إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٤

ومن هؤلاء الناس أبو العلاء المعري ، فإنه لذهنه المتوقد وذكائه المفرط سار في ميدان الدعوى وأبعد في الجولان فيه ، حتى أدّاه ذلك أن يقول بيته المشهور :

وإني وإن كنت الأخير زمانه

لآت بما لم تستطعه الأوائل

وما زال يجدّ في ذلك إلى أن وقع في وادي الحيرة وهوى في هوة الشكوك والأوهام ، فكان يذهب تارة إلى التسليم بالنبوات واعتقاد الحشر والمعاد وأن هناك جنة ونارا وثوابا وعقابا ، وتارة يذهب إلى نفي ذلك وإنكاره. ظل على ذلك إلى أن تقدم سنه ونضج علمه ، ورأى بعين البصيرة أن ما ظهر له من الحقائق الكونية بالنسبة إلى ما بقي تحت طي الخفاء ما هو إلا كقطرة من بحر ، فهناك استبان له عجزه وتجلى له قصور المدارك الإنسانية وأنها مهما اتسعت فإن لها حدا لا تتعداه ، وعلم أن وراء الأكمة ما وراءها ، وتحقق معنى قوله تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) ودعاه ذلك أن يقول :

ماذا تريدون لا مال تيسّر لي

فيستماح ولا علم فيقتبس

أتسألون جهولا أن يفيدكم

وتحلبون سفيّا ضرعها يبس

وعند ذلك تاب إلى طريق الرشد وعاد إلى منهاج الحق ولازم الذكر والعبادة مع التقشف والزهد في الدنيا والتباعد عن أهلها ، إلى أن أتاه اليوم الموعود والأجل المحتوم.

ونحن نذكر لك من نظمه مما ذكره في «لزوم ما لا يلزم» ما تستدل به على صحة إيمانه ودينه ويجعلك مطمئن القلب على حسن عقيدته ويقينه ، كقوله :

أرائيك فليغفر لي الله زلتي

بذاك ودين العالمين رئاء

إذا قومنا لم يعبدوا الله وحده

بنصح فإنّا منهم برآء

وقوله :

للمليك المذكرات عبيد

وكذاك المؤنثات إماء

فالهلال المنيف والبدر والفر

قد والصبح والثرى والماء

والثريا والشمس والنار والنثرة والأرض والضحى والسماء

هذه كلها لربك ما عابك في قول ذلك الحكماء

١٦١

وقوله :

خلني يا أخيّ أستغفر الله فلم يبق فيّ إلا الذماء

وقوله :

تقواك زاد فاعتقد أنه

أفضل ما أودعته في السقاء

آه غدا من عرق نازل

ومهجة مولعة بارتقاء

وقوله :

انفرد الله بسلطانه

فما له في كل حال كفاء

قد خفيت قدرته عنكم

وهل لها عن ذي رشاد خفاء

وقوله :

بعلم إلهي يوجد الضعف شيمتي

فلست مطيقا للغدوّ ولا المسرى

غبرت أسيرا في يديه ومن يكن

له كرم تكرم بساحته الأسرى

أأصبح في الدنيا كما هو عالم

وأدخل نارا مثل قيصر أو كسرى

وإني لأرجو منه يوم تجاوز

فيأمر لي ذات اليمين إلى اليسرى

وقوله :

لا تكذبنّ فإن فعلت فلا تقل

كذبا على ربّ السماء تكسّبا

فالله فرد قادر من قبل أن

تدعى لآدم صورة أو تحسبا

وقوله :

لك الملك إن تنعم فذاك تفضّل

عليّ وإن عاقبتي فبواجب

يقوم الفتى من قبره إن دعوته

وماجر مخطوط له في الرواجب

عصا النسك أحمى ثمّ من رمح عامر

وأشرف عند الفخر من قوس حاجب

وقوله :

الحمد لله ما في الأرض وادعة

كلّ البرية في همّ وتعذيب

جاء النبي بحق كي يهذبكم

فهل أحس لكم طبع بتهذيب

١٦٢

وقوله :

عاقبة الميّت محمودة

إذا كفى الله أليم العقاب

ليس عذاب الله من خانه

كالقطع للأيدي وضرب الرقاب

لكنه متصل فاحتقب

ما شئت لا يوضع كوضع الحقاب

وناره لا تشبه النار في

أفنائها ما أطعمت من ثقاب

كم عمل أهمله عامل

يحفظه خالقنا بارتقاب

وقوله :

وصاغني الله من ماء وها أنا ذا

كالماء أجري بقدر كيف جرّيت

بريت للأمر لم أعرف حقائقه

فليتني من حساب الله برّيت

وقوله :

الحمد لله قد أصبحت في دعة

أرضى القليل ولا أهتم للقوت

وشاهد خالقي أن الصلاة له

أجلّ عندي من درّي وياقوتي

وقوله :

