إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٤

١٦٠ ـ عبد المطلب الهاشمي العباسي المتوفى سنة ٦١٦

عبد المطلب بن الفضل بن عبد الملك بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس الحلبي الإمام افتخار الدين المشهور بالهاشمي ، كنيته أبو هاشم ، إمام أصحاب أبي حنيفة رضي‌الله‌عنه في وقته بحلب وفقيهها. ويأتي ذكر ولده الفضل بن عبد المطلب.

وقال ابن العديم : ذكر أن مولده ببلخ سادس جمادى الآخرة سنة ست عشرة وستمائة ، وولي ابنه الفضل التدريس مكانه بالحلاوية والمقدمية ا ه (ط ح قرشي).

وقال ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة ٦١٦ : فيها توفي عبد المطلب افتخار الدين ابن الفضل الهاشمي العباسي الفقيه الحنفي رئيس الحنفية بحلب. روى الحديث عن عمر البسطامي نزيل بلخ وعن أبي سعد السمعاني وغيرهما انتهى.

أقول : وهو أول من درّس بالمدرسة الطمانية. وبهذه المناسبة أتكلم عليها فأقول :

المدرسة الطمانية :

قال أبو ذر : هذه المدرسة بدرب الأسفريس بالقرب من حمّام الهذباني ، وقد خط سليمان بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس المولود ببطياس وموته كان بحلب منازله بهذه المحلة ، فولده بها إلى اليوم. أنشأها الأمير حسام الدين طمان النوري. وأول من درس بها الشريف افتخار الدين عبد المطلب ، ثم آثر بها أبا حفص عمر بن حفاظ بن خليفة ابن حفاظ المعروف بابن العقاد الحموي أحد طلبة علاء الدين الكاساني ، ثم سافر عنها فوليها شهاب الدين أحمد بن يوسف المقدم ذكره ، ولم يزل بها إلى أن رحل إلى بغداد سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ، فوليها بعده ضياء الدين محمد بن ضياء الدين عمر بن حفاظ المعروف بالنحوي ، ولم يزل بها إلى أن توفي سنة اثنتين وأربعين وستمائة ، فوليها الفقيه نجم الدين عبد الرحمن بن إدريس بن حسن الخلاطي مولدا الحلبي منشأ وعليه انقضت الدولة الناصرية.

ثم إن تدريسها ونظرها كان بيد شمس الدين بن أمير حاج الحنفي ، فادعى أبو بكر

٣٢١

من بني ابن مهاجر وله اتصال بطومان الذي بنى الخان المعروف المسبل (١) أن هذه المدرسة لجده طومان ، فصولح بينهما وأخذ نظرها واستقر تدريسها بيد شمس الدين المذكور. واسم بانيها على بابها طمان لا طومان.

ومن جملة أوقافها بستان ظاهر حلب بالقرب من الكلّاسة يعرف ببستان الجورة ا ه. قال في الدر المنتخب : وهي الآن مسكن للنساء.

أقول : درب الأسفريس هو الزقاق الذي عن يمين جامع منكلي بغا المعروف بجامع الرومي الذي تخرج منه إلى قلعة الشريف.

قال أبو ذر : والدرب الآخذ إلى جامع منكلي بغا من رأس درب الأسفريس به مسجد قديم ، وجدده بعد خرابه الحسن بن الجلّى ، وله منارة قصيرة ، وبالقرب من جامع منكلي تجاه الحمام مسجد الأعزازي كمال الدين. وبالحضرة تكية أنشأها أخو الأبار وأبوه ا ه.

أقول : لا أثر الآن لهذه المدرسة ولا للحمام ولا يعرف مكانهما. وأما المسجد الذي جدده ابن الجلّى فيغلب على الظن أنه المسجد المعروف بمسجد الديري الكائن في آخر هذا الزقاق ، لأن منارته قصيرة وآثار القدم بادية عليها وعلى المسجد. وأما التكية فلا أثر لها ولا يعرف مكانها أيضا.

١٦١ ـ محمد بن أحمد السلاوي الفقيه المتوفى سنة ٦١٦

محمد بن أحمد بن يوسف بن غياث السلاوي أبو عبد الله.

قال ابن العديم : قدم حلب في حدود الستماية وحدث بها بسيرة ابن هشام ، شيخ حسن ، وكتب الكثير ، وله مصنفات في الفقه. وقال شيخنا قطب الدين في تاريخ مصر : قدم من المغرب واشتغل بمصر على مذهب أبي حنيفة علي بن الشاعر وغيره ويأتي ابنه محمد. قال ابن العديم : مات بحلب في رجب سنة ست عشرة وستمائة ودفن خارج باب الأربعين ا ه (ط ح ق).

__________________

(١) أي قبلي حلب يبعد عنها ثلاث ساعات ، ولم يزل الخان باقيا لكنه مشرف على الخراب ، وهناك قرية كبيرة مسماة باسم الخان يمر منها نهر قويق آخذا إلى أراضي المطخ.

٣٢٢

١٦٢ ـ عبد الرحمن الكردي والد ابن الصلاح المتوفى سنة ٦١٨

أبو القاسم صلاح الدين عبد الرحمن الكردي الشهرزوري والد الإمام أبي عمرو عثمان المشهور بابن الصلاح صاحب كتاب المصطلح في علوم الحديث. تفقه أبو القاسم هذا على ابن عصرون ونقل عنه ولده في نكته على المهذب. سكن حلب ودرس بالمدرسة الأسدية إلى أن مات في ذي القعدة سنة ثمان عشرة وستمائة ا ه (ط ش للأسنوي).

زاد ابن خلكان في تاريخه وفيات الأعيان في ترجمة ولده أبي عمرو عثمان المشهور بابن الصلاح أنه دفن خارج باب الأربعين في الموضع المعروف بالجبيل بتربة الشيخ علي بن محمد الفارسي. وكان مولده في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة تقديرا. وذكر أيضا أنه كان قد دخل بغداد واشتغل بها.

١٦٣ ـ الحسن بن زهرة الحسيني المتوفى سنة ٦٢٠

أبو علي الحسن بن زهرة الحسيني النقيب رأس الشيعة بحلب وغيرهم وجاههم وعالمهم. كان عارفا بالقرآن والعربية والأخبار والفقه على رأي القوم ، وكان متعينا للوزارة ، بعث رسولا إلى العراق وغيرها ، انتكب بموته الشيعة. ا ه (العبر في خبر من غبر) في وفيات سنة عشرين وستماية.

