الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

علي داود جابر

الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

المؤلف:

علي داود جابر


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٠

بن جميع بصيدا ، روى عنه غيث حديث الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء ، وأرّخ وفاته سنة ٤٨١ ه‍ (١).

٤٧ ـ عمر بن عبد الباقي بن علي ، أبو حفص الموصلي : سمع منه غيث الأرمنازي بصور (٢).

٤٨ ـ عمر بن علي بن أحمد ، أبو حفص الزنجاني الفقيه [ت ٤٥٩ ه‍ / ١٠٦٦ م] : سمع منه غيث بصور (٣).

٤٩ ـ فاتك بن عبد الله المزاحمي ، أبو شجاع [ت ٤٥٧ ه‍ / ١٠٦٤ م] : كان غلاما أرمنيا لبنجوتكين ، وكان محبا للأدب والشعر ، ولاه الحاكم حلب وأعمالها ، زار صور سنة ٤٠٧ ه‍ ، وحدّث فيها سنة ٤٣٨ ه‍ ، وتوفى سنة ٤٥٧ ه‍ (٤).

٥٠ ـ فاطمة بنت عبد العزيز القزوينية : سمعت باطرابلس ومصر ، وسكنت صور ، سمع منها أبو الفضل محمد بن الحسين بن أحمد الصوري وغيث بن علي الأرمنازي (٥).

٥١ ـ الفتح بن الحسين بن أحمد بن سعدان ، أبو نصر الفارقي : زار صيدا وسمع السكن بن محمد بن جميع الصيداوي ، وحدّث بها (٦).

٥٢ ـ القاسم بن المبارك بن مسلمة بن صالح بن علي السعدي

__________________

(١) تاريخ دمشق : ج ٤٣ ، ص ٥٦٣ ، تاريخ الإسلام (٤٨١ ـ ٤٩٠) ، ص ٨٦ ، المجموع : ص ٢٠٣.

(٢) المجموع : ص ٢٠٦.

(٣) طبقات الشافعية : ج ٥ ، ص ٣٠٢ ، المجموع : ص ٢٠٧.

(٤) تاريخ دمشق : ج ٤٨ ، ص ٢١٥ ، تاريخ الإسلام (٣٥١ ـ ٣٨٠) ، ص ٤٥٤ ، زبدة الحلب : ج ١ ، ص ٢١٥.

(٥) تاريخ دمشق : ج ٧٠ ، ص ٢٧.

(٦) المصدر السابق : ج ٤٨ ، ص ٢٢١.

٢٨١

التنيسي : من تنيس بمصر ، روى عنه غيث (١).

٥٣ ـ محمد بن إبراهيم ، أبو عبد الله الحصري البانياسي [ت ٤٣٣ ه‍ / ١٠٤١ م] : سكن صور وحدّث بها سنة ٤٢٠ ه‍ ، أرّخ غيث الأرمنازي وفاته سنة ٤٣٣ ه‍ ودفن بظاهر البلد (٢).

٥٤ ـ محمد بن أبي نصر ، أبو عبد الله الطالقاني الصوفي [ت ٤٦٦ ه‍ / ١٠٧٣ م] : حدّث بصور ، وهو غير محمد بن أبي نصر المروزي كما أخبر غيث الصوري ، توفى سنة ٤٦٦ ه‍ ودفن خلف مسجد عتيق في صور (٣).

٥٥ ـ محمد بن أحمد بن عيسى بن عبد الله السعدي البغدادي [ت ٤٤١ ه‍ / ١٠٤٩ م] : زار صيدا وسمع بها أبا الحسن بن جميع (٤).

٥٦ ـ محمد بن الحسن بن محمد ، أبو الفتح بن أبي علي الأسداباذي الصوفي [٤٦٧ ه‍ / ١٠٧٤ م] : ولد سنة ٤٠٠ ه‍ وسمع بدمشق ، زار صور وسكن بها وسمع فيها عبد الوهاب بن الحسين بن برهان. روى عنه غيث الأرمنازي ، وأقام بالرملة وتوفى بها سنة ٤٦٧ ه‍ (٥).

٥٧ ـ محمد بن سلامة بن جعفر بن علي القضاعي [ت ٤٥٤ ه‍ / ١٠٧٢ م] : قدم صور رسولا من المصريين إلى بلد الروم كما أخبر الفقيه نصر بن إبراهيم (٦).

__________________

(١) المجموع : ص ٦٠.

(٢) المصدر السابق : ص ٢٣٢.

(٣) تاريخ دمشق : ج ٥٦ ، ص ١١٦ ، ص.

(٤) المصدر السابق : ج ٥١ ، ص ٩٩ ، سير أعلام النبلاء : ج ١٨ ، ص ٥.

(٥) المصدر السابق : ج ٥٢ ، ص ٣٢٨ ، المجموع : ص ٢٣٥.

(٦) المصدر السابق : ج ٥٣ ، ص ١٦٩ ، سير أعلام النبلاء : ج ١٨ ، ص ٩٣.

