الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

علي داود جابر

الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

المؤلف:

علي داود جابر


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٠

٢ ـ عاملة في جبل الجليل

أ ـ جبل الجليل وتسمياته

الجليل في اللغة العبرية يعني : الدائرة أو الدارة ، وهو يقسم إلى قسمين : الجليل الأعلى ، والجليل الأدنى ، والبقعة العاملية (١).

ويعطي ابن شداد واليعقوبي الجليل معنى الاستخزاء والتطامن. يقول ابن شداد : «قال ابن أبي يعقوب : ومن كور دمشق صيدا ، جبل الجليل ، ذكر في الإنجيل ، وإنما سمّي بذلك لأن الله ـ تبارك وتعالى ـ لمّا أوحى إلى الجبال إني أريد أن أتجلّى لموسى على بعضك تطاولت وشمخت غير جبل الجليل فإنه استخزى وتطامن فسمي جبل الجليل» (٢)

ومن أسمائه جبل الخليل ، كما ذكر ابن الأثير في تاريخه فقال : «جبل الخليل الذي يعرف بجبل عاملة» (٣).

ب ـ قدسية جبل الجليل

أرض عاملة أرض مقدّسة ، ويشهد لهذه القدسية قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١) (٤). وجبل عاملة من الأرض التي حوله.

ويقول تعالى : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ)(٥) فقد

__________________

(١) منطلق الحياة الثقافية : ص ٤٢.

(٢) الأعلاق الخطيرة : ج ٢ ، ص ٣٧.

(٣) الكامل : ج ٧ ، ص ٤٢٦ ، وجبل الخليل تحريف للجليل.

(٤) سورة الإسراء ، الآية : ١.

(٥) سورة المائدة ، الآية : ٢١.

٢١

فسّرها الإمام الصادق عليه‌السلام ، فقال : يعني الشام (١).

وقوله تعالى في حديثه عن سبأ وقبائلها ومنها عاملة : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً)(٢) أي قرى الشام (٣).

وقد جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «الجليل جبل مقدّس ، وإن الفتنة لمّا ظهرت في بني إسرائيل أوحى الله تعالى إلى أنبيائهم أن يفرّوا بدينهم إلى جبل الجليل» (٤).

وورد عن أبي ذر قوله : «فإن أرض الشام أرض الهجرة وأرض المحشر وأرض الأنبياء» (٥).

وستشهد هذه المنطقة حدثا عظيما في آخر الزمان ، ففيها سينزل عيسى ابن مريم عليه‌السلام ويأتي إلى بيت المقدس ، يقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ينزل عيسى على ثنية بالأرض المقدسة يقال لها : أفيق. فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة الصبح ، فيتأخر الإمام ، فيقدّمه عيسى ويصلّي خلفه (٦).

وأفيق اسم لقريتين : الأولى في جبل عامل في سبط أشير ، الذي كان يمتدّ من صيدون شمالا إلى عكّا جنوبا ، ومن مدنه صيدون وحمون وقانة وعمة وأفيق ورحوب (٧).

__________________

(١) أمل الآمل : ج ١ ، ص ١١.

(٢) سورة سبأ ، الآية : ١٨.

(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢١٠.

(٤) الأعلاق الخطيرة : ج ٢ ، ص ٣٧.

(٥) تاريخ دمشق : ج ١ ، ص ١٦٤.

(٦) يقوم الخلاص : ص ٢٨٩ ، نقلا عن منتخب الأثر : ص ٣١٦ والملاحم والفتن : ص ٦٧.

(٧) يشوع ص ١٩ / ٢٨ ـ ٣٠ ، وهي قريبة من مغارة الصيدويين راجع. يشوع ص ١٣ / ٤ وقضاة ص ١ / ٣١ ، واحتمل اليسوعي أن تكون أفيق في منطقة جزّين. راجع تاريخ لبنان : ص ٢٩١ و ٢٩٢.

٢٢

والثانية تسمّيها العامة فيق وتنزل منها إلى غور الأردن (١).

هذه القداسة جعلت صاحب أمل الآمل الحرّ العاملي يعدّها من بين الأسباب لكتابة كتابه فقال : «كثرة من دفن فيها من الأنبياء والأوصياء والعلماء والصلحاء فإنهم لا يعدّون ولا يحصون» (٢).

