مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٢

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-503-037-4
ISBN الدورة:
964-503-039-0

الصفحات: ٣٧٢

حبس جعفر مع الإمام أبي محمّد عليه‌السلام

روى الشيخ الطوسي رحمه‌الله في الغيبة عن سعد بن عبد الله قال : حدّثني جماعة منهم أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري والقاسم بن محمّد العبّاسيّ ومحمّد بن عبد الله ومحمّد بن إبراهيم العمري وغيرهم ممّن كان حبس بسبب قتل عبد الله بن محمّد العبّاسي أنّ أبا محمّد وأخاه جعفر أدخلا عليهم ليلا ، قالوا : كنّا ليلة من الليالي جلوسا نتحدّث إذ سمعنا حركة باب السجن فراعنا ذلك ، وكان أبو هاشم عليلا ، فقال لبعضنا : اطّلع وانظر ما ترى ، فطلع إلى موضع الباب فإذا الباب فتح فإذا هو برجلين قد أدخلا إلى السجن وردّ الباب وأقفل.

قال : فدنا منهما وقال : من أنتما؟ فقال أحدهما : أنا الحسن بن عليّ ، وهذا جعفر ابن عليّ ، فقال لهما : جعلني الله فداكما إن رأيتما أن تدخلا البيت ، فدخلا فسلّمنا عليهما ، فلمّا نظر إليهما أبو هاشم قام من مضربة كانت تحته فقبّل وجه أبي محمّد وأجلسه عليها ، فجلس جعفر قريبا منه ، فقال جعفر : وا شيطناه! بأعلى صوته يعني جارية له ، فزجره أبو محمّد وقال له : أسكت فإنّهم رأوا فيه آثار السكر وإنّ النوم غلبه وهو جالس معهم ، فنام على تلك الحال.

مقالة الخاقاني في حقّ جعفر

روى العلّامة المجلسي في المجلّد الثاني عشر من البحار في خبر طويل يأتي في محلّه ، قال أهل المجلس من الأشعريّين لأحمد بن عبيد الله بن خاقان : يا أبا بكر ، فما حال أخيه جعفر؟ فقال : ومن جعفر فيسئل عن خبره ويقرن به؟ إنّ جعفرا معلن بالفسق ماجن شرّيب للخمور ، أقلّ من رأيت من الرجال وأهتكهم لستر نفسه ، فدم عن الكلام (أي عيّ) في ثقل ورخاوة وقلّة فهم ، خمّار جبّار غليظ في نفسه خفيف.

٢٨١

إلى أن قال : فلمّا توفّي أبو محمّد عليه‌السلام جاء جعفر إلى أبي بعد قسمة الميراث وقال له : اجعل لي مرتبة أبي وأخي أوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار ، فزبره أبي وأسمعه وقال له : يا أحمق ، إنّ السلطان أعزّه الله جرّد سيفه وسوطه في الذين زعموا أنّ أباك وأخاك أئمّة ليردّهم عن ذلك فلم يقدر عليه ولم يتهيّأ له ، صرفهم عن هذا القول فيهما وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيّأ له ذلك فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماما فلا حاجة بك إلى سلطان يرتّب لك مراتبهم ، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بسعي سلطان ، واستقلّه عند ذلك واستضعفه وأمر أن يحجب له ، فلم يأذن له بالدخول عليه حتّى مات أبي ، الخبر.

إطلاق جعفر عن الحبس

روى الشيخ الطوسي في الغيبة في ذيل رواية الحميري : وكان المعتمد يسأل من أخبار أبي محمّد حين حبسه وحبس جعفرا أخاه معه فيخبروه أنّه يصوم النهار ويصلّي الليل ، فسأل عنه يوما من الأيّام عن خبره ، فأخبره بمثل ذلك ، فقال له : امض الساعة إليه واقرأه منّي السلام وقل له : أنصرف إلى منزلك مصاحبا.

قال عليّ بن جرير ـ أو جرين ـ : فجئت إلى باب الحبس فوجدت حمارا مسرجا ، فدخلت عليه فوجدته جالسا وقد لبس خفّه وطيلسانه ، فلمّا رآني نهض فأدّيت الرسالة ، فركب ، فلمّا استوى على الحمار وقف ، فقلت له : ما وقوفك يا سيّدي؟ فقال لي : حتّى يجيء جعفر ، فقلت : إنّما أمرني بإطلاقك دونه ، فقال له : ترجع إليه فتقول له : خرجنا من دار واحدة جميعا فإذا رجعت وليس هو معي كان في ذلك ما لاخفاء به عليك ، فمضى وعاد فقال له : يقول لك : قد أطلقت جعفرا لك لأنّي حبسته بجنايته على نفسه وعليك وما يتكلّم به ، فخلّى سبيله فصار معه إلى داره.

٢٨٢

منع الحجّة عليه‌السلام جعفرا عن الصلاة على أبيه

روى الصدوق في الإكمال بإسناده عن أبي الحسن عليّ بن محمّد بن حباب ، حدّثنا أبو الأديان قال : كنت أخدم الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا عليهم‌السلام وأحمل كتبه إلى الأمصار ، فدخلت إليه في علّته التي توفّي فيها صلوات الله عليه ، فكتب معي كتبا وقال : تمضي بها إلى المدائن فإنّك ستغيب خمسة عشر يوما فتدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل.

قال أبو الأديان : فقلت : يا سيّدي ، إذا كان ذلك فمن؟

قال : من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي.

فقلت : زدني.

فقال : من يصلّي عليّ فهو القائم بعدي.