٢٨٢

٥٨ ـ محمد بن عبد الله ، أبو بكر السنجاري [حيا ٤٦٢ ه‍ / ١٠٦٩ م] : ولد سنة ٤٠٣ ه‍ ، وتردّد إلى صورة عدّة دفعات ، وسمع منه غيث الأرمنازي سنة ٤٦٢ ه‍ (١).

٥٩ ـ محمد بن عتيق بن محمد بن إبراهيم بن زاغاني ، أبو عبد الله الصقلّي المالكي [ت ٤٦٨ ه‍ / ١٠٧٥ م] : سكن في مدينة صور ، وأرّخ غيث الأرمنازي وفاته بها سنة ٤٦٨ ه‍ ، ودفن في جوار مسجد عتيق (٢).

٦٠ ـ محمد بن علي بن عمر بن رجاء بن عمر بن أبي العيش [ت ٤٦٠ ه‍ / ١٠٦٧ م] : استنابه القاضي بن أبي عقيل على قضاء صيدا ، وحدّث بها وبإطرابلس ، توفى سنة ٤٦٠ ه‍ (٣).

٦١ ـ محمد بن عمر بن لحسان ، أبو بكر الدينوري [ت ٤٤٧ ه‍ / ١٠٥٥ م] : كان إماما لجامع صور ، توفى بدمشق سنة ٤٤٧ ه‍ (٤).

٦٢ ـ محمد بن القاسم بن المبارك بن مسلمة التنيسي السعدي : سمع منه غيث الأرمنازي بصور (٥).

٦٣ ـ محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن ، أبو عبد الله الطالقاني الصوفي [ت ٤٦٦ ه‍ / ١٠٧٣ م] : تردّد إلى صور ، ثم استوطنها إلى أن مات فيها ، وأرّخ غيث لوفاته سنة ٤٦٦ ه‍ ، ودفن في الخربة (٦).

__________________

(١) تاريخ دمشق : ج ٥٤ ، ص ٦٤ ، المجموع : ص ٢٤٣.

(٢) المصدر السابق : ج ٥٤ ، ص ١٨٨ ، المجموع : ص ٢٤٥.

(٣) المصدر السابق : ج ٥٤ ، ص ٣٩٠.

(٤) المصدر السابق : ج ٥٤ ، ص ٤١٨ ، المجموع : ص ٢٥٣.

(٥) المجموع : ص ١٢٨.

(٦) تاريخ دمشق : ج ٥٥ ، ص ١٩٩ ، تاريخ الإسلام (٤٦١ ـ ٤٧٠) ، ص ١٣٢ ، المجموع : ص ٢٥٧.

٢٨٣

٦٤ ـ مروان بن عثمان ، أبو الحسن السقلّي المغربي [حيا ٤٧٨ ه‍ / ١٠٨٥ م] : لقيه غيث بصور ، كان حيا سنة ٤٧٨ ه‍ (١).

٦٥ ـ المؤمل بن الحسن الطائي : سمعه غيث الأرمنازي بصور (٢).

٦٦ ـ موسى بن علي الصقلي ، أبو عمران النحوي : كان نحوي البلد ، سمعه عبد الله بن الحسن الديباجي العثماني المتوفّى سنة ٤٦٤ ه‍ بصور (٣).

٦٧ ـ مياس بن مهري بن كامل ، أبو رافع بن الصقيل القشيري ، الأمير عرس الدولة ، دخل صور وحدّث بها سنة ٤٦٢ ه‍ (٤).

٦٨ ـ نجا بن أحمد بن عمرو ، أبو الحسن العطّار الدمشقي : دخل صور وسمع بها من أبي الفرج بن برهان في سنة ٤٤٥ ه‍ وكان طالبا للحجّ (٥).

٦٩ ـ نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود ، أبو الفتح المقدسي النابلسي [ت ٤٩٠ ه‍ / ١٠٩٦ م] : من نابلس بفلسطين قدم دمشق سنة ٤٧١ ه‍ ، ثم خرج إلى صور وأقام بها نحو عشر سنين ، وسمعه فيها غيث الأرمنازي ، ثم ذهب إلى دمشق سنة ٤٨٠ ه‍ وتوفى سنة ٤٩٠ ه‍ (٦).

٧٠ ـ نصر بن أبي نصر ، أبو منصور الطوسي الصوفي المقرىء [ت

__________________

(١) المجموع : ص ٣٦٥.

(٢) المصدر السابق : ص ٧٠.

(٣) تاريخ دمشق : ج ٢٧ ، ص ٣٦٣ ، المجموع : ص ٢٤٦.

(٤) المصدر السابق : ج ٦١ ، ص ٣١٥.

(٥) المصدر السابق : ج ٦١ ، ص ٤٦٠.

(٦) المصدر السابق : ج ٦٢ ، ص ١٦ ، طبقات الشافعية : ج ٥ ، ص ٣٥٢ ، المجموع : ص ١٣٤.

٢٨٤

٤٥١ ه‍ / ١٠٥٩ م] : سكن صور ، وسمع فيها سنة ٤٢٠ ه‍ أبا عبد الله محمد بن إبراهيم الحصري البانياسي ، وأبا شجاع فاتكا بن عبد الله المزاحمي ، روى عنه ابنه إسماعيل بن نصر وكان يقرىء حلقة في الجامع ، أقام بصور ٣٦ سنة إلى أن مات فيها سنة ٤٥١ ه‍ (١).

