الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

علي داود جابر

الحلقة الضائعة من تاريخ جبل عامل

المؤلف:

علي داود جابر


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٠

فلمّا صعد عليها رأى صور ، فقال : يا فرج هذه إحدى المدينتين ، فجاء حتّى نزلها ، فكان يغزو مع أحمد بن معيوف ، فإذا رجع نزل يمنة المسجد ، فغزا غزوة فمات في الجزيرة ، فحمل إلى صور ، فدفن في موضع يقال له مدفلة (١) ، فأهل صور يذكرونه في تشبيب أشعارهم ، ولا يرثون ميتا إلّا بدؤوا أولا بإبراهيم بن أدهم. قال القاسم بن عبد السلام : قد رأيت قبره بصور والمدينة الأخرى عسقلان» (٢).

٦ ـ الحركة السفيانية [١٩٥ ه‍ / ٨١٠ م]

تزعّم الحركة السفيانية : علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية ، «السفياني» المعروف بأبي العميطر ، وأمّه : نفيسة بنت عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وكان يقول : أنا من شيخي صفّين ، يعني عليا عليه‌السلام ومعاوية.

وعندما خرج دعا لنفسه بالخلافة في أواخر سنة ١٩٥ ه‍ وأعلن أنّه هو المهدي المنتظر ، انطلاقا من الفكرة التي تردّدت عند سقوط البيت الأموي أمام العباسيين والتي تتلخّص أن رجلا من بني سفيان سيخرج ويعيد الملك للأمويين.

أ ـ صور

وفور خروج أبي العميطر ، طلب المأمون من عمرو بن عيسى أن يقوم أحد الموالين لبني العباس بمواجهته ، فتولّى هذه المهمة الحارث بن عيسى. يقول ابن عساكر : «فخرج الحارث بن عيسى إلى صور ، وأبا العميطر على

__________________

(١) مدفلة : جنوبي صور بالقرب من بلدة المنصوري بمحاذاة البحر.

(٢) حلية الأولياء : ج ٨ ، ص ٩ ، ويقول المناوي : «مات بالجزيرة سنة ١٦٢ وحمل فدفن بصور ، وقبره بها مشهور» الكواكب الدرية : ج ١ ، ص ٢٠٥.

١٠١

دمشق فضبطها ودعا للمأمون وأجرى المراكب في الحرب ، فلم يزل كذلك حتّى قدم عبد الله بن طاهر دمشق» (١).

ب ـ صيدا

وفي السنة ذاتها التي خرج بها أبو العميطر ، أي سنة ١٩٥ ه‍ تغلّب على صيدا الخطاب بن وجه الفلس مولى بني أميّة ، وأعان أبا العميطر في خروجه (٢).

ج ـ معركة شبعا ووادي التيم

ولمّا كان كبار أصحاب أبي العميطر من الكلابيين ، فقد كتب إلى محمد بن صالح بن بيهس الكلابي يدعوه إلى طاعته ويتهدّده إن لم يستجب له. فلم يذعن ابن بيهس ، وعندما قصد أبو العميطر قتال القيسية كتبوا إلى ابن بيهس ، فأقبل لنجدتهم ، واستطاع بفرسانه ومواليه أن يهزم أصحاب أبي العميطر إلى باب دمشق وأن يأسر منهم نحو ثلاثة آلاف ، بعد أن جرت المعركة في منطقة شبعا من وادي التيم (٣).

٧ ـ مرور أبي نواس في جبل عامل [١٩٨ ه‍ / ٨١٣ م]

مرّ الشاعر العباسي أبو نواس في جبل عامل قبل سنة ١٩٨ ه‍ ، وعندما وصل إلى نهر أبي فطرس أو نهر فطرس المعروف حاليا بنهر القرن أنشد قائلا :

وأصبحن قد فوزن عن نهر فطرس

وهن عن البيت المقدس زور (٤)

وكان يحكم الأردن عبد الرحمن بن معراء الذي مات قبل المائتين (٥).

__________________

(١) تاريخ دمشق : ج ٥٥ ، ص ٣١ و ٣٢.

(٢) الكامل : ج ٤ ، ص ١١٢.

(٣) لبنان من قيام الدولة العبّاسية : ص ٥١.

(٤) خطط جبل عامل : ص ٤٨.

(٥) تاريخ الإسلام (١٩١ ـ ٢٠٠) ص ٢٧٨.

١٠٢

٨ ـ عبد الله بن أيوب الجزّيني [قبل ٢٠٣ ه‍ / ٨١٨ م]

عبد الله بن أيّوب العاملي الجزّيني ، أبو محمد. كان فاضلا شاعرا أديبا ، ومن المنقطعين للإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام. ذكره ابن شهر آشوب المتوفّى سنة ٥٨٨ ه‍ فقال : «أبو محمد عبد الله بن أيوب الجزّيني ، كان انقطاعه إلى الرضا عليه‌السلام» (١).

وذكره أحمد بن عياش في كتاب مقتضب الأثر في إمامة الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام ، أنه كان منقطعا إلى الرضا عليه‌السلام ، وأنه رثاه ، وقال يخاطب ابنه وذكر له قصيدة منها :

يابن الوصي وصي أكرم مرسل

أعني النبي الصادق المصدوقا

لا يسبقني في شفاعتكم غدا

أحد فلست بحبكم مسبوقا

يا بن الثمانية الأئمّة غربوا

وأبا الثلاثة شرّقوا تشريقا

إنّ المشارق والمغارب أنتم

جاء الكتاب بذلكم تصديقا

والذي وجدناه «الجزّيني» بالزاي ، وجزّين قرية من جبل عامل منها الشهيد وجماعة» (٢).

