مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٢

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-503-037-4
ISBN الدورة:
964-503-039-0

الصفحات: ٣٧٢

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذي لا زوال لملكه ، وصلّى الله على نبيّنا محمّد سيّد رسله ، وعلى أهل بيته الطاهرين وأصحابه المتأدّبين بآدابه وعلى التابعين والعلماء والصالحين الذين هم أمناؤه في أرضه.

وبعد : فيقول العبد المذنب ذبيح الله بن محمّد علي المحلّاتي نزيل سامرّاء : هذا هو الجزء الثاني من «مآثر الكبراء في تاريخ سامرّاء» يتضمّن سائر طبقات العمارة لمشهد العسكريّين عليهما‌السلام وأخبار من دفن حول الحضرة المقدسة من العلماء وبيان تعيين مشهد مولانا أبي جعفر السيّد محمّد بن عليّ الهادي وفضائله وأخبار أخيه جعفر التواب وبيان المعاجز التي ظهرت من مشهد العسكريين عليهما‌السلام ونبذة ممّا ظهر من مشهد السيّد محمّد عليه‌السلام ومآثر الوكلاء في العمارة وغير ذلك ممّا يتعلّق بسامرّاء ، ومن الله تعالى نستمدّ المعونة والهداية والتوفيق والتسديد.

٣

وجه تسمية قصر المعشوق

تقدّم في الجزء الأوّل إنّه من أبنية أبي العبّاس أحمد بن المتوكّل الذي بناه في الجانب الغربي من شطّ سامرّاء.

جاء في كتاب المسامرات للإمام محي الدين العربي قال : إنّ أحمد بن المتوكّل المعتمد العبّاسي تزوّج بامرأه أعرابيّة بدويّة نجديّة وكان مشغوفا بها غير أنّها لم تزل كانت حزينة كئيبة باكية مهمومة غير متبسّمة ، فقال لها المعتمد : مالي أراك غير متبسّمة مع أنّ الله عزوجل أتمّ نعمه عليك وجعلك في بيت الشرف والعزّ والنعمة؟ فقالت : إنّي لم أكترث بما ذكرت ، أنا أتذكّر بيتي من الشعر وأصوات الغنم ورغا الإبل وساقية الماء وبادية وسيعة وحلب الشاة. فتعجّب المعتمد فأمر ببناء قصر في غربيّ دجلة سامرّاء وسمّاه معشوقا ، وأحكم بنائه ثمّ أمر أصحاب البادية أن يرسلوا أغنامهم وجمالهم حول القصر ، وأن يحلبوا أغنامهم بمحضر الأعرابيّة ، فلمّا فعلوا ذلك ونظرت إليها تذكّرت وطنها ورأت منظرة تشبه ما كانت في وطنها وأطراف بيتها ، فبكت وأنشأت تقول :

وما ذنب أعرابيّة قذفت بها

صروف النوى من حيث لم تك ظنّت

تمنّت أحاليب الرعات وخيمة

بنجد فلا يقضى لها ما تمنّت

إذا ذكرت ماء العذيب وطيبه

وبرد حصاة آخر الليل أنّت

لها أنّة عند العشاء وأنّة

سحيرا ولوا أنّتاه لجنّت

٤

فسمع أبياتها المعتمد فرقّ لها فقال لها : لا تحزني إنّي أرسلك إلى أهلك ووطنك ولم ينقص من حظّك شيئا ، فأرسلها مع تجمّلها وكانت تحت نكاح المعتمد وكان إذا أراد الصيد يذهب إلى بادية فيها الأعرابيّة.

أقول : اتفق مثل ذلك ليزيد بن معاوية فإنّه تزوّج بإمرأة بدويّة وأسكنها في قصره مع ثياب فاخرة ونعمة وافرة ، فأنشأت الأعرابيّة تقول :

للبس عباءة وتقرّ عيني

أحبّ إليّ من لبس الشفوف

وبيت تخفق الأرياح فيه

أحبّ إليّ من قصر منيف

سامرّاء أحبّ البقاع عند الحجّة عليه‌السلام

روى ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني رحمه‌الله في الكافي بإسناده عن عليّ بن محمّد ، عن أبي محمّد الوجنائي أنّه أخبر عمّن رآه عليه‌السلام ، قال : خرج من الدار قبل الحادث بعشرة أيّام وهو يقول : اللهمّ إنّك تعلم أنّها أحبّ البقاع عندي لو لا الطرد ، أو كلام نحو هذا.

قال المجلسي رحمه‌الله في شرح هذا الحديث : لعلّ المراد بالحادث وفاة أبي محمّد عليه‌السلام والضمير في أنّها راجع إلى سامرّاء ، انتهى.

والذي يقوي في النظر أنّ المراد بالحادث قتل أكابر الأتراك في سامرّاء وشغب الجند وظهور صاحب الزنج حتّى آل الأمر إلى انحلال سامرّاء ـ كما عرفت في محلّه من المجلّد الأوّل ـ ولا غرو أن تكون سامرّاء أحبّ البقاع عند الحجّة عجّل الله فرجه ؛ لأنّ حبّ الوطن من الإيمان.