٧١ ـ نصر بن الحسن ، أبو الفتح الشاشي التنكتي التاجر [٤٨٦ ه‍ / ١٠٩٣ م] : زار صور ، وروى عنه غيث الأرمنازي حديثا عن جابر : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا علّة ولا مطر ، توفى سنة ٤٨٦ ه‍ (٢).

٧٢ ـ هياج بن عبيد الشامي الحطيني ، أبو محمد [ت ٤٧٢ ه‍ / ١٠٧٩ م] : زار صيدا وسمع بها من السكن بن جميع ، توفى سنة ٤٧٢ ه‍ (٣).

٧٣ ـ يوسف بن باروختكين ، أبو الفرج [حيا ٤٠٨ ه‍ / ١٠١٧ م] : كان قائدا للجيش ، ولي إمارة دمشق للحاكم سنة ٤٠٦ ه‍ ، وعزل سنة ٤٠٨ ه‍ ، زار صور ومدحه الشاعر عبد المحسن الصوري (٤).

__________________

(١) تاريخ دمشق : ج ٦٢ ، ص ٥١ ، تاريخ الإسلام (٤٤١ ـ ٤٦٠) ، ص ٣١٩.

(٢) المصدر السابق : ج ٦٢ ، ص ٣١ ، سير أعلام النبلاء : ج ١٩ ، ص ٩١ ، المجموع : ص ٢٨١.

(٣) سير أعلام النبلاء : ج ١٨ ، ص ٣٩٣.

(٤) ديوان الصوري : ج ١ ، ص ١٩٧ ، أمراء دمشق : ص ١٠١ ، ١٤١.

٢٨٥
٢٨٦

عاملة في العصر الصليبي

[٥١٨ ـ ٦٩٠ ه‍] [١١٢٤ ـ ١٢٩١ م]

٢٨٧

٢٨٨

أولا : سقوط جبل عامل بأيدي الصليبيين

[٤٩٣ ه‍ / ١٠٩٩ م]

بتاريخ ١١ ربيع الثاني سنة ٤٩٣ ه‍ / ٢٣ أيار ١٠٩٩ م اجتاز الطريق على البرّ المواجه لمدينة صور جيش جرّار ، من الفرسان الذين يضعون علامة الصليب على صدورهم ، ولم يعرض الجيش الغريب للمدينة الحصينة بسوء. لأنّه كان يريد القدس دون سواها ، وأغلق أهلها أبوابها ، ومضوا يراقبون الجيش الغازي وهو يتّجه نحو الجنوب ، يقول وليم الصوري : «فمرّوا وعلى يمينهم مدينة أهل صيدا القديمة المعروفة باسم ساربتا التي شبّ فيها إيليا رجل الرب ، ثم عبروا هذا النهر المتعرّج حتّى بلغوا مدينة صور عاصمة هذه المنطقة الشهيرة والموطن القديم لكل من أجنور وكادموس. وهنا نصبوا معسكرهم على مقربة من نبع الجنان (١) المعروف ، وهو نبع غزير الماء يعدّ أعجوبة من أعاجيب الدنيا ، فأمضوا ليلتهم في بساتينه الفسيحة التي تفيض بكل ما تشتهيه الأنفس من الطيّبات ، ولمّا طلع الصباح تهيأوا ثانية للمسير بعد تغلّبهم على ما صادفوه من صعاب الممر (٢) الواقع بين الجبال الشاهقة الارتفاع وبين البحر» (٣).

__________________

(١) نبع الجنان : هو برك رأس العين.

(٢) يقصد بالممر عقبة صور أو الرأس الأبيض.

(٣) الحروب الصليبية : الصوري ، ص ٦٤ ، ٦٥ ، ويقصد بساربتا الصرفند.

٢٨٩

وسارعت عكا إلى إعلان ما يشبه الخضوع للغزاة وأمدتهم بالأموال والمؤن. بل أن أهل بيروت تعهدوا بالدخول في طاعة الصليبيين والاعتراف بالتبعية لهم ، إن هم نجحوا في الاستيلاء على القدس (١).

وسرعان ما سقطت يافا والرملة بأيديهم ، وفي هذه السنة دخلت الجيوش الغازية إلى مدينة القدس ، وارتكبت المجازر الرهيبة بحقّ أهلها ، ويكفي أن نعلم أن من قتل داخل المسجد الأقصى بلغ سبعين ألفا.

وبعد أن استتبّ لهم الأمن في القدس قرّروا التوجّه شمالا فعهد «جو دفري بوايون» إلى الأمير «تنكر النورماني» بفتح إقليم الجليل ، فاحتلّ مدينة طبرية ـ عاصمة التشيّع ـ الواقعة على أطراف جبل عامل الجنوبية الشرقية ، واحتلّ ما حولها من مزارع وقرى ، وكذلك سقطت نابلس بأيديهم ، وفرّ من سلم من أيدي السلاجقة والصليبيين من أهالي هذه المناطق إلى جبل عامل ، وسكنوا بين أهله الذين تجمعهم بهم وحدة النسب والمذهب والانتماء.

