إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٤

٤٢ ـ محمد بن أحمد بن طالب المتوفى بعد سنة ٣٧٢

محمد بن أحمد بن طالب الفقيه الأديب الحلبي أبو الحسن ، سمع ببغداد أبا بكر بن دريد وأبا بكر بن الأنباري وأبا علي بن الحسين بن أحمد الكاتب المعروف بالكوكبي وأبا عبد الله نفطويه وأبا عيسى محمد بن أحمد بن قطن السمسار ، وبحلب أبا عبد الله أحمد ابن جعفر بن أحمد بن ماست الحاضري والقاضي أبا حصين. ومات بعد سنة ٣٧٢. قرىء عليه كتابه في هذه السنة وله كتاب الشبان والشيب أحسن فيه ا ه (معجم الأدباء).

٤٣ ـ ابن نباتة الخطيب المتوفى سنة ٣٧٤

الخطيب أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة الحذاقي الفارقي صاحب الخطب المشهورة (١). كان إماما في علوم الأدب ورزق السعادة في خطبه التي وقع الإجماع على أنه ما عمل مثلها ، وفيها دلالة على غزارة علمه وجودة قريحته ، وهو من أهل ميّا فارقين ، وكان خطيب حلب وبها اجتمع بأبي الطيب المتنبي في خدمة سيف الدولة ابن حمدان ، وقالوا إنه سمع عليه بعض ديوانه. وكان سيف الدولة كثير الغزوات فلهذا أكثر الخطيب من خطب الجهاد ليحض الناس عليه ويحثهم على نصرة سيف الدولة. وكان رجلا صالحا. وذكر الشيخ تاج الدين الكندي بإسناده المتصل إلى الخطيب ابن نباتة أنه قال : لما عملت خطبة المنام وخطبت بها يوم الجمعة رأيت ليلة السبت في منامي كأني بظاهر ميّا فارقين عند الجبّانة فقلت : ما هذا الجمع؟ فقال لي قائل : هذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه أصحابه ، فقصدت إليه لأسلم عليه ، فلما دنوت منه التفت فرآني فقال : مرحبا يا خطيب الخطباء ، كيف تقول؟ وأومأ إلى القبور ، قلت : لا يخبرون بما إليه آلوا ولو قدروا على المقال لقالوا ، قد شربوا من الموت كأسا مرة ولم يفقدوا من أعمالهم ذرة ، وآلى الدهر آليّة برّة أن لا يجعل لهم إلى دار الدنيا كرّة ، كأنهم لم يكونوا للعيون قرة ولم يعدّوا في الأحياء مرّة ، أسكنهم الله الذي أنطقهم وأبادهم الذي خلقهم ، وسيجددهم كما خلقهم ويجمعهم كما فرقهم ، يوم يعيد إليه العالمين خلقا جديدا ويجعل الظالمين لنار جهنم

__________________

(١) أقول : هي مطبوعة متداولة.

٦١

وقودا ، يوم تكونون شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ، وأومأت عند قولي تكونون شهداء على الناس إلى الصحابة وبقولي شهيدا إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً). فقال لي : أحسنت ادن ، فدنوت منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذ وجهي وقبله وتفل في فمي وقال : وفقك الله ، قال : فانتبهت من النوم وبي من السرور ما يجل عن الوصف فأخبرت أهلي بما رأيت.

قال الكندي بروايته : وبقي الخطيب بعد هذا المنام ثلاثة أيام لا يطعم طعاما ولا يشتهيه ويوجد في فيه رائحة المسك ولم يعش إلا مدة يسيرة. ولما استيقظ الخطيب من منامه كان على وجهه أثر نور وبهجة لم يكن قبل ذلك ، وقص رؤياه على الناس وقال : سماني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطيبا ، وعاش بعد ذلك ثمانية عشر يوما لا يستطعم فيها طعاما ولا شرابا من أجل تلك التفلة وبركتها ، وهذه الخطبة التي فيها هذه الكلمات تعرف بالمنامية لهذه الواقعة.

وهذا الخطيب لم أر أحدا من المؤرخين ذكر تاريخه في المولد والوفاة سوى الأزرق الفارقي في تاريخه فإنه قال : ولد في سنة خمس وثلاثين وثلثمائة وتوفي سنة أربع وسبعين وثلثمائة بميّا فارقين ودفن بها رحمه‌الله تعالى. ورأيت في بعض المجاميع : قال الوزير أبو القاسم ابن المغربي : رأيت الخطيب ابن نباتة في المنام بعد موته فقلت له : ما فعل الله بك؟ فقال : دفع لي ورقة فيها سطران بالأحمر وهما :

قد كان أمن لك من قبل ذا

واليوم أضحى لك أمنان

والصفح لا يحسن عن محسن

وإنما يحسن عن جاني

قال فانتبهت من النوم وأنا أكررهما.

ونباتة بضم النون وفتح الباء الموحدة وبعد الألف تاء مثناة من فوقها مفتوحة ثم هاء ساكنة. والحذاقي بضم الحاء وفتح الذال المعجمة وبعد الألف قاف ، هذه النسبة إلى حذاقة بطن من قضاعة. وقال ابن قتيبة في كتاب أخبار الشعراء : وحذاق قبيلة من إياد والله أعلم ا ه (ابن خلكان).

٦٢

٤٤ ـ محمد بن العباس الأموي نزيل الأندلس المتوفى سنة ٣٧٦

محمد بن العباس بن يحيى الأموي مولاهم الحلبي نزيل الأندلس ، سمع أبا الجهم بن كلاب بمشغرا (بلدة في لبنان) ومحمد بن عبد الله مكحولا ببيروت ، وأبا عروبة بحران وعلي بن عبد الحميد الغضايري ومحمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي بحلب ، ومحمد بن سعيد الترجمي بحمص ، ووفد على المستنصر بالله خليفة الأندلس فروى عنه محمد بن الحسن الزبيدي وأبو الوليد عبد الله بن الفرضي وقال : كتبت عنه وقد كف بصره ، وتوفي في هذه السنة. قلت : هذا أسند من بجزيرة الأندلس في عصره ولكن لم يأخذوا عنه كما ينبغي ا ه (ذهبي من وفيات سنة ست وسبعين وثلاثمائة).