٥

إخبار الإمام جعفر الصادق ببناء سامرّاء

روى العلّامة المجلسي فى البحار (١) في خلال رواية المفضّل بن عمر عن الصادق عليه‌السلام قال عليه‌السلام : أوّل ولادته ـ أي ولادة الحجّة ـ وقت الفجر من ليلة الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومأتين ـ إلى أن قال : ـ بالمدينة التي بشاطئ دجلة يبنيها المتكبّر الجبّار المسمّى باسم جعفر الضالّ ، الملقّب بالمتوكّل ، وهو المتأكّل لعنه الله تعالى ، وهي مدينة تدعى بسرّ من رأى وهي ساء من رأى.

أقول : تقدّم فضائل سامرّاء في الجزء الأوّل ، فقول الصادق عليه‌السلام «وهي ساء من رأى» يشير إلى مدينة بناها المتوكّل في شمال سامرّاء الحاليّة في أرض يقال لها الماحوزة ، فلمّا فرغ منها قال : الآن علمت أنّي ملك إذ بنيت لنفسي مدينة سكنتها ـ كما تقدّم تفصيله في بيان قصر الجعفري ـ فقوله عليه‌السلام من قبيل إطلاق الكلّ وإرادة الجزء. والماحوزة متّصلة بسامرّاء كما عرفت ذلك في الجزء الأوّل. أضف أنّ أوّل من مصّر سامرّاء هو المعتصم لا المتوكّل ، هذا كلّه بعد تسليم صحّة الرواية.

وروى المحدّث الشهير السيّد هاشم البحراني في خلال معاجز الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام من كتابه مدينة المعاجز بالإسناد عن عليّ بن محمّد النوفلي قال : قال عليّ ابن محمّد عليهما‌السلام : لمّا بدا الوسم بالمتوكّل بسرّ من رأى والحضريّة ، قال : يا عليّ ، إنّ هذا الطاغية يبتلى ببناء مدينة لا تتمّ ويكون حتفه فيها قبل تمامها على يد فرعون من فراعنة الأتراك ، الحديث.

وقال الطبري في حوادث سنة ٢٤٥ من تاريخه : إنّ المتوكّل أمر ببناء الماحوزة وسمّاه الجعفري وأقطع القوّاد وأصحابه فيها وجدّ في بنائها وتحوّل إلى المحمديّة ليتمّ أمر الماحوزة وأمر بنقض القصر المختار والبديع وحمل ساجهما إلى الجعفري وأنفق

__________________

(١) بحار الأنوار ١٣ : ٢٠١.

٦

عليهما فيما قيل أكثر من ألفي ألف دينار ، وجمع فيه القرّاء فقرأوا وأحضر أصحاب الملاهي فوهب لهم ألفي ألف درهم وكان يسمّيها هو وأصحابه الخاصّة المتوكليّة ، وبنى فيها قصرا سمّاه اللؤلؤ لم ير مثله في علوّه ، وأمر بحفر نهر يأخذ رأسه خمسة فراسخ فوق الماحوزة من موضع يقال لها كرمي ، يكون شربا لما حولها من فوه النهر إليها ، وأمر بأخذ جبلتا والخصاصة العليا والسفلى وكرمي ، وحمل أهلها على بيع منازلهم وأراضيهم ، وأجبروا على ذلك حتّى تكون الأراضي والمنازل في تلك القرى كلّها له ، ويخرجهم عنهما ، وقدّر للنهر من النفقة مأتي ألف دينار ، وصيّر النفقة عليه إلى دليل بن يعقوب النصراني الكاتب.

وبغا التركي في ذي الحجّة سنة ٢٤٥ وألقي في حفر النهر اثنى عشر ألف رجل يعملون فيه ، فلم يزل دليل بن يعقوب يعتمل فيه ويحمل المال بعد المال ويقسّم عامّته في الكتّاب حتّى قتل المتوكّل فبطل النهر وأخربت الجعفريّة ونقضت ولم يتمّ أمر النهر ، فاستوحش الناظر إليها ولم ير فيها إلّا البوم والصدا ، وقد أشار بذلك العلّامة السماوي في وشائح السرّاء بقوله :

وتركوا الرياض والقصورا

يحكي صدى الوحش لديها الصورا

لم تر إلّا آسفا ونادما

وناقلا أثاثه وهادما

تخوّفا من صولة الفراغنه

والترك إذ كانوا بها فراعنه

حيث إلى بغداد عاد المعتضد

وعاف سامرّا وما بها انتضد

تضجّرا ممّا جنى الأتراك

ومن مع الترك له اشتراك

إحراق قبور الخلفاء في سامرّاء

سيأتي في محلّه أنّ المعتصم والواثق والمتوكّل والمنتصر والمستعين والمعتزّ والمهتدي والمعتمد قبورهم كانت بسرّ من رأى في قبلة سرداب الغيبة ، فأحرقها

٧

العلّامة المهذّب البارع الميرزا محمّد السلماسي كما جاء في كتاب دار السلام للعالم العليم البحر الخضم الميرزا حسين النوري (١) قال :

وكان المولى الحاج ميرزا محمّد السلماسيّ رحمه‌الله عالما كاملا من تلامذة الوحيد البهبهاني وله نوادر وكرامات وقد وفّقه الله تعالى لأصل تأسيس بناء قبّة العسكريّين عليهما‌السلام ورواقها وقبّه السرداب وجعل صحنا مستقلّا له وسدّ باب السرداب ودرجه من داخل حرم العسكريّين عليهما‌السلام وفتح الباب الموجود له في المسجد من قبل الخوانين العظام أحمد خان الدنبلي وطائفته وأنفقوا على ذلك أموالا كثيرة ، وقد كان قبل ذلك صومعة في برية.