٩ ـ ثورة تميم اللخمي : [٢٢٧ ه‍ / ٨٤١ م]

ولي إسحاق بن يحيى الختلي إمارة دمشق ما بين سنتي ١٩٨ ه‍ و ٢٢٧ ه‍ (٣) ، ثم ولي مالك بن طوق التغلبي إمارة جند دمشق وجند الأردن ما بين ٢٢٧ ه‍ و ٢٣٢ ه‍ (٤).

وبعد أن عاث بنو العباس في الأرض إفسادا وظلما ، بدأت الثورات

__________________

(١) معالم العلماء : ص ١٥٢.

(٢) أمل الآمل : ج ١ ، ص ١١١ و ١١٢ ، رياض العلماء : ج ٣ ، ص ١٨٤ و ١٨٥.

(٣) تاريخ دمشق : ج ٨ ، ص ٣٠٢ ، تهذيب تاريخ دمشق : ج ٢ ، ص ٤٥٨.

(٤) تاريخ الإسلام (٢٥١ ـ ٢٦٠) ص ٣٤٧.

١٠٣

والانتفاضات ضدّهم ، وكان لقبيلة عامله دور في هذه الثورات كما حدث في سنة ٢٢٧ ه‍ عندما ثار تميم اللخمي الملقّب بالمبرقع ، في لخم وجذام وعاملة وبلقين وصار إلى كورة الأردن ، فوجّه إليه رجاء بن أيوب الحضاري ، فسار إلى فلسطين ، فأوقع بتميم اللخمي وأسره (١).

رابعا : حبيب بن أوس الطائي العاملي [ت ٢٣١ ه‍ / ٨٤٥ م]

حبيب بن أوس بن قيس بن الأشج بن يحيى بن مزينا بن سهم بن فلجان الكاتب ابن مروان بن دجانة بن عمرو بن طي ، أبو تمام الطائي ، ويقال إنّ أباه يدعى تروس النصراني ، فغيّر فصير أوسا (٢).

إذا ، هو نصراني من أهل قرية جاسم في حوران ، كان في حداثة سنّه يعمل قزازا في مدينة دمشق ، ثم انتقل إلى مصر ، فأخذ يعمل في سقاية الماء في المسجد الجامع ، ثم جالس الأدباء ، فأخذ منهم ، وكان يحبّ الشعر حتّى قاله وأجاده ، وسار شعره وشاع ذكره ، وبلغ المعتصم خبره ، فحمله إليه وقدّمه على شعراء وقته.

ونسبته إلى قبيلة عاملة ، كان أوّل من قال بها الحرّ العاملي المتوفّى سنة ١١٠٤ ه‍ فقال : «حبيب بن أوس أبو تمام الطائي العاملي الشامي الشاعر المشهور ، كان شيعيا فاضلا أديبا منشئا ... ذكره العلّامة في الخلاصة فقال : كان إماميا ، له شعر في أهل البيت عليهم‌السلام ، وذكر أحمد بن الحسين أنّه رأى نسخة عتيقة قال : لعلّها كتبت في أيّامه أو قريبا منها ، فيها قصيدة يذكر فيها الأئمّة عليهم‌السلام حتّى انتهى إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، لأنّه توفّى في أيّامه.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي : ج ٢ ، ص ٤٨٠.

(٢) تاريخ دمشق : ج ١٢ ، ص ١٦ ، الغدير : ج ١ ، ص ٤٧٤.

١٠٤

وقال الجاحظ في كتابه الحيوان : وحدّثني أبو تمام الطائي ، وكان من رؤوساء الرافضة» (١).

وقد يستغرب الواقف على هذا الكتاب حشر المؤلف اسم أبي تمام في جملة الشعراء العامليين ، ولم يضع اسمه في حقل علماء الشيعة ، وفضلائها الذين خصّص لهم فصلا في ذيل الكتاب ، مع أنّ المعروف والمتّفق عليه أن أبا تمام ولد في جاسم من أعمال حوران.

ولعلّ الشيخ الحرّ العاملي تثبت من الرواية التي يتناقلها أدباء جبل عامل ، وهي أن أبا تمام حوراني المولد ، عاملي النشأة. فارق حوران وحطّ رحاله في جبل عامل في سنة مجدبة على ما جرت عليه عادة القطرين في سني القحط ، وتمذهب بمذهب أهله ، وفيه درس الأدب ، وتخرج بالشعر والقريض.

وتلخيص قضية سكناه في جبل عامل أنّه فارق حوران في إحدى السنين المجدبة ، وأوّل قرية سكنها هي قرية المالكية الواقعة في الجنوب الشرقي من جبل عامل ، وتعرف بمالكية الجبل ، للتفريق بينها وبين قرية مالكية الساحل بالقرب من صور.

ويورد البعض أدلّة على هذا الزعم أن في المالكية التي تديرها الشاعر لأول مرّة بئر تعرف إلى اليوم ببئر حبيب ، ودار خربة تعرف بدار حبيب بين المالكية وعثرون. ويقول بعض الأدباء العامليين أنه ذكر المالكية وبر عشيت وعيناثا وحداثا في شعره ، وهي قرى متقاربة في جنوبي جبل عامل فحرّفها

__________________

(١) أمل الآمل : ج ١ ، ص ٥٠ ، ونسبه إلى عاملة الخونساري في روضات الجنّات : ج ٣ ، ص ٧ ، والأصفهاني في نفحات الروضات : ص ١٨٦.