فقلت : زدني.

فقال : من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي.

ثمّ منعتني هيبته أن أسأله ما الهميان ، وخرجت بالكتب إلى المداين وأخذت جواباتها ودخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي عليه‌السلام ، فإذا أنا بالواعية في داره ، وإذا أنا بجعفر بن عليّ أخيه بباب الدار والشيعة حوله يعزّونه ويهنّونه ، فقلت في نفسي : إن يكن هذا الإمام فقد حالت الإمامة لأنّي كنت أعرفه بشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور ، فتقدّمت فعزّيت وهنّيت فلم يسألني عن شيء ، ثمّ خرج عقيد فقال : يا سيّدي ، قد كفّن أخوك فقم للصلاة عليه ، فدخل جعفر بن عليّ والشيعة من حوله.

فلمّا صرنا بالدار إذا نحن بالحسن بن عليّ عليهما‌السلام على نعشه مكفّنا ، فتقدّم جعفر بن عليّ ليصلّي على أخيه ، فلمّا همّ بالتكبير خرج صبيّ بوجهه سمرة ، بشعره قطط ،

٢٨٣

بأسنانه تفليج ، فجذب رداء جعفر بن عليّ وقال : تأخّر يا عمّ فأنا أحقّ بالصلاة على أبي ، فتأخّر جعفر وقد تغيّر وجهه ، فتقدّم الصبي فصلّى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه ، ثمّ قال : يا بصري ، هات جوابات الكتب التي معك ، فدفعتها إليه وقلت في نفسي : هذه اثنتان ، بقي الهميان.

ثمّ خرجت إلى جعفر بن عليّ وهو يزفر ، فقال له حاجز الوشّا : يا سيّدي ، من الصبي ليقيم عليه الحجّة؟ فقال : والله ما رأيته ولا عرفته ، فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن عليّ فعرفوا موته ، فقالوا : فمن؟ فأشار الناس إلى جعفر ابن عليّ ، فسلّموا عليه وعزّوه وهنّوه ، وقالوا : معنا كتب ومال ، فتقول ممّن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول : يريدون منّا أن نعلم الغيب.

قال : فخرج الخادم فقال : معكم كتب فلان بن فلان ، هميان فيه ألف دينار ؛ عشرة دنانير منها مطلية ، فدفعوا الكتب والمال وقالوا : الذي وجّه بك لأجل ذلك هو الإمام ، فدخل جعفر بن عليّ على المعتمد وكشف له ذلك ، فوجّه المعتمد خدمه فقبضوا على صيقل الجارية وطالبوها بالصبي فأنكرته وادّعت حملا بها لتغطّي على حال الصبي ، فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي ، فوقع موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان بغتة وخرج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم ، والحمد لله ربّ العالمين لا شريك له.

ما ذكره المفيد رحمه‌الله في حقّ جعفر

قال المفيد في الإرشاد : وتولّى أخوه جعفر أخذ تركة أبي محمّد عليه‌السلام ، وسعى في حبس جواري أبي محمّد عليه‌السلام ، واعتقال حلائله ، وشنّع على أصحابه بانتظارهم ولده وقطعهم بوجوده والقول بإمامته ، وأغرى بالقول حتّى أخافهم وشدّدهم

٢٨٤

وجرى على مخلّفي أبي محمّد الحسن بسبب ذلك كلّ عظيمة من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل ، وحاز جعفر تركة أبي محمّد واجتهد في القيام على الشيعة مقامه فلم يقبل أحد منهم ذلك ولا اعتقدوه فيه ، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس رتبة أخيه ، وبذل مالا جليلا ، وتقرّب بكلّ ما ظنّ أنّه يتقرّب به فلم ينتفع بشيء من ذلك.

منع الحجّة عليه‌السلام عن الرجوع إلى جعفر

روى القطب الراوندي في الخرايج عن أحمد بن أبي روح قال : وجّهت إليّ امرأة من أهل دينور فأتيتها ، فقالت : يابن أبي روح ، أنت أوثق من في ناحيتنا دينا وورعا ، وإنّي أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤدّيها وتقوم بها.

فقلت لها : أفعل إن شاء الله تعالى.

فقالت : هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحلّه ولا تنظر فيه حتّى تؤدّيه إلى من يخبرك بما فيه ، وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير وفيه ثلاث حبّات لؤلؤ تساوي عشرة دنانير ، ولي عند صاحب الزمان حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها.

فقلت : وما الحاجة؟

قالت : عشرة دنانير استقرضتها أمّي في عرسي لا أدري ممّن استقرضتها ولا أدري إلى من أدعها ، فإن أخبرك بها فادفعها إلى من يأمرك بها.

قال : وكيف أقول لجعفر بن عليّ ـ يعني إذا طلب منّي جعفر الكذّاب المال كيف أقوله له؟ ـ.

قالت الأمرأة : امتحنه.

٢٨٥

فقلت : هذه المحنة بيني وبين جعفر بن عليّ. فحملت المال فخرجت حتّى دخلت بغداد فأتيت حاجز بن يزيد الوشّا وسلّمت عليه وجلست ، قال : ألك حاجة؟ قلت : هذا مال دفع إليّ لا أدفعه إليك حتّى تخبرني كم هو ومن دفعه إليّ فإن أخبرتني دفعته إليك. قال : لم أؤمر بأخذه وهذه رقعة جائتني في أمرك وإذا فيها : لا تقبل من أحمد بن أبي روح ، فوجّه به إلى سرّ من رأى. فقلت : لا إله إلّا الله ، هذا الذي أردت.

