إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٤

٣٢٥ ـ قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور المتوفى سنة ٧٣٥

عبد الكريم بن عبد النور بن منير بن عبد الكريم بن علي بن عبد الحق بن عبد الصمد ابن عبد النور الحلبي الأصل والمولد المصري الإمام. كتب بخطه وسمع الكثير وحدث وأفاد وأحسن ودرس لطائفة المحدثين بالجامع الحاكمي ، وأعاد بالقبة المنصورية لطائفة الحديث ، وصنف وجمع. وكان سمحا بعارية الكتب والأجزاء. مولده سنة أربع وستين وستماية ، ومات في سلخ رجب سنة خمس وثلاثين وسبعماية بمنزله خارج باب النصر جوار زاوية خاله شيخنا نصر المنبجي ودفن بها ا ه. (ط ح ق).

وعلى هامش النسخة نقلا عن تاج التراجم أنه شرح البخاري بلغ النصف ، وعمل تاريخ مصر فبلغ مجلدات دون التمام ، وشرح السيرة النبوية للحافظ عبد الغني ، وله غير ذلك ا ه.

وذكره ابن الوردي فيمن توفي هذه السنة وقال : كان كيّسا حسن الأخلاق مطّرحا للتكلف طاهر اللسان مضبوط الأوقات ، شرح معظم البخاري وعمل تاريخا لمصر لم ينته ودرس الحديث بجامع الحاكم وخلف تسعة أولاد ودفن عند خاله نصر المنبجي ا ه.

وترجمه ابن خطيب الناصرية في الدر المنتخب وذكر بعض من أخذ عنهم وقال :

قال بعض أهل العلم : إن أشياخه تبلغ الألف ، وجمع عدة أربعينيات منها بلدانية وتساعيات ، وصنف عدة تصانيف منها «المورد العذب الهني في الكلام على سيرة الحافظ عبد الغني» و «القدح المعلّى في الكلام على بعض أحاديث المحلّى» و «الاهتمام في أحاديث الأحكام» وقطعة كبيرة من شرح البخاري وتاريخ لمصر عدة مجلدات. وقرأت أنا الأربعين التساعية تخريجه على ابن ابنه شيخنا المعمر قطب الدين عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بسماعه لها من أبيه محمد بسماعه لها من أبيه قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بخانقاه سعد السعداء في القاهرة المعزية في سنة ثمان وثمانماية في رحلتي الأولى إليها ا ه.

٣٢٦ ـ مهنّا بن إبراهيم المتوفى سنة ٧٣٦

قال ابن الوردي في الذيل في حوادث سنة ست وثلاثين وسبعمائة : فيها توفي العارف

٥٢١

الزاهد (مهنا ابن الشيخ إبراهيم) بن القدوة مهنا الفوعي بالفوعة في خامس عشر شوال ، ورثيته بقصيدة أولها :

اسأل الفوعة الشديدة حزنا

عن مهنّا هيهات أين مهنّا

أين من كان أبهج الناس وجها

فهو أسمى من البدور وأسنى

ومنها :

أين شيخي وقدوتي وصديقي

وحبيبي وكل ما أتمنى

كيف لا يعظم المصاب لصدر

نحن منه مودة وهو منّا

جعفريّ السلوك والوضع حتى

قال عبس عنه مهنّا مهنّا

أي قلب به ولو كان صخرا

ليس يحكي الخنساء نوحا وحزنا

أذكرتنا وفاته بأبيه

وأخيه أيام كانوا وكنّا

وهي طويلة (١).

كان جده مهنا الكبير من عبّاد الأمة وترك أكل اللحم زمانا طويلا لما رأى من اختلاط الحيوانات في أيام هولاكو لعنه الله ، وكان قومه على غير السنة فهدى الله الشيخ مهنا من بينهم وأقام مع التركمان راعيا ببرية حران ، فبورك للتركمان في مواشيهم ببركته وعرفوا بركته ، وحصل له نصيب من الشيخ حياة بن قيس بحران وهو في قبره وجرت له معه كرامات ، فرجع مهنا إلى الفوعة وصحب شيخنا تاج الدين جعفر السراج الحلبي وتلمذ له وانتفع به وصرفه مهنا في ماله وخلفه على السجادة بعد وفاته ، ودعا إلى الله تعالى ، وجرت له وقائع مع الشيعة وقاسى معهم شدائد وبعد صيته وقصد بالزيارة من البعد ، وجاور بمكة شرفها الله تعالى سنين ثم بالمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، وجرت له هناك كرامات مشهورة بين أصحابه وغيرهم ، منها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رد عليه‌السلام من الحجرة وقال : وعليك السلام يا مهنا. ثم عاد إلى الفوعة وأقام بها إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى في المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة.

وجلس بعده على سجادته ابنه الشيخ إبراهيم ، فسار أحسن سيرة ودعا إلى الله تعالى

__________________

(١) هي في ستة وعشرين بيتا موجودة في ديوانه في صحيفة ٢٦٦.

٥٢٢

على قاعدة والده ، ورجع من أهل بلد سرمين خلق إلى السنة ، وقاسى من الشيعة شدائد ، وسبه قتل ملك الأمراء بحلب يومئذ سيف الدين قبحق الشيخ الزنديق منصورا من تار (١) ، وجرت بسبب قتله فتن في بلد سرمين. ولم يزل الشيخ إبراهيم على أحسن سيرة وأصدق سريرة إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى في ذي الحجة سنة ست عشرة وسبعمائة.

وجلس بعده على سجادته ابنه الشيخ الصالح إسماعيل ابن الشيخ إبراهيم بن القدوة ، فسار أحسن سيرة وقاسى من الشيعة غبونا ، ولم يزل على أحسن طريقة إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى في ثامن صفر سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.

وجلس بعده على السجادة أخوه لأبويه الشيخ الصالح مهنا بن إبراهيم بن مهنا ، إلى أن توفي في خامس عشر شوال سنة ست وثلاثين وسبعمائة كما مر ، وتأسف الناس لموته فإنه كان كثير العبادة حسن الطريقة عارفا.

وجلس بعده على السجادة أخوه لأبيه الشيخ حسن ، وكان شيخنا عبس يحب مهنا هذا محبة عظيمة ويعظمه ويقول عنه : مهنا مهنا ، يعني أنه يشبه في الصلاح والخير جده. وهم اليوم ولله الحمد بالفوعة جماعة كثيرة وكلهم على خير وديانة ، وقد أجزل الله عليهم المنة وجعلهم بتلك الأرض ملجأ لأهل السنة. ولو ذكرت تفاصيل سيرة الشيخ مهنا الكبير وأولاده وأصحابه وكراماتهم لطال القول والله تعالى أعلم ا ه.