١٠٥

النسّاخ إلى برقعيد والكامخية وقبراثا لجهلهم مواقع هذه القرى ، قال في قصيدته الثائية :

قف بالطلول الدارسات علاثا

أضحت حبال قطينهن رثاثا

لو لا اعتمادك كنت في مندوحة

عن بر قعيدا وأرض باعيناثا

والكامخية لم تكن لي موطنا

ومقابر اللذّات في قبراثا

لم آتها من أي وجه جئتها

إلا حسبت بيوتها أجداثا

بلد الفلاحة لو أتاه جرول

أعني الحطيئة لاغتدى حراثا (١).

خامسا : عاملة بين [٢٣٢ ـ ٢٧٠ ه‍] [٨٤٦ ـ ٨٨٣ م]

١ ـ ابن خرداذبه : [قبل ٣٠٠ ه‍ / ٩١٢ م]

ذكر ابن خرداذبه ـ وهو من أعلام القرن الثالث ـ جبل عامل في كتابه المسالك والممالك ، وكان موزّعا بين جندي دمشق والأردن ففي حديثه عن جند دمشق يعدّ صيدا من كورها (٢).

ويعتبر طبرية قصبة لجند الأردن (٣) ، ويعدّ من كورها : «كورة جدر ، كورة آبل ، كورة سوسية ، كورة صفورية ، كورة عكّا ، كورة قدس ، كورة صور» (٤).

وعن سير الطريق في جبال عاملة يقول : «الطريق إلى الساحل ثم إلى بيروت ، ثم إلى صيدا ، ثم إلى صور ، ثم إلى قدس» (٥).

__________________

(١) تاريخ جبل عامل : ص ٢٨٠ ، وقد حضر أبو تمام مجلس مالك بن طوق أمير الأردن.

راجع تاريخ دمشق : ج ٥٦ ، ص ٤٦٢.

(٢) المسالك والممالك : ص ٧٤.

(٣) المصدر نفسه : ص ١٠٣.

(٤) المصدر نفسه : ص ٧٥.

(٥) المصدر نفسه : ص ٨٩.

١٠٦

٢ ـ إمرة الشام [٢٣٢ ـ ٢٧٠ ه‍] [٨٤٦ ـ ٨٨٣ م]

ولّى المتوكّل الفتح بن خاقان على الشام حوالى سنة ٢٣٢ ه‍ ، وفي سنة ٢٣٥ أصبح جبل عامل تحت حكم المؤيّد بن المتوكّل الذي ضمّ إليه والده جند دمشق وحمص والأردن وفلسطين (١).

وكان المتولّي على خراج دمشق والأردن من قبل المتوكّل أحمد بن محمد فتوجّه سنة ٢٤٠ ه‍ يعدّل دمشق والأردن كما يقول اليعقوبي (٢).

وكان أحمد بن طولون قد ولي إمرة الثغور ودمشق ، وفي سنة ٢٤٨ وليها ابنه المعروف بخماروية إلى سنة ٢٥١ (٣) ، ولم تزل بلاد جندي الأردن وفلسطين في يد نواب بني العباس إلى أن وليها عيسى بن الشيح سنة ٢٥٢ ه‍ ، فخرج عليه الموفّق «الخارجي ، فتغلب عليه ابن الشيخ ، وطلب من الخليفة العباسي المستعين بالله» أن يكتب إلى صاحب صور في توجيه أربعة مراكب بجميع مستلزماتها لتكون تحت تصرّفه (٤).

ولم يزل ابن الشيخ متوليا على دمشق إلى أن ولي المعتمد الخلافة سنة ٢٥٦ ه‍ ، فبعث إليه أماجور بجيش فأخرجه عن البلاد ، فلجأ بأهل بيته إلى مدينة صور وتحصّن بها ، وحتّى لا تتعرّض المدينة وميناؤها للتخريب آثر الخليفة أن يخرجه منها بالتفاوض. فأرسل إليه الفقيهين : «إسماعيل بن عبد الله المروزي» و «محمد بن عبيد الله الكريزي». وبعث معهما رسوله الحسين الخادم المعروف ب «عرق الموت» فعرضوا على ابن الشيخ أن ينصرف من

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٨ ، ص ١٥٤.

(٢) تاريخ اليعقوبي : ج ٢ ، ص ٤٩٠.

(٣) تهذيب تاريخ دمشق : ج ٥ ، ص ١٧٩.

(٤) الأعلاق الخطيرة : ج ٢ ، ص ١٢٤ ، صور من العهد : ص ١٣٣.

١٠٧

الشام آمنا ، ويتولّى بلاد أرمينية ، فوافق ، وخرج من صور بطريق الساحل إلى ولايته بين سنتي ٢٥٦ و ٢٥٧ (١).

بعد ابن الشيخ وليّ على إمرة دمشق محمد بن رافع ، وما إن أعلن أحمد بن طولون استقلاله بحكم مصر على العباسيين ، وضمّ بلاد الشام إليه في سنة ٢٦٤ ه‍ ، حتّى قام بجولة تفقد في السواحل ، فمرّ بثغر صور ، وعكّا ، ويافا ، وكانت صور بحالة جيّدة فأعجبه بناؤها العجيب وأدهشه (٢) ، واستعمل على دمشق أحمد بن وصيف حام جاء به من صور (٣).

