مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٢

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-503-037-4
ISBN الدورة:
964-503-039-0

الصفحات: ٣٧٢

يمنعون الماء الذي تراه ولا تمنع الكلاب والوحوش شربه ، فاستفظعت ذلك وقلت له : ويحك ، أنت رأيت هذا؟ قال : والذي سمك السماء لقد رأيت هذا أيّها الشيخ وعاينته ، وإنّك وأصحابك الذين يقنون على ما قد رأيناها أقرح عيون المسلمين إن كان في الدنيا مسلم. فقلت : ويحك ، وما هو؟ قال : حيث لم تنكروا ما أجرى سلطانكم إليه. قلت : وما جرى؟ قال : أيكرب قبر ابن النبيّ ويحرث أرضه؟ قلت : وأين القبر؟ قال : ها هو ذا أنت واقف في أرضه ، وأمّا القبر فقد عمي عن أن يعرف موضعه.

قال أبو بكر بن عيّاش : وما كنت رأيت القبر قبل ذلك الوقت قطّ ولا أتيته في طول عمري ، فقلت : من لي بمعرفته؟ فمضى معي الشيخ حتّى وقف بي على حيّر له باب وآذن وإذا جماعة كثيرة على الباب ، فقلت للآذن : أريد الدخول على ابن رسول الله ، فقال : لا تقدر على الوصول في هذا الوقت ، قلت : ولم؟ قال : هذا وقت زيارة إبراهيم خليل الله ومحمّد رسول الله ومعهما جبرئيل وميكائيل في رعيل من الملائكة كثير.

قال أبو بكر بن عيّاش : فانتبهت وقد دخلني روع شديد وحزن وكآبة ، ومضت بي الأيّام حتّى كدت أن أنسى المنام ثمّ اضطررت إلى الخروج إلى بني غاضرة لدين كان لي على رجل منهم ، فخرجت وأنا لا أذكر الحديث حتّى صرت بقنطرة الكوفة فإذا لقيني عشرة لصوص فحين رأيتهم ذكرت الحديث ورعبت من خشيتي لهم ، فقالوا لي : ألق ما معك وانج بنفسك ، وكانت معي نفيقة ، فقلت : ويحكم ، أنا أبو بكر بن عيّاش وإنّما خرجت في طلب دين لي ، الله الله لا تقطعوني عن طلب ديني وتصرّفا في نفقتي فإنّي شديد الإضاقة ، فنادى رجل منهم : مولاي وربّ الكعبة لا تعرض له أحد ، ثمّ قال لبعض فتيانهم : كن معه حتّى تصير به إلى الطريق الأيمن.

قال أبو بكر : فجعلت أتذكّر ما رأيته في المنام وأ تعجّب من تأويل الخنازير حتّى

٣٤١

صرت إلى نينوى فرأيت والله الذي لا إله إلّا هو الشيخ الذي كنت رأيته في منامي بصورته وهيئته رأيته في اليقظة كما رأيته في المنام سواء ، فحين رأيته ذكرت الأمر والرؤيا ، فقلت : لا إله إلّا الله ما كان هذا إلّا وحيا ، ثمّ سألته كمسألتي إيّاه في المنام ، فأجابني بما كان أجابني ، ثمّ قال لي : امض بنا ، فمضيت فوقفت معه على الموضع وهو مكروب ، فلم يفتني شيء من منامي إلّا الإذن والحائر فإنّي لم أر حائرا ولم أر آذنا.

فاتّق الله أيّها الرجل فإنّي قد آليت على نفسي أن لا أدع إذاعة هذا الحديث ولا زيارة ذلك الموضع وقصده وإعظامه ، فإنّ موضعا يؤمّه إبراهيم ومحمّد وجبرئيل وميكائيل لحقيق بأن يرغب في إتيانه وزيارته ، فإنّ أبا حصين حدّثني أنّ رسول الله قال : من رآني في المنام فإيّاي رأى فإنّ الشيطان لا يتشبّه بي.

فقال له موسى : إنّما أمسكت عن إجابة كلامك ليستوفي هذه الحمقة التي ظهرت منك ، وتالله إن بلغني بعد هذا الوقت أنّك تحدّث بهذا لأضربنّ عنقك وعنق هذا الذي جئت به شاهدا عليّ.

فقال له أبو بكر : إذا يمعني الله وإيّاه منك فإنّي إنّما أردت الله بما كلّمتك به.

فقال : أتراجعني يا ماصّ ، وشتمته.

فقال له : أسكت أخزاك الله وقطع لسانك.