ومن فضائل المولى المذكور وقوّة قلبه أنّه أحرق جميع قبور خلفاء العبّاسيّين في سامرّاء ليلا ، وكانت في الدار التي هي في قبلة السرداب الشريف وفيها شبّاك يدخل منه الضوء إليه ، ولكلّ صندوق وزينته. فماج الناس في بغداد وكتبوا مجلّة حكموا فيها بكفره ووجوب قتله ، فطلبه والي بغداد وخلّصه الله تعالى عن شرّهم بتوسّط بعض الولاة المؤمنين الذين كانوا يخفون إيمانهم ، ورشا كثيرة في الباطن من الخان المذكور ولم يبق والحمد لله من تلك القبور أثر.

قال السيّد المحدّث الجزائري في رياض الأبرار : ومن معجزاته ـ أي الإمام أبي محمّد العسكري عليه‌السلام ـ أنّ على قبور الخلفاء من بني العبّاس بسرّ من رأى من ذرق الخفافيش والطيور ما لا يحصى وتنقى منها كلّ يوم ومن الغد تكون القبور مملوّة ذرقا ، ولا يرى على رأس قبّه العسكريّين عليهما‌السلام ولا على قباب مشاهد آبائهما ذرق طير فضلا عن قبورهم ؛ إلهاما للحيوانات إجلالا لهم ، انتهى ، ومثله الراوندي في الخرايج.

__________________

(١) دار السلام : ٢٦٦ طبع ايران.

٨

أقول : ومن عجيب أمر هؤلاء أنّهم يكفّرون من أحرق قبور الظالمين لآل محمّد الغاصبين حقوقهم المدفونين في دارهم بغير إذنهم المنهمكين في الملاهي والمناهي مدّة حياتهم كما ستعرف ذلك في الأجزاء الآتية بصورة تفصيليّة ولا يكفّرون من أحرق مشهد الجوادين صلى‌الله‌عليه‌وآله وخرّب قبور أئمّه البقيع وسائر قبور عباد الله الصالحين ، وتقدّم في الجزء الأوّل أنّ الوالي سأل العلماء عن صفة دار العسكريّين عليهما‌السلام عند ظهور التابوتين لمّا حفروا الأساس وأجابوه أنّها ملك لهما ، فقال الوالي .. الخ.

مساوي العصبيّة وتخريب مشهد الجوادين عليهما‌السلام وإحراقه

وقال ابن الأثير الجزري في حوادث سنة ٤٤٣ من كامله ص ١٩٩ : وفي هذه السنة في صفر تجدّدت الفتنة ببغداد بين السنّة والشيعة وعظمت أضعاف ما كان قديما ، وكان سبب هذه الفتنة أنّ أهل الكرخ شرعوا في عمل باب السمّاكين وأهل القلائين في عمل ما بقي من باب مسعود ، ففرغ أهل الكرخ وعملوا أبوابا كتبوا عليها بالذهب «محمّد وعليّ خير البشر» وأنكر السنّة ذلك وادّعوا أنّ المكتوب محمّد وعليّ خير البشر ؛ فمن رضي فقد شكر ومن أبى فقد كفر ، وأنكر أهل الكرخ الزيادة وقالوا : ما تجاوزنا ما جرت به عادتنا فيما نكتبه على مساجدنا.

فأرسل الخليفة القائم بأمر الله أبا تمام نقيب العبّاسيّين ونقيب العلويّين وهو عدنان ابن رضي لكشف الحال ، فكتب بتصديق قول الكرخيّين ، فأمر حينئذ الخليفة نوّاب رحيم بكفّ القتال فلم يقبلوا ، وانتدب ابن المذهب القاضي والزهيري وغيرهما من الحنابلة أصحاب عبد الصمد بحمل العامّة على الإغراق في الفتنة ، فأمسك النوّاب الملك رحيم من كفّهم غيضا من رئيس الرؤساء لميله إلى الحنابلة ومنع هؤلاء السنّة من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ، وكان نهر عيسى قد

٩

انفتح ثقبه فعظم الأمر عليهم وانتدب جماعة منهم وقصدوا دجلة وحملوا الماء وجعلوه في الظروف وصبّوا عليه ماء الورد ونادوا الماء للسبيل ، فأغرقوا بهم السنّة ونشدوا رئيس الرؤساء على الشيعة فمحوا خير البشر وكتبوا عليه‌السلام.