وكان الوالي على الأردن محمد بن رافع ، وعندما وصل ابن طولون إلى الرملة ، تلقاه محمّد بن رافع سامعا مطيعا فأقرّه على ولايته ، ولم تزل في يده إلى أن توفي أحمد بن طولون ، في ذي القعدة سنة ٢٧٠ وتولّى ولده خمارويه ، فأظهر محمد بن رافع الخلاف عليه ، ودعا لأبي العباس أحمد بن أبي أحمد الموفّق ، فجهز خماروية محمد بن أحمد الواسطي وسعيدا الأيسر ، فقصدا فلسطين والأردن وطردا ابن رافع عنهما (٤).

سادسا : زيارة خيثمة الإطرابلسي ل صيدا وصور

[قبل ٢٧٧ ه‍ / ٨٩٠ م]

هو خيثمة بن سليمان بن حيدرة بن سليمان بن داود بن خيثمة ، أبو الحسن القرشي الإطرابلسي ، نسبة إلى إطرابلس بساحل الشام ، ولد سنة ٢٢٧ ه‍ ، وسمع الحديث عن جماعة من أهل مدينته. وقصد مدينة صور ،

__________________

(١) تاريخ دمشق : ج ٤٧ ، ص ٣٠٩ ـ ٣١٢ ، الأعلاق الخطيرة : ج ٢ ، ص ١٢٤.

(٢) صور من العهد : ص ١٣٤.

(٣) تاريخ دمشق : ج ٦ ، ص ٦١.

(٤) الأعلاق الخطيرة : ج ٢ ، ص ١٢٤ و ١٢٥.

١٠٨

وأثناء توجّهه إليها يبدو أنه توقّف في مدينة صيدا ، فأخذ الحديث عن الخليل ابن عبد القهار الصيداوي (١) المتوفّى سنة ٢٧٧ ه‍.

حدث في مدينة صور ، وسمع منه جماعة من أهلها ، منهم : أحمد بن سليمان الزنبقي الصوري ، وأحمد بن سليم الصوري ، والحسن بن جرير الصوري (٢).

ولم تذكر المصادر التاريخية التقاءه بعالم صور الكبير محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري ، إلا أننا نحتمل حصول مثل هكذا لقاء. لتشيّع خيثمة لأهل البيت عليهم‌السلام ، وقد تحدّث مؤرخ صور غيث الأرمازي الصوري عن تشيّع خيثمة فقال : «سألت أبا بكر الخطيب عن خيثمة بن سليمان ، فقال : ثقة ثقة ، قلت : يقال إنّه كان يتشيّع ، فقال : ما أدري غير أنّه قد جمع فضائل الصحابة لم يخصّ واحدا عن الآخر» (٣).

توفي خيثمة سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة (٤).

سابعا : محمد بن إبراهيم ال صور ي والتشيّع

[ت قبل ٢٨٠ ه‍ / ٨٩٣ م]

محمد بن إبراهيم بن كثير بن واقدان وقيل بن فزان ، أبو الحسن الصوري (٥).

أحد علماء الشيعة الإمامية الأعلام ، ومن المحدثين المشهورين ، ولد في

__________________

(١) تاريخ الإسلام (٢٦١ ـ ٢٨٠) ص ٢٤٥.

(٢) معجم الشيوخ : ص ٢٧ ه‍.

(٣) تاريخ دمشق : ج ١٧ ص ٧٢ ، المجموع : ص ١١٠.

(٤) المصدر نفسه : ج ١٧ ، ص ٧٢.

(٥) معجم الشيوخ : ص ٣٥٦ ، تاريخ الإسلام (٢٧١ ـ ٢٨٠) ص ٢٥٢.

١٠٩

مدينة صور في الساحل العاملي ، حدث بها ، وقصد مصر وحدث بالفسطاط ، وانتقل إلى أنطاكية وقرىء عليه فيها (١) ، ثم حدث ببغداد سنة ٢٧٣ ه‍ (٢).

وثّقه العامة ورووا أحاديثه ، بالرغم من اتهامهم له بالمغالاة في التشيّع.

روى عن : مؤمل بن إسماعيل ، ومحمد بن يوسف الفريابي ، وخالد بن عبد الرحمن ، وأبي علي الحسن بن هاني ، وروّاد ، وسلمة بن داود.

روى عنه الإمام عمرو بن عصيم الصوري ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن فيل الإنطاكي ، وإبراهيم بن عبد الرزّاق الإنطاكي ، وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب ، وعبد الله بن علي بن علي أبو القاسم الخزاعي ، وعبد الرحمن بن إسماعيل بن علي الخزاعي ، وإسماعيل بن علي بن علي الخزاعي ، وموسى بن إسماعيل ، ومحمد بن أحمد بن سليم ، وآخر من روى عنه بالإجازة الطبراني.

ذكره ابن جميع الصيداوي المتوفى سنة ٤٠٢ ه‍ فقال : «حدّثنا إبراهيم بن عبد الرزّاق بإنطاكية ، حدّثنا محمد بن إبراهيم الصوري ، حدّثنا خالد بن عبد الرحمن ، حدّثنا مالك ، عن الزهري ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (٣).

وقال ابن جميع أيضا : «حدّثنا عبد الله بن علي (٤) ببغداد ، قال : حدّثنا محمد بن إبراهيم بن كثير ، حدّثنا أبو علي الحسن بن هاني ، حدّثنا حماد بن

__________________

(١) تاريخ الإسلام (٢٨١ ـ ٢٩٠) ص ٢٥٢ ، وفيه : «قال عمر بن إسحاق الشيرازي : قريء على محمد بن إبراهيم الصوري وأنا شاهد بإنطاكية.

(٢) تاريخ بغداد : ج ١ ، ص ٣٩٦.

(٣) معجم الشيوخ : ص ٢١٦.

(٤) أبو القاسم الخزاعي.