فأزعجه موسى من على سريره ثمّ قال : خذوه ، فأخذ الشيخ عن السرير وأخذت أنا ، فو الله لقد مرّ بنا من السحب والجرّ والضرب ما ظننت نبقى حيّا أبدا ، وكان أشدّ أمر بي من ذلك أنّ رأسي كان يجرّ على الصخر وكان بعض مواليه يأتيني فينتف لحيتي ، وموسى يقول : أقتلوهما ابني كذا وكذا بالزاني لا يكنى ، وأبو بكر يقول له : امسك قطع الله لسانك وأنتقم منك ، اللهمّ إيّاك أردنا ولولد نبيّك غضبنا ، وعليك توكّلنا ، فصيّر بنا جميعا إلى الحبس ، فما لبثنا في الحبس إلّا قليلا ، فالتفت

٣٤٢

إليّ أبو بكر ورأى ثيابي قد خرقت وسالت دمائي ، فقال : يا حماني ، قد قضينا لله حقّا واكتسبنا في يومنا هذا أجرا ، ولن يضيع ذلك عند الله ولا عند رسوله ، فما لبثنا إلّا قدر غدائة ونومة حتّى جاءنا رسوله فأخرجنا إليه ، وطلب حمار أبي بكر فلم يوجد ، فدخلنا عليه فإذا هو في سرداب يشبه الدور سعة وكبرا فتعبنا في المشي إليه تعبا شديدا ، وكان أبو بكر إذا تعب في مشيه جلس يسيرا ثمّ يقول : اللهمّ إنّ هذا فيك فلا تنسه.

فلمّا دخلنا على موسى وإذا هو على سرير له فحين بصر بنا قال : لا حيّا الله ولا قرب من جاهل أحمق متعرّض لما يكره ، ويلك يا دعيّ ، ما دخولك فيما بيننا معشر بني هاشم.

فقال له أبو بكر : قد سمعت كلامك والله حسيبك ، فقال له : أخرج قبّحك الله ، والله إن بلغني أنّ هذا الحديث شاع أو ذكر عنك لأضربنّ عنقك ، ثمّ التفت إليّ وقال : يا كلب ، وشتمني وقال : إيّاك ثمّ إيّاك أن تظهر هذا ، فإنّه إنّما خيّل لهذا الشيخ الأحمق شيطان يلعب به في منامه ، أخرجا عليكما لعنة الله وغضبه ، فخرجنا وقد آيسنا من الحياة ، فلمّا وصلنا إلى منزل الشيخ أبي بكر وهو يمشي وقد ذهب حماره ، فلمّا أراد أن يدخل منزله التفت إليّ وقال : احفظ هذا الحديث وأثبته عندك ولا تحدّثنّ هؤلاء الرعاع ولكن حدّث به أهل العقول والدين ، انتهى.

وهذه الحكاية كما ترى تدلّ على تشيّعه سيّما قوله : «لا أدع إذاعة هذا الحديث ولا زيارة ذلك الموضع .. الخ» فإنّها من خصائص الشيعة ، والله أعلم بالسرائر.

* * *

وقال المحدّث القمّي في الكنى والألقاب : كان أبو بكر بن عيّاش من الزهّاد الورعين والأخيار المتعبّدين ، ومن أرباب الحديث والعلماء المشاهير ، حكي أنّه ختم القرآن المجيد اثني عشر ألف ختمة ، وقيل أكثر من ذلك ، وهو أحد الراوىّ عن عاصم أحد القرّاء السبع المشهورين.

٣٤٣

ومن كلامه : مسكين محبّ الدنيا يقسط منه درهم فيظلّ نهاره يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وينقص عمره ودينه ولا يحزن عليهما.

قلت : قد أخذ هذا من كلام عليّ بن الحسين عليهما‌السلام من قوله : مسكين ابن آدم ، له في كلّ يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهنّ ولو اعتبرها لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا : فأمّا المصيبة الأولى فاليوم الذي ينقص من عمره ، قال : وإن ناله نقصان في ماله اغمّ به ، والدرهم يخلف عنه ، والعمر لا يردّة شيء.

والثانية : إنّه يستوفي رزقه فإن كان حلالا حوسب عليه ، وإن كان حراما عوقب.

قال عليه‌السلام : والثالثة : أعظم من ذلك. قيل : وما هي؟ قال : ما من يوم يمسي إلّا وقد دنا من الآخرة مرحلة لا يدري على الجنّة أم على النار.

وقال أبو بكر بن عيّاش أيضا : أدنى ضرر المنطق الشهرة وكفى به بليّة.

وحكي عنه قال : لمّا كنت شابّا أصابتني مصيبة تجلّدت لها ودفعت البكاء بالصبر ، فكان ذلك يؤذيني ويؤلمني حتّى رأيت أعرابيّا بالكناسة وهو واقف على نجيب له ينشد :

خليليّ عوجا من صدور الرواحل

بمهجور حزوى فابكيا في المنازل

لعلّ انحدار الدمع يعقب راحة

من الوجد أو يشفي نجيّ البلابل

فسألت عنه ، فقيل لي : ذو الرمّة ، فأصابتني بعد ذلك مصائب فكنت أبكي فأجد لذلك راحة ، فقلت : قاتل الله الأعرابي ما كان أبصره ، انتهى.

فلنرجع إلى أخبار صاحب العنوان الحماني :

قال الخطيب في تاريخ بغداد ما ملخّصه : كان يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمان الحماني أحد المحدّثين ، كان يسرد سنده أربعة آلاف سردا ، وكان يحيى

٣٤٤

ابن معين يقول : ابن الحماني صدوق مشهور ، ما بالكوفة مثل ابن الحماني ، ما يقال فيه إلّا من حسد.