فمقامات الأنبياء الذين فرّوا بدينهم إلى جبل عاملة أو سكنوا فيه ، ومقامات الأوصياء والصلحاء والعلماء تنتشر في كثير من ربوعه. بل لا تكاد قرية تخلو منها ، كمقامات الأنبياء : إدريس في الغازية ، وصديقا قرب تبنين وجليل في قانا والشرقية ، وحزقيل في دبين ، وروبين في طيربيخا ، ويوحنا في حانويه. ومقامات الأوصياء : شيث وصي آدم عليه‌السلام في برعشيت ، ويوشع وصي موسى عليه‌السلام فوق الحولة ، وشمعون الصفا وصي عيسى في شمع. وقبور العلماء : الكراجكي في صور ، والكفعمي في جبشيث ، وأسعد بن أبي روح في صيدا وغيرهم.

ج ـ سكّان جبل الجليل

كان جبل الجليل ، ملتقى لموجات بشرية كثيرة وكثيفة. جاءته مهاجرة أو فاتحة في عصور تاريخية مختلفة ، وتشكل الآثار القديمة في صيدا وصور والنبطية وآبل وقدس وغيرها في أعظم المدن والقرى ، الدليل المادي الباقي لتلك الموجات البشرية.

يقول حتّي : «فالشعوب من الأصول السامية وغير السامية قد حلّت في سواحل لبنان وفي داخله ، منذ حوالي ٢٥٠٠ سنة ق. م. مثل الكنعانيين

__________________

(١) معجم البلدان : ج ١ ، ص ٢٣٣.

(٢) أمل الآمل : ج ١ ، ص ١٦.

٢٣

والآراميين والبابليين والمصريين والفرس ... واليونان والرومان والعرب» (١).

وكذلك فإن اللغات التي كانت غالبة على التداول في المناطق اللبنانية كالآرامية والسريانية هي لغات سامية ، مما سهّل انتشار العربية بسبب وحدة الأصل والتراكيب والخصائص لهذه اللغات (٢).

ويجب أن لا ننسى بأن الوجود العربي في جبل عامل يعود إلى أعماق التاريخ ، فمما لا ريب فيه أن هذا الوجود يعود إلى ما قبل سنة ٣٣٢ قبل الميلاد ، أي قبل حصار الإسكندر لمدينة صور ، يقول الدكتور أسد رستم : «والإسكندر الكبير إذ تحدّته صور وصمدت في وجهه واضطر أن يحاصرها حصارا طويلا ، أحبّ في يوم من أيام الحصار أن يروح عن النفس برحلة صيد قصيرة. فقام من ضواحي صور ممتطيا جواده واتّجه شرقا متسلّقا جويا وتبنين ، فوجد نفسه فجأة بين قوم من العرب ، هكذا يقول أريانوس أقدم من أرخ للإسكندر وأقرّ بهم إليه زمنا» (٣).

وفي سنة ٦٩ قبل الميلاد ، كان النبطيون يملكون جبل الشيخ (٤) ، وهم أمة عربية الأصل ، ولغتهم المأنوسة العربية في التكلّم والمحاورة بين الناس (٥). وفي الوقت نفسه كان الإيتوريون يملكون على لبنان وسواحل فينيقية (٦).

__________________

(١) منطلق الحياة الثقافية : ص ٥٣.

(٢) المصدر نفسه : ص ٥٣.

(٣) دائرة المعارف الشيعية : ج ٦ ، ص ١٣٥.

(٤) تسريح الأبصار : ص ٣٦.

(٥) خطط الشام : ج ١ ، ص ٣٧.

(٦) تسريح الأبصار : ص ٣٦

٢٤

د ـ عاملة في جبل الجليل

لم نجد عند النسّابة العرب ، ولا في الكتب التاريخية القديمة ذكرا للفترة الزمنية التي نزلت بها عاملة أرض الجليل.

غير أن بعض المعاصرين كانت لهم آراء اعتمادا على بعض الباحثين الغربيين. فقد ذكر خليل عثامنة أن نزول عاملة في جبل الجليل كان بعد القرن الرابع للميلاد ، يقول : «ويذكر شهيد أن قبيلة عاملة كانت في القرن الرابع للميلاد تجاور قبيلة جذام في جنوب فلسطين والأردن ، وأنّها انتقلت شمالا فيما بعد واستقرّت بالجليل الذي أطلق عليه جبل عاملة على اسم هذه القبيلة» (١).

ويقول الدكتور محمد كاظم مكّي : «ويبدو أن القبيلة العاملية قد ألقت رحلها في الجنوب الشرقي من البحر الميت ، إثر هجرتها من جنوب الجزيرة العربية ، وفي القرن الثاني للهجرة / الثامن للميلاد ، كانت قبيلة عاملة تسكن المنطقة الواقعة بين بصرى الشام والبحر» (٢).

