مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٢

الشيخ ذبيح الله المحلاتي

مآثر الكبراء في تأريخ سامرّاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ ذبيح الله المحلاتي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-503-037-4
ISBN الدورة:
964-503-039-0

الصفحات: ٣٧٢

في بعض الحجر الشرقيّة من الصحن الحسيني ، ترجمه العلّامة الحجّة الشيخ آقا بزرك صاحب الذريعة في كتابه نقباء البشر ، فقال : شيخنا العلّامة الأجل الأورع الأتقى حجّة الإسلام آية الله في الأنام الميرزا محمّد تقي ابن السيّد الصالح العارف الكامل الصفي الميرزا محبّ عليّ بن أبي الحسن الميرزا محمّد علي المتخلّص ب «كلشن».

ولد بشيراز ونشأ في الحائر الشريف حتّى كمل وبرع عند العلّامة محمّد حسين الشهير بالفاضل الأردكاني ، ثمّ اتصل بالإمام المجدّد الميرزا محمّد حسن الشيرازي وهاجر في أوائل المهاجرين مع صديقه وشريك بحثه العلّامة السيّد محمّد الفشاركي الأصبهاني إلى سامرّاء حتّى صار من أعاظم تلامذة الإمام المجدّد وأركان بحثه ، وكان يومئذ مدرّسا لجمع من أفاضل تلاميذ أستاذه ، وبعد وفاته تعيّن للزعامة الروحيّة فجاور بلد العسكريّين عليهما‌السلام قائما بوظائف الإفتاء وتربية العلماء ، فتخرّج من مجلس بحثه الشريف جملة كثيرة من المجتهدين العظام لدقّة نظره وفكره الصائب وغوره في المطالب الغامضة والمسائل المشكلة ، وكتب كثيرا من مباحث الأصول ، وله حاشية على مكاسب الشيخ المرتضى الأنصاري مطبوعة ، ورسالة في الخلل ، ورسالة في صلاة الجمعة ، وله أيضا شرح على المنظومة الرضاعيّة للسيّد صدر الدين العاملي ، وله القصائد البديعة في مدائح العترة الطاهرة ومراثيهم ، طبع جملة منها ، وأخوه الميرزا محمّد علي سمّي جدّه كان من أعاظم العلماء بشيراز ، وعمّه الحكيم القاآني الشاعر المفلق المشهور ، أوحد شعراء العالم بيته بيت علم وفضل وورع وتقوى.

قال العلّامة الحجّة السيّد حسن الصدر في التكملة : عاشرته منذ عشرين سنة فما رأيت منه زلّة ولا أنكرت منه خلّه وباحثته اثنتي عشرة سنة فما سمعت منه إلّا الأنظار الدقيقة والأفكار العميقة والتنبيهات الرشيقة.

١٠١

قال شيخنا في نقباء البشر : حضرت درسه ثمان سنين بسامرّاء وشاهدت حقيقة كلام سيّدنا بالسمع والعيان.

أقول : وقد تشرّفت بخدمته فوجدته مظهرا للحقيقة ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه ، ومع ذكاه المفرط وفكره الصائب وغوره في الفروع الفقهيّة كان يتحرّج عن الإفتاء ولا يتجاوز طريق الاحتياط حتّى أشكل الأمر على المقلّدين وجوّز لهم الرجوع إلى الغير في احتياطاته ، وكان كثير العناية بشأن سامرّاء لم يخرج منها إلّا في سنة الاحتلال وتشرّف إلى النجف الأشرف ، وكان يوم وروده يوما مشهودا ، وكنت في المستقبلين له ثمّ رجع إلى كربلاء وانتهت إليه رياسة الإماميّة على الإطلاق نحو سنتين وهو الزعيم المطلق للنهضة العراقيّة المعروفة التي أنتجت استقلال العراق ، ولذا اشتهر بالإمام المجاهد.

وقد جاء في كتاب «ماضي النجف وحاضرها» للفاضل البحّاثة الشيخ جعفر بن الشيخ باقر آل محبوبة النجفي بيان قصّة الاستقلال بصورة تفصيليّة ونحن نذكر ملخّص ما جاء فيه :

حادثة الأتراك

قال في ص ٢٤٦ تحت عنوان (حادثة الأتراك بعد إعلان الحرب العامّة في سنة ١٣٣٢ واشتراك الأتراك بها وندائهم بالنفير العام) اشترك العراقيّون مع الأتراك فيها ووقفوا معهم جنبا لجنب وصفّا لصفّ ونهض علماء الشيعة في النجف وأفتوا بوجوب الدفاع عن بيضة الإسلام فهاجت الشيعة للدفاع وانتظمت الجبهات الحربيّة وأكثرها من عشائر العراق ولم يكتف العلماء بالفتيا فقط بل خاضوا جبهة الحرب بأنفسهم ووقفوا وقوف الأبطال وأبلوا بلاء حسنا.

١٠٢

أقول : في السنة المذكورة كنت في مدرسة القزويني في النجف الأشرف وأشاهد كثيرا من القضايا أمّا العلماء الذين ساعدوا في الدفاع ومنهم من حضر جبهة الحرب فهم العلّامة الكبير السيّد محمّد سعيد الحبّوبي رأيته مسلّحا يقود جيشا جرّارا إلى جبهة الشعيبة ، والعلّامة الحجّة شيخ الشريعة الأصبهاني ، والسيّد الكبير حجّة الإسلام السيّد أبو الحسن الأصبهاني والعلّامة السيّد علي الداماد والعلّامة الفقيه السيّد محمّد بن السيّد محمّد كاظم اليزدي الطباطبائي وجماعة أخرى من العرب والعجم وكانوا منصورين إلى أن وقع ما وقع من الويلات ما أدّى إلى احتلال بريطانيا بغداد وانسحاب الأتراك وتوفّي بعدها السيّد محمّد سعيد الحبّوبي والسيّد محمّد بن السيّد كاظم اليزدي الطباطبائي والسيّد علي الداماد حزنا وكمدا ، وأسر خلق كثير من الأكابر والأعيان والفضلاء ، وكان احتلال العراق سنة ١٣٣٥.