١٦٤ ـ سليمان بن عمر الحرّاني المتوفى بعد سنة ٦٢٠

سليمان بن عمر بن سالم بن المشبك الحرّاني الفقيه الأصولي كمال الدين أبو الربيع. له تصانيف كثيرة في الأصلين والخلاف والمذهب ، منها : عبادات ، ومختصر الهداية ، والوفاق والخلاف بين الأئمة الأربعة ، ومسائل خلاف في أصول فقه ، وكتاب الراجح في أصول الفقه ، واعتقاد أهل حران ، ونفي الآفات عن آيات الصفات ، وصرف الالتباس عن بدعة قرا الأخماس ، وغير ذلك (١). توفي بحرّان بعد العشرين والستماية ا ه (الدر النضيد).

__________________

(١) عبارة الدر المنضد : وله تصانيف كثيرة منها التفسير الكبير في مجلدات كثيرة وهو تفسير حسن جدا ، ومنها

٣٢٣

١٦٥ ـ محمد بن أبي القاسم الخضر بن تيميّة الحرّاني المتوفى سنة ٦٢١

أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الخضر بن علي بن عبد الله المعروف بابن تيمية الحرّاني الملقب فخر الدين الخطيب الواعظ الفقيه الحنبلي. كان فاضلا تفرد في بلاده بالعلم ، وكان المشار إليه في الدين ، لقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم العلوم ، وقدم بغداد وتفقه بها على أبي الفتح بن المني ، وسمع الحديث بها من شهدة بنت الإبري وابن البطي وغيرهم ، وصنف في مذهب الإمام أحمد بن حنبل مختصرا أحسن فيه. وله ديوان خطب مشهور وهو في غاية الجودة ، وله تفسير القرآن الكريم ، وله نظم حسن. وكانت إليه الخطابة بحران ولأهله من بعده. ولم يزل أمره جاريا على سداد وصلاح حال. ومولده في أواخر شعبان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة بمدينة حران ، وتوفي بها في حادي عشر صفر سنة إحدى وعشرين وستماية رحمه‌الله تعالى.

قال المظفر سبط ابن الجوزي في حقه : كان ضغينا بحران ، متى نبغ فيها أحد لا يزال وراءه حتى يخرجه منها ويبعده عنها ، وسمعته في جامع حران يوم الجمعة بعد الصلاة ينشد :

أحبابنا قد نذرت مقلتي

لا تلتقي بالنوم أو تلتقي

رفقا بقلب مغرم واعطفوا

على سقام الجسد المعرق

كم تمطلوني بليالي اللقا

قد ذهب العمر ولم نلتق

وذكره أبو يوسف محاسن بن سلامة بن خليفة الحراني في تاريخ حران وأثنى عليه ثم قال : توفي يوم الخميس بعد العصر عاشر صفر سنة اثنتين وعشرين وستماية (١).

وذكره أبو البركات ابن المستوفي في تاريخ إربل فقال : ورد إربل حاجا في سنة أربع وستماية. وذكر فضله وقال : كان يدرس التفسير في كل يوم ، وهو حسن القصص حلو الكلام مليح الشمائل وله القبول التام عند الخاص والعام ، وكان أبوه أحد الأبدال والزهاد ، وتفقه بحران وببغداد ، وكان صادقا في المناظرات ، صنف مختصرات في الفقه وخطبا سلك

__________________

ثلاث مصنفات في المذهب على طريقة البسيط والوسيط والوجيز للغزالي أكبرها تلخيص المطلب في تلخيص المذهب وأوسطها ترغيب القاصد في تقريب المقاصد وأصغرها بلغة التاعب وبغية الراغب ، وله شرح الهداية لأبي الخطاب ولم يتمه ، ومصنفات في الوعظ والموضح في الفرائض.

(١) على هذا اقتصر في الدر المنضد.

٣٢٤

فيها مسلك ابن نباتة. وكان بارعا في تفسير القرآن وجميع العلوم له فيها يد بيضاء ، وسمع من مشايخ الحديث ببغداد ، وأنشد له :

سلام عليكم مضى ما مضى

فراقي لكم لم يكن عن رضا

سلوا الليل عني مذ غبتم

أجفني بالنوم هل أغمضا

أأحباب قلبي وحقّ الذي

بمرّ الفراق علينا قضى

لئن عاد عيد اجتماعي بكم

وعوفيت من كارث أمرضا

لألتقين مطاياكم

بوجهي وأفرشه في الفضا

ولو كان حبوا على جبهتي

ولو لفح الوجه جمر الغضى

فأحيا وأنشد من فرحتي

سلام عليكم مضى ما مضى

ثم قال : سألته عن اسم تيمية ما معناه فقال : حج أبي أو جدي ، أنا أشك أيهما ، قال : وكانت إمرأته حاملا ، فلما كان بتيماء رأى جويرية حسنة الوجه قد خرجت من خباء ، فلما رجع إلى حران وجد امرأته قد وضعت جارية ، فلما رفعوها إليه قال : يا تيميّة يا تيميّة ، يعني أنها تشبه التي رآها بتيماء ، فسمي بها ، أو كلاما هذا معناه.

وتيماء بفتح التاء بليدة في بادية تبوك إذا خرج الإنسان من خيبر إليها تكون على منتصف طريق الشام ، وتيمية منسوبة إلى هذه البليدة ، وكان ينبغي أن تكون تيماويّة لأن النسبة إلى تيماء تيماويّ ، لكنه هكذا قال واشتهر كما قال ا ه (ابن خلكان).

١٦٦ ـ محمد الموصلي المتوفى سنة ٦٢٢

محمد بن أحمد بن محمد بن خميس الموصلي الحلبي. مولده سنة اثنتين وأربعين وخمسماية بالموصل ، قرأ الفقه على مذهب أبي حنيفة بحلب على الإمام علاء الدين أبي بكر الكاساني. مات بحلب سنة اثنتين وعشرين وستماية ا ه (ط ح قرشي).

١٦٧ ـ الأمير سيف الدين علي بن جندر المتوفى سنة ٦٢٢

الأمير سيف الدين علي بن الأمير علم الدين سليمان بن جندر. كان من أكابر الآمراء بحلب ، وله الصدقات الكثيرة ، ووقف بها مدرستين إحداهما على الشافعية وأخرى على

٣٢٥

الحنفية ، وبنى الخانات والقناطر وغير ذلك من سبل الخيرات ، وغزا غزوات.

توفي سنة اثنتين وعشرين وستماية ا ه (النهاية لابن كثير).

