الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

علي داود جابر

الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

المؤلف:

علي داود جابر


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٠

العلاقة إلى مصر مقيّدا ، وسيق في جماعة معه ، وقد ألبس طرطورا من رصاص له عظم وثقل على رأسه وكاد أن يغوص على رقبته ، ثم أعدم وسلخ وصلب بالموضع المعروف بالمنظر بين القاهرة ومصر وقتل المأسورون (١)

وأعطيت ولاية صور لابن ناصر الدولة أبي عبد الله الحسين بن حمدان وبقي بها إلى أن توفى ، فتولاها ابنه الحسن بن الحسين بن ناصر الدولة بن حمدان.

وبعد أن قضى الفاطميون على ثورة علاقة ومن ورائه الملك البيزنطي باسيل ، امتدح الشاعر عبد المحسن الصوري الإمام الحاكم بأمر الله والأستاذ أبا الفتوح برجوان بقصيدة يذكر فيها هزيمة باسيل ملك الروم عقيب قتل الدوقس ، يقول :

خلا طرفه بالسّقم دوني يلازمه

إلى أن رمى سهما فصرت أساهمه

طغت عبد شمس فاستقل محلقا

إلى الشمس من طغيانها متراكمه

فمن مبلغ عنّي أميّة أنني

هتفت بما قد كنت عنها أكاتمه

مضت أعصر معوّجة باعوجاجكم

فلا تنكروا أن قوّم الدهر قائمه

وجدد عهد المصطفى بعض أهله

وحكم في الدين الحنيفي حاكمه

وما بال باسيل تولّى مشمرا

أحين بدت من كل جيش ضراغمه

فألّا أتاها وقفة دوقسيّة

يروح بها أعلاجه وغنائمه (٢)

٣ ـ قادة من صور

أ ـ القائد فريد بن محمد أبو علي ال صور ي [٣٦٥ ه‍ / ٣٨٦ م]

يبدو أنه كان قائدا لأسطول صور البحري ، وقد عيّنه الخليفة العزيز بالله

__________________

(١) تاريخ الأنطاكي : ص ٢٤١ ، ذيل تاريخ دمشق : ص ٥٠ ، ٥١ ، اتّعاظ الحنفا : ج ٢ ، ص ١٨ ، ١٩ ، الكامل : ج ٥ ، ص ٥١٧ ، ٥١٨ ، تاريخ الإسلام (٣٨١ ـ ٤٠٠) ص ١٩٦ ، سير أعلام النبلاء ، ج ١٧ ، ص ٥٣.

(٢) ديوان الصوري : ج ٢ ، ص ٣٧ و ٣٨ وقد قالها في يوم عاشوراء.

١٦١

بإشارة من وزيره وهذا ما ذكره الشاعر عبد المحسن الصوري في قصيدة كتبها للقائد أبي علي ، يذكر فيها العزيز بالله ودولته العلوية الشيعية ما يوحي بأن فريدا كان شيعيا يقول :

طال الزمان ولا ثناه ولا انثنى

فقفا على شحط النوى وتبينا

بسط العزيز بن المعزّ بناءها

فينا فكان الله يرفع ما بنى

مولى الموالف والمخالف عنوة

من تحت شك كان أو متيقنا

ومحجّة لله هادية إلى

سبل الهدى وضحت بنعمته لنا

ومقيمها من بعد طول قعودها

علوية الأنساب عالية السنا

بيضاء يجلوها الوزير بحلّتي

سمر اليراع وزرق أطراف القنا

حتى أتتنا وهي ذات قلائذ

جعل الإمام فريدهن فريدنا

القائد الجرار في يوم الوغى

ذيل الوغى عجبا بها وتزيّنا

صحب الأئمة واثقا ما خانه

ميثاقه وموثّقا ما خوّنا (١)

وقال في قصيدة أخرى يمدحه بعد أن هزم الروم وقاد المراكب في البحر :

بركات مولانا عليك تعود

قربت فأنت من النّحوس بعيد

وجنوده اجتمعت بقوة سعده

فتفرّقت للمشركين جنود

وغزوتهم بحمائم سبقت ولم

يسبق نداك إلى العلوج وعيد

ما كنت أحسب أن بحرا زاخرا

تسعى إلى الأجمات منه أسود

لم يعلموا بقفولها عن أرضهم

سيما وقد علموا بأن سيعود

ما أشرقت بوقودها إلا وفي

أحشاء كلب الروم منه وقود

ورماهم منك الإمام بمرهف

أبدا لأعمار العداة مبيد (٢)

__________________

(١) ديوان الصوري : ج ٢ ، ص ٨٧ ، ٨٨.

(٢) المصدر السابق : ج ١ ، ص ١٣٥ ، ١٣٦.

١٦٢

ب ـ الأمير فريد الوموي أو الوفري ، أبو الوحيد [٣٨٢ ه‍ / م]

وصفه عبد المحسن الصوري بالأمير ونسبته الوموي أو الوفري ، وقد يكون حفيد القائد فريد بن محمد ، يقول :

هذا الذي ثبتت عليك شهوده

إن كان لي حقا فلست أريده

ونوائب بعث الزمان عوارضا

منهنّ فاعترض الندى وفريده

فرجعن قبل وصولهنّ جوافلا

يستاقهنّ أبو الوحيد وجوده

فعلاته في الخيل عند مغارها

وهناك إن ذكر الردى موعوده

لا يدنينّك منه رقة خلقه

فالسيف يقطع إذ يرقّ حديده (١)

وقال فيه أيضا من قصيدة :

ما إن سمعت أبا الوحيد بواحد

جمع الأسود فقادهنّ عساكرا

لقد انفردت فكنت وحدك سامعا

ثم انفردت فكنت وحدي شاعرا (٢)

ج ـ الحسن بن الحسين بن ناصر الدولة حمدان

تولّى صور بعد أبيه ومن غير المعروف متى بدأت ولايته ومتى انتهت.