فقالت السنّة : لا نرضى إلّا أن يقلع الآجر الذي عليه محمّد وعليّ ، وأن لا يؤذّن حيّ على خير العمل ، وامتنع الشيعة من ذلك ودام القتال إلى ثالث ربيع الأوّل ، وقتل فيه رجل هاشميّ من السنّة فحمله اهله على نعش وطافوا به في الحريبة وباب البصرة وسائر محال السنّة فاستفزّوا الناس للأخذ بثأره ثمّ دفنوه عند أحمد بن حنبل وقد اجتمع معهم خلق كثير أضعاف ما تقدّم ، فلمّا رجعوا من دفنه قصدوا مشهد الجوادين عليهما‌السلام بباب التين فأغلق بابه فنقبوا في سورها وتهدّدوا البوّاب فخافهم ففتح الباب فدخلوا ونهبوا ما في المشهد من قناديل ومحاريب ذهب وفضّة وستور وغير ذلك ، ونهبوا ما في الترب (يعني ما كان على القبور من الزينة) والدرر ، وأدركهم الليل فعادوا.

فلمّا كان الغد كثر الجمع فقصدوا المشهد وأحرقوا جميع الترب والأزاج (نوع من البيت يبنى طولا) واحترق ضريح موسى وضريح ابن ابنه محمّد بن عليّ والقبّتان الساج اللتان عليهما واحترق ما يقابلهما وبجوارهما من قبور ملوك بني بويه معزّ الدولة وجلال الدولة ، ومن قبور الوزراء والرؤساء ، وقبر جعفر بن أبي جعفر المنصور وقبر الأمين محمّد بن رشيد وقبر أمّه زبيدة ، وجرى من الأمر الفظيع ما لم يجر في الدنيا مثله.

فلمّا كان الغد خامس الشهر عادوا وحفروا قبر موسى بن جعفر ومحمّد بن عليّ لينقلوهما إلى مقبرة أحمد بن حنبل ، فحال الهدم بينهم وبين معرفة القبر ، فجاء الحفر إلى جانبه ، وسمع أبو تمام نقيب العبّاسيّين وغيره من الهاشميّين فجاؤا ومنعوا عن ذلك ، إلى آخر القصّة.

١٠

وقال الجزري أيضا في سنة خمس وأربعين وأربعمائة : في المحرّم زادت الفتنة بين أهل الكرخ وغيرهم من السنّة ـ إلى أن قال : ـ وجرى بينهم قتال شديد وطرح الأتراك النار في أسواق الكرخ فاحترق كثير منها وألحقتها بالأرض وانتقل كثير من أهل الكرخ إلى غيرها .. الخ.

وقال في حوادث سنة ٤٨٢ ص ٦٠ : وفي جمادى الأولى كثرت الفتن ببغداد بين أهل الكرخ وغيرها من المحال وقتل منهم عدد كثير واستولى أهل المحال على قطعة كبيرة من نهر الدجاج فنهبوها وأحرقوها فنزل شحنة بغداد على دجلة في خيل ورجله ليكفّ الناس عن الفتنة فلم ينتهوا.

إلى أن قال : حتّى قبل أهل الكرخ بحضور الجماعة والجمعة والتديّن بمذهب أهل السنّة وكتب أهل الكرخ على أبواب مساجدهم : خير الناس بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ عليّ .. الخ.

ونظائرها خارج عن الحدّ والإحصاء ، ومنذ سطرت هذه العصبيّات الباردة على المسلمين ذهب بسيادتهم وأفنى كيانهم وجعلهم أذلّاء صاغرين تحت أيدي الأجانب تعركهم عرك الأديم وتدوسهم دوس الحصيد.

الدعوة إلى الاتحاد

نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم حيث قال : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)(١) ، ويكفي في المقام ما جاء في كتاب أصل الشيعة وأصولها للعلّامة الخبير المصلح الأعظم الشهير حجّة الإسلام الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء متّع الله المسلمين بطول بقائه ، قال دام وجوده :

__________________

(١) آل عمران : ١٠٣.

١١

لم يبق ذو حسّ وشعور في شرق الأرض وغربها إلّا وقد أحسّ وشعر بضرورة الاتحاد والاتفاق ومضرّة الفرقة والاختلاف حتّى أصبح هذا الحسّ والشعور أمرا وجدانيّا محسوسا يحسّ به كلّ فرد من المسلمين كما يحسّ بعوارضها الشخصيّه من صحّته وسقمه وجوعه وعطشه وذلك بفضل الجهود التي قام بها جملة من أفذاذ ـ أي أفراد ـ الرجال المصلحين في هذه العصور الأخيرة الذين أهابوا بالمجتمع الإسلامي وصرخوا فيه صرخة المعلم الماهر وتمثّلوا للمسلمين بمثال الطبيب النطاسي ـ المدقّق في الأمور ـ الذي شخص الداء وحصر الدواء وأصاب الهدف بما عيّن ووصف وبعث النفوس بعثا حثيثا وشوقها إلى استعمال الدواء ما قطع مادة ذلك الداء الخبيث والعلل والأمراض المهلكة قبل أن تقضي على هذا الجسد الحي فيدخل في خبر كان ويعود كأمس الدابر.