وقدرة الله حقّ ليس يعجزها

حشر لخلق ولا بعث لأموات

فاعجب لعلويّة الأجرام صامتة

فيما يقال ومنها ذات أصوات

وقوله :

أثبتّ لي خالقا حكيما

ولست من معشر نفاة

وقوله :

أومّل عفو الله والصدر جائش

إذا خلجتني للمنون الخوالج

هناك تودّ النفس ان ذنوبها

قليل وأن القدح بالخير فالج

وقوله :

أما الحياة فلا أرجو نوافلها

لكنني لإلهي خائف راجي

١٦٣

ربّ السماك وربّ الشمس طالعة

وكلّ أزهر في الظلماء خرّاج

وقوله :

والتاج تقوى الله لا ما رصّعوا

ليكون زينا للأمير التائج

وقوله :

عجبي للطبيب يلحد في الخا

لق من بعد درسه التشريحا

وقوله :

تنسّكت بعد الأربعين ضرورة

ولم يبق إلا أن تقوم الصوارخ

فكيف ترجي أن تثاب وإنما

يرى الناس فضل النسك والمرء شارخ

وقوله :

مولاك مولاك الذي ماله

ندّ وخاب الكافر الجاحد

آمن به والنفس ترقى وإن

لم يبق إلا نفس واحد

ترجو بذاك العفو منه إذا

ألحدت ثم انصرف اللاحد

وقوله :

وإن لحق الإسلام خطب يغضّه

فما وجدت مثلا له نفس واجد

وإن أعظموا كيوان عظّمت واحدا

يكون له كيوان أول ساجد

وقوله :

إذا كنت من فرط السفاه معطّلا

فيا جاحد اشهد أنني غير جاحد

أخاف من الله العقوبة آجلا

وأزعم أن الأمر في يد واحد

فإني رأيت الملحدين تعودهم

نداماتهم عند الأكفّ اللواحد

وقوله :

تعالى الله كم ملك مهيب

تبدّل بعد قصر ضيق لحد

أقرّ بأن لي ربّا قديرا

ولا ألقى بدائعه بجحد

١٦٤

وقوله :

اركع لربك في نهارك واسجد

وإذا أطقت تهجّدا فتهجّد

وإذا غلا البر النقيّ فشارك ال

فرس الكريم وساو طرفك تمجد

وقوله :

أما المجاور فارعه وتوقّه

واستعف ربك من جوار الملحد

ليس الذي جحد المليك وقد بدت

آياته بأخ لمن لم يجحد

وأرى التوحّد في حياتك نعمة

فإن استطعت بلوغه فتوحّد

وقوله :

الله صوّرني ولست بعالم

لم ذاك سبحان القدير الواحد

فلتشهد الساعات والأنفاس لي

أني برئت من الغويّ الجاحد

وقوله :

اذكر إلهك إن هببت من الكرى

وإذا هممت لهجعة ورقاد

واحذر مجيئك في الحساب بزائف

فالله ربك أنقد النقّاد

تغشى جهنم دمعة من نائب

فتبوخ وهي شديدة الإيقاد

وقوله :

نبذتم الأديان من خلفكم

وليس في الحكمة أن تنبذا

لا قاضي المصر أطعتم ولا

الحبر ولا القسّ ولا الموبذا

إن عرضت ملّتكم بينهم

قال جميع القوم : لا حبذا

وقوله :

لا ملك للملك المقصور نعلمه

وكل ملك على الرحمن مقصور

مضت قرون وتمضي بعدنا أمم

والسرّ خاف إلى أن ينفخ الصور

لم يحص أعداد رمل الأرض ساكنها

وكلّ ذلك عند الله محصور

١٦٥

وقوله :

فمجدوا ربكم إلى أن

تلفظ أمواتها القبور

فكل ما تفعل البرايا

إلا تقى ربّها يبور

وقوله :

فلك يدور بحكمة

وله بلا ريب مدير

إن منّ مالكنا بما

نهوى فمالكنا قدير

أولا فعالم آدم

بإهانة المولى جدير

وقوله :

نحن عبيد الله في أرضه

وأعوز المستعبد الحرّ

بفضل مولانا وإحسانه

يماط عنا البؤس والضرّ

أما يرى الإنسان في نفسه

آيات ربّ كلّها غرّ

في فمه عذب وفي عينه

ملح وفي مسمعه مرّ

يكر موتانا إلى الحشر إن

قال لهم بارئهم كرّوا

وقوله :

إذا تم فيما يؤنس العين مضجعي

فزدني هداك الله من سعة شبرا

وإن سألوا عن مذهبي فهو خشية

من الله لا طوقا أبث ولا جبرا

وقوله :

فلا تنسوا الله الذي لو هديتم

إلى رشدكم ما زال منكم على ذكر

وقوله :

عش مجبرا أو غير مجبر

فالخلق مربوب مدبّر

إن شاء من خلق السماك

أعاشني فنهضت أغبر

عجلان أنفض لمتي

لتحد أعمالي وتسبر

١٦٦

وقوله :