وبدأت المناطق الجنوبية القريبة من فلسطين تسقط الواحدة تلو الأخرى ، وقام حاكم طبرية بالإغارات الدائمة على مدينة صور.

١ ـ بناء قلعة تبنين [٤٩٩ ه‍ / ١١٠٥ م]

في حديث وليم الصوري عن حاكم طبرية وإغارته الدائمة على مدينة صور ، وعدم وجود قلاع بينها وبين طبرية يقول : «فعزم على بناء حصن على قمّة أحد الجبال المطلّة على مدينة صور ... وكان الاسم الأصلي لهذا الموضع هو «تبنين» ولمّا كان الحصن واقعا على جبل شاهق الارتفاع شديد الانحدار ، فقد أطلق عليه اسم تورون ، واشتهر بطيب هوائه وبديع

__________________

(١) الحركة الصليبية : ج ١ ص ٢٣٩.

٢٩٠

مناخه ... وأرضه شديدة الخصب ، وصالحة تماما لزراعة الكروم والأشجار كما أن محاصيلها وفيرة بفضل عناية فلّاحيها» (١).

وفي سنة ٥٠٠ ه‍ سار حاكم صور ، فأوقع بالفرنج على تبنين فقتل وأسر جماعة وعاد إلى صور (٢).

٢ ـ بناء حصن المعشوق [٥٠١ ه‍ / ١١٠٧ م]

في سنة ٥٠١ ه‍ جمع بغدوين ملك الفرنج عسكره وقصد مدينة صور وحاصرها ، وأمر ببناء حصن عندها على تلّ المعشوقة ، وأقام شهرا محاصرا لها ، وصانعه واليها على سبعة آلاف دينار ، فأخذها ورحل عن المدينة ، وقصد مدينة صيدا ، فحاصرها برّا وبحرا ، ونصب عليها البرج الخشب ، ووصل الأسطول المصري في الدفع عنها ، والحماية لمن فيها ، فقاتلهم أسطول الفرنج ، فظهر المسلحّون عليهم ، فاتّصل بالفرنج مسير عسكر دمشق نجدة لأهل صيدا ، فرحلوا عنها بغير فائدة (٣).

٢ ـ سيطرة الصليبيين على صيدا [٥٠٤ ه‍ / ١١١٠ م]

وصل الصليبيون إلى ضواحي صيدا لأول مرّة في العشرين من شهر أيار سنة ٤٩٣ ه‍ ، فسارع عسكرها إلى الخروج والتصدّي لهم وهم عند نهر الأوّلي شمالي المدينة ، غير أن الصليبيين تمكّنوا من صدّ الهجوم ، وتابعوا بعد ذلك طريقهم جنوبا إلى صور.

__________________

(١) الحروب الصليبية : ج ٢ ، ص ٢٦٨ ، تاريخ الحروب الصليبية : ج ٢ ، ص ١٥٥.

(٢) اتّعاظ الحنفا : ج ٣ ، ص ٣٧ ، ووالي صور هو عز الملك أنو شتكين الأفضلي.

(٣) الكامل : ج ١ ، ص ٤٨٨ ، تاريخ الإسلام (٥٠١ ـ ٥٢٠) ، ص ٨ ، اتّعاظ الحنفا : ج ٣ ، ص ٣٨.

٢٩١

ويبدو أن صيدا عادت إلى الحكم السلجوقي بعد هذه السنة ففي عام ٤٩٥ ه‍ كانت واقعة نهر الكلب بين الأمير علي الملقّب بعضد الدولة أمير الغرب وبين الصليبيين ، وكان معه عمّال صيدا وصور ورجال الغرب. وبسبب هذه الواقعة ولّاه شمس الملوك دقاق ملك الشام على مدينة صيدا وأمره بتحصينها ، فحصّنها وأرسل إليها نائبا عنه الأمير مجد الدولة محمد بن عدي بن سلمان بن عبد الله من بني عبد الله (١).

وفي أواخر خريف سنة ٤٩٥ ه‍ / ١١٠٢ م وفيما كان نحو أربعين مركبا محمّلة بالحجّاج الإفرنج في طريقها عائدة إلى بلادها إذ بالعواصف الشديدة تضربها ، فتحطّم بعضها ، وقذفت الرياح بالباقي إلى نقاط في ساحل الشام بالقرب من عسقلان ، وفي مواضع بين صور وصيدا ، فأخذ أهل صيدا من نجا منهم من الغرق ، فقتلوا بعضهم ، وباعوا الآخرين في أسواق الرقيق (٢).

وفي ردّ انتقامي قام بلدوين بمهاجمة عكا في ربيع السنة التالية ٤٩٦ ه‍ / ١١٠٣ م ، وضياق أهلها وحاميتها حتّى كادوا أن يستسلموا ، لو لا أن وصل من صيدا ، وصور اثنتا عشرة سفينة ما بين أغربة وحمّالات ضخمة ، تنقل على متنها خمسمائة مقاتل ، ومزاريق لقذف النيران الإغريقية ، وتمكّن المسلحون من إحراق سفنهم ، ومنجنيقاتهم وأبراجهم ، وأجبروا بلدوين على رفع الحصار إلا أنّه عاد واستولى عليها في شهر شعبان سنة ٤٩٧ ه‍ (٣) ، واعتقل الصليبيون بها ميسر الصوري فكتب إلى أصدقائه :

أحبابنا عادت لي يوم فرقتكم

فكاك أسري بأسري في يد البين

__________________

(١) السجل الأرسلاني : ص ٩٨.