وذكر ابن الأزرق في حوادث سنة ٣٨٧ ه‍ أنّه بقي جماعة من أولاد ناصر الدولة الحمداني انتقلوا إلى الساحل وملكوا صور وما حولها ، وانقرضوا ، فلم يبق منهم إلى الآن أحد (٣)

وقد ذكره الصوري في قصائد ثلاث ولقبه منير الدولة فقال :

كنت من قبل أن تلقّب كالبد

ر وأعلى قدرا وذكرا ونورا

ثم اشكلتما عليّ بأن صر

ت تسمّى كما يسمى منيرا

__________________

(١) ديوان الصوري : ج ١ ، ص ١٠٧ ، ١٠٨.

(٢) المصدر السابق : ج ١ ، ص ١٤٧ وقال فيه قصيدة ثالثة في ديوانه : ج ١ ، ص ٩٥.

(٣) لبنان من السيادة الفاطمية : ج ٢ ، ص ٨٧.

١٦٣

فتميّز لأستميحك إني

ما تعودت أستميح البدورا

وأري حالتي على حالتي الأو

لى أقاسي الأضحى بها والغديرا

والزمان الذي غدا فعلى ما

كان يغدو وقد لقيت الأميرا (١)

٤ ـ موقعة طرابلس [٣٩٠ ه‍]

في شهر ذي الحجّة سنة ٣٨٩ ه‍ حاصر الملك باسيل البيزنطي مدينة طرابلس أحد عشر يوما ، وصمد أهلها بقيادة ميسور الصقلبي والقاضي ابن حيدرة. وفي هذه الأثناء وصلته السفن الحربية ، فقام بالهجوم على المدينة من البر والبحر في يوم الثلاثاء مستهلّ المحرم سنة ٣٩٠ ه‍ ونشبت معركة رهيبة على الجبهتين ، أسفرت عن هزيمة ساحقة للأمبراطور ، ومقتل وجرح عدد كبير من جنوده (٢).

ويبدو أن نجدة بحرية من صاحب صيدا أبي الفتح عبيد الله بن الشيخ أتت إلى ساحل طرابلس وأخذت شلنديا للروم ، فقال عبد المحسن الصوري يمدح ابن الشيخ ويذكر أن صاحب الغزوة إلى الشام هو البلغري :

لمعت سيوف بني حميد بعدما

صدئت وطال بهنّ عهد الروم

فاستنقذوا الإسلام بعد حكومتي

والمسلمين عليه بالتسليم

لما رأيت البلغري لموجه

موج القضاء المبرم المحتوم

يغزو الشآم وليس يعلم أن في

غزو الشآم عليه غزو الشوم

ودعا عبيد الله قلت له انتظر

ليس الذي نبّهته بنؤوم

ألقيت نفسك حين مسّك بأسه

متبردا بالماء غير ملوم

__________________

(١) ديوان الصوري : ج ١ ، ص ٢١٣ ، ٢١٤. وذكره في الديوان : ج ١ ، ص ١٦٦ وج ٢ ، ص ١٢٢.

(٢) لبنان من السيادة الفاطمية : ج ١ ، ص ٥٥.

١٦٤

لم يرض إلا بالفرار كأنما

ريح الشمال عليه ريح سموم (١)

ويبدو أن عبيد الله بن الشيخ زار صور حيث كان يسكن ولده علي أبو الحسن فكتب له الصوري قصيدة بصور (٢). وبعدها تختفي أخبار صاحب صيدا من التاريخ ، وإن كان الصوري قد ذكر ابنه علي أبا الحسن بقصائد وذكر أنّه كان يسكن في مدينة صور (٣) ، وممّا لاشكّ فيه أنّ أبناء الشيخ كانوا كثرا في مدينة صيدا ، وأنّهم كانوا ممدّحين ما يدلّ على فضلهم وتسلّمهم المناصب الرفيعة. وممّن ذكرهم الصوري من آل الشيخ بصيدا الحسن بن سرور الشيخي أبا محمد كاتب الخراج (٤) يقول :

لا يفجعنك غصن البان إن بانا

واخرج أعوّضك منه اليوم أغصانا

كأنما ابن سرور بات يبعث لي

في سائر الطرق أنوارا ونيرانا

واذكر ابن سرور في مكارمه

وقربه فأمنت اليوم نسيانا

وصرت ليس أرى إلا مكارمه

حولي قياما يراها الناس أعيانا

وإنّما أنا موقوف الثناء فمن

كان ابن جفنة منهم كنت حسانا (٥)

وذكر لأبي محمد خمسة أولاد في قصيدة كتبها إليهم بصيدا يقول منها :

والقائمين بما كانت تقوم به

آباؤهم من حقوق المجد والمنن

سعى أبو طالب سعيا يفوت به

سبقا وسار أبو نصر على السنن

__________________

(١) ديوان الصوري : ج ١ ، ص ٤٣٠.

(٢) المصدر السابق : ج ٢ ، ص ٢٣.

(٣) المصدر السابق : ج ١ ، ص ٣١٠ ، وج ٢ ، ص ٢٤ وص ٦٠.

(٤) كاتب الخراج هو الكاتب المختصّ بتسجيل عائدات مغلّ الخراج من الأراضي الزراعية.