ومتى شاء الذي صوّرنا

أشعر الميت نشورا فنشر

فافعل الخير وأمّل غبّه

فهو الذخر إذا الله حشر

وقوله :

أمر الخالق فاقبل ما أمر

واشكر الله إذا العذب أمرّ

أضمر الخيفة واضمر قلّما

أحرز الطّرف المدى حتى ضمر

أيها الملحد لا تعص النهى

فلقد صحّ قياس واستمرّ

إن تعد في الجسم يوما روحه

فهو كالربع خلا ثم عمر

وقوله :

وموّه الناس حتى ظنّ جاهلهم

أن النبوة تمويه وتدليس

جاءت من الفلك العلويّ حادثة

فيها استوى جبناء القوم والليس

وقوله :

الحمد لله قد أصبحت في لجج

مكابدا من هموم الدهر قاموسا

قالت معاشر لم يبعث إلهكم

إلى البرية عيساها ولا موسى

وإنما جعلوا للقوم مأكلة

وصيّروا لجميع الناس ناموسا

ولو قدرت لعاقبت الذين طغوا

حتى يعود حليف الغيّ مرموسا

وقوله :

إذا أنت لم تحضر مع القوم مسجدا

فصلّ إلى أن يقضي الجمعة الجمع

ولا تأمنن أن يحشر اليوم ربّه

له بصر من قدرة وله سمع

فيخبر بالتقصير عنك مؤنبا

وتسكب دمعا حيث لا ينفع الدمع

هنالك لا ترجو صريخا مزعزعا

صدور عوال فوقها للردى لمع

وقوله :

لو لا حذاري أن الله يسألني

عما فعلت لقلّت عندي الكلف

١٦٧

وقوله :

سرفت والله يرجى أن يسامحنا

وفي القديم خلا من أهله سرف

أأنكر الله ذنبا خطّه ملك

وبالذي خطّه الإنسان أعترف

وقوله :

عليك بتقوى الله في كل مشهد

فلله ما أذكى نسيما وما أبقى

إذا ما ركبت الحزم مستبطنا له

سبقت به من لا تظن له سبقا

وقوله :

هو الفلك الدوّار أجراه ربّه

على ما ترى من قبل أن يجري الفلك

له العز لم يشركه في الملك غيره

فيا جهل إنسان يقول لي الملك

وقوله :

أزول وليس في الخلّاق شك

فلا تبكوا عليّ ولا تبكّوا

خذوا سيري فهنّ لكم صلاح

وصلّوا في حياتكم وزكّوا

وقوله :

تسمّت رجال بالملوك سفاهة

ولا ملك إلا للذي خلق الملكا

أرى فلكا ما دار إلا لحكمة

فلا تنس من أجرى لحاجتك الفلكا

وقوله :

الملك لله من يظفر بنيل غنى

يردده قسرا وتضمن نفسه الدركا

لو كان لي أو لغيري قدر أنملة

فوق التراب لكان الأمر مشتركا

وقوله :

أمّ الكتاب إذا قدّمت محكمها

وجدتها لأداء الفرض تكفيكا

لم يشف قلبك فرقان ولا عظة

وآية لو أطعت الله تشفيكا

١٦٨

وقوله :

يا خالق البدر وشمس الضحى

معوّلي في كل حال عليك

وكلّ ملك لك عبد وما

يبقى له ملك فيدعي مليك

قد رامت النفس لها موئلا

فقلت مهلا ليس هذا إليك

إن الذي صاغك يقضي بما

شاء ويمضي فازجري عاذليك

البحر في قدرته نغبة

والفلك الأعظم فيها فليك

وقوله :

وأعلم أن الأول الفرد قادر

على أن يمير المؤمنين من الرمل

عفا الله عني ربّ ريح تهبّ لي

فتذري ترابي من جنوب ومن شمل

وشغل فم يستغفر الله ذنبه

أحقّ به من ذكر زينب أو جمل

وقوله :

دعاكم إلى خير الأمور محمد

وليس العوالي في القنا كالسوافل

حداكم على تعظيم من خلق الضحى

وشهب الدجى من طالعات وآفل

وألزمكم ما ليس يعجز حمله

أخا الضعف من فرض له ونوافل

وحثّ على تطهير جسم وملبس

وعاقب في قذف النساء الغوافل

وحرّم خمرا خلت ألباب شربها

من الطيش ألباب النعام الجوافل

يجرّون ثوب الملك جر أوانس

لدى البدو أذيال الغواني الروافل

فصلّى عليه الله ما ذرّ شارق

وما فتّ مسكا ذكره في المحافل

وقوله :

قد طال في العيش تقييدي وإرسالي

من اتقى الله فهو السالم السالي

يا صاحب الضأن سلّم حق معدلها

ولا تقل ضلّ إنساني بإبسالي

وارقب إلهك في عسر وفي يسر

واترك جدالك في بعث وإرسال

وقوله :

