إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٤

بحماة وابن أخيها محمد بن أحمد وأحمد بن محمد العجمي وإبراهيم وأسعد وعبد الرحمن بنو صالح بن العجمي بحلب ، والعتيق إسحق الآمدي والأمين محمد بن النحاس بدمشق. وقد خرج لنفسه معجما سمعته من ابن الظاهري وعوالي وفوائد كثيرة سمعنا عامتها ، وتفرد بأشياء كثيرة من حديث أصبهان لخرابها واستيلاء الهلاك عليها مع أنه ما رحل إليها حتى مضى من عمره عنفوان الشبيبة وصار ابن ست وثلاثين سنة. توفي رحمه‌الله تعالى في ليلة عاشر جمادى الآخرة بحلب ا ه (ذهبي من وفيات سنة ثمان وأربعين وستمائة).

٢١٢ ـ تاج الدين جعفر المعروف بالسراج المتوفى سنة ٦٤٩

ترجمه ابن الوردي في تتمة المختصر قال في حوادث سنة ٦٤٩ : فيها توفي الشيخ تاج الدين جعفر بن محمد بن سيف الحلبي المعروف بالسراج صاحب الكرامات الخارقة والأنفاس الصادقة في العشر الآخر من شعبان بحلب ودفن بمقابر الصالحين. وقبر الشيخ أبي المعالي الحداد والشيخ جعفر المذكور والشيخ أبي الحسين النوري متقاربات ظاهرة تزار. صحب الشيخ جعفر المذكور الشيخ شهاب الدين السهروردي وروى عنه «عوارف المعارف» ، وتخرج به خلق من أعيان الصلحاء مثل الشيخ مهنا بن كوكب الفوعي ومثل شيخنا الشيخ عبس بن عيسى بن علي السرجاوي وغيرهم. وربى المريدين على عادة الصوفية ، وكان يكاشفهم بالأحوال في خلواتهم ويحل ما أشكل عليهم. ورجع بسببه خلق كثير إلى الله في جبل السمّاق وبلد سرمين والباب وبزاعة وحلب وغيرها. وقرب العهد به وبمن لقينا من أصحابه وشهرة كراماته عندهم تغني عن ذكرها. وكان له رحمة الله عليه مريدون أعزة عليه بالبارة ، فكان إذا رأى البارة من بعيد ينشد :

وأحبها وأحب منزلها الذي

نزلت به وأحب أهل المنزل

٢١٣ ـ الخضر بن الحسن بن عامر المتوفى سنة ٦٤٩

الخضر بن عامر شمس الدين أبو القاسم الحلبي ابن قاضي الباب ، ويدعى بعبد المجيد. سمع يحيى الثقفي وعنه ابن الظاهري والدمياطي وإسحق النحاس وجماعة. مات في ذي القعدة ا ه (ذهبي من سنة تسع وأربعين وستمائة).

٤٠١

٢١٤ ـ أحمد بن يوسف الأنصاري المتوفى سنة ٦٤٩

أحمد بن يوسف بن عبد الواحد بن يوسف أبو الفتح الأنصاري السعدي المنعوت بشهاب الدين. كان إماما عالما محدثا مفتيا ، حدث بجزء الأنصاري بإجازة من ابن طبرزد وأبي اليمن الكندي وغيرهما. مات في تاسع شعبان سنة تسع وأربعين وستمائة. وولد بحلب وتفقه بها ، ثم سافر إلى الموصل وتفقه بها على الجلال الرازي وسمع الحديث. سمع منه أبو حفص عمر بن العديم. وقرأ علم النظر والخلاف وبرع فيهما.

قال ابن العديم : استدعي في أيام المستنصر بالله إلى بغداد ليدرس بالمدرسة المستنصرية ، فتوجه إليها ودرس بها في يوم الخميس العشرين من جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ، وهو ثاني مدرس بها ذكر التدريس بها ، ثم عاد إلى بلده في صفر سنة خمس وثلاثين. وأول من درس بها من أصحابنا (أي الحنفية) عمر بن محمد الفرغاني ، وهو (أي المترجم) والد يوسف وحفيده محمد يأتي كل منهما في موضعه ا ه (ط ح للقرشي).

وقال الحافظ الذهبي في تاريخه : إنه درس بحلب في المقدمية وبمدرسة الحدادين وولي مشيخة رباط سنقر شاه بعد موت أبيه ، وروى عن شيخه الافتخار الهاشمي وغيره. توفي في شعبان.

٢١٥ ـ محمد بن محمد بن عمرون النحوي المتوفى سنة ٦٤٩

محمد بن محمد بن أبي علي بن أبي سعيد بن عمرون الشيخ جمال الدين أبو عبد الله الحلبي النحوي ولد سنة ست وتسعين وخمسماية وتوفي سنة تسع وأربعين وستماية سمع من ابن طبرزد وأخذ النحو عن الموفق بن يعيش وغيره وبرع في العربية وتصدر لإقرائها وجالسه الإمام جمال الدين ابن مالك وأخذ عنه الشيخ بهاء الدين ابن النحاس وحدث عنه الشيخ شرف الدين الدمياطي وشرح المفصل شرحا مفصلا ا ه وافي بالوفيات.

٤٠٢

٢١٦ ـ الأمير مسعود بن أبيك المتوفى سنة ٦٤٩

آثاره بحلب : المدرسة الفطيسية :

قال أبو ذر : هذه المدرسة دخلت في دار العدل ولم يبق لها أثر ، أنشأها سعد الدين مسعود بن الأمير عز الدين أيبك المعروف بفطيس عتيق عز الدين فرخشاه بن شاهنشاه ابن أيوب صاحب بعلبك. كانت دارا يسكنها فوقفها بعد عينه مدرسة. وتوفي المذكور سنة تسع وأربعين وستماية.

وأول من درس بها أحمد بن محمد بن يحيى القراولي المارداني المعروف بالفصيح ، وعليه انقضت الدولة الناصرية ، وحكم القاضي شمس الدين بن أمين الدولة الحنفي بانتقال وقفها إلى القليجية إذ هي أقرب مدرسة إليها ، ومن جملة وقفها حصة بدير الجمال.