(٥) ديوان الصوري : ج ٢ ، ص ٩٦ وذكره في قصائد كثيرة فليراجع الديوان ج ١ ، ص ٢٣١ ، ٢٤٩ ، ٢٨٨ ، ٣٣٢ وج ٢ ، ص ٢٧ ، ٩٥.

١٦٥

واستنهضا من علي (١) تابعا لهما

وكان مذ كان نهاضا أبو الحسن

وجدّ في السير جدّا غير منقطع

عنهم أبو أحمد كالعارض الهتن

وألحقتهم أبا يعلى عزيمته

وهمه طلعت والنجم في قرن

وكلّ آل حميد آل محمدة

وحيث ما شئت من أوطانهم فكن (٢)

وقال من قصيدة كتب بها إلى أبي نصر محسن بن الحسن بن سرور الشيخي :

فمن مبلغ عني المحسّن ذا الندى

وأخوته الجارين مجرى المحسّن

أراني وإيّاكم كظمآن خامس

إلى الماء تجري تحته خمس أعين

كذلك أنتم خمسة فاض جودكم

فعم وبالتسويف والمطل خصّني (٣)

وذكر من هذه العائلة أبا الفرج محمدا بن علي بن الشيخ في قصيدتين (٤) ؛ وهذا يعني أن هذه العائلة تركت بصماتها في التاريخ العاملي وبلاد الشام جميعا من الرملة إلى صور وصيدا وطرابلس ودمشق ما يدعونا للبحث والتعمّق في تاريخها في أبحاث لاحقة.

٥ ـ شعراء عامليون

أ ـ محمد بن كشاجم الرملي ال صيدا وي [حيا ٣٩١ ه‍ / ١٠٠٠ م]

هو محمد بن محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك الرملي المعروف بكشاجم ، أبو نصر الصيداويّ ، ذكره المؤرّخون بكنيته فقط ، ولم يذكر اسمه «محمدا» إلا ابن عساكر في تاريخه (٥). وتوهّم صاحب الغدير

__________________

(١) رثاه بقصيدة ثانية ، الديوان : ج ٢ ، ص ٩٨.

(٢) ديوان الصوري : ج ٢ ، ص ٦٤ ، ٦٥

(٣) المصدر السابق : ج ٢ ، ص ٤٥ ، وذكره في ديوانه : ج ٢ ، ص ٧٤ ، ٩٢.

(٤) المصدر السابق : ج ١ ، ص ٤٠٥ ، وج ٢ ، ص ٦٣.

(٥) تاريخ دمشق : ج ٦٧ ، ص ٢٦٣.

١٦٦

فسمّاه أحمدا (١) ، وذلك باعتماد على بيت من الشعر قاله كشاجم بابنه الكبير أحمد.

كان والده كشاجم من أهل الرملة بفلسطين ، وكان من شعراء أهل البيت عليهم‌السلام كما يقول ابن شهر آشوب (٢) ، وله ديوان شعر يسمى «الثغر الباسم من شعر كشاجم» (٣) ومن شعره في مدح أهل البيت عليهم‌السلام :

فجدهم خاتم الأنبيا

ويعرف ذاك جميع الملل

ووالدهم سيد الأوصياء

ومعطي الفقير ومردي البطل

وقد علموا أن يوم الغدير

بغدرهم جر يوم الجمل

أيمنع فاطمة حقّها

ظلوم غشوم زنيم عتل

وتردي الحسين سيوف الطغا

ة ظمآن لم يطف حرّ الغلل (٤)

وأبو نصر ، كان يسكن في مدينة صيدا (٥) ، وكان شاعرا كأبيه كاتبا نجيبا ، ذكر والده نجابته في قصيدة ، يقول :

وأزيره العلماء يأخذ عنهم

فيبذّ من يغدو إلى العلماء (٦)

ذكر الثعالبي من شعر أبي نصر ما يناهز ستين بيتا ، أنشدها علي بن محمد الشاشي عنه في مدينة صيدا فقال : «أنشدني أبو نصر بن أبي الفتح بن كشاجم بصيداء الشام لنفسه في وصف الكتاب من أبيات [من المنسرح] :

__________________

(١) الغدير : ج ٤ ، ص ٣٥.

(٢) معالم العلماء : ص ١٤٩ ، الذريعة : ج ٥ ، ص ٧.

(٣) سير أعلام النبلاء : ج ١٦ ، ص ٢٨٥ ، الذريعة : ج ٥ ، ص ٧ ، أعيان الشيعة : ج ١٠ ، ص ١٠٣.

(٤) ديوان كشاجم : ص ٤٢٢.

(٥) قال ذلك الثعالبي وابن عساكر راجع تاريخ دمشق : ج ٦٧ ، ص ٢٦٣ ، يتيمة الدهر : ج ١ ، ص ٣٥٠ ، وقد انتقل إليها بعد سنة ٣٦١ ه‍.

(٦) ديوان كشاجم : ص ٢٦.

