إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٤

مساعد خلّ أو مقضّي ذمّة

ومحيي قتيل بعد ساكنة الخال (١)

وكم حللت أيدي النوى وصروفها

على الزمن الخالي المحبين بالخال (٢)

تبصر خليلي الربع شيّعت دائما

بقلب من الوجد الذي حلّ في خالي (٣)

ألم ترني أرعي الهوى من جوانحي

رياضكم بالمرّذي النعم الخال (٤)

أذوق أمرّيه بغير تكرّه

مذاقة موفور على جزعه خال (٥)

وأسكن منه كل واد مضلة

وآلف ربعا ليس من مألف الخال (٦)

وكم أنتضي فيه سيوف عزائم

وأنضو لباب البدن عن جمل خالي (٧)

وكم من هدى قد ملت عنه إلى هوى

وحقّ يقين حدت عنه إلى خال (٨)

ومهما تذللني لليلى صبابة

فغير معرّى القدر من ملبس الخال (٩)

__________________

(١) من الخلو.

(٢) الخالي البال.

(٣) ثوب يستر به الميت.

(٤) الرجل الحسن القيام على المال.

(٥) من قولهم خل علي اللبن إذا لزم ولم يبعده.

(٦) خلا بالمكان إذا لزمه ولم يفارقه.

(٧) الجمل الضخم البادن.

(٨) وهم.

(٩) متكبر.

٤١

تطامن طودي للهوى يستقيده

وألحق أطواد الأعزين بالخال (١)

أضن بعهدي ضن غيري بروحه

وأبذل روحي بذل ذي الكرم الخال (٢)

وإن تخل ليلى من تذكّر عهدنا

فكم أيقن الخالون أني كذا خالي (٣)

وإن زعموا أني تخلّيت بعدها

فما أنا عنها بالخليّ ولا الخالي (٤)

ا ه من عيون التواريخ لابن شاكر الدمشقي. ثم أورد ابن شاكر بعد هذه القصيدة قصيدة في تسعة وعشرين بيتا على هذا النمط وهذا الروي لعبد الله بن محمد بن عبد الغفار النحوي العروضي. والجزء الذي نقلنا منه ترجمة أبي الطيب من مخطوطات المكتبة الأحمدية بحلب وخطه سقيم جدا وفي القصيدتين تحريف كثير لم أتمكن من تصحيحه بأكثر مما ترى.

وللشاعر الأديب بطرس كرامة أحد رجال «مشاهير الشرق» لجرجي زيدان قصيدة خاليّة ومطلعها :

أمن خدك الوردي أفتنك الخال

فسح من الأجفان مدمعك الخال

وهي قصيدة غراء تقع في خمسة وعشرين بيتا فليرجع إليها من أحب الوقوف عليها.

٣٠ ـ أحمد بن نصر البازيار المتوفى سنة ٣٥٢

أحمد بن نصر بن الحسين البازيار أبو علي. كان نديما لسيف الدولة بن حمدان وكان أبوه نصر بن الحسين من ناقلة سامرا ، واتصل بالمعتضد وخدمه وخف على قلبه ، وأهله

__________________

(١) الأكمة الصغيرة.

(٢) الذي يجر الخيلاء.

(٣) من الخلو.

(٤) البريء.

٤٢

من خراسان ، وكان يتعاطى لعب الجوارح فرد إليه المعتضد نوعا من أنواع جوارحه. ومات أبو علي بحلب في حياة سيف الدولة ، وله من الكتب كتاب «تهذيب البلاغة» ذكر ذلك كله محمد بن إسحق النديم. قال ثابت بن سنان : مات أبو علي أحمد بن نصر ابن الحسين بالشام (أي ببلاد الشام) في سنة ٣٥٢.

وحدث أبو جعفر طلحة بن عبد الله بن فتاش صاحب كتاب القضاة قال : كنا بحضرة سيف الدولة وقد كان من ندمائه قال : كان يحضر معنا مجلسه أبو نصر البنص وكان رجلا من أهل نيسابور أقام ببغداد قطعة من أيام المقتدر وبعدها إلى أيام الراضي ، وكان مشهورا بالطيبة والخلاعة وخفة الروح وحسن المحاضرة مع العفة والستر ، وتقلد الحكم في عدة نواح بالشام ، فقيل له يوما بحضرة سيف الدولة : لم لقبت البنص؟ فقال : ما هذا لقب وإنما هو اشتقاق من كنيتي كما أردنا أن نشتق من أبي علي مثل هذا (وأومأ إلى ابن البازيار) لقلنا البعل أو اشتققنا من أبي الحسن (وأومأ إلى سيف الدولة) لقلنا النحس ، فضحك سيف الدولة ولم ينكر عليه. وقد استدللت بهذه الحكاية على عظم قدر البازيار عند سيف الدولة إذ قرن اسمه باسمه. وذكر هلال أن أحمد بن نصر البازيار كان ابن أخت أبي القاسم علي بن محمد الحواري ، وكان أبو العباس الصفري شاعر سيف الدولة قد حبس لمحاكمة كانت بينه وبين رجل من أهل حلب فكتب إلى ابن البازيار من محبسه :

كذا الدهر بؤس مرة ونعيم

فلا ذا ولا هذا يكاد يدوم

وذو الصبر محمود على كل حالة

وكل جزوع في الأنام ملوم

يقول فيها :

أترضى الطماى (١) قاض بحبسه

إذا اختصمت يوما إليه خصوم

وإن زمانا فيه يحبس مثله

لمثلي زمان ما علمت لئيم

يكاد فؤادي يستطير صبابة

إذا هب من نحو الأمين نسيم

هل انت ابن نصر ناصري بمقالة

لها في دجى الخطب البهيم نجوم

ولائم قاض رد توقيع من به

غدا قاضيا فالأمر فيه عظيم

__________________

(١) كذا بالأصل.