٣٢٧ ـ الأمير إزبك الحموي المتوفى سنة ٧٣٧

قال ابن الوردي في الذيل في حوادث سنة سبع وثلاثين وسبعمائة : فيها في ذي الحجة توفي الأمير العابد الزاهد صارم الدين إزبك المنصوري الحموي بمنزلة نزلها مع العسكر عند أياس ، وحمل إلى حماة فدفن بتربته. وكان من المعمرين في الإمارة ومن ذوي العبادة والمعروف ، وبنى خانا للسبيل بمعرة النعمان شرقيها وعمل عنده مسجدا وسبيلا للماء ، وله غير ذلك رحمه‌الله.

ذكر لي جماعة بحلب وهو مسافر إلى بلاد الأرمن أنه رؤي له بحماة منام يدل على

__________________

(١) يظهر أنه اسم قرية.

٥٢٣

موته في الجهاد وحمله إلى حماة وحوله الملائكة. قلت : ولقد تجمل لهذا الجهاد وتحمل وتكلف لمهمه وتكفل ، حتى كأنه توهم فترة سلاحه عن الكفاح ، فرسم أن تحد السيوف وتعتقل الرماح ، فلاح على حركاته الفلاح ، وسيحمد سراه عند الصباح والله أعلم ا ه.

٣٢٨ ـ محمد بن عبد الرحمن بن النصيبي المتوفى سنة ٧٣٧

محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد القاهر بن هبة الله الحلبي بن النصيبي ضياء الدين. ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة ، وسمع من سنقر الزيني وحدث ، وولي حسبة حلب وقضاء البيرة ، وأثنى عليه ابن حبيب ، ومات رابع المحرم سنة سبع وثلاثين وسبعماية.

٣٢٩ ـ أحمد بن إبراهيم المشهور بابن البرهان الحلبي المتوفى سنة ٧٣٨

أحمد بن إبراهيم بن داود التركي أبو العباس القاضي محيي الدين. تقدم والده إبراهيم. مولده سنة أربع وسبعين وستماية بالقاهرة. تفقه على والده إبراهيم ، ثم ورد حلب ودرس في عدة مدارس بها ، وولي مشيخة الخانقاه المقدمية ، وأذن له والده في الفتوى ، وانتهت إليه رياسة الحنفية بحلب في وقته. كان حيا بحلب سنة ثمان وعشرين وسبعماية ا ه. (ط ح ق).

وقال قبل ذلك : أحمد بن إبراهيم بن داود المقرىء شهاب الدين أبو العباس المعروف بابن البرهان شيخ الحنفية بحلب. كان فقيها فاضلا له مشاركة في علوم عديدة ومصنفات مفيدة. شرح الجامع الكبير. وكانت وفاته في عاشر رجب سنة ثمان وثلاثين وسبعماية ا ه.

وذكره ابن الوردي في الذيل فقال في حوادث هذه السنة : وفيها في رجب مات بحلب فاضل الحنفية بها الشيخ شهاب الدين أحمد بن البرهان إبراهيم بن داود ، ولي قضاء أعزاز ثم نيابة القضاء بحلب مدة ، ثم انقطع إلى العلم. وله مصنفات. وولي ابنه داود جهاته ا ه.

وترجم القرشي في طبقاته أباه إبراهيم وقال : إن جده اسمه داد ، ونص عبارته إبراهيم ابن داد بن ديكه أبو إسحق التركي والد أبي العباس أحمد ، تفقه عليه ولده أبو العباس.

٥٢٤

وداد بدالين مهملتين بينهما الألف وهو اسم مشترك بين لسان الفارسية والتركية معناه العدل ، نقلا عن شيخنا شجاع الدين هبة الله التركستاني ا ه.

٣٣٠ ـ عثمان بن علي بن خطيب جبرين المتوفى سنة ٧٣٨

عثمان بن علي بن عمر بن إسماعيل بن إسماعيل بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب بن علي بن عبد الله بن ناجية الطائي الحلبي فخر الدين بن خطيب جبرين الفقيه الشافعي. ولد كما وجد بخطه في ربيع الأول سنة ٦٦٢ ومهر في الفنون حتى كان يدرس لكل من قصده في أي كتاب أراد من أي علم أحضره ، ولم ير الناس له في ذلك نظيرا إلا ما حكي عن ابن يونس. وكان يقري في الحاوي وغيره من الفروع ، وفي المحصول وغيره من أصول الفقه ، وفي الشاطبية وغيرها من القراءات ، وفي الفرائض وأنواع الحساب ، وفي العربية والتصريف ، وفي الحكمة والطب وغير ذلك ، وناب في الحكم. وكان في خلال الدرس وفي خلال الحكم يلازم السبحة. ومن شيوخه في العلم نجم الدين ابن مكي وشمس الدين بهرام ، قرأ عليه التعجيز بقراءته له على مصنفه ابن يونس ، وقرأ الحاوي على تاج الدين محمد بن أحمد الآملي عن قراءته على جلال الدين ولد مؤلفه عنه سماعا.

ومن تصانيفه شرح التعجيز ، وشرح الشامل الصغير (١) ، وشرح مختصر ابن الحاجب ، وشرح البديع (٢) لأبن الساعاتي ، وشرح على الحاوي كالحاشية ، ونظم في الفرائض ، وصنف في المناسك وفي اللغة وغير ذلك ، وشرح مختصر مسلم للمنذري.

وولي قضاء حلب بعد الشيخ شمس الدين بن النقيب في جمادى الآخرة سنة ٣٦ ، ثم طلب إلى القاهرة فمثل بين يدي السلطان هو وولده ، فبدر من السلطان في حقه كلام أغلظ له فيه ، فرجع مرعوبا فمرض هو وولده وماتا جميعا بالمارستان المنصوري بعد جمعة وذلك في المحرم سنة ٣٨ ، هكذا قال الصفدي. وقال غيره : كان عزم السلطان أن يوليه القضاء بعد القزويني لما أراد نقله إلى الشام ، فقدمه (لعله فاستقدمه) وقد استقر عن العز ابن جماعة.

__________________

(١) في فروع الفقه الشافعي منه نسخة في مكتبة ترخان خديجة سلطان في الآستانة.

(٢) هو بديع النظام الجامع بين كتاب البزدوي والأحكام.

٥٢٥

وقد أنشد له الصفدي من نظمه في أسماء الولائم (أبيات هنا مع سطور بعدها بعضها غير ظاهر فتركناها لذلك) ثم قال : وهو الجد الأعلى لقاضي حلب الإمام علاء الدين ابن خطيب الناصرية من قبل أمه وعم جده لأبيه ا ه.