لكننا نرى أن قبيلة عاملة وبعيد هجرتها من اليمن ، استمرّت في المسير إلى القرى التي بارك الله فيها ، والتي طالما زارها أولاد سبأ وذلك قبل ميلاد السيد المسيح عليه‌السلام ، وما ذكره مكّي وعثامنة عن وجود قبيلة عاملة في البلقاء جنوبي فلسطين ، فلا يرجع إلى مستند تاريخي ، لأن البلقاء كانت مسكنا لقبيلتي العماليق والقينيين اللّتين كانتا متجاورتين أيام حكم الملك شاول ، وكانتا تناصبانه العداء كما جاء في سفر صموئيل الأول : «هكذا يقول رب

__________________

(١) فلسطين في خمسة قرون : ص ٣٤٠ ، انظرIbid.p.٧٨٣ ..

(٢) منطلق الحياة الثقافية : ص ٤٣Encyclopedie de l\'Islame A ,١ ,٠٣٣.

٢٥

الجنود. إني افتقدت ما عمل عماليق بإسرائيل حين وقف له في الطريق عند صعوده من مصر ... ثم جاء شاول إلى مدينة عماليق وكمن في الوادي ، وقال شاول للقينيين اذهبوا حيدوا من وسط العماليق لئلا أهلككم معهم» (١).

ه ـ حدود جبل عاملة وموقعه الجغرافي

لقد حدّد موقع الجبل العاملي ، نفر من جغرافيي العرب ومؤرّخيهم. يقول اليعقوبي : «وجبل الجليل : وأهلها قوم من عاملة» (٢).

ويعتبر الهمداني أن جبال عاملة مشرفة على بحيرة طبرية ومجاورة للأردن فيقول : «وأما عاملة فهي في جبلها مشرفة على طبرية إلى نحو البحر» (٣) ويقول أيضا : «ديار عاملة وهي مجاورة للأردن وجبل عاملة مشرف على عكا من قبل البحر يليها ويطل على الأردن» (٤).

أما المقدسي فيتحدث عن الحدّ الشمالي لجبال عاملة ، فيقول : «جبل عاملة : ذو قرى نفيسة وأعناب وأثمار وزيتون وعيون ، المطر يسقي زروعهم ، يطل على البحر ويتّصل بجبل لبنان» (٥).

وقد عد ياقوت الحموي صفد من جبال عاملة (٦) ، ووافقه على راية القلقشندي فاعتبر حدّ صفد الشمالي نهر ليطا وحدها الغربي البحر (٧).

__________________

(١) صموئيل الأول : ص ١ / ٣ ـ ٩.

(٢) كتاب البلدان : ص ٨٨.

(٣) صفة جزيرة العرب : ص ١٢٩ ، خطط الشام : ج ١ ، ص ٢٥.

(٤) المصدر نفسه : ص ١٣٢.

(٥) أحسن التقاسيم : ص ١٤١.

(٦) معجم البلدان : ج ٣ ص ٤١٢.

(٧) صبح الأعشى : ج ٤ ، ص ١٤٩.

٢٦

وقال شاعر يهجو عدي بن الرقاع العاملي :

ولسنا نبالي نأي عاملة التي

أجد بها عن غرب بصرى انحدارها (١)

فقوله يعني أن عاملة كانت تسكن المنطقة الواقعة بين بصرى. في بلاد حوران والبحر.

أمّا المحدثون من المؤرخين ، فإنهم لم يخرجوا عما حدده القدامى ، وإنّما جاء تحديدهم مكملا لما قالوه ، وسأنقل بعض النصوص لنخرج بصورة واضحة عن حدود هذا الجبل العظيم ، لما لذلك من أهمية كبرى ستظهرها مجريات الأحداث في القرون اللاحقة.

قال المغيري : «وعاملة بطن من كهلان ، وأكثرهم بالشام ، وجبال عاملة بالشام ... ومن بطون عاملة بالشام : بنو عجل وبنو سلامة» (٢).

ويقول أحمد رضا : «بنو عاملة ... وجبلهم بالشام فوق صور وصيدا.

يعرف بهم واشتهر باسم جبل عامل وهو وطن المؤلف» (٣).

وقال الشيخ سليمان ظاهر في الحنين إلى جبل عامل :

لعبر الأردن الغربي أصبو

وتجذبني لشرق البحر هضب

ومن نهر الفراديس المصفى

لنهر القرن (٤) لي رهط وصحب(٥)

وجعل مصطفى الدباغ صفد والجرمق والبصة من جبال عاملة (٦).