٤٣

ومتخذ عندي صنيعة ما جد

كريم نماه في الفخار كريم

ا ه (معجم الأدباء لياقوت ١٢٢ جلد ٢).

الكلام على درب البازيار المنسوب للمترجم

قال أبو ذر في كنوز الذهب : درب البازيار هو الدرب الذي لا ينفذ وفي أوله الرباط الشمسي ، وهو منسوب لأحمد بن نصر بن البازيار أبي علي الكاتب ، كان أبوه من أهل سامرا وانتقل هو إلى حلب وسكنها واتصل بخدمة سيف الدولة وحظي عنده وكان فاضلا.

أقول : درب البازيار هو الزقاق المعروف الآن بزقاق الزهراوي شمال المدرسة الشرفية ، لكنه مفتوح الآن ينفذ إلى محلة السويقة يمينا وإلى محلة بحسيتا يسارا.

الكلام على الآثار التي كانت في هذا الزقاق

الخانكاه الشمسية :

قال أبو ذر : هذه الخانكاه برأس درب البازيار ملاصقة لبيتي من جهة الغرب ، أنشأها شمس الدين أبو بكر أحمد جدي أخو صاحب الشرفية وابن عمي لأني ابن إبراهيم بن عائشة بنت نجم الدين عمر بن قطب الدين محمد بن موفق الدين أحمد ابن فاخرة بنت الشيخ شمس الدين المشار إليه ، وموفق الدين أحمد المشار إليه هو ابن هاشم ابن أبي حامد عبد الله أخي الشهيد ، وهذه الخانكاه كانت داره وبها سكنه ، ولها باب إلى دهليز قاعتي التي سكنتها ابنته فاخرة المذكورة ، وهي خانكاه عظيمة مشتملة على علو وهو طباق مرخمة ببروز من الرخام الأصفر وسفل به مغارتان إحداهما فوق الأخرى ، وبها بئر ، وهي محكمة البناء ، فلما توفي منشيها سنة إحدى وثلاثين (وستمائة) توفي عن ابنة واحدة وهي جدتي فأوصى إلى أخيه الشيخ شرف الدين صاحب الشرفية بأن يقفها على الصوفية ، فوقفها أخوه ووقف المجلس القبلي منها مسجدا على مذهب الشافعي. وكانت هذه الخانقاه لها أوقاف جليلة وحلوى في المواسم ، ولها إمام ، ومن وقفها حانوتان بسوق الحبالين الآن ، ولها سماط قيل إن حاكما أبطله لنقض الوقف ، وقد سكن هذه الخانكاه قبل فتنة تيمور الشيخ

٤٤

أحمد الحموي والشيخ علي المتعيش ، (وكانا من الصالحين القايمين ، ثم سكنها الشيخ شمس الدين الأطعاني في محنة تمر) (١) ثم سكنها بعد ذلك الشيخ شهاب الدين أحمد بن هلال الحسباني وله ترجمة في تاريخي والدي وشيخنا ، ثم صارت بعد ذلك مسكنا للقضاة ومنهم القاضي الحمصي وأحدث فيها بابا ورام قلع رخام مغارتها وأحضر من يقلعه فلم يوافقه على قلعه.

خانكاه الخادم :

قال أبو ذر : وإلى جانب هذه الخانكاه من جهة الشمال خانكاه الخادم وكان من عتقاء بني العجمي وقفها على سكنى بني العجمي الإناث ، ولها بابان بدرب البازيار أحدهما جعل دارا وسد من جهة الخانقاه ، ولهذه الخانكاه دار بالدرب المذكور وقف عليها ، وهذه الدار بيد بني الغزال بمقتضى إجارة ، وفي داخل هذه الخانكاه قبر ، وبهذا الدرب خانكاه أخرى تجاه الخانكاه المذكورة وبها قبر أيضا ، ولم أعرف لمن تنسب ، وقد جعلت دارا وسكنها الناس وانطوى ذكر الخانكاه عنها.

المدرسة الرواحية :

قال أبو ذر : هذه المدرسة بالقرب من الخانكاه الشمسية والسهلية المعروفة الآن بسويقة حاتم ، أنشأها زكي الدين أبو القاسم هبة الله بن عبد الواحد بن رواحة الحموي وأنشأ أخرى بدمشق ، وتوفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة وقيل سنة ٢٣ ودفن بمقابر الصوفية (بدمشق). وشرط واقفها أن لا يتولاها حاكم متصرف وأن يعرف مدرسها الخلاف العالي والنازل. وولي تدريسها القاضي زين الدين أبو محمد عبد الله ابن الشيخ الحافظ عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي ولم يزل مدرسا بها إلى أن ولي نيابة الحكم بحلب سنة ثلاث وعشرين ، ثم ذكر بقية من ولي التدريس بها (ثم قال) : ووليها عماد الدين أبو بكر بن محمد بن الحسن الكوراني ولم يزل مدرسا بها إلى أن قتل في وقعة التتر بحلب.

(قال أبو ذر) : وهذه المدرسة اندثرت في وقعة تيمور وانهدم سقفها ، ولما ألزم

__________________

(١) إضافة من مخطوطة (كنوز الذهب) ليست في الأصل.

٤٥

قصروه كافل حلب شيخنا بعمارة المدارس عمرها وسقفها ودرس بها ، وهذه المدرسة لها وقف من جملته حصة بقرية تل أعرن وحصة بقرية نفيحين وحصة بقربة مشقانين وكتاب وقفها موجود ا ه.

أقول : لا أثر لهذه المدرسة الآن ولا للخانكاهات المذكورة وهي كلها في أول زقاق الزهراوي من الجهة الجنوبية أمام المدرسة الشرفية عن يمين الزقاق ويساره وجميعها صارت دورا ، وقد بقي من آثارها باب ذو أحجار ثلاثة سوداء عن يسار الداخل إلى الزقاق وباب عظيم مسدود يعلوه حجرة عظيمة في أول الزقاق غير النافذ الذي هو داخل هذا الزقاق ، ولم أتمكن من معرفة كل مكان بعينه.