وقال أحمد بن زهير : سمعت يحيى بن معين يقول : يحيى بن عبد الحميد الحماني ثقة ، وما كان بالكوفة في أيّامه رجل يحفظ معه ، وهؤلاء يحسدونه ، وكان أبوه عبد الحميد ابن عبد الرحمان الحماني ثقة.

وذكره المامقاني وقال : له كتاب في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام.

الثاني عشر منهم : إبراهيم بن العبّاس الصولي

ابن محمّد بن صول الكاتب مولى يزيد بن المهلّب ، ولد سنة ١٧٦ ومات للنصف من شعبان سنة ٢٤٣ بسامرّاء ، وذكره الخطيب وابن خلّكان وياقوت الحموي في معجم الأدباء وأبو الفرج في الأغاني ، وابن النديم في الفهرست ، والعلّامة العاملي في أعيان الشيعة ، والقمّي في الكنى والألقاب ، وابن شهرآشوب في معالم العلماء ، وغيرهم ، وبعضهم أطنبوا في أخباره ومآثره غير أنّا نأخذ صفو ما سردوا في ترجمته ، وبعد ملاحظة عبارات المترجمين علم انّ الرجل كان أعجوبة عصره.

قال في أعيان الشيعة : أصله من خراسان ، والصولي نسبة إلى جدّه صول ـ بضمّ الصاد المهملة ـ أو صول تكين وهو رجل تركي ، وقيل : إنّه منسوب إلى صور بعض ضياع جرجان ، وجدّه صول كان من ملوك جرجان ثمّ رأّس أولاده بعده في الكتبة وتقلّد الأعمال السلطانيّة.

وقال غير واحد من المؤرّخين : كان صول وأخوه فيروز ملكي جرجان وتمجّسا وتشبها بالفرس ، فلمّا حصر يزيد بن المهلّب جرجان وفتحها أمنهما فأسلم صول على يده فهو من موالي يزيد بن المهلّب ولم يزل معه حتّى قتل يزيد بن المهلّب

٣٤٥

وقتل معه صول ، وولده محمّد بن صول صار من رجال الدولة العبّاسيّة ودعاتها ، ويكنى أبا عمارة ، قتله عبد الله بن عليّ عمّ أبي جعفر المنصور.

وكان إبراهيم بن العبّاس الصولي كاتبا حاذقا بليغا فصيحا منشئا مفلقا من فحول الشعراء ، وكان من أبلغ الناس في الكتابة حتّى صار كلامه مثلا.

قال ابن النديم : أبو إسحاق إبراهيم بن العبّاس بن محمّد الصولي الكاتب ، أحد البلغاء والشعراء الفصحاء ، وكان إليه ديوان الرسائل في مدّة جماعة من الخلفاء ، وكان ظريفا نبيلا.

قال أبو تمام : لو لا أنّ همّة إبراهيم سمت به إلى خدمة السلاطين لما ترك لشاعر خبزا يعني لجودة شعره.

قال أبو الفرج في الأغاني : كان إبراهيم وأخوه عبد الله من صنايع ذي الرياستين الفضل بن سهل ، اتصلا به فرفع منهما وتنقّل إبراهيم في الأعمال الجليلة والدواوين إلى أن مات وهو يتقلّد ديوان الضياع والنفقات بسرّ من رأى.

وقال دعبل : لو تكسّب إبراهيم بالشعر لتركنا في غير شيء ، ثمّ أنشد له وكان يستحسن ذلك من قوله :

إنّ امرئ أضنّ بمعروفه

عنى لمبذول له عذري

ما أنا بالراغب في عرفه

إن كان لا يرغب في شكري

اجتمع الكتّاب عند احمد بن إسرائيل فتذاكروا الماضين من الكتّاب ، فأجمعوا أنّ أكتب من كان في دولة بني العبّاس أحمد بن يوسف وإبراهيم بن العبّاس ، وإنّ أشعر كتّاب دولتهم إبراهيم بن العبّاس ومحمّد بن عبد الملك بن الزيّات ؛ فإبراهيم أجودهما شعرا ومحمّد أكثرهما شعرا.

وقال الخطيب في تاريخ بغداد : كان الصولي من أشعر الكتّاب وأرقّهم لسانا وأسبرهم قولا ، وله ديوان شعر مشهور.

٣٤٦

قال ابن خلّكان : كلّه نخب وهو صغير ، وهو أنعت الناس للزمان وأهله غير مدافع.

تشيّعه :

عدّه ابن شهرآشوب في معالم العلماء من شعراء الشيعة ومادحي أهل البيت عليهم‌السلام.

وذكره صاحب نسمة السحر فيمن تشيّع وشعر.

وكان كاتبا في أيّام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكّل ، وكان شيعيّا يستعمل التقيّة في أيّام المتوكّل ، ويعدّ من شعراء أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، وله فيه مدائح أشهرها حين عهد له المأمون بالخلافة ، وله قصيدة رثى بها أبا عبد الله الحسين عليه‌السلام وأنشدها بين يدي الرضا عليه‌السلام ، ولم يذكر الاصبهاني إلّا مطلعها ، وهو :

أزالت عزاء القلب بعد التجلّد

مصارع أبناء النبيّ محمّد

فأجازه عنه الرضا عليه‌السلام بعشرة آلاف درهم ممّا ضرب باسمه.

