إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٤

وأربعمائة رحمه‌الله ا ه (ابن خلكان). أقول : تقدم آنفا في ترجمة عبد الله بن سنان الخفاجي المتوفى سنة ٤٦٦ أن هذا الكتاب كتبه الكاتب أبو نصر المذكور عن لسان محمود ابن نصر صاحب حلب إلى عبد الله بن سنان الخفاجي صاحب قلعة عزاز ، وتقدم أن هذا الجواب كان من ابن سنان المذكور ، ونقلنا ذلك عن فوات الوفيات لابن شاكر. وابن خلكان ذكر هنا أن المرسل إليه الكتاب هو علي بن مقلد بن منقذ صاحب قلعة شيزر والجواب له ، فالله أعلم أيهما أصح ، غير أن ابن خلكان متثبت أكثر.

٧٥ ـ المبارك بن شرارة الطبيب المتوفى سنة ٤٩٠

المبارك بن شرارة أبو الخير الطبيب الكاتب الحلبي ، هذا رجل كاتب طبيب من أهل حلب نصراني يعرف من الطب أوائله ، ولم يكن له يد في علم المنطق ، وكان ارتزاقه بطريق الكتابة ، وله جرائد مشهورة بحلب عند أهلها يحفظونها لأجل الخراج المستقر على الضياع ، وكان قوي الصنعة في علم الكتابة ، وتعرف جرائده بالجرائد الحكميات ، وإذا اختلف النواب في شيء من هذا النوع رجعوا إليها.

وكان أبو الخير هذا قد اجتمع بابن بطلان الطبيب عند وروده إلى حلب وجرت بينهما مذاكرات أدت إلى المناقرة ، وقد مر ذكرها في ترجمة ابن بطلان.

ولم يزل ابن شرارة هذا مقيما بحلب يتقلب في صناعته إلى أن دخلت دولة الترك ووليها رضوان بن تتش ، وحضر يوما عنده وهو يشرب ، فحمله السكر على أن قال له : أسلم ، فامتنع فضربه بسيف كان في يده أثّر في جسمه بعض أثر ، ونزل من بين يديه ولم يعد إلى داره ، ومر على وجهه إلى أنطاكية وخرج عنها إلى مدينة صور ، وأقام هناك إقامة الغريب المسكين ، وأدركته وفاته بصور ، فنودي عليه نداء الغريب ، ودفن بها في حدود سنة تسعين وأربعمائة.

ولأبي الخير هذا كتاب في التاريخ ذكر فيه حوادث ما قرب من أيامه يشتمل على قطعة حسنة من أخبار حلب في أوانه ، ولم أجد منه سوى مختصر جاءني في مصر اختصره بعض المتأخرين اختصارا لم يأت فيه بطائل ا ه. (أخبار العلماء بأخبار الحكماء للوزير القفطي).

٢٠١

٧٦ ـ ظافر بن جابر السكّري الطبيب المتوفى في عقد التسعين وأربعمائة

ظافر بن جابر السكري هو أبو حكيم ظافر بن جابر بن منصور السكري ، كان مسلما فاضلا في الصناعة الطبية ، متقنا للعلوم الحكمية ، متحليا بالفضائل وعلم الأدب ، محبا للاشتغال والتضلع بالعلوم. وكان قد لقي أبا الفرج بن الطيّب ببغداد واجتمع به واشتغل معه ، وكان ظافر بن جابر قد عمر مثل أبيه ، وكان موجودا في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. وهو موصلي ، وإنما انتقل من الموصل إلى مدينة حلب وأقام بها إلى آخر عمره ، ومن خلفه جماعة مشتغلون بصناعة الطب ومقامهم بحلب. ومن شعره :

ما زلت أعلم أولا في أول

حتى علمت بأنني لا علم لي

ومن العجائب أن كوني جاهلا

من حيث كوني أنني لم أجهل

ولظافر بن جابر من الكتب مقالة في أن الحيوان يموت مع أن الغذاء يخلف عوض ما يتحلل منه ا ه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة).

٧٧ ـ موهوب بن ظافر السكري الطبيب المتوفى أواخر الخامس

موهوب أبو الفضل بن ظافر بن جابر السكري أحد الأطباء المشهورين في حلب ، له اختصار كتاب المسائل لحنين. توفي في حلب أواخر القرن الخامس ، ووالده ظافر تقدمت ترجمته. (ا ه من قاموس الأعلام).

ولموهوب ولد اسمه جابر ، قال في عيون الأنباء في طبقات الأطباء : هو جابر بن موهوب بن ظافر بن جابر بن منصور السكري ، كان أيضا مشهورا في صناعة الطب خبيرا بها ، وأقام بحلب ا ه. ولم يذكر تاريخ وفاته ، ويظهر أنه توفي أواخر القرن الخامس.

٧٨ ـ الحسن بن شيبان المتوفى سنة ٤٩٣

الحسن بن شيبان بن الحسن الحلبي أبو محمد. قال ابن النجار : أحد الفقهاء الحنفية ، وأبوه شيبان بن الحسن يأتي إن شاء الله تعالى ، شهد عند قاضي القضاة أبي الحسن علي ابن محمد الدامغاني في الخامس والعشرين من شعبان سنة تسع وثمانين وأربعمائة ، فقبل

٢٠٢

شهادته ، وسمع الحديث من أبي الغنايم محمد بن علي بن أبي عثمان وغيره. مات شابا لم يرو شيئا. ذكر أبو الحسن الهمداني أنه توفي في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة ولم يبلغ الثلاثين ، وكان من أحسن الناس وجها ا ه.