حادثة النجف

وقال في ص ٢٤٩ من كتابه المذكور : وبعد ذلك قرّب الإنكليز بعض الزعماء ودرّوا عليهم الأموال الوافرة والهدايا الثمينة ومنّوهم الأماني الكاذبة ، فأرسلوا (الكابتن مارشال) حاكما للنجف ومعه ترجمانه وحاشية تتألّف من عدّة حرسه من الأكراد فحكم في البلاد وأمضى معاملاته السيّئة ، فلمّا استقرّ حكمهم في البلاد ورسخت أقدامهم بما اندفع جمع من النجفيّين عن شمم عربيّ وحسّ دينيّ وطني إلى التفكير في دفعهم عن البلاد العراقيّة وفي مصير حكمها إلى العرب فألّفوا جمعيّة سرّيّة تسعى من وراء الستار أشهرا عديدة ، فدفع الحماس المتزايد فريقا من أفراد الجمعيّة إلى إضرام نار الثورة قبل أن يحصلوا آراء الجمعيّه وأجروا الأيمان بالقرآن

١٠٣

الكريم على أن يهجموا مجتمعين على مركز الحكومة المحتلّة الواقع خارج المدينة وأن يقتلوا كلّ من فيه ، فنهضوا نهضتهم فجر يوم الثلاثاء في السادس من جمادى الثانية سنة ١٣٣٦ وهجموا على مقرّ الحكومة وقتلوا الحاكم الإنكليز (الكابتن مارشال) والحارس الهندي فقامت الثورة على ساق وأقفلت أبواب البلدة.

فلمّا بلغ الخبر إلى الحكومة الإنكليزيّة ببغداد أرسلت المهمّات الحربيّة والجيوش الجرّارة وكان عددهم خمسة وأربعين ألف جندي فحفروا الخنادق ومدّوا الأسلاك الشائكة ونصبوا الرشّاشات وقطعوا عنها الماء والمواصلة ودام حصار البلدة أكثر من أربعين يوما وضجّ الناس وشحّت الأرزاق وكظّهم الظمأ وكثر القتلى بين الفريقين ووقف رجال النجف مواقفهم الخطيرة مندفعين عن شمم عربي وحس دينيّ وطني وبذلوا نفوسهم الطاهرة دون كرامة البلدة ، فبعد المدّة المذكورة تمكّنت الحكومة من تفريق كلمة الأهلين والاستيلاء على التلّ الجنوبي وأصبحت تواصل طلقات مدافعها وترمي بقذائفها البلدة من جهة محلّة العمارة حتّى استولت عليها وأرسل قائدهم بيانا إلى الأهلين يحتوي على شروط خمسة :

أوّلا : تسليم الثوّار ومؤسّسي الحركة.

ثانيا : تسليم ألف بندقيّة للحكومة.

ثالثا : تسليم خمسين ألف روبيّة.

رابعا : نفي مائة شخص أو أكثر إلى الهند باعتبارهم أسراء الحرب.

خامسا : محاصرة المدينة وقطع الأرزاق منها حتّى توفّي الشروط الأربعة السابقة ، وما رفع الحصار حتّى استوفاها ولكن بعد أن أضرّ الجوع والعطش بالأهلين والغرباء الزائرين وكان الماء معدوما في البلدة وكان الأهلون يستقون من مياه الآبار المالحة وقد عمّهم الخوف الشديد حيث أنّ الجند محيط بالبلدة ولم يعلم ما يؤول إليه الأمر من الهتك أو الأسر أو القتل ، وقد قتل من الأبرياء عشرة أنفس

١٠٤

وجرح عشرون ، فلمّا استولى تم القبض على ما يقرب من مائة وخمسين رجلا حكم على أحد عشر منهم بالإعدام شنقا في شريعة الكوفة (الجسر) وعلى البقيّة بالنفي إلى الهند وقد جاء في مادّة تاريخ عام الواقعة «حصار وغلا» سنة ١٣٣٦.

وعود البريطانيين في استقلال العراق

وقال ص ٢٥٤ : ونستطيع أن نقول بلا مجازفة أنّ الثورة في النجف هذه هي الخطوة الأولى للقضيّة العراقيّة والبذرة الوحيدة لنتاج الفكرة الفراتيّة واتجاهها نحو استقلال العراق ، إذ النجف هو المركز الروحي والعاصمة الكبرى لعموم الشيعة وقد أعطت بموقفها هذا درسا شافيا ومنهجا واضحا نفعها في نيل مآربها وتحقيق رغائبها في فك شعبها من رقّ الاستعمار.