فخرجت ووافيت سرّ من رأى ، فقلت : أبدا بجعفر ، ثمّ تفكّرت وقلت : أبدأ بهم فإن كانت المحنة من عندهم وإلّا مضيت إلى جعفر ، فدنوت من دار أبي محمّد عليه‌السلام فخرج إليّ خادم ، فقال : أنت أحمد بن أبي روح؟ قلت : نعم ، قال : هذه الرقعة اقرأها ، فقرأتها ، فإذا فيها :

بسم الله الرحمن الرحيم ، يابن أبي روح ، أودعتك عاتكة بنت الديراني كيسا فيه ألف درهم بزعمك وهو خلاف ما تظنّ ، وقد أدّيت فيه الأمانة ولم تفتح الكيس ، ولم تدر فيه ما فيه ، وفيه ألف درهم وخمسون دينارا صحاحا ، ومعك قرط زعمت المرأة أنّه يساوي عشرة دنانير ، صدقت ، مع الفصّين اللذين فيه ، وفيه ثلاث حبّات لؤلؤ شرائها عشرة دنانير وهي تساوي أكثر ، فادفع ذلك إلى خادمتنا فلانة فإنّا قد وهبناه لها ، وصر إلى بغداد وادفع المال إلى حاجز وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك. وأمّا العشرة دنانير التي زعمت أنّ أمّها استقرضتها في عرسها وهي لا تدري من صاحبها ، بل هي تعلم لمن هي ، هي لكلثم بنت أحمد وهي ناصبيّة فتحرّجت أن تعطيها وأحبّت أن تقسمها في إخوانها المؤمنين فاستأذنتها في ذلك فلتفرّقها في ضعفاء أخواتها ولا تعودنّ يابن أبي روح إلى القول بجعفر والمحنة له ، وارجع إلى منزلك فإنّ عدوّك قد مات ، وقد رزقك الله أهله وماله.

٢٨٦

قال : فرجعت إلى بغداد وناولت الكيس حاجزا فوزنه فإذا فيه ألف درهم وخمسون دينارا ، فناولني ثلاثين دينارا وقال : أمرت بدفعها إليك لنفقتك ، فأخذتها وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه ، وقد جائني من يخبرني أنّ عمّي قد مات وأهلي يأمرونني بالانصراف إليهم ، فرجعت فإذا هو قد مات وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم.

رواية ابن قولويه في جعفر

روى المفيد في الإرشاد عن ابن قولويه عن عليّ بن محمّد ، عن الحسن بن عيسى العريضي قال : لمّا مضى أبو محمّد الحسن العسكري عليه‌السلام ورد رجل من مصر بمال إلى مكّة لصاحب الأمر فاختلف عليه ، وقال بعض الناس : إنّ أبا محمّد مضى عن غير خلف ، وقال آخرون : الخلف من بعده جعفر ، وقال آخرون : الخلف من بعده ولده ، فبعث رجلا يكنى أبا طالب إلى العسكر يبحث عن الأمر وصحّته ومعه كتاب ، فصار الرجل إلى جعفر وسأله عن برهان ، فقال له جعفر : لا يتهيّأ لي في الوقت ، فصار الرجل إلى الباب وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا الموسومين بالسفارة ، فخرج إليه : آجرك الله في صاحبك فقد مات وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة يعمل فيه بما يحبّ ، وأجيب عن كتابه ، وكان الأمر كما قيل له.

رواية الشيخ في كتاب الغيبة

روى فيه بالإسناد عن بعض جلاوزة السواد قال : شهدت نسيما آنفا بسرّ من رأى وقد كسر باب الدار فخرج إليه وبيده طبرزين ، فقال : ما تصنع في داري؟ قال نسيم : إنّ جعفرا زعم أنّ أباك مضى ولا ولد له ، فإن كانت دارك فقد انصرفت عنك ، فخرج عن الدار.

٢٨٧

قال عليّ بن قيس : فقدم علينا غلام من خدّام الدار فسألته عن هذا الخبر ، فقال : من حدّثك بهذا؟ قلت : حدّثني بعض جلاوزة السواد ، فقال لي : لا يكاد يخفي على الناس شيء.

ما جرى بين وفد القمّيّين وبين جعفر

روى العلّامة المجلسي قدس‌سره في المجلّد الثالث عشر من البحار (١) عن أحمد بن الحسين ابن عبد الله ، عن زيد بن عبد الله البغدادي ، عن عليّ بن سنان الموصلي ، عن أبيه قال : لمّا قبض سيّدنا أبو محمّد الحسن العسكري عليه‌السلام وفد من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم ولم يكن عندهم خبر وفاته عليه‌السلام ، فلمّا أن وصلوا إلى سرّ من رأى سألوا عن سيّدنا أبي محمّد الحسن عليه‌السلام فقيل لهم : إنّه قد توفّي ، قالوا : فمن وارثه؟ قالوا : أخوه جعفر بن عليّ ، فسألوا عنه ، فقيل لهم : قد خرج متنزّها وركب زورقا في دجلة يشرب ومعه المغنّون.

قال : فتشاور القوم وقالوا : ليست هذه صفات الإمام ، وقال بعضهم لبعض : امضوا بنا نردّ هذه الأموال إلى أصحابنا. فقال أبو العبّاس أحمد بن جعفر الحميري القمّي : قفوا بنا حتّى ينصرف هذا الرجل ونختبر أمره على الصحّة.