والله يغفر في الحساب لنسوة

جاهدن إذ فقد الحيا بمغازل

١٦٩

فكسبن منها ما يقوم بأنفس

والصبر يبدن في الزمان الهازل

إن البعوضة من تقى موزونة

بالفيل عند مليكها والبازل

وتصون حبة خردل قدم الفتى

عن زلة واليوم حلف زلازل

خف دعوة المظلوم فهي سريعة

طلعت فجاءت بالعذاب النازل

وقوله :

حكم تدل على حكيم قادر

متفرّد في عزّة بكمال

إلى أن قال :

ومن الجهات الستّ ربي حائطي

لا عن يمين مرة وشمال

دنياك أرزاق تذكّر بعدها

أخرى تنال بصالح الأعمال

وقوله :

أيها الدنيا لحاك الله من ربة دلّ

إلى أن قال :

لك أوقاتي فخليني إذا قمت أصلّي

ودعيني ساعة فيك لمولاي الأجلّ

وقوله :

قال المنجّم والطبيب كلاهما

لا تحشر الأجساد قلت إليكما

إن صحّ قولكما فلست بخاسر

أو صح قولي فالخسار عليكما

طهّرت ثوبي للصلاة وقبله

طهر فأين الطهر من جسديكما

وذكرت ربي في الضمائر مؤنسا

خلدي بذاك فأوحشا خلديكما

وبكرت في البردين أبغي رحمة

منه ولا ترعان في برديكما

إن لم تعد بيدي منافع بالذي

آتي فهل من عائد بيديكما

برد التقيّ وإن تهلّل نسجه

خير بعلم الله من برديكما

وقوله :

إلهنا الحقّ خفّف واشف من وصب

فإنها دار أثقال وآلام

١٧٠

يسّر علينا رحيلا لا يلبّثنا

إلى الحفائر من أهل وأخلام

وجازنا عن خطايانا بمغفرة

فكم حلمت ولسنا أهل أحلام

ويح لجيلي والأجيال إن بعثوا

إلى حساب قديم اللطف علّام

محصي الجرائم فعّال العظائم نصّار

الهضائم جاز غير ظلّام

وقوله :

سلي الله ربّك إحسانه

فإنك إن تنظري تألمي

وليس اعتقادي خلود النجوم

ولا مذهبي قدم العالم

وقوله :

إذا مدحوا آدميا مدحت

مولى الموالي وربّ الأمم

وذاك الغنيّ عن المادحين

ولكن لنفسي عقدت الذمم

له سجد الشامخ المشمخرّ

على ما بعرنينه من شمم

ومغفرة الله مرجوة

إذا حسبت أعظمي في الرمم

مجاور قوم تمّشى الفنا

ء ما بين أقدامهم والقمم

فياليتني هامد لا أقوم

إذا نهضوا ينفضون اللّمم

ونادى المنادي على غفلة

فلم يبق في أذن من صمم

وجاءت صحائف قد ضمّنت

كبائر آثامهم واللّمم

فليت العقوبة تحريقة

فصاروا رمادا بها أو حمم

وقوله :

ما أقدر الله أن يدعى بريّته

من تربهم فيعودوا كالذي كانوا

إن كان رضوى وقدس غير دائمة

فهل تدوم لهذا الشخص أركان

وقوله :

وأعجز أهل هذي الأرض غاو

أبان العجز عن خمس فرضنه

وصم رمضان مختارا مطيعا

إذ الأقدام من قيظ رمضنه

١٧١

وقوله :

تهجّد معشر ليلا ونمنا

وفاز بجندس متهجدوه

إلهك أوجد الأشياء جمعا

فلا يفخر بشيء موجدوه

وربّك أنجد الأقوام حتى

بنى أعلى القصور منجّدوه

فمجّده فلم يخسر أناس

أنابوا للمليك ومجّدوه

وقوله :

حسبي من الجهل علمي أن آخرتي

هي المآل وأني لا أراعيها

وأن دنياي دار لا قرار بها

وما أزال معنىّ في مساعيها

وقال في ديوانه «سقط الزند» في قصيدته الميمية التي رثى بها إبراهيم العلوي :

تقرّب جبريل بروحك صاعدا

إلى العرش يهديها لجدّك والأمّ

فدونك مختوم الرحيق فإنما

لتشرب منه كان يحفظ بالختم

ولا تنسني في الحشر والحوض حوله

عصائب شتى بين غرّ إلى بهم

لعلك في يوم القيامة ذاكري

فتسأل ربي أن يخفف من إثمي

وإذا تأملت قوله في اللامية المتقدمة :

وأعبد الله لا أرجو مثابته

لكن تعبد إعظام وإجلال

علمت أن الرجل بلغ من المعرفة بالله تعالى منزلة رفيعة ، وأنه ممن تربع في مقامات الإحسان ، وممن عبد الله كأنه يراه ، وهذه أسمى درجات العبودية وأعظم ما تطمح إليه أنظار السالكين والعبّاد المخلصين.