وترجمه الإمام السبكي في طبقاته الكبرى بنحو ما قدمناه عن الدرر الكامنة وأورد من نظمه في أسماء الولائم وهو :

بوليمة سم كل دعوة مأكل

بتقيّد لكن لعرف أطلق

ولدى الختان فتلك إعذار وما

للطفل فهي عقيقة بتحقق

وسلامة الحبلى من الطلق اجعلا

خرسا لها ولأجل غائب انطق

بنقيعة ووكيرة لعمارة

ووضيمة لمصيبة بتصدّق

وسم اللتيا ما لها سب بمأدبة وخذ يا صاح قول محقّق

وليمة الختان إعذار بالعين المهملة والذال المعجمة والراء ، عذرت الغلام إذا ختنته ، ووليمة سلامة الحبلى خرس بضم الخاء المعجمة وسكون الراء وبعدها سين مهملة ، ووليمة قدوم الغائب نقيعة بفتح النون وكسر القاف ثم سكون آخر الحروف ثم عين ، وطعام المآتم وضيمة بفتح الواو وكسر الضاد ثم ياء وميم وهاء. والطعام الذي بلا سبب مأدبة بفتح الميم وسكون الهمزة وضم الدال المهملة وفتح الباء الموحدة وبعدها هاء ا ه (١).

وترجمه ابن الوردي في ذيل تاريخه لأبي الفداء في حوادث سنة تسع وثلاثين وسبعماية حيث قال : فيها في المحرم توفي بمصر شيخنا قاضي القضاة فخر الدين عثمان بن زين الدين علي بن عثمان المعروف بابن خطيب جبرين قاضي حلب ، وذلك أن الشناعات كثرت عليه ، فطلبه السلطان على البريد إليه ، فحضر عنده وقد طار لبه ، وخرج وقد انقطع قلبه ، وتمرض بمصر مدة ، وأراحه الله بالموت من تلك الشدة ، وحسب المنايا أن يكن أمانيا. ولقد كان رحمه‌الله فاضلا في الفقه والأصول والنحو والتصريف والقراءات ، مشاركا في المنطق والبيان وغيرهما ، وله شرح الشامل الصغير ويدل حله إياه على ذكاء مفرط ، وشرح مختصر ابن الحاجب في الأصول ، وشرح البديع لأبن الساعاتي في الأصول أيضا ، وفرائض نظم

__________________

(١) وقدمنا ما نظمه الإمام عمر بن عيسى الباريني المتوفى سنة ٦٧٤ في أسماء الولائم [ترجمة المذكور ستأتي في الجزء الخامس].

٥٢٦

وفرائض نثر ومجموع صغير في اللغة وغير ذلك. وكان رحمه‌الله سريع الغضب سريع الرضى كثير الذكر لله تعالى. قلت :

من هو فخر الدين عثمان في

مراحم الله وإحسانه

مات غريبا خائفا نازحا

عن أنس أهليه وأوطانه

وبعض هذي فيه ما ترتجى

له به رحمة ديّانه

فقل لشانيه ترفّق ففي

شأنك ما يغنيك عن شانه

ورأيت مكتوبا بخطه هذه الكلمات وكنت سمعتها من لفظه قبل ذلك وهي : الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ، والإعراض عن الأسباب في الكلية قدح في الشرع ، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل ، فمن جعل السبب موجبا فقد أخطأ ، ومن محاه ولم يجعل له أثرا فقد أخطأ ، ومن جعل السبب سببا والمسبب هو الفاعل فقد أصاب.

ومولده رحمه‌الله بمصر في العشر الأواخر من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وستين وستماية. ا ه ما ذكره ابن الوردي.

وقوله إن مولده بمصر هذا سهو من الطبع أو من النساخ ، فقد ترجمه الأسنوي في طبقات الشافعية بالحلبي. وجبرين قرية من قرى حلب ، ويؤيد ذلك قول السبكي في صدر ترجمته إنه تفقه بقاضي حلب شمس الدين بن بهرام ، ويؤيد ذلك أيضا قول ابن الوردي إنه مات غريبا خائفا نازحا ... إلخ البيت. ونعته صاحب كشف الظنون في غير موضع بالحلبي. قال الأسنوي في طبقاته : إنه دفن بمقابر الصوفية رحمه‌الله تعالى رحمة واسعة.

٣٣١ ـ الشريف محمد بن الحسن بن زهرة المتوفى سنة ٧٣٩

محمد بن الحسن بن علي بن الحسن بن زهرة بن الحسن بن زهرة الحسيني الحلبي نقيب الأشراف بحلب ، يلقب بدر الدين. أثنى عليه ابن حبيب. وكان أيضا وكيل بيت المال بها ، ومات بها في سنة ٧٣٩ عن نيف وسبعين سنة ا ه.

وذكره ابن الوردي في الذيل في حوادث سنة تسع وثلاثين وسبعماية قال : وفيها في العشر الأوسط من ربيع الآخر توفي السيد الشريف بدر الدين محمد بن زهرة الحسيني

٥٢٧

نقيب الأشراف وكيل بيت المال بحلب ، ومن الاتفاق أنه مات يوم ورود الخبر بعزل ملك الأمراء علاء الدين ألطنبغا عن نيابة حلب ، وكان بينهما شحناء في الباطن. قلت :

قد كان كل منهما

يرجو شفا أضغانه

فصار كل واحد

مشتغلا بشانه

كان السيد رحمه‌الله حسن الشكل وافر النعمة معظما عند الناس شهما ذكيا. وجده الشريف أبو إبراهيم هو ممدوح أبي العلاء المعري كتب إلى أبي العلاء القصيدة التي أولها :

غير مستحسن وصال الغواني

بعد ستين حجة وثمان

ومنها :

كل علم مفرق في البرايا

جمعته معرة النعمان

فأجابه أبو العلاء بالقصيدة التي أولها :

عللاني فإن بيض الأماني

فنيت والظلام ليس بفان

يا أبا إبراهيم قصّر عنك الشع

ر لما وصفت بالقرآن

ا ه.