٣١ ـ محمد بن إسحق المتوفى سنة ٣٥٤

محمد بن إسحق بن محمد بن أحمد بن إسحق بن عبد الرحمن بن يزيد بن موسى أبو جعفر الحلبي والد القاضي أبي الحسن علي بن محمد. سمع أبا بكر بن خزيم وعبد الصمد ابن عبد الله بن أبي يزيد وأبا عبد الله أحمد بن عبد الواحد الحريري وأبا يعقوب إسحاق ابن يعقوب بن إسحاق بن عيسى الوراق وأبا جعفر محمد بن عبد الحميد الفرغاني وأبا عبد الله أحمد بن علي بن سهل المروزي وأبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن زياد الرازي. روى عنه ابنه القاضي أبو الحسن وابن ابنه الحسن بن علي بن محمد.

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم بن الخطاب في كتابه ، أنبأنا أبو القاسم علي بن عبد الواحد بن عيسى بن موسى النحيرمي الكاتب ، حدثنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن إسحق بن يزيد إملاء ، حدثني أبي ، حدثنا الحريمي ، حدثنا أبو الوليد هشام بن عمار ، حدثنا علي بن سليمان وهو أبو نوفل ، حدثنا أبو إسحق الهمداني عن أبي بصير قال : أتيت المدينة فلقيت أبيّ بن كعب فقلت : يا أبا المنذر حدثنا ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصلينا معه الفجر ، فلما قضى صلاته قال : هنا فلان؟ قلنا : لا ، قال : ففلان شاهد ، قلنا : نعم ، قال : إنه لا صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الغداة والعشاء الآخرة ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ، ثم قال : الصف الأول على صف الملائكة ، وصلاة الرجلين أفضل من صلاة الرجل وحده ، وصلاة الثلاثة

٤٦

أفضل من صلاة الرجلين ، وما أكثرت فهو أجر إلى الله.

أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل ، أنبأنا أبو الفرج سهل بن بشر ، أنبأنا أبو نصر عبيد الله بن سعيد بكتابه ، أنبأنا أبو القاسم عبد الجبار بن أحمد بن عمر الطرسوسي المقري ، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق بن يزيد الحلبي العدل ، حدثنا أبي رحمه‌الله ، حدثنا أبو بكر محمد بن خزيم بن محمد بن مروان بن عبد الملك العقيلي البزار من أصل كتابه ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا علي بن سليمان قال : سمعت قتادة قال : سمع عمر بن الخطاب رجلا يتبع القصص فقال عمر : أفتريد أحسن من أحسن القصص. قرىء على أبي الحسن بن الحسن الموازيني وأنا أسمع عن القاضي عبد الله محمد بن سلامة ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن شاكر ، حدثني الحسين ابن علي ابن محمد بن إسحاق الحلبي ، حدثني جد أبي محمد وأحمد ابنا إسحق بن محمد قالا : سمعنا جعفر بن أحمد بن الرواس بدمشق فذكر حكاية.

قرأت بخط أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن علي بن صابر ، وجدت في كتاب قديم بخط قديم : وفيها يعني سنة أربع وخمسين وثلاثمائة توفي أبو جعفر محمد بن إسحاق القاضي الحلبي يوم الأربعاء لخمس بقين من جمادى الأولى ا ه (ابن عساكر).

٣٢ ـ أبو فراس الحمداني المتوفى سنة ٣٥٧

أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون ابن عم سيف الدولة بن حمدان. قال ابن خلكان : قال الثعالبي في وصفه : كان فرد دهره وشمس عصره أدبا وفضلا وكرما ومجدا وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة ، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة ومعه رواء الطبع وسمة الظرف وعزة الملك ، ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز. وأبو فراس يعد أشعر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام. وكان الصاحب بن عباد يقول : بدىء الشعر بملك وختم بملك يعني امرىء القيس وأبا فراس. وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته ولا يجتري على مجاراته وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان تهيبا له وإجلالا لا إغفالا وإخلالا.

٤٧

وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس ويميزه بالإكرام على سائر قومه ويستصحبه في غزواته ويستخلفه في أعماله ، وكانت الروم قد أسرته في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم بقي نصله في فخذه ونقلته إلى خرشنة ثم منها إلى قسطنطينية وذلك في سنة ثمان وأربعين وثلثمائة ، وفداه سيف الدولة في سنة خمس وخمسين. وقيل أسر مرتين المرة الأولى بمغارة الكحل في السنة المذكورة وما تعدوا به خرشنة وهي قلعة ببلاد الروم والفرات يجري تحتها ، وفيها يقال : إنه ركب فرسه وركضه برجله فأهوى به من أعلى الحصن إلى الفرات والله أعلم. والمرة الثانية أسره الروم على منبج في شوال سنة إحدى وخمسين وحملوه إلى قسطنطينية ، وأقام في الأسر أربع سنين ، وله في الأسر أشعار كثيرة مثبتة في ديوانه ، وكانت مدينة منبج إقطاعا له ، ومن شعره :

قد كنت عدتي التي أسطو بها

ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي

فرميت منك بضد ما أمّلته

والمرء يشرق بالزلال البارد

فصبرت كالولد التقيّ لبره

أغضى على ألم لضرب الوالد

وله أيضا :

أساء فزادته الإساءة حظوة

حبيب على ما كان منه حبيب

يعدّ عليّ الواشيان ذنوبه

ومن أين للوجه الجميل ذنوب

وله أيضا :