٧٩ ـ شيبان بن الحسن بن شيبان الحنفي المتوفى سنة ٤٩٤

شيبان بن الحسن بن شيبان أبو القاسم الحلبي. قال الهمداني : قرأ الفقه على قاضي القضاة أبي عبد الله ، وقرأ القرآن بقراءات ، وقرأ النحو على أبي القاسم بن برهان ، والكلام على أبي علي بن الوليد ، وصار أحد الشهود وأحد الباعة ، ووصف بالفقه والأمانة والتحري والمزوءة. وكان له ولد يكنى بأبي محمد مليح الصورة ، فرباه أحسن تربية وقبلت شهادته وهو حديث السن ورد إليه أمور تجارته ، ففرط الابن تفريطا زائدا ، ووصل وأعطى وأنفق مال أبيه وتعدى إلى ودائع كانت عنده ، وبلغ الأب فعله فهجره ، وكان يقول : قتلني وقتل نفسه. ومات الابن في الحريق الواقع في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة وبلغ من العمر سبعا وعشرين سنة ، وقضى أبوه عظيم ما أتلفه على الناس. وكان يقال لوالده : لو ترجمت عليه ، فكان يقول : وما ينفعه ترحمي عليه وفي رقبته المظالم التي تقع لأجلها المضايقة ويجري بسببها المناقشة.

مات في شعبان سنة أربع وتسعين وأربعمائة وبلغ سبعا وسبعين سنة. وكان محسنا في الشهادة محتاطا فيها ولا يشهد على امرأة ، وعمر مسجدا. قلت : هذا الابن هو الحسن وقد تقدم ا ه (ط ح ق).

٨٠ ـ المطهّر بن المفضّل التنوخي المعري المتوفى سنة ٤٩٥

المطهر بن المفضل بن عبد الله أبو الحسن التنوخي المعري ، كان يزعم أنه ابن عم أبي العلاء المعري. قدم بغداد وقرأ بها على أبي الحسن علي بن فضال المجاشعي وجالس أبا سعد ابن الموصلايا وابن الشبل وعاد ، ثم قدمها ثانيا في سنة خمس وتسعين وأربعمائة وروى بها شيئا من شعره ، وتوفي بها. وكتب عنه السلفي :

ويك يا نفسي ذري الدنيا التي

قرن الحرص بها والشره

٢٠٣

واطلبي النسك فما أربحه

واتركي الغيّ فما أخسره

أي عذر في التصابي لامرىء

فاته من عمره أكثره

يسمع الوعظ فلا يقبله

قتل الإنسان ما أكفره

(ا ه عيون التواريخ لابن شاكر).

٨١ ـ الحسن بن إبراهيم التنوخي المتوفى سنة ٥٠٠

الحسن بن إبراهيم بن الحسن أبو محمد التنوخي الحلبي الشاعر ، دخل بغداد وأقام بها إلى أن توفي سنة خمسمائة أو التي بعدها. ومن شعره :

يا من كساني سقاما

وجسمه منه عار

رضيت لو كنت ترضى

فيه بذلّي وعاري

ومن شعره :

إذا طيف بالثور السمين وفوقه

ثياب وأجراص وقطن مزعفر

فلا شك أن الثور من بعد ساعة

سيسلب ما قد خوّلوه وينحر

هذا من قول الآخر :

خلعوا عليه وزينوه وأهّلوه لكل رفعه

وكذاك يفعل في الجمال لنحرها في كل جمعه

(ا ه عيون التواريخ لابن شاكر من حوادث سنة ٥٠٠)

* * *

٢٠٤

(أعيان القرن السادس)

٨٢ ـ محمد بن يوسف الكفر طابي المتوفى سنة ٥٠٣

أبو عبد الله الشيخ محمد بن يوسف الكفر طابي المعروف بابن المنيرة ، كانت له اليد الطولى في سائر العلوم ، وانقطع في جامع حلب أربعين سنة يصلي بالناس احتسابا ويقرىء العلوم والقرآن. وله شعر كثير لا يحفل به ولا يثبته ولا يحفظه اطراحا واشتغالا عنه بسواه ، فمن شعره :

حضرت فكنت في بصري مقيما

وغبت فكنت في ضمن الفؤاد

وما شطّت بنا دار ولكن

نقلت من السواد إلى السواد

ومن شعره :

وبدر تمام يشبه الماء جسمه

ولكن له قلب أفض من الصخر

رمى فأصاب القلب وهو محلّه

وأحرق صدري بالأسى وهو في صدري

فيا من رمى أنت المصاب بسهمه

ويا محرقي أنت احترقت وما تدري

ومن شعره من مرثية :

لو أنصفوك لكان قبرك كائنا

فوق السماك وفوق ذلك يحفر

فالسحب دون علو قدرك رفعة

والغيث عن جدوى يديك يقصّر

اليوم جاز من التراب تيمم

طيبا وقصّر عن ذكاه العنبر

ا ه (عيون التواريخ في حوادث سنة ثلاث وخمسمائة).

٨٣ ـ عبد الرزاق بن أبي حصين المعري المتوفى سنة ٥٠٥

عبد الرزاق بن عبد الله القاضي أبو غانم بن أبي حصين المعري الشاعر ، وهو من بيت

٢٠٥

يعرفون ببني أبي حصين ، وإخوته عبد الغالب وعبد الباقي وعبد الله ، كل هؤلاء شعراء ، فمن شعر عبد الرزاق هذا يصف الفقاع :

ومحبوس بلا جرم جناه

له حبس بباب من رصاص

يضيّق بابه خوفا عليه

ويوثق بعد ذلك بالرصاص

إذا أطلقته خرج ارتقاصا

وقبل فاك من فرح الخلاص

ا ه. ولم أقف على ترجمة إخوته ، لكن قال ياقوت في معجمه في الكلام على سياث :

إنها كانت بليدة بظاهر معرة النعمان وهي القديمة ، والمعرة اليوم محدثة ، كذا ذكره ابن المهذب في تاريخه. اجتاز بها القاضي أبو يعلى عبد الباقي بن أبي حصين المعري والناس ينقضون بنيانها ليعمروا به موضعا آخر ، فقال :

مررت برسم في سياث فراعني

به زجل الأحجار تحت المعاول

تناولها عبل الذراع كأنما

رمى الدهر فيما بينهم حرب وائل

أتتلفها شلّت يمينك خلّها

لمعتبر أو زائر أو مسائل

منازل قوم حدثتنا حديثهم

ولم أر أحلى من حديث المنازل

(ا ه عيون التواريخ في حوادث سنة خمس وخمسمائة).