قال في الدر المنتخب بعد أن ذكر نحو ما تقدم : دثرت من الفتنة التيمورية ولم يبق لها الآن عين ولا أثر ، وكذا صار في مدارس عديدة ، فإنني ما زلت أسمع أنه كان بحلب أربعون مدرسة للحنفية خاصة ، على أن ابن شداد لم يستوعب ولا ادعى ذلك ، فإنه كان في باطنها مدارس غير ما ذكر.

الخانكاه الفطيسية :

أنشأها سعد الدين المذكور في مدرسته التي دخلت في دار العدل ا ه.

وبمناسبة ما تقدم نذكر المدرسة القليجية وما كان داخل دار العدل وفي جوارها من الآثار فنقول : قال أبو ذر :

المدرسة القليجية :

هذه المدرسة غربي دار العدل ملاصقة لها ، أنشأها الأمير مجاهد الدين محمد بن شمس الدين محمود بن قليج النوري ، وانتهت عمارتها سنة خمسين وستماية. وأول من درس بها الشيخ مجد الدين الحسن المتقدم ذكره (١) جامعا بينها وبين المدرسة الأسدية ، وعليه

__________________

(١) أي في المدرسة الأسدية التي تجاه القلعة.

٤٠٣

انقضت الدولة الناصرية ، والآن هي في تملك أولاد الغان ويدعون أنهم من ذرية الواقف. انتهى. وفي كفالة جانيبك الناجي توفي أبو زوجته فدفنه بهذه المدرسة.

قال في الدر المنتخب : قلت : وهذه المدرسة قد تجدد من جوانبها الثلاثة دور مضافة إلى دار العدل وفتح إليها باب منها وقل الانتفاع بها ، وطالما أردنا حضور الدرس بها فوجدنا بابها الذي يشرع إلى الطريق الذي كان نافذا وسدّ وأضيف إلى دار العدل مغلقا من داخل ، وقد أصاروها كالحاصل ، ثم إنها خرجت ودثرت رأسا ا ه.

جامع الناصري :

جامع الناصري داخل دار العدل وإلى جانبه مسجد السيدة بنت وثاب النميري ، وقد تقدم الكلام عليها في فصل المزارات. وهذا الجامع كان أولا خانا يسمى خان البيض ، فعمره يلبغا الناصري جامعا ووقف عليه وقفا ، فلما قتل أخرج السلطان وقفه وبنى يلبغا المذكور حماما تحت القلعة وإلى جانبه مكتب أيتام وحوض ماء ، والآن إنما يصرف على الجامع من مال الحمّام وفي كل أوان يأتي أقارب الناصري من القاهرة ويتنازعون أرباب وظائف الجامع ويقولون : إن الحمّام ليست وقفا على الجامع إنما هي لنا ، وإن وقف الجامع أخرجه السلطان وهما قرية شيخ الحد وقرية زعرعين.

خانكاه طاي بغا :

هذه الخانكاه أنشأها الأمير علاء الدين طاي بغا : كانت دارا يسكنها فوقفها على الصوفية عند موته. وتوفي سنة خمسين وستماية.

قلت : وهذه الخانكاه قبلي دار العدل ، مكتوب على بابها : وقف هذا الرباط في أيام الناصر يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر غازي علاء الدين أبو سعيد طاي بغا الظاهري على الصوفية المستعربة المقيمين بها من أهل الدين والصلاح والسنة والجماعة في شهر رجب سنة خمسين وستمائة. وإلى جانبها قاعة مكتوب عليها : هذا ما وقفه علاء الدين طيبغا على الخانكاه.

خانكاه سنقرجاه النوري :

هذه الخانكاه بالقرب من المتقدمة. أنشأها سنقر جاه النوري ومكتوب عليها : عمر

٤٠٤

هذا الرباط في دولة أبي القاسم محمود بن زنكي مولاه سنقر جاه من ماله ووقفه على فقراء العرب وزهادهم سنة أربع وخمسين وخمسماية. صنعة عيسى بن علي. وتقدم في الشاذبختية أن شاذبخت له وقف على هذا الرباط انتهى.

وإلى جانب هذا الرباط قاسارية مكتوب عليها : أسست هذه البنية في أيام العادل محمود برسم منافع الخانكاه المجاهدية الملاصقة المتولي شاذبخت وقفا مؤبدا في سنة أربع وستين وخمسماية ا ه.

أقول : تقدم أن دار العدل ، ويقال لها دار السعادة أيضا ، كانت موضع بناء المستشفى الوطني الآن آخذة إلى جهة الغرب. ويغلب على الظن أن الجنينة المعروفة الآن بجنينة شلم والدار التي داخلها هي من دار العدل أيضا. وهذه المدارس والخانكاه الفطيسية والخانكاه القديم التي قدمنا الكلام عليها في ترجمة ابن الطرسوسي المتوفى سنة ٥٤٩ هي في هذا المكان.

٢١٧ ـ محمد بن الوزان المتوفى سنة ٦٥٠

محمد بن محمد بن سعد الله بن رمضان بن إبراهيم الحلبي ، عرف بابن الوزان مولده بحلب سنة ثمان وستين وخمسمائة. سمع بمصر والإسكندرية ودمشق وخرج له الحافظ أبو حامد الصابوني مشيخة وحدث بها بدمشق ودرس بالأسدية ظاهر دمشق. وكان فيه دين وسكون. مات بدمشق سنة خمسين وستمائة ا ه (ط ح القرشي).

١٢٨ ـ الملك الصالح أحمد بن غازي صاحب عينتاب المتوفى سنة ٦٥١

أحمد بن غازي بن يوسف بن أيوب الملك صلاح الدين صاحب عين تاب ابن السلطان الملك الظاهر ابن السلطان الكبير صلاح الدين بن أيوب ، هو أخو السلطان الملك العزيز أبو الملك الناصر صاحب الشام. والملك الصالح هذا هو الأسن ، وإنما أخره عن سلطنة حلب لأن أمه أم ولد ، والعزيز كانت أمه الصاحبة ابنة الملك العادل. مولد الملك الصالح المذكور سنة ستمائة ، وكان ملكا شجاعا مهابا وقورا مبجلا وافر الحرمة ، وعنده فضيلة تامة وذكاء. حدث عن الافتخار الهاشمي ، وروى عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي وذكر أنه امتنع من الرواية. وقال : ما أنا أهل لذلك ، بل أنا أسمع عليك ، إلى أن ألح عليه وسمع

٤٠٥

منه ووصله. ولم يزل الملك الصالح بعينتاب إلى أن توفي بها سنة إحدى وخمسين وستماية ، وعمل له الملك الناصر صاحب الشام العزاء بدار السعادة. ورثاه الشعراء وخلف ولدا واحدا ذكرا رحمه‌الله تعالى ا ه (المنهل الصافي).