سكرت من لحظه لا من مدامته

ومال بالنوم عن عيني تمايله

فما السلاف دهتني بل سوالفه

ولا الشمول ازدهتني بل شمائله

ألوى بعزمي أصداغ لوين له

وغال قلبي بما تحوي غلائله

قال الثعالبي في يتيمة الدهر : لما غزا سيف الدولة قسطنطين بن فردس الدمستق وأسره وأصابت الدمستق ضربة في وجهه أكثر الشعراء في هذه الوقعة فقال أبو الطيب قصيدته التي مطلعها :

لكل امرىء من دهره ما تعوّدا

وعادات سيف الدولة الطعن في العدا

وقال أبو فراس :

٤٨

وآب بقسطنطين وهو مكبل

تحفّ بطاريق به وزرازر

وولّى على الرسم الدمستق هاربا

وفي وجهه عذر من السيف عاذر

فدى نفسه بابن عليه كنفسه

وللشدة الصماء تقنى الذخائر

وقد يقطع العضو النفيس لغيره

وتدفع بالأمر الكبير الكبائر

وكان سيف الدولة قلما ينشط لمجلس الأنس لاشتغاله عنه بتدبير الجيوش وملابسة الخطوب وممارسة الحروب ، فوافت حضرته إحدى المحسنات من قيان بغداد فتاقت نفس أبي فراس إلى سماعها ولم ير أن يبدأ باستدعائها قبل سيف الدولة ، فكتب إليه يحثه على استحضارها فقال :

محلك الجوزاء أو أرفع

وصدرك الدهناء بل أوسع

وقلبك الرحب الذي لم يزل

للجد والهزل به موضع

رفّه بقرع العود سمعا غدا

قرع العوالي جلّ ما يسمع

قال ابن خلكان : ذكر الصابي في تاريخه قال : في يوم السبت لليلتين خلتا من جمادى الأول من سنة سبع وخمسين وثلثمائة جرت حرب بين أبي فراس وكان مقيما بحمص وبين أبي المعالي بن سيف الدولة ، واستظهر عليه أبو المعالي وقتله في الحرب وأخذ رأسه وبقيت جثته مطروحة في البرية إلى أن جاءه بعض الأعراب فكفنه ودفنه. قال غيره : وكان أبو فراس خال أبي المعالي وقلعت أمه سخينة عينها لما بلغها وفاته ، وقيل إنها لطمت وجهها فقلعت عينها. وقال ابن خلكان : لما مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على حمص ، فاتصل خبره بأبي المعالي بن سيف الدولة وغلام أبيه قرعويه فأنفذ إليه من قاتله فأخذ وقد ضرب ضربات فمات في الطريق.

قال : ورأيت في ديوانه أنه لما حضرته الوفاة كان ينشد مخاطبا ابنته :

أبنيتي لا تجزعي

كل الأنام إلى ذهاب

نوحي عليّ بحسرة

من خلف سترك والحجاب

قولي إذا كلمتني

فعييت عن رد الجواب

زين الشباب أبو فرا

س لم يمتع بالشباب

وهذا يدل على أنه لم يقتل ، أو يكون قد جرح وتأخر موته ثم مات من الجراحة.

٤٩

وقيل : لما قتله قرعويه لم يعلم به أبو المعالي ، فلما بلغه الخبر شق عليه. ويقال إن مولده كان في سنة عشرين وثلاثمائة ، وقيل سنة إحدى وعشرين.

قال الصلاح الصفدي في شرح لامية العجم : ومن شعر أبي فراس :

من كان مثلي فالدنيا له وطن

وكل قوم غدا فيهم عشائره

وما تمد له الأطناب في بلد

إلا تضعضع باديه وحاضره

قال : وله وقد أصابه نصل نشاب أقام في بدنه ثلاثين شهرا حتى خرج فقال فيه :

فلا تصفنّ الحرب عندي فإنها

طعامي مذبعت الصبا وشرابي

وقد عرفت وقع المسامير مهجتي

وشقق عن زرق النصول إهابي

ولجّجت (١) في حلو الزمان ومرّه

وانفقت من عمري بغير حساب

وله :

بمن يثق الإنسان فيما ينوبه

ومن أين للحر الكريم صحاب

وقد صار هذا الناس إلا أقلهم

ذئابا على أجسادهن ثياب

وله :

مالي أعاتب دهري أين يذهب بي

قد صرح الدهر لي بالمنع والياس

أبغي الوفاء بدهر لا وفاء به

كأنني جاهل بالدهر والناس

وله :

أين الخليل الذي يرضيك باطنه

مع الخطوب كما يرضيك ظاهره

وله :

إن الغنيّ هو الغنيّ بنفسه

ولو انه عاري المناكب حافي

ما كل ما فوق البسيطة كافيا

فإذا قنعت فكل شيء كافي

__________________

(١) قوله ولججت هو بالتشديد ، يقال لجّج تلجيجا إذا خاض اللجة ا ه من هامش الشرح للصفدي.

٥٠

وقال الثعالبي في خاص الخاص : من غرر أحاسن شعر أبي فراس قوله :

لم أؤاخذك بالجفاء لأني

واثق منك بالوفاء الصحيح

فجميل العدو غير جميل

وقبيح الصديق غير قبيح

ومن نكت حكمه قوله :

المرء نصب مصائب لا تنقضي

حتى يوارى جسمه في رمسه

فمؤجّل يلقى الردى في أهله

ومعجّل يلقى الردى في نفسه

وقوله :

إذا كان غير الله للمرء عدة

أتته الرزايا من وجوه المصائب

أقول : ومن قصائده المشهورة التي يتغنى بها القصيدة التي يقول في مطلعها :

أراك عصي الدمع شيمتك الصبر

أما للهوى نهي عليك ولا أمر

وختمها بقوله في الفخر :

سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم

وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

ولو سدّ غيري ما سددت اكتفوا به

وما كان يغلو التبر لو نفق الصفر

ونحن أناس لا توسط بيننا

لنا الصدر دون العالمين أو القبر

تهون علينا في المعالي نفوسنا

ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر

أعز بني الدنيا وأعلى ذوي العلا

وأكرم من فوق التراب ولا فخر

فقد أبدع كل الإبداع وأتى بما يحرك القلوب الخالية ، لكنا ننتقد عليه قوله فيها :

معللتي بالوعد (١) والموت دونه

إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر

وأين هذا من قول أبي العلاء المعري في سقط الزند :

ولو أني حبيت الخلد فردا

لما أحببت بالخلد انفرادا

__________________

(١) في الديوان : بالوصل.

