إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٤

في عمارتها سنة تسع وثلاثين وستمائة وتمت في سنة تسع وأربعين ولم يدرّس بها أحد ، لأن الدولة الناصرية انقرضت قبل استيفاء غرضه فيها ، وهي الآن تقام فيها الجمعة ، وكان يخطب بها الشيخ الصالح أحمد الزركشي ا ه.

وقد أبقت أيدي الزمان من خطه البديع ما هو مكتوب على أطراف محراب المدرسة الحلوية ، ونص ما كتب : (بسم الله الرحمن الرحيم. جدد هذا المحراب في أيام مولانا السلطان الملك الغازي المجاهد المرابط المؤيد المنصور الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين منصف المظلوم من الظالمين رافع العدل في العالمين قامع الكفرة والملحدين أبي المظفر يوسف بن محمد ناصر أمير المؤمنين خلد الله ملكه وأعز أنصاره وأعلا رايته وأنار برهانه بولاية الفقير إلى رحمة الله تعالى عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة غفر الله له ولوالديه سنة ثلاث وأربعين وستمائة).

تتمة الكلام على المدرسة الحلوية :

تكلمنا على هذه المدرسة في الجزء الثاني (ص ٦٣) في تعداد آثار الملك العادل نور الدين الشهيد ، ثم وجدت أبا ذر في كنوز الذهب عقد لها فصلا مسهبا وفيه زوائد كثيرة عما ذكرناه ثمة فوجدنا من المناسب إيراده هنا تتميما للفائدة ، قال :

ولما حاصرت الفرنج حلب في سنة ثمان عشرة وخمسماية وملكها يومئذ إيلغازي بن أرتق صاحب ماردين ، فهرب منها وقام بأمر البلد ومن فيه القاضي أبو الحسن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن الخشاب ، فعمد الفرنج إلى قبور المسلمين فنبشوها ، فلما بلغ القاضي ذلك عمد إلى أربع كنائس من الكنائس التي كانت بها وصيرها مساجد إحداها هذه (أي الحلوية) ، والثانية تأتي في الحدادية ، والثالثة في المقدمية ، والرابعة على ما يغلب عليه ظني هي المسجد الذي بقرب حمّام موغان. قلت : وبالقرب من حمّام موغان مسجد بينها وبين الجاولية الحنفية مكتوب على حائطه أنه عمر في أيام الناصر بن العزيز بتولية محمد ابن عبد الرحمن بن العجمي الشافعي في رمضان سنة خمس وخمسين وستماية.

قال ابن شداد : وكان بموضع الدار التي هي الآن دار الزكاة ، وهذه الدار وهذه الحمّام المجاورة لها من إنشاء ذكا (١) وكان متوليا بحلب من سنة اثنتين وتسعين ومائتين بيت المذبح

__________________

(١) هو أبو الحسن ذكا بن عبد الله الأعور.

٤٦١

٤٦٢

٤٦٣

لكنيسة هيلانة التي هي الحلوية ، وبينها ساباط معقود البناء تحت الأرض يخرج منها من الكنيسة إلى المذبح ، وكان النصارى يعظمون هذا المذبح ويقصدونه من سائر البلاد ، وكانت حمّام موغان حمّاما للهيكل ، وكان حوله قريبا من مائتي قلاية تنظر إليه ، وكان في وسطه كرسي ارتفاعه إحدى عشرة ذراعا من الرخام الملكي الأبيض. وذكر ابن شرارة النصراني في تاريخه أن عيسى عليه‌السلام جلس عليه ، وقيل جلس موضعه لما دخل حلب ، وذكروا أن جماعة من الحواريين دخلوا هذا الهيكل ، وكان في ابتداء الزمان معبدا لعبّاد النار ، ثم صار إلى اليهود فكانوا يزورونه ، ثم صار إلى النصارى ، ثم صار إلى المسلمين. وذكروا أيضا أنه كان بهذا الهيكل قس يقال له برسوما تعظمه النصارى وتحمل إليه الصدقات من سائر الأقاليم ، يذكر في سبب تعظيمهم له أنه أصاب أهل حلب وباء في أيام الروم فلم يسلم منهم غيره.

قال : وكانت هذه المدرسة تعرف قديما بمسجد السرّاجين ، ولما ملك نور الدين حلب وقفه مدرسة وجدد فيه مساكن يأوي إليه الفقهاء وإيوانا ، وكان مبدأ عمارته ، قال ابن شداد ، في سنة أربع وأربعين وخمسماية ، ومكتوب على بابها في سنة ثلاث وأربعين ، ومتولي عمارتها القاضي فخر الدين أبو منصور محمد بن عبد الصمد بن الطرسوسي الحلبي ، وكان ذا همة ومروءة ظاهرة له أمر نافذ في تصرفه في أعمال حلب وأثر صالح في الوقوف ، ثم انعزل عن ذلك أجل انعزال ومات في وسط سنة تسع وأربعين وخمسماية. والمحراب الذي في إيوانها منجور فرد في بابه جدد في أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن محمد في سنة ثلاث وأربعين وستماية ، وكان بها خزانة كتب فذهبت.

وكان على قبتها طائر من نحاس يدور مع الشمس فذهب. ورأيت في كلام داود بن علي أحد الفقهاء بها ما لفظه : فاطمة زوجة الكاساني هي التي سنت الفطر في رمضان للفقهاء بالحلاوية ، كان في يديها سواران فأخرجتهما وباعتهما وعملت بثمنهما الفطور كل ليلة فاستمر ذلك إلى اليوم. قلت : بل انقطع ذلك بالكلية. (ثم قال) : ولما فرغ من بنائها استدعى لها من دمشق الفقيه الإمام برهان الدين أبا الحسن علي بن الحسن بن محمد ابن أبي جعفر ، وقيل جعفر البلخي فولاه تدريسها. واستدعى الفقيه برهان الدين أبا العباس أحمد بن علي الأصولي السلفي من دمشق ليجعله نائبا عن برهان الدين فامتنع من القدوم ، فسير إليه برهان الدين كتابا ثانيا يستدعيه فيه ويشدد عليه في الطلب ، فأجابه عن كتابه

٤٦٤

بكتاب استفتحه بعد البسملة :

ولو قلت طأ في النار أعلم أنه

رضى لك أو مدن لنا من وصالك

لقدمت رجلي نحوها فوطئتها

هدى منك لي أو ضلة من ضلالك

ثم قدم حلب بعد كتابه فاستنابه برهان الدين ولم يزل نائبا عنه إلى أن مات ، فحزن عليه برهان الدين حزنا غلب عليه ، ولما فرغ من الصلاة عليه التفت إلى الناس وقال : شمت الأعداء بعلي لموت أحمد.