٣٣٢ ـ عبد المؤمن بن العجمي المتوفى سنة ٧٤١

عبد المؤمن بن عبد الرحمن بن محمد بن عمر بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن ابن العجمي ، عز الدين الكاتب صاحب الخط المنسوب ابن قطب الدين أبي طالب بن عماد الدين أبي بكر بن أبي القاسم زين الدين. ولد عز الدين في رجب سنة ٦٦٤ بحلب ، وسمع من الكمال النصيبي الشمائل وحدث بها. وممن سمع منه البرزالي وهو من بيت كبير بحلب ، وقدم القاهرة فحظي بها واتجر في الكتب فحصل منها مالا جما. وكان له فضل ومروءة وتودد وللناس فيه اعتقاد. وانقطع مدة في آخر عمره لا يخرج إلا إلى صلاة أو عيادة مريض أو سوق الكتب. ومات في جمادى الأولى سنة ٧٤١ بالقاهرة. وهو أخو الخطيب شمس الدين أحمد بن عبد الرحمن المتقدم ذكره.

٥٢٨

وترجمه المقريزي في تاريخه «السلوك إلى معرفة الملوك» بنحو ما تقدم ، ومما قاله أنه حج ماشيا وجاور بمكة مرارا ، وقدم مصر سنة اثنتين وثلاثين وأقام بها حتى مات. وكان لا يقبل لأحد شيئا ويقيم حاله من وقف أبيه بحلب ويتزيا بزي الصوفية ، وكانت فيه مروءة وله مكارم وصدقات وله شعر جيد.

٣٣٣ ـ ألطنبغا باني الجامع في محلة ساحة الملح المتوفى سنة ٧٤٢

قال في المنهل الصافي : ألطنبغا بن عبد الله الصالحي العلائي الأمير علاء الدين نائب حلب ثم نائب دمشق. هو ممن أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون حتى صار من جملة أمراء الألوف بديار مصر ، ثم ولاه نيابة حلب عوضا عن الأمير سودي في سنة سبع أربع عشرة وسبعماية ، فباشرها ثلاث عشرة سنة إلى أن نقل منها إلى نيابة دمشق في سنة سبع وعشرين وسبعماية ، ثم أعيد إلى حلب ثانيا في سنة إحدى وثلاثين ، واستمر في هذه النيابة الثانية ثمانية أعوام وعزل في سنة تسع وثلاثين ، وولي نيابة دمشق أيضا ، كل ذلك من قبل الملك الناصر محمد بن قلاوون. وفي نيابته الأولى بحلب دخل إلى بلاد سيس وحاصر حصونها وفتح قلاعها ، ثم غزاها ثانيا في سنة اثنتين وعشرين وسبعماية وصحبته العساكر المصرية والشامية ، وتوجه إلى فتح مدينة أياس وهي على ساحل البحر ولها فيه ثلاثة حصون ، وهن أطلس وشمعة وأياس وبه تعرف المدينة ، فنازلوها ونصبوا عليها آلات الحصار وجدوا في القتال إلى أن فتحوا المدينة ، ثم شرعوا في حصار الحصن الأطلس وهو حصن منيع في قاموس البحر ، فنصبوا عليه أيضا آلات الحصار ، ثم صنعوا جسرا على البحر طوله ثلثمائة ذراع ، فلما رأى الأرمن ذلك ارتاعت قلوبهم وهربوا بأموالهم وأولادهم ، فدخل العسكر في هذه الحصون المذكورة وحرقوا وهدموا وقتلوا ثم رجعوا فرحين مسرورين إلى أوطانهم. وفي هذا المعنى يقول الشيخ بدر الدين بن حبيب :

نحو أياس فرقة من جيشنا

توجهوا كي يملكوا بقعتها

فاقتلعوا قلعتها وفصّلوا

أطلسها وفصلوا شمعتها

ثم غزا تلك البلاد في نيابته الثانية في سنة خمس وثلاثين وسبعماية وجرت بينهم حروب وخطوب يطول شرحها ، ثم غزاها ثالث مرة في سنة ست وثلاثين ، وتوجه إلى قلعة النقير

٥٢٩

من بلاد سيس ونزل القلعة المذكورة وجد في حصارها إلى أن أخذها بالأمان ورجع إلى محل كفالته. وفي هذا المعنى يقول العلامة زين الدين أبو حفص عمر بن الوردي قصيدة طنانة منها :

جهادك مقبول وعامك قابل

ألا في سبيل المجد ما أنت فاعل

ألا إن جيشا للنقيّر فاتحا

لآت بما لم تستطعه الأوائل

رميتم حجار المنجنيق عليهم

ففاخرت الشهب الحصار والجنادل

لعمري لقد كان النقيّر مانعا

ويقصر عن إدراكه المتناول

بغى فبغى ألطنبغا الفتح قائلا

ويا نفس جدّي إن دهرك هازل

فأنشده الحصن المنيع ملكتني

ولو أنني فوق السماكين نازل

وقصّر طولي عندكم حسن صبركم

وعند التناهي يقصر المتطاول (١)

ثم غزاها رابع مرة. وكان هذا دأبه في ولايته مع العدل بالرعية والنظر في أمورهم.

وبنى بحلب من شرقيها جامعه المعروف به ، وكان فراغه في سنة ثلاث وعشرين وسبعماية ولم يكن إذ ذاك داخل سور حلب جامع تقام فيه الجمعة سوى الجامع الكبير الأموي ، ووقف عليه أوقافا كثيرة.

ولما ولي نيابة دمشق في سنة تسع وثلاثين وسبعماية لم تطل مدته وقبض عليه إلى أن توفي سنة اثنتين وأربعين وسبعماية وقد جاوز خمسين سنة.

وكان مشكور السيرة معدودا من الشجعان ذوي الآراء رحمه‌الله تعالى ا ه.

أقول : تكلمنا على هذا الجامع في الجزء الثاني (ص ٣٠٠) ولم أذكر ثمة ترجمة بانيه ، ثم ظفرت بها في المنهل الصافي لذا أثبتها هنا في سنة وفاته.

٣٣٤ ـ إبراهيم بن خليل الرسعني ٧٤٢

إبراهيم بن خليل بن إبراهيم الرسعني ثم الحلبي الشافعي. ولد قبل سنة سبعين ، ثم

__________________

(١) هي في ديوانه بتمامها ص ٢٦٧.

٥٣٠

رأيته محررا ليلة السبت ثاني رمضان سنة ٦٢. وتفقه وبرع وقدم إلى حلب ودرس بالعصرونية ، وناب في الحكم مدة طويلة ، ثم ولي قضاء حلب استقلالا بعد البلفيائي سنة أربعين فسار سيرة حسنة. وكان متواضعا بصيرا بالأحكام ملازما للصلاة في الجماعة مثابرا على مصالح الرعية. مات في ثامن جمادي الأولى سنة ٧٤٢ ، ورثاه ابن حبيب. ومن نظمه يتشوق لبلده (بعيني وراسي راس عين ومن فيها) يقول منها :

إذ راق لي منها جواري عيونها (١)

أراق دمي فيها عيون جواريها ا ه

وراجع ما كتبناه في القسم الأول في حوادث سنة ٧٤٠ نقلا عن ابن الوردي.