وفي الأغاني أنّ الصولي دخل على الرضا عليه‌السلام لمّا عقد له المأمون وولّاه على العهد فأنشده : «أزالت عزاء القلب الخ» فهوهب له عشرة آلاف درهم من الدراهم التي ضربت باسمه فلم تزل عند إبراهيم ، وجعل منها مهور نسائه وخلّف بعضها لكفنه وجهازه إلى قبره.

وقال الصدوق رحمه‌الله في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : كان لإبراهيم الصولي مدائح كثيرة في الرضا عليه‌السلام أظهرها ثمّ اضطرّ إلى سترها وتتبعها وأخذها من كلّ مكان.

وقال : إنّ إبراهيم بن عبّاس ودعبل لمّا وصلا إلى الرضا وقد بويع له بولاية العهد ، أنشده دعبل :

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

٣٤٧

وأنشده إبراهيم بن العبّاس :

أزالت عزاء القلب بعد التجلّد

مصارع أولاد النبيّ محمّد

فوهب لهما عشرين ألف درهم من الدراهم التي عليها اسمه ؛ فأمّا دعبل فسار بالعشرة آلاف حصّته إلى قم فباع كلّ درهم بعشرة دراهم. وأمّا إبراهيم فلم تزل عنده بعد أن أهدى بعضها وفرّق بعضها على أهله إلى أن توفّي رحمه‌الله فكان كفنه وجهازه منها.

وقال الحسين بن إبراهيم الباقطاني : كان الصولي صديقا لإسحاق بن إبراهيم أخي زيدان الكاتب المعروف بالزمن ، فنسخ له شعره في الرضا عليه‌السلام وكانت النسخة عنده إلى أن ولي الصولي ديوان الضياع للمتوكّل وكان قد تباعد ما بينه وبين أخي زيدان ، فعزله عن ضياع كانت في يده وطالبه بمال وشدّد عليه فدعا إسحاق بعض من يثق به وقال : امض إلى إبراهيم فأعلمه أنّ شعره في الرضا عليه‌السلام عندي بخطّه وغير خطّه ولئن لم يزل المطالبة عنّي لأوصلته إلى المتوكّل ، فصار إبراهيم برسالته فضاقت به الدنيا حتّى أسقط المطالبة وأخذ جميع ما عنده من شعره فأحرقه.

وكان لإبراهيم ابنان : الحسن والحسين ، ويكنيان بأبي محمّد وأبي عبد الله ، فلمّا ولي المتوكّل سمّى الأكبر إسحاق وكنّاه بأبي محمّد ، والآخر عبّاسا وكنّاه بأبي الفضل فزعا ، وله أخبار كثيرة في توقّيه ليس هذا موضع ذكرها.

قال الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : حدّثنا أحمد بن إسماعيل بن الخصيب قال : لمّا ولي الرضا عليه‌السلام العهد خرج إليه إبراهيم بن العبّاس ودعبل وأخوه رزين وكانوا لا يفترقون ، فقطعت عليهم الطريق فالتجأوا إلى أن يركبوا إلى بعض المنازل حميرا كانت تحمل الشوك ، فقال إبراهيم :

أعيضت بعد حمل الشو

ك أحمالا من الحرف

نشاوي لا من الخمر

ة بل من شدّة الضعف

٣٤٨

ثمّ قال لرزين : أجز ، فقال :

فلو كنتم على ذاكم

تصيرون إلى القصف

تساوت حالكم فيه

ولم تبقوا على الخسف

ثمّ قال لدعبل : أجز ، فقال :

إذا فات الذي فاتا

فكونوا من بني الظرف

وخفّوا نقصف اليوم

فإنّي بائع خفّي

ومن قصيدته في الرضا عليه‌السلام :

كفى بفعال امرئ عالم

على أهله عادلا شاهدا

أرى مالهم طارفا مونقا

ولا يشبه الطارف التالدا

يمنّ عليكم بأموالكم

وتعطون من مائة واحدا

فلا حمد الله مستبصر

يكون لأعدائكم حامدا

فضّلت قسيمك في قعدد

كما فضّل الولد الوالدا

قال الصولي : فنظرت في قوله : «فضّلت قسيمك» فوجدت الرضا عليه‌السلام والمأمون متساويين في تعدّد النسب وهاشم التاسع من آبائهما.

ولإبراهيم أقاصيص مع المتوكّل وأمرائه وكتّابه سنشير إليها في محلّه.

قال البحتري حين يذاكر جماعة من شعراء الشام بمعان من الشعر فمرّ عليها قلّه نوم العاشق وما قيل في ذلك ، فأنشدوا إنشادات ، فقال لهم : فرغ من هذا كاتب العراق إبراهيم بن العبّاس ، فقال :

أحسب النوم حكاكا

إذ رأى منك جفاكا

منّي الصبر ومنك ال

هجر فأبلغ بي مداكا

كذبت همّة عين

طمعت في أن تراكا

أوما حظّ لعين

أن ترى ما قد رآكا

٣٤٩

ليت حظّي منك أن

تعلم ما بي من هواكا

قيل له : إنّ فلانا يحبّ أن يكون لك وليّا ، فقال : أنا والله أحبّ أن يكون الناس جميعا إخواني ولكنّي لا آخذ منهم إلّا من أطيق قضاء حقّه وإلّا استحالوا أعداءا ، وما مثلهم إلّا كمثل النار قليلها مقنع وكثيرها محرق.