ولم يزل برهان الدين مدرسا إلى أن خرج من حلب لأمر جرى بينه وبين مجد الدين أبي بكر محمد بن محمد بن نوشتكين بن الداية لما كان نائبا عن السلطان بحلب ، وقصد دمشق فأقام بها إلى أن توفي في شعبان سنة ثمان وأربعين وخمسماية ، وتولى المدرسة بعد خروجه الفقيه الإمام عبد الرحمن بن محمود بن محمد بن جعفر الغزنوي أبو الفتح ، وقيل أبو محمد الحنفي الملقب علاء الدين ، فأقام بها مدرسا إلى أن توفي بحلب لسبع بقين من شوال سنة أربع وستين وخمسماية.

وولي بعده ولده محمود وكان صغيرا ، فتولى تدبيره الحسام علي بن أحمد بن مكي الرازي الورودي ، ثم ولي بعده الإمام رضي الدين محمد بن محمد بن محمد أبو عبد الله السرخسي ، وكان في لسانه لكنه فتعصب عليه جماعة من الفقهاء الحنفية وصغروا أمره عند نور الدين ، وكانت وفاته يوم الجمعة آخر جمعة في رجب سنة إحدى وسبعين وخمسماية ، فكتب نور الدين إلى عالي بن إبراهيم بن إسماعيل أبي علي الغزنوي وكان بالموصل ليقدم إلى حلب ليوليه تدريس المدرسة ، واتفق أن أبا بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الملقب علاء الدين سير رسولا من الروم إلى نور الدين فعرض عليه المقام بحلب والتدريس بالحلوية ، فأجابه إلى ذلك ووعده أن يعود إلى حلب بعد رد جواب الرسالة ، فعاد إلى الروم ثم قدم حلب فولي عالي تدريس الحلاوية يوما واحدا.

ثم إن نور الدين استحيا من علاء الدين الكاساني فاستدعى ابن الحكيم مدرس مدرسة الحدادين إلى دمشق وولى عالي الغزنوي مكان ابن الحكيم ، ثم ولي علاء الدين الحلاوية ، ولم يزل بها إلى أن توفي يوم الأحد بعد الظهر عاشر رجب سنة سبع وثمانين وخمسماية.

وولي بعده عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب بن الحسين بن أحمد بن الحسين

٤٦٥

ابن محمد بن الحسين ابن عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس ، ولم يزل مدرسا إلى أن توفي في جمادى الآخرة سنة ست عشرة وستماية.

فولي بعده ولده تاج الدين أبو المعالي الفضل ، واستمر مدرسا إلى أن توفي فجأة في أواخر سنة ثلاث وثلاثين وستماية ، وخلع في يوم تدريسه عشرين خلعة على من حضر درسه من متميزي الفقهاء.

فولي بعده كمال الدين أبو القاسم عمر بن قاضي القضاة نجم الدين أحمد بن هبة الله ابن أبي جرادة المعروف بابن العديم ، ولم يزل مستمرا على تدريسها إلى أن قصد دمشق في خدمة الملك الناصر ، فولي تدريسها استقلالا ولده مجد الدين أبو المجد عبد الرحمن وتدريسها بيد بني العديم إلى الآن صورة. انتهى.

وكانت هذه المدرسة أخيرا في أيامي يستحي الشخص أن يمر على بابها من الفضلاء والعلماء والجالسين على دككها كالشيخ عز الدين الحاضري وجماعته ، وقد حضرت بها الدرس في أيام السيفي قصروه درس بها الشيخ أبو بكر بن إسحق الحنفي القاضي درسا حافلا في قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)(١) ورتبه على علوم ، وحضر قضاة البلد وشيخنا وفضلاء البلد إذ ذاك والكافل. فلما أخذ في الدرس سأله شيخنا مسألة فأرتج عليه بقية الدرس ، ودرس بعده في المجلس مدرسها عز الدين بن العديم.

ودرس في هذه المدرسة أيضا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن أمين الدولة وهو مذكور مع أقاربه. ودرس بها أيضا الحسين بن محمد أسعد الفقيه المعروف بالنجم ، وله تصانيف في الفقه منها «شرح الجامع الصغير» لمحمد بن الحسن فرغ من تصنيفه بمكة ، وله «الفتاوي والواقعات». وكان دينا ، وله حكاية طويلة في حضوره عند نور الدين وقد سأله عن لبس خاتم في يده كان فيه لوزات من ذهب ، فقال له : تتحرز عن هذا ويحمل إلى خزائنك من المال الحرام كل يوم كذا وكذا ، فأمر نور الدين بإبطال ذلك. وسميت الحلاوية لأنه كان عندها سوق الحلوانيين ا ه.

وقال أبو ذر في أول الفصل الحادي عشر في خطط حلب وقلعتها : ولنبدأ في الكلام

__________________

(١) آل عمران : ١٨.

٤٦٦

على الخطط بالقصبة العظمى التي يدخل إليها من باب أنطاكية وينتهي إلى تحت القلعة وما يتشعب منها بعد أن نعلم أن السلطان نور الدين الشهيد تغمده الله برحمته وقف نصف قرية لفخناز بالقرب من معرة مصرين على إصلاح الشوارع والبقية وقف على الحلوية.