٨٤ ـ الحسين بن عقيل بن سنان الخفاجي المتوفى سنة ٥٠٧

الحسين بن عقيل بن سنان الخفاجي الحلبي المعدل الأصولي الشيعي. له كتاب «المنجي من الضلال في الحرام والحلال» ، فقه ، بلغ عشرين مجلدة ذكر فيه خلاف الفقهاء ، يدل على تبحره ا ه (ذهبي من وفيات سنة سبع وخمسمائة).

٨٥ ـ شمس الخواص لؤلؤ الخادم المقتول سنة ٥١١

قدمنا في الجزء الأول في حوادث سنة ٥١١ خبر قتله. قال في كنوز الذهب في الكلام على خانكاه البلّاط : كان شمس الخواص لؤلؤ الخادم يتولى حلب نيابة ، فسمت نفسه إلى التغلب عليها ، فقتل ، وكان مملوكا لتاج الرؤساء ، ثم صار إلى الملك رضوان ، وولي تدبير حلب مع ابنه آلب أرسلان الأخرس ، وخاف منه فقتله مع جماعة من أمرائه ، وأجلس

٢٠٦

أخاه صبيا صغيرا يقال له سلطان شاه ، وتولى أمر حلب ، وباع أملاكا كثيرة من بلد حلب ، تولى بيعها الحاكم بحلب ومولى لؤلؤ قبض ثمنها وحكم فيها منفردا بالأمر ، إلى أن قتل وهو متوجه إلى قلعة جعبر ، قتله جماعة من مماليك رضوان بأمر مولاهم. وفي عنوان السير : وآلب أرسلان محمد استولى على حلب وله من العمر سبع عشرة سنة ، وقتل خلقا من أصحاب أبيه ، فاغتاله خادم كان خصيصا به اسمه لؤلؤ في رجب سنة ثمان وخمسمائة. وكان ملكه بحلب سنة واحدة ، واستولى هذا الخادم على حلب والمال ومزقه ، وظهرت منه شهامة ، وخرج من حلب للصيد ، فرماه تركي بسهم فقتله في محرم سنة إحدى عشرة وخمسمائة. وقال بعضهم : لما عمل لؤلؤ عمل آلب أرسلان وقتله أخذ الأموال من القلعة وسار هاربا يطلب بلاد الشرق ، فلما وصل إلى دير حافر قال سنقر : تتركونه يقتل تاج الدولة ويأخذ الأموال ويمضي ، فصاح بالتركية يعني الأرنب الأرنب ، فضربوه بالسهام فقتلوه ، ولما هرب لؤلؤ أقامت القلعة في يد آمنة خاتون بنت رضوان يومين ، فلما قتل ملكوا سلطان شاه بن رضوان. انتهى.

آثاره في حلب

خانكاه البلاط وهي أول خانكاه بنيت في حلب

قال أبو ذر في كنوز الذهب في باب ذكر الخوانك والزوايا والتكايا على اختلاف طرائقهم : ونبتدىء بتعريف الخانكاه ، وهي بالكاف ، وهي بالعجمية ومعناها ديار الصوفية ، ولم يتعرض الفقهاء للفرق بينهما وبين الزاوية والرباط ، وهو المكان المسبل للأفعال الصالحة والعبادة.

وأعلم أنه يجوز للفقهاء الإقامة في الربط وتناول معلومها ، ولا يجوز للمتصوف القعود في المدارس وأخذ جرايتها ، لأن المعنى الذي يطلق على المتصوف موجود في الفقيه ولا عكس. ونشرع الآن بذكر أول خانكاه بنيت بحلب فنقول :

(خانكاه البلّاط) سوق البلّاط هو سوق الصابون الآن ، ولها بابان أحدهما من السوق المذكور والآخر من شارع شرقيها أنشاها شمس الخواص لؤلؤ الخادم عتيق رضوان ، وذلك

٢٠٧

في سنة تسع وخمسمائة ، واسمه مكتوب في عتبة بابها الشرقي ، ووقف هذه على الفقراء المتجردين دون المتأهلين بحلب. كذا رأيته في مسودة تاريخ الصاحب (ابن العديم) بخطه.

وهذه الخانكاه كانت مركزا للفقراء ومجمعا لأهل الطريق ، فممن كان بها شيخ الطريقة بقية السلف الصالحين نجم الدين أبو محمد عبد اللطيف شيخ الشيوخ بحلب ، وقد لبس والدي منه خرقة التصوف المنسوبة إلى جدهم الشيخ العارف أبي الخير الميهني الصوفي في سنة ست وسبعين وسبعمائة بباب منزله بالقرب من الخانكاه المذكورة. وقد توفي الشيخ عبد اللطيف المذكور سنة سبع وثمانين وسبعمائة (ستأتي ترجمته).

وأعلم أن هذه الخانكاه لم تزل بأيدي هذا البيت لما مات عبد اللطيف شيخ والدي أخذها ولده سراج الدين عمر ، وبعده أخذها ولده أبو الخير ، وكانوا يقيمون بها الذكر والأوراد ، ولها صوفية مرتبون تجري عليهم المعاليم من وقفها وبيدهم إشهاد عليه خط الشيخ علي الهروي المتقدم ذكره يشهد لهم بذلك.