__________________

(١) خطط جبل عامل : ص ٥٩.

(٢) المنتخب في ذكر قبائل العرب : ص ١٩٨.

(٣) معجم متن اللغة : ج ٤ ، ص ٢٠٩ ، وصحيح الأخبار : ج ٢ ، ص ٥.

(٤) ويعرف بنهر أبي فطرس.

(٥) خطط جبل عامل : ص ٩٩.

(٦) القبائل العربية وسلائلها : ص ١٠٧.

٢٧

أما تحديد الدكتور محمد كاظم مكّي فإنه يأتي شاملا لأغلب ما تقدم فيقول : «وجبل عامل في ماضيه أكثر اتساعا منه اليوم لجهة الجنون والشرق ففيما يستفاد من تراجم الرجال ، وحمل نسبة العاملي ما يسمح بأن نضيف إليه صيدا وصور في الساحل ، وجزّين ومشغرة في الجبل ، وعلى هذا يتحدّد مدى البقعة العاملية حسبما أجمع الباحثون الذين تصدّوا لتحديد الأرض العاملية التي يشير إليها الخط الذي ينطلق من مصبّ نهر الأوّلي ، ويعتبر هذا النهر الحدّ الفاصل بين جبل عامل وبلاد الشوف ويكمل هذا الخط سيره بعد مصبّ الأولي حتّى تومات نيحا ليتجاوز روم جزين ، وينحدر بعدها إلى مشغرة حتى يتّصل بنهر الليطاني شمالي قرية سحمر. ويسلك الخط ضفّته الغربية ، ثم ينعطف غربا وينتهي عند مصب وادي القرن جنوبا» (١). وعلى هذا نستطيع أن نجمل الحدود العاملية كما يلي : نهر الفراديس المعروف بنهر الأوّلي شمالا ، ونهر أبي فطرس المعروف بوادي القرن جنوبا ، والبحر بين هذين الحدّين غربا ، والبقاع الغربي وبانياس والحولة وصفد إلى مشارف طبريا شرقا.

و ـ جذام ولخم ومجاورتهم لعاملة

بعد انهيار سدّ مأرب ، وتفرّق أولاد سبأ ، اتجه أربعة منهم إلى بلاد الشام ، وهم عاملة وغسان ولخم وجذام. يقول ابن خلدون : «وأمّا عاملة واسمه الحرث بن عدي وهم إخوة لخم وجذام ، وهم بطن متّسع ببرية الشام» (٢).

هذه القرابة ظهرت في أشعار العرب ، يقول أبو سمال الأسدي :

__________________

(١) منطلق الحياة الثقافية : ص ٤٦ ، وورد تحديد للرقعة العاملية في : خطط جبل عامل :

ص ٦٢ و ٦٣ ، جبل عامل في التاريخ : ص ١٥ ، للبحث عن تاريخنا : ص ١٦١ ، جبل عامل بين (١٥١٦ ، ١٦٩٧) : ص ١٥.

(٢) العبر وديوان : ج ٢ ، ص ٥٣٦ ، الإكليل : ص ٣١ و ٣٢ ، قلائد الجمان : ص ١٠٦.

٢٨

أبلغ جذاما ولخما إن عرضت بهم

والقوم ينفعهم علما إذا علموا

والقوم عاملة الأثرين قل لهم

قولا ستبلغه الوساجة الرّسم

لأنتم في صميم الحقّ إخوتنا

إذ يخلق الماء في الأرحام والنسم (١)

ويعتبر عدي بن الرقاع العاملي جذاما ولخما قوما له ، يقول :

أبلغا قومنا جذاما ولخما

قول من عزّهم إليه حبيب (٢)

وعلى ما يبدو أن عاملة وجذام كانتا الأسبق إلى بلاد الشام ، وفي القرن الرابع الميلادي نزلت لخم لتجاورهما (٣) ، وسارت قبيلة سليح بن عمرو بن الحاف وعليهم الهدرجان بن مسلمة ، حتى نزلوا على بني أدينة بن السميدع بن عاملة (٤).

هذه القبائل شكّلت مجتمعة حلفا ثلاثيا لم يعكره الانتماء المذهبي المختلف بينها ، ولا الاختلاف السياسي ، وهذا ما سنظهره لاحقا.