٣٣٥ ـ شيخ الإسلام الحافظ الكبير جمال الدين يوسف المزّي

المتوفى سنة ٧٤٢

قال أبو ذر في كنوز الذهب في الكلام على باب النصر : تنتهي قصبة هذا الباب إلى قطيعة جامع المهمندار ، ويتشعب في هذه القصبة درب آخذ إلى المعقلية (٢). وأما المعقلية (٣) فكانت أولا تعقل بها خيل المجاهدين وإبلهم ، وكانت رحبة متسعة ولها بوايك ، ونصب في بعض حروب القلعة بها منجنيق ورمي بها شخص يقال له عبدون على القلعة ، وقد جعلت الآن دورا ومزدرعا. وقد ولد بهذه المحلة شيخ الإسلام خاتمة الحفاظ جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف بن علي بن أبي الزهر المزّي.

__________________

(١) في الأصل : أدار ولي منها احوراري عيونها (هكذا).

(٢) هو السوق المعروف الآن بسوق الخابية الآخذ نحو العثمانية والزينبية.

(٣) في الهامش بخط محمد بن عمر الموقع ما نصه : هي الآن بستان وراء دارنا بمحلة الفرافرة ا ه. أقول : لا أثر للبستان الآن وموضعه دور.

٥٣١

قال الذهبي : وهو خاتمة سماط أهل الحديث الإمام أعجوبة الزمان شيخنا العلامة الحافظ الناقد المحقق المفيد محدث الشام أبو الحجاج بن الزكي أبي محمد ، القضاعي الكلبي الحلبي ثم الدمشقي. مولده في ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستماية. برع في طلب الحديث وله عشرون سنة. وسمع ورحل وعني بهذا الشأن فصار نسيج وحده وفريد دهره والفزع والمهرع ، وأقر له الحفاظ بذلك والتقدم على أبناء عصره. وسمع منه الحفاظ وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية ثلاثا وعشرين سنة ونصفا.

قال شيخ الإسلام ابن تيميّة : لما باشرها لم يلها من حين بنيت إلى الآن أحق بشرط الواقف منه لقول الواقف ، فإن احتج من فيه الرواية ومن فيه الدراية قدم من فيه الرواية. وكان خطه مليحا ، وهو الذي قرأ سنن ابن ماجة بحلب لانتفاع الناس به ، ومن نظر في كتاب «تهذيب الكمال» علم محله من الحفظ. وبالجملة فما رأى أحد مثله ولا رأى مثل نفسه. وكان صالحا سليم الباطن متواضعا قليل الكلام ، وقد بالغ في الثناء عليه أبو حيان وابن سيد الناس وغيرهما من العلماء. وإذا نظرت في كتابه «الأطراف» عرفت علمه وقضيت بالعجب العجاب. توفي رحمه‌الله في صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعماية ، وقد زرت قبره عند ابن تيميّة قدس الله سرهما. ولما توفي أراد أن يلي دار الحديث الأشرفية الحافظ الذهبي فلم يكن من ذلك لفقد شرط الواقف في اعتقاد الشيخ فيه ا ه.

وترجمه محمد بن عبد الهادي في مختصر طبقات الحفاظ فقال : شيخنا الإمام الحافظ الحجة الناقد الأوحد البارع محدث الشام جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك القضاعي الكلبي الدمشقي. ولد بظاهر حلب سنة أربع وخمسين وستمائة ، ونشأ بالمزة ظاهر دمشق ، وحفظ القرآن في صغره وقرأ شيئا من الفقه ، وتعلم العربية والتصريف واللغة ، وشرع في طلب الحديث بنفسه في سنة خمس وسبعين ، فسمع من أول شيء كتاب الحلية كله على ابن أبي الخير وأكثر عنه ، وسمع مسند الإمام أحمد والكتب الستة ومعجم الطبراني والأجزاء الطبرزدية والكندية ، وسمع صحيح مسلم من الإربلي ، وسمع من خلق كثير منهم الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وفخر الدين بن النجاري وابن علان وابن شيبان ، ولم يزل يسمع إلى أن سمع من أصحاب ابن عبد الدايم. ورحل سنة ثلاث وثمانين فسمع من العز الحراني وأبي بكر الأنماطي وغازي الحلاوي وخلق ،

٥٣٢

وسمع بمصر والإسكندرية والحرمين وحلب وحماة وحمص وبعلبك والقدس ونابلس وغيرها. ونسخ بخطه المليح المتقن كثيرا لنفسه ولغيره ، وقرأ الكثير ، وبرع في اللغة والتصريف ، وانتهت إليه الإمامة في علم الحديث ، مع الصدق والإتقان وحسن الأخلاق وكثرة السكون وقلة الكلام وكثرة التواضع والحلم والصبر والإقتصاد في المأكل والملبس ، وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية وغيرها ، وصنف كتاب «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» في مائتين وخمسين جزءا ، وهو كتاب حافل عديم النظير ، وكتاب «الإطراف» في ستة وثمانين جزءا. وأوضح في هذين الكتابين مشكلات لم يسبق إليها ، وقد ملكت الكتابين بخطه والحمد لله وهو شيخي الذي انتفعت به كثيرا في هذا العلم. وكان إماما في السنة ماشيا على طريقة سلف الأمة ، ممرا للآيات والأحاديث كما جاءت من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل. وكان صحيح الذهن حسن الفهم سريع الإدراك يرد في الإسناد والمتن ردا ينبهر له فضلاء الحاضرين ، وربما يكون في أثناء ذلك يطالع وينقل الطاق. وقد ترافق هو وشيخنا العلامة أبو العباس [ابن تيميّة] كثيرا في الطلب وسماع الحديث وانتفع كل واحد منهما بالآخر.