ثم سد باب الخانكاه الذي من السوق وجعل صغيرا وهو باق إلى الآن على تلك الهيئة ، وهجرت وردم التراب خلف بابها الشرقي ، وردمت بركتها وانقطع الماء عنها ، وسكنها من جعلها بيتا من جملة البيوت. ثم لما قدم الشيخ الصالح الزاهد العامل علاء الدين بن يوسف الجبرتي حلب وستأتي ترجمته وما اتفق له في الحوادث وعمر الصاحبية والحدادية صار يتردد من الحدادية إلى هذه الخانكاه ، وأقام لها مؤذنا وإماما ، وأخرج التراب من بركتها وأجرى إليها الماء من رأس القناة ، فإن قناتها القديمة أخذت تبرع بمصروفها الأمير تغري بردي بن يونس نائب السلطنة بقلعة حلب إذ ذاك ، وأصرف عليها جملة كبيرة ، وعزل مرتفقها ، وزاد فيه بيوتا ، وهم أن يجري إليه فائض الماء من البركة ، وفتح بابها الشرقي وفتح لها في صدر إيوانها اشباكا إلى الشارع لئلا يتطرق لإبطال هذه الخانكاه كما كانت ، وفتح شباكا آخر تجاه بابها الغربي في جانب رواقها بحيث إن من كان في السوق يعلم أن هناك مسجدا ، ومن مر في الشارع يعلم ذلك. وأخبرني من أثق به أن الجمل بحمله كان يدخل من باب هذه الخانكاه الذي في السوق ، فلما اختصر كان لا يعلم أن هناك خانكاه إلا من يدخلها ، وهذا كان سبب فتح الشباكين المذكورين ا ه.

أقول : أدركنا هذه الخانكاه وهي على الصفة التي ذكرها الشيخ أبو ذر رحمه‌الله ، إلا أن المكان الغربي منها من صحنها إلى بابها الغربي الذي يلي السوق اتخذته الحكومة مخفرا ،

٢٠٨

وكان يقعد به بعض الجند للمحافظة ، ولعلها فعلت ذلك من نحو سبعين أو ثمانين عاما. وكان ما بين الصحن إلى الباب رواقان كبيران في وسطهما قبو كبير ويعلوهما على الطرفين حجر كثيرة ، إلا أنه لقدمه وعدم العناية به كان سائرا في طريق الخراب ، فمنذ اثنتي عشرة سنة استاجر التاجر محمد زين الدين هذا المكان أعني من الصحن إلى الباب مدة تسع سنوات من دائرة الأوقاف على أن يعمره مخزنا كبيرا مرتفع السقف على صفة مخصوصة ، وقد قام بذلك ولا زال هو المستأجر له. وظهر عند تخريب الحجر العلوية في بعضها قبر فيه جمجمة لعل المدفون به هو الواقف. وبقي من هذه الخانكاه جهتها الشرقية وهي مشتملة على صحن في وسطه حوض مؤلف من ثمانية أحجار ضخمة شمالية قاعة واسعة فيها قبة مرتفعة مبنية من الحجر ، وقبلي الصحن قبلية حسنة البناء من الحجر الأصفر الذي كان يجلب من بعادين ، وبعضه من الحجر الأسود الذي كان يجلب من الأحص ، طولها ١٥ ذراعا وعرضها ١٧ ذراعا ، في وسطها قبة عظيمة الارتفاع من الحجر أيضا ، وفي محرابها عمودان من الرخام الأبيض يعلوهما تاجان من المرمر منقوشان نقشا بديعا ، وشرقي القبلية قبة واسعة فيها ثلاثة قبور لا كتابة عليها ، يغلب على الظن أن المتوسط منها هو قبر أصلان دده المجذوب من رجال القرن الحادي عشر ستأتيك ترجمته هناك ، وقد عرف هذا المكان الآن باسم هذا الرجل لطول إقامته به ودفنه فيه.

وحينما عمر المخزن المتقدم نقل باب الخانقاه القديم إلى شمالي باب المخزن وبني وراءه دهليز طويل ليتوصل بذلك إلى الصحن والقبلية من جهة السوق ، وقد سعى منذ ثلاث سنين مجاور وهذا المكان من أهل السوق فجمعوا من بعضهم ومن أهل المعروف ما رمموا به بعض المكان ، وعملوا هناك مواسير للماء ، وكذلك اهتم به مدير الأوقاف الحالي السيد يحيى الكيالي فرمم قسما كبيرا منه داخلا وخارجا ، وذلك منذ عامين ، وعسى أن يوجه عنايته لإكمال ترميمه ليعود إلى هذا الأثر القديم بهجته الأولى والله الموفق.

٨٦ ـ أحمد بن هبة الله بن العديم المتوفى سنة ٥١٤

أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هرون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عامر بن أبي جرادة بن ربيعة بن خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل أبو

٢٠٩

الحسن عم جد الرئيس أبي حفص عمر بن العديم. مولده سنة أربع وخمسين وأربعمائة. حدث عن أبيه. مات سنة أربع عشرة وخمسمائة ا ه (ط ح ق).

٨٧ ـ سعيد بن لولو أبو الغنايم المتوفى سنة ٥١٧

سعيد بن علي بن لولو أبو الغنايم الحلبي. كان أديبا يقول الشعر ، وله معرفة بالفلسفة ، وعمر طويلا. مولده سنة أربع وعشرين وأربعمائة وتوفي في هذه السنة.

ومن شعره :

نفت التسعون عني شرتي

وأعاضتني من خير بشر

أضعفت آلات جسمي كلها

عند ذوق وسماع ونظر

وإذا ما رمت سعيا خانني

عظم ساق ورباط ووتر

ترعش الأقدام مني فأنا

من صعودي وحدوري في خطر

وإذا استنجدت عزمي قال لي

عندما أدعوه كلا لا وزر

(ا ه عيون التواريخ في حوادث سنة سبع عشرة وخمسمائة)

٨٨ ـ علي بن إبراهيم الناتلي المتوفى سنة ٥١٩

علي بن إبراهيم بن عمر أبو الحسن الناتلي الحلبي التاجر. سمع بنيسابور من موسى بن عمران ومحمد بن إسماعيل التفليسي وأبي بكر بن خلف ، وكان يفهم ويعرف. سمع منه ابن ناصر ، وحدث عنه أبو محمد بن الخشاب ويحيى بن بوش (لعله يونس). وكان مولده بحلب. وعاش سبعين سنة ا ه (ذهبي من وفيات سنة تسع عشرة وخمسمائة).