١١٠

سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يموتن أحدكم حتّى يحسن ظنّه بربّه ، فإن حسن الظن بالله تعالى ثمن الجنّة» (١).

وذكر له البيهقي المتوفّى سنة ٤٥٨ ه‍ حديثين ، قال : «... ثنا أبو بكر النيسابوري ، ثنا محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري وعبد الله بن عمر والغزي ... عن عائشة قالت : خرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عمرة في رمضان فأفطر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصمت ، وقصر وأتممت ، فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمّي أفطرت وصمت ، وقصرت وأتممت ، فقال : أحسنت يا عائشة» (٢).

وقال : «... أنبأنا أبو القاسم سليمان بن أحمد اللّخمي ، أنبأنا محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري في كتابه إلينا (٣) ، ثنا الفريابي ... أن النبي قال : البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه» (٤).

ومن طرق الإمامية ، ذكره الطوسي المتوفّى سنة ٤٦٠ ه‍ ، قال : «أخبرنا الحفار ، قال : حدّثنا إسماعيل بن علي الدعبلي ، قال : حدّثنا محمد بن إبراهيم بن كثير ، قال : حدّثنا أبو علي أبي نؤاس الحسن بن هاني نعوده في مرضه الذي مات فيه ، فقال له عيسى بن موسى الهاشمي : يا أبا علي أنت في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة وبينك وبين الله هناة ، فتب إلى الله عزوجل ، قال أبو نؤاس : سندوني ، فلمّا استوى جالسا قال :

__________________

(١) معجم الشيوخ : ص ٣٠١ ، موضح أوهام الجمع والتفريق : ج ١ ، ص ٤١٨ ، تاريخ بغداد : ج ١ ، ص ٣٩٦ ، إلا أنّ الخطيب البغدادي ينسبه «الصيرفي» بدلا من

(٢) السنن الكبرى : ج ٣ ، ص ١٤٢.

(٣) يدلّ على وجود كتاب له أرسله إلى سليمان بن أحمد اللّخمي الطبراني.

(٤) السنن الكبرى : ج ١٠ ، ص ٢٥٢.

١١١

إيّاي تخوفني بالله وقد حدثني حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكلّ نبي شفاعة وأنا خبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي يوم القيامة ، أفترى لا أكون منهم» (١).

وذكره العسقلاني المتوفّى سنة ٨٥٢ ه‍ ، فقال : «محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري ، أبو الحسن ، عن الفريابي ومؤمل بن إسماعيل ، وعنه إبراهيم بن عبد الرزاق الإنطاكي وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب ، وجماعة.

روي عن رواد ابن الجراح خبرا باطلا أو منكرا في ذكر المهدي ، قال الجلاب : «هذا باطل ، ومحمد الصوري لم يسمع من روّاد ، قال : وكان مع هذا غاليا في التشيّع (٢) ، قال أبو نعيم : حدّثنا سليمان بن أحمد ، حدّثنا محمد بن إبراهيم بن كثير ، حدّثنا روّاد ، حدّثنا سفيان ، عن منصور عن ربعي عن حذيفة رضي‌الله‌عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري» (٣).

__________________

(١) أمالي الطوسي : ص ٣٨٩ ، تاريخ بغداد : ج ١ ، ص ٣٩٦ و ٣٩٧.

(٢) وذكر الذهبي تشيّعه في ميزان الاعتدال : ج ٦ ، ص ٣٧. وتاريخ الإسلام (٢٧١ ـ ٢٨٠) ص ٤٢٩ و ٤٣٠.

(٣) لسان الميزان : ج ٥ ، ص ٢٣ و ٢٤ ، وحديث المهدي (عج) روي عن الصوري في تاريخ الإسلام (٢٧١ ـ ٢٨٠) ص ٤٣٠ ، وميزان الاعتدال : ج ٦ ، ص ٣٧ ، ومستدركات علم رجال الحديث : ج ٤ ، ص ٣٨٦ ، وكتاب البيان في أخبار صاحب الزمان لمحمد بن يوسف الشافعي ويذكر الحديث بتمامه فيقول :

«... حدّثنا محمد بن إبراهيم ، حدّثنا رواد ، حدّثنا سفيان عن منصور عن ربعي عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المهدي رجل من ولدي وجهة كالكوكب الدرّي ، اللون لون عربي والجسم جسم إسرائيلي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضي في خلافته أهل الأرض وأهل السماء» ويقول الشافعي أخرجه الطبراني في معجمه عن محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري. راجع :

إلزام الناصب : ج ٢ ، ص ١٣٤ آخر الكتاب. وما ورد في الحديث من أن جسمه جسم إسرائيلي لكون المنتظر «عج» ينسب من جهة أمّه مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم إلى وصي المسيح عليه‌السلام شمعون الصفا عليه‌السلام.

١١٢

وممّا لا شكّ فيه أن الصوري ، نشأ في عائلة علمية تتّخذ من مذهب أهل البيت عليهم‌السلام مذهبا لها في الاعتقاد والأصول والفقه ، إذ لا يتصوّر أنّه حدّث كبار العلماء في مدينة صور قبل رحلته إلى عسقلان ومصر وإنطاكية وبغداد ، دون افتراض وجود علماء شيعة في هذه المدينة قاموا بمهمّة تدريس وتعليم أهلها ومن بينهم الصوري وعائلته.