٤٥ ـ محمد بن محمد النيسابوري المحدث الشاعر

محمد بن محمد بن عمرو أبو نصر النيسابوري المحدث المشهور الملقب بالبيض ، نزل حلب ومدح سيف الدولة. روى عن إمام الأئمة ابن خزيمة والبغوي ، وروى عنه ابن الأهوازي وأبي عروبة (١) وزكريا الساجي وعنه أبو الخير أحمد بن علي ولاحق المقدسي وأحمد ابن عبد الرحمن بن قاموس الأطرابلسي وغيرهم ، وهو صاحب القصيدة المطبوعة التي أولها :

حباؤك معتاد وأمرك نافذ

وعبدك محتاج إلى ألف درهم

وله في الأصول مؤلف سماه المدخل إلى الاجتهاد يدل على اعتزاله ا ه (ذهبي من وفيات عشر السبعين وثلاثمائة).

٤٦ ـ الحسن بن علي العبسي

الحسن بن علي بن عمر الحلبي أبو محمد كوجك العبسي الأديب ، روى عن الغضايري ومحمد بن جعفر المنبجي ، وروى عنه تمامي وعبد الوهاب الميداني ومكي بن عمر ا ه (ذهبي فيمن توفي في عشر السبعين وثلاثمائة).

__________________

(١) هكذا في الأصل.

٦٣

٤٧ ـ أحمد بن إسحق من قضاة سيف الدولة

أحمد بن إسحق أبو جعفر الحلبي الحنفي الملقب بالجرد ، ولي قضاء حلب لسيف الدولة وحدث عن عمر بن سنان المنبجي ومحمد بن معاذ بن المستهل وطائفة ، وحدث عنه ابن أخيه أبو الحسن علي بن محمد بن إسحق وتمام الرازي وابن نظيف الفرا. ويحتمل أنه توفي بعد الخمسين ا ه (ذهبي وذكره فيمن توفي في عشر السبعين وثلاثمائة تقريبا لا تحقيقا وقال ثمة : حدث عن أحمد بن جليد الحلبي ا ه).

٤٨ ـ صالح بن جعفر الهاشمي المتوفى أواخر هذا القرن

صالح بن جعفر بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن علي بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو طاهر الهاشمي الصالحي الحلبي القاضي ، سمع بدمشق أبا بكر أحمد بن عبد الله بن أبي دجانة البصري وأبا هاشم عبد الجبار بن عبد الصمد السلمي وأبا سليمان بن زير العبدي وأبا علي محمد بن محمد بن آدم ومحمد بن أحمد الطائي وأبا الحسين أحمد بن محمد بن يعقوب البغدادي نزيل دمشق وأبا عبد الله بن خالويه النحوي ، وصنف كتابا في الحنين إلى الأوطان روى فيه عن شيوخه هؤلاء وغيرهم ، روى عنه أبو الفتح أحمد بن علي المدائني ا ه (ابن عساكر).

٤٩ ـ عبد المنعم بن غلبون المقري المتوفى سنة ٣٨٩

عبد المنعم بن عبيد الله غلبون أبو طالب الطيب الحلبي المقري نزيل مصر ، ولد سنة تسع وثلاثمائة وقرأ على أبي الحسن محمد بن جعفر بن المستفاض الغرياني وأبي سهل صالح ابن إدريس ونجم بن بدير ونصر بن يوسف المجاهدي وإبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي وخلائق ، أخذ عنه خلائق ، مات بمصر في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة ا ه (طبقات الكبرى للسبكي).

وذكره الحافظ الذهبي وعدد بقية من أخذ عنهم ومن أخذ عنه وقال : كان ثقة. وذكره أبو عمرو الداني فقال : كان حافظا للقراءة ضابطا ذا عفاف ونسك وفضل وحسن تصنيف. وقال غيره : ولد سنة تسع وثلاثمائة ا ه (ما في الذهبي).

٦٤

٥٠ ـ الحسين بن علي أبو العباس المحدث المتوفى سنة ٣٩٠

الحسين بن علي بن محمد بن إسحق أبو العباس الحلبي ، توفي قبل والده فيما أظن ، قدم بغداد وحدث بها عن قاسم الملطي والمحاملي وابن عقدة وعلي بن مطر الإسكندراني ، روى عنه علي بن أحمد النعيمي وأبو العلا محمد بن علي الوسطي. قال الخطيب : كان يوصف بالحفظ وما علمت من حاله إلا خيرا رحمه‌الله ا ه (ذهبي من وفيات سنة تسعين وثلاثمائة).

٥١ ـ الحسين بن محمد العين زربي المتوفى سنة ٣٩٢

الحسين بن محمد بن أحمد أبو عبد الله العين زربي ، حكى عن أبي بكر أحمد بن علي الحبال ، حكى عنه علي بن الحنائي قرأت بخط أبي الحسن علي بن محمد الحنائي سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد العين زربي يقول : سمعت أبا بكر أحمد بن علي الحبال الصوفي يقول : دخلت على سيف الدولة فقال : من أين المطعم؟ فقلت : لو كان من أين فني ، فأعجب بذلك.

قرأت بخط عبد المنعم بن علي بن النحوي : مات أبو عبد الله العين زربي في يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شوال سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ا ه (ابن عساكر).

٥٢ ـ أحمد بن علي الوراق المعروف بالواصلي المتوفى أواخر هذا القرن

أحمد بن علي بن جعفر بن محمد أبو بكر الحلبي الوراق بن الرامي المعروف بالواصلي ، مؤدب أبي محمد بن أبي نصر ، سكن دمشق وحدث عن أبي بكر أحمد بن عبد الله بن الفرج البرامي وأبي بكر أحمد بن محمد ابن إدريس الإمام وأحمد بن إسحاق القاضي الحلبيين وأبي بكر محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب بن زوزان (١) الأنطاكي وأبي عبد الله البغدادي المقرىء الضرير وأحمد بن محمد بن زكريا الربعي. حدث عنه أبو محمد بن أبي نصر وأبو نصر بن الجبّان ومكي بن محمد بن الغمر وأبو الحسن أحمد بن محمد بن القاسم

__________________

(١) في الأصل : عروان.