وبهذه المناسبة نتكلم على المدرستين الحدادية والمقدمية وعلى المسجد الذي بين حمّام موغان وبين المدرسة الجاولية فنقول :

الكلام على المدرسة الحدّادية :

قال أبو ذر : هذه المدرسة سميت بالحدادية وهي بدرب المتوجه إلى السفاحية ، أنشأها حسام الدين محمد بن عمر بن لاجين أخت صلاح الدين ، كانت من الكنائس الأربع التي تقدم ذكرها فهدمها وبناها بناء وثيقا. وأول من درس بها الفقيه الإمام الحسين بن محمد بن أسعد بن حليم المنعوت بالنجم ، ولم يزل بها إلى أن استدعاه نور الدين إلى دمشق ، وولي مكانه عالي بن إبراهيم بن إسماعيل الغزنوي ، ولم يزل بها إلى أن توفي إما في سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وخمسماية. وهذان القولان حكاهما كمال بن العديم ، وعلى المذكور صنف كتاب «التقشير في التفسير» (١). قال أبو اليمن الكندي : صحف حتى في اسمه وفيه أوهام كثيرة إذا تعرض في النحو.

ثم وليها بعده موفق الدين أبو الثنا محمود بن طارق النحاس الحلبي ، ولم يزل مدرسا إلى أن توفي في السنة التي قدمنا ذكرها عند ذكره في الشاذبختية. ثم وليها بعده ولده كمال الدين إسحق ، ولم يزل بها مدرسا إلى أن توفي ليلة الأربعاء مستهل شعبان سنة أربع وأربعين وستماية. ووليها بعده الشيخ شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الواحد الأنصاري ، ولم يزل بها مدرسا إلى أن توفي يوم الخميس سادس عشر شعبان سنة تسع وأربعين وستماية. ووليها بعده ولده فخر الدين يوسف ، ولم يزل إلى أن قتلته التتر عند استيلائهم على حلب.

قلت : وهذه المدرسة بعد الفتنة التيمرية تعطلت عن إقامة الشعائر فيها وسكنها النساء وأغلق بابها حتى قدم الشيخ الصالح الزاهد العامل علاء الدين الجبرتي نفع الله به المتقدم ذكره في مدرسة الصاحبية فحضر إلى هذه المدرسة بعد أن عمر الصاحبية كما تقدم وأخرج

__________________

(١) هكذا في الأصل ، وفي الجواهر المضيّة : «تفسير التفسير».

٤٦٧

النساء منها وصار يتردد إليها فأقام شعارها وعمر ما دثر منها وفتح خلاويها بعد أن كانت مردومة بالتراب وبيّض إيوانها وفتح بركتها وأجرى إليها الماء من الحوض الذي خلف دار العدل ، واتخذ له فيها خلوة وكان يتعبد بها ، وعمر مرتفقها وحفره حتى بلغ الماء ، وكان ينزل إليه بنفسه وينزح التراب منه ، وعمره عمارة متقنة ، ولما حفروا المرتفق وجدوا فيه حجرا أسود على قبر وعليه صلبان ، وكان أصل هذا المرتفق ناووسا للكنيسة فتعاونوا على هذا الحجر وربطوه بالحبال وجبذوه إلى خارج هذا المرتفق ، وبنى إلى جانب هذا المرتفق مستحما وأحضر إليه جرنا أسود من خارج وقفه بعض أهل الخير على هذا المكان ، والجرن الأبيض الذي على جانب البركة نقله من الحمّام الخراب التي خلف دار العدل بأمر مالكتها بنت المؤيد ، وكان قد أخرجه بعض الناس من الحمّام إلى مسجد هناك مهجور ليأخذه إلى منزله ، فسمع الشيخ بذلك فأرسل إلى القاهرة واستأذن بنت المؤيد في نقله إلى هذه المدرسة فأذنت له فيه فنقله ، وفتح في هذه المدرسة بعض الناس صهريجا وأنفق عليه جملة وأقيم شعار هذه المدرسة بالذكر والصلوات الخمس والمؤذنين والحصر والبسط والمصابيح وغير ذلك.

ومن جملة ما نقم الأعداء على الشيخ علاء الدين واستفتوا عليه أنه كان يصلي في هذه المدرسة وهو شافعي المذهب ، فهلا كانوا استفتوا على النساء الساكنات (١) بها وعلى من عطل معاهدها. ولقد رأيت بعيني النساء سافرات بها فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وسيأتي ما اتفق للشيخ في خانقاه الملكي.

ولما ألزم قصروه المدرسين بالتدريس ألزم شيخنا ابن الرسام الحنبلي بالتدريس فلم يجد له مكانا ، فدرس بها ، وهذه المدرسة من جملة وقفها حوانيت بسوق الحرير وآل تدريسها إلى المالكية ا ه.

وقال ابن الشحنة في الكلام عليها : لم يزل يتولاها المدرسون إلى أن وصلت إلى يدي ونزلت عليها لولديّ ، وهي الآن بيدهما. وقال بعده : إنها الآن معطلة ا ه.

أقول : هذه المدرسة كانت عامرة في أواخر القرن العاشر كما ذكره رضي الدين الحنبلي في تاريخه ، وقدمنا ذلك في الجزء الثالث في صحيفة (٢٠٤) ، ثم اتخذت دورا ولا أدري

__________________

(١) في الأصل الساكنين.

٤٦٨

متى كان ذلك ، وهي قبلي بيوت بني راغب آغا ، وبقي من آثارها عضادتا بابها الكبير ومكتوب على طرفه الأيمن (الحمد لله) بقلم جاف جدا ولله الأمر.

الكلام على درب الحدّادين :

قال أبو ذر : درب الحدادين هو الذي به المدرسة الحدادية ، وبه مسجدان كان أحدهما فوق الحوض الذي كان على باب المدرسة. ورأيت أقجا الخازندار وهو يخربه ولا ينكر عليه أحد بلسانه ، وجدد هناك حوضا كبيرا ، والمسجد الآخر باق كان قد جددته زوج الحمزاوي كافل حلب ، ثم جدده بعض التجار. وبرأس هذا الدرب بالقرب من السفاحية حمّام ميخان. قال ابن شداد : وبهذا الدرب مشهد يعرف بعلي رضي الله تعالى عنه ، ولعله هو هذا المسجد المتقدم الذي هو باق الآن ا ه.