صرخ المصلحون فسمع المسلمون كلّهم عظيم صرخاتهم بأنّ داء المسلمين تفرّقهم وتضارب بعضهم ببعض ، ودواؤهم الذي لا يصلح آخرهم إلّا به كما لم يصلح إلّا عليه أوّلهم ألا وهو الاتفاق والوحدة ومؤازرة بعضهم لبعض ، ونبذ التشاحن وطرح بواعث البغضاء والإحن والأحقاد تحت أقدامهم ، ولم يزل السعي لهذا المقصد السامي والغرض الشريف إلى اليوم دأب رجالات أنار الله بصائرهم وشحذ عزائمهم وأشعل جذوة الإخلاص لصالح هذه الأمّة من وراء شغاف أفئدتهم فما انفكّوا يدعون إلى تلك الوحدة المقدّسة وحدة أبناء التوحيد وانضمام جميع المسلمين تحت راية «لا إله إلّا الله محمّد رسول الله» من غير فرق بين عناصرهم ولا بين مذاهبهم ، يدعون إلى هذه الجامعة السامية والعروة الوثقى والسبب المتين الذي أمر الله بالاعتصام به والحبل القوي الذي أمر الله به أن يوصل ، يدعون إليها لأنّها هي الحياة وبها النجاة للأمّة الإسلاميّة وإلّا فالهلاك المؤبّد والموت المخلّد.

أولئك دعاة الوحدة ، وحملة مشعل التوحيد. أولئك دعاة الحقّ وأنبياء الحقيقة

١٢

ورسل الله إلى عباده في هذا العصر ، يجدّدون من معالم الإسلام ما درس ، ويرفعون من منار المحمّديّة ما طمس ، وكان بفضل تلك المساعي الدائبة والجهود المستمرّة من أولئك رجال ـ وقليل ما هم ـ قد بدت بشائر الخير وظهور طلائع النجاح ، ودبّت وتسرّبت في نفوس المسلمين تلك الروح الطاهرة وصار يتقارب بعضهم من بعض ، ويتعرّف فريق لفريق.

وكان أوّل بزوغ لشمس تلك الحقيقة ونموّ لبذر تلك الفكرة ما حدث بين المسلمين قبل بضعة أعوام في المؤتمر الإسلامي العام في القدس الشريف من اجتماع ثلّة من كبار المسلمين وتداولهم في الشؤون الإسلاميّة وتبادل الثقة والإخاء فيما بينهم على اختلافهم في المذاهب والقوميّة وتباعد أقطارهم وديارهم ، ذلك الاجتماع الذي هو الأوّل من نوعه والوحيد في بابه الذي علّق عليه سائر المسلمين الآمال الجسام ، فكان قرّة عين المسلمين كما كان قذى عيون المستعمرين ، والذي حسبوا له ألف حساب ، وأرصدوا دونه حسب إمكانهم كلّ باب.

ولكن على رغم كلّ ما قام به أولئك الأعلام من التمهيدات لتلك الغاية وما بذلوه من التضحيات والمفاداة في غرس تلك البذرة وتعاهدها بالعناية والرعاية حتّى تثمر الثمر الجني وتأخذ حظّها من الرسوخ والقوّة لانزال نحن معاشر المسلمين بالنظر العام نتعلّق بحبال الآمال ونكتفي بالأقوال عن الأعمال ، وندور على دوائر الظواهر والمظاهر دون الحقائق والجواهر ، ندور على القشور ولا نعرف كيف نصل إلى اللبّ على العكس ممّا كان عليه أسلافنا أهل الجدّ والنشاط ، أهل الصدق في العمل قبل القول ، وفي العزائم قبل الحديث ، تلك السجايا الجبّارة التي أخذها عنهم الأغيار فسبقونا وكان السبق لنا وكانت لنا الدائرة عليهم فأصبحت علينا تلك سنّة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنّة الله تبديلا.

نحن نحسب أنّنا إذا قلنا قد اتحدنا واتفقنا وملأنا بتلك الكلمات لهواتنا وأشداقنا

١٣

وشحّنا بها صحفنا وأوراقنا نحسب بهذا ومثله يحصل الغرض المهم من الاتحاد ونكون كأمة من الأمم الحيّة التي نالت بوحدتها عزّها وشرفها ، وأخذ المستوى الذي يحقّ لها ولذلك تجدنا لا نزداد إلّا هبوطا ، ولا ننال متاعنا إلّا خفافا وحبوطا ، لا تجد لأقوالنا أثرا إلّا أنّنا نأنس بها ساعة سماعنا لها وما هي بعد ذلك إلّا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا.