١٦٧

وصاحب مؤنس إذا حضرا

جالسني بالملوك والكبرا

جسم موات تحيا النفوس به

يجلّ معنى وإن دنا حظرا (١)

وله في شمعة [من المنسرح] :

بركة صفر عمودها شمع

تفيض نارا من موضع الماء

صفرة لون وذوب معتبة

ودمع حزن ونار أحشاء (٢)

وقال في بخيل [من الطويل] :

صديق لنا من أبدع الناس في البخل

وأفضلهم فيه وليس بذي فضل

دعاني كما يدعو الصديق صديقه

فجئت كما يأتي إلى مثله مثلي

فأقبلت أستلّ الغداء مخافة

وألحاظ عينيه رقيب على فعلي (٣)

وكتب على تفاحة حمراء بالذهب إلى الوزير أبي الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات ، وأنفذها إليه وقد خرج إلى منتزه بالمقس [من المجتث] :

إذا الوزير تجلّى

للنيل في الأوقات

فقد أتاه سميا

ه جعفر بن الفرات (٤)

وله في طبيب [من المجتث] :

عيسى الطبيب ترفق

فأنت طوفان نوح

يأبى علاجك إلا

فراق جسم لروح

شتان ما بين عيسى

وبين عيسى المسيح

فذاك محي موات

وذا مميت صحيح (٥)

__________________

(١) يتيمة الدهر : ج ١ ، ص ٣٥١ ، تاريخ دمشق : ج ٦٧ ، ص ٢٦٣ وتتألف من ٦ أبيات.

(٢) المصدر السابق : ج ١ ، ص ٣٥١.

(٣) المصدر السابق : ج ١ ، ص ٣٥١ ، والقصيدة مؤلّفة من عشرة أبيات.

(٤) المصدر السابق : ج ١ ، ص ٣٥٢ ، وجعفر بن الفضل بن الفرات كان حيا سنة ٣٩١ ه‍.

(٥) المصدر السابق : ج ١ ، ص ٣٥٢ ، ذكر الصوري عيسى بن نسطورس في قصائد متعدّدة ، راجع : ديوان الصوري : ج ١ ، ص ١١٢ ، ١٨٦ ، ٢٤٥ ، ٣٥٩ وج ٢ ، ص ٦٣ ، ٧٥ ، ١٥٣.

١٦٨

وقال في فصد إسحاق بن كيغلغ [من المنسرح] :

يا فاصدا شق عرق إسحاق

أي دم لو علمت مهراق

سفكته من يد معودة

لنيل مال وضرب أعناق (١)

وأنشدني له يصف جونة الطعام من قصيدة مزدوجة :

وجونة (٢) مقصوفة من الجون

قد جمع الطباخ فيها كل فنّ

فيها جبن صادق الحرافة

مقطع باللطف والنظافة

ثم أتت سكارج (٣) الكوامخ (٤)

كمثل أنوار من اللخالخ

ما بين طرخون (٥) وبين صعتر

وفيجن (٦) غضّ وبين كزبر (٧)

وقال :

غبط الناس بالكتابة قوما

حرموا حظّهم بحس الكتابة

وإذا أخطأ الكتابة خط

سقطت تاؤها فصارت كآبة (٨)

ولم يؤرخ أحد لوفاته.

ب ـ المحسن بن علي بن كوجك ال صيدا وي [حيا ٣٩٤ ه‍ / ١٠٠٣ م]

المحسن بن علي بن الحسين بن علي بن كوجك الملقّب ب «الأستاذ» من أهل الأدب ، سكن في مدينة صيدا ، وأملى فيها حكايات مقطّعة ، روى

__________________

(١) يتيمة الدهر : ج ١ ، ص ٣٥٢ ، وإسحاق بن كيغلغ كان حيا سنة ٣٤٧ ه‍.

(٢) سلة مستديرة يوضع عليها الطعام والعطر.

(٣) السكارج : الآنية التي يؤكل فيها.

(٤) الكوامخ : نوع من الأدم.

(٥) الطرخون : نبات.

(٦) الفيجن : الزاب.

(٧) يتيمة الدهر : ج ١ ، ص ٣٥٤.

(٨) المصدر السابق : ج ١ ، ص ٣٥٥ ، تاريخ دمشق : ج ٦٧ ، ص ٢٦٤.

١٦٩

بعضها عن أبي عبد الله بن خالوية سنة ٣٩٤ ه‍ (١). ووالده علي بن الحسين بن علي بن كوجك من أهل الأدب والشعر ، حدّث بطرابلس والساحل سنة ٣٥٩ ه‍ ، وهو مادح سيف الدولة عندما فتح الحدث (٢).

قال أبو نصر : «وحفرنا معه (٣) ، يوما في «محرس غرق» (٤) بمدينة صيدا وفيه قبّة فيها مكتوب أسماء من حضرها وأشعار من جملتها :

رحم الله من دعا لأناس

نزلوا ها هنا يريدون مصرا

فرّقت بينهم صروف الليالي

فتخلّوا عن الأحبّة قسرا

فقال له قائل من جماعتنا : إنّ المائدة لا تقعد على رجلين ، ولا تستقر إلّا على ثلاثة ، فأجزلنا هذين البيتين بثالث ، فأطرق ساعة ثم قال : اكتبوا :

نزلوا والثياب بيض فلما

أزف البين صرن بالدّمع حمرا

وقال غيث بن علي الأرمنازي الصوري : «قالوا : أنا أبو نصر بن طلاب قال : كان بين الأستاذ وبين رجل كاتب لبني نزال (٥) إحن وبلاغات مستهجنة أوقعت بينهما العداوة بعد وكيد الصداقة ، وكان هذا الرجل يقال له أبو المنتصر مبارك الكاتب ، فهجاه الأستاذ بأشعار كثيرة وجمعها في جزء وكتب على ظهر الجزء شعرا له وهو :

__________________

(١) قال أبو نصر بن طلاب : «أملى علينا الأستاذ ، أبو عبد الله المحسن بن علي بن كوجك ـ بصيدا ـ وقرأته عليه في شهور سنة أربع وتسعين وثلاثمائة. راجع تاريخ دمشق : ج ٥٧ ، ص ٩٢.