وذكره الحافظ فتح الدين أبو الفتح بن سيد الناس اليعمري فقال : ووجدت بدمشق من أهل هذا العلم الإمام المقدم ، والحافظ الذي فاق من تأخر من أقرانه وتقدم ، أبا الحجاج يوسف ابن الزكي عبد الرحمن المزي بحر هذا العلم الزاخر ، وحبره الذي يقول من رآه : كم ترك الأول للآخر ، أحفظ الناس للتراجم ، وأعلمهم بالرواة من أعارب وأعاجم ، لا يخص معرفته مصرا دون مصر ، ولا ينفرد علمه بأهل عصر دون عصر ، معتمدا آثار السلف الصالح ، مجتهدا فيما نيط به في حفظ السنة من النصايح ، معرضا عن الدنيا وأسبابها ، مقبلا على طريقته التي أربى بها على أربابها ، لا يبالي ما ناله من الأزل ، ولا يخلط جده بشيء من الهزل. وضع كتابه «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» وضعا استخرج به العلم من معادنه ، واستنبطه من مكامنه ، وأثبته كما ينبغي في أماكنه ، فاستولى به على أمد الإحسان ، واحتوى به من السبق ما لم يدركه في عصره إنسان ، ولم يقع له أبدع من هذا التصنيف ، ولا أبرع من هذا التأليف ، وإن كان بما يصنعه بصيرا ، وبالسبق في كل ما يأتيه جديرا ، وهو أيضا في حفظ اللغة إمام ، وله بأوزان القريض معرفة وإلمام ، فكنت أحرص على فوائده لأحرز منها ما أحرز ، وأستفيد من حديثه الذي إن طال لم يمل وإن أوجز وددت أنه لم يوجز.

٥٣٣

وذكره الحافظ شمس الدين الذهبي فقال : هو الإمام الأوحد العالم الحجة المأمون شرف المحدثين عمدة النقاد شيخنا وصاحب معضلاتنا ، بارك الله في عمره وحسناته ورفع في عليين درجاته ، شرع في طلب الحديث وله عشرون سنة ، فسمع ورحل وبرع في فنون الحديث معانيه ولغاته وفقهه وعلله وصحيحه وسقيمه ورجاله ، فلم نر مثله في معناه ولا هو رأى مثل نفسه ، مع الإتقان والصدق وحسن الخط والديانة وحسن الأخلاق والسمت الحسن والهدي الصالح والتصون والخير والاقتصاد في المعيشة واللباس والملازمة للأشغال والسماع ، مع العقل التام والرزانة والفهم وصحة الإدراك. قال : وأما كتاب تهذيب الكمال الذي جمعه في أسماء الرجال فهو كتاب جامع كامل عديم المثل فارغ المؤنة ، كلما ازداد به المحدث تبحرا ازداد به عجبا وتحيرا ، وكلما رأى الحافظ فيه وشيئا محبرا يزداد بمطالعته إعجابا وتبخترا ، ومهما رام الناقد له تفتيشا وتتبعا أعياه ذلك وانقلب خاسئا متفكرا ، وقال : عز والله وجود من يعرف مقداره وعدم نظير مصنفه.

وذكره الحافظ علم الدين (البرزالي) في معجم شيوخه فقال : قرأ الكثير ولازم ذلك مع معرفته بالعربية واللغة والتصريف ، وسمع من جماعة من شيوخنا بالشام وديار مصر ، وروى الكثير ، وله سمت حسن واقتصاد ، وفيه تواضع وحلم وعدم شر. وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية وصار أحد أئمة الحديث الموصوفين بالحفظ والإتقان وصحة النقل وضبط الأسماء والأنساب وتحقيق الألفاظ ومعرفة التواريخ والثبت والثقة والصدق ، وكان الناس يرجعون إلى قوله ويعتمدون على ضبطه ونقله ، واعترف له بالتقدم في الوقت حفاظ مصر والشام. توفي رحمه‌الله ليلة الأحد الثالث عشر من صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ودفن في مقابر الصوفية ا ه.

وله في آخر طبقات السبكي ترجمة حافلة في خمس عشرة ورقة ، فارجع إليها إن شئت.

٣٣٦ ـ علي بن معتوق الدنيسري المتوفى سنة ٧٤٣

قال ابن الوردي في الذيل في حوادث سنة ثلاث وأربعين وسبعماية : فيها توفي بحلب الحاج علي بن معتوق الدنيسري ، وهو الذي عمر الجامع بطرف بانقوسا ودفن بتربته بجانب الجامع ا ه.

٥٣٤

قال أبو ذر : (جامع العتيق ببانقوسا) : أنشأه الحاج علي بن معتوق الدنيسري ، وهو جامع نير أصغر من جامع الجديد الذي في هذه المحلة ا ه.

قال ابن خلكان في ترجمة الوزير جمال الدين محمد بن علي الأصفهاني : (دنيسر) بضم الدال المهملة وفتح النون وسكون الياء المثناة وفتح السين وبعدها راء ، وهي مدينة بالجزيرة الفراتية بين نصيبين ورأس عين تطرقها التجار من جميع الجهات ، وهي مجمع الطرقات ، ولهذا قيل لها دنيسر ، وهي لفظ مركب عجمي وأصله دنياسر ومعناه رأس الدنيا ، وعادة العجم في الأسماء المضافة أن يؤخروا المضاف عن المضاف إليه ، وسر بالعجمي رأس ا ه.

٣٣٧ ـ كمال الدين المهمازي المتوفى سنة ٧٤٣

قال ابن الخطيب : قرأت في تاريخ محمد بن حبيب في ذكر من مات سنة ثلاث وثلاثين وسبعماية (سيأتي أن وفاته كانت سنة ٧٤٣). قال : وفيها توفي الشيخ كمال الدين المهمازي ، عجمي الدار ، وحسن الإيراد والإصدار ، جميل المنظر ، ملازم لما يحمد عليه ويشكر ، كان صالحا عارفا راجيا خائفا زاهدا عابدا لطيف الذات والخلق ، سالكا أوضح المناهج والطرق ، ذا وقار وسكينة ، ومكانة عند أرباب الدولة مكينة. ورد إلى حلب ملتحفا بزياطها ، وسكن تربة ابن قراسنقر شيخا لرباطها ، واستمر منقطعا عن الناس ، مقتنعا بالجذوة من النبراس ، وهو مع ذلك يقصد ويزار ، ويأتي إليه الفقراء من الأمصار. زرته وحظيت ببركته بحلب ، وكانت وفاته بها وقد جاوز سبعين سنة تغمده الله برحمته.

وقال ابن الوردي في الذيل في حوادث سنة ثلاث وأربعين وسبعماية : فيها توفي بحلب الشيخ كمال الدين المهمازي ، وكان له قبول عند الملك الناصر محمد ، ووقف عليه حمّام السلطان بحلب ، وسلم إليه تربة ابن قراسنقر بها. وكان عنده تصون ومروءة. قلت :

لوفاة الكمال في العجم وهن

فلقد أكثروا عليه التعازي

قل لهم لو يكون فيكم جواد

كان في غنية عن المهمازي

الكلام على التربة المهمازية :

قال أبو ذر في الكلام على الترب : (تربة محمد بن قراسنقر) هذه التربة تعرف

٥٣٥

بالمهمازية. وأنشأ قراسنقر رباطا أيضا بحلب ، قاله شيخنا. وقد كان الشيخ عز الدين الحاضري شيخ القراء بهذه التربة ، فتوزع في ذلك لأنه لا يقرأ السبع ، ومن شرط واقفها قراءة السبع ، فرحل إلى القاهرة وقرأ السبع ورجع. وقد وقفت على كتاب الوقف وفيه قراء. وهذا المكان له أوقاف كثيرة غير أنها في يد أولاد مواليه ولا يصرف منها شيء فلا حول ولا قوة إلا بالله ا ه.