(٢) لبنان من السيادة الفاطمية : ق ١ ، ص ٢٧٦.

(٣) المصدر السابق : ق ١ ، ص ٢٧٦.

٢٩٢

ولو بقدر اشتياقي ما كتبت به

سطرته بسواد القلب والعين (١)

وفي صيف سنة ٥٠١ عاد بلدوين لمهاجمة صيدا مجددا ، يساعده هذه المرة أسطول يقوده فلّاحون مغامرون من مدن إيطالية مختلفة ، فأنفذ واليها مجد الدولة إلى صاحب دمشق طغتكين يطلب منه المساعدة وعارضا عليه ثلاثين ألف دينار لقاء ذلك ، وفي هذه الأثناء انطلق من سواحل مصر أسطول تزيد قطعه البحرية على خمسين قطعة ، ووصل إلى ميناء صيدا ، فاصطدم في موقعة بحرية عنيفة بسفن الإيطاليين خارج مينائها ، أسفرت عن هزيمة الإيطاليين ، وفقد بلدوين بذلك عنصرا مهما من المساندة ، يضاف إلى هذا أن الأنباء أتته بقرب تحرّك العسكر التركماني من دمشق لنجدة صيدا فاضطرّ إلى رفع الحصار ، وإحراق الآلات التي أعدّها لأجله (٢).

وفي صيف ٥٠٢ ه‍ وفيما كان الصليبيون يحاصرون بيروت حاولت سفن حربية قدمت من صيدا وصور أن تكسر الحصار البحري ، ولكنها فشلت في مهمتها (٣). وسقطت بيروت بيدهم بعد ذلك.

وبعد سقوط طرابلس وبيروت ظلّت صيدا هدفا لأطماع بلدوين ملك بيت المقدس ، فلمّا شعر أن الوهن والخوف سيطر على أهلها فرض عليهم أن يؤدّوا له مبلغ ستّة آلاف دينار تحمل إليه على سبيل المقاطعة ، وكانوا يؤدون إليه ألفي دينار قبل ذلك. ورحل إلى بيت المقدس ليحجّ (٤).

وبعد عودته إلى بيت المقدس وصل إلى عكا في أوائل سنة ٥٠٤ ه‍ /

__________________

(١) لبنان من السيادة الفاطمية : ق ٢ ، ص ٢٧٦.

(٢) ذيل تاريخ دمشق ص ١٦٢ ، لبنان من السيادة الفاطمية : ق ١ ، ص ٢٧٨.

(٣) لبنان من السيادة الفاطمية : ق ١ ، ص ٢٧٨.

(٤) ذيل تاريخ دمشق : ١٦٨ ، الأعلاق الخطيرة : ج ٢ ، ص ٩٩.

٢٩٣

١١١٠ م نحو سبعين مركبا تقل عشرة آلاف مقاتل (١) يترأسّهم «سيغورد غورسا لافاري بن ماغنوس الثالث» من بلاد النرويج. وما إن علم بلدوين بوصوله حتّى سارع لاستقباله وغمره بالهدايا وأقنعه بمشاركته ومن معه لمنازلة صيدا والاستيلاء عليها.

نزل الجميع بقوّاتهم البرّية والبحرية صيدا يوم الثالث من شهر ربيع الآخر سنة ٥٠٤ ه‍ فضربوا عليها الحصار وضايقوها برّا وبحرا ، واستعرّ القتال بين المسلمين والإفرنج. وخاصة في الجهة الجنوبية للمدينة حيث الكثافة الشيعية فيها : ما أدّى إلى استشهاد مرجع الشيعة في البلاد الشامية ، وهذا ما سأتحدّث عنه لاحقا.

اجتهد الصليبيون في أن يقطعوا الطريق على النجدات التي قد تأتيها برّا من صور ، وبحرا من مصر ، ومع ذلك فقد قام أسطول صغير قدم من صور بمهاجمة السفن النرويجية وكاد أن يبدّدها كلها ، لو لا وصول أسطول البنادقة وإنقاذه للموقف لصالح الفرنج ، وعجز أسطول صور عن إمداد صيدا بما تحتاجه من سلاح وقوة مقاتلة (٢).

وكان أمير صيدا يومذاك مجد الدولة محمد بن عدي من آل عبد الله (٣) فأخذ يدبّر خطّة لاغتيال بلدوين مع مسلم متنصّر كان يعمل في خدمة بلدوين وتسمّى باسمه. فأغراه مجد الدولة بمبلغ كبير من المال لقاء تنفيذ الخطة ،

__________________

(١) الكامل : ج ٦ ، ص ٥٠٣.

(٢) لبنان من السيادة الفاطمية : ق ١ ، ص ٢٨٠.

