إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٤

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٤

وكتاب فيه أمالي من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن شيوخه. وهي سبعة أجزاء سبع كراريس.

ومن الأمالي التي لم تتم ولم يفرد لها اسما ما مقداره مائة كراسة ، منها تفسير شواهد الجمهرة.

وجمع شعر أخيه أبي الهيثم عبد الواحد لولده زيد.

وجمع شعر الأمير أبي الفتح بن أبي حصينة السلمي وشرح مواضع منه ، في ثلاث مجلدات ، فذلك جميعه سبع وستون مصنفا (١).

فصل

(في ذكر رحلته إلى بغداد وعوده إلى معرة النعمان وانقطاعه في منزله)

(عن الناس وتسمية نفسه رهن المحبسين رحمه‌الله)

رحل إلى بغداد لطلب العلم والاستكثار منه والإطلاع على الكتب ببغداد ، ولم يرحل لطلب دنيا ولا رفد. وقد ذكر ذلك في قصيدته التي قرأتها على شيخنا أبي علي الحسن ابن عمرو الموصلي بحلب قال : أنشدنا الخطيب أبو الفضل عبد الله بن أحمد الموصلي قال : أخبرنا الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي إجازة قال : أنشدنا أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان لنفسه وكتبها من بغداد إلى أهله ـ يريد بالمعرة ـ :

أإخواننا بين الفرات وجلّق

يد الله لا خبّرتكم بمحال

أنبئكم أني على العهد سالم

ووجهي لمّا يبتذل بسؤال

__________________

(١) أقول : طبع من مؤلفاته (لزوم ما لا يلزم) في الهند في بومباي ثم في مصر (وسقط الزند) طبع هذا مرارا في مصر (وضوء السقط) طبع في بيروت (وقسم كبير) من رسائله جمعت في كتاب وطبعت في بيروت و (رسالة الغفران) طبعت في مصر و (رسالة ملقى السبيل) وهي رسالة فلسفية نشرت في مجلة المقتبس في السنة السابعة. وقد أطال الكلام على هذه المطبوعات جرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة العربية (جلد ٢ ص ٢٦٢).

١٢١

وأني تيمّمت العراق لغير ما

تيمّمه غيلان عند بلال

فأصبحت محسودا بفضلي وحده

على بعد أنصاري وقلة مالي

وغيلان هو ذو الرمة ، قصد بلال بن أبي بردة بن أبي موسى. يريد أنه لم يستجد أحدا ا ه.

وكان ترك والدته بمعرة النعمان ولما عاد إلى المعرة وجدها قد ماتت.

أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي عن أبي جعفر محمد بن مؤيد بن حواري ، أخبرني جدي أبو اليقظان قال : ولزم يعني أبا العلاء منزله عند منصرفه من بغداد منذ سنة أربعمائة وسمى (نفسه) رهن المحبسين للزومه منزله وذهاب عينيه.

وقرأت بخط أبي محمد الحسن بن الفرج البحتري الأديب في آخر سقط الزند بروايته عن الخطيب التبريزي وخط التبريزي عليه : ورحل يعني أبا العلاء إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ودخلها سنة تسع وتسعين ، وأقام بها سنة وستة أشهر ، ولزم منزله عند منصرفه من بغداد منذ سنة أربعمائة وسمى نفسه رهن المحبسين لهذا ولذهاب عينيه.

أنبأنا أبو عبد الله محمد بن محمود النجار قال : كتب إلينا الوزير أبو غالب عبد الواحد ابن مسعود بن الحصين قال : ورحل إلى بغداد في سنة ثمان وتسعين فدخلها في سنة تسع وتسعين وأقام بها سنة ونصفا ، ثم عاد إلى المعرة في سنة أربعمائة ولزم منزله بها وأمسك عن أكل اللحم خمسا وأربعين سنة.