٥١

فلا هطلت عليّ ولا بأرضي

سحائب ليس تنتظم البلادا

ومن بديع نظمه قوله من قصيدة :

هيهات لا قربت قربى ولا رحم

يوما إذا قضت الأخلاق والشيم

كانت مودة سلمان لهم رحما

ولم يكن بين نوح وابنه رحم

وقد طبع ديوانه في بيروت غير مرة ، ومما جاء في آخره قال ابن خالويه : لما توفي سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على حمص فاتصل خبره بأبي المعالي بن سيف الدولة وغلام أبيه قرعويه وكان صاحب حلب ، فأرسل إليه بجوشن وقد ضرب ضربات فمات فقال قبل موته :

إذا لم يعنك الله فيما ترومه

فليس لمخلوق إليه سبيل

وإن هو لم ينصرك لم تلق ناصرا

وإن عز أنصار وجلّ قبيل

وإن هو لم يرشدك في كل مسلك

ضللت ولو أن السماك دليل

٣٣ ـ علي بن عبد الملك القاضي

أبو حصين علي بن عبد الملك الرقي القاضي بحلب (من قضاة سيف الدولة). قال الثعالبي في يتيمة الدهر : هو الذي يقول فيه السري الموصلي من قصيدة :

لقد أضحت خلال أبي حصين

حصونا في الملمات الصعاب

كساني ظل وابلة وآوى

غرائب منطقي بعد اغتراب

وكنت كروضة سقيت سحابا

فأثنت بالنسيم على السحاب

وكتب إليه أبو فراس وقد عزم على المسير إلى الرقة قصيدة افتتاحها :

يا طول شوقي إن كان الرحيل غدا

لا فرّق الله فيما بيننا أبدا

فأجابه القاضي بقصيدة أولها :

إن كان ما قيل من سير الركاب غدا

حقا فإني أرى وشك الحمام غدا

ومنها في ذكر سيف الدولة :

٥٢

لو لا الأمير وأن الفضل مبدؤه

منه لقلت بأن الفضل منك بدا

دام البقاء له ما شاء مقتدرا

تمضي أوامره إن حل أو عقدا

يذل أعداؤه عزا ويرفع من

والاه فضلا ويبقى للعلا أبدا

لم أقف على تاريخ وفاته لأذكرها فذكرته في العقد الذي توفي فيه سيف الدولة. وتقدم في الكلام على حوادث سنة ٣٣٣ أن سيف الدولة لما دخل حلب ولى قضاءها لعلي بن عبد الملك (المترجم) وكان ظالما ، فكان إذا مات إنسان أخذ تركته لسيف الدولة ويقول : كل من هلك فلسيف الدولة ما ترك وعلى أبي حصين الدرك.

٣٤ ـ أبو الفرج سلامة القاضي

أبو الفرج سلامة بن بحر أحد قضاة سيف الدولة. قال الثعالبي : يقول شعرا يكاد يمتزج بأجزاء الهواء رقة وخفة ويجري مع الماء لطافة وسلاسة كقوله :

من سره العيد فما سرني

بل زاد في همي وأشجاني

لأنه ذكرني ما مضى

من عهد أحبابي وإخواني

وأورد له الثعالبي في خاص الخاص قوله :

من سره العيد الجدي

د فقد عدمت به السرورا

كان السرور يطيب أن

لو كان أحبابي حضورا

ولم أقف أيضا على تاريخ وفاته.

٣٥ ـ عبد الله الفيّاض الكاتب

أبو محمد عبد الله بن عمرو بن محمد الفياض. قال الثعالبي في اليتيمة : هو كاتب سيف الدولة ونديمه ، معروف ببعد المدى في مضمار الأدب وحلبة الكتابة ، أخذ بطرفي النظم والنثر ، كان سيف الدولة لا يؤثر عليه في السفارة إلى الحضرة (لبغداد) أحدا لحسن عبارته وقوة بيانه ونفاذه في استغراق الأغراض وتحصيل المراد ، وقد ذكره أبو إسحق الصابي في الكتاب التاجي ومدحه السريّ بقصائد (ذكر الثعالبي أبياتا من قصيدة) ثم قال : ومن

٥٣

ملح شعر أبي محمد قوله ولم أسمع في معناه أحسن منه :

قم فاسقني بين خفق الناي والعود

ولا تبع طيب موجود بمفقود

كأسا إذا أبصرت في القوم محتشما

قال السرور له قم غير مطرود

نحن الشهود وخفق العود خاطبنا

نزوّج ابن سحاب بنت عنقود

وأنشدني أبو علي محمد بن عمر الزاهر قال : أنشدني ابن الفياض لنفسه بحلب في غلام له أثير لديه استوحش منه لميله إلى غلام آخر يقال له إقبال :

انكرت إقبالي على إقبال

وخشيت أن تتساويا في الحال

هيهات لا تجزع فكل طريفة

ربح يهون وأنت رأس المال

قال : وأنشدني لنفسه في ذلك الغلام :

الآن تهجرني وأنت المذنب

وظننت أنك عاتب لا تعتب

وأمنت من قلبي التقلب واثقا

بوفائه لك والقلوب تقلّب

وقال :

وما بقيت من اللذات إلا

محادثة الكرام على الشراب

ولثمك وجنتي؟؟؟ قمر منير

يجول بخدّه ماء الشباب

٣٦ ـ علي بن محمد الوزّان

علي بن محمد أبو الحسن الوزان الحلبي النحوي. قال ياقوت : سمع منه أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي وأظنه في أيام سيف الدولة بن حمدان ، وله كتاب في العروض ا ه (بغية الوعاة).