(٢) معجم الأدباء : ج ١٣ ، ص ١٥٧ و ١٥٩.

(٣) الضمير يعدود إلى المحسن بن علي.

(٤) بالأصل ورد : عرق ، والمثبت عن معجم الأدباء ، وهو مكان لا نعلمه.

(٥) لعلّه مختار الدولة بن نزال الكتامي والي طرابلس ، راجع زبدة الحلب : ج ١ ، ص ٢١٥ ، ذكره الشاعر الصوري في ديوانه : ج ٢ ، ص ١٢. أو الأمير الشيعي فوز بن عبد الله بن نزال : الديوان : ج ٢ ، ص ١٠٣. أو رجاء بن مطهر بن نزال ، راجع الديوان : ج ٢ ، ص ١١٧.

١٧٠

هذا جزاء صديق

لم يرع حقّ الصداقة

سعى على دم حرّ

محرّم فأراقه

قال : وأنشدنا لنفسه أيضا :

مبارك بورك في الطول لك

فأصبحت أطول من في الفلك

ولو لا انحناؤك نلت السما

ء ولكن ربّك ما عدّ لك» (١)

ج ـ أبو من صور ال صوري

ذكره الثعالبي فقال : «كان هذا الصوري في عنفوان أمره معلما مرجوا يتكلّم من جنس صناعته. كما كتب إلى صديق له في التشوّق : كهيعص إني إليك حدّ صاد ، والصافات إن شوقي إليك فوق الصفات ، والحواميم إني من الحين في عذاب أليم ، ثم ارتفع عن التعليم إلى التأديب والشعر ، فكان يقول مثل قوله :

نثرت لآلي دمعها وجدا على

ديباج خدّ في الدياجي أشرقا

ما هذه العبرات يا بنة فارس

لسنا بأوّل عاشقين تفرقا

وقوله من قصيدة لم يعلق بحفظي إلّا البيت الأول منها :

تأخّر برد الماء عن كبد حرّى

وهذا لهيب النار في مقلة عبرى

قال (٢) : وأنشدني لنفسه :

من كف عنك شرّه

فافعل به ما سرّه» (٣)

__________________

(١) تاريخ دمشق : ج ٧ ، ص ٩٢ ، معجم الأدباء : ج ١٣ ، ص ١٥٧ و ١٥٩ ، المجموع : ص ٢٦٣ و ٢٦٤.

(٢) القول لمحمد بن علي بن عبد الله المعروف بالبغدادي ، ويروي عن الصوري للثعالبي.

(٣) تتمّة اليتيمة : ج ١ ، ص ٢٨ و ٢٩.

١٧١

د ـ أبو عمارة ال صوري

هو أخو أبي منصور الصوري ، ذكره الثعالبي فقال : «قرأت في كتاب التحف والظرف لابن لبيب غلام أبي الفرج الببغاء لأبي عمارة الصوفي (١) في ثقيل خفيف على القلب [من الخفيف] :

وثقيل (٢) لو كان في حسناتي

وجميع الأنام في سيئاتي

لاستخف (٣) الذنوب بل كسر المي

زان من ثقله على الكفات

وله في ثقيل [من الطويل] :

ثقيل يراه الله أثقل من برى

ففي كلّ قلب بغضة منه كامنه

مشى فدعا من ثقله الحوت ربّه

فقال : إلهي زدت في الأرض ثامنه» (٤)

رابعا : الشاعر علي بن محمد التهامي الرملي العاملي

[ت ٤١٦ ه‍ / ١٠٢٥ م]

هو علي بن محمد بن الحسن بن محمد بن عبد العزيز الكاتب ، أبو الحسن التهامي الرملي ثم العاملي الشامي. كان فاضلا عالما شاعرا أديبا منشئا بليغا ، له شعر حسن ومدائح في أهل البيت عليهم‌السلام (٥).

أصله من تهامة ، وسكن في مدينة الرملة فنسب إليها ، ونسبه الحرّ العاملي ،

__________________

(١) تحريف الصوري ، وكونه الصوري لا الصوفي هو ما صرّح به الثعالبي في تتمة اليتيمة عندما تحدّث عن أبي منصور الصوري أخو أبي عمارة الصوري.

(٢) يا ثقيلا ، في تاريخ دمشق : ج ٦٧ ، ص ٩٥.

(٣) لاستقلّ : في تاريخ دمشق : ج ٦٧ ، ص ٩٥.

(٤) يتيمة الدهر : ج ١ ، ص ٣٥٥ و ٣٥٦ ، نثر النظم وحل العقد : ص ١١٥ ، تاريخ دمشق : ج ٦٧ ، ص ٩٥.

(٥) أمل الآمل : ج ١ ، ص ١٢٧ ، وله ترجمة مطولة في دمية القصر : ص ١٨٨ ، تاريخ دمشق : ج ٤٣ ، ص ٢٢٠ ، وفيات الأعيان : ج ٣ ، ص ٦٠.

١٧٢

إلى قبيلة عاملة أيضا ، ولا ندري السبب الذي دفعه لذلك ، إلا أننا بعد مراجعتنا لديوان شعره تبيّن أن الشاعر أولى أهمية لمدينة صور ، ولثلاثة من أعلامها ، ما يؤكّد بأنه زار هذه المدينة أو سكن فيها أو في منطقة قريبة منها.