٨٩ ـ عبد المنعم ابن العبية المتوفى أوائل السادس

عبد المنعم بن الحسن أبو الفضل المعروف بابن العبية الحلبي. حدثنا أبو عبد الله محمد ابن المحسن بن أحمد ابن الملجي من لفظه وكتبه بخطه في تسمية من اجتمع به بدمشق من أهل الأدب قال : عبد المنعم ابن العبية رجل من أهل حلب محب للأدب ، نصيبه منه وافر

٢١٠

وهو بما يحاوله منه ظاهر ، سريع الخاطر في النظم والنثر ، مائل إلى الشجاعة ومعاناتها ، حتى إنه يرمي عن المنجنيق ويضاهي فيه كل عريق ، وله في الموسيقى يد جيدة طويلة ، ويلحن شعره ويتغنى به لنفسه. وهو القائل في صبي اسمه حسن :

أيا حسنا وجهه كاسمه

ويا طلعة البدر في تمه

ويا ظالما أنا عبد له

ولا أتشكّاه من ظلمه

فلا يعجل الناس في حربه

فإن السلامة في سلمه

قال : وسمعته أيضا يتغنى بقوله :

قبلت إثر مطاياهم لتشفيني

يوم الرحيل وهل يشفي الجوى العفر

ثم انثنيت من الأشجان منطويا

على مآثر في قلبي لها أثر

ا ه (ابن عساكر) ولم يذكر تاريخ وفاته ، ويظهر أنها أوائل السادس.

٩٠ ـ حمدان بن عبد الرحيم الأثاربي الشاعر المتوفى في نواحي سنة ٥٢٠

قال ياقوت في معجم البلدان في الكلام في الأثارب : حمدان بن عبد الرحيم الأثاربي طبيب متأدب ، وله شعر وأدب ، وصنف تاريخا ، كان في أيام طغتكين (١) صاحب دمشق بعد الخمسمائة.

وقال في الكلام على الجزر ودير حشيان : والجزر أيضا كورة من كور حلب ، قال فيها حمدان بن عبد الرحيم من أهل هذه الناحية ، وهو شاعر عصره بعد الخمسمائة بزمان :

يا لهف نفسي مما أكابده

إن لاح برق من دير حشيان

وإن بدت نفحة من الجانب الغر

بيّ فاضت غروب أجفاني

وما سمعت الحمام في فنن

إلا وخلت الحمام فاجاني

ما اعتضت مذ غبت عنكم بدلا

حاشا وكلا ما الغدر من شاني

كيف سلويّ أرضا نعمت بها

أم كيف أنسى أهلي وجيراني

لا جلّق رقن لي معالمها

ولا اطّبتني أنهار بطنان

__________________

(١) كانت وفاة طغتكين سنة ٥٢٢ كما في أبي الفدا.

٢١١

ولا ازدهتني في منبج فرص

راقت لغيري من آل حمدان

لكن زماني بالجزر أذكرني

طيب زماني به فأبكاني

يا حبذا الجزر كم نعمت به

بين جنان ذوات أفنان

واورد له في الكلام على دير عمان هذين البيتين وهما من هذه القصيدة :

دير عمان ودير سابان

هجن غرامي وزدن أشجاني

إذا تذكرت منهما زمنا

قضيته في عرام ريعاني

وأورد له في الكلام على عرشين القصور ودير مرقس وقال ثمة : إنهما من نواحي الجزر من نواحي حلب :

أسكان عرشين القصور عليكم

سلامي ما هبت صبا وقبول

ألا هل إلى حثّ المطايا إليكم

وشمّ خزامى حربنوش سبيل

وهل غفلات الدهر في دير مرقس

تعود وظلّ اللهو فيه ظليل

إذا ذكرت لذاتها النفس عندكم

تلاقى عليها زفرة وعويل (١)

بلاد بها أمسى الهوى غير أنني

أميل مع الأقدار حيث تميل

وأورد له ياقوت في الكلام على معرة مصرين وابن شداد في تاريخه هذه الأبيات :

جادت معرة مصرين من الديم

مثل الذي جاد من دمعي لبينهم

وسالمتها الليالي في تغيّرها

وصافحتها يد الآلاء والنعم

ولا تناوحت الأعصار عاصفة

بعرضتيها كما هبّت على إرم

حاكت يد القطر في أفنانها حللا

من كل نور شنيب الثغر مبتسم

إذا الصبا حركت أنوارها اعتنقت

وقبلت بعضها بعضا فما لفم

فطال ما نشّرت كفّ الربيع بها

بهار كسرى مليك العرب والعجم

كم وقفة لي بباب السوق أذكرها

مع أسرة ماتت الدنيا لموتهم

وكم على تل باب الحصن من أرب

أدركته عند حل من بني حشم

وكم على الجانب الشرقي لي خلس

في فتية يدرؤون الهمّ بالهمم

__________________

(١) في الأصل : وطويل.

٢١٢

مهلهليون لا يألون في كرم

جهدا ويرعون حقّ الجار والذمم

عاقرتهم وجلابيب الصبا قشب

وعارضي غير محتاج إلى الكتم

يا ليت شعري وليت أصبحت غصصا

هل يجمع الله شملي بعد بينهم

وما كفى الدهر مني أن نأى بكم

عني وغادرني لحما على وضم

حتى أراني حصار الكفر ثانية

بناظر غرق تحت الدموع عم

صبرا لعلّي أرى للدهر عاطفة

تدبّ فينا دبيب البرء في السقم

فالله يعقب أهل الصبر إن صبروا

وصابروا بنعيم غير منصرم

٩١ ـ يحيى بن علي التنوخي المتوفى أوائل السادس المعروف بابن زريق

يحيى بن علي بن محمد بن عبد اللطيف بن سعيد بن يحيى بن عبد اللطيف بن يحيى ابن عتلة بن صالح بن نعيم بن عدي بن عمرو بن عدي بن الساطع أبو الحسن التنوخي المعري المعروف بابن زريق ، أخو أبي اليمن ، كان شيخا له عناية بالأخبار ويحفظ منها طرفا صالحا. وجمع تاريخا على ترتيب السنين ذكر فيه مبدأ دولة الترك وخروج الفرنج واستيلاءهم على بلاد الشام.