وللأسف ، فإن ضياع التراث العلمي الشيعي في هذه الفترة ، جعلنا نجهل أسماء الكثيرين من أهل العلم الذين مهّدوا للصوري أو الذين عاصروه ، وما أوردته كتب العامّة ، فإنّه كان من باب الترجمة لعلمائهم في هذه المدينة ، أو لمن زارها وأخذ علومه عن شيوخها ، دون الذكر أو التلميح لمذهبهم واعتقادهم.

وقد ذكرت كتب التراجم أربعة من المحدثين من أقارب المترجم له ، هم :

١ ـ عبد الله بن إبراهيم بن كثير الصوري : أخو المترجم ، ذكر في كتاب الإكمال لابن ماكولا ، وذكر أن الحسين بن محمد بن عبد الله بن عبادة الواسطي [حيا ٣٢٥ ه‍] حدّث عنه (١). كما حدّث الواسطي عن أخيه محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري (٢) صاحب الترجمة.

٢ ـ عيسى بن إبراهيم بن كثير الصوري : أخو الصوري ، ذكره ابن عساكر في ترجمة محمد بن أحمد بن محمويه أبي بكر العسكري [حيا ٣٤١ ه‍] فقال : «سمع عيسى بن إبراهيم بن كثير ، وأبا عبد الله أحمد بن بشر بن حبيب الصوريين» (٣).

__________________

(١) الإكمال : ج ٦ ، ص ٢٧ ه‍.

(٢) موسوعة علماء المسلمين : ق ١ ، ج ٢ ، ص ١٧٥.

(٣) تاريخ دمشق : ج ٥١ ، ص ١٥٣.

١١٣

٣ ـ عبد الجبّار بن محمد بن كثير : ابن عمّه ، ذكره ابن عساكر في ترجمة محمد بن النعمان بن نصير الصوري ، أبي بكر العبسي إمام جامع صور الذي حدّث بها عنه سنة ٣٥٣ ه‍ (١).

٤ ـ عبد الرحمن بن عزان الصوري : قد يكون عمّ والده محمد ، إذا اعتبرنا أن عزان تحريف فزان ، سمع منه إبراهيم بن الحرث بن مصعب بن الوليد بن عبادة بن الصامت المتوفّى في القرن الثالث (٢).

ثامنا : جبل عامل بين [٢٨٤ ـ ٣٦٣ ه‍] [٨٩٧ ـ ٩٧٣ م]

١ ـ عند اليعقوبي : [قبل ٢٨٤ ه‍ / ٨٩٧ م]

ذكر اليعقوبي المتوفّى سنة ٢٨٤ ه‍ جبل عامل فقال : «وجبل الجليل وأهلها قوم من عاملة» (٣).

أ ـ صور وقدس

تحدث عن صور مدينة السواحل فقال : «ولجند الأردن من الكور : صور وهي مدينة السواحل ، وبها دار الصناعة ، ومنها تخرج مراكب السلطان لغزو الروم ، وهي حصينة جليلة ، وأهلها أخلاط من الناس» (٤). ثم ذكر قدس فقال : «وقدس ، وهي من أجل كورة» (٥).

ب ـ صيدا

يقول : «ولبنان صيدا : وبها قوم من قريش ومن اليمن» (٦) ثم يقول :

__________________

(١) تاريخ دمشق : ج ٥٦ ، ص ١٣٠.

(٢) موسوعة علماء المسلمين : ق ١ ، ج ١ ، ص ٢١٨.

(٣) كتاب البلدان : ص ٨٨.

(٤) المصدر نفسه : ص ٨٨. ويعني قوله أن صور كانت تحوي مذاهب وأديان مختلفة.

(٥) المصدر نفسه : ص ٨٨.

(٦) المصدر نفسه : ص ٨٨.

١١٤

«وجبيل وصيدا وبيروت : وأهل هذه الكور كلّها قوم من الفرس نقلهم إليها معاوية بن أبي سفيان» (١).

٢ ـ آثار مدينة صيدا [٢٨٤ ه‍ / ٨٩٧ م]

عثر المستشرق الآثاري «رينان» على ثلاثة آثار لبعض المعالم العمرانية التي أقيمت في صيدا خلال العهد العباسي ، وبالتحديد في عهد الخليفة المعتضد بالله» سنة ٢٨٤ ه‍.

أ ـ الأثر الأول :

عبارة عن قطعتين حجريتين نقش عليهما خمسة أسطر بالخط الكوفي ، لم يبق منها سوى هذا النص.

سطر (١) «أمير المؤمنين أطال الله بقاءه. سطر (٢) ... سطر (٣) كيم الله و... لا بناه وأنفقه. سطر (٤) ... سنة أربع وثمانين. سطر (٥) ومائتين ... وأر ...

ب ـ الأثر الثاني :

عبارة عن قطعتين حجريتين أيضا ، نقش عليهما خمسة أسطر بالخط الكوفي ، وصلنا أغلبها.

سطر (١) بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلّا الله. سطر (٢) محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. سطر (٣) بركة من الله لعبد الله الإمام أبي العباس. سطر (٤) المعتضد بالله أمير المؤمنين أطال الله بقاءه. سطر (٥) ....

ج ـ الأثر الثالث :

عبارة عن قطعة حجرية واحدة نقش عليها أربعة أسطر بالخط الكوفي ، منها :

__________________

(١) كتاب البلدان : ص ٨٨.

١١٥

سطر (١) الأمير ... سطر (٢) ... والكم (؟) الله. سطر (٣) محمد بن نسل ... سطر (٤) حمد بن ....

وهذه الآثار موجودة في المتحف الوطني ببيروت (١).