١ ـ معركة صور [حوالي ٤٠٠ ه‍ / ١٠٠٩ م]

دخلت صور في دائرة نفوذ والي طرابلس الفاطمي علي بن حيدرة سنة ٤٠٠ ه‍ ، حيث قام بتعيين عامل عليها من قبله بعد حرب أثارها بنو كلاب في جبل عامل. إذ دخلوا صور وانتزعوها من الدولة الفاطمية ، فخرج ابن حيدرة لقتالهم وهزمهم بعد معركة طاحنة ، وقد سجّل الشاعر الحسن التهامي تلك الموقعة في ديوانه بقصيدة ، فأفادنا بمعلومة تاريخية مهمة لا نجدها في أي مصدر تاريخي بحت ، فيقول ممتدحا ابن حيدرة ويشير إلى تعيين أحد غلمانه عليها :

غادرت أسد بني كلاب أكلبا

إذ زرتهم وزئيرهن نباحا

فنسوا النساء ودمّروا ما دبّروا

ورأوا بقا أرواحهم أرباحا

 ... وتركت أعينهم بصور في الوغى

صورا وقد جاح الورى ما جاحا (١)

ومن قصيدة أخرى :

أعدى ندى كفّيه صور وأهلها

والبدر يقلب طبع كل ظلام

ولو أن صورا جنة ما استكثرت

وأبيك من غلمانه لغلام

يعفو فيفعل حلمه بعدوّه

ما تفعل الأسياف بالأجسام (٢)

__________________

(١) ديوان التهامي : ص ٧٧ و ٧٨.

(٢) المصدر نفسه : ص ٣٧١ ، صور من العصر الفينيقي : ص ١٣٦ ، وبنو كلاب هم خؤولة ليزيد بن معاوية ، وبقيت صور بيد القاضي والوالي الإمامي علي بن حيدرة حتّى مقتله في ذي الحجّة سنة ٤٠١ ه‍ فتولّاها ابنه هبة الله.

١٧٣

٢ ـ هبة الله بن علي بن حيدرة[٤٠١ ـ ٤١١ ه‍][١٠١٠ ـ ١٠٢٠ م]

كان حاكما وقاضيا في مدينة صور ما بين ٤٠١ و ٤١١ ه‍ ، وقد ذكره التهامي مادحا بثلاث قصائد :

ـ القصيدة الأولى مطلعها :

لست في بينها الغداة بلاح

ما على النفس في التقى من جناح

ما رأينا في الجود كابن علي

أحدا يشتهي صفاح الصفاح (١)

 ـ القصيدة الثانية ومنها :

أذهبت رونق ماء الصبح في العذل

فأربع فلست بمعصوم من الزلل

يقضي بحكم الهدى في المشكلات كما

يقضي بحكم الظبي في ساعة الوهل

قد أحكم الحاكم المنصور دولته

بآل حيدرة في السهل والجبل (٢)

 ـ القصيدة الثالثة منها :

ألمّ وليلى بالكواكب أشيب

خيال على بعد المدى يتأوّب

محببة نحوي تهامة مثلما

إلى هبة الله العلاء محبب

أبا القاسم قلّدتني منك أنعما

أقصر عن شكري لها حين أطنب (٣)

__________________

(١) ديوان التهامي : ص ٩٨.

(٢) المصدر السابق : ص ٣١٦ ، ويدلّ البيت الثالث أن الجبال المشرفة على المنطقة الساحلية كانت تخضع لحكمه ومنها جبل عامل.

(٣) المصدر السابق : ص ٥٤ و ٥٨ و ٦١ ، وذكره الشاعر الصوري وذكر أنه حاكم مدينة صور في مقطوعتين يقول :

يا حاكما رصديا في حكومته

هذا هو القطع لا ما كنت تحسب لي

تعلّمت إذ رأتني قبل فرقتها

كيف استجرت من الأيام بابن علي

راجع : ديوان الصوري : ج ١ ، ص ٣٨٠ ، وج ٢ ، ص ٨ ، وفي سنة ٤٠٨ ، ظهر المذهب الدرزي في لبنان ببلاد صيدا وبيروت وساحل الشام ، راجع : اتّعاظ الحنفا : ج ٢ ، ص ١١٣.

١٧٤

٣ ـ محمد بن سلامة ال صوري

يبدو أن محمدا بن سلامة كان قائدا للجيش ، وهو من مدينة صور ، فقال التهامي مادحا له :

أتروم تغطية الهوى بجحوده

ونحول جسمك من أدلّ شهوده

حسن الشمائل أوحد في حسنه

كمحمد بن سلامة في جوده

البحر بعض حدوده والفضل بع

ض شهوده والنصر بعض جنوده (١)

خامسا : الشاعر عبد المحسن ال صوري

[٣٣٩ ـ ٤١٩ ه‍] [٩٥٠ ـ ١٠٢٨ م]

عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب بن غلبون ، أبو محمد الصوري ، كما أورد اسمه غيث الأرمنازي الصوري وغيره (٢). ولد في مدينة صور في ساحل جبل عامل سنة ٣٣٩ ه‍ ، قال الشعر باكرا ، حتّى اشتهر وذاع صيته ، قال ابن خلكان بحقّه : «الشاعر المشهور ، أحد المتقنين ، الفضلاء المجيدين الأدباء ، شعره بديع الألفاظ حسن المعاني رائق الكلام مليح النظام من محاسن أهل الشام» (٣).

__________________

(١) ديوان التهامي : ص ١١٥ و ١٢٢ و ١٢٥ ، وذكره الصوري في مقطوعتين يقول في إحداها :

ثم إني رأيت فيك وفيها

أن تحمّلتها إليك ظلامه

حين لم يبق غير رأيك فانظر

ما ترى يا محمد بن سلامه

راجع : ديوان الصوري : ج ٢ ، ص ٣١ وص ٢٧.