٦٥

ابن مرزوق البصري : اشتكت عيني فشكوت إلى أبي الحسن علي بن المسلم الفقية فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى أبي محمد عبد العزيز بن أحمد ، فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان ، فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت فشكوت إلى أبي بكر أحمد بن علي المؤدب الواصلي الحلبي فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى أبي بكر أحمد بن عبد الله بن الفرج القرشي يعرف بابن البرامي فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى أبي القاسم عيسى بن موسى بن الوليد الطائي فقال : في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى أبي بكر محمد بن علي السلمي فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى يوسف بن موسى القطان فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى جرير بن عبد الحميد فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى مغيرة فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى إبراهيم فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى علقمة فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى عبد الله ابن مسعود فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت فشكوت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : (انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى جبريل صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : انظر في المصحف).

أنشدنا أبو العز أحمد بن عبيد الله بن كادش ، أنشدنا أبو محمد الجوهري ، أنشدنا عبد الصمد أبو القاسم الخنبشي ، أنشدني ابن واصل بحلب لنفسه :

قالت ومدت يدا نحوي تودعني

وحيرة البين تأبى أن أمدّ يدا

أميّت أنت أم حيّ فقلت لها

من لم يمت يوم بين لم يمت أبدا

ا ه (ابن عساكر).

٥٣ ـ علي بن محمد بن إسحاق المتوفى سنة ٣٩٦

علي بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يزيد أبو الحسن الحلبي القاضي الفقيه الشافعي ، سمع جده إسحاق بن محمد بن يزيد الحلبي وخيثمة بن سليمان وأبا المعمر الحسين بن محمد ابن سنان وأبا الرضا الحسين بن عيسى الخزرجي العرقي بطرابلس ، وأبا الحسن علي بن

٦٦

عبد الحميد الغضايري وأبا محمد جعفر بن أحمد بن مروان الوزان وأبا محمد عبد الرحمن ابن عبيد الله ابن أخي الإمام وأبا بكر محمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي وأبا هاشم عبد الغافر بن سلامة بحلب ، وأبا بكر محمد بن منصور الشيعي وأبا عبد الله المحاملي ومحمد ابن نوح الجند النيسابوري وأبا بكر بن زياد النيسابوري ببغداد ، وأبا عبد الله محمد بن الربيع بن سليمان الجيزي بالمدينة ، وأبا محمد بكر بن عبد الله الطائي وأبا القاسم عبد الصمد ابن سعيد بن يعقوب بن أحمد بن ثوابة وأبا عبد الله محمد بن الوليد بن عرق الحمصيين بحمص ، وأبا علي محمد بن سعيد الحافظ بالرقة ، وأبا علي الحسن بن علي الرافقي بالرافقة ، وأبا الحسن أحمد بن زكريا بن يحيى بن يعقوب المقدسي ببيت المقدس ، ومحمد بن أحمد ابن صفرة المصيّصي ومحمد بن مخلد والحسن بن يحيى بن عباس وأحمد بن محمد بن سالم الكاتب وأبا عبد الله أحمد بن علي بن العلاء الجوزجاني ومحمد بن عبد الله بن غيلان الجزار وعبد الله بن سليمان بن عيسى الوراق ببغداد ، وطلحة بن عبيد الله العمري بالرملة ، وإسماعيل بن يعقوب بن إبراهيم الجراب وأحمد بن عبد الله الناقد بمصر وجماعة سواهم.

روى عنه الأستاذ أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد وأبو الحسن رشا بن نظيف وأبو عبد الله الحسين بن الرواس التنيبسي وأبو القاسم علي بن عبد الواحد البحيري وأبو الفتح عبد الملك بن عمر بن خلف الرزاز البغدادي.

أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد الركي وطاهر بن سهل بن بشر قالا : أنبأنا أبو الحسين ابن مكي ، أنبأنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق بن يزيد الحلبي ، حدثنا خيثمة ابن سليمان ، أبنأنا أبو عبيدة السري بن يحيى ، حدثنا قبيضة ، حدثنا سفيان وابن نجيح عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال : (مر بي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا أوقد تحت قدرتي فقال : أيؤذيك هوامّ رابغ؟ قلت : نعم ، قال : فدعا حجّاما فحلقه ثم قال : صم ثلاثة أيام أو أطعم فرقا بين ستة مساكين أو أنط شاة).

أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة وطاهر بن سهل قالا : أنبأنا محمد مكي بن عثمان ، أنبأنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق بن يزيد الحلبي قال : قرىء على أبي عبد الله أحمد بن علي بن العلاء الجوزجاني وأنا أسمع ، حدثنا أبو الأشعث ، حدثنا محمد ابن عبد الرحمن ، حدثنا أيوب عن يزيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر (أنه دخل على

٦٧

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعليه إزار يتقعقع فقال : من هذا؟ قال : أنا عبد الله ، قال : إن كنت عبد الله فارفع إزارك ، فرفع إزاره ، ثم قال : إن كنت عبد الله فارفع إزارك ، فرفع إزاره ، وقال : إن كنت عبد الله فارفع إزارك حتى بلغ نصف الساقين ، قال : فلم يزل إزرة عبد الله حتى مات.

أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا أبو القاسم علي بن عبد الوحد ابن عيسى بن موسى النجيرمي الكاتب ، حدثنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق إملاء ، أنبأنا أبو المعمر الحسين بن محمد الموصلي بطرابلس دلنا عليه خيثمة بن سليمان ، أنبأنا أحمد بن محمد أبي الخناجر ، حدثنا خالد ، حدثنا مسعر عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة قال (قالت امرأة لعيسى بن مريم : طوبى للبطن الذي حملك وطوبى للثدي الذي أرضعك ، فقال : طوبى لمن قرأ كتاب الله ثم اتبعه).