أقول : ولا أثر الآن لهذه المساجد ، أما الحمّام فلم تزل موجودة.

المدرسة المقدّمية :

هذه المدرسة بدرب كان يسمى قديما درب الحطّابين والآن يسمى بدرب ابن سلار ، أنشأها عز الدين عبد الملك المقدم وكانت إحدى الكنائس الأربع التي صيرها القاضي أبو الحسن ابن الخشاب مساجد في سنة ثمان عشرة وخمسمائة وأضاف إليها دارا كانت إلى جانبها ، وابتدأ في عمارتها سنة خمس وأربعين وخمسمائة. وهذه المدرسة على هيئة الشرفية ، وقيل إنه أخذ ترتيب الشرفية منها ، وشماليتها الآن داثرة. وأول من درس بها برهان الدين أبو العباس أحمد بن علي الأصولي المقدم ذكره ، ثم وليها بعده الشريف افتخار الدين عبد المطلب بن الفضل الهاشمي المقدم ذكره في الحلاوية ، ولم يزل بها إلى أن توفي. ووليها بعده ولده أبو المعالي الفضل ، ولم يزل بها إلى أن توفي. وتولاها بعده شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الواحد الأنصاري ، ولم يزل بها إلى أن توفي. ووليها بعده افتخار الدين أبو المفاخر محمد بن تاج الدين أبي الفتح يحيى بن القاضي أبي غانم محمد بن أبي جرادة المعروف بابن العديم ، ولم يزل بها مدرسا إلى أن قتل عند استيلاء التتر على حلب.

ومن جملة أوقافها رحا الجوهري قبلي حلب على قويق وحصة بقرية كفتان ا ه.

٤٦٩

خانكاه المقدّمية :

هذه الخانكاه أنشأها عبد الملك بن المقدم بدرب الحطّابين المعروف الآن بدرب ابن سلار سنة أربع وأربعين وخمسمائة. قلت : خرب بعضها وقد شرع في عمارته في هذه الأيام. ومن جملة أوقافها حصتان بقريتي جسرين والمحمدية من عمل دمشق وحصة بقرية كفتان من حواضر حلب ا ه.

أقول : موقع هذه المدرسة وهذه الخانقاه في محلة الجلّوم في الزقاق المعروف الآن بزقاق خان التتن ، والإسمان السابقان هجرا بتاتا ، وباب المدرسة لم يزل باقيا من عهد الواقف وفيه هندسة حسنة لكنه آخذ إلى الخراب وفي حاجة إلى الترميم. وقد كتب عليه :

(١) البسملة. هذا ما وقفه تقربا إلى الله تعالى.

(٢) في أيام الملك العادل محمود بن زنكي بن آقسنقر عز نصره.

(٣) الفقير إلى رحمة الله محمد بن عبد الملك بن محمد في.

(٤) سنة أربع وستين وخمسمائة فرحم الله من قرأه ودعا بالمغفرة.

والباقي من المدرسة قبليتها وهي في حاجة إلى الترميم أيضا ، وفيها شخص يؤدب الأطفال ويعلمهم حساب الدفاتر التجارية ، والحجر التي كانت هناك في أطرافها الثلاثة كلها تخربت ومكانها خال أصبح عرصة واسعة ما عدا حجرتين في الجهة الغربية وهما مشرفتان على السقوط وربما سكنهما بعض الفقراء ، وتنوي دائرة المعارف الآن بناء مكتب في تلك العرصة الواسعة لاحتياج هذه المحلة إلى ذلك. وأما الخانقاه فلا أثر لها الآن ، وربما كانت في الجانب الشرقي من هذه المدرسة. ووقفها الذي بدمشق ليس خاصا بها بل هو موقوف على المدرسة المقدمية التي بدمشق ، وهو لم يزل باقيا ، وهي من آثار عز الدين عبد الملك أيضا ، والمتولي عليها وعلى وقفها صديقنا الفاضل الشيخ محمد حمدي السفرجلاني الدمشقي ، وقد ذكر لي غير مرة أنه يود أن يشرع في عمارة المدرسة التي في حلب ليقدم لها ما يخصها من ريع وقفها الذي بدمشق.

الكلام على درب الحطّابين :

قال أبو ذر : هو الذي به المدرسة والخانقاه المقدمتان ، وبرأسه من جهة الشرق مسجد معلق أنشأه الحاج جعفر بن مزاحم ، قاله ابن شداد. وقد جدد هذا المسجد يوسف بن

٤٧٠

أحمد أحد رجال الحلقة سنة تسع وثلاثين وسبعماية ، وقد هجر الآن وسد بابه وجعل ملكا ثم جدد في زماننا. وهذا الدرب يعرف الآن ببني سلار ، لأن دار الأمير ناصر الدين محمد بن سلار كافل قلعة حلب به ، وكان مقدما عند الظاهر برقوق ، وكذلك ولده ، وهي الآن بيد بني السفاح.

وخارج هذا الدرب من القبلة مسجد أنشأه محمد بن دفاع بن أبي نصر سنة أربع عشرة وستماية ا ه.

أقول : لا أثر الآن للمسجد الذي بناه يوسف بن أحمد ، وأما المسجد الذي أنشأه محمد بن دفاع فهو باق تقام فيه الصلوات الجهرية وهو شرقي المدار الذي تجاه زقاق خان التتن.

بقي علينا من الأماكن الأربعة التي اتخذت مساجد المسجد الذي بقرب حمّام موغان ، هذا المسجد في آخر السوق الذي فيه الخان المعروف بخان الحرير من جهة الشمال ويعرف بمسجد اليتامى قد خربته دائرة الأوقاف سنة ١٣٤٠ وبنت موضعه حانوتين كبيرين وبنت فوقهما المسجد ، وجعلت له منارة صغيرة ، وهو من هذه الجهة يلاصق الحوانيت التي بنيت حديثا عوضا من الحمّام التي كانت هناك وتعرف بحمام البيلوني التابعة لوقف بني البيلوني ، وقبليها زقاق ضيق غير نافذ فيه بعض الدور يعرف ببوابة الياسمين ، وقبلي هذا الزقاق المدرسة الجاولية.