(٣) الأمير مجد الدولة محمد بن عدي بن سلمان بن عبد الله التنوخي من آل عبد الله كان أميرا بصيدا من سنة ٤٩٥ ه‍ وهو الذي سلّمها للصليبيين بعد أن صالحهم عليها ، تولّى إمارة الغرب ، وقتل في برج البراجنة سنة ٥٣٢ ه‍. راجع : السجل الأرسلاني : ص ١٠٥.

٢٩٤

وكاد ينجح في تدبيره ، غير أن النصارى من أهل صيدا تسرّبت إليهم المعلومات وقاموا بتحذير الملك بلدوين من سميه المتنصّر وذلك بأن كتبوا ورقة بذلك وأثبتوها في سهم رموا به نحو معسكر الإفرنج ، فقبض عليه ، وجرى إعدامه فورا على الخازوق (١).

وزادت هذه الحادثة من تصميم بلدوين وحلفائه على أخذ صيدا بالقوة. يقول ابن الأثير : «فعمل الفرنج برجا من الخشب ، وأحكموه ، وجعلوا عليه ما يمنع النار عنه والحجارة ، وزحفوا به ، فلما عاين أهل صيدا ذلك ضعفت نفوسهم ، وأشفقوا أن يصبهم مثل ما أصاب أهل بيروت ، فأرسلوا قاضيها ومعه جماعة من شيوخها إلى الفرنج ، وطلبوا من ملكهم الأمان ، فأمّنهم على أنفسهم ، وأموالهم ، والعسكر الذي عندهم ، ومن أراد المقام بها عندهم أمنوه ، ومن أراد المسير عنهم لم يمنعوه ، وحلف لهم على ذلك ، فخرج الموالي ، وجماعة كثيرة من أعيان أهل البلد» (٢).

وفي ٢٣ من جمادى الأولى سنة ٥٠٤ خرج أمير صيدا ونائبها مجد الدولة التنوخي ، وجميع قادة الأجناد والعساكر ، وخلق كثير من أهل البلد ، قدّرهم مؤرخو الإفرنج بنحو خمسة آلاف وتوجّهوا نحو دمشق وصور. ودخلها الصليبيون بعد مقاومة دامت ٤٧ يوما ، وعاد بلدوين إلى بيت المقدس ، ثم رجع إلى صيدا وفرض على أهلها عشرين ألف دينار ، فأفقرهم وأخذ أموالهم (٣).

__________________

(١) لبنان من السيادة الفاطمية : ق ١ ، ص ٢٨١.

(٢) الكامل : ج ٦ ، ص ٥٠٣ ، معجم البلدان : ج ٣ ، ص ٤٣٨ ، الأعلاق الخطيرة : ج ٢ ، ص ٩٩ ، اتّعاظ الحنفا : ج ٣ ، ص ٤٦.

(٣) الكامل : ج ٦ ، ص ٥٠٤.

٢٩٥

٤ ـ استشهاد مرجع الشيعة في صيدا [ت ٥٠٤ ه‍ / ١١١٠ م]

أثناء حصار الصليبيين لمدينة صيدا ، قتل فيها مرجع الشيعة في بلاد الشام ، القاضي العالم أسعد بن أحمد بن أبي روح ، أبو الفضل الطرابلسي.

كان ابن أبي روح تلميذا للقاضي ابن البراج الطرابلسي ، تتلمذ على يديه مع صديقه ورفيق درسه العالم الشيعي الكبير أبي الفتح الصيداوي (١).

وقد جلس بعده لتدريس مذهب الإمامية في طرابلس ، وولاه ابن عمار قضاء طرابلس بعده (٢).

قال ابن أبي طيء : «وكان عظيم الصلاة والتهجّد ، لا ينام إلّا بعض الليل. وكان صمته أكثر من كلامه» (٣).

وحكى أبو اللطف الداراني ، قال : ما استيقظت من الليل قطّ إلّا وسمعت حسّه بالصلاة. وبالغ في وصفه ، وحكى له كرامة (٤).

وقال ابن حجر : «أسعد بن أبي روح ، أبو الفضل الرافضي ، قاضي طرابلس ... كان متعبّدا زاهدا راهبا ... عقدت له حلقة الإقراء وانفرد بالشام وطرابلس وفلسطين بعد ابن البراج ...» (٥).

وحكى الراشدي (٦) تلميذه ، قال : جمع ابن عمّار بين أبي الفضل وبين

__________________

(١) يقول الشيخ جعفر السبحاني عن ابن البراج : «وكان أستاذ أبي الفتح الصيداوي وابن روح من أصحابنا» المهذب : ج ١ ، ص ١٠ ، ٣٢ ، وهو ما قاله الأصفهاني في رياض العلماء : ج ٤ ، ص ١٦ ، والخونساري في روضات الجنّات : ج ٤ ص ٢٠٥ ، والأمين في أعيان الشيعة : ج ٢ ، ص ٣٩٣.

(٢) ابن عمار هو صاحب طرابلس جلال الملك [٤٦٤ ـ ٤٩٢ ه‍]

(٣) تاريخ الإسلام (٥٠١ ـ ٥٢٠) ص ٤٤٨ ، لسان الميزان : ج ١ ، ص ٣٨٦.