حدثنا أبو السعود أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن المجلي ، حدثنا عبد المحسن بن محمد بن علي من لفظه ، حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي قدومة ، حدثنا القاضي أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن الدينوري ، أنشدني أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق المعروف بابن يزيد الحلبي لأبي بكر الصنوبري :

يزيد الفقه والفقهاء حبا

إلى قلبي فقيه بني يزيد

تناهى ثم زاد على التناهي

وحاول أن يزيد على المزيد

أبا الحسن ابتذل عمرا مداه

مدى أمد وليس مدى لبيد

وعش عيشا جديدا كل يوم

قرير العين بالعيش الجديد

فكم من مستفاد منه علما

يمد إليك كف المستفيد

أخبرنا أبو الحسن الشافعي وأبو الفضل بن ناصر قالا : أجاز لنا أبو إسحق إبراهيم ابن سعيد الحبال قال سنة ست وتسعين وثلاثمائة القاضي أبو الحسن علي بن محمد ابن يزيد الحلبي يعني مات ، يقال إنه ولد سنة خمس وتسعين ومائتين ا ه (ابن عساكر).

أقول : وترجمه أيضا الحافظ الذهبي في تاريخه دول الإسلام فقال بعد أن ذكر بعضا من مشايخه الذين قدمنا ذكرهم عن الحافظ ابن عساكر : قال أبو عمرو الداني روى (أي المترجم) عن ابن مجاهد كتاب السبعة له وهو وشيخنا أبو مسلم آخر من بقي من أصحاب

٦٨

ابن مجاهد. وعمر أبو الحسن عمرا طويلا نيف على عشر ومائة فيما بلغني. قلت : ورخ موته القاضي وقال : يقال إنه ولد سنة خمس وتسعين ومائتين ، قلت : فعلى هذا قد عاش مائة سنة وسنة. أنبأني أحمد بن عبد القادر العامري ، أنا عبد الصمد بن محمد الحاكم ، أنا طاهر بن سهل الأسفرايني سنة خمس وعشرين وخمسمائة ، أنا محمد بن مكي الأزدي أنا (علي بن محمد بن إسحق) ، أنا عبد الرحمن بن عبيد الله بن أخي الإمام بحلب ، حدثنا محمد بن قدامة ، حدثنا جرير عن رقبة عن جعفر بن إياس عن حبيب يعني ابن سالم عن النعمان بن بشير (قال : أنا أعلم الناس بميقات هذه الصلاة صلاة عشاء الآخرة ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثه) تفرد به جرير عن رقبة بن مصقلة ا ه.

٥٤ ـ عبد الواحد النصيبي الشاعر من شعراء سيف الدولة

المتوفى سنة ٣٩٦

عبد الواحد بن نصر بن محمد أبو الفرج المخزومي النصيبي الشاعر المعروف بالببغا ، خدم سيف الدولة بن حمدان. قال الخطيب : كان شاعرا مجودا وكاتبا مترسلا جيد المعاني حسن القول في المديح والغزل ، ومن شعره :

يا من تشابه منه الخلق والخلق

فما تسافر إلا نحوه الحدق

توريد دمعي من خديك مختلس

وسقم جسمي من جفنيك مسترق

لم يبق لي رمق أشكو إليك به

وإنما يتشكى من به رمق

وله :

أستودع الله قوما ما ذكرتهم

إلا وضعت يدي لها على كبدي

تبدلوا وتبدلنا وأخسرنا

من ابتغى سببا يسلي فلم يجد

لححت (١) ثم رأيت اليأس أجمل بي

تنزها فخصمت الشوق بالجلد

__________________

(١) لعل الصواب : لججت.

٦٩

وله :

أوليس من إحدى العجائب أنني

فارقته وجننت بعد فراقه

يا من يحاكي البدر عند تمامه

ارحم فتى يحكيك عند محاقه

ا ه (ذهبي من وفيات سنة ثمان وتسعين وثلثمائة).

وقال الثعالبي في خاص الخاص : لم أسمع في الختان أبدع وأحسن من قول الصنوبري :

أرى طهرا سيثمر بعد عرسا

كما قد يثمر الطرب المدامه

وما قلم بمغن عنك إلا

إذا ما عنه ألقيت القلامه

ولا في استهداء المسك أحسن من قول الببغا الشاعر :

الطيب يهدى وتستهدى طرائفه

وأشرف الناس يهدي أشرف الطيب

والمسك أشبه شيء بالشباب فهب

شبه الشباب لبعض العصبة الشيب

ا ه.

٥٥ ـ طاهر بن عبد المنعم بن غلبون المتوفى سنة ٣٩٩

طاهر بن عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون أبو الحسن الحلبي ثم المصري المقري مصنف التذكرة في القراءات وغير ذلك ، كان من كبار المقرئين هو وأبوه أبو الطيب ، قرأ على والده وعلى أبي عدي عبد العزيز بن علي المصري بمصر ، وعلى أبي الحسن علي بن محمد ابن صالح الهاشمي بالبصرة ، وهو من أصحاب أبي العباس الأشناني ، وقرأ بالبصرة أيضا على أبي الحسن محمد بن يوسف بن نهار الحرتكي ، وتصدر للإقراء ، عرض عليه أبو عمرو الداني وإبراهيم بن ثابت الإقليسني ، وروى عنه كتاب التذكرة أبو الفتح أحمد بن بابشاذ ومحمد بن أحمد بن علي القزويني وغيرهما ا ه. (ذهبي من وفيات سنة تسعة وتسعين وثلاثمائة).