ويستحيل لو بقي المسلمون على هذه الحالة أن تقوم لهم قائمة أو تجتمع لهم كلمة أو تثبت لم في المجتمع البشري دعامة ، ولو ملأوا الصحف والطوامير وشحنوا أرجاء الأرض وآفاق السماء بألفاظ الاتحاد والوحدة ، وكلّ ما يشتقّ منها ويرادفها ، بل ولو صاغوا سبائك الخطب منها بأساليب البلاغة ونظموا فيها عقود جواهر الإبداع والبراعة ، كلّ ذلك لا يجدي إذا لم يندفعوا إلى العمل الجدّي والحركة الجوهريّة ، ويحوروا أخلاقهم وملكاتهم ، ويكبحوا جماع أهوائهم ونفوسهم بإرسال العقل والرؤية والحنكة والحكمة فيجد كلّ مسلم أنّ مصلحة أخيه المسلم هي مصلحة نفسه فيسعى لها كما يسعى لمصالح ذاته ذلك حيث ينزع الغلّ من صدره والحقد من قلبه ، وينظر كلّ من المسلمين إلى الآخر مهما كان نظر الإخاء لا نظر العداء ، وبعين الرضا لا بعين السخط ، وبلحاظ الرحمة لا الغضب والنقمة ، ذاك حيث يحسّ بوجدانه ويحدّ بضرورة حسّه أنّ عزّه بعزّ إوانه وقوّته بقوّة أعوانه ، وأنّ كلّ واحد منهم عون للآخر ، فهل يتقاعس عن تقوية عونه وتعزيز عزّه وصونه؟ كلّا.

ثمّ إذا كان التخلّق بهذا الخلق الشريف عسيرا لا ينال وشأوا متعاليا لا يدرك ولا يستطيع المسلم أن يواسي أخاه المسلم وأن يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه وأن يجد أنّ صلاحه بصلاح أمّته وعزّه بعزّ قومه فلا أقلّ من التناصف والتعادل والمشاطرة والتوازن فلا يجحد المسلم لأخيه حقّا ، ويبخسه كيلا ، ولا يطفّف له وزنا ، والأصل

١٤

والملاك في كلّ ذلك اقتلاع رذيلة الحرص والجشع والغلبة والاستئثار والحسد والتنافس فإنّ هذه الرذائل سلسلة شقاء وحلقات بلاء يتصل بعضها ببعض ويجرّ بعضها إلى بعض حتّى تنتهي إلى هلاك الأمّة التي ستغلغل فيها ثمّ تهوي بها إلى أحطّ مهاوي الشقاء والتعاسة. والبذرة الأولى لكلّ تلك الثمار المونقة هو حبّ الإثرة وقد قيل : الاستئثار يوجب الحسد ، والحسد يوجب البغضاء ، والبغضاء يوجب الاختلاف ، والاختلاف يوجب الفرقة ، والفرقة توجب الضعف ، والضعف يوجب الذلّ ، والذلّ يوجب زوال النعمة وهلاك الأمّة.

والتاريخ يحدّثنا والعيان والوجدان يشهدان لنا شهادة حقّ أنّه حيث تكون تلك السخائم والمآثم فهناك فناء الأمم وموت الهمم وفشل العزائم وتلاشى العناصر ، هناك الاستعباد والاستثمار والهلكة والبوار وتغلّب الأجانب وسيطرة العدوّ. أمّا حيث تكون الآراء مجتمعة والأهواء مؤتلفة والقلوب متآلفة والأيدي مترادفة والبصائر متناصرة والعزائم متوازرة فلا القلوب متضاغنة والصدور متشاحنة ، ولا النفوس متدابرة ، ولا الأيدي متخاذلة ، فهناك العزّ والبقاء والعافية والنعماء والقهر والقوّة والملك والثروة والكرامة والسطوة. هنالك يجعل الله لهم من مضائق الأمور فرجا ، وفي حلقات السوء مخرجا ، ويبدلهم العزّ مكان الذلّ ، والأمن مكان الخوف فيصبحوا ملوكا حكّاما وأئمّة أعلاما ، انتهى كلامه دام وجوده.

حديث في الاتحاد

في التفسير المنسوب إلى الإمام أبي محمّد العسكري عليه‌السلام روى عن آبائه عن زين العابدين عليهم‌السلام قال للزهري : يا زهري ، ما عليك إلّا أن تجعل المسلمين بمنزلة أهل بيتك فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك ، وصغيرهم بمنزلة ولدك ، وتجعل تربك بمنزلة

١٥

أخيك ، فأيّ هؤلاء تحبّ أن تظلم؟ وأيّ هؤلاء تحبّ أن تدعو عليه؟ وأيّ هؤلاء تحبّ أن تهتك ستره؟ وإن عرض لك إبليس لعنه الله بأنّ لك فضلا على أحد من أهل القبلة فانظر إن كان أكبر منك فقل : وقد سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خير منّي ، وإن كان أصغر منك فقل : قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير منّي ، وإن كان تربك فقل : أنا على يقين من ذنبي وفي شكّ من أمره فمالي أدع يقيني بشكّي.