٦٤ ـ أحمد بن يحيى بن العديم المتوفى في عقد الخمسين وأربعمائة ظنا

أحمد بن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد القاضي أبو الحسن بن أبي جعفر العقيلي. وأبو الحسن هذا جد والد الصاحب كمال الدين ابن العديم. مولده بحلب سنة ثمانين وثلاثمائة. وهو أول من تولى القضاء من هذا البيت بمدينة حلب ،

١٧٢

وليه في سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. قرأ الفقه على القاضي الفقيه أبي جعفر محمد بن أحمد (١) السمناني بحلب وعلق عنه التعليق المنسوب إليه. روى عنه ابنه أبو الفضل هبة الله بن أحمد بن أبي جرادة ويأتي قاضي حلب ، ألف كتابا ذكر فيه الخلاف بين أبي حنيفة وأصحابه وما تفرد به عنهم. وحج سنة أربع وعشرين (٢) وأربعمائة ، وأخذته العرب بتبوك مع جماعة من الحلبيين ا ه (طبقات الحنفية للقرشي).

٦٥ ـ الأمير مقلّد بن منقذ المتوفى سنة ٤٥٠

أبو المتوّج مقلّد بن نصر بن منقذ الكناني الملقب مخلص الدولة ، والد الأمير سديد الدولة أبي الحسن علي صاحب قلعة شيزر.

قال ابن خلكان : كان رجلا نبيل القدر سائر الذكر ، رزق السعادة في بنيه وحفدته. وكان مقلّد المذكور في جماعة كثيرة من أهل بيته مقيمين بالقرب من قلعة شيزر عند جسر بني منقذ المنسوب إليهم ، وكانوا يترددون إلى حماة وحلب وتلك النواحي ولهم بها الدور النفيسة والأملاك المثمنة ، وذلك كله قبل أن يملكوا قلعة شيزر ، وكان ملوك الشام يكرمونهم ويجلون أقدارهم ، وشعراء عصرهم يقصدونهم ويمدحونهم ، وكان فيهم جماعة أعيان رؤساء كرماء أجلاء علماء. ولم يزل مخلص الدولة في رياسته وجلالته إلى أن توفي في ذي الحجة سنة خمسين وأربعمائة بحلب ، وحمل إلى كفر طاب. ورأيت في ديوان ابن سنان الخفاجي الشاعر عقيب أشعار له في المذكور يقول ما صورته : وقال يرثيه وقد توفي في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وأربعمائة والله أعلم بالصواب رحمه‌الله تعالى. ورثاه القاضي أبو يعلى حمزة بن عبد الرزاق بن أبي حصين بهذه القصيدة ، وهي من فائق الشعر ، وأنشدها لولده أبي الحسن علي ، وسأذكرها كلها إن شاء الله تعالى وإن كانت طويلة لكنها غريبة قليلة الوجود بأيدي الناس ، وما رأيت أحدا قط يحفظ منها إلا أبياتا يسيرة ، فأحببت

__________________

(١) القاضي أبو جعفر السمناني ولي قضاء حلب سنة سبع وأربعمائة وتوفي بالموصل وهو على القضاء بها سنة أربع وأربعين وأربعمائة ، ذكر ذلك اللكنوي في طبقات الحنفية في ترجمة المذكور.

(٢) إن كان أخذ وقتل وهو الذي يغلب على الظن فيكون ذلك سنة ٤٤٤ ، ويكون قوله سنة ٤٢٤ تحريفا من النساخ ، لأنه كما علمت تولى القضاء سنة ٤٣٥.

١٧٣

ذكرها لذلك ، وهي هذه :