المدرسة الجاولية :

هذه المدرسة بالقرب من السهلية وهي سويقة حاتم الآن ، لها بوابة عظيمة مبنية بالحجر الهرقلي أنشأها عفيف الدين عبد الرحمن ... الجاولي النوري وشرط أن يقرأ الفقهاء والمدرس شيئا من القرآن ويجعل هذا للسلطان نور الدين.

وأول من درس بها الشيخ العالم علاء الدين أبو بكر بن مسعود أحمد أمير كاسان الكاساني المقدم ذكره ، ولم يزل بها إلى أن توفي ، ووليها بعده الشيخ جمال الدين خليفة ابن سليمان بن خليفة القرشي المقدم ذكره ، إلى أن مات ، فوليها بعده نجم الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن حسام الكردي الهكاري المعروف بالجلي ، ولم يزل بها إلى أن كانت

٤٧١

فتنة التتر فقتل فيها ، وآل تدريسها إلى شيخنا الشيخ شمس الدين بن سلامة وسكن بها ، وآلت بعد وفاته لشيخنا العلامة محب الدين بن الشحنة الحنفي ، فدرس بها درسا حافلا من أول سورة البقرة ، ونقل كلام الزمخشري عليه لوالده ... (هنا سطور على الهامش ممحوة بتاتا). ومن جملة أوقافها حصة في لفحناز من عمل معرة مصرين ا ه. وفي الدر المنتخب : شرط منشئها لمدرسها كفايته وكفاية عياله.

أقول : الباقي من هذه المدرسة قبليتها ، وعمر في الجهة الشرقية منها بعض حجر صغيرة ليست محكمة البناء ، وما عدا ذلك فهو عرصة. وقد شرعت دائرة الأوقاف هذه السنة وهي سنة ١٣٤٤ في هدمها لتبنيها خانا أو حوانيت.

٢٥٢ ـ أحمد بن عبد الله الأسدي المعروف بابن الأستاذ المتوفى سنة ٦٦٢

أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بن رافع أبو العباس كمال الدين الأسدي الحلبي الشافعي المعروف بابن الأستاذ ، قاضي القضاة بحلب وأعمالها. مولده ليلة الثامن عشر من جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وستماية. سمع من أبي هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي ومن جماعة كثيرة غيره ، وحدث ودرس ، وولي الحكم بحلب وأعمالها سنة ثمان وثلاثين وستماية وهو في عنفوان شبابه ، فحمدت سيرته وشكرت طريقته ، وكان سديد الأحكام وله المكانة العظيمة عند الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمه‌الله وسائر أرباب الدولة ، وكلمته نافذة وحرمته وافرة ومكارمه مشهورة ومناقبه مذكورة. ولم يزل على ذلك حتى تملك التتر حلب وقلعتها في سنة ثمان وخمسين ومن الله تعالى بكسرهم في رمضان من السنة المذكورة ، وكان قاضي القضاة كمال الدين قد نكب وأصيب بأهله وماله وبلده ، فقدم إلى الديار المصرية ودرس بالمدرسة المعزية بمصر وبالمدرسة الكنهارية بالقاهرة ، وأقام على ذلك إلى أول هذه السنة فوض إليه الحكم بحلب وأعمالها على عادته ، فحمله حب الوطن على الإجابة فعاد إلى حلب وأقام بها مدة أشهر وتوفي بها في نصف شوال ودفن من الغد رحمه‌الله.

كان رئيسا جليلا عظيم المقدار جوادا سمحا دينا تقيا حسن الاعتقاد بالفقراء والصالحين كثير المحبة لهم والميل إليهم والبر بهم والإيمان بكراماتهم ، لا ينكر ما يحكى عنهم من خرق

٤٧٢

العادات. وكان أحد المشايخ الأجلاء المشهورين بالفضل والدين وحسن الطريقة ولين الجانب وكثرة التواضع وجمال الشكل وحلاوة المنطق. حضر إلى زيارة والدي ببعلبك ، فترجل عن بغلته من أول الدرب ، ولما دخل الدار قعد بين يدي والدي متأدبا إلى الطرف الأقصى ولم يستند إلى الحائط ، وسمع عليه شيئا من الحديث النبوي. وكان من حسنات الدولة الناصرية بل من محاسن الدهر ، وهو من بيت معروف بالعلم والدين والحديث ، وأبوه القاضي زين الدين أبو محمد عبد الله تولى القضاء بحلب وأعمالها مدة وسمع من غير واحد وحدث ، وكان من العلماء الفضلاء الصدور الرؤساء ، وجده عبد الرحمن أحد المشايخ المعروفين بالزهد والصلاح والدين رحمهم‌الله تعالى ، وبيتهم أحد البيوت المشهورة في حلب بالسنة والجماعة ا ه. (من الذيل لليونيني في وفيات سنة ٦٦٢).

وقال الأسنوي في طبقاته : شرح الوجيز في نحو عشر مجلدات وقفت عليه. وقال السبكي في طبقاته في ترجمة المذكور : وله حواش على فتاوي ابن الصلاح فيها فوائد ، وكلامه يدل على فضل كبير واستحضار للمذهب جيد ا ه.

٢٥٣ ـ أبو بكر بن الزرّاد الحرّاني المتوفى سنة ٦٦٣

أبو بكر بن يوسف بن أبي بكر بن أبي الفرج بن يوسف بن هلال بن يوسف الحراني المقري الفقيه المحدث ناصح الدين المعروف بابن الزرّاد. ولد سنة أربع عشرة وستماية تقديرا بحرّان ، وتوفي في تاسع عشرين جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وستماية بحلب ا ه (الدر المنضد في أصحاب الإمام أحمد).