سمعت والدي أبا الحسن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة فيما تأثره عن أسلافه قال : رحل أبو العلاء المعري من المعرة إلى بغداد ، واتفق يوم وصوله إليها موت الشريف الطاهر يعني أبا أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم ، وهو والد الشريفين الرضي والمرتضى ، فدخل أبو العلاء إلى التعزية والناس مجتمعون والمجلس غاص بأهله ، فتخطى بعض الناس فقال له بعضهم ولم يعرفه : إلى أين يا كلب؟ فقال؟ الكلب من لا يعرف للكلب كذا وكذا اسما (١) ، ثم جلس في أخريات المجلس إلى أن قام الشعراء وأنشد ، فقام

__________________

(١) عبارة ياقوت سبعين اسما.

١٢٢

أبو العلاء وأنشد قصيدته الفائية التي أولها :

أودى فليت الحادثات كفاف

مال المسيف وعنبر المستاف

يرثي بها الشريف المذكور ، فلما سمعه الرضي والمرتضى قاما إليه ورفعا مجلسه وقالا له : لعلك أبو العلاء المعري ، قال : نعم ، فأكرماه واحترماه. ثم إنه بعد ذلك طلب أن تعرض عليه الكتب التي في خزائن بغداد ، فأدخل إليها وجعل لا يقرأ عليه كتاب إلا حفظ جميع ما يقرأ عليه.

سير إليّ قاضي المعرة شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سليمان جزءا فيه أخبار سلفه من بني سليمان وكتبه لي بخطه قال ـ وذكر أبا العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان ـ : ورحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة ودخلها سنة تسع وتسعين وأقام بها سنة وسبعة أشهر ولقي بها أبا أحمد عبد السلام بن الحسين البصري المعروف بالواجكا صاحب الرواية رحمه‌الله. وكتب إليه أخوه أبو الهيثم عبد الواحد بن عبد الله ابن سليمان يستعطفه على مخلفيه بالشام ويسأله العود :

يا ربّ قد جنح الوميض وغارا

فاسق المواطر زينبا ونوارا

أختين صاغهما الشباب وعصره

ماء يصفّقه النعيم ونارا

من نسوة بالبخل أصبح فخرها

ومعاشر كرموا ندى ونجارا

أسديتين ترى القليل عليهما

شرفا وصمّ السمهرية زارا

يضعون أوزار الوغى وتراهم

متلفّعين مهابة ووقارا

مستبشرين إلى الطراد وإنما

يلقون منه أسنة وشفارا

لا يفهم النجوى لسان وليدهم

حتى يشق على العدوّ مغارا

نحروا العشار فما تمدّ (١) مداهم

يوما وإن غدت الرمال عشارا

لا يألفون محلة وسواهم

يصفي الوداد مآلفا وديارا

بغداد لا سقيت ربوعك ديمة

وغدت رياضك حنظلا ومرارا

أنت العروس يروق ظاهر أمرها

وتكون شينا في اليقين وعارا

أضرمت قلبي باجتذابك ماجدا

كالسيف أعجب رونقا وغرارا

__________________

(١) في الطبعة المصرية : تمل.

١٢٣

منّيته محضا فلما شفّه

ظمأ أتاك به سقيت سمارا

وجلبته فنحاك يعتسف الردى

ويخوض منه لجّة وغمارا

شغفا بدار العلم فيك وقلبه

ما زال ربعا للعلوم ودارا

ما زدت عما عنده فسقاك من

رفع السماء نقيصة وعثارا

وأجار أهلك في المعاد فإنهم

أوفى الخلائق ذمة وجوارا

لولاك ما خطت البرية عنسة (١)