آثاره بحلب

المدرسة السيفية :

قال أبو ذر في كنوز الذهب : هذه المدرسة بالحاضر السليماني خارج باب قنسرين (١) ، أنشأها الأمير سيف الدين علي بن سليمان بن جندر ، وكان إلى جانب هذه المدرسة المسجد الجامع المتقدم ذكره ، وكان قبل أن يبني مسجدا تربة لبني أبي جرادة ، وكان فيها القاضي أبو الفضل وأبوه أبو الحسن أحمد وجماعة من سلفه والشيخ أبو الحسن علي بن أبي جرادة ، فلما جدده سيف الدين مسجدا حولت القبور إلى جبل جوشن ، وكانت التربة بالقرب من خان السلطان في السوق انتهى. وسيف الدين المذكور كان كثير الصدقات ، توفي سنة اثنتين وعشرين وستماية ، وأبوه سليمان الأمير علم الدين صاحب عزاز وبغراص له مواقف مشهورة في الجهاد. توفي في أواخر ذي الحجة بقرية غباغب سنة سبع وثمانين وخمسماية (٢).

ورأيت بخط ابن عشائر وذكر أنه نقله من بغية الطلب من كلام الصاحب ما لفظه : سليمان بن جندر وهو الذي وقف المدرسة بالحاضر تجاه المسجد الجامع على أصحاب أبي حنيفة. وقال ابن شداد : إن ابنه عليا وقفها فانظر هذا.

(لطيفة) : قال الزكي أبو العباس أحمد بن مسعود بن شداد الموصلي : كنت مع علم الدين سليمان بن جندر بحارم وأنا وإياه تحت شجرة ، وكنت إذ ذاك أؤم به في سنة سبع وسبعين وخمسماية ، فقال لي : كنت ومجد الدين أبو بكر بن الداية وصلاح الدين يوسف بن أيوب تحت هذه الشجرة ، وأشار إلى شجرة هناك ، ونور الدين محمود

__________________

(١) قال في الكلام على الجوامع : جامع السلطان هذا الجامع خارج باب قنسرين عمر في أيام الظاهر غازي من إنعامه للعبد الفقير إلى الله تعالى علي بن سليمان بن جندر في سنة سبع وستمائة. هذا معنى ما كتب على بابه وله وقف أراض حوله وسيأتي في السيفية البرانية بقية الكلام عليه ا ه.

(٢) تقدم ذلك في حوادث هذه السنة (ج ٢ ص ١٥٣).

٣٢٦

ابن زنكي إذ ذاك يحاصر حارم وهي في يد الفرنج ، فقال مجد الدين بن الداية : كنت أشتهي من الله أن يأخذ نور الدين حارم ويعطيني إياها ، وقال صلاح الدين : كنت أنا أشتهي مصر ، ثم قالا لي : تمن أنت شيئا ، فقلت : إذا كان مجد الدين صاحب حارم وصلاح الدين صاحب مصر ما أضيع بينكما ، فقالا : لابد أن تتمنى ، فقلت : إذا كان ولابد فأريد (عمّ) ، فقدر الله أن نور الدين كسر الفرنج وفتح حارم وأعطاها مجد الدين وأعطاني (عمّ) ، فقال صلاح الدين : أخذت أنا مصر فإننا كنا ثلاثة وقد بقيت أمنيتي فقدر الله تعالى أن فتح أسد الدين مصر ، ثم آل الأمر إلي أن ملكها صلاح الدين وهذا من غرائب الاتفاقات ا ه.

ولما عدد ابن شداد المساجد التي بالحاضر السليماني قال : مسجد الأمير سيف الدين ابن علم الدين. قال : ومسجد أنشأه المذكور أيضا انتهى. فالحاصل أن له مسجدين أحدهما كان إلى جانب هذه المدرسة وقد اندثر وبقي محرابه ، والثاني هو الذي تقام الآن فيه الجمعة المعروف بجامع السلطان المذكور في الجوامع انتهى.

وهذه المدرسة عظيمة كثيرة البيوت للفقهاء ، ولها منارة محكمة ، وكان بها بركة ماء وقد صارت الآن في الخراب لا مدرس ولا باب ، وربما سد بابها في بعض الأحيان لخلو البقعة من السكان ، وكانت أولا قائمة الشعار. وأول من درس بها عز الدين محمد بن أبي الكرم بن عبد الرحمن السنجاري ، انتقل إلى حلب سنة ثمان وتسعين وخمسماية فتولى تدريس المدرسة المذكورة ، ثم خرج منها إلى دمشق وأقام إلى أن توفي سنة ست وأربعين بعد أن تولى نيابة الحكم بها سنة سبع عشرة ، فوليها (أي المدرسة) بعد خروجه شرف الدين أبو بكر بن أبي بكر الرازي ، ولم يزل مدرسا بها إلى أن توفي سنة ست وعشرين وستماية ، فوليها بعده نجم الدين أحمد بن شمس الدين محمد بن يوسف وتقدم ذكره ، ولم يزل بها مدرسا إلى أن مات قريبا من فتنة التتر.

وفي الدر المنتخب : (المدرسة السيفية) : أنشأها الأمير سيف الدين علي بن علم الدين سليمان بن جندر ، انتهت سنة سبع عشرة وستماية مشتركة بين الشافعية والحنفية وهي خراب داثر ا ه.

وقال أبو ذر في كنوز الذهب في كلامه على الجوامع : الجامع الذي بالحاضر السليماني

٣٢٧

أنشأه أسد الدين شيركوه بن شادي صاحب حمص ووسع بناءه الأمير سيف الدين علي ابن علم الدين سليمان بن جندر ، وبنى إلى جانبه مدرسة وتربة ودفن بها تقام بها الخطبة ا ه.

أقول : موقع هذا الجامع جنوبي تربة الكليباتي بينهما الطريق وشرقي تنانير الكلس الآن ، ويعرف عند أهل محلة الكلّاسة بجامع حسان ، ولا أدري من أين أتت له هذه النسبة. وهذا الجامع كان خربا لم يبق منه سوى محرابه وبعض أنقاضه ، فاهتم بشأنه أهل المحلة سنة ١٢٩٩ وعمروا قبلته وجدران صحنه وحجرتين في الصحن عن يسار باب الجامع. والذي ظهر لي أنه عمر أصغر مما كان ، والتصغير من جهة الشرق ، وطول صحنه ٢٠ ذراعا وعرضه ١٧ ، وذلك مع رواقيه الجنوبي الذي هو أمام باب القبلية والشمالي الذي على يمين باب الجامع ، وقد كان مبنيا من أحجار ضخمة وأعمدة عظيمة ظهر لي ذلك من قاعدة عمود مبنية في الجدار عن يمين باب الجامع.