٣٧ ـ عيسى الرقّي من أطباء سيف الدولة

عيسى الرقّي المعروف بالتفليسي. كان طبيبا مشهورا في أيامه عارفا بالصناعة الطبية حق معرفتها ، وله أعمال فاضلة ومعالجات بديعة ، وكان في خدمة سيف الدولة بن حمدان

٥٤

ومن جملة أطبائه. وقال عبيد الله بن جبرئيل : حدثني من أثق بقوله أن سيف الدولة كان إذا أكل الطعام حضر على مائدته أربعة وعشرون طبيبا ، قال : وكان فيهم من يأخذ رزقين لأجل تعاطيه علمين ومن يأخذ ثلاثة لتعاطيه ثلاثة علوم ، وكان من جملتهم عيسى الرقّي المعروف بالتفليسي ، وكان مليح الطريقة وله كتب في المذهب وغيرها ، وكان ينقل من السرياني إلى العربي ويأخذ أربعة أرزاق رزقا بسبب الطب ورزقا بسبب النقل ورزقين بسبب علمين آخرين ا ه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة المتوفى سنة ٦٦٨).

٣٨ ـ الشاعر الناشي من شعراء سيف الدولة

الناشي الأحصّي الشاعر من شعراء سيف الدولة بن حمدان ، ذكر ياقوت في معجم البلدان في الكلام على (الأحصّ) قال : وينسب إلى أحصّ حلب شاعر يعرف بالناشي الأحصّي كان في أيام سيف الدولة أبي الحسن علي بن حمدان ، له خبر ظريف أنا مورده ههنا وإن لم أكن على ثقة منه ، وهو أن هذا الشاعر الأحصّي دخل على سيف الدولة فأنشده قصيدة له فيه فاعتذر سيف الدولة بضيق اليد يومئذ وقال له : اعذر فما يتأخر عنا حمل المال إلينا ، فإذا بلغك ذلك فأتنا لنضاعف جائزتك ونحسن إليك ، فخرج من عنده فوجد على باب سيف الدولة كلابا تذبح لها السخال وتطعم لحومها ، فعاد إلى سيف الدولة فأنشده هذه الأبيات :

رأيت بباب داركم كلابا

تغذيها وتطعمها السخالا

فما في الأرض أدبر من أديب

يكون الكلب أحسن منه حالا

ثم اتفق أن حمل إلى سيف الدولة أموال من بعض الجهات على بغال فضاع منها بغل بما عليه وهو عشرة آلاف دينار ، وجاء هذا حتى وقف على باب الناشي الشاعر بالأحصّ فسمع حسه فظنه لصا ، فخرج إليه بالسلاح فوجده بغلا موقرا بالمال ، فأخذ ما عليه من المال وأطلقه ، ثم دخل حلب ودخل على سيف الدولة وأنشده قصيدة له يقول فيها :

ومن ظن أن الرزق يأتي بحيلة

فقد كذبته نفسه وهو آثم

يفوت الغنى من لا ينام على السرى

وآخر يأتي رزقه وهو نائم

٥٥

فقال له سيف الدولة : بحياتي وصل إليك المال الذي كان على البغل؟ فقال : نعم ، فقال : خذه بجائزتك مباركا لك فيه ، فقيل لسيف الدولة : كيف عرفت ذلك؟ قال : عرفته من قوله : (وآخر يأتي رزقه وهو نائم) بعد قوله : (يكون الكلب أحسن منه حالا) ا ه. وقال الثعالبي في خاص الخاص : أحسن ما سمعت في النهي عن عتاب الملوك قول الناشي :

إذا أنا عاتبت الملوك فإنما

أخط بأقلامي على الماء أحرفا

وهبه أرعوى بعد العتاب ألم يكن

تودده طبعا فصار تكلفا

٣٩ ـ عبد الله بن أحمد السراج المتوفى بعد ٣٦٨

عبد الله بن أحمد بن محمد أبو القاسم الحلبي السراج الفقيه. قدم دمشق سنة ثمان وستين وثلاثمائة وحدث بها عن عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي وعمر بن إسحاق بن أبي حماد الجرمي وأبي عبد الله بن الأصيل وأبي بكر أحمد بن جعفر البغدادي. روى عنه أبو القاسم تمام بن محمد وأبو الحسن الميداني وأبو الحسن بن السمسار ومكي بن محمد بن الغمر وأبو الحسن علي بن الحسن الربعي وأبو نصر بن الجبان وأحمد بن الحسن بن الطيان.

أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني ، حدثنا عبد العزيز الكتاني ، أنبأنا أبو الحسن بن السمسار ، أنبأنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن محمد السراج الحلبي قدم علينا ، حدثنا عبد الرحمن بن عبيد الله بن أخي الإمام بحلب ، حدثنا أحمد بن حرب ، حدثنا زيد بن الحباب حدثنا موسى بن عبيدة ، حدثني إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (مثل الذي لا يتم صلاته كمثل حبلى فلما دنا نفاسها أسقطت فلا هي ذات حمل ولا هي ذات ولادة. يا علي مثل المصلي كالتاجر لا يخلص له ربحه حتى يأخذ رأس ماله ، كذلك المصلي لا تقبل له نافلة حتى يؤدي الفريضة). ه (ابن عساكر).