ألا كل حيّ مقصدات مقاتله

وآجل ما يخشى من الدهر عاجله

وهل يفرح الناجي السليم وهذه

خيول الردى قدّامه وحبائله

لعمر الفتى إن السلامة سلّم

إلى الحين والمغرور بالعيش آمله

فيسلب أثواب الحياة معارها

ويقضي غريم الدين من هو ماطله

مضى قيصر لم تغن عنه قصوره

وجدّل كسرى ما حمته مجاد له

وما صدّ هلكا عن سليمان ملكه

ولا منعت منه أباه سرابله

ولم يبق إلا من يروح ويغتدي

على سفر ينأى عن الأهل قافله

وما نفس الإنسان إلا خزامة

بأيدي المنايا والليالي مراحله

فهل غال بدءا مخلص الدولة الردى

وهل تنزوي عمن سواه غوائله

ولكنه حوض الحمام ففارط

إليه وتال مسرعات رواحله

لقد دفن الأقوام أروع لم تكن

بمدفونة طول الزمان فضائله

سقى جدثا هالت عليه ترابه

أكفّهم طلّ الغمام ووابله

ففيه سحاب يرفع المحل هدبه

وبحر ندى يستغرق البرّ ساحله

كأنّ ابن نصر سائرا في سريره

حياء من الوسمّي أقشع هاطله

يمرّ على الوادي فتثني رماله

عليه وبالنادي فتبكي أرامله

سرى نعشه فوق الرقاب وطالما

سرى جوده فوق الركاب ونائله

أناعيه إن النفوس منوطة

بقولك فانظر ما الذي أنت قائله

بفيك الثرى لم تدر من حلّ بالثرى

جهلت وقد يستصغر المرء جاهله

هو السيّد المهتزّ للتم بدره

وللجود عطفاه وللطعن عامله

أفاض عيون الناس حتى كأنما

عيونهم مما تفيض أنامله

فيا عين سحّي لا تشحّي بسائل

على ماجد لم يعرف الشحّ سائله

متى سألوه المال تبدو بنانه

وإن سألوه الضيم تبدو عوامله (١)

وكم عاد عنه بالخسار مقنّع

وكم نال منه قانع ما يحاوله

__________________

(١) رواية البيت في الوفيات تحقيق إحسان عباس :

متى يسألوه المال تند بنانه

وإن يسألوه الضيم تبد عوامله

١٧٤

له الغلب القاضي على كل باسل

يجالده أو كل خصم يجادله

مجالسه في روضة طلها الندى

ولكنه في المجد مات مساجله

فيا عمره أنّى قصرت ولم تطل

منازله بل كفه بل حمائله

جرت تحت العلياء ملء فروجها

إلى غاية طالت على من يطاوله

فما مات حتى نال أقصى مراده

كما يستسرّ البدر تمّت منازله

فتى طالما يعتاده الجيش عافيا

فينزله أو عاديا فينازله

صفوح عن الجاني وصفحة سيفه

إذا هي لم تقتله فالصفح قاتله

وأدمى عسيب الطرف بعدك هلبه

وعادته أن يقذف الدم كاهله

فيا طرفه ما كان عجزك حاملا

أذى صارم لو أن ظهرك حامله

لقد كثر الملبوس بعد مروّع

جرت ببيان المشكلات شواكله

إذا ظن لا يخطي كأن ظنونه

على ما يضلّ (١) الناس عنه دلائله

فلا رحلت عنه نوازل رحمة

ضحاه بها موصولة وأصائله

وروّى ثراه منهل العفو في غد

فقد روت العافين أمس مناهله

قضى الله أن يردى الأمير وهذه

صوافنه موقورة ومناصله

وكل فتى كالبرق إبريق غمده

إذا شامه أو كالذبالة ذابله

فليت ظباه صلّت اليوم خلفه

فظلت على غير الصيام صواهله

بني منقذ صبرا فإن مصابكم

يصاب به حافي الأنام وناعله

لقد جلّ حتى كلّ واجد لوعة

إذا لج فيها ليس يوجد عاذله

إذا صوّحت أيدي الرجال فأنتم

بني منقذ روض الندى وخمائله

وإن فرّ من وزر الزمان مفرّح

فإنكم أوزاره ومعاقله

وصاحب عليّ الصبر عنه فما غوى

مصاحب صبر عن حبيب يزايله

وما نام حتى قام منك وراءه

أخو يقظات وافر العزم كامله

كأنكما نوءان في فلك العلا

فطالعه هذا وذلك آفله

وما كلّفوك الأمر إلا لعلمهم

قيامك بالأمر الذي أنت كافله

سعيت إلى نيل المكارم سعيه

ولو كنت لا تسعى كفتك فواضله

__________________

(١) في الأصل يظن.

١٧٥

ولم تر أن ترقى بما كان فاعلا

أجل إنما المرفوع بالفعل فاعله

لعمرك إني في الذي عنّ كله

شريك عنان ناصح الود ناهله (١)

وكيف خلوّ القلب من ذلك الهوى

وقد خلدت بين الشغاف دواخله

وتوفي أخوه أبو الغيث منقذ بن نصر بن منقذ سنة تسع وثلاثين وأربعمائة ، ورثاه الشيخ الأديب أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن يحيى بن الحسين بن محمد بن الربيع ابن سنان بن الربيع الخفاجي الحلبي الشاعر المشهور صاحب الديوان بقوله ، وهو من شعره القديم زمن الصبا :

غربت خلائقك الحسان غريبة

ورمى الزمان دنوّها ببعاد

ذهبت كما ذهب الربيع وخلّفت

فيض الدموع حرارة الأكباد

والخفاجي المذكور رثى مخلص الدولة المذكور بقصيدة طويلة رائية ومدحه بأخرى حائية أجاد فيها والله تعالى أعلم بالصواب ا ه.