٢١٩ ـ محمد بن طلحة القرشي المتوفى سنة ٦٥٢

محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن الشيخ كمال الدين أبو سالم القرشي العدوي النصيبي الشافعي المفتي. ولد بالعمرية من قرى نصيبين سنة اثنتين وثمانين ، وتفقه وبرع في المذهب. وسمع بنيسابور من المؤيد الطوسي وزينب الشعرية ، وحدث بحلب ودمشق. وكان صدرا معظما محتشما ، وترسل عن الملوك. ولي الوزارة بدمشق ثم تركها وتزهد وخرج عن ملبوسه وانكمش عن الناس وترك مماليكه ودوابه ولبس ثوب قطن وتخفيفة ، وكان يسكن الأمينية فخرج منها واختفى ولم يعلم مكانه ، وسبب ذلك أن الناصر عينه للوزارة وكتب تقليده ، فكتب إلى الناصر يعتذر إليه. قال الشيخ شمس الدين : ودخل في شيء من الهذيان والضلال ، وعمل دائرة للحروف ، وادعى أنه استخرج علم الغيب وعلم الساعة. توفي بحلب سنة اثنتين وخمسين وستماية وقد جاوز السبعين ا ه (من الوافي بالوفيات للصلاح الصفدي).

وقال الصلاح المذكور في تاريخه المرتب على السنين في حوادث سنة ٦٥٢ : وفيها توفي الشيخ الإمام العلامة القدوة كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد القرشي. ولد في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة. وكان فاضلا عالما ، تولى القضاء بنصيبين والخطابة بدمشق ، ثم طلب ليولوه الوزارة بدمشق فأيقظه الله تعالى وزهده في الدنيا ، وانقطع وحج في هذه السنة. فلما رجع أقام بدمشق قليلا ، ثم سافر إلى حلب فتوفي بها رحمه‌الله. وله كتاب سماه «العقد الفريد» (١) جمع فيه كل شيء ، وكتاب «في علم الحرف» (٢) ، وكتاب «الدر المنظم في اسم الله الأعظم» (٣).

__________________

(١) طبع في مصر.

(٢) منه نسخة في بيت الحسبي بحلب.

(٣) يوجد نسخة منه في مكتبة عموجه حسين باشا بالآستانة ورقمها ٣٤٦. وانظر ما كتبه في كشف الظنون على هذا الكتاب.

٤٠٦

ومن شعره :

ولمياء يسبي حسنها كلّ ناسك

وينسيه أوراد العبادة والزهد

نعمت بها والعمر في عنفوانه

بشرخ شباب فوده حالك البرد

وكان بها ضعف الذي بي من الهوى

وقد وجدت أرواحنا لذة الوجد

إلى أن بدا في ليل فودي أنجم

من الشيب أبدت نبوة الخلق الجعد

وكان عذاري عندها عند وصلها

فشبت فأضحى العذر في صدّها عندي

فأعجب لأمر (١) كان داعية الهوى

زمانا فأضحى وهو داعية الصدّ

ومن شعره في المنجم :

إذا حكم المنجّم في القضايا

بحكم جازم فاردد عليه

فليس بعالم ما الله قاض

فقلدني ولا تركن إليه

ومن شعره في المعنى :

لا تركننّ إلى مقال منجّم

وكل الأمور إلى الإله وسلّم

وأعلم بأنك إن جعلت لكوكب

تدبير حادثة فلست بمسلم

انتهى.

أقول : وله من المؤلفات «مطالب السول في مناقب آل الرسول» ذكر صاحب الكشف اسم الكتاب فقط هكذا (مطالب السول في مناقب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وهذا سهو منه أو من الناسخ ، وهو في مجلد واحد وسط يجيء في نحو ٢٥ كراسة موجود في مكتبة المدرسة الأحمدية بحلب محرر سنة ٨٩٦ ، وهو مضبوط جميعه بالشكل. قال محرره في آخره : نقلت من نسخة نقلت بخط المصنف مؤرخة في ذي القعدة سنة خمسين وستمائة ا ه. والكتاب في مناقب الأئمة الأثني عشر ، ويظهر في خلال كلامه أن المصنف من الشيعة.

__________________

(١) لعل الصواب : بأمر.

٤٠٧

٢٢٠ ـ النصر أبو الفتح ابن السلطان صلاح الدين المتوفى سنة ٦٥٢

النصر أبو الفتح ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي. توفي بحلب وقد قارب السبعين أو جاوزها ا ه (ذهبي من وفيات سنة اثنتين وخمسين وستمائة).

٢٢١ ـ عبد السلام بن عبد الله بن تيميّة الحرّاني المتوفى سنة ٦٥٢

عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي الشيخ الإمام العلامة مجد الدين أبو البركات ابن تيميّة الحرّاني الحنبلي جد الشيخ تقي الدين ابن تيميّة. ولد في حدود التسعين وخمسمائة ، وتفقه في صغره على عمه الخطيب فخر الدين ، ورحل إلى بغداد وهو ابن بضع عشرة سنة في صحابة ابن عمه ، وسمع بها وبحران ، وروى عنه الدمياطي وشهاب الدين عبد الحليم وجماعة. وكان إماما حجة بارعا في الفقه والحديث ، وله يد طولى في التفسير ومعرفة تامة بالأصول وإطلاع على مذاهب الناس ، وله ذكاء مفرط ، ولم يكن في زمانه مثله. وله مصنفات نافعة كالأحكام وشرح الهداية ، وبيض منه ربعه الأول. وصنف أرجوزة في القراءات وكتابا في أصول الفقه.

قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي : وحدثني الشيخ تقي الدين ابن تيميّة قال : كان الشيخ جمال الدين بن مالك يقول : ألين للشيخ مجد الدين الفقه كما ألين لداود الحديد. وشيخه في الفرائض والعربية أبو البقا ، وشيخه في القراءات عبد الواحد ، وشيخه في الفقه أبو بكر بن غنيمة صاحب ابن المنى.

وحكى البرهان الراعي أنه اجتمع به فأورد نكتة عليه ، فقال مجد الدين : الجواب عنها من مائة وجه ، الأول كذا والثاني كذا ، وسردها إلى آخرها ، ثم قال للبرهان : قد رضينا منك بالإعادة ، فخضع له البرهان وانبهر. انتهى. قلت : توفي الشيخ مجد الدين المذكور سنة اثنتين وخمسين وستماية رحمه‌الله تعالى ا ه (المنهل الصافي).

وترجمه صاحب الدر المنضد فقال : هو مجد الدين أبو البركات شيخ الإسلام وفقيه الوقت وأحد الأعلام ابن أخي الشيخ فخر الدين محمد بن أبي القاسم المتقدم ذكره ، ولد سنة تسعين وخمسمائة تقريبا بحران ، صار من أئمة المذهب (ذكر تصانيفه) : «أطراف أحاديث التفسير» رتبها على السور معزوة. «أرجوزة في علم القراءات». «الأحكام

٤٠٨

الكبرى» في عدة مجلدات. «المنتقى من أحاديث الأحكام» وهو الكتاب المشهور انتقاه من الأحكام الكبرى. «المحرر في الفقه» (١). «منتهى الغاية في شرح الهداية» بيض منه أربع مجلدات كبار إلى أوائل الحج والباقي لم يبيض. «مسودة في أصول الفقه» مجلد وزاد فيها ولده ثم حفيده أبو العباس. «مسودة في العربية» على نمط المسودة في الأصول.

توفي بعد العصر من يوم الجمعة يوم عيد الفطر سنة ثلاث وخمسين وستماية ودفن بكرة السبت بمقبرة الجبانة من مقابر حران. وقيل توفي يوم عيد الفطر بعد صلاة الجمعة منه سنة اثنتين وخمسين وستماية ولم يبق في البلد من لم يشهد جنازته إلا معذور. وتوفيت ابنة عمه زوجته بدرة بنت فخر الدين بن تيميّة قبله بيوم واحد رحمهما‌الله تعالى ا ه.

وله ترجمة في «طبقات الحفاظ» لابن عبد الهادي.

٢٢٢ ـ محمد بن محمد البلخي المتوفى سنة ٦٥٣

محمد بن محمد بن محمد بن عثمان أبو عبد الله البلخي ثم البغدادي الحلبي الحنفي المنعوت بالنظام. كان من أعيان فقهاء المذهب ، عالما فاضلا ذكيا ، درس بحلب (٢) وسمع بنيسابور من المؤيد الطوسي ، قال الذهبي : وحدث عنه بصحيح مسلم ، وسمع ببخارى وسمرقند وبالري من ابن مسعود بن موجود بن محمود ومن أحمد بن محمد الحسن الأسترابادي الحنفيين ، وتفقه بخراسان على المحيوي ، وحدث بحلب وأفتى. وكتب عنه الحافظ الدمياطي وذكره في معجم شيوخه وقال : توفي بحلب ليلة الأربعاء التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين وستمائة ، ودفن بالجبل خارج باب الأربعين. مولده ببغداد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. قلت : وولده عبد الوهاب بن محمد حدث عنه بجزء أبي حنيفة رضي‌الله‌عنه ، سمعته عليه وقد تقدم في بابه ا ه. (ط ح للقرشي) والمنهل الصافي.

__________________

(١) منه نسخة نفيسة في مجلد عند أولاد الشيخ محمد سلطان بحلب وهو مطبوع مع شرحه الكبير للإمام الشوكاني في مصر في ثمان مجلدات.

(٢) أي بالمدرسة الأتابكية في محلة الجبيلة وقد تقدم ذلك في الجزء الثاني (ص ٢٠٤) وقلنا ثمة : تولى التدريس بعده ولده تقي الدين أحمد ولم يزل بها إلى أن قتل في فتنة التتر.

٤٠٩

٢٢٣ ـ صقر بن يحيى المتوفى سنة ٦٥٣

أبو المظفر صقر بن يحيى بن سالم بن عيسى بن صقر الكلبي الحلبي. كان إماما بارعا في المذهب دينا سمع وحدث ، وأضر في آخر عمره. ولد قبل الستين وخمسمائة ، وتوفي بحلب في سابع عشر صفر سنة ثلاث وخمسين وستمائة. ذكره في العبر ا ه (ط ش للأسنوي).

وقال السبكي في طبقات الشافعية : سمع من يحيى الثقفي والخشوعي وابن طبرزد وحنبل وغيرهم. روى عنه الدمياطي وابن الظاهري وسنقر القضائي وغيرهم ا ه.

وذكره ابن كثير في البداية والنهاية في وفيات هذه السنة وقال : ومن شعره :

من ادعى أن له حالة

تخرجه عن منه الشرع

فلا تكوننّ له صاحبا

فإنه ضرّ بلا نفع

٢٢٤ ـ الشريف أحمد الحسيني نقيب الأشراف المتوفى سنة ٦٥٣

الشريف المرتضي أبو الفتوح عز الدين بن أبي طالب أحمد بن محمد بن جعفر بن زيد ابن جعفر بن أبي إبراهيم محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحق بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر العلوي الحسيني الإسحاقي الحلبي نقيب الأشراف بحلب.

ولد سنة تسع وسبعين وخمسمائة ، وسمع من النسابة أبي علي محمد بن أسعد الحراني والافتخار الهاشمي وأبي محمد بن علوان ، وأجاز له يحيى الثقفي ، وحدث بدمشق وحلب.

وكان صدرا رئيسا وافر الحرمة ، وهو الذي شهر ابن العود (المتوفى سنة ٦٧٩ وستأتي ترجمته) على حمار بحلب لما سب الصحابة. روى عنه الدمياطي وغيره ، وروى عنه بالثغر البرهان. توفي فجأة في شوال بحلب ا ه (ذهبي من وفيات سنة ثلاث وخمسين وستمائة).