وكتب إبراهيم بن العبّاس كتاب فتح عجيبا أثنى على الله وحمده ثمّ قال : وقسّم الله الفاسق أقساما ثلاثة : روحا معجّلة إلى نار الله ، وجثّة منصوبة بفناء معقلة ، وهامة منقولة إلى دار خلافته.

ومن كلامه : ووجد أعداء الله زخرف باطلهم وتمويه كلبهم سرايا بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا ، وكوميض برق عرض فأسرع ولمع فأطمع حتّى انحسرت مغاربه ، وتشعّبت مولّية مذاهبه ، وأيقن راجيه وطالبه أن لا ملاذ ولا وزر ، ولا مورد ولا صدر ، ولا من الحرب مفرّ ، هنالك ظهرت عواقب الحقّ منجية ، وخواتم الباطل مردية ، سنّة الله فيما أزاله وأداله ، ولن تجد لسنّة الله تبديلا ، ولا عن قضائه تحويلا.

ومن شعره :

حتّى متى أنا في حزن وفي غصص

إذا تجدّد حزن هوّن الماضي

وقد غضبت فما باليتم غضبي

حتّى رجعت بقلب ساخط راضي

وله :

دنت بأناس عن تناء زيارة

وشط بليلي عن دنوّ مزارها

وإنّ مقيمات بمنعرج اللوا

لا قرب من ليلى وهاتيك دارها

ومنه :

ونبّئت ليلى أرسلت بشفاعة

إليّ فهلّا نفس ليلى شفيعها

أأكرم من ليلى عليّ فتبتغي

به ألجاه أم كنت امرءا لا أطيعها

٣٥٠

وله :

يا من حنيني إليه

ومن فؤادي لديه

من غاب غيرك منهم

فآذنه في يديه

وله :

خلّ النفاق لأهله

وعليك فالتمس الطريقا

وارغب بنفسك أن ترى

إلّا عدوّا أو صديقا

وله :

سحور محاجر الحدقة

مليح والذي خلقه

سواء في رعايته

مجانبه ومن عشقه

يعني في محياته

رياض محاسن أنقه

فيا قمرا أضاء لنا

بلئالئ نوره أفقه

وله :

وعلّمتني كيف الهوى وجهلته

وعلّمكم صبري على ظلمكم ظلمي

وأعلم مالي عندكم فيردّني

هواي إلى جهلي فأرجع عن علمي

وله في قصر الليل :

وليلة من الليالي الزهر

قابلت فيها بدرها ببدر

لم تك غير شفق وفجر

حتّى تولّت وهي بكر الدهر

أقول : يعلم من هذا البيت إنّه كان للمتوكّل قصر في سامرّاء سمّاه قصر الليل فاتنا ذكره في الجزء الأوّل في عداد القصور.

وله :

ابتدأ بالتجنّي

وقضاؤه بالتظنّي

واشتفاء بتجني

ك لأعدائك منّي

٣٥١

بأبي قل لي كي

أعلم لم أعرضت عنّي

قد تمنّى ذاك أعدائي

فقد نالوا التمنّي

وله أيضا :

إذا المرء أثرى ثمّ ضنّ برفده

فدعه صريع اللوم تحت القوائم

وبعض انتقام المرء يزري بعرضه

وإن لم يقع إلّا بأهل الجرائم

وما كلّ أهل الوزر يجزى بوزره

ألا إنّما تجزي فروض المكارم

وذكر ذنوب الوغد يرفع قدره

وإن عبثت أطرافه بالمظالم

وله :

لا خير في صحبة خوّان

يأتي من الغدر بألوان

ولعنة الله على صاحب

له لسانان ووجهان

وله :

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها

إلّا التي كان قبل الموت يبنيها

فإن بناها بخير فاز ساكنها

وإن بناها بشرّ خاب بانيها

ثمّ اعلم أنّ الصولي قد يطلق على أبي بكر محمّد بن يحيى بن عبد الله بن عبّاس بن محمّد بن صول تكين الكاتب المعروف وهو المعروف بالصولي الشطرنجي ، كان أحد الأدباء الفضلاء المشاهير ، ذكره القمّي رحمه‌الله في الكنى والألقاب ، روى عن أبي داود السجستاني وثعلب والمبرّد وأبي العيناء ، وروى عنه الدارقطني والمرزباني. والصولي المطلق ينصرف إلى هذا ، وإبراهيم بن العبّاس عمّ والد أبي بكر المذكور.

وكان لأبي بكر الصولي تصانيف منها : كتاب الوزراء ، وأخبار ابن هرمة ، وأخبار السيّد الحميري ، وأخبار جماعة من الشعراء ، وأدب الكتّاب.