قال : فلمّا انصرف دخلوا عليه فسلّموا عليه وقالوا : يا سيّدنا ، نحن قوم من أهل قم ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها ، كنّا نحمل إلى سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليّ الأموال. فقال : أين هي؟ قالوا : معنا. قال : احملوها إليّ. قالوا : إلّا أنّ لهذه الأموال خبرا طريفا. فقال : وما هو؟

قالوا : إنّ هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامّة الشيعة الدينار والديناران ،

__________________

(١) بحار الأنوار ١٣ : ١١٧ الطبعة القديمة.

٢٨٨

ثمّ يجعلونها في كيس ويختمون عليها ، وكنّا إذا وردنا بالمال قال سيّدنا أبو محمّد عليه‌السلام : جملة المال كذا ، وكذا دينارا من فلان كذا ، ومن فلان كذا حتّى يأتي على أسماء الناس كلّهم ، ويقول ما على الخواتيم من نقش.

فقال جعفر : كذبتم ، تقولون على أخي ما لم يفعله ، هذا علم الغيب.

قال : فلمّا سمع القوم كلام جعفر جعل ينظر بعضهم إلى بعض ، فقال لهم : احملوا هذا المال إليّ.

فقالوا : إنّا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب المال ولا نسلّم المال إلّا بالعلامات التي كنّا نعرفها من سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام فإن كنت الإمام فبرهن لنا وإلّا رددناها إلى أصحابها يرون فيها رأيهم.

قال : فدخل جعفر على الخليفة وكان بسرّ من رأى فاستعدى عليهم ، فلمّا حضروا قال الخليفة : احملوا هذا المال إلى جعفر ، قالوا : أصلح الله أمير المؤمنين إنّا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب هذه الأموال وهي لجماعة أمرونا أن لا نسلّمها إلّا بعلامة ودلالة ، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمّد الحسن بن عليّ. فقال الخليفة : وما الدلالة التي كانت لأبي محمّد؟ قال القوم : كان يصف الدنانير وأصحابها والأموال وكم هي ، فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه ، وقد وفدنا عليه مرارا وكانت هذه علامتنا منه ودلالتنا ، وقد مات ، فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيم لنا أخوه وإلّا رددناها إلى أصحابها.

فقال جعفر : يا أمير المؤمنين ، إنّ هؤلاء قوم كذّابون يكذبون على أخي وهذا علم الغيب.

فقال الخليفة : القوم رسل وما على الرسل إلّا البلاغ.

قال : فبهت جعفر ولم يحر جوابا ، فقال القوم : يتطوّل أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى من يبدرقنا حتّى نخرج من هذه البلدة.

٢٨٩

قال : فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها ، فلمّا أن خرجوا من البلد خرج عليهم غلام أحسن الناس وجها كأنّه خادم فنادى : يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان أجيبوا مولاكم. فقال : فقالوا : أنت مولانا؟ قال : معاذ الله ، أنا عبد مولاكم ، فسيروا إليه.

قالوا : فسرنا معه حتّى دخلنا دار مولانا الحسن بن عليّ عليه‌السلام فإذا ولده القائم قاعد على سرير كأنّه فلقة القمر ، عليه ثياب خضر ، فسلّمنا عليه فردّ علينا السلام ، ثمّ قال : جملة المال كذا وكذا دينارا ، حمل فلان كذا ، وفلان كذا ، ولم يزل يصف حتّى وصف الجميع ، ثمّ وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدوابّ ، فخررنا ساجدين لله عزوجل شكرا لما عرّفنا ، وقبّلنا الأرض بين يديه ، ثمّ سألناه عمّا أردناه فأجاب ، فحملنا إليه الأموال ، وأمرنا القائم أن لا نحمل إلى سرّ من رأى بعدها شيئا فإنّه ينصب لنا ببغداد رجلا نحمل إليه الأموال ، ويخرج من عنده التوقيعات.

قال : فانصرفنا من عنده ، ودفع إلى أبي العبّاس محمّد بن جعفر القمّي الحميري شيئا من الحنوط والكفن ، فقال له : أعظم الله أجرك في نفسك. قال : فما بلغ أبو العبّاس عقبة همدان حتّى توفّي ، وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلى بغداد إلى البوّاب المنصوبين ويخرج من عندهم التوقيعات.

قال الصدوق رحمه‌الله : هذا الخبر يدلّ على أنّ الخليفة كان يعرف هذا الأمر كيف هو وأين موضعه فلهذا كفّ عن القوم وعمّا معهم من الأموال ، ودفع جعفر الكذّاب عنهم ، ولم يأمرهم بتسليمها إليه إلّا أنّه كان يحبّ أن يخفي هذا الأمر ولا يظهر لئلّا يهتدي إليه الناس فيعرفونه ، وقد كان جعفر حمل إلى الخليفة عشرين ألف دينار لمّا توفّي أبو محمّد الحسن عليه‌السلام ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، تجعلني في مرتبة أخي ومنزلته؟ فقال الخليفة : اعلم أنّ منزلة أخيك لم تكن بنا ، إنّما كانت بالله عزوجل ،

٢٩٠

يأبى إلّا أن يزيده كلّ يوم رفعة بما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة ، فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا ، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما في أخيك لم تغن عنك في ذلك شيئا.

رواية القنبري في جعفر

روى الشيخ الطوسي في غيبته بالإسناد عن القنبري من ولد قنبر الكبير مولى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : جرى حديث جعفر فشتمه ، فقلت : فليس غيره فهل رأيته؟ قال : لم أره ولكن رآه غيري. قلت : ومن رآه؟ قال : رآه جعفر مرّتين.