وترجمه الصلاح الصفدي في تاريخه المرتب على السنين في هذه السنة وقال : ومن شعره :

كيف السبيل إلى خلّ أصاحبه

يرعى المودة في حلّي وترحالي

لي عنده مثل ما عندي له وله

حفظ الوداد بترك القيل والقال

٤١٠

آثاره بحلب وبقية ترجمته

مدرسة النقيب :

قال أبو ذر في كنوز الذهب : هذه المدرسة في أعالي جبل جوشن متاخمة لدار المعز ، وهي غاية في العمارة يقال لها تاج حلب ، وهي كثيرة المساكن والمنافع ، وهي منتزه حلب ، وفيها بئر ماء يستقى منه من صحنها ومن درجها ومن أعلاها ، ولها صف خلاوي في أعلاها وقدامهم رواق وبه قناطر مطل على قويق وحلب وبساتينها ، ولها قاعتان إحداهما عن يمين هذه الخلاوي والأخرى عن يساره ، وبها عدة قاعات غير هاتين بأعلاها وأسفلها ، وهي غاية في الارتفاع. وكان بأعلاها قصر فأخذت أحجاره ، وكان قد أنشأها مشهدا ثم صيرها مدرسة ، وقبليتها في غاية الجودة ، وقبوها يتحير الناظر إليه من حسن التركيب. ولما عمر السور في أيام المؤيد راموا أخذ حجارتها فمنعها الله من النقض لإخلاص نية بانيها ومحبة الشيخين رضي‌الله‌عنهما. ووقف عليها وقفا ودرس واقفها فيها سنة أربع وخمسين وستمائة (١). وهذا النقيب هو الإمام الشريف المرتضي أحمد بن محمد ... إلخ النسب المتقدم ، تولى نقابة الطالبيين بحلب بعد موت أخيه وبقي على ذلك مدة ، ثم عزله الظاهر غازي بسبب أنه أخذ الخراج واستدرك عليه فيه وولى النقابة شمس الدين أبا علي بن زهرة. ثم إن أتابك طغرل ولاه الحسبة بحلب في أيام العزيز محمد ، ودام على ذلك إلى أن مات أبو علي بن زهرة ، فولاه نقابة الطالبيين واستمر فيها ، وولي بعد ذلك في دولة الناصر يوسف نقابة العباسيين مضافة إلى نقابة العلويين. هو شهير الترجمة كثير المناقب والمفاخر سني الاعتقاد ، وهو من نسل أبي بكر الصديق أيضا من جهة الأم ، وسيأتي بقية الكلام على نسبته إلى أبي بكر في ترجمة الأشراف (٢).

توفي الشريف النقيب فجأة بحلب ليلة الخميس سادس عشر شوال سنة ثلاث وخمسين وستمائة ، وترك ثلاثة أيام حتى تيقنوا موته ، ثم دفن بمدرسته المذكورة في جانب قبليتها. ومولده بحلب في سنة تسع وسبعين وخمسمائة. ومن شعره في الإمام المستعصم بالله :

__________________

(١) هذا سهو لأن وفاته كما تقدم وكما سيأتي سنة ٦٥٣ ولعل الصواب سنة ٦٤٣.

(٢) لم نقف على ذلك في هذا الجزء ولعله في الجزء الآخر.

٤١١

إمام لنا يهدي إلى منهج الهدى

ويوضح في أدياننا كلّ مشكل

إذا عجزت أفهامنا عن صفاته

عدلنا إلى آي الكتاب المنزّل

قال في الدر المنتخب بعد ذكره لهذه المدرسة في المدارس الحنفية : هذا القول من ابن شداد يقتضي أن الشريف المذكور كان حنفيا ، إذ صريحه أن المدرسة المذكورة من مدارس الحنفية التي بظاهر حلب ، ولم يعرف أن الشريف المذكور كان حنفيا ولا أحد من أهل بيته والله أعلم ا ه.

الآثار التي كانت في الفيض

وبمناسبة ذكرنا لمدرسة ابن النقيب نذكر ما كان هناك من الآثار فنقول :

المدرسة الدقاقية :

قال أبو ذر : هذه المدرسة كانت شمالي الفيض ، أنشأها مهذب الدين أبو الحسن علي ابن فضل الله بن الدقاق ، وبها يعرف ذلك المكان. أول من درس بها رشيد الدين المعروف بتكملة ، وذلك في سنة ثلاثين وستمائة ، ثم رحل عنها إلى دنيسر فوليها برهان الدين إسحاق التركماني ، ولم يزل بها إلى أن رحل عنها إلى دمشق ، فوليها شمس الدين المارداني ففوضها لصهره بدر الدين محمد الكنجي ، ثم رحل عنها بدر الدين ففوضها شمس الدين لفخر الدين عبد الرحمن بن إدريس بن حسن الخلاطي وعليه انقرضت الدولة الناصرية.

وهذه المدرسة لم يبق لها أثر ولم يعرف مكانها ، بل ظهر في هذه الأزمان تجاه الفيض مكان أخرج منه أحجار هرقلية ، فيحتمل أنه من أسها ويحتمل غيره ، فإنه كان على الفيض عمائر كثيرة كما سيأتي ، ولما خربت أخذت أوقافها وجعلت أملاكا كغيرها.

تربة ابني أيبك :

قال أبو ذر : تربة ابني أيبك بالفيض ، وهما أحمد وعمر ولكل منهما وقف ، قد اندثرت وبقي هناك قبر من الرخام الأصفر تجاه الجنينة المعروفة بالشريفية ا ه.

أقول : ولا أثر لذلك الآن.

٤١٢

القبة التي كانت هناك :

وقال في الكلام على الزاوية الدقماقية : إن أبا بكر دوادار السيفي بردبك المتولي على هذه الزاوية عمر قبة عند مرمى النشاب غربي الفيض ، وتحت هذه القبة صهريج ماء ليس من عمارته إنما تساعد عليه أهل الخير من الرماة الذين يرمون هناك بالنشاب ا ه.

أقول : يظهر أنه لذلك اشتهر هذا المكان إلى الآن بالقبة والعامود ، ولا أثر الآن لهذه القبة لكن هناك عمود ملقى في الأرض وعليه كتابة يعسر قراءة ما كتب عليه.