وكان ينادم الخلفاء ، وكان أوحد وقته في لعب الشطرنج ، لم يكن في عصره مثله في معرفته حتّى يضرب به المثل في ذلك.

٣٥٢

قال الخطيب البغدادي في حقّه : كان واسع الرواية ، حسن الحفظ للآداب ، حاذقا بتصنيف الكتب ، ووضع الأشياء منها ، ونادم عدّة الخلفاء وصنّف أخبارهم وسيرهم ، وجمع أشعارهم ، ودوّن أخبار من تقدّم من الشعراء والوزراء والكتّاب والرؤساء ، وكان حسن الاعتقاد ، جميل الطريقة ، مقبول القول. وقال : وله شعر كثير في المدح والغزل ، وذكر من شعره قوله :

جبت من أجله من كان يشبهه

وكلّ شيء من المعشوق معشوق

حتّى حكيت بجسمي ما بمقلته

كأنّ سقي من جفنيه مسروق

وحكي عن الصولي أنّه قال : إنّ رجلا من الكتّاب ادّعى هذين البيتين فعاتبته ، فقال : هبهما لي ، فقلت له : أخاف أن تمتحن بقولك مثلهما فلا تحسن ، فقال : قلت أنت ، فعملت بحضرته :

إذا شكوت هواه قال ما صدقا

وشاهد الدمع في خدّي قد نطقا

ونار قلبي في الأحشاء ملهبة

لو لا تشاغلها بالجسم لاحترقا

يا رافد العين لا تدري بما لقيت

عين تكابد فيك الدمع والأرقا

يكاد شخصي يخفي من ضنى جسدي

كأنّ سقمي من عينيك قد سرقا

فحلف أن لا يدّعي البيتين أبدا.

ثمّ روى الخطيب عن محمّد بن العبّاس الخزّاز قال : حضرت الصولي وقد روى حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من صام رمضان وأتبعه ستّا من شوّال» فقال : فأتبعه شيئا من شوّال ، فقلت : أيّها الشيخ ، اجعل النقطتين تحت الياء فوقها فلم يعلم ما قصدت ، فقلت : إنّما هو ستّا من شوّال ، فرواه على الصواب.

وقال الأزهري : سمعت أبا بكر بن شاذان يقول : رأيت للصولي بيتا عظيما مملوء بالكتب وهي مصفوفة وجلودها مختلفة الألوان ، كلّ صفّ من الكتب لون ؛ فصفّ أحمر وصفّ آخر أخضر وآخر أصفر وغير ذلك ، وكان يقول : هذه الكتب كلّها

٣٥٣

سماعي ، ثمّ روى أنّه أشند أبو سعيد العقلي لنفسه في الصولي :

إنّما الصوليّ شيخ

أعلم الناس خزانه

فإذا تسأله مشكلة

طالبا منه أبانه

قال يا غلمان هاتوا

رزمة العلم فلانه

مات بالبصرة سنة ٣٣٥ أو ستّ وثلاثين وثلاثمائة.

واضع الشطرنج :

قال في الروضات في ترجمة الصولي الشطرنجي : إنّ أوّل من وضع الشطرنج هو صصته ـ على وزن قصّة ـ ابن داهر الهندي ، وضعه واسم الملك الذي وضعه له هو شهرام ـ بكسر الشين ـ كما أنّ أردشير بن بابك أوّل ملوك الساسانيّة وضع النرد ، ولذا قيل له النردشير ، وجعله مثالا لدار الدنيا وأهلها ، فرتّب ارقعة اثني عشر بيتا بعدد شهور السنة وجعل القطع ثلاثين قطعة بعدد أيّام كلّ شهر ، وجعل الفصوص مثل القدر ونقلته بأهل الدنيا ، فافتخرت الفرس بوضع النرد فوضع صصة المذكور لملك الهند شهرام الشطرنج فقضت حكماء ذلك العصر بترجيحه على النرد لأمور يطول شرحها.

فلمّا عرضه على الملك شهران أعجبه وفرح به كثيرا فقال لصصة : اقترح عليّ ما تشتهي ، فقال : اقترحت أن تضع حبّة قمح في البيت الأوّل ولا تزال تضعفها حتّى تنتهي إلى آخرها ، فمهما بلغت تعطيني ، فاستصغر الملك ذلك وأنكر عليه لكونه قابله بالنزر اليسير وقد كان أضمر له شيئا كثيرا ، فقال : ما أريد إلّا هذا ، فراوده فيه وهو مصرّ عليه ، فأجابه إلى مطلوبه وتقدّم له به ، فلمّا قيل لأرباب الديوان حسبوه فقالوا : ما عندنا قمح يفي بهذا ولا بما يقاربه ، فلمّا قيل للملك استنكر هذه

٣٥٤

المقالة وأحضر أرباب الديوان وسألهم ، فقالوا : لو جمع كلّ قمح في الدنيا ما بلغ هذا المقدار ، فطالبهم بإقامة البرهان على ذلك فقعدوا وحسبوه ، فظهر لهم صدق ذلك ، فقال الملك لصصة : أنت في اقتراحك ما اقترحت أعجب حالا من وضعك الشطرنج.