ومثله رواه المفيد في الإرشاد.

وإنّ مراد القنبري بهذا القول أنّ جعفرا مع أنّه رأى الحجّة مرّتين أنكر وجوده وادّعى الإمامة وزعم أنّ هو الوارث ، بل رآه ثلاث مرّات ، مرّة عند الصلاة على أبي محمّد عليه‌السلام ، ومرّة عند ما نازع في الميراث كما تقدّم ذكره في المجلّد الأوّل ، وأيضا عند دفن أمّ أبي محمّد عليه‌السلام في الدار ، رواه الصدوق في الإكمال بإسناده عن محمّد بن قنبر الكبير.

أعقاب جعفر

قال العلّامة عمدة النسّابين السيّد جمال الملّة والدين أحمد بن عليّ الحسيني في كتابه عمدة الطالب : إنّ جعفرا الملقّب بالكذّاب أعقب من جماعة انتشر منهم عقب ستّة ما بين مقلّ ومكثر ، وهم : إسماعيل حريفا وطاهر ويحيى الصوفي وهارون وعليّ وإدريس.

فمن ولد إسماعيل بن جعفر الكذّاب ، ناصر بن إسماعيل المذكور ، وأخوه أبو البقا محمّد.

٢٩١

ومن ولد طاهر بن جعفر أبو الغنايم بن محمّد الدقّاق بن طاهر بن محمّد بن طاهر ابن جعفر الكذّاب ، وأبو يعلى محمّد الدلّال ابن أبي طالب حمزة بن محمّد.

ومن ولد يحيى الصوفي بن جعفر أبو الفتح أحمد بن محمّد بن المحسن بن يحيى الصوفي وهو النسّابة المعروف بابن المحسن الرضوي ، وله أخ اسمه علي ويكنى أبا القاسم ، كان فاضلا ديّنا ويحفظ القرآن ويرمى بالنصب ، أعقب بمصر.

ومن ولد هارون بن جعفر عليّ بن هارون ، وابناه الحسن والحسين ، أعقبا بصيدا من بلاد الشام.

ومن ولد عليّ بن جعفر الكذّاب محمّد نازوك بن عبد الله بن عليّ بن جعفر الكذّاب وبه يعرف ولده ، أعقب من جماعة منهم أبو القاسم عبد الله ويحيى وعليّ وعيسى ومحمّد ، يقال لأعقابهم : بنو نازوك بمقابر قريش.

ومن ولد إدريس بن جعفر الكذّاب القاسم ، وفي ولده العدد ، ويقال لهم : القواسم ، نسبتا إلى جدّهم القاسم بن إدريس بن جعفر ، وأعقب القاسم من جماعة : منهم : أبو العسّاف الحسين بن القاسم ، فمن ولده الجواشنة ولد جوشن بن أبي الماجد محمّد بن القاسم بن أبي العسّاف الحسين بن القاسم.

ومنهم : عليّ بن القاسم ، ومن ولده الفليتات ولد فليتة بن عليّ بن الحسين المذكور.

ومنهم : البدور ولد بدر بن قائد أخ فليتة بن عليّ بن الحسين.

ومنهم : عبد الرحمان بن القاسم ، من ولده ماجد بن عبد الرحمان ، يقال لولده المواجد وهم بطون كثيرة.

ومنهم : السيّد عزّ الدين يحيى بن شريف بن بشير بن ماجد بن عطيّة بن يعلى بن دويد بن ماجد المذكور وأولاده بالحلّة.

ومنهم : فخذ يقال لهم بنو كعيب ، بالمشهد الشريف الغروي ، هم ولد محمّد

٢٩٢

كعيب ابن عليّ بن الحسين بن راشد بن المفضّل بن دويد بن ماجد المذكور.

ومنهم : عيّاش بن القاسم ، وأبو الماجد محمود بن القاسم بن أبي العسّاف الحسين المذكور أعقبا.

وفي هامش عمدة الطالب : إنّ من أولاد هارون بن جعفر الكذّاب سادات أمروهه وهي قرية من مضافات دهلي ، وردها أولاد السيّد شرف الدين شاه ولايت ، وهو ابن السيّد علي بزرك وهو ابن السيّد مرتضى ، وهو ابن السيّد أبي المعالي ، وهو ابن السيّد أبو الفرج الصيداوي الواسطي ، وهو ابن السيّد داود ، وهو ابن السيّد حسين ، وهو ابن السيّد علي ، وهو ابن السيّد هارون بن جعفر الكذّاب.

وأيضا من أولاد السيّد هارون سادات كرديز المشهورون في الهند ، انتهى.

جملة من سادات النقويّة

الذين ينتهي نسبهم إلى جعفر الكذّاب

قال ملك الكتّاب في كتاب بحر الأنساب ما مضمونه : ومن جملة السادات النقويّة الذين ينتهي نسبهم إلى جعفر الكذّاب سادات بخارى وبعض بلاد الهند مثل ملتان ولاهور ودهلي ، وبعضهم قاطنون في بلوجستان ، ينتهي نسبهم إلى السيّد جلال الماضي بن الحسن بن السيّد عليّ بن جعفر بن السيّد محمّد ابن السيّد محمود بن السيّد أحمد بن السيّد عبد الله ابن السيّد علي الأشقر ابن جعفر الكذّاب.