وسمعته يذكر أنه دخل على أبي العلاء بن سليمان وهو صغير وسمع منه بيتين من شعره ، وأنه يروي الأربعين حديثا التي كان يرويها محمد بن همام عن أبي هدية عن أنس بن أبي صالح محمد بن المهذب ، ووعدني بإخراجها فلم يتفق. وذكر أن مولده في ثامن عشر شوال سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة بمعرة النعمان.

كتب عنه شيخنا أبو الفرج غيث بن علي ، وسمع منه أبو محمد بن صابر. قرأت بخط أبي الفرج غيث بن علي فيما علقه عن أبي الحسن التنوخي أبياتا لأبي محمد عبد الله بن سعيد ابن سنان الخفاجي الحلبي رحمه‌الله :

بقيت وقد شطّت بكم غربة النوى

وما كنت أخشى أنني بعدكم أبقى

وعلمتموني كيف أصبر عنكم

وأطلب من رقّ الغرام بكم عتقا

فما قلت يوما للبكاء عليكم

رويدا ولا للشوق نحوكم رفقا

٢١٣

وما الحب إلا أن أعدّ قبيحكم

إليّ جميلا والقلى منكم عشقا

ا ه (ابن عساكر) ولم يذكر تاريخ وفاته ، ويظهر أنه في أوائل السادس.

٩٢ ـ القاضي محمد بن عبد الله المعري المتوفى سنة ٥٢٣

القاضي أبو المجد محمد بن عبد الله ابن أخي أبي العلاء المعري. ذكره العماد في الخريدة فقال : ذكر لي ابنه القاضي أبو اليسر الكاتب أنه كان فاضلا أديبا فقيها على مذهب الشافعي ، أريبا مفتيا خطيبا ، أدرك عم أبيه أبا العلاء وروى عنه مصنفاته وأشعاره ، وولي القضاء بالمعرة إلى أن دخلها الفرنج في سنة ٤٩٢ ، فانتقل إلى شيزر وأقام بها مدة ، ثم انتقل إلى حماة فأقام بها إلى أن مات في محرم سنة ٥٢٣. ومولده سنة ٤٤٠. وله ديوان ورسائل ، ومن شعره :

رأيتك في نومي كأنك معرض

ملالا فداويت الملالة بالترك

وأصبحت أبغي شاهدا فعدمته

فعدت فغلّبت اليقين على الشكّ

وعهدي بصحف الودّ تنشر بيننا

فإن طويت فاجعل ختامك بالمسك

لئن كانت الأيام أبلى جديدها

جديدي وردّت من رحيب إلى ضنك

فما أنا إلا السيف أخلق جفنه

وليس بمأمون الغرار على الفتك

قال : وأنشدني بعض أهل المعرة :

جسّ الطبيب يدي جهلا فقلت له

إليك عني فإن اليوم بحراني

فقال لي ما الذي تشكو فقلت له

إني هويت بجهلي بعض جيراني

فقام يعجب من قولي وقال لهم

إنسان سوء فداووه بإنسان

قال : وأنشدني مؤيد الدولة أسامة بن منقذ قال : أنشدني القاضي أبو المجد المعري لنفسه :

وقائلة رأت شيبا علاني

عهدتك في قميص صبا بديع

فقلت فهل ترين سوى هشيم

إذا جاوزت أيام الربيع

قال الأمير أسامة : ولما فارق أهله بالمعرة وبقي متفردا وكان له غلام اسمه شعيا قال :

٢١٤

زمان غاض أهل الفضل فيه

فسقيا للحمام به ورعيا

أسارى بين أتراك وروم

وفقد أحبة ورفاق شعيا

ومن شعره :

قد أوسع الله البلاد وللفتى

إلى بعضها عن بعضها متزحزح

فخل الهوينا إنها شر مركب

ودونك صعب الأمر فالصعب أنجح

فإن نلت ما تهوى فذاك وإن تمت

فللموت خير للكريم وأروح

٩٣ ـ يحيى بن محمد الحلاوي المتوفى سنة ٥٣٠

يحيى بن محمد بن المسلم أبو غانم الحلبي المعروف بابن الحلاوي ، متأدب قدم دمشق في سنة بضع وعشرين وخمسمائة وأقام بها إلى أن مات. وكان صديقا لأخي أبي الحسين الحافظ رحمه‌الله.

حدثنا أبو عبد الله بن المحسن بن أحمد السلمي من لفظه وكتبه لي بخطه قال : أبو غانم ابن الحلاوي سمعت من شعره ما يتغنى به :

يا غربة أنفقت فيها أدمعي جهد المقلّ

وله غير ذلك أشياء يسأل عنها. أنشدنا أبو الضوء أحمد بن الحسين البعلبكي بها ، أنشدني أبو غانم ابن الحلاوي لنفسه بدمشق :

يا دهر مهلا قد بلغت مناك في تشتيت شملي

وأذقتني ثكل الأحبة وهو غاية كل ثكل

حللت فرقة شملنا

ما أنت من قبلي بحلّ

أيام ألبس للنعيم وطيبه ثوب المذلّ

وأتيت تسليني كؤوس اللهو في الأوطار عقلي

لهفي على عزي الذي

بدلتني منه بذلي

يا غربة أنفقت فيها أدمعي جهد المقلّ

٢١٥

وبليت شوقا نحوهم

وكذلك الأشواق تبلي

هل لي إليهم أوبة

ومن التعلل قول هل لي

وله :

لأسمحنّ لأيامي بما التمست

من البعاد عن الأحباب والوطن

وأستكين لما يقضيه معتديا

دهري ومن يختصمه الدهر يستكن

أحبابنا هان عندي بعد فرقتكم

من الدموع عزيز قط لم يهن

أشتاقكم شوق مشغوف بحبكم

خالي الفؤاد من الأحقاد والإحن

فليت بين فؤادي والغرام بكم

مثل الذي بين جفن العين والوسن

أنشدنا أبو الوحش سبع بن خلف يرثي أبا غانم ، وقد توفي يوم السبت بعد قتل الرئيس أبي الذواد المفرج ابن الصوفي في ثامن عشر رمضان سنة ٥٣٠ :

أبا غانم يا فريد الورى

لقد كنت للعلم والمجد ذاتا

وقيت بموتك بعد الوجيه

فسقّاك ربك ماء فراتا

وطلقت دنياك من بعده

فلله أنت ثلاثا بتاتا

وكان قسيمك طيب الحياة

فقاسمته موته حين ماتا

ا ه (ابن عساكر).