٣ ـ جبل عامل وبلاد الشام [٢٨٧ ـ ٣١٦ ه‍] [٩٠٠ ـ ٩٢٨ م]

بعد خمارويه تولّى على الأردن بما فيه القسم الجنوبي لجبال عاملة ابنه أبو الجيش ، ثم هارون إلى سنة سبع وثمانين ، وفيها قصد الشام علي بن عبد الله القرمطي (٢) واستولى على فلسطين (٣).

وفي سنة ٢٩٠ ه‍ ولّي إمرة دمشق بدر الحمامي أبو النجم مولى المعتضد بالله (٤).

وفي سنة ٢٩٦ ه‍ اتخذت الدولة العباسية إجراءات سريعة منها تسيير القاضي محمد بن العباس بن الحرث الجمحي إلى ثغر صور فقام بقيادة المراكب الحربية وغزا في البحر غزاة انتصر فيها على الروم (٥).

وفي سنة ٣٠٣ ه‍ قام أمير الأمراء أبو حسام النعمان ابن الأمير عامر

__________________

(١) لبنان من قيام الدولة العباسية حتّى سقوط الدولة الإخشيدية : ص ٢٦٣ ، ٢٦٤.

(٢) هو علي بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام ، خرج مع أخيه أحمد المعروف بصاحب الخال بالشام ، وكانت الرئاسة لعلي أولا وقد قتل بالشام وهو القائل :

أنا ابن الفواطم من هاشم

وخيرة سلالة ذا العالم

وطئت الشام برغم الأنام

كوطء الحمام بني آدم

راجع تاريخ دمشق : ج ٤٣ ، ص ٦٢.

(٣) الأعلاق الخطيرة : ج ٢ ، ص ١٢٦ ، أمراء دمشق : ص ٥٨.

(٤) أمراء دمشق : ص ١٦.

(٥) تاريخ دمشق : ج ٥٣ ، ص ٣٠٥.

١١٦

الأرسلاني بمنع الإفرنج من الامتداد بالسواحل ، وكانوا قد نزلوا برأس بيروت وتلك النواحي فحاربهم وأسر منهم ثمانية أنفار ، ثم فادى بهم بمن أسروه من المسلمين فأضاف له الأمير تكين بن عبد الله الحربي عمل صفد (١).

وقبل سنة ٣٠٧ ه‍ ولّى المقتدر بالله إبراهيم بن كيغلغ مدنا على ساحل الشام منها اللّاذقية وجبلة وصيدا وأعمالها (٢) ، واستمرّت تحت حكمه إلى سنة وفاته أي ٣٠٨ ه‍. فحكم صيدا وجبلها النعمان بن عامر ولقّب بأمير الدولة واستمرّ في حكمها إلى سنة ٣١٢ ه‍ (٣).

وفي المحرم من سنة ٣١٢ ولي إمرة دمشق أحمد بن كيغلغ وهو أخو إبراهيم بن كيغلغ ثم عزل عنها سنة ٣١٣ ه‍ (٤).

٤ ـ دميان ال صور ي [حيا ٢٨٣ ـ ٢٩٩ ه‍] [٨٩٦ ـ ٩١١ م]

ولد دميان لأبوين يونانيين ، كما هو واضح من اسمه ، وفي إحدى غزوات المسلمين للدولة البيزنطية وقع أسيرا بيدهم ، حيث حملوه إلى ثغر صور ومنه إلى طرسوس وهو غلام ، وهناك استخلصه لنفسه صاحبها يا زمان الخادم ، فأصبح دميان من جملة مماليكه وغلمانه ، ولذا عرف في المصادر الإسلامية ب «غلام يا زمان» كما عرف باسم دميانة ودمنانة أما في المصادر الأوروبية فعرف باسم دميان Damian ونسب إلى مدينة صور حيث تولّى إمرة

__________________

(١) السجل الأرسلاني : ص ٧٣.

(٢) المقفى الكبير : ص ٤٣ ، تاريخ الإسلام (٣٠١ ـ ٣٢٠) ص ٦٢٤ ، أمراء دمشق : ص ٦.

(٣) لبنان في عهد الأمراء التنوخيين : ص ٤٩.

(٤) تهذيب تاريخ دمشق : ج ١ ، ص ٤٤١.

١١٧

أسطولها فيما بعد فعرف ب «دميان الصوري» وعندما تولّى قيادة الأسطول العباسي في البحر المتوسط من قبل الخليفة المكتفي عرف ب دميان البحري (١).

نشأ دميان حول منتصف القرن الثالث الهجري في ثغر طرسوس الذي كان يعتبر أهم ثغر بحري للأسطول الإسلامي ، لموقعه الخطير بقربه من حدود الدولة البيزنطية ، واعتنق الإسلام منذ صغره. وكان صاحبه يا زمان من كبار القادة المجاهدين وتوفّى سنة ٢٧٨ ه‍ وخلف على إمرة طرسوس رفيق جهادة أحمد بن طغان المعروف بالعجيفي ، فكان للعجيفي الفضل في تعيين دميان نائبا له على طرسوس في سنة ٢٨٣ ه‍ (٢) / ٨٩٥ ه‍ وضمّ إليه يوسف بن الباغمردي ليخلفه على طرسوس فتقوى به دميان واتّفق الاثنان على إخراج «راغب» مولى الموفّق العبّاسي من المدينة ، ووقعت الفتنة بين الطرفين ، وتمكّن راغب من الظفر بهما وبمن عاضدهما ، وأسر الجميع وأرسلهم مقيّدين إلى المعتضد في بغداد (٣).