وكان السيّد جلال الدين في العراق ثمّ ذهب إلى بخارى وأقام فيها مدّة ، وكان يصعب عليه الإقامة فيها لشدّة التقيّة وكثرة المحنة ، فلمّا ضاق عليه الأمر وخاف على نفسه رحل من بخارى إلى كابل ، فلمّا وصل إليها رأى أهلها مثل أهل بخارى ، وأظهر أنّه في مذهبهم ولأجل ذلك عظم شأنه فيهم وعلا قدره بينهم ، وكان ملك

٢٩٣

الهند يرى له قدرا ، وكان يرسل إليه الهدايا والتحف ، فلمّا طال الزمان وكثر الاختلاط والمصاحبة مع أبناء السنّة والهنود مال بعض أولاده إلى مذهب التسنّن ، ومن الذين بقي على تشيّع مذهب آبائه الطاهرين رجل يقال له السيّد راجو ابن السيّد حامد الحسيني البخاري الهندي ، وكان سيّدا فاضلا شجاعا حسن السيرة ، لين العريكة ، وكان صاحب كرامات ، وساعيا في إرشاد العباد ، وكان يلازم ملك همايون ملك الهند ، وذهب معه إلى بلدة دهلي ، وكان في أكثر الأحيان لا يعمل بالتقيّة حتّى قيل له : مالك لا تعمل بالتقيّة مع أنّها واجبة على مذهبك ويحقن بها دمك ولا ترى هذه المذلّة والأذى؟ قال : أخاف أن تكون تقيّتي سببا لخروج أولادي عن مذهب آبائي.

ومن جملة السادات النقويّة سادات مراد آباد الهند ، وهم أولاد السيّد شرف الدين شاه بن السيّد علي بن السيّد مرتضى بن أبي المعالي بن أبي الفرج الصيداوي الواسطي ابن داود بن الحسين بن عليّ بن هارون بن جعفر الكذّاب ابن الإمام عليّ النقي عليه‌السلام.

ومن جملة السادات النقويّة القاطنون في ملتان من بلاد الهند ، ينتهي نسبهم إلى هارون بن جعفر الكذّاب ، ويقال لهم سادات كرديز.

ومن جملة السادات النقويّة أيضا سادات بحرايج الذين ينتهي نسبهم إلى السيّد جلال الماضي الذي تقدّم ذكره آنفا ، ينتهي نسبه إلى عليّ الأشقر بن جعفر الكذّاب ، وهم قاطنون في دهلي من بلاد الهند.

ومنهم راجه سيّد من أولاد الحسين خان بن السيّد سردار علي بن السيّد سردار بهادر محمّد شاه بن أمير الدين بن قمر الدين بن شه سوار بن السيّد برهان ابن السيّد محمي الدين بن السيّد عبد الوهّاب بن السيّد محمّد شاه بن السيّد غلام حسين شاه بن السيّد أحمد بن السيّد دولت خان بن السيّد أحمد سجّاده نشين ،

٢٩٤

يعني كان يجلس على السجّادة ، ابن السيّد محمود بن السيّد نعمة الله بن إسحاق بن حيدر بن أحمد بن السيّد جلال البخاري بن السيّد المؤيّد بن جعفر بن محمّد أبي الفتح بن محمود بن أحمد ابن عبد النجاري بن علي الأشقر بن جعفر الكذّاب. وكان السيّد قمر الدين المذكور من رؤساء جند نادر شاه أفشار ، وسار معه إلى بلاد الهند وأقام بها إلى أن قضى بها نحبه.

ومن جملة السادات النقويّة أيضا سادات ديوكام ، ينتهي نسبهم إلى السيّد محمّد البغدادي ، وهو ينتهي إلى جعفر الكذّاب.

ومن جملة السادات النقويّة أيضا سادات بهنكر من بلاد الهند ، ينتهي نسبهم إلى السيّد بدر الدين محمّد بن السيّد صدر الدين محمّد الخطيب بن السيّد جلال الدين البخاري المذكور آنفا الذي ينتهي نسبه إلى عليّ الأشقر بن جعفر الكذّاب.

أقول : ويدّعي جمع كثير من أبناء سامرّاء أنّ نسبهم ينتهي إلى جعفر الكذّاب ، والله أعلم بالصواب.

ومنهم : مولانا أبو جعفر بن الإمام عليّ الهادي عليهما‌السلام

تقدّم في الجزء الأوّل أنّ أبا جعفر بن عليّ الهادي عليهما‌السلام المعروف بالسيّد محمّد ، مشهده يقع في شرق سامرّاء ، بينها وبين سامرّاء ثمانية فراسخ ، وهو بقرب قرية بلد يبعد عنها خمسة كيلو مترات ، وكانت وفاته في حدود الاثنين والخمسين بعد المأتين ؛ لأنّه عليه‌السلام توفّي قبل أبيه بسنة أو سنتين ، وكانت وفاة أبيه الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام في سنة ٢٥٤ ، وكان السيّد محمّد أكبر أولاد الإمام عليّ الهادي عليه‌السلام ، وإنّ الإمام أبا محمّد الحسن العسكري عليه‌السلام شقّ جيبه حزنا عليه حين توفّي.

٢٩٥

تعيين مشهده

ذكر المولى المحدّث القمّي في المفاتيح ما مضمونه : إنّ السيّد محمّد بن الإمام علي الهادي عليه‌السلام مدفون على تسعة فراسخ من سامرّاء بقرب بلد ومزاره مشهور هناك ومطاف للفريقين ، ويجبى إليه من النذور والهدايا ما لا يحصى كثرة لكثرة ظهور الكرامات وخوارق العادات منه ، وحسبك في جلالة شأنه صلاحيّته لمنصب الإمامة ، وكان أكبر أولاد الإمام عليّ الهادي ، انتهى.