وأثرن من ذاك الحزيز غبارا

متلفعات بالحميم كأنما

يبدو على وضح الركايب قارا

فلئن أقمن بسيف دجلة رتّعا

فبما قطعن مفاوزا وحرارا

قيّدن في أسر الكلال وطالما

أحيين ليلا بالسرى ونهارا

أأبا العلاء نداء عبد أدركت

منه النوى لما نأت بك دارا

تحوي بأربعها النجاء كأنما

يعجلن نهبا أو يطأن جمارا

وتعلّ بعد الظمء غمرة آجن

أبدا يرشح نفسه الأطمارا

يروي الوجوه فإن تروّى شارب

منه تأوّد سكرة وخمارا

ولعل فضلك ينثني بك طالبا

برا تبذّ بفعله الأبرارا

وأتت صروف الدهر قبل ندامة

تذكي الغليل وتنجز الأقدارا

حاشاك أن تبدي الجفاء لخلة

وتعيد أقران الوفاء قصارا

أدرك بإدراك المعرة مهجة

تفنى عليك مخافة وحذارا

أغرت نواك بها الحمام مناجزا

ونجابها حسن الرجاء مرارا

بلغت بك الهمم المراد فأيأست

منك الحسود ولم تنط بك عارا

فأقمت في الزوراء ثم غدوت في

أفق المفاخر كوكبا سيّارا

فاجنح على مرضاة ربك طالبا

منه الجزاء وجانب الإصرارا

واسلم لقومك إذ غدوت لمجدهم

تاجا تشرّف فضله وسوارا

ولما قدم من بغداد عزم على العزلة والانقضاب من العالم فكتب إلى أهل المعرة :

«بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب إلى السكن المقيم بالمعرة شملهم الله بالسعادة ،

__________________

(١) في الطبعة المصرية : ما خطت البدية عيسه.

١٢٤

من أحمد بن عبد الله بن سليمان خص به من عرفه وداناه ، سلم الله الجماعة ولا أسلمها ولمّ شعثها ولا آلمها. أما الآن فهذه مناجاتي بعد منصرفي عن العراق مجتمع أهل الجدل وموطن بقية السلف ، بعد أن قضيت الحداثة فانقضت وودعت الشبيبة فمضت ، وحلبت الدهر أشطره وجربت خيره وشره ، فوجدت أقوى ما أصنعه أيام الحياة أن اخترت عزلة تجعلني من الناس كبارح الأروى من سانح النعام ، وما ألوت نصيحة لنفسي ولا قصرت في اجتذاب المنفعة إلى خيري (١) ، فأجمعت على ذلك واستخرت الله فيه بعد جلائه عن نفر يوثق بخصائلهم ، فكلهم رآه حزما وعده إذا تم رشدا ، وهو أمر أسري عليه بليل قضي ببقّة وخبّت به النعامة ، ليس بنتيج الساعة ولا ربيب الشهر والسنة ، ولكنه غذي الحقب المتقادمة ، وسليل الفكر الطويل. وبادرت إعلامهم ذلك مخافة أن يتفضل منهم متفضل بالنهوض إلى المنزلة الجارية عادتي بسكناه ، ليلقاني فيه فيتعذر ذلك عليه ، فأكون قد جمعت بين سمجين سوء الأدب وسوء القطيعة ، ورب ملوم لا ذنب له ، والمثل السائر : خلّ أمرأ وما اختار ، وما أسمحت القرون بالإياب حتى وعدتها أشياء ثلاثة : نبذة كنبذة فتيق النجوم ، وانقضابا من العالم كانقضاب القائبة من القوب ، وثباتا في البلد إن جلا أهله من خوف الروم ، فإن أبى من يشفق علي أو يظهر الشفق إلا النفرة مع السواد كانت نفرة الأعصب أو الأدماء.

وأحلف ما سافرت أستكثر من النشب ولا أتكثر بلقاء الرجال ، ولكن آثرت الإقامة بدار العلم فشاهدت أنفس ما كان لم يسعف الزمن بإقامتي فيه ، والجاهل مغالب القدر ، فلهيت عما استأثر به الزمان ، والله يجعلهم أحلاس الأوطان لا أحلاس الخيل والركاب ، ويسبغ عليهم النعمة سبوغ القمراء الطلقة على الظبي الغرير ، ويحسن جزاء البغداديين ، فلقد وصفوني بما لا أستحق ، وشهدوا لي بالفضيلة على غير علم ، وعرضوا علي أموالهم عرض الجد ، فصادفوني غير جذل بالصفات ولاهش إلى معروف الأقوام ، ورحلت وهم لرحلتي كارهون وحسبي الله وعليه فليتوكل المتوكلون» ا ه.