أقول : هذه التربة تعرف الآن بجامع المقامات ، ولا زال عامرا تقام فيه الجمعة. وله منارة مرتفعة مربعة الشكل على بابه الشمالي ، وبجانب هذا الباب جرنان كبيران كان وراءهما سبيل وهو معطل الآن ، وقد كتب في الجدار فوق هذا السبيل :

(١) البسملة. أمر بإنشاء هذا السبيل المبارك المولى الأمير الكبير المجاهد المرابط الخاضع لربه المنان المفتقر إلى.

(٢) عفو الله والرضوان شمس الدنيا والدين قراسنقر الجوكندار المنصوري الناصري نائب السلطنة الشريفة بحلب المحروسة أثابه.

(٣) الله تعالى وضاعف له الحسنات وجعل ذخره الباقيات الصالحات. كتب في المحرم سنة ثلاث وسبع ماية من الهجرة النبوية.

وللجامع قبلية صغيرة فيها أربعة قبور ، اثنان في شرقيها وقد كتب على أحدهما وهو الذي يلي جدار القبلة :

(١) هذه تربة العبد الفقير إلى رحمة الله ورضوانه الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير.

(٢) شمس الدين قراسنقر الجوكندار الملكي المنصوري توفي الليلة.

(٣) المسفرة عن الخميس سلخ جمادى الآخرة سنة تسع وسبعماية غفر الله له ولوالديه ا ه.

والقبر الثاني لا كتابة عليه.

والقبران اللذان في غربي القبلية هما قبر قشتمر المنصوري وقبر ولده محمد ، وقد ذكرت ذلك في الجزء الثاني في صحيفة (٣٦٤). وشرقي القبلية قبة داخلها خمسة قبور قديمة لا كتابة على ألواحها ، أحدها قبر المترجم المهمازي ، لكني لا أعلمه على التعيين. وهذه القبلية

٥٣٦

صغيرة وقد ضاقت بالمصلين من أهل المحلة وعولوا على توسيعها وإضافة الرواق الذي أمامها إليها ، وهم يسعون في جمع دراهم من أهل الخير لهذه الغاية.

وللجامع صحن واسع لكنه في حاجة إلى الترميم ، وله من جهة الغرب صحن آخر وباب صغير ومنه دخول الناس ، وأما بانيه وهو قراسنقر الجوكندار فقد قدمنا ترجمته وأخباره في الجزء الثاني في حوادث سنة ٧١١ وقلنا ثمة : إنه بنى في القاهرة مدرسة مشهورة وبحلب رباطا معروفا به ، وله وقف كبير وإن وفاته كانت بمراغة سنة ٧٢٨. والجامع الآن تحت يد دائرة الأوقاف وأوقافه يسيرة جدا.

٣٣٨ ـ إبراهيم بن أحمد الأسدي المتوفى سنة ٧٤٤

إبراهيم بن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن إبراهيم بن هبة الله بن طارق بن سالم الأسدي الحلبي أبو إسحق بن النحاس نجم الدين بن جمال الدين الحنفي. كتب الحكم عن ابن العديم ، ودرس بالجرديكية بحلب ، وكان من أعيان أهل بيته. توفي سنة ٧٤٤ وقد جاوز التسعين.

٣٣٩ ـ كمال الدين عمر بن محمد العجمي المتوفى سنة ٧٤٤

عمر بن محمد بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن الإمام العلامة كمال الدين أبو القاسم بن العجمي الحلبي الشافعي ، من بيت العلم والرياسة والوجاهة والتقدم. اشتغل بحلب على جدي قاضي القضاة فخر الدين بن خطيب جبرين ، وتفقه وصار إماما عالما. ذكره الإمام ابن حبيب وقال فيه : ماجد أنار بدر كماله ، وعالم أناف علم جداله ، وفاضل جد واجتهد ، وحاذق إلى ركن الدأب مال واستند ، تقدم في عدة فنون ، وتكلم فشرح الصدور وأقر العيون. كان قوي المناظرة ، حسن المجالسة والمذاكرة ، تصدر للإفتاء والإفادة ، وتنقل في مراتب السعادة والسيادة ، ودرس بظاهرية حلب ورواحيتها. توفي رحمه‌الله سنة أربع وأربعين وسبعمائة وهو من أبناء الأربعين. ا ه (الدر المنتخب).

قال ابن الوردي في الذيل في حوادث هذه السنة : وفيها توفي كمال الدين عمر بن شهاب

٥٣٧

الدين محمد بن العجمي الحلبي. كان قد تفنن وعرف أصولا وفقها ، وبحث على شرح الشافية الكافية في النحو مرة وبعض أخرى ، ودفن ببستانه رحمه‌الله وما خرج من بني العجمي مثله ا ه.

ورثاه العلامة ابن الوردي بقصيدة غراء وهي موجودة بتمامها في ديوانه ومطلعها :

يا مربعا لك في فؤادي مربع

أتذلّ بعد ابن الضياء وتخضع

حاشاك من ذلّ فشمس كماله

كانت علينا من سمائك تطلع

أصل وفرع في ثلاثة أشهر

ذويا فحق لكل عين تدمع

من ذا يطيق يرى خليليه معا

في الترب قد رميا بما لا يدفع

٣٤٠ ـ محمد بن محمد السفاقسي المتوفى سنة ٧٤٤

محمد بن محمد السفاقسي. ولد سنة نيف وسبعمائة ، وقدم دمشق ، وكان فاضلا ، له تصنيف على مختصر ابن الحاجب في الفروع وشرع في شرح على مختصره في الأصول.

وكان تقي الدين السبكي يثني عليه. وسكن بأخرة مدينة حلب وحظي بها. ومات في رمضان سنة ٤٤ ولم يكمل الأربعين ، وهو أخو الشيخ برهان الدين السفاقسي صاحب الإعراب.