ورواقه الشمالي بني هذه السنة وهي سنة ١٣٤٣ ، وفرش معظم الصحن بالرخام الأبيض ، وذلك باهتمام أهل الخير من أهل هذه المحلة جزاهم الله خيرا.

وشمالي هذا الجامع بنحو أربعين مترا قبة قديمة سقفها خرب في وسطها قبر عظيم هو قبر الأمير علي بن سليمان المترجم ، والمدرسة كانت أمام هذه التربة من جهتي الغرب والشمال ولم يبق من آثارها شيء ، ولا أثر للعمران حول هذا الجامع من جهاته الأربع ، إلا ما أحدث في هذا القرن من البنايات غربي الجامع وراء تنانير الكلس ، وربما اتصلت الأبنية عما قريب من هذه الجهة.

بقية آثاره بحلب :

وفي الدر المنتخب في باب ذكر ما بحلب من مدارس المالكية والحنابلة : مدرسة أنشأها الأمير سيف الدين علي بن علم الدين سليمان بن جندر تحت القلعة لتدريس مذهبي مالك وأحمد بن حنبل ، وهذه المدرسة كانت قد نسيت وأغلق بابها ففتحته ، وما أدري ما فعل الله بها بعد خروجي من حلب.

وقال هو وأبو ذر في تعداد الخانقاهات والربط : رباط أنشأه سيف الدين ... إلخ

٣٢٨

بالرحبة الكبيرة وهي داخل باب قنسرين ، وكانت في دار تعرف ببدر الدين محمود بن شكري الذي خنقه الملك الظاهر غياث الدين غازي ا ه. قلت : وتجاه مسجد المحصب (الكريمية) مكان كان يسكنه شيخ تاج الدين السراج فلعله هذا الرباط ا ه.

ذكر ما كان بجوار هذا المكان من الآثار

المدرسة البلدقية الشافعية :

قال أبو ذر : هذه المدرسة ظاهر حلب بالقرب من الكلّاسين ، وكانت كبيرة فاختصرت ، وقد دثرت بعد شيخنا المؤرخ ، فإنه كان يرممها. أنشأها الأمير حسام الدين بلدق عتيق الظاهر ، وكان من أعيان الأمراء. وأول من درس بها ركن الدين جبريل بن محمد التركماني ، وتوفي بها ودرس فيها بعده ولده عز الدين أحمد ، ولم يزل بها إلى أن ولي قضاء الشغر ، ووليها بعده جمال الدين محمد المعري ، وبعد فتنة تمر آل تدريسها للشيخ شرف الدين حمزة الحبيشي الشافعي ، وتوفي عن ولد لا يعرف شيئا فوضع القضاة أيديهم عليها ودرسوا بها ، ثم استنزل ابن الحبيشي عنها القاضي برهان الدين الحسفاوي ولم يدرس بها ، وحضرت دروسها مع القاضي زين الدين بن الخرزي. وتقدم أن من جملة وقف هذه المدرسة ثلث طاحون شركة الفردوس (١). ومكتوب على بابها أنها وقف على الفقهاء والمتفقهة والمشتغلين بالعلم على مذهب الإمام الشافعي رضي‌الله‌عنه وأنها بنيت في سنة خمس وثلاثين وستمائة في أيام صلاح الدين يوسف بن العزيز بن غازي ا ه.

المدرسة البلدقية الحنفية :

قال البتروني في حواشي الدر المنتخب (ص ١١٤) : هذه المدرسة خربها رجل يقال له الخواجا بكر سكن حلب بعد أن كان بمدينة الرها وصار له بحلب شأن ، فاستعمله أحمد باشا المعروف بابن الأكمكجي على عمارة دار السعادة ، ونقلت حجارة المدرسة المذكورة إليها ، وكانت المدرسة قد أشرفت على الخراب ، وكان ذلك في حدود ١٠٢٤ ا ه.

__________________

(١) قال ثمة في الكلام على الفردوس : ووقفت على ذلك ضيعة وهي كفر زبينا وثلثي طاحونها وثلثها الآخر على البلدقية كما سيأتي ا ه.

٣٢٩

وهذه المدرسة كانت بالحاضر ملاصقة للبلدقية الشافعية المتقدم ذكرها ، وقد أخذت حجارة هذه المدرسة ولم يبق لها أثر في عمارة السور في دولة المؤيد ، وحمى شيخنا البلدقية الشافعية ولم يمكنهم من نقضها ، وقد تقدم اسم بانيها. وأول من درس بها رشيد الدين المعروف بتكملة ، ثم رحل عنها إلى دنيسر فوليها بعده شمس الدين محمد بن مصطفى المارداني ، ولم يكن من ماردين وإنما هو من خلاط ، ثم خرج عنها إلى الروم فوليها شرف الدين بن العفيف شيخ خانكاه ابن المقدم وعليه انقرضت الدولة ا ه.

وفي الدر المنتخب في الكلام على المدارس الحنفية التي بظاهر حلب : المدرسة البلدقية بالحاضر تقدم لنا اسم بانيها ، ثم هجرت أخيرا لانفرادها وخرب الجامع الذي كان بجانبها المنسوب إلى أسد الدين

ا ه.

١٦٨ ـ أبو القاسم هبة الله بن رواحة المتوفى سنة ٦٢٣

أبو القاسم هبة الله بن محمد بن أبي الوفا المعروف بابن رواحة الملقب بركن الدين. كان أحد التجار ذوي الثروة والمعدلين بدمشق ، وكان في غاية الطول والعرض ، وقد ابتنى المدرسة الرواحية داخل باب الفراديس بدمشق وأوقفها على الشافعية وفوض تدريسها ونظرها إلى الشيخ تقي الدين بن الصلاح الشهرزوري. وله بحلب مدرسة أخرى مثلها. وقد انقطع في آخر عمره في المدرسة التي بدمشق ، وكان يسكن البيت الذي في إيوانها من الشرق ، ورغب فيما بعد أن يدفن فيه إذا مات ، فلم يمكن من ذلك بل دفن بمقابر الصوفية ا ه (البداية والنهاية لابن كثير) من وفيات سنة ثلاث وعشرين وستمائة.

وتقدم الكلام على المدرسة الرواحية في صحيفة (٤٥) وسيأتي في ترجمة الإمام أبي البقا يعيش بن علي شارح المفصل المتوفى سنة ٦٤٣ أنه كان من مدرسيها. وفي هذه المدرسة تلقى العلامة ابن خلكان صاحب التاريخ العلم عن أبي البقا المذكور كما ذكره في ترجمته.