٥٦ ـ أبو العباس النامي الشاعر من شعراء سيف الدولة المتوفى سنة ٣٩٩

أبو العباس أحمد بن محمد الدارمي المصيّصي المعروف بالنامي الشاعر المشهور ، كان

٧٠

من الشعراء المفلقين ومن فحول شعراء عصره وخواص مدّاح سيف الدولة بن حمدان ، وكان عنده تلو أبي الطيب المتنبي في المنزلة والرتبة ، وكان فاضلا أديبا بارعا عارفا باللغة والأدب ، وله أمالي أملاها بحلب روى فيها عن أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش وابن درستويه وأبي عبد الله الكرماني وأبي بكر الصولي وإبراهيم بن عبد الرحمن العروضي وأبيه محمد المصيّصي. وروى عنه أبو القاسم الحسين بن علي بن أبي أسامة الحلبي وأخوه أبو الحسين أحمد وأبو الفرج الببغاء وأبو الخطاب بن عون الحريري وأبو بكر الخالدي والقاضي أبو طاهر صالح بن جعفر الهاشمي. ومن محاسن شعره قوله فيه من جملة قصيدة :

أمير العلا إن العوالي كواسب

علاءك في الدنيا وفي جنة الخلد

يمر عليك الحول سيفك في الطلى

وطرفك ما بين الشكيمة واللبد

ويمضي عليك الدهر فعلك للعلا

وقولك للتقوى وكفك للرفد

ومن شعره أيضا :

أحقا أن قاتلتي زرود

وأن عهودها تلك العهود

وقفت وقد فقدت الصبر حتى

تبين موقفي أني الفقيد

فشكت فيّ عذالي فقالوا

لرسم الدار أيكما العميد

وله مع المتنبي وقائع ومعارضات في الأناشيد. وحكى أبو الخطاب بن عون الحريري النحوي الشاعر أنه دخل على أبي العباس النامي قال : فوجدته جالسا ورأسه كالثغامة بياضا وفيه شعرة واحدة سوداء ، فقلت له : يا سيدي في رأسك شعرة سوداء ، فقال : نعم هذه بقية شبابي وأنا أفرح بها ولي فيها شعر ، فقلت : أنشدنيه ، فأنشدني :

رأيت في الرأس شعرة بقيت

سوداء تهوى العيون رؤيتها

فقلت للبيض إذ تروّعها

بالله إلا رحمت غربتها

فقلّ لبث السوداء في وطن

تكون فيه البيضاء ضرتها

ثم قال : يا أبا الخطاب بيضاء واحدة تروع ألف سوداء ، فكيف حال سوداء بين ألف بيضاء. ومن شعره :

أتاني في قميص اللاذ يسعى

عدو لي يلقب بالحبيب

٧١

وقد عبث الشراب بمقلتيه

فصير خده كسنا اللهيب

فقلت له بم استحسنت هذا

لقد أقبلت في زي عجيب

أحمرة وجنتيك كستك هذا

أم أنت صبغته بدم القلوب

فقال الراح أهدت لي قميصا

كلون الشمس في شفق المغيب

فثوبي والمدام ولون خدي

قريب من قريب من قريب

وتوفي سنة تسع وتسعين وثلثمائة وقيل سنة سبعين أو إحدى وسبعين بحلب وعمره تسعون سنة رحمه‌الله تعالى. والدارمي بفتح الدال المهملة وبعد الألف راء مكسورة ثم ميم ، هذه النسبة إلى دارم بن مالك بطن كبير من تميم. والمصيّصي بكسر الميم والصاء المهملة المشددة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها صاد ثانية مهملة ، هذه النسبة إلى المصيّصة وهي مدينة على ساحل البحر الرومي تجاور طرسوس وسيس ، وتلك النواحي بناها صالح بن علي عم أبي جعفر المنصور في سنة أربعين ومائة بأمر المنصور ا ه (ابن خلكان).

قال الثعالبي في خاص الخاص : من غرر أحاسنه قوله لسيف الدولة :

خلقت كما أرادتك المعالي

وأنت لمن رجاك كما يريد

وقوله في الغزل :

سألت بالفراق صبّا وما ينبئها بالفراق مثل خبير

هوبين الحشا صدوع وفي الأعين ماءوجمرة في الصدور

* * *

٧٢

(أعيان القرن الخامس)

٥٧ ـ أسد بن القاسم العبسي المتوفى سنة ٤١٥

أسد بن القاسم بن العباس بن القاسم أبو الليث المقري العبسي الحلبي ، سكن دمشق وكان إمام مسجد سوق النحاسين ، وحدث عن أبي القاسم الفضل بن جعفر وأبي بكر الميانجي وأحمد بن محمد بن صالح بن النصر الأنطاكي الفقير. روى عنه أبو الحسن علي ابن محمد بن شجاع وعلي بن محمد الحنائي وأبو سعد إسماعيل بن علي السمان الرازي وعبد العزيز بن أحمد الكتاني.

أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني ، حدثنا عبد العزيز بن أحمد ، أنبأنا أبو الليث أسد بن القاسم بن العباس الحلبي قراءة عليه ، حدثنا أبو القاسم الفضل بن جعفر ، حدثنا محمد ابن الفضل ، حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا عبد الله بن عيسى الجزاز ، حدثنا يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس بن مالك قال : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الصدقة تطفىء غضب الرب وتدفع ميتة السوء) كذا قال وهو محمد بن عبد الله بن الفضل نسبة إلى جده ولم يصغره.

أخبرناه عاليا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي بن سلوان ، أنبأنا الفضل بن جعفر ، حدثنا محمد بن عبد الله بحمص ، حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا عبد الله بن عيسى الجزاز ، حدثنا يونس بن عبيد ، حدثنا الحسن عن أنس قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكر مثله. قال : أنبأنا أبو محمد بن الأكفاني : توفي أبو الليث أسد بن القاسم الحلبي الذي كان يصلي في مسجد النحاسين وقد حدث عن الفضل بن جعفر وغيره في شوال سنة خمس عشرة وأربعمائة ا ه (ابن عساكر).