وبمناسبة هذه القصيدة ، والشيء بالشيء يذكر ، ننقل لك هنا حكاية لطيفة ذكرها العلامة ابن الأثير في حوادث سنة ٥٥٩ عند ذكر وفاة الوزير الجليل جمال الدين أبي جعفر محمد بن علي بن أبي منصور الأصفهاني وزير صاحب الموصل في ذلك العصر ، قال : لما مات الوزير دفن في الموصل نحو سنة ، ثم نقل إلى المدينة فدفن بالقرب من حرم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في رباط بناه لنفسه ، وقال لأبي القاسم : بيني وبين أسد الدين شيركوه عهد ، من مات منا قبل صاحبه حمله إلى المدينة فدفنه بها في التربة التي عملها ، فإذا أنا مت فامض إليه وذكّره. فلما توفي سار أبو القاسم إلى شيركوه في المعنى فقال له شيركوه : كم تريد؟ فقال : أريد أجرة جمل يحمله وجمل يحملني وزادي ، فانتهره وقال : مثل جمال الدين يحمل هكذا إلى مكة! وأعطاه مالا صالحا ليحمل معه جماعة يحجون عن جمال الدين وجماعة يقرؤون عليه بين يدي تابوته إذا حمل وإذا نزل عن الجمل ، وإذا وصل إلى مدينة يدخل أولئك القراء ينادون للصلاة عليه فيصلي عليه في كل بلدة يجتاز بها. وأعطاه أيضا مالا للصدقة عنه ، فصلي عليه في تكريت وبغداد والحلة وفيد ومكة والمدينة. وكان يجمع

__________________

(١) في بعض الروايات : ناخله.

١٧٦

له في كل بلد من الخلق ما لا يحصى. ولما أرادوا الصلاة عليه بالحلة صعد شاب على مرتفع وأنشد بأعلى صوته :

سرى نعشه فوق الرقاب وطالما

سرى جوده فوق الركاب ونائله

يمر على الوادي فتثني رماله

عليه وبالنادي فتثني أرامله

(البيتين المذكورين في القصيدة المتقدمة) قال : فلم نر باكيا أكثر من ذلك اليوم. فطافوا به حول الكعبة وصلوا عليه بالحرم الشريف ، وبين قبره وقبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسة عشر ذراعا. ثم ساق ابن الأثير ترجمته وآثاره الجليلة في كثير من البلاد وخدماته الجزيلة للعلم والعلماء وما كان يبذله من الأموال للمساكين والأرامل والأيتام وما كان عليه من مكارم الأخلاق وعلو الشان. ويتجلى لك إذا قرأت تلك الترجمة أنه جدير بأن ينشد فيه هذا البيتان اللذان هما الدرتان اليتيمتان في عقد تلك القصيدة الغراء.

٦٦ ـ أحمد الموازيني الشاعر المعروف بابن الماهر المتوفى سنة ٤٥٢

أحمد بن عبيد الله بن فضال أبو الفتح الحلبي الموازيني الشاعر المعروف بالماهر. روى عنه من شعره أبو عبد الله الصوري وأبو القاسم النسيب ، ومنه :

يا من له سيف لحظ

تدب فيه المنون

ومن لجسمي وقلبي

منه ضنى وشجون

ما فكرتي في فؤاد

سبته منك الجفون

وإنما فكرتي في

هواك أين يكون

وله بيت مفرد :

إذا امتطى قلم يوما أنامله

سد المفاقر واستولى على الفقر

وكان موازينيا بحلب ، ثم ترك الصنعة وأقبل على الشعر ومدح الملوك والأمراء. وله يرثي :

برغمي أن أعنف فيك دهرا

قليلا همّه بمعنفيه (١)

__________________

(١) أورد هذا البيت نور الدين بن الوزير أبي عمران الأندلسي في كتابه عيون المرقصات هكذا :

برغمي أن ألوم عليك دهرا

قليلا فكره بمعنفيه

١٧٧

وأن أرعى النجوم ولست فيها

وأن أطأ التراب وأنت فيه

ا ه ذهبي من وفيات سنة أربعمائة واثنتين وخمسين.

وذكره ابن شاكر في فوات الوفيات ولم يذكر تاريخ وفاته ، لكنه أورد من شعره قوله :

أرى نفسي تحدثها الظنون

بأن البين بعد غد يكون

وما ترك الفراق عليّ دمعا

يسحّ ولا تشحّ به الجفون

وجيش الصبر منهزم فقل لي

عليك بأي دمع أستعين

كأني من حديث النفس عندي

جهينة عنده الخبر اليقين

وقوله :

من صحّ قبلك في الورى ميثاقه

حتى تصحّ ومن وفى حتى تفي

عرف الهوى في الخلق مذعرف الهوى

بمذلّة الأقوى وعزّ الأضعف

يا من توقّد في الحشا بصدوده

ناري بغير وصاله لا تنطفي

وأورد له في مجلة الشعلة الحلبية نقلا عن تتمة اليتيمة للثعالبي ، وهي من الكتب التي لم تطبع ، هذه الأبيات من قصيدة :