وإن رأيت المسلمون يعظّمونك ويوقّرونك ويبجّلونك فقل : هذا فضل قد أخذوا به ، وإن رأيت منهم انقباضا عنك فقل : هذا لذنب أحدثته ، فإذا فعلت ذلك سهل عليك عيشك ، وكثر أصدقاؤك ، وقلّ أعداؤك ، وتفرح بما يكون من برّهم ، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم ، واعلم أنّ أكرم الناس على الناس من كان خيره عليهم فائضا ، وكان عنهم مستغنيا متعفّفا ، وإن كان إليهم محتاجا فإنّما أهل الدنيا يعشقون الأموال فمن لم يزاحمهم فيما يعشقونه كرم عليهم.

العمارة الثالثة عشرة

للملك المفخّم السلطان الأعظم ناصر الدين شاه القاجاري عليه الرحمة في سنة ١٢٨٢ بنظارة العلّامة الشهير شيخ العراقين الشيخ عبد الحسين الرازي الطهراني قدّس الله سرّه. قال العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماوي في وشايح السرّاء في شأن سامرّاء :

ثمّ أتاها الناصر القاجاري

وجاد بالدرهم والدينار

وجدّد الشبّاك فيها المرتهب

وألبس القبّة ثوبا من ذهب

وعمّر الضريح والرواقا

والقبّة التي سناها راقا

١٦

والصحن والمآذن الرفيعة

والدار ذات السدّة المنيعة

ورمّم الروض مع الرواق

والبهو والصحن على الإطلاق

وشرّع الأبواب بانتظام

لزائر المرقد والمقام

ورمّم السور الذي قد اجتلي

بناؤه من قبله للدنبلي

على يدي عبد الحسين الرازي

شيخ العراقين الفتى الممتاز

وذا لخمس وثمانين سنه

ومأتين بعد ألف بيّنه

إذ حلّت القبّة فيما قد وهب

وأرّخوا (الناصر عاقد الذهب)

تقدّم في الجزء الأوّل اثنتي عشرة طبقة من طبقات عمارة الروضة البهيّة ، فبعد عمارة الدنابلة لم نظفر على ما يستحقّ الذكر إلى أن دخلت السنة المذكورة فأرسل السلطان ناصر الدين شاه المشار إليه مع مصارف العمارة فقام أوّلا بترميم الروضة المطهّرة وإصلاح ما غلب عليه الخراب فرصّف حول المرقد بالرخام البلوري الأخضر داخل الشباك وكذا الرواق والبهو والصحن ، وتذهيب القبّة المنوّرة وترميم بعض جوانب سور الصحن الشريف وترصيفه بالقاشاني الملوّن وغيره ، ولترصيف ما حول المرقد حكاية لطيفة بل كرامة شريفة.

رأيت بخطّ العلّامة السيّد حسين القزويني الحائري آل صاحب الضوابط قال : حدّثني العالم الفاضل الشيخ أحمد نجل العلّامة حجّة الإسلام الشيخ عبد الحسين الطهراني المعروف ب «شيخ العراقين» قال : كنت في عنفوان شبابي مع والدي المرحوم بسرّ من رأى حين أرسله السلطان ناصر الدين شاه لتذهيب القبّة المطهّرة ، فبينما هو ناظر في هذا الأمر الخطير وكنّا في خدمته وطوع أوامره ونواهيه إذ أصبح يوما من الأيّام وقال لي : أدع فلانا وفلانا من العمّالين ، فأحضرتهما ، فقام وقمنا معه وقال للعمّالين : خذوا معكم المسحاة والمعول وسيروا معي.

قال : فسرنا معه إلى مسجد الملوية ولا يجسر أحدنا أن يسأله عن سبب ذلك ،

١٧

فلمّا وصل إلى المسجد توجّه نحو القبلة فأتى إلى محراب المسجد فأمر العمّالين بحفره ، فحفرا حتّى وصل المعول إلى الحجر فأمر برفع الأنقاض فخرج من تحت التراب والأنقاض رخام بلوري أخضر اللون كالمرايا ذوات الألوان في غاية اللطافة أكثرها مربع الشكل ، فأمر بقلعها وحملها إلى الحضرة المقدّسة ثمّ أمر بترصيفها حول الصناديق الثلاثة داخل الشباك فرصفوها على أحسن ما يكون كما نراها بالعيان اليوم.

قال : قال الشيخ المذكور : كنت في ذلك الوقت حدث السن فاستحييت أن أسأل أبي أو يسأله أحد من المشاهدين بأنّك كيف علمت أنّ في هذا المكان هذه الأحجار البلورية؟ وبأيّ وجه حفرت المكان المذكور؟

قال العلّامة السيّد حسين المذكور : قلت له : لعلّه أخبر بذلك في عالم الرؤيا أو الشهود.

أقول : وهي إلى يومنا هذا على هيئتها الأولى مع كمال اللطافة والبهاء والزينة وهذه الأحجار البلورية الخضراء يقال لها في بلاد العجم (مرمرشيم) وهي من أحسن الأحجار وأغلاها.