أقول : وسائر من توفّي في سامرّاء القديمة من العلماء والأدباء وغيرهما سيأتي ذكرهم في الأجزاء الآتية إن شاء الله.

٣٥٥

المدفونون حول الحضرة المقدّسة من العلماء

وهم الذين كانت وفاتهم في القرن الرابع عشر ، وأمّا الذين دفنوا حول الحضرة المقدّسة قديما نحو الحسين بن عليّ الهادي عليهما‌السلام وأخوه جعفر وأبو هاشم الجعفري والسيّدة الجليلة حكيمة بنت الجواد والجهة العليا نرجس أمّ القائم عجّل الله فرجه وعدّة من أمراء الدنابلة فقد تقدّم ذكرهم في الجزء الأوّل من الكتاب ؛ فارجع إليه.

الأوّل منهم : العلّامة الفقيه الآقا رضا الهمداني قدس‌سره

رأيت ترجمته على ظهر كتاب مصباح الفقيه بهذه الصورة : هو الشيخ الفقيه النبيه العالم العليم والبحر الخضم ، قدوة الأعلام وحسنة الأيّام ، آية الله في العالمين ، والثقة الأمين على الدنيا والدين ، ذو الفكرة السليمة والطريقة المستقيمة ، إمام عصره وغرّة جبين دهره ، التقيّ النقيّ الورع الزاهد الأبي شيخنا ومولانا ومقتدانا العالم الربّاني الحاج آقا رضا الهمداني ، نجل الشيخ العالم الفقيه المولى آقا هادي طيّب الله تربته.

مولده وموطنه :

ولد قدّس الله سرّه في همدان ويوشك أن تكون ولادته سنة ١٢٥٠ أو بعده بنيّف من السنين ، وذلك بمقتضى ما ذكره بعض أهل العم من أنّه قد انتقل إلى دار

٣٥٦

الرضوان ولم يبلغ السبعين من العمر ، وقد هاجر من همذان إلى النجف الأشرف ، وكان من ذوي الفضل والتحصيل ، فحضر على شيخ العلماء المتأخّرين العلّامة الشيخ المرتضى الأنصاري أعلى الله مقامه وعلى غيره ممّن عاصره وحضر بعده على الأستاذ الاعظم السيّد العلّامة الحسن الشيرازي في النجف الأشرف وهاجر إليه لمّا انتقل إلى سامرّاء فحضر عنده مدّة من الزمان وكان من أفاضل تلامذته وقد استقلّ في زمانه بالتدريس والتصنيف واجتمع حوله من التلامذة المبرّزين والعلماء البارعين الكثير ، وكان جلّهم من فضلاء العرب كسيّدنا الشريف المجاهد ، شهير العراق ونابغة عصره السيّد محمّد سعيد الحبّوبي والعلّامة الشيخ مشكور الحولاوي والعلّامة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء وابن عمّه العلّامة الشيخ مرتضى ، والعلّامة الزاهد التقي الحاج الشيخ علي القمّي النجفي وغيرهم من الجهابذة الأعلام ، وكان بحثه لا يشتمل إلّا على أمثالهم من أهل العلم والتحصيل الذين أصبحوا بعده وفي زمانه من أكابر الفقهاء الإماميّة ومراجعها وجملة منهم من أعاظم عصرنا دامت بركاتهم.

زهده وعلمه وأخلاقه :

هو بغير شكّ في هذه الخلال الثلاث عذيقها المرجّب وجذيلها المحكّك ، لا يلحق شأوه ولا يشق غباره ، أستاذ ماهر ، وجهبذ باهر ، حسن السمت ، كثير الصمت ، مع زهد وورع وتقوى وصلاح.

حكى بعض أكابر الفقهاء الأتقياء قال : إنّي عاشرته زمنا طويلا ما رأيت منه زلّة ولا هفوة ، وما سمعته يوما يتكلّم في أمر من أمور الدنيا حتّى العاديات من القصص والحكايات والتواريخ والنوادر ، ولا يتكلّم إلّا بما يعنيه ، وكان دائم الاشتغال بالتدريس أو التصنيف ، مواظبا على التدريس والتأليف.

٣٥٧

كيفيّة تعيّشه :

إنّ من الغريب المدهش أن يستطيع مثله أن يبلغ هذا المبلغ وينال ما ناله من علوّ الدرجة في العلوم والمعارف وهو في تلك الحاجة والفاقة ، وربّما تمرّ عليه جملة أيّام وهو صابر مرتاض يحتسب في جنب الله كلّ عناء راجيا منه تعالى أن يناله رضوانه الأكبر ، فهو يعاني مشقّتين ويكافح عنائين ، وهذا مفخر ماجد ، وشرف عال صاعد يمتاز به نوع المشتغلين في العلوم الدينيّة من الفرق الإماميّة فإنّهم يعيشون بلا رواتب تكفل معيشتهم ولا مخصّصات تقوم بواجباتهم ، وقد أستمرّت هذه الأحوال الصعبة على شيخنا وأستاذ أساتيدنا المترجم رضوان الله عليه حتّى أواخر أيّامه ، وقد استحكمت في أعماق نفسه المقدّسة ملكات التقوى والورع والعفاف وغرائز الزهد والخشية والإباء ، ولمّا ألقت إليه الأمور بأزمّتها وانقادت بنواصيها أبى مشبهاتها ، واحتاط من مشكلاتها ، وقنع بما آتاه الله من فضله ، والله ذو فضل عظيم.