وقال أيضا ص ٢٥٥ تحت عنوان «القضيّة العراقيّة» يعني حادثة الفرات الكبرى» ما ملخّصه : وكان العراقيّون يرجون أن يتاح لهم بعد انتهاء الحرب العامّة ونزوح الأتراك عن العراق إنشاء حكومة عربيّة مستقلّة في بلادهم وفقا للوعود التي منحتها بريطانيا للعراقيّين أثناء الحرب العامّة فإنّها نشرت عدّة مناشير في ذلك مفادّها أنّ الجيش البريطاني جاءهم منقذا لا فاتحا ، وأنّ بريطانيا العظمى تحارب الألمان لأجل صيانة العهود التي لا يحلّ نقضها وتريد تأمين حرّيّة الشعوب الصغيرة التي تكون سعادتها متوقّفة على رعاية هذه العهود ، وما تريد إلّا تحرير القطر العربي ممّا قاساه من الأتراك في سياستهم وقد اتفقت كلّ من فرنسا وبريطانيا العظمى على تشجيع ومساعدة إنشاء حكومات وإدارات وطنيّة في كلّ من سوريّة والعراق ، وقد حرّرهما الحلفاء فعلا ، وفي الأقطار التي يسعى الحلفاء في تحريرها والاعتراف بهذه الأقطار بمجرّد تأسيس حكوماتها تأسيسا فعليّا وإنّ فرنسا

١٠٥

وبريطانيا العظمى لا ترغبان في وضع نظامات خاصّة لحكومات هذه الأقطار بل لا همّ لهما إلّا أن تضمنا مساعدتهما ومعاونتهما الفعليّة سير أمور هذه الحكومات والإدارات التي يختار السكّان الوطنيّون سيرا معتدلا وأن تضمنا سير العدل الشامل الخالي من شوائب المحاباة وأن تساعدا التقدّم الاقتصادي بأنّها من همم الأهلين وتشجيع مشاريعهم وأن تساعدا على تعميم التعليم والتهذيب.

وهذه التصريحات والمناشير أقامت العراقيّين وأقعدتهم وهيّجت فيهم الحماس الوطني وحرّكتهم على المطالبة بحقوقهم المغدورة فعقدت النوادي السرية في مبدأ الأمر ونظمت جمعيّات مختلفة في سبيل طلب الاستقلال ، وعيّنت رجال للنيابة عن الشعب في مواجهة الحاكم العام السياسي ، فلمّا اجتمعوا عنده أجابهم بالتسويفات والأماني ، إل أن قال الحاكم العام السياسي أنّ سياسة الإنكليز في العراق تبدّلت وإنّها لم تبرح من سلطتها واحتلالها وحكمها العسكري الاستعماري وقد حقّق هذه الإذاعة أنّهم عيّنوا لكلّ بلد من البلدان العراقيّة ضابطا عسكريّا بصفته حاكما سياسيّا وقد عاملوا الأهلين بكلّ ما لديهم من شدّة وسوء سيرة ، وأوصلوا لهم أنواع الاحتقار والأذى ، فقاسوا أصناف البلاء والاضطهاد وقد قضت أعمالهم القاسية على الأماني وخيّبت كلّ رجاء وأمل.

ثمّ إنّ القائد البريطاني أرسل إلى الحكّام السياسيّين في الألوية العراقيّة بتاريخ الخامس والعشرين من صفر سنة ١٣٣٧ أسئلة ثلاثة :

الأوّل : هل ترغبون بتأليف حكومة عربيّة مستقلّة تحت الوصاية الإنكليزيّة فيمتدّ نفوذها من أعالي شمال الموصل إلى خليج البصرة؟

الثاني : هل ترغبون يرأس هذه الحكومة أمير عربيّ؟

الثالث : من هو الأمير الذي تختارونه لرئاسة هذه الحكومة؟

فلمّا عرفوا مقاصد البريطانيّين وانكشف لهم المخبأ ، أصدر الإمام الشيرازي

١٠٦

المرحوم الميرزا محمّد تقي قدس‌سره فتواه بعدم جواز انتخاب غير المسلم للقضيّة ، فكان لفتواه أثر عظيم في نفوس العراقيّين فلم يتجاوزوا عن فتواه ورأيه الصائب بما أنّ المجتهدين من علماء الشيعة الإماميّة مرجع أبناء هذه الطائفة قاطبة وهم يعتقدون أنّ علمائهم نوّاب الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام فلا يخالفون لهم فتوى ولا أمرا من الأمور ، واهتمّ القائد البريطاني (الكولونيل ولسن) بمدينة النجف وقصدها بنفسه ليقف على آراء النجفيّين ومن جاورهم من زعماء القبائل فعرف أنّهم لا يروا إلّا بحكومة عربيّة وطنيّة مستقلّة استقلالا تامّا وليس للأجنبي أن يختار لهم حاكما ، واتفقت كلمتهم على أحد أنجال الشريف حسين الحجازي على أن يكون مقيّدا بمجلس تشريعي ، وكتبوا مضبطة موّقعة بتوقيعات العلماء والأشراف والزعماء أشهرهم الإمام الشيرازي الميرزا محمّد تقي والحجّة شيخ الشريعة الإصبهاني ، فغضب الحاكم البريطاني من هذا التفصيل وأحسّ بتفاقم الأمر وحراجة الموقف فأوعز إلى زعماء الشاميّة بالخروج عن النجف إلى الكوفة وطلب منهم الجواب عن الأسئلة المذكورة هناك خوفا من أن تستولي على أفكارهم الفكرة النجفيّة الوطنيّة ، فخرجوا إلى الكوفة وأجابوه بعين الجواب المذكور.

فلمّا رأى بعض النابهين المتنوّرين من أهالي النجف أنّ الإنكليز لم يصغ إلى أيّ صوت ونداء سعوا في عقد جلسات سرّيّة في النجف وانتخبوا بعض علمائهم السياسيّين وكتبوا مضبطة موقّعة بتوقيعاتهم في الثامن عشر من شهر رمضان سنة ١٣٣٨ نصّها :

«نحن عموم أهالي النجف الأشرف ؛ علماؤها وأشرافها وأعيانها وممثّلي الرأي العام فيها قد انتدبنا علمائنا وأشرافنا ووجهائنا السياسيّين لأن يمثّلونا تمثيلا صحيحا قانونيّا أمام حكومة الاحتلال في العراق وأمام عدالة الدولة الحرّة الديموقراطيّة التي جعلت من مبادئها تحرير الشعوب وقد خوّلناهم أن يدافعوا عن

١٠٧

حقوق الأمّة ويجهروا في طلب الاستقلال للبلاد العراقيّة بحدودها الطبيعيّة العارية عن كلّ تدخّل أجنبيّ في ظلّ دولة عربيّة وطنيّة يرأسها ملك عربيّ مسلم مقيد بمجلس تشريعيّ وطنيّ هذه هي رغباتنا لا نرضى بغيرها ولا نفتر عن طلبها ، ومنه نستمدّ الفوز وهو حسبنا ونعم الوكيل».