وإنما قيل له «رهن المحبسين» للزومه منزله وكف بصره ، فأقام مدة طويلة في منزله مختفيا لا يدخل عليه أحد ، ثم إن الناس تسببوا إليه حتى دخلوا عليه. فكتب الشيخ أبو

__________________

(١) في الطبعة المصرية : حيزي. وقد ضبطت بعض الألفاظ المحرفة الأخرى في هذه الرسالة على الطبعة المصرية.

١٢٥

صالح محمد بن المهذب إلى أخيه أبي الهيثم عبد الواحد بن عبد الله بن سليمان رحمهما‌الله في ذلك :

بشمس زرود لا ببدر معان

ألمّا وإن كان الجميع شجاني

أراها أبت إلا النوى بي مغرما

ولو رضيت هجرانها لكفاني

تمنّ بإهداء السلام تجاهلا

ولو علمت أن الرقاد جفاني

هبي هجعة كيما أرى الطيف مرة

بها تحت أرواق الدجى ويراني

لعلي أشفي علتي بلقائه

فكم من خليل زارني فشفاني

لقد أولع الدهر المشتت بيننا

ليالي لا يعبثن بالرشقان

وفكّ قيود اليعملات مقيدا

مدى الدهر لا يغني من الرشفان

فما رجّعت إلا النحيب حمامة

لا خيّمت إلا بأيكة بان

أمسمعة لم تشف ما بي من الجوى

تعاني الهوى من أربع ومغان

ليهنك لو أسمعتني رهج الوغى

بقضب قيون لا بقضب قيان

تخيّلن حتى كل نجم بدا لها

سهيل بحكم الوخد والذملان

نصافنها دون الصوافن وردنا

وما هو إلا من نطاف شنان

أبرق كليل لاح من جانب الحمى

أم السيف هزته يمين جبان

بجهلك شمت السيف والسيف مغمد

وكلّ رقيق الشفرتين يمان

أبى ذاك لي إلا الأوام وإن ذا

ليردي الردى من غلّة الشنآن

وبرد حداد قد طويت منمنم

وهل بردة تطوى بغير بنان

تلفعته حتى إذا ما ألفته

رمى الصبح في أثنائه بسنان

وسابغة نضو المعالي وقفتها

ليوم جراء (١) لا ليوم طعان

تقول إذا ماجبتها ألغارة

أتيت وإلا جبتني لرهان

فكم صاحب لي جئته من مراده

بأمنيّة أو من أذى بأمان

أشيم حسامي دونه إن أرابه

مريب وإن لم يرضه فلساني

وودّ كريم لو ينال خلايقا

هي النجم زادته علوّ مكان

__________________

(١) في الأصل : خراب.