ترى منهم يوم الوغى كلّ ناشر

من النقع فوق الدارعين مطاردا

ينالون ما أمسى بعيدا مناله

كأنهم أعطوا الرماح سواعدا

ومن أخرى يشبب فيها بغلام أثرت فيه الحمى ويحسن في التخلص إلى المدح ويظرف جدا :

وأسيل الخد شاحبه

كحلت عيناه بالفتن

تركت حمّاه وجنته

في اصفرار اللون يشبهني

وأرى خدّيه وردهما

ما جنى ذنبا فكيف جني

ومنها :

نهبا حتى كأنهما

ما حوت كفا أبي الحسن

ذو جفون تشتري أبدا

غبرات النقع بالوسن

ويد تندى ندى وردى

تجمع الضدين في قرن

١٧٨

وله في الغزل :

جس الطبيب يدي جهلا فقلت له

إليك عني فهذا اليوم بحراني

فقال ماذا الذي تشكو فقلت له

أشكو إليك جوى من بعض جيراني

فظل يعجب من قولي وقال لهم

إنسان طرف فداووه بإنسان

ومن منثور كلامه :

خلص من سبل النقد خلوص الذهب من اللهب ، واللجين من يد القين ، والمدام من نسج الفدام.

وقوله : أين السمك من السماك والغرقد من الفرقد ، والسراب من الشراب.

ثم ذكرت المجلة ابن الفتح الموازيني الحلبي وأوردت بعض شعره مما يفيد أنه غير أبي محمد الماهر. وقد علمت مما تقدم أن الفتح الموازيني هو المعروف بالماهر. قالت نقلا عن صاحب تتمة اليتيمة : لم أسمع في هجاء قوال أملح من قوله :

ومغن عن غيره غير مغن

جاء في لحنه القبيح بلحن

كاد في كفّه القضيب من الغي

ظ ينادي يا أثقل الناس دعني

وله في فصد بعض الرؤساء :

على اليمن باكرت الفصاد مشمرا

يمين جواد للعطاء مشمّره

مددت أبا سعد إلى صدر مبضع

يدا تصدر الآمال عنها منشّره

وما خلت أن الجود يجري له دم

فما كان أجرا ذا الطبيب وأجسره

أظن له مع لطفه بلياقة

بصيرة بقراط وإقدام عنتره

وله في مرثية القاضي الهاشمي بحلب :

ناعي أبي جعفر القاضي دعوت إلى ال

ردى فلم يدر ناع أنت أم داعي

تنعى العظيمين من حلم ومن شرف

بعد الرحيبين من خلق ومن باع

مهلا فلم تبق عينا غير باكية

ولا تركت فؤادا غير مرتاع

١٧٩

وله :

كم حمار هو أولى

بنهيق وشهيق

يكتسي في الشتوة الخ

زّ وفي الصيف الدبيقي (١)

٦٧ ـ الحسن بن أبي حصينة المعري المتوفى سنة ٤٥٦

الحسن بن عبد الله بن أحمد بن عبد الجبار بن أبي حصينة أبو الفتح السلمي المعري الشاعر. ذكر لنا أبو عبد الله محمد بن المحسن بن الملجي أنه قدم دمشق وله في وصفها أبيات من قصيدة ذكرها ابن ابنه أبو المظفر نصر بن منصور بن الحسن بدمشق عنه ، منها :

لو أن دارا أخبرت عن ناسها

لسألت رامة عن ظباء كناسها

بل كيف تسأل دمنة ما عندها

علم بوحشتها ولا إيناسها

ممحوة العرصات يشغلها البلى

عن ساحبات الريط فوق دهاسها

بيض إذا انضاع النسيم من الصبا

خلناه ما ينضاع من أنفاسها

يا صاحبيّ سقي منازل جلّق

غيث يروّي ممحلات طساسها

فرواق جامعها فباب بريدها

فمشارب القنوات من باناسها

فلقد قطعت بها زمانا للصبا

واللهو مخضرا كخضرة آسها

قبل النوى وسهامه مشغولة

الأفواق لم تبلغ إلى برجاسها

من لي برد شبيبة قضيّتها

فيها وفي حمص وفي ميماسها

وزمان لهو بالمعرة مونق

بسياثها وبجانبي هرماسها

وجدت بخط أبي الفرج غيث بن علي الأرمنازي شيخنا أبياتا من قصيدة ذكر أنها للأمير أبي الفتح الحسن بن عبد الله بن أبي حصينة المعري يمدح بها منيع بن شبيب بن وثّاب بن جعفر بن سابق بن هياج بن بشار في سنة ٤٥٣ :

أتجزع كلما خفّ القطين

وشطّت بالخليط نوى شطون

وهم صرموا حبالك يوم سلع

وخانك منهم الثقة الأمين

__________________

(١) قال الأزهري : هو ثوب مصري وأراه منسوبا إلى قرية اسمها دبيق.

١٨٠