وكتبوا إلى الإمام الشيرازي قدس‌سره في كربلا بما جرى بينهم وبين الحاكم البريطاني واستفتوه في إعلان الثورة لنيل مطالبهم المندورة وأن لا مناص لهم من النضال لاسترداد حقوقهم ، ثمّ وفد إليه بعض شيوخ العشائر وسادات القبائل وعدّة من العلماء والرؤساء ووجوه الفراتيين وأقنعوه بأنّ فيهم القوّة الكاملة للقيام بها ، فتردّد الإمام في إصدار الفتوى ولم يزد على قوله (إذا كانت هذه نواياكم وهذه تعهّداتكم فالله في عونكم) فعلى هذا تفرّق الإجتماع وحلفوا بالقرآن الكريم على أنّهم يبذلون أنفسهم في سبيل إنقاذ بلادهم من يد الإنكليز فقرّروا إعلان الثورة وقامت في النجف عدّة مظاهرات واحتجاجات ، فلمّا اتسع الخرق أمر الحاكم البريطاني بالقبض على الميرزا محمّد رضا نجل الإمام الشيرازي وعلى بعض رجال كربلا الذين أقاموا حفلات المظاهرات هناك واستنكر الإمام الشيرازي هذه الأعمال الشنيعة من الحكومة استنكارا عظيما واتّضح له خطر المسألة فاستفتاه جماعة من الزعماء والرؤساء في جواز القيام بالثورة ضدّ السلطة فكتب في الجواب ما صورته :

«بسم الله الرحمن الرحيم ، مطالبة الحقوق واجبة على العراقيّين ويجب عليهم في ضمن مطالباتهم رعاية السلم والأمن ويجوز لهم التوسّل بالقوّة الدفاعيّة إذا امتنع الإنكليز عن قبول مطالبهم ـ الأحقر محمّد تقي الحائري الشيرازي».

فأصبحت هذه الفتوى الخطيرة من هذا الإمام الكبير لها الواقع العظيم في نفوس العراقيّين ووجدوا أنفسهم في قيد وثيق تجاه الحكم الشرعي ، فأعلنت الثورة في

١٠٨

النجف الأشرف يوم الأحد في النصف من شوّال فقد تجمهر الناس في الصحن الشريف ورفعوا الأعلام العربيّة وقاد كلّ زعيم قومه إلى الجهاد فجلا الإنكليز عن النجف واحتشد الجند بالكوفة فتوالت الثورات في أكثر نقاط الفرات الأدنى وخرجت السكّة الحديديّة من عدّة أماكن واتسع الخرق وضاق المجال بالإنكليز فأسر الثوّار منهم مائة وستّين بين الإنكليزي والهندي وجاؤوا بهم إلى النجف وحبسوهم في «الشيلان» وهي عمارة ضخمة معروفة في الطرف الشرقي من البلدة بالقرب من السور عمرها الحاج معين الإيراني في عهد الأتراك بقصد جعلها دار ضيافة للزائرين ولكن لم يتوفّق لذلك فبقيت مهجورة.

وكيف كان فقد اتسعت الثورة والتهب نارها في أكثر نقاط الفرات وتطوّرت بأطوار مختلفة من القوّة والضعف ، وتوفّي في أثناء الثورة الإمام الشيرازي رحمه‌الله وذلك في اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة سنة ١٣٣٨ لمرض لازمه أيّاما قلائل فانتقلت الزعامة الدينيّة والرياسة العامّة إلى الإمام شيخ الشريعة الإصبهاني رحمه‌الله ولمّا طال أمد الثورة وبدت علائم الضعف على الثوّار واندحر بعضهم وتضعضت مراكز لهم وسلم بعض الزعماء وانقاد للسلطة البريطانيّة وتوفّرت جنود انكليزيّة في ساحات الحرب وخابت الآمال من عشائر دجلة لعدم اشتراكهم مع الفراتيين في القيام بالثورة استولى عليهم الإنكليز فدخل جيشه النجف يوم الثلاثاء الرابع من ربيع الأوّل سنة ١٣٣٩ بعد أن أخمد نار الثورة في الشاميّة واستولى على مراكز الثوّار هناك وشتّت شملهم ثمّ حاصر النجف وكانت مملوّة بالرجال والنساء الذين فرّوا من الجيش البريطاني الذي دمّرهم وأحرق منازلهم بنيرانه المنفجرة من طيّاراته الملحقة فوق رؤوسهم ، ولكثرة النفوس في البلدة ومنع الحكومة من إدخال الأطعمة والأشربة شحّت لوازم الإعاشة وأضرّ بأهلها الجوع والعطش إلى أن فرّج الله يوم الجمعة الثامن والعشرين من ربيع الأوّل سنة ١٣٣٩ وضربت

١٠٩

الحكومة البريطانيّه على النجف الضرائب الباهظة منها ثلاثة آلاف بندقيّة أو بدلها ثمانية آلاف أو عشرة من الليرات الذهبيّة وقد سفّرت عدّة من الأشراف والعلماء وهدمت عدّة دور وقاسوا آلاما شديدة غير أنّ قبائل بني حجيم بقيت مرابطة في مراكزها تتبادل إطلاق الرصاص مع الجيش الإنكليزي ، ولم تزل على هذه الحالة إلى أن خمدت النائرة ودخلوا في المفاوضة فقرّر صلحهم مع الحكومة على الشروط التالية :

الأوّل : أن تكون للعراق حكومة عربيّة مستقلّة.