٧٣

٥٨ ـ القاضي أبو القاسم التنوخي المتوفى سنة ٤١٩

القاضي أبو القاسم المحسّن بن عبد الله بن محمد بن عمرو بن سعيد بن محمد بن داود ابن المطهّر (١) بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أنور بن أرقم بن أسحم بن الساطع وهو النعمان (الذي تنسب إليه معرة النعمان ، وباقي نسب الساطع مذكور في المعجم) التنوخي المعري الحنفي العاجي ، ولد سنة ٣٤٩ وحدث وروي عنه ، وحج سنة ٤١٩ على طريق دمشق فمات بوادي مرّ في هذه السنة وحمل إلى مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودفن بالبقيع ، وله مصنفات ووصايا وأشعار ، فمن شعره قوله :

انع إلى من لم يمت نفسه

فإنه عما قليل يموت

ولا تقل فات فلان فما

في سائر العالم من لا يفوت

ألا ترى الأجداث مملوءة

لما خلت من ساكنيها البيوت

فاقنع بقوت حسب من لم يكن

مخلدا في هذه الدار قوت

ولا يكن نطقك إلا بما

يعنيك في الذكرة أو في السكوت

وله أيضا :

وكل أداويه على حسب دائه

سوى حاسد فهي التي لا أنالها

وكيف يداوي المرء حاسد نعمة

إذا كان لا يرضيه إلا زوالها

ا ه (ياقوت في المعجم).

٥٩ ـ الشيخ نمير صاحب المزار المشهور المتوفى سنة ٤٢٥

عبد الرزاق بن عبد السلام المعروف بابن أبي نمير العابد الحلبي. قال في الزبد والضرب : كان أبن أبي نمير من الأولياء الزهاد ومن المحدثين العلماء ، ولما أتى فردوس الدمستق إلى حلب ونزل عليها سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة في خمسمائة ألف ما بين فارس وراجل (قدمنا أن هذا العدد مبالغ فيه) قيل إن الدمستق رأى في نومه المسيح وهو يقول

__________________

(١) في الأصل : أبو القاسم الحسن ... بن الطهر ، والصواب ما أثبتاه. انظر الخريدة (١ : ١٣٠).

٧٤

له مهددا : أتحاول أخذ هذه المدينة وفيها ذلك الساجد على الترس ، وأشار إلى موضعه في البرج الذي بين باب قنسرين وبرج الغنم في المسجد المعروف بمشهد النور ، فلما أصبح ملك الروم سأل عنه فوجده ابن أبي نمير عبد الرزاق بن عبد السلام العابد الحلبي ، وكان ذلك سببا لرحيله عن حلب. وتوفي ابن أبي نمير سنة خمس وعشرين وأربعمائة وقبره بباب قنسرين ا ه.

ووجدت ترجمته أيضا في آخر نسخة مخطوطة من الجامع الصغير في الحديث في بعض المكاتب في حلب. قال : هو الشيخ الزاهد عبد الرزاق بن عبد السلام بن عبد الواحد أبو عبد الله بن أبي نمير الأسدي الحلبي العابد ، سمع بحلب أبا بكر محمد بن الحسين وغيره ، وسمع عنه أبو الفتح عبد الله بن إسماعيل بن الحلبي وغيره ، وكان يتعبد في مسجد النور وهو بالقرب من باب قنسرين في برج من أسوار حلب فيما بين برج الغنم وباب قنسرين ، رؤي النور ينزل عليه مرارا ، واتفق أن ملك الروم نزل على حلب محاصرا لها ، فجاء الحلبيون إلى ابن أبي النمير العابد فقالوا : ادع الله لنا أيها الشيخ ، قال : فسجد على ترس كان عنده ودعا الله تعالى وسأل دفع العدو عن حلب ، فرأى ملك الروم تلك الليلة في منامه قائلا يقول له : ارحل عن هذه البلدة وإلا هلكت ، أتنزل عليها وفيها الساجد على الترس في ذلك البرج ، وأشار إلى البرج الذي فيه مشهد النور ، فانتبه ملك الروم وذكر المنام لأصحابه وصالح أهل حلب وقال : لا أرحل حتى تعلموني من كان الساجد على الترس ، فكشفوا عنه فوجدوه ابن أبي النمير رضي‌الله‌عنه ، ويسمونه الناس (١) الآن الشيخ نمير ، فكان من أولياء الله تعالى المشهورين بالكرامات. توفي بحلب سنة خمس وعشرين وأربعمائة. هكذا مكتوب على لوح قبره ، وقبره خارج باب قنسرين في تربة ابن أمين الدولة قديما تحت قلعة الشريف بالقرب من الخندق ، وينذر له النذور ويزار إلى يومنا هذا ، ويقال إن قبره سمّي سم ساعة لسرعة الإجابة تغمده الله برحمته ورضي عنا وعنه آمين ا ه (من تاريخ ابن عدسة عفا الله عنه).

وقال في الدر المنتخب المنسوب لابن الشحنة : قال ابن شداد : ومنها (أي المزارات التي بحلب) مسجد النور وهو بالقرب من باب قنسرين في برج من أبراج أسوار حلب ،

__________________

(١) هكذا في الأصل :

٧٥

وكان أبو نمير يتعبد فيه واسمه عبد الرزاق بن عبد السلام ، توفي بحلب سنة خمس وعشرين وأربعمائة وقبره خارج باب قنسرين تحت قلعة الشريف بالقرب من الخندق تنذر له النذور ويزار إلى يومنا هذا ا ه.

أقول : إن التربة التي هي خارج محلة باب قنسرين التي يحدها قبلة المجزرة (المسلخ) وشرقا الخندق وغربا الطريق الذي يذهب منه إلى محلة المغاير قد تسمت باسم الشيخ أبي نمير وهي مشهورة به ، وقبر الشيخ قريب من الخندق وقد جدد في مدة ولاية جميل باشا وأظن أنه هو المجدد له.

وإلى زماننا هذا وللناس فيه اعتقاد عظيم وهو مقصود لديهم في الزيارة خصوصا النساء يزورونه وينذرون له النذور ، وقد خصصوا زيارته يوم السبت قبل طلوع الشمس فتجد الناس في هذا الوقت متوجهين زرافات ووحدانا لزيارته ، ولا أدري الحكمة في تخصيصهم هذا اليوم وهذا الوقت للزيارة.

٦٠ ـ ظفر بن مظفر بن كتبة المتوفى سنة ٤٢٩

ظفر بن مظفر بن عبد الله بن كتبة أبو الحسين الحلبي التاجر الفقيه الشافعي ، سمع عبد الرحمن بن عمر بن نصر وأبا الحسن عبيد الله بن حسن الوراق. روى عنه علي الحنائي وأبو سعد السمان وعبد العزيز الكتاني ومحمد بن أحمد بن محمد بن أبي الصقر.

أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد ، حدثنا عبد العزيز بن أحمد ، أنبأنا أبو الحسن ظفر ابن مظفر الناصري الفقيه قراءة عليه ، حدثنا عبد الرحمن بن عمر بن نصر ، حدثنا أبو علي الحسن بن حبيب وأبو القاسم علي بن يعقوب قال : أنبأنا أبو يعقوب المروروذي قال :

سمعت محمد بن مصعب يقول : قال فضيل بن عياض : ما كان ينبغي أن يكون أحد أطول حزنا ولا أكثر بكاء ولا أدوم صلاة من العلماء في هذه الدنيا ، لأنهم الدعاة إلى الله عزوجل.

أخبرنا أبو محمد أيضا حدثنا عبد العزيز قال : توفي الفقيه أبو الحسن ظفر بن المظفر الناصري في شوال سنة تسع وعشرين وأربعمائة ، حدث عن عبد الرحمن بن عمر بن نصر بشيء يسير ، وذكر أبو بكر الحداد أنه فقيه شافعي ثقة ا ه (ابن عساكر).

٧٦

٦١ ـ عبد الرحمن أبو القاسم السراج المحدث المتوفى سنة ٤٣١

عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد أبو القاسم الحلبي السراج المعروف بابن الطبير الرام ، سكن دمشق وحدث عن محمد بن عيسى البغدادي العلاف نزيل حلب وأبي بكر محمد بن الحسين السبيعي ومحمد بن جعفر بن السقا ومحمد بن عمر الجعابي وجماعة ، تفرد في الدنيا عنهم وطال عمره. روى عنه عبد العزيز الكتاني وعلي بن محمد الربعي وأبو عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد وأبوه وابن أبي الصقر الأنباري وأبو القاسم المصيصي وعبد الرزاق بن عبد الله الكلاعي والفقيه نصر المقدسي وجماعة. قال أبو الوليد الباجي : هو شيخ لا بأس به. وقال عبد العزيز الكتاني : توفي شيخنا أبو الطبير في جمادى الأولى ، وكان يذكر أن مولده سنة ثلاثين وثلثمائة ثم سمى شيوخه. قال : وكانت له أصول حسنة ، وكان يذهب إلى التشيع. قال ابن الطبير : أنبأنا محمد بن عيسى البغدادي ، أنبأنا أحمد ابن عبيد الله الترسي فذكر حديثا وقرأت على عبد الحافظ بن بدران ، أخبرنا أحمد بن الخضر ابن طاوس سنة سبع عشرة ، أنبأنا حمزة بن كروس السلمي ، أنبأنا نصر بن إبراهيم الفقيه ، أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز السراج بدمشق ، أنبأنا أبو الحسن محمد بن جعفر بن هشام الحلبي ، أنبأنا سليمان بن المعافى بحلب ، ثنا أبي ، ثنا موسى بن أعين عن أبي الأشهب عن عمران بن مسلم عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : (من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له بها ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة وبنى له بيتا في الجنة) هذا حديث حسن غريب ا ه (ذهبي من وفيات سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة).

٦٢ ـ التقي بن نجم أبو الصلاح الرافضي المتوفى سنة ٤٤٧

التقي بن نجم بن عبد الله أبو الصلاح الحلبي شيخ الشيعة وعالم الرافضة بالشام. قال يحيى بن أبي طي الحلبي في تاريخه : هو عين علماء الشام والمشار إليه بالعلم والبيان والجمع بين علوم الأديان وعلوم الأبدان ، ولد في سنة أربع وسبعين بحلب ودخل إلى العراق ثلاث مرات فقرأ على الشريف المرتضي. وقال ابن أبي دوح : توفي بعد عوده من الحج في الرملة في المحرم. وكان أبو الصلاح علامة في فقه أهل البيت. وقال غيره : له مصنفات في الأصول

٧٧

والفروع منها كتاب الكافي وكتاب التهذيب وكتاب المرشد في طريق التعبد وكتاب العمدة في الفقه وكتاب تدبير الصحة صنفه لصاحب حلب نصر بن صالح وكتاب شبه الملاحدة ، وكتبه مشهورة بين أئمة القوم ، وذكر عنه صلاح وزهد وتقشف زائد وقناعة مع الحرمة العظيمة والجلالة وأنه كان يرغب في حضور الجماعة ، وكان لا يصلي في المسجد غير الفريضة ويتنفل في بيته ولا يقبل ممن يقرأ عليه هدية ، وكان من أذكياء الناس وأفقههم وأكثرهم تفننا ، وطوّل ابن أبي طي ترجمته ا ه (ذهبي من وفيات سنة سبع وأربعين وأربعمائة).

٦٣ ـ أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري المتوفى سنة ٤٤٩

ترجم الشيخ أبا العلاء المعري غير واحد من المؤرخين المتقدمين ، إلا أن أوسع هذه التراجم كتاب ألفه الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن العديم الحلبي المتوفى سنة ٦٦٠ سماه (كتاب الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري) وهو في ترجمته وترجمة أسرته. هذا الكتاب عثرت عليه مخطوطا في خزانة سعادة حاكم حلب الآن مرعي باشا الملاح ، وقد كلفني فاستنسخت عنه نسخة أهداها للمجمع العلمي العربي بدمشق ، وأذن لي فاستنسخت أخرى لنفسي كتبها ولدي محمد سلمه الله وقابل هاتين النسختين على بعضهما ، إلا أن الكتاب مخروم من آخره وقبل آخر الموجود بورقتين مخروم أيضا. وإني أدرج هذا الكتاب النفيس النادر الوجود الذي قل من الناس من يعرف اسمه فضلا عما اشتمل عليه قبل أن ترسل منه نسخة إلى المجمع العلمي ويكتب المجمع عنه بعض كلمات في مجلته ، ولعل نشرنا لهذا الكتاب يدعو بعض ذوي الهمم للبحث والتنقيب عن نسخة تامة منه فيسعى بطبعه على حدة (١).