١٢٦

تخير قلبي والحشا ثم إنه

ثوى بمحل عن سواه مصان

أبا الهيثم اسمع ما أقول فإنما

تعين على ما رمت خير معان

قريضي هجاء إن حرمت مديحه

لأروع وضاح الجبين هجان

أطل على بغداد كالغيث جاءها

به سعد نجم في أجلّ أوان

نضاها ثياب المجد وهي لباسها

وبدّ لها من شدّة بليان

فيا طيب بغداد وقد أرجت به

على بعدها الأطراف من أرجان

غدا بكم المجد المضيء وإنه

ليقمر من أضوائه القمران

مسرّ المعالي دوننا هل تسرّها

بطون وهاد أو ظهور رعان

نأى ما نأى والموت دون فراقه

فما عذره في النأي إذ هو دان

فكن حاملا مني إليه رسالة

تبين إلينا في هضاب أبان

فإن قال أخشى من فلان تشبها

فقل ما فلان عندنا كفلان

هو الخلّ ما فيه اختلال مودة

فلا تخش منه زلة بضمان

فإن خنت عهدا أو أسأت خليقة

ولم يك شأني في المودة شاني

فلا أحسنت في الحرب إمساك مقبضي

يميني ولا يسراي حفظ عناني

لعل حياتي أن تعود نضيرة

لديه كما كانت وطيب زماني

وهذا أبو صالح قائل هذا الشعر هو أبو صالح محمد بن المهذب بن علي بن المهذب ابن أبي حامد بن محمد بن همام التنوخي المعري ، كان كبير القدر جليل الأمر ، فاضلا عالما زاهدا محدثا شاعرا ، حدث بالكثير عن أبي العلاء المعري وجده علي بن المهذب بن محمد ، والقاضي أبي عمرو وعثمان بن عبد الله بن إبراهيم قاضي معرة النعمان وجماعة سواهم. وكان ابن عمة أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان.

فصل

(في ذكر ذكاء أبي العلاء وفطنته وسرعة حفظه وألمعيته وتوقد خاطره وبصيرته)

أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي القرطبي ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن مؤيد ابن حواري كتابة قال : أخبرني جدي أبو اليقظان قال : كان مولد الشيخ أبي العلاء بن

١٢٧

سليمان بمعرة النعمان ، وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة رحمه‌الله.

وقرأت بخط أبي محمد الحسن بن القاسم البحتري في آخر سقط الزند وقد قرأه على التبريزي وعليه خطه وذكر أبا العلاء فقال : وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة ا ه.

وسمعت والدي أبا الحسن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة يقول فيما يأثره عن أسلافه قال : كان أبو العلاء على غاية من الذكاء والحفظ. وقيل له : بم بلغت هذه الرتبة في العلم؟ فقال : ما سمعت شيئا إلا وحفظته ، وما حفظت شيئا فنسيته ا ه.

أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب مشافهة عن أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني قال في ذكر أبي العلاء بن سليمان : وحكى تلميذه أبو زكريا التبريزي أنه كان قاعدا في مسجده بمعرة النعمان بين يديه يقرأ عليه شيئا من تصانيفه ، قال : وكنت قد أتممت عنده سنتين ولم أر أحدا من بلدي ، فدخل مغافصة المسجد بعض جيراننا للصلاة ، فرأيته وعرفته وتغيرت من الفرح ، فقال لي أبو العلاء : ما أصابك؟ فحكيت له أني رأيت جارا لي بعد أن لم ألق أحدا من بلدي منذ سنتين ، فقال لي : قم وكلمه ، فقلت حتى أتمم السبق ، فقال : قم أنا أنتظرك ، فقمت وكلمته بالأذربيجيّة شيئا كثيرا إلى أن سألت عن كل ما أردت ، فلما عدت وقعدت بين يديه قال لي : أي لسان هذا؟ قلت : هذا لسان أهل آذربيجان ، فقال : ما عرفت اللسان ولا فهمته ، غير أني حفظت ما قلتما ، ثم أعاد لفظنا بلفظ ما قلنا ، فجعل جاري يتعجب غاية العجب ويقول : كيف حفظ شيئا لم يفهمه ا ه.

قرأت في كتاب «جنان الجنان ورياضة الأذهان» لابن الزبير المصري (هو القاضي الرشيد أبو الحسن أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسين بن الزبير) قال : حدثني القاضي أبو الفتح محمود بن القاضي إسماعيل بن حميد الدمياطي قال : حدثني أبي قال : حدثني هبة الله بن موسى المؤيد في الدين ، وكانت بينه وبين أبي العلاء صداقة ومراسلة قال : كنت أسمع من أخبار أبي العلاء وما أوتيه من البسطة في علم اللسان ما يكثر تعجبي منه ، فلما وصلت المعرة قاصدا الديار المصرية لم أقدم شيئا على لقائه ، فحضرت إليه ،