صفة بناء القبّة المطهّرة

تقدّم في العمارة الثالثة أنّ أوّل من بنى القبّة المطهّرة معزّ الدولة أحمد بن بويه سنة ٣٣٥ ، وتقدّم في العمارة الخامسة أيضا أنّ الأمير أرسلان البساسيري بناها بالجص والآجر وجعلها كبيرة شاهقة ، وتقدّم أيضا في العمارة الثانية عشرة أنّ السلطان حسين قلي خان الدنبلي كساها بالقاشاني والظاهر أنّ القاشاني كان رماديا كما ذكره العلّامة الخبير السيّد إسماعيل العقيلي الطبرسي في المجلّد الثاني من

١٨

كتابه كفاية الموحّدين المطبوع (١) قال : ولونها كما رأيتها حين تشرّفي بسرّ من رأى قبل تذهيب القبّة كان من القاشاني الرمادي إلى أن وفّق الله تعالى السلطان ناصر الدين شاه قاجار فرصفها بصفايح الذهب وأرسل أعلم العلماء شيخ العراقين الشيخ عبد الحسين الطهراني قدس‌سره لإتمام هذه الخدمة العظيمة التي هي من أعظم شعائر الله وهي اليوم في علوّ شاهق واستحكام متين ، ونصّ عبارة الكفاية ما يلي :

محمّد بن على خزاز روايت كرده است از حضرت امير المؤمنين عليه‌السلام كه آن حضرت بعد از ذكر جمله از علائم ظهور حضرت حجّت عجّل الله تعالى فرجه از بناهاى عاليه در بغداد وآمدن پادشاهان بنى شيصان كه سلاطين بنى عباسند فرمود كه : قبه خاكسترى رنگ در بيابان بنا نهاده مى شود سرخ رنگ ودر عقب اينها قائم بحق در ميان اقاليم نقاب غيبت را از روى خود برمى دارد مانند ماه درخشنده در ميان كواكب ، واحتمال قريب دارد كه مراد به اين قبه همان قبه مباركه عسكريين عليهما‌السلام باشد كه در بيابان واقع شده ؛ زيرا كه سرّ من رأى همه اطراف آن در چند فرسخى بيابانى است خالى از آبادى وآبادى خود سرّ من رأى نيز اندك است وفعلا قصبه است كه آبادى شهر بلد بلكه آبادى قراى معتبر هم ندارد.

ورنگ آن قبّه چنانكه حقير در زمان مشرّف شدن بسرّ من رأى مشاهده كردم قبل از آنكه آن را طلا نمايند كاشى بود مانند رنگ خاكستر بنظر مى آمد آنكه شاهنشاه ايران سلطان السلاطين ناصر الدين شاه ادام الله شوكته وعدله موفّق به اين خدمت عظمى شدند از جانب خود اعلم العلماء شيخ العراقين الشيخ عبد الحسين الطهرانى طيّب الله روحه الزكيّه را ارسال فرمودند از براى اين

__________________

(١) كفاية الموحّدين ٢ : ٦٢٩.

١٩

خدمت عظمى كه از اعظم شعائر الله بود وحال آن قبّه مباركه در كمال علو وارتفاع مى باشد ودر نهايت خوبى مبدل به حمرا شده است وتمام آن را از خشت طلا ساخته اند ، انتهى.

ومكتوب على ظاهرها سورة الفتح والكتابة كالنطاق ، ومكتوب عليها اسم السلطان ناصر الدين شاه ، وكان استدارة القبّه المنوّرة ستّا وتسعين خطوة وهي أكبر قباب الأئمّة عليهم‌السلام ، وكان باطن القبّة مرصّعا بالمرايا ذوات أشكال هندسيّه ونجارة بديعة مكتوب عليها أسماء الأئمّة كما تقدّم في الجزء الأوّل ، والكتابة كالنطاق غير أنّ كلّ اسم من أسمائهم في طرّة لوزيّة كرّرت مرّتين بهذه الصورة «اللهمّ صلّ على محمّد ، اللهمّ صلّ على فاطمة .. الخ» وتحت هذه الكتابة أبيات مليحة فارسيّة وتحت هذه الأبيات سورة هل أتى وإنّا أنزلنا وعمّ يتسائلون بقلم أصفر جلي عربي ، والكتابة كالنطاق ثلاث دورات ، وتاريخ ترصيع داخل القبّة سنة ستّين ومأتين وألف ، ثمّ احتاجت إلى بعض الترميمات في سنة ١٣٦١ فتصدّى لترميمها جماعة من أهل الخير والصلاح من أهل طهران فأنفقوا له ما لا يقلّ عن ثلاثمائة دينار عراقيّة فعادت كهيئتها الأولى جزاهم الله خير الجزاء.

ولمّا فرغ من تذهيب القبّه أمر بترصيع جدران سرداب الغيبة بالمرايا ذوات الأشكال الهندسيّة وبالقاشاني الملوّن على حواشي أواوين الصحن الشريف ، فلمّا فرغ من ذلك زار السلطان ناصر الدين شاه الإمامين العسكريّين عليهما‌السلام ودرّ على العلماء والمجاورين وطلّاب العلم وعموم أهالي سامرّاء المستحقّين العطايا الجزيلة.

وبمناسبة ذكر العلّامة الفقيد الشيخ عبد الحسين قدس‌سره وهذه الخدمة البارزة للروضة البهيّة نورد لك يسيرا من حياته الطيّبة.

٢٠