٢٢٥ ـ أبو بكر بن يوسف بن هلال المتوفى سنة ٦٥٣

أبو بكر بن يوسف بن أبي بكر بن أبي يوسف بن هلال المحدث المقري ناصح الدين الحراني الحنبلي المعروف بابن الرزاز. ولد بحران سنة أربع عشرة وستماية تقديرا ، وقرأ القراءات وتفقه. وسمع بدمشق من أبي عمرو بن الصلاح وأبي الحسن السخاوي ، وبحلب من ابن خليل وابن رواحة والطبقة ، وأخذ القراءات عن الشيخ بن عبد الله الفاسي وغيره ، وكتب الكثير وخطه معروف. وكان دينا فاضلا ، روى عنه الدمياطي في معجمه وكان رفيقه في الطلب. توفي في التاسع والعشرين من جمادى الأولى ا ه (ذهبي من وفيات سنة ثلاث وخمسين وستماية).

٢٢٦ ـ المبارك بن أبي بكر بن حمدان المتوفى سنة ٦٥٤

المبارك بن أبي بكر بن حمدان بن أحمد بن علوان ، واسم أبي بكر أحمد ، المؤرخ الأديب كمال الدين أبو البركات ابن الشعار الموصلي مصنف كتاب «عقود الجمان في شعراء هذا الزمان». سمع من يعقوب بن صابر والمنجنيقي ومن غيره ، هو من شيوخ الدمياطي وتاريخه موجود بالسميساطية ، وتوفي في سابع جمادى الآخرة بحلب وله إحدى وستون سنة ا ه (ذهبي من وفيات سنة أربع وخمسين وستماية).

٢٢٧ ـ علاء الدين بن أبي الرجا المتوفى سنة ٦٥٤

علاء الدين علي بن أبي الرجا. قال في الدر المنتخب : كان شاد ديوان الملكة ضيفة

٤١٣

خاتون بنت الملك العادل. ومن آثاره المدرسة العلائية ، ولم أقف على ذكر من درس بها ا ه.

أقول : إنها ليست مدرسة بل هي مسجد ، وموقعه خارج محلة الكلاسة في قبليها في التربة التي هناك ، وهو مسجد صغير كتب على باب القبلية :

(١) البسملة. أمر بعمارة هذا.

(٢) المسجد المبارك في أيام مولانا السلطان.

(٣) الملك العزيز غياث الدنيا والدين سلطان.

(٤) الإسلام والمسلمين أبو المظفر.

(٥) محمد بن الملك غازي بن يوسف.

(٦) ابن أيوب خلد الله ملكه العبد الفقير.

(٧) إلى حرمة الله تعالى علي بن أبي الرجا.

(٨) في مستهل رمضان سنة ثلاث وثلاثين وستماية ا ه.

وداخل القبلية من شرقيها حجرة واسعة فيها قبر المترجم ، وقد كتب على باب الحجرة :

(١) البسملة هذه تربة العبد الفقير إلى الله تعالى.

(٢) علاء الدين علي بن أبي الرجا بن ترخم غفر الله له ولجميع.

(٣) المسلمين. توفي يوم الاثنين في اثنين وعشرين يوما.

(٤) من شهر المحرم سنة أربعة وخمسين وستمائة غفر.

(٥) له ولوالديه ولجميع المسلمين رحمة من الله من قال رحمة الله ا ه.

وشاد الديوان معناه ناظر الديوان ورئيسه ، وأهل المحلة هناك يعتقدون أنه كان من كبار الأولياء ويزورونه وينذرون له النذور ، خصوصا النساء فإنهن يكثرن من زيارته يوم الجمعة ، وقد علمت ما كانت وظيفته.

٢٢٨ ـ محمد بن محمد بن الخضر المتوفى سنة ٦٥٥

محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخضر مهذب الدين أبو نصر بن الدهان المنجم الحلبي الحاسب الشاعر الأبلي الموصلي. ولد بحلب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. توفي بصرخد

٤١٤

في آخر السنة. له ديوان شعر ومقدمة في الحساب ا ه (ذهبي من وفيات سنة خمس وخمسين وستماية).

٢٢٩ ـ سليمان بن عبد المجيد العجمي الكاتب المتوفى سنة ٦٥٦

سليمان بن عبد المجيد بن الحسن بن أبي غالب عبد الله بن الحسن بن عبد الرحمن الأديب البارع عون الدين بن العجمي الحلبي الكاتب. ولد سنة ست وستماية. سمع من الافتخار الهاشمي وجماعة ، وروى عنه الدمياطي وفتح الدين بن القيسراني ومجد الدين العقيلي. وكان كاتبا مجيدا مترسلا ، ولي الأوقاف بحلب وتقدم عند الملك الناصر وحظي عنده ، وولي نظر الجيوش بدمشق ، وكان متأهلا للوزارة كامل الرئاسة لطيف الشمائل. وله نظم ونثر ، ومن شعره :

لهيب الخد حين بدا لعيني

هفا قلبي إليه كالفراش

فأحرقه فصار عليه خالا

وها أثر الدخان على الحواشي

توفي سنة ست وخمسين وستماية بدمشق رحمه‌الله تعالى ا ه (المنهل الصافي).

٢٣٠ ـ محمد بن الحسن القاسمي المتوفى سنة ٦٥٦

محمد بن الحسن بن محمد بن يوسف أبو عبد الله الفاسي المغربي الفقيه الحنفي العلامة المقرىء نزيل حلب ، وبها تفقه على مذهب أبي حنيفة. ولد بفاس بعد الثمانين وخمسماية ، وقدم ديار بكر وقرأ بها القراءات على أبي موسى عيسى بن يوسف المقدسي وأبي القاسم الشاطبي. وكان مليح الخط على طريقة المغاربة كثير الفضائل وافر الديانة فاضلا في الفقه ، وروى عن عبد العزيز بن زيدان النحوي والقاضي يوسف بن شداد وتفقه عليه وأخذ عنه الجم الغفير ، منهم محمد بن أيوب التادفي الفقيه الحنفي ومحمد بن إبراهيم النحاس النحوي. وشرح «حرز الأماني» شرحا عظيما (١). وكان يتكلم في الأصول على طريقة الأشعرية ، وله تصانيف هائلة في المذهب وغيره. قال أبو شامة : مات بحلب سنة ست وخمسين وستماية ا ه (ط القرشي).