الثاني : أن لا تطالب قبائل بني حجيم بكلّ شيء خسرته الحكومة أثناء الثورة عدا ما تراه رجال الحكومة باقيا في أيديهم.

الثالث : أن لا تؤدّي القبائل المذكورة شيئا من الضرائب الأميريّة لسنة الثورة لعدم استطاعتهم على أدائها بسبب ما لحقهم من الضرر من جرّاء القيام بالثورة.

الرابع : أن يأخذوا على عهدتهم محافظة السكّة الحديديّة التي هي بحدودهم.

الخامس : أن يتعهّدوا بتوطيد الأمن والسلام في جميع أراضيهم.

السادس : أن يسلّموا إلى الحكومة ألفين وأربعمائة بندقيّة.

وقد وقّعوا على هذه الشروط وبه تمّ الصلح بينهم وبين الحكمومة فكانوا هؤلاء الأبطال كلّهم من رجال الشيعة وهم مقيمون في لواء الديوانيّة وهم الذين أقاموا عرش العراق وبذلوا النفس والنفيس في سبيله ، وهم السبب الوحيد لتشكيل الحكومة العربيّة وهم أوّل من أعلن الثورة وآخر من خضع للسلطة.

تلاميذ الإمام الشيرازي

تخرّج من مجلس بحثه جمع من الأعلام المبرّزين منهم العلّامة الشيخ كاظم

١١٠

الشيرازي ، والميرزا هادي الخراساني ، والحاج محمّد حسن كبّة ، وحجّة الإسلام الميرزا علي آقا الشيرازي ، وحجّة الإسلام الحاج آقا حسين القمّي ، وحجّة الإسلام الشيخ عبد الكريم اليزدي ، والعلّامة الشيخ محمّد علي القمّي ، والشيخ آقا بزرك صاحب الذريعة وغيرهم ذكرهم شيخنا في نقباء البشر.

العمارة السادسة عشرة

وقعت في أيّام المولى العلّامة الحجّة الميرزا محمّد الطهراني العسكري نزيل سامرّاء أدام الله وجوده ونفع به وهي كثيرة على ما رأيناها بالعيان وكانت الإصلاحات والترميمات والتزيينات الواقعة في عصره للحضرة المقدّسة أكثر ممّا وقع في أيّام الحجّتين السابقين عليه والسبب في ذلك أنّه دام وجوده لم يزل يحرّض الناس كتبا وشفاها بعمارة المشاهد المشرّفة سيّما سامرّاء فبذل جهده وأتعب نفسه وتحمّل ما لا يتحمّله من العلماء حتّى وفّقه الله بإتيان ما يلي.

منها : نصب ستّارات الكيشوانيّة يمنة ويسرة بأميال الحديد التي يعرف بالشيش على أحسن تركيب.

ومنها : تبديل الباب الخشبي للسرداب المطهّر بالباب الفضّي وكان الباذل للباب الفضّي سهم الملك العراقي الإيراني.

ومنها : ترصيف درج السرداب المطهّر بالرخام الصقيل وفرشه بالأفرشة الثمينة.

ومنها : فرش الروضة البهيّة باثنتي عشرة قطعة من أثمن الأفرشة لا يقلّ ثمنها عن عشرين ألف تومان ، وكان الباذل لها الحاج أقلان التبريزي وقطعة أخرى كبيرة ثمينة ، وكان الباذل لها الحاج ميرزا علي أكبر المعروف ب «سلامت القمّي».

١١١

ومنها : اثنتان وعشرون قطعة من الأفرشة القطنيّة للحرم والرواق والسرداب وقطعات أخرى لصلاة الجماعة ومجالس التعزية والفواتح سنة ١٣٤٣.

ومنها : تبديل باب الرواق من جهة القبلة الذي كان من الخشب بالباب الفضّي ، وكان الباذل الحاج محمّد حسين بن الشيخ موسى الرشتي أنفق له ثلاثة عشر ألف روبية ويوم إدخال الباب إلى سامرّاء خرج الأهلون إلى خارج البلدة واحتفلوا بالشخصيّات الذين جاءوا معه وحلّوا ضيوفا في دار الحجّة الميرزا محمّد المذكور.

ومنها : تبديل الأبواب الخشبيّة للحرم الشريف بالأبواب الفضيّة أيضا من جهة القبلة ، وكان الباذل الحاج محمّد حسين المذكور ، أنفق لكلّ واحد منهما أربعة عشر ألف روبية مرصّعا في وسط كلّ منها بورق الذهب الخالص ومن الأسف أنّ اليد العادية سرقته في سنة ١٣٥٦ في ليلة الثامن من المحرّم فرصّعوا مكانه بورق الفضّة.

ومنها : عمارة الأبواب التي كانت حول الرواق تجاه الشبّاك الفولاذي والرواشن الفوقانيّة حول الرواق أيضا بأميال الحديد الذي يعرف باسم الشيش وكانت قبل ذلك من الأسلاك الدقيقة في غاية الاندراس والانكسار فعمّرها شيخنا المذكور بأحسن وجه.

ومنها : عمل اثنى عشر بابا حول القبّة المطهّرة من الداخل واثنى عشر بابا من خارجها من الخشب الساج والزجاج الملوّن وقد عملها نجّار إيرانيّ في مدرسة آية الله الشيرازي رحمه‌الله.

ومنها : عمل منجنيق لعمارة الحضرة المقدّسة وصندوق لحفظ كتب الأدعية ومجلّدات القرآن.

ومنها : عمل رمانات ستّ ذهبيّة وهي المنصوبة كتيجان على أركان الضريح المقدّس.