وكتب العلّامة الخبير الميرزا حسين النوري قدس‌سره حول شبّاكه : هذا مرقد السيّد الجليل أبي جعفر محمّد بن الإمام عليّ الهادي عليهما‌السلام ، فلمّا توفّي نصّ أبوه على أخيه أبي محمّد الزكي عليه‌السلام وقال له : أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا ، خلّفه أبوه في المدينة طفلا وقدم إليه في سامرّاء مشتدّا ، ونهض إلى الرجوع ، ولمّا بلغ بلد على تسعة فراسخ من سامرّاء مرض وتوفّي ومشهده هناك ، فلمّا توفّي شقّ أبو محمّد عليه‌السلام جيبه وقال في جواب من عاتبه عليه : قد شقّ موسى على أخيه هارون عليه‌السلام. وكانت وفاته في حدود سنة ٢٥٢.

اشتباه بيّن والجواب عنه

قال أبو الحسن العمري النسّابة في المجدي : إنّ أبا جعفر السيّد محمّد أراد النهضة إلى الحجاز فسافر في حياة أبيه حتّى بلغ بلدا وهي قرية فوق الموصل بسبعة فراسخ فمات بالسواد فقبره هناك وعليه مشهد وقد زرته ، انتهى.

وهذا مردود بوجوه :

الأوّل : إنّ المشهد الذي في بلد الموصل هو مشهد عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام كما ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان في ترجمة بلد ،

٢٩٦

قال : بلد هي مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل ، بينهما سبعة فراسخ ، وبينها وبين نصيبين ثلاثة وعشرون فرسخا ، وربّما قيل بلط بالطاء ، وإنّما سمّيت بلد لأنّ الحوت ابتلعت يونس عليه‌السلام في نينوى مقابل الموصل وبلطته هناك ، وبها مشهد عمر بن عليّ بن حسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقد اشتبه المشهد المشار إليه بمشهد أبي جعفر محمّد ابن عليّ الهادي عليهما‌السلام وبلد موصل ببلد سامرّاء ، وكثيرا ما توجد أمثال هذه الاشتباهات في الأنساب والمقابر والتواريخ.

الثاني : إنّ النوبختي صرّح في كتاب الفرق والمذاهب (١) أنّ أبا جعفر السيّد محمّد ابن عليّ الهادي عليهما‌السلام توفّي في سامرّاء وحيث أنّ سامرّاء كانت عاصمة كبيرة كما عرفت في الجزء الأوّل ، فمن توفّي في أرجائها يقال إنّه توفّي فيها فلا يذهب عليك أنّه ينافي كونه مدفونا في بلد ، وقد عرفت أنّ سامرّاء طولها كان أزيد من ثمانية فراسخ.

الثالث : إنّ المتتبّع الخبير إذا أمعن النظر في المجدي علم أنّ الرجل كان كثير العثار والاشتباه وقد تعرّض لاشتباهاته العلّامة الأديب الميرزا محمّد بن علي الأردوبادي في بعض تأليفاته ، وقد قرأ عليّ جملة منها فعلى هذا يرتفع الوثوق عن متفرّداته البتّة.

وإن قلت : لم يكن متفرّدا في رأيه بل الحموي في معجم البلدان في ترجمة بلد قال : إنّ السيّد عبد الكريم بن طاوس قال : إنّ السيّد محمّد بن عليّ الهادي قبره هناك باتفاق.

قلت : هذا غلط فاحش لأنّ ياقوت الحموي باتفاق توفّي سنة ٦٢٦ كما صرّح بذلك في وفيات الأعيان وفي ترجمته في مقدّمة كتابه معجم البلدان ومعجم الأدباء ،

__________________

(١) الفرق والمذاهب : ٩٤.

٢٩٧

والسيّد الأجل عبد الكريم بن طاوس توفّي سنة ٦٩٣ ، وكان بين التاريخين سبع وستّون سنة ، وكانت ولادة السيّد عبد الكريم بن طاوس ٦٤٨ ، فعلى هذا توفّي الحموي قبل ولادة السيّد عبد الكريم بن طاوس باثنتين وعشرين سنة ، فأين كان الحموي حتّى يروي عنه؟ ولم نعرف من آل طاوس من يسمّى بهذا الاسم سواه ، وليست هذه أوّل قارورة كسرت في الإسلام ، فقد قال ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة لمّا نسبوا خطبة الشقشقيّة إلى السيّد الرضي رحمه‌الله : إنّي ظفرت على هذه الخطبة من قبل أن يولد والد السيّد الرضي رحمه‌الله.

الرابع : تصريح حبر الأمّة ونائب الأئمّة السيّد الكبير آية الله الشهير السيّد مهدي القزويني الذي هو صاحب الكرامات الباهرات ، وقد تشرّف بلقاء الحجّة مرّات وهو الذي أظهر مشهد الحمزة عليه‌السلام بقرب الحلّة وستسمع في محلّه نبذة من جلائل فضائله. وكيف كان إنّه صرّح في كتابه فلك النجاة الذي طبع مرّتين أنّ السيّد محمّد مدفون بقرب بلد في طريق سامرّاء.

الخامس : عناية الشيخ زين العابدين السلماسي المتقدّم ذكره بعمارة هذا المشهد الشريف كما صرّح بذلك العلّامة السيّد محسن العاملي في أعيان الشيعة في ترجمة ولده الأجل الميرزا إسماعيل ابن الشيخ زين العابدين السلماسي رحمه‌الله قال : وكان والده الشيخ زين العابدين السلماسي يجلب إلى مشهد السيّد محمّد الذي بطريق سامرّاء أعيان الزائرين من العجم والترك ويوفّر النعمة بسببهم مجاوري هذه البقعة ، وكان هو الآمر بإشادة العمارة حول هذا المرقد الشريف ، انتهى.