__________________

(١) اسمه «اللآلي الفريدة» كما في كشف الظنون.

٤١٥

٢٣١ ـ يحيى بن محمد بن العديم المتوفى سنة ٦٥٦

يحيى بن محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هرون ابن موسى بن عيسى بن عبيد بن محمد بن عامر بن أبي جرادة أبو الفتح. ذكره الدمياطي في معجم شيوخه وذكر أنه توفي سنة ست وخمسين وستماية. ودفن في تربته بالمقام ظاهر باب العراق. ومولده بحلب سنة ثمانين وخمسمائة. قلت : ويحيى هذا منعوت بالتاج ويعرف بابن العديم ، سمع من أبيه وعمه أبي الحسن أحمد ، ومن الشريف أبي هاشم بن المفضل الهاشمي في آخرين. وسمع بدمشق من أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي وأجاز له أبو الفرج يحيى بن محمود الثقفي وحدث ا ه (ط القرشي).

٢٣٢ ـ محمد بن أحمد بن العديم المتوفى سنة ٦٥٦

محمد بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هرون ابن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة أبو عبد الله بن أبي جرادة. تقدم والده أحمد. ذكره الدمياطي في معجمه ، وهو أخو الصاحب كمال الدين بن العديم أبو القاسم عمر. مات سنة ست وخمسين وستماية بحلب ، ومولده بها سنة تسعين وخمسماية. سمع من أبيه وعمه أبي غانم وأبي حفص عمر بن طبرزد والشريف أبي هاشم عبد المطلب ابن الفضل الهاشمي وأبي اليمن الكندي وحدث ا ه (ط القرشي).

وقال في المنهل الصافي : كان فقيها من الفقهاء المعدودين من العلماء كان فاضلا أصوليا فقيها نحويا ، تفقه على القاضي صاعد بن محمد وغيره وأفتى ودرس وأقرأ سنين ا ه.

٢٣٣ ـ محمد بن محمد الأنصاري المتوفى سنة ٦٥٦

محمد بن محمد بن محمد بن عبد المجيد نظام الدين أبو عبد الله الأنصاري البغدادي الأصل الحلبي المولد والمنشأ والمعروف بابن المولى. ولد بحلب في الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وخمسمائة ، وتوفي في سنة ست وخمسين وستمائة بدمشق ليلة الخامس من جمادى الآخرة ، ودفن من الغد بجبل قاسيون. كان صاحب ديوان الإنشاء للملك الناصر صلاح الدين مقدما على جماعة الكتاب فاضلا رئيسا له الوجاهة العظيمة

٤١٦

والمنزلة المكينة عند مخدومه ، وله الترسل والنظم الحسن. وروى عنه الدمياطي ا ه (وافي بالوفيات).

٢٣٤ ـ فاطمة خاتون المتوفية سنة ٦٥٦

آثارها بحلب : الخانكاه الكاملية :

قال أبو ذر : هذه الخانكاه أنشأتها الصاحبة فاطمة خاتون بنت الملك العادل بالقرب من البيمارستان النوري. مكتوب على بابها : وقفت هذه الخانكاه فاطمة بنت الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب على الفقيرات المقيمات بها وإظهار الصلوات الخمس بها والمبيت بها. ووقفت عليها كفر تعال [كفر ديعل] من جبل سمعان بنظر إدريس بن محمد ا ه.

توفيت فاطمة خاتون سنة ست وخمسين وستمائة ا ه.

أقول : موقع هذه الخانكاه أمام مدفن بني الجلبي ، وهي خراب الآن وأنقاضها مكومة ، وفيها الآن ثلاث حجر صغيرة مشرفة على الخراب يسكنها بعض الفقراء ، ويظهر من وضعيتها أن الجيران قد انتقصوها من أطرافها الثلاثة ، ولم يزل الكثير من أحجارها الكبيرة وقواعدها العظيمة ملقى في أرضها.

٢٣٥ ـ أبو بكر بن محمد بن السلطان صلاح الدين المتوفى سنة ٦٥٧

أبو بكر بن الملك الأشرف أبي الفتح محمد ابن السلطان الكبير صلاح الدين يوسف. ولد بمصر في سنة سبع وتسعين وخمسمائة ، ونشأ بحلب وسمع بها من عمر بن طبرزد وحنبل ، دخل بغداد في الأيام المستنصرية وسمع بها من أصحاب أبي بكر بن الزاغوني وأبي الوقت السجري ، وكان أميرا جليلا له حرمة وافرة. توفي بحلب في ذي الحجة وله ستون سنة ا ه (ذهبي من وفيات سنة سبع وخمسين وستمائة).

٢٣٦ ـ أحمد بن محمد بن الخضر المتوفى سنة ٦٥٨

أحمد بن محمد بن يوسف بن الخضر أبو الطيب الحلبي الحنفي الفقيه. روى عن عمر

٤١٧

ابن طبرزد ودرس واشغل. توفي بحلب بعد أخذها بالسيف وقتل أكثر أهلها بأيام ا ه (ذهبي من وفيات سنة ثمان وخمسين وستمائة).

٢٣٧ ـ إبراهيم بن يوسف القفطي المتوفى سنة ٦٥٨

إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد بن موسى بن أحمد الوزير مؤيد الدين أبو إسحق الشيباني المقدسي ثم المصري المعروف بابن القفطي أخو الصاحب جمال الدين علي بن يوسف المؤرخ. ولد ببيت المقدس سنة أربع وتسعين وخمسمائة ، وسمع بحلب في سنة نيف وعشرة من الافتخار عبد المطلب الهاشمي ، ووزر بحلب بعد أخيه الأكرم مدة. روى عنه الدمياطي. ومات بحلب بعد أخذها بيسير في أحد الربيعين ا ه (ذهبي من وفيات سنة ثمان وخمسين وستماية).

وقال اليونيني في الذيل : حدث بحلب ودمشق ، ووزر بحلب بعد أخيه القاضي الأكرم مدة إلى أن انقضت الدولة الناصرية وملك التتر حلب ، فأمروه بالاستمرار في تنفيذ الأشغال ، فباشر على كره منه ، وتوقي عقيب ذلك في أحد الربيعين. وكان من الصدور الرؤساء الفضلاء الأعيان. ا ه.