ومنها : عمل الثريّات الأربع البلوريّة المعلّقة على الجوانب الأربعة في الحرم

١١٢

الشريف وكان الباذل لها الحاج أسعد البختياري رحمه‌الله ، ونصب القناديل المطلية ممّا يلي الرأس.

ومنها : شراء حوض من الحديد مغطّى بمأتي روبية لتكرير الماء في الحضرة المقدّسة ، وكان الباذل العلّامة السيّد حسين بن السيّد عبّاس البغدادي.

ومنها : عمارة الحوض في وسط الصحن فكان يملأ من ماء البئر إلى أن جرّ الأنبوب إليه فكان في غاية الحسن واللطافة إلى أن صدر الأمر من بغداد بهدم الحياض فهدموه ورصفوا مكانه بالرخام وجعلوا بدل الحوض الحديدي المشار إليه ، نصبوه في بعض الأواوين الجنوبيّة وعلوا له حنفيّات ومدّوا إليه أنبوب ماء على أحسن وجه.

ومنها : الباب الشرقي للحصن الشريف عمله نجّار إيراني.

ومنها : تبديل الشبّاك الذي ممّا يلي رجلي الإمامين عليهما‌السلام بباب خشبي يفضي من الحضرة المقدّسة إلى الرواق المطهّر لتكون صلاة النساء في الرواق كسائر المشاهد المشرّفة.

ومنها : مدّ أنبوب للماء من خارج الصحن إلى الحرم الشريف والسرداب المقدّس ، وقد بذل جهده إلى أن انتظم أمر الأنبوب.

ومنها : نصب ما كنة كهربائيّة لتنوير الحضرة المقدّسة والصحن والسرداب فقط ، وكان الباذل لها التاجر المعروف الحاج محمّد رضا بن الحاج غلام علي الكازروني رحمه‌الله وكان الأمر كذلك إلى أن جيء بمضخة الماء والماكنة الكهربائيّة إلى سامرّاء فطلبت البلديّة من الأوقاف لتنوير الحضرة المقدّسة والصحن والسرداب فنقلت الماكنة المذكورة لتنوير المقدّس ضريح أبي جعفر السيّد محمّد بن عليّ الهادي عليهما‌السلام إلى غير ذلك ممّا هو كثير.

وبمناسبة ذكر المولى الحجّة الميرزا محمّد المذكور وما له من المساعي المشكورة

١١٣

والآثار الجليلة التي هي غرّة في جبهة الدهر نورد لك نبذة يسيرة من حياته الشريفة :

حياة المولى الحجّة الميرزا محمّد الطهراني

ولد في شهر شعبان بطهران سنة ١٢٨١ ونشأ بها إلى أن هاجر إلى العتبات المقدّسة واتصل بآية الله المجدّد الشيرازي وهاجر معه إلى سامرّاء وربّي في حجره وكان جليس ليله ونهاره إلى أن توفّي قدس‌سره فقرأ على العلّامة حجّة الإسلام الميرزا محمّد تقي إلى أن أجازه إجازة الاجتهاد ، وقد رأيت صورة الإجازة له ، فلم يزل معه إلى سنة الاحتلال وهي سنة ١٣٣٥ فسار مع شيخه المذكور إلى كربلا فأخليت سامرّاء من الأعلام الجعفريّة وغيرهم حتّى وضعت الحرب أوزارها ورجعت المياه إلى مجاريها ورجع كلّ إلى مقرّه فأمر العلّامة حجّة الإسلام الميرزا محمّد تقي برجوع شيخنا المترجم إلى سامرّاء ، فرجع مع أهل بيته وصديقه الحميم العلّامة الخبير الشيخ آقا بزرك صاحب الذريعة ، فلمّا دخلوا البلدة شاهدها وقد أخنى عليها الذي أخنى على البلد.

وحدّثني الشيخ المترجم وقال : دخلت الحرم الشريف فرأيت العناكب نسجت على الشبّاك المطهّر وكانت ساحة الحرم الشريف قد فرشت بالغبار. قال : فأخذتني الرقّه فبكيت. قال : فدخلنا مدرسة آية الله المجدّد الشيرازي رحمه‌الله فرأيناها كالمزبلة لا تقبل السكنى وكان السبب في ذلك أنّ الجيش العثاني لمّا انسحب من بغداد إلى سامرّاء دخلوا المدرسة المذكورة وكان ذلك في أيّام الشتاء فجعلوا يهدمون السقوف ليصطلي الجيش بنار أخشابها ، فبينما هم كذلك إذا بالجيش البريطاني في سامرّاء وجعلوا المدرسة بمنزلة المستشفى فأسكنوا في حجرها

١١٤

الجرحى والمرضى وامتلأت ساحة المدرسة من البغال والخيول ، وأمروا بتخلية بيوت العلماء للضبّاط الأمراء والجيوش وضيّقوا الطعام على الأهالي خوفا من أن يوصل شيء منه إلى الجيش العثماني فاضطرّ أبناء الجعفريّة طلّابها وعلماؤها وسوقتها إلى الهجرة من سامرّاء ، فرخصتهم الحكومة البريطانيّة في الهجرة فهاجروا ، فلمّا فرغ البريطاني من أمر الجيش العثاني ونقل جيشه من سامرّاء وبقيت المدرسة خالية نهبت أبواب حجرها وبقيّة أخشاب سقوفها وهدموا حوضها وأبطلوا ميضاتها وكذلك حال عدّة من دور أبناء الجعفريّه.