(٤) تاريخ الإسلام (٥٠١ ـ ٥٢٠) ، ص ٤٤٩.

(٥) لسان الميزان : ج ١ ، ص ٣٨٦.

(٦) الراشدي هو محمد بن الحسن بن مخلوف الراشدي المعروف بابن البركات الطرابلسي ، توفي سنة ٥٤٠ ه‍.

٢٩٦

مالكيّ مناظرة في تحريم الفقاع ، وكان الشيخ جريئا فصيحا ، فنطق بالحجّة ووضّح دليله ، فانزعج المالكي ، وقال : كلني كلني.

فقال : ما أنا على مذهبك. أراد أن مذهبه يجيز أكل الكلب.

وقال له ابن عمّار يوما : ما الدليل على حدث القرآن؟

قال : النسخ ، والقديم لا يتبدّل ولا يدخله زيادة ولا نقص.

وقال له آخر : ما الدليل على أنّا مخيّرون في أفعالنا؟

قال : بعثة الرسل.

وقال له أبو الشكر بن عمّار : ما الدليل على المتعة؟

قال : قول عمر : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنا أنهى عنهما. فقبلنا روايته ، ولم نقبل قوله في النهي.

ولابن أبي روح مجموعة من الكتب : فله كتاب «عيون الأدلّة في معرفة الله» ، وكتاب «التبصرة» في خلاف الشافعي للإمامية ، وكتاب «البيان عن حقيقة الإنسان» وكتاب «المقتبس في الخلاف بيننا وبين مالك بن أنس» و «كتاب «التبيان في الخلاف بيننا وبين النعمان» و «مسألة تحريم الفقاع» وكتاب «الفرائض» ، وكتاب «المناسك» ، وكتاب «البراهين» ، وأشياء أخرى ذكرها ابن طيء في تاريخه.

انتقل بعد الاحتلال الصليبي لطرابلس إلى صيدا ، وكان بها العالم أبو الفتح الصيداوي ، وأصبح مرجع الإمامية بها إليه ، واتّخذ بها دارا للكتب جمع فيها أزيد من أربعة آلاف مجلّدة (١) ، ولم يزل بصيدا إلى أن ملكتها الإفرنج سنة ٥٠٤ فقتل بها.

__________________

(١) تاريخ الإسلام (٥٠١ ـ ٥٢٠) ، ص ٤٤٨.

٢٩٧

يقول ابن أبي طيء : «فأظنه قتل بصيدا عندما ملكت الفرنج البلاد ورأيت من يقول إنّه انتقل إلى دمشق (١).

أما ابن حجر فقال : «قال ابن طي ، أظنه قتل عندما ملكت الفرنج حيفا ...» (٢).

أقول : كلام ابن حجر لا يتّفق مع ما ذكره المؤرّخون من أن حيفا سقطت بيد الصليبيين سنة ٤٩٤ ه‍ أي قبل وفاته بعشر سنين ، والصحيح أنّه كان بصيدا ، وقتل بها دفاعا عن أرض المسلمين ، ومقامه لا يزال معروفا إلى يومنا هذا باسم مقام أبي روح وهو بالقرب من منطقة نهر البرغوث الذي كان يتردّد إليه الشاعر الصوري.

٥ ـ حصار الصليبيين لمدينة صور[المقاومة الشيعية][٥٠٥ ه‍ / ١١١١ م]

يقول ابن الأثير في حوادث سنة ٥٠٥ ه‍ : «لما تفرّقت العساكر اجتمعت الفرنج على قصد مدينة صور وحصرها ، فساروا إليها مع الملك بغدوين ، صاحب القدس ، وحشدوا وجمعوا ، ونازلوها وحصروها (٣) في الخامس والعشرين من جمادى الأولى ، وعملوا عليها ثلاثة أبراج خشب ، علوّ البرج سبعون ذراعا ، وفي كلّ برج ألف رجل ، ونصبوا عليها المجانيف ، وألصقوا أحدها إلى سور البلد ، وأخلوه من الرجال.

وكانت صور للآمر بأحكام الله العلوي ، ونائبه بها عزّ الملك الأعزّ ، فأحضر أهل البلد ، واستشارهم في حيلة يدفعون بها شر الأبراج عنهم ، فقام

__________________

(١) تاريخ الإسلام (٥٠١ ـ ٥٢٠) ، ص ٤٤٨ ، سير أعلام النبلاء : ج ١٩ ، ص ٤٩٩.

(٢) لسان الميزان : ج ١ ، ص ٣٨٦.

(٣) يقول وليم الصوري : «أما الجيش فقد احتلّ البساتين القريبة من المدينة ، وضرب معسكره على شكل دائرة تلتفّ حولها» راجع الحروب الصليبية : ج ٣ ، ص ٢٦.