١٢٨

واتفق حضور أخي معي ، وكنت بصدد أشغال يحتاج إليها المسافر ، فلم أسمح بمفارقته والاشتغال بها ، فتحدثت مع أخي حديثا باللسان الفارسي ، فأرشدته إلى ما يعمله فيها ، ثم عدت إلى مذاكرة أبي العلاء ، فتجارينا الحديث إلى أن ذكرت ما وصف به من سرعة الحفظ وسألته أن يريني من ذلك ما أحكيه عنه ، فقال : خذ كتابا من هذه الخزانة قريبة منك واذكر أوله ، فإني أورده عليك حفظا ، فقلت : كتابك ليس بغريب إن حفظته ، قال : قد دار بينك وبين أخيك كلام بالفارسية إن شئت أعدته ، قلت : أعده ، فأعاده ما أخل والله بحرف منه ، ولم يكن يعرف اللغة الفارسية ا ه.

وأخبرني عنه بمثل هذه الحكاية والدي رحمه‌الله تعالى فيما يأثره عن الشيوخ الحلبيين قال : كان لأبي العلاء جار أعجمي بمعرة النعمان ، فغاب في بعض حوائجه عن معرة النعمان ، فحضر رجل غريب أعجمي قد قدم من بلاد العجم يطلبه فوجده غائبا ، وهو مجتاز لم يمكنه المقام ، وذلك القادم لا يعرف اللسان العربي ، فأشار إليه أبو العلاء أن يذكر حاجته إليه ، فجعل يتكلم بالفارسية وأبو العلاء يصغي إليه ، إلى أن فرغ من كلامه وهو لا يفهم ما يقول ، ومضى الرجل وقدم جار أبي العلاء العجمي الغائب وحضر عند أبي العلاء ، فذكر له حال الرجل وطلبه له ، وجعل يعيد عليه بالفارسية ما قال والرجل يبكي ويستغيث ويلطم على رأسه ، إلى أن فرغ أبو العلاء ، وسئل عن حاله ، فأخبرهم أنه أخبر بموت أبيه وإخوته وجماعة من أهله ، أو كما قال.

قال لي والدي : وبلغني من ذكاء أبي العلاء وحسن حفظه أن جارا له سمّانا كان بينه وبين رجل من أهل المعرة معاملة ، فجاءه ذلك الرجل فدفع إليه السمان رقاعا كتبها إليه يستدعي فيها حوائج له ، وكان أبو العلاء في غرفة مشرفة عليهما يسمع محاسبته له ، وأعاد الرجل الرقاع إلى السمان ، ومضى على ذلك أيام ، فسمع أبو العلاء ذلك السمان وهو يتأوه ويتململ ، فسأله على حاله فقال : كنت حاسبت فلانا برقاع كانت له عندي وقد عدمتها ولا يحضرني حسابه ، فقال : لا عليك ، تعال إلي فأنا أحفظ حسابكما ، وجعل يملي عليه معاملته جميعها وهو يكتبها ، إلى أن فرغ وقام ، فلم يمض إلا أيام يسيرة فوجد السمان الرقاع وقد جذبها الفأر إلى زاوية في الحانوت ، فقابل بها ما أملاه عليه أبو العلاء فلم يخط في حرف واحد.

١٢٩

وأخبرني قاضي معرة النعمان شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سليمان فيما تأثره عن المعريين أن الشيخ أبا العلاء لما دخل بغداد لم يعرض عليه شيء من الكتب إلا وحفظها ، وأخبرهم أنه يحفظ كل شيء سمعه ، وطلبوا كتابا لا يعرفه ليمتحنوه به ، فأحضروا دستور الخراج الذي في الديوان وجعلوا يوردون ذلك عليه مياومة وهو يسمع ، إلى أن فرغوا من ذلك ، فابتدأ أبو العلاء وسرد عليهم كل ما أوردوه عليه.