فلمّا رجع إلى سامرّاء شيخنا المترجم شمّر عن ساعد الجدّ فعمر كثيرا من الدور والحياض وأنفق لعمارة المدرسة ما يقرب من ألفي روبية فقام بأمر المدرسة وكفالة الطلّاب بمساعدة الإمام الشيرازي قدس‌سره ، فلمّا توفّي الإمام الشيرازي قام بأمر المدرسة وكفالة الطلّاب سيّدنا الكبير المجتهد الأعظم السيّد أبو الحسن الأصفهاني رحمه‌الله فاكمل عمارة المدرسة وأدّى المعاش على كافّة طلّاب سامرّاء وفقرائها.

ولشيخنا المترجم مصنّفات كثيرة منها مصنّفه الكبير الاستدراك على بحار المجلسي رحمه‌الله.

ومن هممه العالية لتشييد الدين وترويج الشريعة المطهّرة أنّه دام وجوده أرسل عدّة من طلّاب العلم إلى نواحي الموصل مثل (داقوق) و (توزخورماتو) و (تسعين) و (زوه) و (كركوك) وغيرها على ما فصّلناه في كتابنا «السيوف البارقة في ردّ المتصوّفة المارقة» وأوصاهم بأن لا يأخذوا منهم شيئا من المال وتكفّل بمعاشهم وأنفق لهم دراهم كثيرة ليرشدوهم إلى الحقّ والطريق المستقيم ، وهم مائة وخمسون ألف بيت لا يعرفون من المذهب حرفا ، وكان شرب الخمر وسائر الفواحش بينهم من الأعمال المتعارفة وكانوا لا يعرفون الصلاة والصوم وسائر

١١٥

العبادات مع أنّهم يدّعون التشيّع ويرون أنفسهم من أتباع عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وشيخنا المترجم أتعب نفسه وبذل جهده في إرشادهم حتّى أرسل ابنه الفاضل الورع التقي الميرزا نجم الدين إلى هنالك ، قال : أمرهم إلى الهداية.

لمّا بلغ هذا النبأ العظيم إلى حجج الإسلام الميرزا محمّد حسين النائيني والميرزا علي آقا الشيرازي وسيّدنا المجتهد الأعظم السيّد أبو الحسن الأصبهاني واستحسنوه فجعلوا يساعدونه في هذا العمل الشريف إلى أن بنيت المساجد في تلك البلاد والحسينيّات لإقامة العزاء ، وأرسلوا عدّة من أبنائهم لتحصيل العلم إلى النجف الأشرف وسامرّاء ويقصد الآن العتبات المقدّسة في أيّام الزيارة جماعات من الرجال والنساء ؛ كلّ ذلك من جهود شيخنا المترجم وإن اشترك معه غيره من العلماء غير أنّه كان هو الفائز بقصب السبق شكر الله سعيه وأجزل الله أجره ، ولشيخنا المترجم عمارات كثيرة لحضرة أبي جعفر السيّد محمّد بن عليّ الهادي كما سيأتي.

تاريخ مضخّة الماء في سامرّاء

وفي سنة ١٣٤٣ جيء بمضخّة الماء إلى سامرّاء فأخذت أهمّيّتها فجرى الماء في جميع الدور والصحن والروضة البهيّة بعد أن كانوا يستقون من دجلة بتوسّط حمل القرب على الدوابّ ، وبفضل هذه المضخّة صارت سامرّاء بلدة زراعيّة. وقد أشار إلى ذلك العلّامة السماوي في وشايح السرّاء بقوله :

وكان سقيا ماؤها من دجله

وهي زها ميل من المحلّه

وكانت الملوك قبل تصعده

بلولب إلى قناة تورده

فيدخل الصحن لأجل السقيا

لوفده عطفا لهم وبقيا

١١٦

ووضعوا من شدّة التحنّي

عليهم حوضا بوسط الصحن

وربّما تنكسر اللوالب

فيمسي ذاك الحوض وهو ناضب

وكم وكم يمتح من ماء القني

لأنّه من حوضه غير دني

حتّى سقاها فيصل بما كنه

جارية بالحركات ساكنه

جاء بها من بعد ما قد جاءا

بسنيتن وسقاها ماءا

وفاض في الصحن وفي المسكن

والطرق بل وسائر الأماكن

وأرّخوا بالشطر فيما عمّه

(سقى المياه روضة الأئمّه) (١)

أقول : ولكن المحفوظ عندي من غير شكّ أنّ نصب المضخّة وجريان الماء في سامرّاء كان في سنة ١٣٥١ وكان هذا في عصر الملك المفخّم والسيّد المعظّم جلالة الملك الفيصل الأو آل ابن الشريف حسين الحسيني الحجازي.

تاريخ تنوير الروضة والسرداب

كانت تنويرهما بالشموع والنفط إلى أن جيء بمكينة الكهرباء من قرين الشرف الحاج محمّد بن الحاج غلام علي الكازروني ، وفي سنة ١٣٤٣ وكان الأمر كذلك إلى أن جيء بما كنة الكهرباء ومضخّة الماء جاءت بهما الحكومة العربيّة فأضاءت الروضة البهيّة حتّى فوق القبّة والمأذنتين والصحن والسرداب المطهّر ومسجدها وجعلوا مصارفها من الأوقاف. وإلى ذلك أشار العلّامة السماوي دام بقاه في وشايح السرّاء بقوله :

وكان ضوؤها من الشموع

من مغرب الشمس إلى الطلوع

توقد في الروضة في المسارج

وفي ثريّات على معارج

__________________

(١) مطابقة لسنة ١٣٤٣.