٣٤١ ـ محمد بن نبهان الجبريني المتوفى سنة ٧٤٤

محمد بن نبهان الشيخ الصالح الزاهد. كان مقيما ببيت جبرين من بلاد حلب ، شاع ذكره بالصلاح واشتهر بالخير وإطعام كل وارد يرد عليه من المأمور والأمير الكبير والصغير ، ولم يقبل لأحد شيئا. فلما كان الأمير سيف الدين طشتمر بحلب اشترى للزاوية أرضا وألزمه بإيقافها عليه ، فبعد جهد شديد حتى وافق على ذلك. ثم إن الأمير طقرتمر لما جاء إلى حلب اشترى له مكانا آخر ووقفه على الزاوية ، فاتسع الرزق عليه وفاض الخير على أولاده وجماعته. ولم نسمع عنه إلا صلاحا وخيرا وبركة وانقطاعا عن الناس وانجماعا. وهو كان فقير البلاد الحلبية وشيخها المشار إليه بالصلاح. وجاء الخبر إلى دمشق بوفاته رحمه‌الله تعالى في شعبان سنة أربع وأربعين وسبعمائة ، وصلي عليه بالجامع الأموي يوم

٥٣٨

الجمعة صلاة الغائب.

أخبرني القاضي ناصر الدين محمد بن الصاحب شرف الدين يعقوب قال : كان كثير التلاوة ، وكان له يوم ختمة ومن لا يراه لا يحسبه يتلو شيئا ا ه. (الوافي بالوفيات).

وترجمه ابن الوردي في الذيل في حوادث هذه السنة فقال : وفيها في العشرين من رجب توفي بجبرين الشيخ محمد ابن الشيخ نبهان ، كان له القبول التام عند الخاص والعام ، وناهيك أن [طشتمر حمص أخضر] على قوة نفسه وشممه وقف على زاويته بجبرين حصة من قرية حريتان لها مغل جيد ، وبالجملة فكأنما ماتت بموته مكارم الأخلاق وكاد الشام يخلو من المشهورين على الإطلاق. قلت :

وكنت إذا قابلت جبرين زائرا

يكون لقلبي بالمقابلة الجبر

كأن بني نبهان يوم وفاته

نجوم سماء خرّ من بينها البدر

زرته قبل وفاته رحمه‌الله فحكى لي قال : حضرت عند الشيخ عبس السرجاوي وأنا شاب وهو لا يعرفني ، فحين رآني دمعت عينه وقال مرحبا بشعار بني نبهان وأنشد :

وما أنت إلا من سليمى لأنني

أرى شبها منها عليك يلوح

وحكى لي مرة أخرى قال : حضرت بالفوعة غسل الشيخ إبراهيم بن الشيخ مهنا لما مات وقرأنا عنده سورة البقرة وهو يغسل ، فلما وصلنا إلى قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) رفعنا أيدينا للدعاء فرفع الشيخ إبراهيم يديه معنا للدعاء وهو ميت على المغتسل. ومحاسن الشيخ محمد وتلقيه للناس وتواضعه ومكاشفاته كثيرة مشهورة رحمه‌الله ورحمنا به آمين ا ه.

٣٤٢ ـ محمد بن علي بن أبيك السروجي المتوفى سنة ٧٤٤

محمد بن علي بن أيبك السروجي الشيخ الإمام شمس الدين. سألته عن مولده فقال : في ذي الحجة سنة أربع عشرة وسبعماية بالديار المصرية. عرض القرآن وهو ابن تسع سنين ، وارتحل إلى دمشق وحلب وغيرها من بلاد الشام مرات ، وأخذ عن الشيخ فتح الدين وأثير الدين ومن عاصره من أشياخ العلم ، وصار من الحفاظ ، أتقن المتون وأسماء

٥٣٩

الرجال وطبقات الناس والوقائع والحوادث ، وضبط الوفيات والمواليد ، ومال إلى الأدب وحفظ من الشعر القديم والمحدث جملة ، وكتب الأجزاء والطباق ، وحصل ما يرويه عن أهل عصره في البلاد التي ارتحل إليها ، ولم أر بعد الشيخ فتح الدين رحمه‌الله تعالى من يقرأ أسرع منه ولا أفصح. سألته عن أشياء من تراجم الناس ووفياتهم وأعصارهم وتصانيفهم فوجدت حفظه مستحضرا لا يغيب عنه ما حصله ، وهذا الذي رأيته منه في هذه السن القريبة كثير على من علت سنه من كبار العلماء ، ومع ذلك فله ذوق الأدباء وفهم الشعراء وخفة روح الظرفاء. توفي رحمه‌الله تعالى بحلب ليلة ثامن شهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين وسبعماية ودفن ثاني يوم بكرة الجمعة ا ه. (الوافي الوفيات).

٣٤٣ ـ أيدمر بن عبد الله الشماع المتوفى سنة ٧٤٤

من آثاره جامع كان مسمى باسمه.

قال أبو ذر : (جامع أيدمر) : هو في ذيل عقبة بني المنذر تجاه حمّام الخواجا. وكان مسجدا قديما عمر في أيام السلطان غازي ، ثم دثر فجدده أيدمر بن عبد الله الشماع ، وهو مكان مبارك تقام فيه الجمعة ، ومكتوب على بابه أن أيدمر جدده في سنة ثلاث وأربعين وسبعماية وتوفي سنة أربع وأربعين. وفي داخل هذا الجامع قبر في إيوانه الشمالي ، والصندوق الرخام الذي كان عليه نقل إلى جانب الشمالية ولعله قبر أيدمر المذكور. وجدد في سقف صحنه القاضي شهاب الدين ابن الزهري في أيام ولايته حلب. انتهى.

أقول : هذا الجامع يعرف الآن بجامع الخواجا وهو في زقاق مسمى بهذا الاسم ، والحمّام كانت تجاه هذا الجامع ولا أثر لها الآن ، وموضعها دار في قبليها عرصة كبيرة خالية. وهذا الجامع صغير وقبلته لازالت باقية من عهد مجدده أمامها صحن صغير ، والقبر الذي كان داخل القبلية الذي ذكره أبو ذر نقل إلى الصحن ملاصقا للجدار.

وهذا الجامع كان قد توهن فسعى في عمارته الرجل الصالح المعمر الحاج خليل إكريّم من سكان محلة العقبة ، فرمم قبليته وبلط صحنه وجدد بابه وحفر فيه صهريجا كبيرا تحت الصحن بلغ فيه إلى نصف القبلية فعمم به النفع لأهل المحلة ، وكان ذلك في نواحي سنة ١٣٠٠ ، وجمع مصاريف ذلك من أهل الخير ، وكان في طليعة المحسنين المرحوم الحاج

٥٤٠