مرجعيّته في التقليد :

نبغ رحمه‌الله في زمانه جملة من فطاحل علماء الإماميّة ، وكان من بينهم قدوة الصالحين ومتبوع المتبصّرين ، وكان يحرج من الفتيا ويتجافى عن التقليد ، ومع ذلك فقد قلّده كثير من الخواصّ العارفين معتقدين أعلميّته إلّا أنّه لم تطل أيّامه حتّى فاز إلى رحمة الله تعالى.

حلف الزمان ليأتينّ بمثله

حنثت يمينك يا زمان فكفّر

مؤلّفاته برز منه شرح الشرايع الذي سمّاه مصباح الفقيه اسما طابق المسمّى ، وقد تمّ منه كتاب الصلاة طبع في النجف الأشرف سنة ١٣٤٧.

٣٥٨

وكتاب الطهارة طبع في بلدة طهران من ايران.

وكتاب الصوم.

وكتاب الخمس ، وبرز منه أكثر.

كتاب الزكاة.

وكتاب الرهن وهو كتاب جليل مشحون بالتحقيقات والتدقيقات التي لم يسبقه إليها سابق ، ولم يزل ممّا يتنافس في اقتنائه واستنساخه المتنافسون ، ولا يستغني عنه المدرّسون المحقّقون.

وله حاشية على رسائل الشيخ العلّامة الأنصاري قد طبعت في ايران سنة ١٣١٨.

وله كتاب البيع من تقريرات سيّدنا العلّامة الشيرازي.

وحاشية على الرياض غير تامّة.

ورسالة مستقلّة في اللباس المشكوك فيه.

وله تقريرات ما حضره على الأستاذ السيّد الشيرازي.

وله أجوبة مسائل مختلفة لم تخرج إلى البياض.

وله رسالة عمليّة مسمّاة بوجيزة الأحكام.

وحواشي على نجاة العباد.

مرضه ووفاته :

ابتلي رحمه‌الله في آخر أيّام حياته بمرض السل ولم يجده العلاج فذهب إلى سامرّاء لتجديد العهد بزيارة الأئمّة الأمناء صلوات الله عليهم أجمعين ، وبقي في سامرّاء عدّة أشهر ، وهناك جرى عليه محتوم قضاء الله تعالى وذلك في صبيحة يوم الأحد الثامن والعشرين من شهر صفر سنة ١٣٢٢ ودفن في الرواق المطهّر بسامرّاء في الجهة

٣٥٩

الشرقيّة في الصفّة المحاذية للباب الشرقي للصحن الشريف تجاه قبر الطاهرة حكيمة خاتون في الصفة الأخير التي لها شبّاك على زاوية الصحن الشريف العسكري عليه‌السلام.

وقد تصدّى لترجمته قدّس الله نفسه جماعة من أكابر المتأخّرين كالعلّامة الفقيه الأوحد السيّد حسن الصدر في كتاب تكملة أمل الآمل ، والشيخ العلّامة الأوحد الشيخ علي آل كاشف الغطاء في الحصون المنيعة ، والفاضل الكامل النحرير الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتاب الذريعة في تصانيف الشيعة ، والشيخ عبد العزيز الجواهري في آثار الشيعة.

أقول : وذكرت ترجمته في كتاب مآثر الآثار ، وترجمه شيخنا الأستاذ الشيخ آقا بزرك في كتاب نقباء البشر في القرن الرابع عشر ، وعدّه من أعلم علماء عصره وأفقه فقهاء زمانه وأشهر المحقّقين من بين أقرانه وأعرفهم بدقائق الأحكام ومبانيه المخالف لهواه في جميع أفعاله وأقواله.

وقال دام وجوده : خرج من مجلس بحثه عدّة من الأعلام ثمّ عدّ منهم صهره الشيخ علي الهمداني ، والشيخ علي من آل الجواهر والعلّامة السيّد محسن العاملي صاحب أعيان الشيعة ، والشيخ عبد الحسين ابن الشيخ محمّد تقي آل الشيخ أسد الله ، والعلّامة الشيخ جعفر آل الشيخ راضي ، والعلّامة الشيخ أبو القاسم القمّي ابن المولى محمّد تقي ، والعلّامة الشيخ محمّد تقي الطهراني ، والعلّامة الشيخ محمّد حسن كبّه ، وسيّدنا أبا محمّد السيّد حسن الصدر وغيرهم ، وكان قدس‌سره يكتب كلّ ليلة مقدارا من كتابه مصباح الفقيه ثمّ يمليه على تلاميذه الفضلاء في مجلس البحث فإذا انتقدوه وإلّا يبقيه على حاله ، فأخذ بذلك أهمّيّة تامّة مطبوعا عند الفقهاء يتنافسون في اقتنائه.

وذكره العلّامة السماوي في وشايح السرّاء حين تعداده المدفونين بسامرّاء بقوله :

٣٦٠