٤٠ ـ الحسين بن أحمد بن خالويه المتوفى سنة ٣٧٠

الحسين بن أحمد بن خالويه بن حمدان أبو عبد الله الهمذاني النحوي ، إمام اللغة والعربية

٥٦

وغيرها من العلوم الأدبية ، دخل بغداد طالبا للعلم سنة أربع عشرة وثلاثمائة وقرأ القرآن على ابن مجاهد والنحو والأدب على ابن دريد ونفطويه وأبي بكر بن الأنباري وأبي عمر الزاهد ، وسمع الحديث من محمد بن مخلد العطار وغيره وأملى الحديث بجامع المدينة ، وروى عنه المعافى بن زكريا وآخرون ، ثم سكن حلب واختص بسيف الدولة بن حمدان وأولاده وهناك انتشر علمه وروايته ، وله مع المتنبي مناظرات. وكان أحد أفراد الدهر في كل قسم من أقسام العلم والأدب ، وكانت الرحلة إليه من الآفاق ، وقال له رجل : أريد أن أتعلم من العربية ما أقيم به لساني ، فقال : أنا منذ خمسين سنة أتعلم النحو ما تعلمت ما أقيم به لساني. توفي بحلب سنة سبعين وثلاثمائة.

قال الداني في طبقاته : عالم بالعربية حافظ للغة بصير بالقراءة ثقة مشهور ، وروى عنه غير واحد من شيوخنا منهم عبد المنعم بن عبد الله والحسن ابن سليمان وغيرهما ، وكان شافعيا ، ومن شعره :

إذا لم يكن صدر المجالس سيدا

فلا خير فيمن صدرته المجالس

وكم قائل مالي رأيتك راجلا

فقلت له من أجل أنك فارس

ومنه :

الجود طبعي ولكن ليس لي مال

فكيف يبذل من بالقرض يحتال

فهاك حظي فخذه اليوم تذكرة

إلى اتساعي فلي في الغيب آمال

وله من التصانيف : الجمل في النحو. الاشتقاق. أطرغش في اللغة (هكذا في النسخة المطبوعة من بغية الوعاة وأشار إليها المصحح فقال : هكذا بالأصل). القراءات. إعراب ثلاثين سورة (١) المقصور والممدود. الألفات. المذكر والمؤنث (٢). شرح الدريدية. كتاب ليس. يقول فيه ليس في كلام العرب كذا إلا كذا ، وعمل بعضهم كتابا سماه

__________________

(١) منه نسخة خطية في المتحف البريطاني وفي أياصوفيا ذكر ذلك جرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة العربية (صحيفة ٤٠١ جلد ٢) وذكر ثمة أن له كتاب المشجر منه نسخة في برلين.

(٢) يوجد منه نسخه في الخزانة البارودية في بيروت ونسخة في حلب في المكتبة الخسروية من كتب الحاج عبد القادر الجابري ونسخة في المكتبة العمومية في الآستانة ورقمها ٥٥٩٥.

٥٧

كتاب الميس استدرك عليه أشياء. كتاب اشتقاق خالويه. البديع في القراءات السبع. وغير ذلك.

وهذه فائدة رأيت ألا أخلي منها هذا الكتاب : رأيت في تاريخ حلب لابن العديم بخطه قال : رأيت في جزء من أمالي ابن خالويه : سأل سيف الدولة جماعة من العلماء بحضرته ذات ليلة : هل تعرفون اسما ممدودا وجمعه مقصور؟ فقالوا : لا ، فقال لابن خالويه : ما تقول أنت؟ قلت : أنا أعرف اسمين ، قال : ما هما؟ قلت : لا أقول لك إلا بألف درهم لئلا تؤخذ بلا شكر وهما صحراء وصحاري وعذراء وعذاري ، فلما كان بعد شهر أصبت حرفين آخرين ذكرهما الجرمي في كتاب التنبيه وهما صلفاء وصلافي وهي الأرض الغليظة وخبراء وخباري وهي أرض فيها ندوّة ، ثم بعد عشرين سنة وجدت حرفا خامسا ذكره ابن دريد في الجمهرة وهي سبتاء وهي الأرض الخشنة ا ه (بغية الوعاة في أخبار النجاة للسيوطي).

وقال ابن خلكان في ترجمته بعد ذكر من أخذ عنهم : وآل حمدان يكرمونه ويدرسون عليه ويقتبسون منه ، وهو القائل : دخلت يوما على سيف الدولة بن حمدان فلما مثلت بين يديه قال لي : اقعد ، ولم يقل اجلس ، فتبينت اعتلاقه بأهداب الأدب واطلاعه على أسرار كلام العرب ، وإنما قال ابن خالويه هذا لأن المختار عند أهل الأدب أن يقال للقائم اقعد وللنائم والساجد اجلس ، وعلله بعضهم بأن القعود هو الانتقال من العلو إلى السفل ، ولهذا قيل لمن أصيب برجليه مقعد ، والجلوس هو الانتقال من السفل إلى العلو ولهذا قيل لنجد جلساء لارتفاعها ، وقيل لمن أتاها جالس وقد جلس ، ومنه قول مروان بن الحكم لما كان واليا بالمدينة يخاطب الفرزدق :

قل للفرزدق والسفاهة كاسمها

إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس

أي اقصد الجلساء وهي نجد. ولابن خالويه المذكور كتاب كبير في الأدب سماه كتاب ليس وهو يدل على اطلاع عظيم ، فإن مبنى الكتاب من أوله إلى آخره على أنه ليس في كلام العرب كذا وليس.