وقفت على كتاب سيّره إلي بعض الرؤساء بحلب وضعه الشريف أبو علي المظفر بن الفضل بن يحيى العلوي الإسحاقي الحسيني نزيل بغداد ، وهو من ولد الشريف أبي إبراهيم العلوي الحراني ، وأصله من حلب ، وكان أبوه حاجب الباب ببغداد ، ورد هذا الشريف علينا حلب زائرا أهله بها ، فذكر فيه قال : حدثني والدي رضي‌الله‌عنه وأرضاه يرفعه إلى ابن منقذ قال : كان بأنطاكية خزانة كتب ، وكان الخازن بها رجلا علويا ، فجلست يوما إليه فقال : قد خبأت لك غريبة ظريفة لم يسمع بمثلها في تاريخ ولا كتاب منسوخ ، قلت : وما هي؟ قال : صبي دون البلوغ ضرير يتردد إليّ وقد حفّظته في أيام قلائل عدة كتب ، وذلك لأنني قرأت عليه الكراسة والكراستين مرة واحدة فلا يستعيد إلا ما يشك فيه ، ثم يتلو عليّ ما قد سمعه كأنه كان محفوظه ، قلت : فلعله يكون يحفظ ذلك ، قال : سبحان الله ، كل كتاب في الدنيا محفوظ له؟ وإن كان كذلك فهو أعظم. ثم حضر المشار إليه وهو صبي دميم الخلقة مجدور الوجه على عينيه بياض من أثر الجدري كأنه ينظر بإحدى عينيه قليلا ، وهو يتوقد ذكاء ، يقوده رجل طوال من الرجال أحسبه يقرب من نسبه ، فقال له الخازن ، يا ولدي ، هذا رجل شريف القدر ، وقد وصفتك عنده ، وهو يحب أن تحفظ اليوم ما يختاره لك ، فقال : سمعا له وطاعة فليختر ما يريد ، قال ابن منقذ : فاخترت شيئا وقرأته على الصبي وهو يموج ويستزيد ، فإذا مر به شيء يحتاج إلى تقريره في خاطره يقول : أعد هذا ، فأورده عليه مرة واحدة ، حتى انتهيت إلى ما يزيد على كراسة ، ثم قلت له : يقنع هذا من قبل نفسي ، قال : أجل حرسك الله ، قلت : كذا وكذا وتلا عليّ ما أمليته عليه وأنا أعارضه بالكتاب حرفا حرفا حتى انتهى إلى حيث وقفت عليه ، فكاد عقلي يذهب لما رأيت منه ، وعلمت أن ليس في العالم من يقدر على ذلك إلا أن يشاء الله ، وسألت عنه فقيل لي : هذا أبو العلاء التنوخي من بيت العلم والقضاء والثروة والغناء.

١٣٠

وهذه الحكاية فيها من الوهم ما لا يخفى ، وذلك أنه قال : كان بأنطاكية خزانة كتب إلى آخر ما ذكره ، وهذا شيء لا يصح ، فإن أنطاكية أخذها الروم من أيدي المسلمين في ذي الحجة من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، وولد أبو العلاء بعد ذلك بأربع سنين وثلاثة أشهر في ربيع الأول من سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ، وبقيت أنطاكية في أيدي الروم إلى أن فتحها سليمان بن قطلمش في سنة سبع وسبعين وأربعمائة ، وكان أبو العلاء قد مات قبل ذلك في سنة تسع وأربعين وأربعمائة ، وأخلاها الروم من المسلمين حين استولوا عليها ، فلا يتصور أن يكون بها خزانة كتب وخازن وتقصد للاشتغال بالعلم. ويحتمل عندي أن يكون هذا بكفر طاب ، فقد كانت كفر طاب مشحونة بأهل العلم ، وكان بها من يقرأ الأدب ويشتغل به قبل أن يهجمها الفرنج في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ، وكانت لأبي المتوج مقلد بن نصر بن منقذ في أيام أبي العلاء ، فلعله تصحف كفر طاب بأنطاكية ، وتصحيفها بها غير مستبعد ، فإن كان كذلك فابن منقذ الحاكي لهذه الحكاية هو أبو المتوج مقلد بن نصر بن منقذ وأبوه نصر ، وكفر طاب قريبة من معرة النعمان. ويحتمل أن ذلك كان بحلب ، فإن أبا العلاء دخل حلب وهو صبي ، واجتمع بمحمد بن عبد الله بن سعد النحوي ورد عليه خطأه في شعر المتنبي على ما ذكرناه في ذكر شيوخه الذين أخذ عنهم ، فيحتمل أن هذه الحكاية التي حكاها ابن منقذ كانت بحلب ، وأبو المتوج بن منقذ كان بحلب وله بها دار ومنزل ، وكان بها خزانة كتب في الشرفية التي بجامع حلب في موضع خزانة الكتب اليوم ، واتفقت فتنة في بعض أيام عاشوراء بين أهل السنة والشيعة ونهبت خزانة الكتب ، وكان ذلك في زمن أبي العلاء ، ولم يبق في خزانة الكتب إلا القليل ، وجدد الكتب فيها بعد ذلك الوزير أبو النجم هبة الله بن بديع وزير الملك رضوان ، ثم وقف غيره كتبا أخربها. وقد ذكر أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي هذه الخزانة في قصيدته التائية التي كتبها من القسطنطينية يداعب أحد أصدقائه بها ، قال فيها :