وبعد أن نأتي على هذا الكتاب نذكر بعضا من ترجمته المذكورة في معجم الأدباء ثم أقوال العلماء في حقه ، ونختم ذلك ببيان رأينا فيه ، ولعل كلمتنا يكون فيها فصل الخطاب والله الملهم للصواب وإليه المرجع والمآب.

__________________

(١) الجدير بالذكر أن هذه النسخة التي أهديت إلى المجمع العلمي العربي بدمشق كانت قد استعارتها لجنة إحياء آثار أبي العلاء في مصر ونشرتها ضمن كتاب «تعريف القدماء بأبي العلاء» وذلك عام ١٣٦٣ ه‍ ـ ١٩٤٤ م.

٧٨

كتاب الإنصاف والتحري

في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الإمام العلامة أوحد الفضلاء سيد العلماء الصاحب كمال الدين جمال الإسلام بهاء الأنام بقية السلف الكرام أوحد عصره وفريد دهره عمر بن الصاحب السعيد الإمام العلامة قاضي القضاة نجم الدين أبي الحسن أحمد بن الصاحب السعيد قاضي القضاة جمال الدين أبي غانم هبة الله ابن قاضي القضاة مجد الدين أبي عبد الله محمد ابن قاضي القضاة جمال الدين أبي الفضل هبة الله ابن قاضي القضاة نجم الدين أبي الحسن أحمد بن يحيى بن زهير بن أبي جرادة تغمده الله برحمته ورضوانه :

الحمد لله الكريم العادل ، ذي الفضل الشامل ، والإحسان الكامل ، محق الحق ومبطل الباطل ، أحمده على ما منحنا من التوفيق ، وهدانا به إلى سواء الطريق ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من خلص له يقينه ، وصح بالوحدانية مذهبه ودينه ، وأشهد أن محمدا عبده الأواب ، ورسوله المبين للصواب ، أرسله بالآيات الباهرة والحجج الزاهرة والدلائل الظاهرة ، ففرق بين الصحيح والسقيم ، والمعوج والقويم ، وهدى أمته إلى الصراط المستقيم ، صلى الله عليه وعلى آله الأكرمين وأصحابه الهداة المنتخبين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد ، فإني وقفت على جملة من مصنفات عالم معرة النعمان أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان فوجدتها مشحونة بالفصاحة والبيان ، مودعة فنونا من الفوائد الحسان ، محتوية على أنواع الآداب ، مشتملة من علوم العرب على الخالص والباب ، لايجد الطامح فيها سقطة ، ولا يدرك الكاشح فيها غلطة ، ولما كانت مختصة بهذه الأوصاف مميزة على غيرها عند أهل الإنصاف ، قصده جماعة لم يعوا وعيه ، وحسدوه إذ لم ينالوا سعيه ، فتتبعوا

٧٩

كتبه على وجه الانتقاد ، ووجدوها خالية من الزيغ والفساد ، فحين علموا سلامتها من العيب والشين ، سلكوا فيها معه مسلك الكذب والمين ، ورموه بالإلحاد والتعطيل ، والعدول عن سواء السبيل. فمنهم من وضع على لسانه أقوال الملحدة ، ومنهم من حمل كلامه على غير المعنى الذي قصده ، فجعلوا محاسنه عيوبا وحسناته ذنوبا ، وعقله حمقا وزهده فسقا ، ورشقوه بأليم السهام وأخرجوه عن الدين والإسلام ، وحرفوا كلمه عن مواضعه وأوقعوه في غير مواقعه.

ولو نظر الطاعن كلامه بعين الرضا وأغمد سيف الحسد من عليه انتضى ، لأوسع له صدرا وشرح ، واستحسن ما ذم ومدح ، لكن جرى الزمن على عاداته في مطالبته أهل الفضل بتراته وقصدهم بإساءاته فسلط عليهم أبناءه وجعلهم أعداءه ، فقصدوه بالطعن والإساءة واللبيب مقصود والأديب عن بلوغ الغرض مصدود ، وكل ذي نعمة محسود ، ومن سلك في الفصاحة مسلكه وأدرك من أنواع العلوم ما أدركه ، وقصد في كتبه الغريب وأودعها كل معنى غريب ، كان للطاعن سبيل إلى عكس معانيها وقلبها ، وتحريفها عن وجوهها المقصودة وسلبها ، ألا ترى إلى كتاب الله العزيز المحتوي على المنع والتجويز ، الذي لا يقبل التبديل في شيء من صحفه ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، كيف أحال جماعة من أرباب باطل الأقاويل تأويله على غير وجوه التأويل ، فصرفوا تأويله إلى ما أرادوا ، فما أحسنوا في ذلك ولا أجادوا ، حتى إن جماعة من الكفار وأرباب الزلل والعثار ، تمسكوا منه بآيات جعلوها دليلا على ما ذهبوا إليه من الضلالات ، فما ظنك بكلام رجل من البشر ليس بمعصوم إن زل أو عثر ، وقد تعمق في فصيح الكلام وأتى من اللغات بما لا يتيسر لغيره ولا يرام ، وأودعها في كلامه أحسن إيداع وأبرزها في النظم البديع والأسجاع ، إذا قصده بعض الحساد ، فحمل كلامه على غير المراد.

وقد وضع أبو العلاء كتابا وسمه ب «زجر النابح» أبطل فيه طعن المزري عليه والقادح ، وبين فيه عذره الصحيح وإيمانه الصريح ووجه كلامه الفصيح ، ثم أتبع ذلك بكتاب وسمه ب «نجر الزجر» بين فيه مواضع طعنوا بها عليه بيان الفجر ، فلم يمنعهم زجره ولا اتضح لهم عذره ، بل تحقق عندهم كفره واجترؤوا على ذلك وداموا ، وعنفوا من انتصر له ولاموا ، وقعدوا في أمره وقاموا ، فلم يرعوا له حرمة ، ولا أكرموا علمه ، ولا راقبوا إلّا ولا ذمة ، حتى حكوا كفره بالأسانيد وشددوا في ذلك غاية التشديد ، وكفّره من

٨٠