(٢) تاريخ دمشق : ج ٣٦ ، ص ٢٥٤ ، وأورد غالب بن عليون ، المجموع : ص ١٧٣ ، وفيات الأعيان : ج ٣ ، ص ٢٣٢ ، تاريخ الإسلام (٤٠١ ـ ٤٢٠) ص ٤٦٣ ، أعيان الشيعة : ج ٨ ، ص ٩٥ ، وذكره الثعالبي فقال : «أبو محمد عبد المحسن بن محمد بن طالب الصوري» راجع تتمة اليتيمة : ج ١ ، ص ٣٥ ، والصحيح بن غالب كما ذكر.

(٣) وفيات الأعيان : ج ٣ ، ص ٢٣٢ ، شذرات الذهب : ج ٣ ، ص ٢١١.

١٧٥

١ ـ ديوان ال صور ي وثيقة لتاريخ جبل عامل

ترك لنا الصوري ديوانا من خمسة آلاف بيت تقريبا ، ويعتبر هذا الديوان وثيقة بالغة الأهمية عن تاريخ جبل عامل في العصر الفاطمي ، فهو ثبت ثقافي بأسماء الشعراء والكتاب والأدباء الذين التقاهم. كما يعتبر مرآة عصره التي نقلت بأمانة صورة الحياة الثقافية والسياسية والإدارية والدينية في جبل عامل والمحيط.

فقد امتدح الخليفتين الفاطميين : العزيز بالله [٣٨٦ ه‍] بقصيدة واحدة (١). والحاكم بأمر الله [٤١١ ه‍] في قصيدتين (٢). وخصّص قصائد في مدح الوزراء الفاطميين ومنهم : عيسى بن نسطورس (٣) ومنشا ابن إبراهيم (٤) وكانا من وزراء العزيز. وعلي بن الحسين المغربي (٥) وزير الخليفة الحاكم بأمر الله.

كما حفظ شعر الصوري أسماء الوسطاء أي السفراء في عصره ، والذين توسّطوا بين الحاكم بأمر الله وبعض أعلام تلك المرحلة كأحمد بن القشوري (٦) حوالي سنة ٤٠١ ه‍ ، وقد مدحه الصوري خلال قيامه بمهام سياسية كلّف القيام بها في دمشق (٧).

__________________

(١) ديوان الصوري : ج ١ ، ص ٣٢٠.

(٢) المصدر السابق : ج ١ ، ص ٢١٩ وج ٢ ، ص ٣٧.

(٣) المصدر السابق : ج ١ ، ص ١١٢ و ١٨٦ و ٢٤٥ و ٣٥٩ وج ٢ ص ٦٣ و ٧٥ و ١٤٧.

(٤) المصدر السابق : ج ١ ، ص ٣٢٣ و ٣٦٦.

(٥) المصدر السابق : ج ٢ ، ص ٤١ و ١٤٥.

(٦) المصدر السابق : ج ١ ، ص ٩٦ و ١٢٧ ، و ١٣٠ ، و ١٨٨ و ٣٩٢ ، وج ٢ ، ص ٥٩ ، ١٣٨ ..

(٧) منطلق الحياة الثقافية : ص ١٢١.

١٧٦

كما تضمّن شعره قصائد في الحكّام المحليين ، أو القادة العسكريين ، والكتاب والمحتسبين والإداريين في جبل عامل والمناطق المجاورة.

٢ ـ مكانته ومذهبه الشعري

مذهب الصوري الشعري يقوم على الاختصار والإيجاز باعتماد قليل من اللفظ يحتوي على كثير من المعاني ، وهذا الاختصار رفع عدد المقطوعات في ديوان الصوري إلى ٤٧٦ مقطوعة من أصل ٦٢٦ قصيدة ومقطوعة تشكّل كامل الديوان (١).

ولقد أثار مذهبه الشعري جدلا بين نقّاد عصره وكتابه فبعضهم وافقه على التقصير ، وبعضهم اعتبر ذلك عيبا ، فقد كان الشاعر الأمير ابن حيوس [ت ٤٧٣ ه‍] «مغرى بشعر عبد المحسن ، شديد التفضيل له ، حتى أنه كان إذا سمع البيت الحسن السائر قال : ما أشبه هذا بشعر عبد المحسن ، لعظم قدره في نفسه» (٢).

وقال غيث الأرمنازي : «وسمعت قوما يفضّلونه على كثير ممّن تقدّمه» (٣). وممّن يغمز إليهم غيث ابن حيوس الذي قال : «إني ليعرض لي الشيء من شعر أبي تمام والبحتري والمتنبي وغيرهم من المتقدّمين فأعمل في معناه فأبلغ مرادي منه ، ولا أقدر أن أبلغ من موازنة شعر عبد المحسن الصوري ما أريد لسهولة ألفاظه ، وعذوبة معانيه ، وقصر أبياته» (٤).

__________________

(١) منطلق الحياة الثقافية : ص ١٢٥.

(٢) المجموع : ص ١٧٣.

(٣) المصدر السابق : ص ١٧٤.

(٤) ديوان الصوري : ج ١ ، ص ٤٧.

١٧٧

٣ ـ رواة شعره

ذكر الثعالبي امتلاك شخص لديوان شعر الصوري ، فقال : «أبو محمد عبد المحسن بن محمد بن طالب الصوري ، انتخبت من ديوان شعره الذي أعارنيه الشيخ أبو بكر من قصيدة ...» (١).

وذكر الذهبي رواة شعره فقال : «روى عنه شعره : محمد بن علي الصوري ، ومبشّر بن إبراهيم ، وسلامة بن الحسين» (٢).