٢٥٤ ـ عبد الله بن محمد بن الخضر المتوفى سنة ٦٦٥

عبد الله بن محمد بن يوسف بن الخضر بن عبد الله بن القاسم بن عبد الرحيم أبو محمد الحلبي الفقيه. تقدم أخوه أحمد ، ويأتي أبوهما محمد بن يوسف وجدهما يوسف. ذكره الدمياطي في معجم شيوخه وقال : مولده بحماه سنة تسع وستماية ، وتوفي بقاعة الخطابة من القاهرة سنة خمس وستين وستماية ، ودفن بسفح المقطم ، حضرت الصلاة عليه ا ه. (ط ح للقرشي).

٤٧٣

٢٥٥ ـ الحسن بن علي التاجر المعروف بابن عمرون المتوفى سنة ٦٦٦

الحسن بن علي بن أبي نصر بن النحاس أبو البركات شهاب الدين الحلبي المعروف بابن عمرون ، منسوب إلى جهة الأم التاجر المشهور. كانت له نعمة ضخمة ومتاجر كثيرة وأموال عظيمة وحرمة وافرة ومكانة عند الملك الناصر صلاح الدين يوسف وسلفه وأكابر أمراء دولته ، ومنزلته لديهم رفيعة. ولما ملك الناصر دمشق كان المذكور إذا قدم عليه بالغ في إكرامه وتلقيه وإقامة حرمته وإنزاله في أحد الأماكن وترتيب الإقامات له مدة مقامه ، وسائر أرباب الدولة يعاملونه بما يناسب ذلك.

ولما استولى التتار على حلب في سنة ثمان وخمسين لم يتعرضوا لداره وما جاورها من الدرب كافة ، كأنه ضمن لهم مبلغا كبيرا على أن يحموها من النهب ففعلوا ، وأوى إليها وإلى دربه من أهل حلب وغيرهم ومن الأموال ما لا يحصى كثرة ، فشملت السلامة لذلك جميعه ، وقام لهم بما كان التزمه من صلب ماله ولم يستعن على ذلك بمال أحد ممن أوى إليه ، فكانت هذه مكرمة له ، وتمزق معظم أمواله وخربت أملاكه وبقي معه اليسير بالنسبة إلى أصل ماله ، فتوجه إلى الديار المصرية في أوائل الدولة الظاهرية فلزمه مغرم عظيم السلطان (هكذا ولعله سقط لفظ من) أتى على قطعة وافرة مما تبقى معه. واستوطن ثغر الإسكندرية إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى بالإسكندرية في يوم الجمعة ثالث وعشرين شعبان ودفن هناك رحمه‌الله وقد نيف على الثمانين سنة تقريب ثلاث سنين. وكان عنده رياسة وسعة صدر وكرم طباع يسمح بما تشح نفس التجار ببعضه إطلاقا وقرضا ، وأكابر الحلبيين يعرفون رياسته وتقدمه لا ينكرون ذلك.

وأبو نصر المذكور هو فيما أظن محمد بن الحسين بن علي بن النحاس الحلبي كاتب تاج الملوك محمود بن صالح بن مرداس وهو صاحب المكاتبة إلى سديد الملك بن منقذ صاحب شيزر (وهنا ساق اليونيني حكايته مع سديد الملك علي بن منقذ صاحب شيزر المتوفى سنة ٤٧٥ وقد قدمناها في ترجمة المذكور).

٢٥٦ ـ عبد الرحيم بن عبد الرحيم العجمي المتوفى سنة ٦٧٠

عبد الرحيم بن عبد الرحيم بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن طاهر بن محمد بن الحسين

٤٧٤

ابن علي أبو الحسين عماد الدين الحلبي الشافعي المعروف بابن العجمي. تفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي‌الله‌عنه وسمع وحدث ودرس ، وتولى الحكم بمدينة الفيوم وغيرها ، وناب في الحكم مدة. وكان مشكور السيرة سديد الأحكام عارفا بفصل الحكومات. وتوفي بحلب رحمه‌الله. وبيته مشهور بالعلم والحديث والرياسة والسنة والجماعة ا ه. (ذيل اليونيني من وفيات سنة ٦٧٠).

أقول : وهو ممن تولى على مسجد المحصّب المعروف الآن بجامع الكريمية في محلة باب قنسرين واسمه منقوش على بابه القديم ، ونص ذلك بعد البسملة :

(جدد هذه البنية المباركة في دولة مولانا السلطان الأعظم والملك المعظم مالك رقاب الأمم سيد ملوك العرب والعجم العالم العادل المجاهد المرابط المؤيد المظفر المنصور الملك الناصري صلاح الدنيا والدين حافظ بلاد الله ناصر عباد الله معين خليفة الله أبو المظفر يوسف بن محمد بن يوسف خليل أمير المؤمنين خلد الله ملكه أعز الله أنصاره بمحمد وآله بتولي مملوكه العبد الفقير إلى رحمة الله عبد الرحيم بن عبد الرحيم بن العجمي الشافعي في شهور سنة أربع وخمسين وستماية من الهجرة النبوية) ا ه.

وسيأتي مزيد الكلام على هذا الجامع في ترجمة الشيخ عبد الكريم الخوافي من أعيان القرن التاسع.

٢٥٧ ـ أحمد بن سعيد بن الأثير المتوفى سنة ٦٧١

أحمد بن سعيد بن محمد الصاحب تاج الدين بن شرف الدين بن شمس الدين بن الأثير الحلبي الموقع. وأولاد ابن الأثير هؤلاء غير بني الأثير الموصليين. وكان تاج الدين المذكور بارعا فاضلا معظما في الدول باشر الإنشاء بدمشق ، ثم بمصر للملك الظاهر بيبرس ، ثم للملك المنصور قلاوون. وكان له نظم ونثر ، وعلى كلامه رونق وطلاوة. ومن عجيب ما اتفق أن الأمير عز الدين أيدمر السناني النجيبي الدوادار أنشد تاج الدين المذكور عند قدومه إلى القاهرة في الأيام الظاهرية أول اجتماعه به ولم يكن يعلم اسمه ولا اسم أبيه قول الشاعر :

كانت مساءلة الركبان تخبرني

عن أحمد بن سعيد أطيب الخبر

٤٧٥

حتى التقينا فلا والله ما سمعت

أذني بأحسن مما قد رأى بصري

فقال له تاج الدين : يا مولانا ، أتعرف أحمد بن سعيد؟ فقال : لا. فقال : المملوك أحمد بن سعيد.