١٦٩ ـ يوسف بن يحيى الطبيب اليهودي المتوفى سنة ٦٢٣

يوسف بن يحيى بن إسحق السبتي المغربي أبو الحجاج نزيل حلب ، وهو في سبتة يعرف بابن سمعون وهو جده العاشر أو التاسع. هذا كان طبيبا من أهل فاس من أرض المغرب مدينة بسواحل البحر الرومي كبيرة جامعة ، وكان أبوه يعاني الحرف السوقية.

٣٣٠

وقرأ يوسف هذه الحكمة ببلاده فساد فيها وعانى شيئا من علوم الرياضة وأجادها وكانت حاضرة على ذهنه عند المحاضرة ، ولما ألزم اليهود والنصارى في تلك البلاد بالإسلام أو الجلاء كتم دينه وتحيل عند إمكانه من الحركة في الإنتقال إلى الإقليم المصري ، وتم له ذلك فارتحل بماله ووصل واجتمع بموسى بن ميمون القرطبي رئيس اليهود بمصر وقرأ عليه شيئا وأقام عنده مدة قريبة ، وسأله إصلاح هيئة ابن أفلح الأندلسي ، فإنها صحبته من سبتة ، فاجتمع هو وموسى على إصلاحها وتحريرها. وخرج من مصر إلى الشام ونزل حلب وأقام بها مدة وتزوج إلى رجل من يهود حلب يعرف بابن العلاء الكاثب مارذكا ، وسافر عن حلب تاجرا إلى العراق ، ودخل الهند وعاد سالما وأثري حاله ، ثم ترك السفر وأخذ في التجارة واشترى ملكا قريبا وقصده الناس للاستفادة منه ، فأقرأ جماعة من المقيمين والواردين وخدم في أطباء الخاص في الدولة الظاهرية بحلب. وكان ذكيا حاد الخاطر ، وكانت بيننا مودة طالت مدتها. وقد شكا إليّ يوما أمره وقال : لي ابنتان وأخشى عليهما من مشاركة السلطان لهما في الميراث وأود أن يكون لي ولد ذكر ، فذكرت له شيئا منقولا من أقوال بعض الحكماء في التحيل على طلب الولد الذكر عند النكاح ، فقال : أريد عمل ذلك ، وكان قد تزوج امرأة أخرى غير الأولى بحكم موت الأولى ، وبعد مدة أخرى إنها قد علقت وقال : لقد فعلت ما قلت لي ، ثم إنها كما شاء الله ولدت له ولدا ذكرا فجاءني ، وقد طار سرورا. بعد مدة بلغني أن أم الولد أدخلته الحمّام وأكثرت عليه الماء الحار فهلك فأدركه لذلك أمر مزعج. ولما اجتمعت به معزّيا له هوّنت عليه ما جرى وقلت له : اصبر وراجع العمل ، ففعل وعلقت فجاءته بولد وسماه عبد الباقي وعاش ، ثم إنه ترك ما قلته له فعلقت وجاءته بابنة ، فلام نفسه على ترك ما ذكرته له ، وعاود بعد مدة ففعل ذلك فجاءته بذكر فقال : لا أنكر بهذا صحة ما يقال بالتجربة ، فقد استقر هذا عندي حتى لا أنكره.

وقلت له يوما : إن كان للنفس بقاء تعقل به حال الموجودات من خارج بعد الموت ، فعاهدني على أن تأتيني إن مت قبلي وآتيك إن مت قبلك ، فقال : نعم ، ووصيته أن لا يغفل ، ومات وأقام سنتين ، ثم رأيته في النوم وهو قاعد في عرصة مسجد من خارجه في حظيرة له وعليه ثياب جدد بيض من النصيفي فقلت له : يا حكيم ألست قررت معك أن تأتيني لتخبرني بما لقيت؟ فضحك وأدار وجهه ، فأمسكته بيدي وقلت له : لابد أن تقول لي ماذا لقيت وكيف الحال بعد الموت ، فقال لي : الكلّي لحق بالكل وبقي الجزئي

٣٣١

بالجزء ، ففهمت عنه في حاله كأنه أشار إلى أن النفس الكلية عادت إلى عالم الكل والجسد الجزئي بقي في الجزء وهو المركز الأرضي ، فتعجبت بعد الاستيقاظ من لطيف إشارته نسأل الله تعالى العفو عند العود إلى الباري جل وعز. وأقول كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساعة الموت : اللهم الرفيق الأعلى.

وتوفي الحكيم بحلب في العشرة الأول من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وستمائة ا ه. (أخبار الحكماء للوزير القفطي).

١٧٠ ـ عبد الرحمن الأسدي المتوفى سنة ٦٢٣

عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي المعروف بابن الأستاذ ، ويعرفون أيضا بأولاد علوان ، والد عبد الله المتقدم. كان فقيها محدثا صالحا زاهدا خيرا معتنيا بالحديث ، رحل في طلبه وحدث ، وتوفي في عاشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين عن تسعين سنة ا ه (طبقات الشافعية للأسنوي).

١٧١ ـ الفتح نصر بن محمد القيسراني الشاعر المتوفى سنة ٦٢٥

قال الصفدي في تاريخه المرتب على السنين في وفيات سنة ٦٢٥ : فيها توفي الفتح نصر ابن محمد بن نصر بن صغير القيسراني الحلبي بن الشاعر المشهور ، وكان أيضا أديبا شاعرا : فمن شعره :

خلع العذار أخو الوساوس

فيمن لثوب الحس لابس

ظبي يصيد بطرفه غلب الضراغم والقناعس

رشأ كغصن أراكة

ريان لا ينفك مائس

في الليل يخرج كالعروس وحين يصبح في الفوارس

ما لاح في جنح الدجا

إلا وأشرقت الحنادس

طلق المحيا باسم

لكن على العشاق عابس

٣٣٢

١٧٢ ـ حسنون الطبيب الرهاوي المتوفى سنة ٦٢٥

ذكره أبو الفرج الملطي في تاريخه مختصر الدول قال : وفي سنة خمس وعشرين وستمائة توفي حسنون الطبيب الرهاوي ، وكان فاضلا في فنه علما وعملا ، ميمون المعالجة حسن المذاكرة بما شاهده من البلاد. وكان أكثر مطالعته في كتاب اللوكري في الحكمة. وكان بدينا بهيا ، دخل إلى مملكة قلج أرسلان وخدم أمراء دولته كأمير آخور سيف الدين واختيار الدين حسن واشتهر ذكره. ثم خرج إلى ديار بكر وخدم من حصل هناك من بيت شاه أرمن وهزار ديناري ثم الداخلين على تلك الديار من بيت أيوب ، ورجع إلى الرها. ولما تحقق أن طغرل الخادم تولى أتابكية حلب وله به معرفة من دار أستاذه اختيار الدين حسن في الديار الرومية جاء إليه إلى حلب ولم يجد عنده كثير خير وخاب مسعاه ، فإنه كان منكسرا عند اجتماعه به وانفصاله عنه. فلما عوتب الخادم على ذلك من أحد خواصه قال : أنا مقصر بحقه لأجل النصرانية. ولما عزم على الارتحال إلى بلده أدركته حمى أوجبت له إسهالا سحجيا ، ثم شاركت الكبد في ذلك فقضي نحبه ودفن في بيعة اليعاقبة بحلب ا ه.