٤ ـ علاقته بالشعراء

ذكر الصوري في ديوانه عددا غير قليل من الشعراء المعاصرين له ، وكان على صلة بهم ، وهم :

أ ـ أبو القاسم الحسين بن ضحى الشاعر : رثاه بقصيدة جاء فيها وهو يخاطب الدهر :

تأخذ من أحبّتي أصدقهم

ودا وأوفاهم إذا عزّ الوفا (٣)

ب ـ ابن عبد الله العذري : الذي كان يلتقيه في مجلس الأمير حامد بن ملهم ببيروت (٤).

ج ـ المجدي الشاعر : قال غيث الأرمنازي الصوري : «حدّثني أبي ، قال : سمعت بكار بن علي الرياحي بدمشق يقول : لمّا وصل عبد المحسن الصوري إلى هنا ، جاءني المجدي الشاعر فعرفني به ، وقال : هل لك أن نمضي إليه ونسلّم عليه؟ فأجبت ، وقمت معه حتّى أتينا إلى منزله ، وكان

__________________

(١) تتمة اليتيمة : ج ١ ، ص ٣٥ ، وذكر ترجمة لأشعاره.

(٢) تاريخ الإسلام : (٤٠١ ـ ٤٢٠) ، ص ٤٦٤ ، سير أعلام النبلاء : ج ١٧ ، ص ٤٠٠.

(٣) ديوان الصوري : ج ١ ، ص ٥٢.

(٤) المصدر السابق : ج ٢ ، ص ١٠٥.

١٧٨

ينزل دائما إذا قدم في سوق القمح ، وكان بين يديه عجوز كبيرة فكلّمها بشيء وهي منصة له ، فقال المجدي :

مقبلة تسمع ما نقول (١)

فقال عبد المحسن في الحال :

كالخد لما قابلته الغول

فقال له المجدي : أحسنت والله يا أبا محمد ، أتيت بتشبيهين في نصف بيت أعيذك بالله» (٢).

د ـ أبو القاسم علي بن بشر الكاتب : ذكره في مقطوعة من ديوانه (٣).

ه ـ أبو الحسن علي بن لؤلؤ : كتب إليه قصيدة (٤).

و ـ أبو عبد الله ، إسحاق ابن القوالة : من الرملة بفلسطين ، مدحه شاعرنا بأربع قصائد (٥).

ز ـ أحمد بن سليمان بن علي المعروف بالفخري : كتب إليه الفخري يلومه على قعوده في صور فقال :

أعبد المحسن الصوري لم قد

جثمت جثوم منهاض كسير

فما كلّ البريّة من تراه

ولا كل البلاد بلاد صور

فأجابه عبد المحسن :

جزاك الله عن ذا النّصح خيرا

ولكن جاء في الزمن الأخير

__________________

(١) في الديوان : منصّة تسمع ما يقول : ج ٢ ، ص ١٣٣ ، نقلا عن بدائع البدائة : ج ١ ، ص ٦٦.

(٢) المجموع : ص ٧٥ ، الديوان : ج ٢ ، ص ١٣٣.

(٣) ديوان الصوري : ج ١ ، ص ٣٦٦.

(٤) المصدر السابق : ج ١ ، ص ٣٥٣.

(٥) المصدر السابق : ج ١ ، ص ٣١ ، ٣٢٤ ، ٣٣٥ ، وج ٢ ، ص ٧٠.

١٧٩

وقد حدّت لي السبعون حدّا

نهى عمّا أمرت من الأمور (١)

ح ـ ابن وكيع التنيسي ، أبو محمد الحسن بن علي : كتب إليه الصوري قصيدة رقيقة تفيض بالودّ والعاطفة النبيلة (٢).

ط ـ أبو العلاء المعرّي : يستفاد من أبيات الصوري أنّه التقى بأبي العلاء في معرّة النعمان أو في غيرها من المدن الشامية ، وعقد معه مجلسا للمناظرة ، فوافقه المعرّي على آرائه المتعلّقة بالآخرة والجنّة والنار ، ما يشير إلى مقدرة الصوري العلمية والفكرية. يقول :

نجا المعرّي من العار

ومن شناعات وأخبار

وافقني أمس على أنه

يقول بالجنة والنار

وأنه لا عاد من بعدها

يصبو إلى مذهب بكار (٣)

ي ـ العديل بن قتيبة : هجاه الصوري بسبع مقطوعات هجاء قاسيا (٤).

ك ـ ابن الموازيني : هجاه الشاعر في قصيدة (٥).

ل ـ صريع الدلاء : اجتمع به الصوري في صيداء ، وجرى بينهما محاورات وحكايات مضحكة (٦).

__________________

(١) ديوان الصوري : ج ١ ، ص ٢٠٢ ، ٢٠٣ ، يتيمة الدهر : ج ١ ، ص ٣٧٩. الغدير : ج ٤ ، ص ٣١٤ ، أعيان الشيعة : ج ٨ ، ص ٩٥.

(٢) المصدر السابق : ج ١ ، ص ٢٨٣.

(٣) المصدر السابق : ج ١ ، ص ٢٤١ ، وبكار : ربّما تكون محرّفة عن بشار أي بشار بن برد الذي عرف بميله للإلحاد.

(٤) المصدر السابق : ج ١ ، ص ١٩٩ ، ٢٦١ ، ٢٨٤ ، ٣٢٩ ، ٣٨٣ ، وج ٢ ، ص ١٢ ، ص ١٩.

(٥) المصدر السابق : ج ٢ ، ص ١٠٦.

(٦) المجموع : ص ٢٩٦.

١٨٠