٩٤ ـ أسد بن علي العساني المتوفى سنة ٥٣٤

أسد بن علي بن عبد الله أبي الحسن ابن القائد محمد بن الحسن العساني الحلبي أبو الفضل ، ذكره يحيى بن أبي طي في تاريخه فقال : هو عم والدي ، وكان فقيها قارئا ، ولد سنة خمس وثمانين وتوفي ببلاد قم ولم يعقب. قرأ الأصول على مذهب الإمامية ، وصنف كتابا في مناقب أهل البيت ، وشرح ديوان أبي تمام ا ه (ذهبي من وفيات سنة أربع وثلاثين وخمسمائة).

٢١٦

٩٥ ـ محمد بن هبة الله بن العديم المتوفى سنة ٥٣٤

محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هرون بن موسى بن العديم العقيلي الحلبي أبو غانم ، كان فقيها زاهدا ، سمع أباه وغيره ، وولي قضاء حلب سنة ثمان وثمانين وأربعمائة في دولة تاج الدولة تتش ، ثم عزل وأعيد. كان قد صلى بالجامع وخلع نعليه قرب المنبر وكانا جديدين ، فلما قضى الصلاة وقام ليلبسهما وجد نعليه العتيقين مكانهما ، فسأل غلامه عن ذلك فقال : جاء إلينا واحد الساعة وطرق الباب وقال : يقول لكم القاضي : أنفذوا إليه مداسه العتيق فقد سرق مداسه الجديد ، فضحك وقال : جزاه الله خيرا فإنه لص شفوق وهو في حل منه ، توفي سنة أربع وثلاثين وخمسمائة ا ه (ط ح ق).

٩٦ ـ أحمد بن محمد التنوخي المعري المتوفى في عشر الأربعين وخمسمائة

أحمد بن محمد بن أحمد أبو اليقظان التنوخي المعري الأديب ، شاعر محسن ، عمر سبعا وتسعين سنة ، وانتقل بأولاده إلى حلب حين هجم الفرنج المعرة سنة ست وتسعين.

سمع من أبي العلاء المعري ثلاث قصائد رواها عنه حفيده محمد بن مؤيد بن أحمد وتوفي في سنة بضع وثلاثين (ذهبي فيمن توفي في عشر الأربعين وخمسمائة).

٩٧ ـ عبد الله بن علي القصري المتوفى سنة ٥٤٢

عبد الله بن علي سعد بن أبي محمد القصري الفقيه. قال الحافظ في التاريخ : تفقه ببغداد وأدرك أبا بكر الشاشي والكيا وعلق المذهب والخلاف والأصولين على الشيخ سعد الميهني وأبي الفتح بن برهان وأبي عبد الله الفراوي ، وسمع الحديث من أبي القاسم بن بيان الرزاز وأبي علي بن نبهان وأبي طالب الزينبي ، وأقام بالعراق مدة ، ثم قدم دمشق ولحق بالمسجد الجامع مدة ، وكان نظارا جيدا ، ثم انتقل إلى حلب لتتفقه أهلها (أي على مذهب الإمام الشافعي رضي‌الله‌عنه لأن أهل حلب كانوا في ذلك العصر يتفقهون على مذهب أبي حنيفة

٢١٧

رضي‌الله‌عنه) فأقام بها إلى أن مات ، سمعت درسه. قال : وتوفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة بحلب. وقال ابن السمعاني في الأنساب : توفي سنة سبع أو ثمان وثلاثين وخمسمائة ا ه (ط ك س).

وترجمه ياقوت في معجمه في الكلام على قصر حيفا ، ومما قاله : أنه انتقل إلى حلب فبنى له ابن العجمي بها مدرسة درس بها إلى أن مات في سنة ٤٣ أو ٥٤٤. وقال الحافظ أبو القاسم : مات سنة ٥٤٢ ا ه.

الكلام على مسجد خان الطاف بمحلة الجلّوم

للمترجم ولد اسمه أحمد نقش اسمه على مسجد خان الطاف الملاصق للخان من جهة الغرب ، وهو مسجد صغير يؤدب فيه بعض المشايخ الأطفال ، وبابه مؤلف من ثلاثة أحجار سود كتب على أعلاها :

(١) البسملة : أمر بعمارته مولانا الملك العادل سيف الدنيا والدين.

(٢) ركن الإسلام أبو بكر محمد بن أيوب خليل أمير المؤمنين.

(٣) أدام الله أيامه بتولي الفقير أحمد بن عبد الله القصري الشافعي في سنة إحدى وخمسين وخمسماية ا ه.

وهذا الزقاق يعرف قديما بدرب الزجّاجين ـ انظر ترجمة شرف الدين ابن العجمي المتوفى سنة ٥٦١.

٩٨ ـ علي بن سليمان الأندلسي القرطبي المتوفى سنة ٥٤٤

علي بن سليمان بن أحمد بن سليمان الأندلسي أبو الحسن المرادي القرطبي الشقوري القرغليطي ، وقرغليط من أعمال (شقورة) ، الحافظ الفقيه. ولد قبل الخمسمائة بقريب وخرج من الأندلس بعد العشرين وخمسمائة ، ورحل إلى بغداد وخراسان وسكن نيسابور مدة ، وتفقه على الإمام محمد بن يحيى صاحب الغزالي وجماعة. روى عنه أبو القاسم ابن عساكر وأبو القاسم بن الخرستاني وجماعة ، وصحب الشيخ عبد الرحمن بن الأكاف الزاهد ، وقدم دمشق بعد الأربعين وخمسمائة ، وفرح بقدومه رفيقه حافظ الدنيا أبو القاسم ابن عساكر لما كان معه من مسموعاته ، وحدث بدمشق بالصحيحين.