١٧٣ ـ محمد بن الحسن العجمي المتوفى سنة ٦٢٥

لم أقف له على ترجمة خاصة ، إنما ذكره أبو ذر في الكلام على المدرسة الظاهرية ، ونحن نذكر لك كلامه عليها ويكون هذا تتمة لكلامنا عنها في الجزء الثاني في صحيفة (١٨٤). قال :

المدرسة الظاهرية الشافعية

هذه المدرسة ظاهر حلب خارج باب المقام ، أنشأها السلطان الملك الظاهر غازي ، وانتهت عمارتها في سنة عشرة وستمائة ، وفوض النظر فيها إلى القاضي بهاء الدين بن شداد وشرف الدين أبي طالب بن العجمي ، وشرط أن يكون مشاركا للقاضي بهاء الدين مدة حياته ، وأن يستقل بها بعد وفاته ثم لعقبه. وأول من درس بها ضياء الدين أبو المعالي محمد ابن الحسن بن أسعد بن عبد الرحمن بن العجمي ، وحضر يوم تدريسه السلطان الملك الظاهر بنفسه وعمل دعوة عظيمة حضرها الفقهاء. واستمر المذكور فيها إلى أن توفي

٣٣٣

بدمشق حادي عشري صفر عند عوده من الحجاز سنة خمس وعشرين. وكان مولده سنة أربع وستين وحمل إلى حلب فدفن بها. ووليها بعده الشيخ شرف الدين أبو طالب بن العجمي ، ولم يزل بها مدرسا إلى سنة اثنتين وأربعين ، فاستخلف فيها ابن أخيه عماد الدين عبد الرحيم ابن أبي الحسن عبد الرحيم ، ولم يزل نائبا عنه إلى سنة خمسين فعزله عنها واستناب ولده محيي الدين محمد ، ولم يزل بها إلى أن زالت الدولة الناصرية.

وهذه المدرسة لم تزل في أيدي بني العجمي. ودرس بها منهم الشيخ كمال الدين عمر ابن التقي شيخ والدي ، والتزم أن يدرس بها الحاوي الصغير في يوم واحد بالدليل والتعليل ، فحرج الفقهاء معه لذلك وألزم لوالدي أن يشتري مؤنة الأكل ويأتي به إليه ، فاشترى والدي ما أمر به وذهب إليه فوجده قد وصل إلى كتاب الحيض بالدليل والتعليل ، وقد ضجر الفقهاء واعترفوا بفضله.

وكان يسكن بها ويتنزه ببستانها ويقيم الدرس هناك. وأخذها من بني العجمي سراج الدين الفوي ، ثم لما قتل عادت إليهم. وبلغني أن من شرط واقفها أن يصلي الفقيه الخمس فيها ، وهي محصورة في خمسة عشر فقيها ، ولها مدرس في الفقه ومدرس في النحو القراءات ، ومن جملة وقفها بستان إلى جانبها وقد استأجره شخص يقال له أقجا خازندار يشبك ودفن فيه موتاه. ولها حمّام خارج باب المقام كانت سوقا داخل حلب ويعرف بسوق الظاهر ، ولما تهدم عمره جقمق الدودار وجعله نصفين نصفا لها ونصفا لمدرسته بدمشق ، ولها غالب ضيعة من عمل الباب يقال لها عين أرزة. وهذه المدرسة أنشأ صاحبها إلى جانبها تربة ليدفن بها من يموت من الملوك والأمراء ، وبناؤها محكم وبها خلاوي للفقهاء وبركة ماء ، وهي على ترتيب الشرفية. وقد استعصت مرة على التتار فأرادوا قلع عتبتها ، فحفر المقيمون بها سقاطة من أعلى بابها ورموا عليها بالأحجار فاندفعوا عنها ا ه.

١٧٤ ـ عبد الرحمن بن محمد بن سنينيرة الشاعر المتوفى سنة ٦٢٦

عبد الرحمن بن محمد بن عمر بن أبي القاسم جمال الدين الواسطي المعروف بابن السنينيرة الشاعر المشهور. ولد سنة سبع وأربعين وخمسمائة ، وتوفي سنة ست وعشرين وستماية. طاف البلاد وطلب حلب ومدح الملك الظاهر وجرى له قضية يجري ذكرها إن شاء الله

٣٣٤

تعالى في ترجمة ابن خروف (قدمنا ترجمته نقلا عن ابن شاكر ولم يذكر ثمة شيئا). وكان عسر الأخلاق صعب الممارسة كبير الدعاوي لا يعتقد في أحد من أقرانه من الشعراء مثل الأبله وابن المعلم وغيرهما شيئا ، ويقول أنا أسحب ذيلي عليهم فضلا ومزية.