ولقد سمعت فيما تقدّم نبذة من جلائل فضائل السلماسي وتشرّفه بلقاء الحجّة عليه‌السلام وإنّه من أخصّاء السيّد الكبير بحر العلوم قدس‌سره الذي هو بحر العلوم كما لقّب بذلك ، فعمل الشيخ زين العابدين من عمارة مشهده وجلب الزائرين إلى زيارته

٢٩٨

ينبئ عن أنّ مشهده هناك لا غير ، لأنّ عمله بمحضر السيّد بحر العلوم وإمضائه كاف في إثبات الحقيقة.

السادس : ظهور المعاجز والكرامات من هذا المرقد المنيف بقرب بلد ، وقد ذكر السيّد الأجل السيّد عبد الكريم بن طاوس رحمه‌الله في كتابه فرحة الغري أنّ ظهور الكرامات والمعاجز من الروضة العلويّة بالغري دليل على أنّ مرقده الشريف هناك.

السابع : عناية جهابذة المجتهدين أساتذة الفقهاء والمحدّثين بزيارته وعمارة مشهده والفحص عن أحواله ، وكانوا قديما وحديثا يبحثون عن هذا المشهد ويزورونه من غير شكّ وارتياب ، ويحرّضون الناس على عمارة مقامه ، وقد زاره ماشيا من سامرّاء حبر الأمّة ونائب الأئمّة آية الله المجدّد الميرزا محمّد حسن الشيرازي طاب ثراه مع جمع من تلاميذه ولا شكّ أنّه قدس‌سره لو علم أنّ هذا المشهد لا أصل له لما زاره أبدا ولا من تأخّر عنه من العلماء مثل الإمام الشيرازي الميرزا محمّد تقي ، وخاتمة المحدّثين الميرزا حسين النوري وأمثالهم الذين يقتدي الناس بفعالهم ويقلّدونهم في دينهم.

ألا ترى إنّ في قرية دري على ستّة فراسخ من سامرّاء قبرا يزعم أهلها أنّه من أولاد موسى بن جعفر المعروف بمحمّد الدرّي ، ولا يزوروه أحد من أبناء الشيعة فضلا عن علمائها لكونه مجهول الحال حتّى أنّ بعض أبناء سامرّاء جعل يحرّض العلماء القاطنين بسامرّاء على زيارته ، وقال بعضهم : نحن نتكفّل مصارف الطريق ، ولم يكترث بقوله أحد ، وقد حقّقنا في الجزء الأوّل أنّه محمّد فروخان بن روزبه أبو طيب الدرّي ، وهو من أولاد العجم ليس بينه وبين موسى بن جعفر قرابة.

فثبت ممّا ذكرناه أنّ مقالة المجدي لا يجدي ، وليس له دليل تاريخيّ يرشدنا إلى صدق ما ادّعاه ونستطيع أن نقول إنّ بلد هذه بلد موصل أيضا فيندفع الإشكال

٢٩٩

بحذافيره ، وذلك لأنّ القاصد إذا خرج من بلد هذه وذهب إلى جهة الغرب وقطع سبعة فراسخ دخل في الجزيرة ، ويقال للجزيرة موصل أيضا كما صرّح بذلك الحموي في المعجم في ترجمة موصل ، قال : الموصلان الموصل والجزيرة.

وقال الزبيدي في تاج العروس : قال الشاعر :

وبصرة الأزد منّا والعراق لنا

والموصلان ومنّا المصر والحرم

قال : يريد الموصل والجزيرة ، فعلى هذا يوافق قول نسّابة العمري في المجدي ما ادّعيناه.

وممّا يؤيّد ما ذكرناه أنّ أبا جعفر السيّد محمّد عليه‌السلام لا يحتاج أن يدخل بلد الموصل إذا أراد الرواح من سامرّاء إلى المدينة ، أو منها إلى سامرّاء ، لأنّه منحرف عن طريق المدينة بخلاف بلد سامرّاء لأنّه عليه‌السلام كان يحتاج أن يدخلها مرارا ، والسبب في ذلك أنّ له هناك ضيعة كما أشار إلى ذلك الحموي في المعجم في ترجمة علث ، قال : علث ـ بفتح أوّله وسكون ثانيه وآخره ثاء مثلّثة ـ كانت قرية بين عكبرى وسامرّاء موقوفة على العلويّين كما تقدّم في الجزء الأوّل ، وتقدّم أيضا أنّ عكبرى من ناحية دجيل ، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ ، فصاحب المزرعة يحتاج طبعا أن يدخل في القرى المجاورة لها لشراء حوائجها.

وكيف كان ، لا يبقى شكّ بأنّ مولانا السيّد محمّد كان ذهابه وإيابه يحتاج إلى المرور بهذه دون بلد الموصل فمرض فيها وتوفّي ودفن في المكان الذي مشهده الآن.

ما روي في شأنه عليه‌السلام

منها : ما رواه الصفّار في بصائر الدرجات بالإسناد عن عليّ بن عبد الله بن مروان الأنباري قال : كنت حاضرا عند مضي أبي جعفر بن أبي الحسن العسكري عليه‌السلام فوضع له كرسيّ فجلس عليه وأبو محمّد الحسن قائم في ناحية ، فلمّا فرغ من أمر

٣٠٠