وقال في «الطالع السعيد» في ترجمته : قال الحافظ عبد المؤمن الدمياطي : أنشدنا لنفسه هذه الأبيات :

يا قمرا حاز كل ظرف

وحار فيما حواه وصف

منزلك القلب إن زمان

عارض في أن يراك طرف

ضمّك جبر لكسر قلب

عليه فتح الهموم وقف

آثاره بحلب :

قال أبو ذر في الكلام على دور الحديث : ومنها دار أنشأها الصاحب مؤيد الدين إبراهيم ابن يوسف القفطي تجاه الفردوس ، وكانت قديما تعرف بالبدرية ، ووقف عليها كتبا من جملتها «المجمل» ورأيته ا ه.

٤١٨

٢٣٨ ـ الحافظ إبراهيم بن خليل الآدمي المتوفى سنة ٦٥٨

إبراهيم بن خليل بن عبد الله نجيب الدين الدمشقي الآدمي أبو إسحق أخو الشيخ شمس الدين يوسف بن خليل. ولد يوم عيد الفطر سنة خمس وسبعين. وسمع من عبد الرحمن ابن علي الخرقي وإسماعيل الجنروبي ويحيى الثقفي ومنصور الطبري ويوسف بن معالي الكيان وعبد اللطيف بن أبي سعيد وعمر بن يوسف الحموي وأبي طالب محمد بن الحسين بن عبدان وأبي المحاسن محمد بن كامل التنوخي والخشوعي وجماعة.

وحدث بدمشق وحلب وطال عمره واشتهر اسمه ، وكان له أجزاء ومنها يحدث حصلها له أخوه. وكان سماعه صحيحا. وكان يعمل المداسات. حمل عنه خلق كثير وحفاظ ، وحدث عنه الشيخ تاج الدين عبد الرحمن وأخوه شرف الدين وتاج الدين صالح الجعبري وبدر الدين محمد بن الجوهري الحلبي والشيخ نصر المنبجي والعماد ابن البالسي وصفية بنت الحلوانية ومحمد بن أحمد النجدي وأبو الفدا بن الخباز وزينب خالة ابن المحب والجمال علي بن الشاطبي والشمس محمد بن الفخر بن البخاري والتقي أحمد بن العز إبراهيم وآخرون. قال لنا الدمياطي : بعثته إلى حلب لينوب عني في التسميع في وظيفتي فعدم في وقعة التتر في صفر ا ه (ذهبي من وفيات سنة ثمان وخمسين وستماية).

٢٣٩ ـ محمد بن أبي القاسم القزويني المتوفى سنة ٦٥٨

محمد بن أبي القاسم بن محمد بن أبي بكر بن عمر الضياء أبو عبد الله القزويني الأصل الحلبي المولد الصوفي. ولد سنة اثنتين وسبعين وسمع من يحيى الثقفي. روى عنه الدمياطي والقاضي عز الدين العديمي وأخوه عبد الله والكمال إسحق الأسدي وحفيده عبد الله بن إبراهيم بن محمد الصوفي نزيل القاهرة وغيرهم وتاج الدين صالح الجعبري ، وحدث بدمشق وحلب. توفي بحلب في أوائل ربيع الآخر بعد رحيل التتار خذلهم الله ا ه (ذهبي من وفيات سنة ثمان وخمسين وستماية).

٢٤٠ ـ محمد بن يحيى بن العديم المتوفى سنة ٦٥٨

محمد بن يحيى بن محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير

٤١٩

ابن هرون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة عامر أبو المفاخر بن أبي الفتح بن أبي غانم بن أبي الفضل بن أبي الحسن العقيلي الحلبي الفقيه. قتل شهيدا في وقعة التتار بحلب في صفر سنة ثمان وخمسين وستماية. وكان مولده بها سنة تسع أو عشر وستمائة ا ه (ط ح للقرشي).

٢٤١ ـ تورانشاه ابن السلطان صلاح الدين المتوفى سنة ٦٥٨

تورانشاه الملك المعظم أبو المفاخر ابن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، آخر من بقي من أخوته. ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة ، وسمع بدمشق من يحيى الثقفي وابن صدقة الحراني ، وأجاز له عبد الله بن بري النحوي وغيره ، وانتقى له الدمياطي جزءا ، وحدث بحلب ودمشق ، وروى عنه الدمياطي وسنقر القضائي وغيرهما ، وفي قيد الحياة من الرواة عنه أحمد وعبد الرحيم ابنا محمد بن عبد الرحمن بن العجمي والتاج محمد بن أحمد بن محمد بن النصيبي والقاضي أحمد بن عبد الله القرشي وغيرهم. وكان كبير البيت الأيوبي. وكان السلطان الملك الناصر وهو ابن ابن أخيه يحترمه ويجله ويثق به ويتأدب معه ، فكان يتصرف في الخزائن والأموال والغلمان ، وقد حضر غير مصاف. وكان ذا شجاعة وعقل وغور. وكان مقدم الجيش الحلبي من زمان طويل ، وهو كان المقدم لما التقوا هم والخوارزمية سنة ثمان وثلاثين بقرب الفرات ، فأسر يومئذ وهو مثخن بالجراح وانهزم عساكره هزيمة قبيحة وقتل منهم خلق ، وقتل في هذه الكائنة الصالح ولد الملك الأفضل علي بن يوسف ، وأغارت الخوارزمية على بلاد حلب وفعلوا كل قبيح فلا حول ولا قوة إلا بالله.

ولما استولى التتار خذلهم الله على حلب وبذلوا فيها السيف اعتصم بقلعتها وحماها ، ثم سلمها بالأمان ، وأدركه الأجل على أثر ذلك. ولم يكن عدلا وربما تعاطى المحرم ، فإن الدمياطي يقول : أخبرنا في حال الاستقامة. توفي سامحه الله في السابع والعشرين من ربيع الأول بحلب ودفن بدهليز داره وله ثمانون سنة ا ه (ذهبي من وفيات سنة ثمان وخمسين وستمائة).

وترجمه في المنهل الصافي بنحو ما قدمناه قال : ومما كتب إليه أسامة بن مرشد بن علي ابن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني في ضرس قلعة ملغزا :

٤٢٠