ومدح الملك الظاهر بقصيدة يذكر فيها القناة التي أجراها بحلب وهي :

دون الصراة بدت لنا صور الدمى

لا أدم صيران الصريم ولا الحمى

غيد هززن من القدود ذوابلا

لدنا ورشن من النواظر أسهما

غنت وكم دون الحريم أحلّ من

دم عاشق عان وكان محرّما

فنهبن أنقاء الصريم روادفا

ونهبن إيماض البروق تبسّما

وأعرن أنفاس النسيم من الصبا

أرجا أبت أسراره أن تكتما

وعلى الصبابة كم فتى يوم النوى

جلد وعهد قد وهى وتصرما

وأهيم لو لا فرط صدك لم أهم

ظمأ ولا ألمى إلى رشف اللمى

لما وقفت بسفح سلمى منشدا

أمحلّتي سلمى بكاظمة اسلما

خلفتني بين التجنّي والقلى

لا ممعنا هربا ولا مستسلما

وتركتني بفنا الزمان معلّلا

نفسي بذكر عسى وسوف وربما

ولكم طرقتك زائرا فجعلت لي

دون الوسادة والمهاد المعصما

ومنحتني ظلما ولثما لم يكن

حوض العفاف بورده متهدّما

فاليوم طيفك لو ألمّ لبخله

للصب في سنة الكرى ما سلّما

يا سعد إن حلاوة العشق التي

قد كنت تعهدها استحالت علقما

سر بي فلي في السرب قلب سار في

إثر الفريق مقيّضا ومخيّما

قد فاز بالقدح المعلّى من أتى

نهر المعلّى زائرا ومسلّما

لو لم تكن تلك القباب منازلا

ما قابلت فيه البدور الأنجما

يا ساكني دار السلام عليكم

مني التحية معرقا أو مشئما

وعلى حمى حلب فإن مليكها

ما زال صبّا بالمكارم مغرما

قرم ترى في الدرع منه لدى الوغى

أسدا على الأعداء صلّا أرقما

ويضم منه الدست في يوم الوغى

بحرا طما كرما وطورا أيهما

روّى ثرى حلب فعادت روضة

أنفا وكانت قبله تشكي الظما

٣٣٥

أحيا رفات عفاتها فكأنه (١)

عيسى بإذن الله أحيا الأعظما

لا غرو إن أجرى القناة جداولا

فلطالما بقناته أجرى الدما

وبكفه للآملين أنامل

منها العباب أو السحاب إذا طما

١٧٥ ـ القاسم بن القاسم بن عمر الواسطي المتوفى سنة ٦٢٦

القاسم بن القاسم بن عمر بن منصور الواسطي أبو محمد. مولده بواسط العراق في سنة ٥٥٠ في ذي الحجة ، ومات بحلب في يوم الخميس رابع ربيع الأول سنة ٦٢٦. أديب نحوي لغوي فاضل أريب له تصانيف حسان ومعرفة بهذا الشأن ، قرأ النحو بواسط وبغداد على الشيخ مصدق بن شبيب ، واللغة على عميد الرؤساء هبة الله بن أيوب ، وقرأ القرآن على الشيخ أبي بكر الباقلاني بواسط وعلى الشيخ علي بن هياب الجماجمي بواسط أيضا ، وسمع كثيرا من كتب اللغة والنحو والحديث على جماعة يطول شرحهم عليّ ، منهم أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختيار الماندائي وأحمد بن الحسين بن المبارك بن نغوبا ، سمع عليه المقامات عن الحريري ، فانتقل من بغداد إلى حلب في سنة ٥٨٩ فأقام بها يقرىء العلم ويفيد أهلها نحوا ولغة وفنون علوم الأدب ، وصنف بها عدة تصانيف.

وهي على ما أملاه عليّ هو بباب داره من حاضر حلب في جمادي الآخرة سنة ٦١٣.

كتاب شرح اللمع لأبن جني. كتاب شرح التصريف الملوكي لابن جني أيضا. كتاب فعلت وأفعلت بمعنى على حروف المعجم. كتاب في اللغة لم يتم إلى هذه المدة. كتاب شرح المقامات على حروف المعجم ترتيب العزيزي. كتاب شرح المقامات آخر على ترتيب المقامات. كتاب شرح المقامات آخر على ترتيب آخر. كتاب خطب قليلة. كتاب رسالة فيما أخذ على ابن النابلسي الشاعر في قصيدة نظمها في الإمام الناصر لدين الله أبي العباس صلوات الله عليه أولها :

الحمدلله على نعمة المتظاهرة والصلاة على خير خلقه محمد وعترته الطاهرة وبعد ، فإنه لما أخرت الفضائل عن الرذائل ، وقدمت الأواخر على الأوائل ، ونبذ عهد القدماء ،

__________________

(١) أقول : هذا البيت في الدر المنتخب في باب الكلام على قناة حلب هكذا (أحيا موات ترابها) ... إلخ.

٣٣٦

وجهل قدر العلماء ، وصار عطاء الأموال باعتبار الأحوال لا باختيار الأقوال ، وظهر عظيم الإجلال بالأسماء لا بالأفعال ، علمت أن الأقدار هي التي تعطي وتمنع وتخفض وترفع ، فأخملت عند ذلك من ذكري وقدري ، وأخفيت من نظمي ونثري ، ولأمر ما جدع قصير أنفه ، ومن شعر فقه :

ومالي إلى العلياء ذنب علمته

ولا أنا عن كسب المحامد باعد

وقلت اصبر على كيد الزمان وكده ، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده.

فلو لم يعل إلا ذو محل

تعالى الجيش وانحط القتام

إلى أن بلغني ممن يعول عليه ويرجع في القول إليه عن بعض شعراء هذا الزمان ممن يشار إليه بالبنان أنه أنشد عنده بيت الوليد يشهد له بالفصاحة والتجويد ، وهو قوله :

إذا محاسني اللائي أدلّ بها

صارت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر

فقال مقال المفتري : كم قد خرينا على البحتري ، فصبرت قلبي على أذاته ، وأغضيت جفني على قذاته ، حتى ابتدرني بالبادرة ، التي يقصر عنها لسان الحادرة ، فلو كان النابلسي كابن هاني الأندلسي لزلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها ، فيالله العجب ، متى أشرفت الظلمة على الضياء أو علت الأرض على السماء ، وأين السها من القمر ، وكيف يضاهى الغمر بالغمر ، فإنا لله وأفوض أمري إلى الله ، أفي كل سحابة أراع برعد ، وفي كل واد بنو سعد.

وإني شقيّ باللئام ولا ترى

شقيّا بهم إلا كريم الشمائل

لقد تحككت العقرب بالأفعى ، واستنّت الفصال حتى القرعى (١).

وطاولت الأرض السماء سفاهة

وفاخرت الشهب الحصى والجنادل

وما ذلك التيه والصلف ، والتجاوز للحد والسرف ، إلا لأنه كلما جر جريرا اعتقد أنه قد جر جريرا ، وكلما ركب الكميت ظن أنه قد ارتكب الكميت ، وكلما أعظم

__________________

(١) استنّت : أي سمنت ، وهو مثل يضرب لمن تعدى طوره وادعى ما ليس له. وقد جاء هذا السطر على شكل بيت شعري في الأصل. وهو خطأ.

