّ بجبال عاملة ، وتحدّث عن بعض الأماكن فيها فقال :

صيداء : Sidom هي صيدون الواردة في التوراة ، فيها نحو عشرين يهوديا (٣).

صرفندة : Sarepta التابعة لصيداء ، وهي تبعد مسيرة يوم ونصف يوم عن صور الجديدة (٤).

صور الجديدة : Tyrus Noua وهي مدينة جميلة. لها خليج يتوسّطها بين برجين عظيمين ، تدخله السفن للرسو عند الميناء. وبين البرجين سلسلة حديد معترضة ، عليها الحراس الأمناء ، يربطونها في أوّل الليل فيتعذّر على

__________________

(١) اتّعاظ الحنفا : ج ٣ ، ص ٢٢٤.

(٢) تاريخ الإسلام (٥٥١ ـ ٥٦٠) ، ص ١٣ ، ١٥.

(٣) رحلة بنيامين : ص ٢٣٥.

(٤) المصدر السابق : ص ٢٣٧.

٣١٥

سفن القرصان سبيل الدخول للسلب والنهب من البر أو من البحر. وليس في بلاد الدنيا ما يماثل هذا الميناء شأنا.

ويقيم في هذه المدينة نحو ٤٠٠ يهودي بينهم جماعة من العلماء العارفين بالتلمود ... وبين يهود صور من يمتلك السفائن التي تجوب البحار. ومنهم من يحترف صناعة الزجاج النفيس المعروف بالزجاج الصوري الشهير في العالم ، وفيها كذلك السكر الجيد. والواقف عند أسوار صور الجديدة يشاهد أطلال صور القديمة المتوّجة وقد غمرتها المياه ، وهي على مرمى حجر من صور الجديدة ، والمار في سفينة يشاهد بقايا الأبراج والأسواق ، وآثار السكك والقصور في قاع اليم ، وصور الجديدة بلد واسع التجارة ، يؤمّه التجّار من كل صوب» (١).

تبنين : Tebnin هي بلدة تمنة الواردة في التوراة ، فيها عدد من اليهود ، وبها قبر شمعون الصديق (٢).

قادس : Kades هي قادش نفتلي الواردة في التوراة موقعها على الأردن ، وفيها مرقد برق بن أبي نعم ، وليس فيها يهود (٣).

بلنياس : Belinas وتسمّى أيضا بانياس (٤).

خامسا : جبل عامل عند السمعاني

[٥٦٢ ه‍ / ١١٦٦ م]

ذكر السمعاني المتوفّى سنة ٥٦٢ ه‍ بعض المناطق في جبل عاملة ،

__________________

(١) رحلة بنيامين : ص ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، ٢٣٩.

(٢) المصدر السابق : ص ٢٦٦.

(٣) المصدر السابق : ص ٢٦٨ ، وبرق بن أبي نعم ذكره اليعقوبي باسم : بارق بن أبي نعم وقال بأنه من سبط نفتالي ، وكان نبيا في الفترة ما بين موسى عليه‌السلام وداود عليه‌السلام وملك بني إسرائيل أربعين سنة. راجع : تاريخ اليعقوبي : ج ١ ، ص ٤٨.

(٤) المصدر السابق : ص ٢٦٨.

٣١٦

وذلك في كتابه الأنساب ، والمناطق المذكورة هي :

أرمناز : يقول : «أرمناز قرية من قرى بلدة صور من بلاد ساحل الشام ، ومن هذه القرية أبو الحسن علي بن عبد السلام الأرمنازي من الفضلاء المشهورين والشعراء» (١).

الصرفند : يقول : «الصرفندي : هذه النسبة إلى الصرفندة وهي من قرى صور ، وهي بلد على ساحل بحر الروم» (٢).

صور : يقول : «صور بلدة كبيرة من بلاد ساحل الشام ، استولت عليها الإفرنج بعد سنة عشر وخمسمائة ، وكان بها جماعة من العلماء والمحدثين» (٣).

صيدا : يقول : «هذه النسبة إلى صيدا ، وهي بلدة على ساحل بحر الشام ، قريبة من صور ، والنسبة إليها صيداوي وصيداني وذكر بعض الشعراء هذا البلد فقال :

يا صاحبي رويدا

أصبحت صيدا بصيدا

والمنتسب إليها جماعة ...» (٤).