ثالثا : ديانة عاملة قبل الإسلام

١ ـ عبادة الأصنام

كانت عبادة الأصنام هي العبادة الشائعة بين عرب شبه الجزيرة العربية ، وهذه العبادة سرت على القبائل السبئية الشامية ومن بينها عاملة. فكان لها صنم يدعى الأقيصر نصبته في مشارف الشام وكانت تحجّ إليه ويحلقون رؤوسهم عنده : يقول كحالة : «خرجوا من اليمن إلى الشام ، وأقاموا في

__________________

(١) مصادر الشعر الجاهلي : ص ٢٤٩.

(٢) ديوان عدي : ص ٦٥.

(٣) فلسطين في خمسة قرون : ص ٨.

(٤) العبر وديوان : ج ٢ ، ص ٥٠٤.

٢٩

جبل يعرف بجبل عاملة ، وكان لهم صنم في مشارف الشام يقال له الأقيصر ، كانوا يحجّون إليه ويحلّقون رؤوسهم عنده» (١).

وهذا الصنم لم يكن خاصا لعبادة عاملة ، بل شاركتها في عبادته أخواتها من قضاعة ولخم وجذام وغطفان ، فكانوا يحجّون إليه ويحلقون عنده ويلقون مع الشعر قرة من دقيق وهي عادة كانت متّبعة عندهم ، وكان عند الأقيصر أنصاب ينحر الناس عليها ذبائحهم التي يتقرّبون بها إلى هذا الإله (٢).

٢ ـ تنصّر قبيلة عاملة

استمرّت عبادة عاملة وأخواتها لصنمهم الأقيصر بعد مجيئهم إلى الشام ، حتّى خروج السيد المسيح عليه‌السلام ، فكيف كان موقفها منه؟ وهل تنصّرت عاملة أم بقيت على عبادتها القديمة؟ وبأية نصرانية اعتقدت؟

أ ـ السيد المسيح عليه‌السلام في أرض الجليل

كانت أرض الجليل ميدانا لدعوة السيد المسيح عليه‌السلام ، لأن أمّه السيدة مريم عليها‌السلام تنسب إليها ، والبشارة الأولى بالإنجيل كانت في عرس قانا الجليل ، وعندما بدأ يستعمل معجزاته في إحياء الموتى وشفاء المرضى نجد أهالي صور وصيداء كانوا يأتون إليه لشفاء مرضاهم ، يقول مرقس : «والذين حول صور وصيداء وجمع كثير إذ سمعوا كم صنع أتوا إليه» (٣).

وفي تجواله في بلاد الشام ، كان يزور باستمرار تخوم صور وصيدا

__________________

(١) معجم قبائل العرب : ج ٢ ، ص ٧١٤.

(٢) تاريخ العرب قبل الإسلام : ج ٦ ، ص ٢٧٥ و ٢٧٦.

(٣) مرقس ٣ / ٨ ، لوقا ٦ / ١٧ ، متّى ١٥ / ٢١.

٣٠

ويمرّ فيما بين المدن العشر إلى بحر الجليل (١). ويحدّد الأب لا منس هذه الطريق فيقول : «فإن الطريق التي تؤدي توا من صيدا إلى المدن العشر تمر في منعطف لبنان جنوبي شرقي صيداء فتبلغ النبطية أو جوارها عابرة على نهر الليطاني عند الجسر المعروف اليوم بالقعقاعية فتنتهي إلى جنوبي شرقي بلاد بشارة» (٢).

ب ـ شيعة النصارى في أرض الجليل

وبعيد رفع السيد المسيح عليه‌السلام إلى السماء. كان الجليل الملجأ الآمن لتلامذته ، وخاصة لوصيّه شمعون الصفا عليه‌السلام. هذا الوصي الذي كان يتكلّم اللغة العربية إلى جانب لغته الأصلية الآرامية ، وذلك يظهر من خلال ما جاء في الفصل الأول من أعمال الرسل ومن تسمية ابنه اسما عربيا (٣).

وانقسم أتباع المسيح عليه‌السلام إلى فئتين كبيرتين : فئة تزعمها بولس الذي تربطه علاقات متينة بكهنة اليهود والسلطة الرومانية ، وفئة ثانية تزعّمها شمعون الصفا عليه‌السلام ، ابن عمة مريم عليها‌السلام ، ووصي عيسى عليه‌السلام وخليفته ، واشتدّ الضغط الروماني اليهودي على شمعون الصفا. فأخذ يتنقّل في البلاد ، فزار روما وإنطاكية وقرقيسيا وغيرها ، وقبيل استشهاده في أرض الجليل ، كتب لشيعته كتابا سمي بالزاجرة من إملاء عيسى ابن مريم عليهما‌السلام يخبرهم فيه عن خروج نبي من بلاد العرب يعرف بالبارقليط [أحمد].