٣٣٧

من غير عظم ، وأكرم من غير كرم ، شمخ بأنفه وطال ، وتطاول إلى ما لن ينال ، وزعم أنه قد بلّد بليدا ، وعبّد عبيدا ، ولا والله ليس الأمر كما زعم ، ولا الشعر كما نظم ، ولكنها المكارم السلطانية ، الملكية الظاهرية ، التي نوهت بذكره فسترها ، ورفعت من قدره فكفرها ، بقول سأذكره إذا انتهيت إليه ، ولما طلب العبد كراعا ، فأعطي ذراعا ، خرج على من يعرفه ، وبهرج على من يكشفه ، فقلت لا مخبأ بعد بوس ، ولا عطر بعد عروس.

وما أنا بالغيران من دون جاره

إذا أنا لم أصبح غيورا على العلم

وقصدت قصيدا من شعره ، يزعم أنها من قلائد دره ، قد هذبها في مدة سنين ، ومدح فيها أمير المؤمنين ، وقال فيها : فانظر لنفسك أي در تنظم.

فكان لعمري ناظما غير أنه

كحاطب ليل فاته منه طائل

فواعجبا كم يدعي الفضل ناقص

ووا أسفاكم يظهر النقص فاضل

وتتبعت ما فيها من غلطاته ، وأظهرت ما خفي من سقطاته ، ولبست له جلد النمر ، واندفقت عليه كالسيل المنهمر ، بعد أن كتبها بخطه ، وزينها بإعرابه وضبطه.

وابن اللبون إذا ما لزّ في قرن

لم يستطع صولة البزل القنا عيس

فوجدته قد أخطأ منها في واحد وعشرين مكانا ، عدم فيها تمكنا من العلم وإمكانا ، فمنها ستة عشر موضعا توضحها الكتابة والنظر ، ومنها خمسة توضحها المجادلة والنظر ، فهذا من جيد مختاره ، وما يظهر على اختباره ، وإن وقع إليّ شيء من مزوّق شعره أو منوّق مستعاره ، لأعصبنّه فيه عصب السلمة ، ولأعذبنه تعذيب الظلمة.

فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن

بدأنا ولكنا أسأنا التقاضيا

ولو أنه اقتصر على قصوره ، وأنفق من ميسوره ، وستر عواره ، ولم يبد شواره ، لطويته على غرّه ، ولم أنبه على عاره وعرّه ، فإن من سلك الجدد أمن العثار ، وسلم من سالم النقع المثار. ولكن كان كالباحث عن حتفه بظلفه فلحق بالأخسرين أعمالا (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(١) وخطؤه في هذه القصيدة ينقسم قسمين : قسم فاته فيه أدب الدرس فيقسم أيضا قسمين : قسم لفظي وقسم

__________________

(١) الكهف : ١٠٤.

٣٣٨

معنوي ، فأما القسم اللفظي فإنه ينقسم أيضا إلى قسمين : قسم لغوي وقسم صناعي ، فأما القسم اللغوي فإنه كذا وكذا ... لم يحتمل هذا المختصر ذكره.

وأنشدني لنفسه من قصيدة :

ديباج وجهك بالعذار مطرّز

برزت محاسنه وأنت مبرّز

وبدت على غصن الصّبا لك روضة

والغصن ينبت في الرياض ويغرز

وجنت على وجنات خدّك حمرة

خجل الشقيق بها وحار القرمز

لو كنت مدّعيا نبوة يوسف

لقضى القياس بأن حسنك معجز

وأنشدني لنفسه من قصيدة :

زهر الحسن فوق زهر الرياض

منه للغصن حمرة في بياض

قد حمى ورده ونرجسه الغضّ سيوف من الجفون مواضي

فإذا ما اجتنيت باللحظ فاحذر

ما جنت صحة العيون المراض

فلها في القلوب فتكة باغ

رويت عنه فتكة البرّاض

وإذا فوّقت سهاما من الهدب

رمين السهام بالأغراض

واغتنم بهجة الزمان وقابل

شمس أيامه الطوال العراض

بشموس الكؤوس تحت نجوم

في طلوع من أفقها وانقضاض

واجل من جوهر الدنان عروسا

نطقت عن جواهر الأعراض

كلما أبرزت أرتك لها وجه انبساط يعطيك وجه انقباض (١)

فعلى الأفق للغمام ملاء

طرّزتها البروق بالإيماض

وكأن الرعود إرزام نوق

فصلت دونها بنات المخاض

أو صهيل الجياد للملك الظاهر تسري بالجحفل النهّاض

وأنشدني لنفسه يهجو ابن النابلسي المذكور :

لا تعجبنّ لمدلويه إذا بدا شبه المريض

قد ذاب من بخر بفيه بذا من الخلق البغيض

__________________

(١) في الأصل : ... أرتك لها وجها ذا انبساط ... وهو تحريف.

٣٣٩

وتكسرت أسنانه بالعضّ في جعس القريض

وتقطعت أنفاسه

عرضا بتقطيع العروض

وأنشدني لنفسه يهجو ابن النابلسي المذكور :

يا من تأمل مدلوي

ه وشكّ فيما يسقمه

انظر إلى بخر بفيه

وما أظنك تفهمه

لا تحسبنّ بأنه

نفس يغيّره فمه

لكنما أنفاسه

نتنت بشعر ينظمه

وأنشدنا لنفسه في ذي الحجة سنة ٦٢٠ بحلب :

أرى بغضي على الجهلاء داء

يموت ببعضه القلب العليل

فهم موتى النفوس بغير دفن

وأحياء عزيزهم ذليل

يغطّون السماء بكل كفّ

لها في الطول تقصير طويل

ويبدون الطلاقة من وجوه

كما يبدو لك الحجر الصقيل

إذا قاموا لمجد أقعدتهم

مسالك ما لهم فيها سبيل

وإن طلبوا الصعود فمستحيل

وإن لزموا النزول فما يزول

كذاك السجل في الدولاب يعلو

صعودا والصعود له نزول

وأنشدنا لنفسه بالتاريخ :

لنا صديق به انقباض

ونحن بالبسط نستلذّ

لا يعرف الفتح في يديه

إلا إذا ما أتاه أخذ

فكفّه «كيف» حين يعطى

شيئا وبعد العطاء «منذ» (١)

وأنشدني لنفسه أيضا :

لا ترد من خيار دهرك خيرا

فبعيد من السراب الشراب

رونق كالحباب يعلو على الكا

س ولكن تحت الحباب الحباب

عذبت في النفاق ألسنة الق

وم وفي الألسن العذاب العذاب

__________________

(١) يشير إلى ما ترسم كاف كيف من فتح وميم منذ من ضم.

٣٤٠