عاملة : يقول : «العاملي : بفتح العين والميم المكسورة ، بينهما الألف ، وفي آخرها الّلام. هذه النسبة إلى عاملة وهو من العماليق ...» (٥)

__________________

(١) الأنساب : ج ١ ، ص ١٨٩ ، وأرمناز قد تكون بلدة إرمث أو أرمز الخربة بالقرب من بلدة المؤلف ، راجع نسبة الأرمنازي ، ص ٣٢١ من هذا الكتاب.

(٢) المصدر السابق : ج ٨ ، ص ٥٦ ، ثم يعدّد مجموعة من علمائها وعلماء صور وصيدا وعاملة ذكرتهم في تراجم الأعلام.

(٣) المصدر السابق : ج ٨ ، ص ١٠٤ ـ ١٠٧.

(٤) المصدر السابق : ج ٨ ، ص ١١٨ ـ ١٢١.

(٥) المصدر السابق : ج ٨ ، ص ٣٢٨.

٣١٧

سادسا : جبل عامل بين [٥٦٦ ـ ٥٧٧ ه‍] [١١٧٠ ـ ١١٨١ م]

١ ـ زلزال سنة [٥٦٦ ه‍ / ١١٧٠ م]

يقول الصوري : ولما كان يوم ٢٩ يونيو سنة ١١٧٠ م وحوالي الساعة الأولى من النهار ضرب زلزال عنيف فجأة مدينة طرابلس ... كذلك كان الزلزال مدمرا في صور ، وبلغ تدميره حدا تهاوى معه العديد من الأبراج الضخمة» (١).

٢ ـ عبد الله بن هبة الله بن عبد الصمد ، المفضل الأصبهاني ال صور ي المقدسي الكاملي

إمامي من المائة السادسة ، أصله من شهر زور ، قدم جده عبد الصمد بن القاسم من أصبهان إلى صور في القرن الخامس الهجري ، وسكن فيها ، وتصاهر إلى الكامليين (٢) المقدسيين ، وكانوا من أعيانها فولد له أبو القاسم هبة الله ، ضياء الدين الصوري المعروف بابن الأصبهاني ، وكان عبد الصمد من أهل القرآن والأدب ، ونسب إلى الكامليين (٣).

كان والده هبة الله بن عبد الصمد قاضي القضاة للفاطميين في مصر ، وتوفى في القرن السادس (٤) ، فانتقل هذا المنصب إلى ولده عبد الله المترجم

__________________

(١) الحروب الصليبية : ج ٤ ، ص ١٢٩ ، ويقول عرقلة الكلبي المتوفّى سنة ٥٦٧ ه‍ يمدح أسد الدين شركوه ، وقد أخذ الشقيف ورحل طالبا حصنا يقال له الغراق :

رحلت من الشقيف إلى الغراق

بعزم كالمهنّدة الرّقاق

ونكّست الأعادي منه قهرا

ومجدك في ذرا الجوزاء باق

راجع ديوان عرقلة : ص ٦٨.

(٢) الكامليين : أصلهم من بيت المقدس ، وكانوا من العائلات العلمية والأدبية المشهورة في مدينة صور في القرن الخامس الهجري. ويبدو أنهم كانوا شيعة إمامية.

(٣) موسوعة علماء المسلمين : ق ١ ، ج ٣ ، ص ١٣٧.

(٤) اتّعاظ الحنفا : ج ٣ ، ص ٢٢٣ ، ٢٧٨ ، ٣١٨.

٣١٨

له. فكان ينوب في القضاء والدعوة ولّاه الصالح طلائع بن رزّيك القضاء بعد صرف مجلّي في أواخر شعبان سنة ٥٤٩. وناب عن الخليفة الفائز في الخطابة في الأعياد ، ثم عزل في العشر الأخير من المحرم ، ثم ولاه ابن رزيك سنة ٥٥٨ ه‍ و ٥٥٩ ه‍ و ٥٦٥ ه‍ ثم صرف في جمادى الأولى سنة ٤٦٦ ه‍ ، وقتله السلطان صلاح الدين سنة ٥٦٩ ه‍ فيمن قتل من المنتمين إلى الفاطميين بسعي الفقيه علي بن نجا واتّهمه بأنه يريد عودة الدولة الفاطمية فشنقه في رمضان سنة ٥٦٩ ه‍.