وبعيد استشهاده كانت شيعته بين نارين : نار اليهود أعداء نبيّهم ، ونار

__________________

(١) مرقس ٧ / ٣١.

(٢) تسريح الأبصار : ص ١١٥.

(٣) أورد المسعودي نصا حول الأوصياء بعد النبي عيسى عليه‌السلام. فقال : «وأوصى شمعون إلى ابنه منذر ...» راجع كتابنا شمعون الصفا : ص ١١٢.

٣١

المسيحيين بني دينهم ، ما زادهم تمسّكا بالشريعة الإلهية في أماكن تواجدهم الرئيسة في صورة وصيدا والمدن العشر وكوكابة وبازانتيس وبيرويا كما أخبر أبيفانوس في كتابه ضد الهرطقة.

واستمر تواجدهم في هذه المناطق وغيرها إلى سنة ٣٣٥ م ، حيث عقد في شهر آب في مدينة صور مؤتمر بين الموحّدين من أتباع شمعون والمشركين من أتباع بولس. بأمر من قسطنطين ملك الروم. وكان أكثر الحضور من الأساقفة من الموحّدين ، الذين لم يكتفوا بالنقاش القولي مع أثناسيوس زعيم المشركين بل ضربوه حتّى أدموه وكادوا يقتلونه (١).

وبقي تواجد الموحدين في جبل عامل إلى انعقاد مؤتمر أفسس الأول سنة ٤٣١ م ، إلى الرابع سنة ٤٥١ م ، حيث صدرت القوانين الأمبراطورية بتحريم تعاليمهم وطرد أنصارهم ، والتنكيل بهم ، ما أدّى إلى اختفائهم في لجة التاريخ ، ومع هذا بقي بعض الرهبان يتوارثون كتاب شمعون الصف عليه‌السلام وينتظرون خروج النبي العربي من شبه الجزيرة العربية ، ومنهم الراهب بحيرا وغيره.

ج ـ الشاعر دويد العاملي [٣١٢ م ـ ٣٢٣ ق. ه]

جودة بلاد عاملة تجعلنا نفترض وجود العديد من الشعراء العامليين قبل الإسلام ، قد ذهب شعرهم مع الزمن ولم يصل إلينا ذكرهم ، والشاعر الذي ذكرته المصادر العربية هو دويد العاملي.

كان دويد في زمن النعمان بن عمرو بن المنذر الغساني من ملوك آل غسان في الجاهلية ، وكانت له حوران وعبر الأردن وتلك الأنحاء وليها سنة

__________________

(١) شمعون الصفا : ص ١٠١ إلى ص ١١٦ ، وللمزيد من المعلومات انظر كتاب شمعون الصفا عليه‌السلام بين المسيحية والإسلام للمؤلف.

٣٢

٢٩٦ م فبنى قصر السويداء بحوران وقصر حارب (١).

وقد أورد ابن عساكر ترجمة لدويد العاملي فقال : «ورد العراق لبعض أمره ، فاتّهمه النعمان بن المنذر أنه كان في قوم أخذوا مالا لبعض التجّار ، فأخذه وحبسه ، فقال :

يا أيها الملك الذي

غشم الأنام علانيه

السجن أضرعني إلي

ك ، ولن أعود الثانيه

لعن الإله عشيرة

تمشي لفعلك راضيه

لا تسرفنّ على الرعي

ة إنها لك قاليه

المال آخذه سوا

ي وكنت عنه ناحيه

إني أؤديه إلي

ك ولو بقرطي ماريه (٢)

إذ ربة أضحت بقر

طيها عليكم عاليه

لا مثل أمكم التي

قد قلّدتكم داهيه

كم بين هادمة البنا

ء وبين أخرى بانية» (٣)

من خلال هذه الأبيات نستوحي أمرين :

١ ـ أن دويدا العاملي كان يؤمن بالإله الواحد على خلاف دين الجاهلية ، وأن عبادة قبيلته لصنمها الأقيصر كان قبل ميلاد السيد المسيح عليه‌السلام ، ويؤكد هذا أن اسمه دويد تصغير داود ما يوحي بخلفية إيمانية توحيدية.

__________________

(١) الأعلام : ج ٨ ، ص ٣٨.

(٢) مارية أم الملك الحارث بن جبلة بنت الأرقم من آل جفنة الغسانيين الذين قال فيهم حسان :

أولاد جفنة حول قبر أبيهم

قبر ابن مارية الكريم المفضل

راجع : جمهرة إنسان العرب ص ٣٧٢ ، تهذيب تاريخ دمشق : ج ٥ ، ص ٢٥٣.