غير أن دميان استطاع وهو في بغداد أن يتقرّب من المعتضد ويجد الحظوة عنده فأراد الانتقام من أهل طرسوس الذين عاضدوا راغبا ضدّه ، فأشار على المعتضد بالله إحراق المراكب التي كان المسلحون يغزون فيها فأحرق ذلك كلّه (٤).

وعندما توفى المعتضد سنة ٢٨٩ ظلّ دميان مقدما ومقرّبا عند الخليفة

__________________

(١) لبنان من قيام الدولة العباسية : ص ٨٨ ، وقد أخذت صيغة الكتاب بتصرّف.

(٢) المصدر نفسه : ص ٩٢.

(٣) الكامل : ج ٤ ، ص ٥٨٤.

(٤) المصدر نفسه : ج ٤ ، ص ٥٩٢.

١١٨

المكتفي الذي كان يعهد إليه بأمور هامة ، ويستشيره في بعضها. ويبدو أنّه خرج معه إلى الرقّة حين خرج لحرب القرامطة سنة ٢٩١ ه‍.

وبعد ذلك يخرج دميان من بغداد إلى مصر بطريق البحر وفي سنة ٢٩٨ ه‍ شنّ هجوما بحريا كبيرا على جزيرة قبرس انتقاما من أهلها لنقضهم العهد الذي كان في صدر الإسلام بينهم وبين المسلمين ونزل بجنده وبحارته على أرض الجزيرة ، وأقام أربعة أشهر يسبي ويحرق ويفتح مواضع قد تحصّن فيها الروم وعاد مظفرا. ثم قام في السنة التالية ٢٩٩ ه‍ بغزوة صائفة من ناحية طرسوس مع والي الثغور رستم بن بردوا الفرغاني فحاصرا حصن مليح الأرمني رئيس جماعات المردة في أرمينية الذي ساعد في تأليب أهل قبرس على المسلمين ، ودخلا بلده وأحرقاه ولكن الأرمني نجا من الموت (١).

وعاد دميان الصوري إلى ساحل الشام. بعد أن وصلته أنباء حملة هيميروس على جزيرة كريت ، وتوفى سنة ٣٠١ ه‍ (٢).

٥ ـ جبل عامل عند البغدادي [ت ٣٢٠ ه‍ / ٩٣٢ م]

تحدّث البغدادي المتوفّى سنة ٣٢٠ ه‍ عن جندي دمشق والأردن ، وذكر بعض المدن والقرى في جبل عامل فقال : «وأمّا الثغور البحرية وهي ... وسواحل جند دمشق عرقة وطرابلس وجبيل وبيروت وصيدا وحصن الصرفند وعدلون. وسواحل جند الأردن : صور وعكّا وبصور صناعة المراكب» (٣).

__________________

(١) الكامل : ج ٤ ، ص ٣٥ ، لبنان من قيام الدولة العباسية : ص ١٢٦.

(٢) المصدر نفسه : ج ٥ ، ص ٤٢.

(٣) نبذ من كتاب الخراج : ص ٧٤ ، وهذا يدلّ أن صيدا والصرفند وعدلون والنبطية والخيام وجزّين ومشغرة كانت تتبع لجند دمشق يومها. وصور والناقورة وبنت جبيل وقدس وتبنين وهونين كانت تتبع لجند الأردن.

١١٩

ويصف الطريق من بعلبك إلى طبرية فيقول : «ومن أخذ من بعلبك إلى طبريا على طريق الدراج ، فمن بعلبك إلى عين جر عشرون ميلا ، ومن عين الجر إلى القرعون وهو منزل في بطن الوادي خمسة عشر ، ومن قرعون إلى قرية يقال لها العيون (١) تمضي إلى كفر ليلى (٢) عشرون ميلا ، ومن كفر ليلى إلى طبرية خمسة عشر ميلا وفي هذا الطريق جب يوسف» عليه‌السلام (٣).

٦ ـ جندي دمشق والأردن [٣٢١ ـ ٣٣٩ ه‍] [٩٣٣ ـ ٩٥٠ م]

في سنة ٣٢١ ه‍ ، كان محمد بن طغج الإخشيد واليا على جندي الأردن ودمشق وبالتالي خضع جبل عامل له ، واستمرّ على ولايتها إلى سنة ٣٢٧ ه‍ عندما وصل محمد بن رائق إلى دمشق سنة ٣٢٧ ه‍ فحدثت معركة بين الطرفين ، هزم فيها ابن رائق وقتل ولده ، وفي سنة ٣٢٨ ه‍ تمّ الصلح بينهما على أن تكون مدينة الرملة وما تحتها بفلسطين للإخشيد ، وأن يكون ما فوق الرملة من بلاد الشام لابن رائق (٤) القائد العباسي فكانت صور وصيدا وجميع الجبل العاملي تحت سلطته.

أ ـ محمد بن رائق في مدينة صور [٣٢٨ ه‍ / ٩٣٩ م]

وفي سنة ٣٢٨ ه‍ نزل محمد بن رائق مدينة صور ومعه غلام له يدعى «مشرف» فأنشد قائلا :

يصفرّ لوني إذا أبصرت به

خوفا ويحمرّ وجهه خجلا

حتى كأن الذي بوجنته

من دم قلبي إليه قد نقلا (٥)

__________________

(١) العيون : يقصد بها بلدة مرج عيون.

(٢) كفر ليلى : تحريف كفر كيلى أو كفر كلا.

(٣) نبذ من كتاب الخراج : ص ٣٩.

(٤) الأعلاق الخطيرة : ج ٢ ، ص ١٢٧ ، أمراء دمشق : ص ٧٧.

(٥) تاريخ دمشق : ج ٥٣ ، ص ١٨.

١٢٠