١١٧

ثمّ رأى النفط لها المشاركه

فيما عدا روضتها المباركه

ففاض في الصحن وفي الرواق

والدار والبهو الكبير الراقي

لكنّما السرداب فيه يوقد

شمع ولا يكاد عنه يفقد

لأنّ شمس الأفق ليس تذهب

إليه إذ حلّ به المحجّب

حتّى أتاها فيصل بالكهربا

فشعّ في روضتها ملتهبا

وفي رواقها وفي الأبواب

وفي أعاليها وفي السرداب

وازدهر المشهد منها وأضا

ما حوله من البيوت والفضا

فأطرح النفط من الرواق

والصحن والأمكنة الرواق

وذاك بعد ما زها بالمملكه

وحلّ من أوج السعود فلكه

ورغّب الناس بفضل ضوئها

زيادة على استقاء نوئها

فهو بالأربعين والتسع انتشر

بعد ثلاث من مئات وعشر

وراح في أطرافها يفصل

فأرّخوا (أفاض نورا فيصل) (١)

فأخذت سامرّاء ببركة الماء والكهرباء أهمّيّتها ، فهدم السور وتوسّعت البلدة واتصلت العمارات من خلف السور إلى ضفة دجلة ، فبادر الناس إلى شراء الأراضي والعرصات الواقعة في باب القاطول من جنبي الجادة ومذ وقعت الحرب العامّة الثانية توقّف الأمر.

تاريخ ترميم الصناديق وبعض الآثار التأريخية

من الترميمات ترميم صندوق ضريح الإمام العسكري عليه‌السلام ممّا يلي الرأس فإنّه قد كتب فيه باللغة الفارسيّة ما هذا نصّه : «باني اين صندوقهاى مطهّر شاه سلطان

__________________

(١) مطابقة لسنة ١٣٤٩.

١١٨

حسين صفوي سنه ١١٠٩ مرمّت كارى بيد محمّد صنيع خاتم سنه ١٣٦٧».

وقد كتب على سقف الضريح : «اللهمّ إنّا نتقرّب إليك بحبّهم ونوالي وليّهم ونعادي عدوّهم ونقرّ بفضلهم ونؤمن بهم وبأوّلهم وآخرهم وباطنهم وظاهرهم ، لا أنكر فضلا لهم ولا أبتغي بهم بدلا ، ولا أتّخذ معهم وليجة ، وأعترف بأنّ فيهم الحقّ ولهم ومعهم وبهم فاجعلنا من أنصارهم يا ربّ العالمين وصلّ على شفيع الخلق أجمعين يوم الدين ورحمة الله للعالمين محمّد بن عبد الله خاتم النبيّين ، وصلّى على وليّك المرتضى وسيفك المنتضى وآيتك الكبرى وكلمتك العليا الشهاب الثاقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وصلّ على الصدّيقة الطاهرة الرضيّة المرضيّة الزكيّة الكريمة المحدّثة العليمة المغصوبة المقهورة المعصومة الشهيدة فاطمة الزهراء سيّدة النساء وعلى أمّها أمّ المؤمنين خديجة الكبرى ، وصلّ على إمامي الهدى وكهفي الورى وعلمي التقى قرّتي عين رسول الثقلين الإمامين المعصومين المظلومين الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة أجمعين ، وصلّى على أشرف الموحّدين عليّ بن الحسين زين العابدين ، وصلّ على أمين الله على وحيه وحجّته على جميع خلقه موضع سرّه وعيبة علمه إمام المتقين محمّد بن عليّ باقر علوم النبيّين ، وصلّ على نور الله في ظلمات الأرضين وشافع المذنبين ووارث علم المرسلين أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق الأمين ، وصلّ على الإمام العليم والسند الكريم والصراط المستقيم أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم الحليم ، وصلّ على حجّتك العظمى على جميع الورى وسبيل الهدى وربيب التقى أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا ، وصلّ على نور البلاد ومين العباد والشافع يوم التناد وسلالة الأئمّة الأمجاد أبي جعفر محمّد بن عليّ التقي الجواد ، وصلّ على جنب الله القوي ووجه الله المضي وباب الله العلي أبي الحسن عليّ بن محمّد التقي ، وصلّ على سيّد الأخيار وإمام الأبرار وحجّة الجبّار العالم بالسرّ والخفي ووارث علم النبي الحسن

١١٩

ابن عليّ العسكري ، وصلّ على وصيّ الأوصياء والأولياء المنصور من السماء المظفّر على الأعداء خليفة الرحمان وشريك القرآن وحليف الإيمان وكاشف الأحزان الحجّة ابن الحسن صاحب الزمان ، اللهمّ وال من والاهم وعاد من عاداهم وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم ، اللهمّ العن من ظلمهم واجعلنا ممّن يكرّ في رجعتهم ويمكّن في دولتهم وقرّ عيوننا برؤيتهم واحشرنا معهم في الدنيا والآخرة».

وفوق ضريح الإمام الهادي عليه‌السلام قد كتب ما هذا نصّه : («إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(١) سنة ١١٠٩».

وقد كتب على حواشيه أسماء الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام على ترتيب ما كتب على ضريح الإمام العسكري عليه‌السلام ، وكتبت أيضا بعض الآيات القرآنيّة بخطّ جليّ محفور.

وكتب أيضا على حواشي ضريح العسكريّين عليهما‌السلام كالطرّة ما هذا نصّه : «قال الله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) في تفسير الطبري والكلبي والثعلبي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نزلت فيّ وفي عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام. قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ، هكذا رواه في صحيح مسلم ، وابن حجر في الصواعق المحرقة ، قوّاه وأكّده وشيّده ، اللهمّ اجعلنا من المتمسّكين بحبّهم. روي في مسند أبي داود عن حذيفة ومسند أحمد وغيرهما قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن تولّوا عليّا وتستخلفوه تجدوه هاديا يأخذ بكم الطريق المستقيم. وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الأئمّة بعدي اثنا عشر ؛ تسعة من صلب الحسين أمناء معصومون ، وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة ، وفي صحيح البخاري عنه أيضا ، ومسند أحمد عن ابن عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يزال الدين عزيزا منيعا وقائما

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

١٢٠