(٣) تاريخ دمشق : ج ١٧ ، ص ٣١٤ ، تهذيب تاريخ : ج ٥ ، ص ٢٥٢.

٣٣

٢ ـ أن عاملة كانت موجودة في جبل الجليل بالأردن منذ سنة ٢٩٦ م وهذا يخالف ما قاله الدكتور مكّي بأنها امتدّت لاحقا [بعد القرن الثاني للهجرة] باتجاه جبل الجليل الأعلى (١) ، ويخالف قول عثامنة وشهيد بأنها انتقلت شمالا بعد القرن الرابع للميلاد (٢).

د ـ باسيل ال صور ي وبحيرا الراهب ١٥ ق. ب

كان بحيرا الراهب يسكن في بصرى الشام على الطريق التجارية بين شبه الجزيرة العربية ودمشق ، وكان من النصارى الموحّدين ومن المتبحرين في قراءة الكتب القديمة. إذ تحدثنا الكتب التاريخية أنه كان يمتلك كتابا من كتب شمعون الصفا عليه‌السلام (٣) من إملاء النبي عيسى عليه‌السلام يتحدّث عن صفات النبي البارقليط [أحمد] الذي سيخرج بدين إبراهيم عليه‌السلام من أرض تهامة العرب.

ويذكر الواقدي شخصا من مدينة صور يدعى باسيل ، وهو ابن عم ملكها آنذاك ، كان يتردّد على بحيرا الراهب ، وقد شاهد النبي محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رحلته الثانية (٤) إلى الشام للاتجار بأموال السيدة خديجة. فماذا رأى؟ وما هي علاقته ببحيرا الراهب؟

يقول الواقدي : «وكان باسيل (٥) هذا ممن قرأ الكتب السالفة والأخبار

__________________

(١) منطلق الحياة الثقافية : ص ٤٣.

(٢) فلسطين في خمسة قرون : ص ٣٤٠.

(٣) كمال الدين : ج ١ و ٢ ، ص ١٨٤ ، الخرائج والجرائح : ج ٣ ، ص ١٠٨٧ ، البحار : ج ١٥ ، ص ١٩٦.

(٤) كانت هذه الرحلة سنة ١٥ قبل البعثة النبوية وعمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٢٥ سنة ، وقد بعث النبي في الأربعين راجع تهذيب تاريخ دمشق : ج ١ ، ص ٢٧٣.

(٥) لعل جبل باسيل إلى الجنوب الشرقي من ياثر ينسب إليه.

٣٤

الماضية. وكان قد رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دير بحيرا الراهب ، وكان باسيل قد مضى إلى زيارة بحيرا ، فلمّا قدمت عير قريش وجمال خديجة بنت خويلد وفيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نظر بحيرا إلى القافلة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وسطها والسحابة على رأسه تظلّه من حرّ الشمس ، فلمّا تبينه قال : «والله هذه صفة النبي الذي يبعث من تهامة ، ثم انتظروا وإذا بالركب قد نزل ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل وحده تحت شجرة يابسة واستلقى إليها فأورقت الشجرة بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا عاين بحيرا ذلك صنع طعاما لقريش واستدعاهم فدخلوا الدير وبقي هو مع الإبل ليرعاها (١) ، فلمّا نظر بحيرا إليهم ولم يره في جملتهم قال : يا معشر قريش هل بقي منكم أحد؟ قالوا : نعم ، بقي فينا من تخلف لحفظ القافلة ورعي الإبل. قال : ما اسم من يرعى الإبل؟ قالوا : محمد بن عبد الله. قال : هل مات أبوه وأمه. قالوا : نعم. قال : هل كفله جدّه وعمّه؟ قالوا : نعم ، قال : يا قريش هو والله سيدكم وبه يعظم في الدنيا مجدكم ، قالوا : من أين علمت ذلك؟ قال : لما أشرفتم عليّ من البرية ، لم يبق صخر ولا مدر إلّا خرّ له ساجدا ... قال الواقدي : فبقي باسيل في حيرة من أمرهم. وكتم سره وعلم أن بحيرا لا يتكلّم إلّا بالحق» (٢).

ه ـ تنصّر قبيلة عاملة

كان الجاحظ المتوفى سنة ٢٥٥ ه‍ أوّل من تحدّث عن تنصّر قبيلة عاملة وغيرها من قبائل عرب الشام ، يقول : «هذا مع ما كان في العرب من النصارى الذين يخالفون دين مشركي العرب كل الخلاف. كتغلّب وشيبان ،

__________________

(١) لم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خادما لهم ليرعى جمالهم ، وإنّما كان موكلا بالإتّجار لخديجة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٢) فتوح الشام : الواقدي ج ٢ ، ص ٣٣.