ودام تاج الدين إلى أن ولي كتابة السر بعد فتح الدين بن عبد الظاهر شهرا. ومات بغزة ذاهبا إلى القاهرة في شوال سنة إحدى وسبعين وستماية (١) ، وولي بعده ابنه عماد الدين إسماعيل كتابة السر ا ه. (المنهل الصافي).

وستأتي ترجمة ولده إسماعيل في وفيات سنة ٦٩٩.

أقول : وللمترجم مؤلف سماه «المختصر المختار من وفيات الأعيان لابن خلكان» ، وهو موجود في مكتبة المدرسة العثمانية بحلب ، انظر ما كتبته عنه في المقدمة ص (٦٥) وقلت ثمة : إني لم أقف على ترجمة لأحمد بن سعيد ، ثم وجدتها في المنهل الصافي لما أرسله إلي من مصر الوجيه المفضال أحمد باشا تيمور فجزاه الله عني خيرا.

٢٥٨ ـ محمد بن محمد الأسدي المتوفى سنة ٦٧٢

محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بن رافع قاضي القضاة بحلب محيي الدين أبو المكارم الأسدي الشافعي. ولد بحلب خامس شعبان سنة اثنتي عشرة وستماية وسمع وحدث ، ودرس بالمدرسة المسرورية بالقاهرة ، وتولي قضاء حلب وأعمالها إلى حين وفاته. وبيته معروف بالعلم والدين والتقدم والسنة والجماعة. توفي ثالث عشر جمادى الأولى بحلب سنة اثنتين وسبعين وستماية ، ودفن بتربة جده ، وقيل في وفاته غير ذلك. وقد ولي قضاء حلب من بيتهم جماعة ا ه. (الوافي بالوفيات للصلاح الصفدي).

٢٥٩ ـ عبد الرحمن بن العديم المتوفى سنة ٦٧٧

عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هرون بن

__________________

(١) في المنهل الصافي (١ / ٣٠٠) والوافي بالوفيات (٦ / ٣٩٢) والنجوم الزاهرة (٨ / ٣٤) أن وفاته كانت في سنة إحدى وتسعين وستمائة.

٤٧٦

موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة ولد الصاحب أبو المجد مجد الدين. مات سنة سبع وسبعين وستماية ، ومولده سنة أربع عشرة وستماية. وخرج له الحافظ أبو العباس الظاهري معجما في عشرة أجزاء ذكر فيه شيوخه وحدث به بدمشق ومصر. انتهت إليه رياسة الحنفية في وقته. (ط الحنفية).

وذكره الشيخ محمد العرضي في مجموعته فقال : قال حافظ الإسلام الذهبي : كان إماما مفتيا مدرسا عالما صدرا معظما ذا دين وتعبد وسيرة حميدة وأوراد. وسمع بمكة ومصر والإسكندرية ودمشق وحلب وبغداد ، وقدم على قضاء الشام وهو بزي الأمراء والرؤساء لم يعبأ بالمنصب ولم يغير زيه ولم يوسع كمه. ومر بوادي ربيعة وهو مخوف فلم يسر منه حتى نزل وصلى فيه وقرأ ورده.

وقال الصلاح الصفدي في تاريخه بعد أن أثنى عليه : وهو أول حنفي ولي خطابة جامع الحاكم ودرس بظاهرية القاهرة وحضره السلطان وهو لم يحضر بعد ، فطلبه السلطان فقيل له حتى يقضي ورد الضحى ، ثم جاء وقد تكامل الناس فقام له كلهم وهو لم يقم لأحد.

مولده سنة ثلاث عشرة وستماية. ومن نظمه :

شهود ودي تؤدي وهي صادقة

وحاكم الشوق بالأسجال قد حكما

هب أنني مدع غابت شواهده

أليس ظرفك يقضي بالذي علما

وله رحمه‌الله :

ما بعد رامة للمطايا موقف

فقفوا بها إن رمتم أن تسعفوا

ربع الصبا ومهب أنفاس الصبا

وغضارة العيش الذي يترشّف

يا صاحبيّ قفا بها واستشرفا

فعسى غزال من رباها يعطف

وسلوا غصون البان هل مرت بها

ريح الصبا أم رنحتها قرقف

وترقبوا سحرا لعل نسيمه

من جانب الوادي يرقّ ويلطف

إن أوردت خبرا فأخبار الهوى

أبدا به أسماعنا تتشنّف

أو رامت الكتمان عن أهل الحمى

فبطيها نشر به يتعرّف

أنا إن شغلت برامة عن جلق

ونسيت ذكراها فما أنا منصف

ما في الهوى العذري إن أنسى بها

أيام أنس مثلها لا يخلف

٤٧٧

هي جنة المأوى ومصر بلادها

والنيل نائلها ويوسف يوسف

هذي شهود الكون تشهد أنني

من بعدكم متلهف متأسف

ومتى سرت ريح الشمائل سحرة

فسقامها ينبيك أني مدنف

وإذا تسحّ على الرياض غمامة

فهي التي من بحر دمعي تغرف

لا يحسب الدهر الخؤون بأنني

بالبين لما غالني متلهف

فأنا العزيز على الزمان بيوسف

وعلى الزمان من الورى لا يؤسف

وله عفا الله عنه :

أحن إلى قلبي ومن فيه نازل

ومن أجل من فيها تحبّ المنازل

وأشتاق لمع البرق من نحو أرضكم

ففي البرق من تلك الثغور رسائل

يرنحني مرّ النسيم لأنه

بأعطاف ذاك الرند والبان مائل

وإن مال بان الدوح ملت صبابة

فبين غصون البان منكم شمائل

ولي أرب أن ينزل الركب بالحمى

ليسأل دمعي وهو بالركب سائل

ولي أنّه لا تنقضي أو أراكم

وأنظر نجدا وهو بالحي آهل

ترى هل أراكم أو أرى من يراكم

وأبلغ منكم بعض ما أنا آمل

وأحظى بقرب الطيف منكم وإنه

ليقنعني من وصلكم وهو باطل

تطيلون تعذيبي بكم وأطيله

ومالي منكم بعد ذلك طائل

وله رحمه‌الله :