وللكاملي الصوري شعر حسن ، وكان ذا فضل وأدب ، ومن شعره :

لئن كان حكم الدهر لا شك واقعا

فما سعينا في دفعه بنجيح

وإن كان بالتحييل يمكن دفعه

علمنا بأن الحكم غير صحيح

وله :

يا رافيا خرق كلّ ثوب

ويا رشا حبّه اعتمادي

عسى بخيط الوصال ترفو

ما مزّق الهجر من فؤادي (١)

. ٣ ـ صور [قبل ٥٧١ ه‍ / ١١٧٥ م]

يقول ابن عساكر المتوفّى سنة ٥٧١ ه‍ : «رجل من أهل بيروت ذكر أنّه قرأ على حائط سور مدينة صور مكتوبا :

دع الدنيا فإنّي لا أراها

لمن يرضى بها دارا بدار

ودارك إنّما اللذّات فيها

معلقة بأيام قصار (٢).

٤ ـ معركة مرجعيون [٥٧٥ ه‍ / ١١٧٩ م]

يقول الحريري : «وفي سنة خمس وسبعين وخمسمائة كانت وقعة مرج

__________________

(١) موسوعة علماء المسلمين : ق ٢ ، ج ٢ ، ص ٢٨٠ ، نقلا عن رفع الإصر عن قضاة مصر : ج ٢ ، ص ٣٠١ ، ٣٠٢.

(٢) تاريخ دمشق : ج ٦٨ ، ص ٢٥٧.

٣١٩

عيون ، وذلك أنّ السلطان صلاح الدين كان ببانياس فركب سائرا ، فرأى راعيا ، فأخبره بقرب الفرنج ، فردّ إلى بانياس ولبس وركب الجيش ، فكبسوا الفرنج وهم عشرة آلاف ، فكسرهم المسلمون ، وقتلوا شطرهم وأسروا منهم مائتي وسبعين أسيرا» (١).

٥ ـ قلعة أبي الحسن [٥٧٧ ه‍ / ١١٨١ م]

تعرف بقلعة الموت ، واسمها تاريخ عمارتها ، وهي سنة ٥٧٧ ه‍ ، عمرها أبو الحسن محمد بن الحسين بن نزار بن الحاكم بأمر الله العبيدي ، صاحب الدعوة الإسماعيلية ، وله بها عقب منتشر ، وكانت حماية طريق صيدا ودمشق تتمّ بواسطتها وبواسطة قلعة شقيف تيرون وجزّين (٢).

سابعا : الشاعرة تقية الأرمنازية ال صور ية [٥٧٩ ه‍ / ١١٨٣ م]

هي تقية ابنة أبي الفرج غيث بن علي بن عبد السلام بن محمد بن جعفر السلمي الأرمنازي الصوري. والدة المحدث تاج الدين علي بن فاضل بن صمدون الصوري (٣).

ولدت في دمشق سنة ٥٠٥ ه‍ ، مات والدها ولما يتجاوز عمرها

__________________

(١) الإعلام والتبيين : ص ٣٢ ، وللمزيد راجع البداية والنهاية : ج ١٢ ، ص ٣٧١ ، طبقات الشافعية : ج ٧ ، ص ٣٦٥ ، ويقول الصوري بعد أن تحدّث عن هذه الوقعة وهزيمة الصليبيين «فمنهم من التجأ إلى حصن شقيف أرنون وبعضهم سار حتّى بلغ صيدا» الحروب الصليبية : ج ٤ ، ص ٢٣٢.

(٢) خطط جبل عامل : ص ٣٣٧ ، نقلا عن تاج العروس ، الصليبيون وآثارهم في جبل عامل : ص ١٤٠.

(٣) وفيات الأعيان : ج ١ ، ص ٢٩٧ ، تاريخ الإسلام (٥٧١ ـ ٥٨٠) ، ص ٢٨٠ ، شذرات الذهب : ج ٢ ، ص ٢٦٥.

٣٢٠