٣٥

وعبد القيس ، وقضاعة ، وغسان ، وسليح ، والعباد ، وتنوخ ، وعاملة ، ولخم ...» (١).

واستنادا إلى رأي الجاحظ وغيره ، قال بعض المؤرخين بتنصّر هذه القبيلة (٢) ، بيد أن تنصّرها كان يختلف عن النصرانية التي كانت سائدة وقتئذ ، وهذا ما يفسر موقفها المؤيد والدّاعم لدين النبي أحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أثناء الفتح الإسلامي.

رابعا : أعلام جبل عامل في هذا العصر

١ ـ دويد العاملي : مرّت ترجمته سابقا ، راجع صفحة ٣٢.

٢ ـ الزباء بنت عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع بن هوين العاملي [٢٧٣ م] : كانت تحكم مدينة تدمر حوالي سنة ٢٧٣ م. ولها ترجمة مطوّلة في الكتب التاريخية ، قامت بقتل ملك الحيرة الوضّاح الأبرص ، وكانت تربطها علاقة وطيدة بالقصير بن عمرو من قبيلة لخم التي تنزل بجوار عاملة (٣).

٣ ـ الزهد بن عاملة بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ : أمه هي عاملة بنت ربيعة بن قضاعة ، وله ولدان : عوكلان ، ورخمان (٤).

__________________

(١) كتاب الحيوان : ج ٧ ، ص ٢١٦.

(٢) يقول جواد علي : «ومن القبائل التي يحشرها أهل الأخبار في جملة العرب المتنصّرة : غسان وتغلب وتنوخ ولخم وجذام وسليح وعاملة» راجع تاريخ العرب قبل الإسلام : ج ٦ ، ص ٥٩٩ ، وج ٨ ، ص ٤٧٥.

(٣) جمهرة أنساب العرب : ص ٤٢٢ ، تاريخ العرب قبل الإسلام : ج ٣ ، ص ١٠٨ ، خطط جبل عامل : ص ٤٩.

(٤) العقد الفريد : ج ٣ ، ص ٣٦٧ ، الاشتقاق : ص ٣٧٣ ، جمهرة أنساب : ص ٤١٩.

٣٦

٤ ـ سلبة بن معاوية بن عاملة : ذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد ، وذكر له أخا هو شعل بن معاوية (١).

٥ ـ شعل بن معاوية بن عاملة : له ذرية عظيمة في قبيلة عاملة (٢).

٦ ـ شهاب بن برهم العاملي : هو من أشراف عاملة وكان سيدا ، ولم أعلم عصره (٣).

٧ ـ الظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع العاملي : [حيا ٣١٠ ـ ٣٧٩ م] : كان ملك العرب في قديم الزمان ، لما كان ملك الفرس سابور ذي الأكتاف (٤).

٨ ـ عجل بن معاوية بن عاملة : ذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد (٥).

٩ ـ عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة العاملي : [قبل ٢٧٣ م] كان ملك العرب بأرض الجزيرة ومشارق الشام (٦).

١٠ ـ قوال بن عمرو العاملي : هو من أشراف عاملة (٧).

١١ ـ معاوية بن عاملة بن عدي بن الحارث العاملي : كان أخوه الزهد بن عاملة (٨).

__________________

(١) العقد الفريد : ج ٣ ، ص ٣٦٧.

(٢) الاشتقاق : ص ٣٧٤ ، العقد الفريد : ج ٣ ، ص ٣٦٧.

(٣) العقد الفريد : ج ٣ ، ص ٣٦٧.

(٤) اللباب في تهذيب الأنساب : ج ٢ ، ص ٣٠٧ ، تاريخ العرب : ج ٢ ، ص ٦٣٦.

(٥) العقد الفريد : ج ٣ ، ص ٣٦٧.

(٦) خطط جبل عامل : ص ٤٩.

(٧) العقد الفريد : ج ٣ ، ص ٣٦٧.

(٨) المصدر نفسه : ج ٣ ، ص ٣٦٧ ، جمهرة أنساب العرب : ص ٤١٩.

٣٧
٣٨

قبيلة عاملة

في عصر صدر الإسلام

[١ ـ ٤٠ ه‍] [٦٢٢ ـ ٦٦٠ م]

٣٩

٤٠