٢٩٨

شيخ من أهل طرابلس (١) ، وضمن على نفسه إحراقها ، وأخذ معه ألف رجل بالسلاح التام ، ومع كلّ رجل منهم حزمة حطب ، فقاتلوا الفرنج إلى أن وصلوا إلى البرج الملتصق بالمدينة ، فألقى الحطب من جهاته ، وألقى فيه النار ، ثم خاف أن يشتغل الفرنج الذين في البرج بإطفاء النار ، ويتخلّصوا ، فرماهم بحرب كان قد أعدّها ، مملوءة من العذرة فلما سقطت عليهم اشتغلوا بها وبما نالهم من سوء الرائحة والتلوّث ، فتمكّنت النار منه ، فهلك كلّ من به ، إلّا القليل ، وأخذ منه المسلّحون ما قدروا عليه بالكلاليب ، ثم أخذ سلال العنب الكبار ، وترك فيها الحطب الذي قد سقاه بالنفط ، والزفت ، والكتّان ، والكبريت ، ورماهم بسبعين سلة ، وأحرق البرجين الآخرين (٢).

ثم إنّ أهل صور حفروا سراديب تحت الأرض ليسقط فيها الفرنج إذا زحفوا إليهم ، ولينخسف برج إن عملوه وسيّروه إليهم ، فاستأمن نفر من المسلمين إلى الفرنج ، وأعلموهم بما عملوه ، فحذروا منها.

وأرسل أهل البلد إلى أتابك طغتكين (٣) ، صاحب دمشق ، يستنجدونه ، ويطلبونه ليسلّموا البلد إليه ، فسار في عساكره إلى بانياس ، فامتنع من فيه

__________________

(١) يقول الصوري : «إن أعدادا كبيرة من أعيان وأثرياء قيصرية وعكّا وصيدا وجبيل وطرابلس وغيرها من المدن الساحلية التي وقعت في أيدينا فرّوا إلى صور يلتمسون الحماية وراء تحصيناتها ، كما ابتاعوا لهم فيها الدور الغالية» راجع : الحروب الصليبية : ج ٣ ، ص ٢٧. وهذا ما يفسر وجود الشيخ الطرابلسي في صور ، والشهيد أسعد بن أبي روح بصيدا ، بيد أن الصوري يتحدّث عن نفر من شباب صور تعاهدوا على حرق آلات الصليبيين ، راجع : الحروب الصليبية : ج ٣ ، ص ٣٥.

(٢) ويتحدّث المقريزي عن هذه المقاومة الشرسة للصليبيين. راجع : اتّعاظ الحنفا : ج ٣ ، ص ٤٨.

(٣) طغتكين بن بوري أمير دمشق ، وصف بالشجاعة والقوة والشهامة وهذا يبدو من قوله لأهل صور : «أنا ما فعلت إلّا الله تعالى ، وإن دهمكم عدو جئتكم بنفسي ورجالي» أمراء دمشق : ص ٤٥.

٢٩٩

بهم ، واشتدّ قتال الفرنج خوفا من اتّصال النجدات ، ففني نشاب الأتراك ، فقاتلوا بالخشب ، وفني النفط ، فظفروا بسرب تحت الأرض فيه نفط لا يعلم من خزنه ، ثم إن عز الملك ، صاحب صور ، أرسل الأموال إلى طغتكين ليكثر من الرجال ، ويقصدهم ليملك البلد ، فأرسل طغتكين طائرا فيه رقعة ليعلمه وصول المال. ويأمره أن يقيم مركبا بمكان ذكره لتجيء الرجال إليه ، فسقط الطائر على مركب الفرنج ، فأخذه رجلان : مسلم وفرنجي. فقال الفرنجي : نطلقه لعلّ فيه فرجا لهم ، فلم يمكنه المسلم ، وحمله إلى الملك بغدوين ، فلمّا وقف عليه سير مركبا إلى المكان الذي ذكره طغتكين ، وفيه جماعة من المسلمين الذين استأمنوا إليه من صور ، فوصل إليهم العسكر ، فكلّموهم بالعربية ، فلم ينكروهم ، وركبوا معهم ، فأخذوهم أسرى ، وحملوهم إلى الفرنج فقتلوهم ، وطمعوا في أهل صور ، فكان طغتكين يغير على أعمال دمشق وهو للفرنج ، فحصره ، وملكه بالسيف ، وقتل كلّ من فيه ، وعاد إلى الفرنج الذين على صور (١).

وكان يقطع الميرة عنهم في البر ، فأحضروها في البحر ، وخندقوا عليهم ، ولم يخرجوا إليه ، فسار إلى صيدا ، وأغار على ظاهرها ، فقتل جماعة من البحرية ، وأحرق نحو عشرين مركبا على الساحل ، وهو مع ذلك يواصل أهل صور بالكتب ، يأمرهم بالصبر ، والفرنج يلازمون قتالهم ، وقاتل أهل صور قتال من أيس من الحياة ، فدام القتال إلى أوان إدراك الغلّات. فخاف الفرنج أن طغتكين يستولي على غلّات بلادهم ، فساروا عن البلد ، عاشر شوّال ، إلى عكا ، وعاد عسكر طغتكين إليه ، وأعطاهم أهل

__________________

(١) يقول الصوري : إن طغتكين عسكر على نهر بالقرب من صور يبعد عنها بما يقارب من أربعة أميال ، راجع الحروب الصليبية : ج ٣ ، ص ٣٣. ولعلّه نهر الليطاني.

٣٠٠