أقول : قال ابن الأنباري في كتابه نزهة الألباء في طبقات الأدباء في ترجمة ابن خالويه المذكور : وصنف كتبا كثيرة في اللغة وغيرها منها كتاب ليس وهو كتاب نفيس في

٥٨

اللغة ... إلخ. والكتاب المذكور مطبوع في مصر في جزء لطيف. وله كتاب لطيف سماه الآل وذكر فيه الآل ينقسم إلى خمسة وعشرين قسما وما قصر فيه ، وذكر فيه الأئمة الاثني عشر وتاريخ مواليدهم ووفياتهم وأمهاتهم والذي دعاه إلى ذكرهم أنه قال في جملة أقسام الآل : وآل محمد بنو هاشم. وكتاب في أسماء الأسد (قال في نزهة الألباء : وذكر له فيه خمسمائة اسم). ولابن خالويه مع أبي الطيب المتنبي مجالس ومباحث عند سيف الدولة ، ولو لا خوف الإطالة لذكرت شيئا منها. وخالويه بفتح الواو وسكون الياء ا ه كلام ابن خلكان.

قال الثعالبي في يتيمة الدهر : ومن شعر أبي عبد الله الحسين بن خالويه في وصف برد همذان :

إذا همذان اعتارها القر وانقضى

برغمك أيلول وأنت مقيم

فعينك عمشاء وأنفك سائل

ووجهك مسودّ البياض بهيم

وأنت أسير البرد تمشي بعلة

على السيف تحنو تارة وتقوم

بلاد إذا ما الصيف أقبل جنة

ولكنها عند الشتاء جحيم

وتقدم في أول ترجمته أن أصل ابن خالويه من همذان.

٤١ ـ الحسن بن أحمد بن صالح السبيعي الحافظ المتوفى سنة ٣٧١

الحسن بن أحمد بن صالح الحافظ أبو محمد الهمداني السبيعي الحلبي من أولاد أبي إسحق السبيعي وإليه ينسب بحلب درب السبيعي (١). كان حافظا متقنا رحالا عالي الرواية خبيرا بالرجال والعلل فيه تشيع يسير ، رحل وسمع من محمد بن حبان وعبد الله بن ناجية ويموت ابن المزرع وعمر بن أيوب السقطي وقاسم بن زكريا وعمر بن محمد الباغندي وأبي معشر الدارمي ومحمد بن جرير الطبري وأحمد بن هرون البردنجي وطائفة. روى عنه الدارقطني وأبو بكر البرقاني وأبو طالب بن بكير وأبو العلاء محمد بن علي الواسطي وأبو نعيم الأصبهاني

__________________

(١) قال في كنوز الذهب : درب السبيعي هو الذي به البيمارستان النوري منسوب إلى الحسن بن أحمد بن صالح الهمداني السبيعي الحلبي ا ه. أقول : هذا الزقاق في محلة الجلّوم ويعرف الآن بزقاق البهرامية لأن في أوله جامع البهرامية وفي آخره البيمارستان النوري.

٥٩

والشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان شيخ الرافضة والشريف محمد الحراني. وكان عسرا في الرواية ذعرا وثقه ابن أبي الفوارس ، وقال ابن أسامة الحلبي : لو لم يكن للحلبيين من الفضيلة إلا أبو محمد الحسن بن أحمد السبيعي لكفاهم.

كان وجيها عند سيف الدولة وكان يزوره في داره ، وصنف له كتاب التبصرة في فضيلة العترة المطهرة ، وكان له في العامة سوق ، وهو الذي وقف حمام السبيعي على العلويين. توفي السبيعي في سابع عشر ذي الحجة. قال الحاكم سألت أبا محمد السبيعي الحافظ عن حديث إسماعيل بن رجاء فقال : لهذا الحديث قصة ، قرأ علينا ابن ناجية مسند فاطمة بنت قيس سنة ثلثمائة فدخلت على الباغندي فقال : من أين جئت؟ قلت : من مجلس ابن ناجية ، فقال : أيش قرأ عليكم؟ قلنا : أحاديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس ، فقال : مر لكم عن إسماعيل بن رجاء عن الشعبي ، فنظرت في الخبر فلم أجد ، فقال : اكتب : ذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قلت : عمن؟ ومنعته من التدليس ، فقال : حدثني محمد بن عبيدة الحافظ ، حدثني محمد بن الأثرم ، نا أبو بكر ، نا محمد بن بشير العبدي عن مالك بن مغول عن إسماعيل بن رجاء عن الشعبي عن فاطمة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قصة الطلاق والسكنى والنفقة. ثم انصرفت إلى حلب وكان عندنا بحلب بغدادي يعرف بابن سهل فذكرت له هذا الحديث فخرج إلى الكوفة وذاكر أبا العباس بن سعيد ، فكتب أبو العباس هذا الحديث عن ابن سهل عني عن الباغندي ، ثم اجتمعت مع فلان يعني الجعابي فذاكرته فلم يعرفه ، ثم اجتمعنا برملة فلم يعرفه ، ثم اجتمعنا بعد سنين بدمشق فاستعادني إسناده تعجبا ، ثم اجتمعنا ببغداد فذكرنا هذا الباب فقال : ثنا علي بن إسماعيل الصفار ، ثنا أبو بكر الأثرم ، نا أبو بكر بن أبي شيبة ، ولم يدر أن الأثرم غير ذاك ، فذكرت قصتي لفلان المفيد وأتى عليه سنون فحدث بالحديث عن الباغندي ، ثم قال السبيعي : المذاكرة تكشف عوار من لا يصدق.

قال الخطيب : كان ثقة حافظا مكثرا حافظا عسرا في الرواية ، ولما كان بأخرة عزم على التحديث والإملاء وتهيأ لذلك فمات. حدث عنه الدارقطني : سمعت السبيعي يقول : قدم علينا الوزير أبو الفتح بن خنزابة إلى حلب فتلقاه الناس فعرف أني محدث ، فقال لي : أتعرف إسنادا فيه أربعة من الصحابة؟ فذكرت له حديث عمر في العمالة ، فعرف لي ذلك وصار لي به عنده منزلة ا ه (ذهبي من وفيات سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة).

٦٠