قف بالمطيّ فلي في الحيّ أوطار

واحبس قليلا فقد لاحت لي الدار

هذا الحمى فاح لي من نشره أرج

كأنه عن أهيل الحيّ إخبار

سرى وللركب أرواح يسرّ بها

طيبا وفي طيه المصب أسرار

إيه نسيم الصبا كرر حديثهم

في مسمعي فحديث القوم أسمار

بالله يا نسمة الوادي عسى خبر

يهديه عنهم إلينا الشيخ والغار

ولا تقولي غدا آتي به سحرا

فكل أوقات من أهواه أسحار

توفي إلى رحمة الله سنة سبع وسبعين وستمائة ، ورثاه شهاب الدين محمود الحلبي بقوله :

٤٧٨

أقم يا ساري الخطب الذميم

فقد أدركت مجد بني العديم

هدمت وكنت تقصر عنه بيتا

له شرف يطول على النجوم

منها :

عثرت وقد ضللت بطود علم

أما تمشي على السنن القويم

وهي طويلة جدا ا ه.

وترجمه في المنهل الصافي وقال في آخر ترجمته : ودرس في دمشق في عدة مدارس ، وسمع منه ابن الظاهري والدمياطي وشرف الدين الحسن الصيرفي وقطب الدين القسطلاني وبهاء الدين يوسف بن العجمي وابن العطار وابن جعوان وجماعة ، وأجاز للحافظ الذهبي. وتوفي سادس عشر شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وستماية ، ودفن بتربته قبالة جوسق ابن العديم عند زاوية الحريري ، وكان يوما مشهودا ا ه.

٢٦٠ ـ أبو القاسم ابن العود المتوفى سنة ٦٧٩

أبو القاسم بن حسين بن العود الشيخ نجيب الدين الأسدي الحلبي الفقيه المتكلم رئيس الرافضة وشيخ الشيعة. وكان قد أسن وعمر وانهرم ، وعاش نيفا وتسعين سنة. كان عالما متقنا مشاركا في أنواع من الفضائل. قدم حلب وتردد إلى الشريف عز الدين مرتضى نقيب الأشراف ، فاسترسل معه يوما ونال من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فزبره النقيب وأمر بجره من بين يديه ، وأركب حمارا مقلوبا وصفع في الأسواق ، فحدثني أبو الفضل ابن النحاس الأسدي أن فاميا [نسبة إلى بلدة فامية] نزل من حانوته وجاء إلى مزبلة فاغترف غائطا ولطخ به ابن العود ، وعظم النقيب عند الناس ، وتسحب ابن العود من حلب. ثم إنه أقام بقرية جزّين مأوى الرافضة ، فأقبلوا عليه وملكوه بالإحسان.

وبلغني أنه كان في الأخير متدينا متعبدا يقوم الليل. وقد رثاه إبراهيم بن الحسام أبي الغيث بأبيات أولها :

عرّس بجزّين يا مستبعدّ النجف

ففضل من حلّها يا صاح غير خفي

مات ليلة النصف من شعبان بجزّين ، قاله قطب الدين ، وقيل إنه توفي سنة سبع وسبعين

٤٧٩

ا ه. (ذهبي من وفيات سنة تسع وسبعين وستماية).

وقد ذكر قصة الفقيه ابن العود أبو ذر في كنوز الذهب في كلامه على مدرسة ابن النقيب التي تقدم ذكرها ، وقال بعد ذلك : قال العلامة قطب الدين : وعمل في هذه الواقعة أشعار كثيرة. وقال القاضي شهاب الدين محمود : أنا أذكر هذه الوقعة وأنا بحلب في الكتّاب بعد الخمسين وستماية ، وكان استؤذن فيها يوسف الظاهري فتوقف خوف الفتنة ، وأمضاها المرتضي وفعلها بيده فلم يجسر أحد من الشيعة أن يعارضه في ذلك.

وابن العود المذكور كان من الحلّة وهو عندهم إمام يقتدي به في مذهبهم ، وفيه مشاركة في علوم شتى وحسن عشرة ومحاضرة بالأشعار والتواريخ والحكايات والنوادر ، ولما توفي رثاه الجمال إبراهيم العاملي فقال :

عرّس بجزّين يا مستبعد النجف

ففضل من حلّها يا صاح غير خفي

نور ترى في ثراها فاستنار به

وأصبح الترب منها معدن الشرف

فلا تلومنّ إن خفتم على كبدي

صبرا ولو أنها ذابت من اللهف

لمثل يومك كان الدمع مدّخرا

بالله يا مقلتي سحّي ولا تقفي

لا تحسبن جود دمعي بالبكا سرفا

بل شحّ عيني محسوب من السرف

وهي أكثر من هذه الأبيات ، ولما بلغت هذه الأبيات جمال الدين محمد بن يحيى بن مبارك الحمصي وهو من أكابر أهل مذهبهم قال رادا على ناظمها :

أرى تجاوز حد الكفر والسخف

من قاس مقبرة ابن العود بالنجف

ما راقب الله أن يرمى بصاعقة

من السموات أو يهوي بمنخسف

وأعجب لجزّين ما ساخت بساكنها

بجاهل لعظيم الزور مقترف

وقد تحيّرت فيما فاه من سفه

ومن ضلال وإلحاد ومن شرف

ومنها :

ما أنت إلا كمن قد قاس منطقة البيت المحرّم ذي الأستار بالكنف ولا أقول كمن قاست جهالته الدرّ الثمين بمكسور من الخزف

أو من يقيس الجبال الشامخات بمن

حطّ الحطيم وعرف المسك بالجيف

أو من يقيس النجوم الزاهرات إذا

سمت إلى أوجها والسعد بالخزف

٤٨٠