٢١٨

قال ابن السمعاني : كنت آنس به كثيرا ، وكان أحد عباد الله الصالحين ، خرجنا جملة إلى نوقان لسماع تفسير الثعلبي ، فلمحت منه أخلاقا وأحوالا قلما تجتمع في أحد من الورعين.

وقال الحافظ ابن عساكر : ندب للتدريس بحماة فمضى إليها ، ثم ندب للتدريس بحلب فمضى ودرس بها المذهب بمدرسة ابن العجمي وكان ثبتا صلبا في السنة. توفي بحلب في ذي الحجة سنة أربع وأربعين وخمسمائة ا ه (الطبقات الكبرى للسبكي).

٩٩ ـ علي بن عبد الله بن أبي جرادة العقيلي المتوفى سنة ٥٤٦

علي بن عبد الله بن محمد بن عبد الباقي بن أبي جرادة أبو الحسن العقيلي الحلبي المعروف بالأنطاكي لسكناه بحلب عند باب أنطاكية.

قال ابن السمعاني : غزير الفضل وافر العقل دمث الأخلاق ، له معرفة بالأدب واللغة والحساب والنجوم ، وله خط حسن. سمع من عبد الله بن إسماعيل الحلبي وهو أجود شيخ له وأبي الفتيان محمد بن سلطان بن حيّوس. قال : وقرأت عليه أجزاء في منزله وعلقت عنه قصائد وخرجت من عنده يوما فرآني بعض الصالحين فقال : أين كنت؟ قلت : عند أبي الحسن بن أبي جرادة ، قرأت عليه شيئا من الحديث ، فأنكر عليّ قال : ذاك يقرأ عليه الحديث ، قلت : ولم؟ هل هو إلا متشيع يرى رأي الحلبيين ، فقال : ليته اقتصر على هذا ، بل يقول بالنجوم ويرى رأي الأوائل ا ه (ذهبي من وفيات سنة خمسمائة وست وأربعين).

أقول : والذهبي نقل ترجمته عن ياقوت في معجم الأدباء ، وقد قال ياقوت بعد قوله ويرى رأي الأوائل : وسمعت (هذا من كلام السمعاني) بعض الحلبيين يتهمه بذلك ، وسألته عن مولده فقال في محرم سنة ٤٦١ بحلب. وأنشدني لنفسه :

يا ظباء البان قولا بيّنا

من لنا منكم بظبي ملّنا

يشبه البدر بعادا وسنا

من نفى عن مقلتيّ الوسنا

فتكت ألحاظه من مهجتي

فتك بيض الهند أو سمر القنا

يصرع الأبطال في نجدته

إن رمى عن قوسه أو إن رنا

دان أهل الدل والحسن له

مثل ما دانت لمولانا الدنا

٢١٩

ا ه. وستأتي له ترجمة أخرى مع ترجمة آبائه في ترجمة الصاحب كمال الدين عمر ابن العديم المتوفى سنة ٦٦٠ ، إلا أنه قال ثمة : إن وفاته سنة ٥٤٨. ولعل التحريف هناك من النساخ.

١٠٠ ـ أحمد بن المنير الطرابلسي الشاعر المتوفى سنة ٥٤٨

أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الطرابلسي أبو الحسين الملقب مهذب الدين عين الزمان الشاعر المشهور بالرفا صاحب الديوان المعروف. ولد بأطرابلس سنة ثلاث وسبعين ، وكان أبوه ينشد في أسواق طرابلس ويغني ، فنشأ أبو الحسين وتعلم القرآن والنحو واللغة وقال الشعر الفايق ، وكان يلقب مهذب الدين ، ويقال له عين الزمان.

قال ابن عساكر : سكن دمشق ورأيته غير مرة ، وكان رافضيا خبيثا ، خبيث الهجو والفحش (١) ، فلما كثر ذلك منه سجنه الملك بوري بن طغتكين مدة وعزم على قطع لسانه ، فاستوهبه يوسف بن فيروز الحاجب فوهبه له ونفاه ، فخرج إلى البلاد الشمالية. وقال غيره : فلما ولي ابنه إسماعيل بن بوري عاد إلى دمشق ، ثم تغير عليه لشيء بلغه عنه ، فطلبه وأراد صلبه ، فهرب واختفى في مسجد الوزير أياما ، ثم لحق بحماة وتنقل إلى شيزر وحلب ، ثم قدم دمشق في صحبة السلطان نور الدين محمود ، ثم رجع مع العسكر إلى حلب فمات بها.

قال العماد : كان شاعرا مجيدا مكثرا هجّاء معارضا لأبي عبد الله محمد بن نصر بن صغير المعروف بابن القيسراني الشاعر المشهور ، وكان بينهما مكاتبات وأجوبة ومهاجاة ، وكانا مقيمين بحلب ومتنافسين في صناعتهما كما جرت عادة المتماثلين ، وهما كفرسي رهان وجواري ميدان. وكان القيسراني سنّيا متورّعا وابن منير غاليا متشيّعا ، وكان مقيما بدمشق إلى أن أحفظ أكابرها وكدر بهجوه مواردها ومصادرها ، فأوى إلى شيزر وأقام بها وروسل مرارا في العود إلى دمشق فأبى ، وكتب رسائل في ذم أهلها ، واتصل في آخر عمره بخدمة نور الدين ووافى إلى دمشق رسولا من جانبه قبل استيلائه عليها. ومن شعره :

__________________

(١) في تهذيب ابن عساكر وكان رافضيا خبيثا يعتقد مذهب الإمامية ، وكان هجاء خبيث اللسان ، يكثر الفحش في شعره.

٢٢٠