أبلغ أبا الحسن السلام وقل له

هذا الجفاء عداوة الشيعية

فلأطرفنّ بما صنعت مكابرا

وأبث ما لاقيت منك لبنكة

ولأجلسنّك للقضية بيننا

في يوم عاشوراء بالشرفية

حتى أثير عليك فيها فتنة

تنسيك يوم خزانة الصوفية

وهذا أبو الحسن سالم بن علي بن تميم الفقيه ابن الكفر طابي المعروف بالحمّامي ، وكان

١٣١

من فضلاء حلب ، وكان سنّي المذهب وأبو محمد الخفاجي شيعيّ ، وكان بينهما مودة ، ومكابر وبنكة من غوغاء الشيعة ، فيحتمل أن أبا العلاء لما دخل حلب وهو صبي اتفق له بخزانة الكتب ما ذكره ابن منقذ.

وقد ذكر بعض المصنفين أن أبا العلاء رحل إلى دار العلم بطرابلس للنظر في كتبها ، واشتبه عليه ذلك بدار العلم ببغداد ، ولم يكن بطرابلس دار علم في أيام أبي العلاء ، وإنما جدد دار العلم بها القاضي جلال الملك أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن عمار في سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة ، وكان أبو العلاء قد مات قبل الملك في سنة تسع وأربعين وأربعمائة ، ووقف ابن عمار بها من تصانيف أبي العلاء الصاهل والشاحج ، والسجع السلطاني ، والفصول والغايات ، والسادن ، وإقليد الغايات ، ورسالة الإغريض.

قرأت في كتاب تتمة اليتمية لأبي منصور الثعالبي ، وذكر أبا العلاء المعري فقال : وكان حدثني أبو الحسن الدلفي المصيّصي الشاعر ، وهو ممن لقيته قديما ، وحديثا في مدة ثلاثين سنة قال : لقيت بمعرة النعمان عجبا من العجب ، رأيت أعمى شاعرا ظريفا يلعب بالشطرنج والنرد ، ويدخل كل فن من الجد والهزل ويكنى أبا العلاء ، وسمعته يقول : أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر ، وقد صنع لي وأحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء والبغضاء. وهذا إن صح عن أبي العلاء فقد كان ذلك في حال حداثته ، فإن أبا العلاء رحمه‌الله كان بعيدا من اللعب والهزل.

أخبرنا قاضي المعرة شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سليمان قال : سمعت جماعة من أهلنا يقولون : كان أبو العلاء متوقد الخاطر على غاية من الذكاء من صغره ، وتحدث الناس بذلك وهو إذ ذاك صبي صغير يلعب مع الصبيان ، فكان الناس يأتون إليه ليشاهدوا منه ذلك ، فخرج جماعة من أهل حلب إلى ناحية معرة النعمان وقصدوا أن يشاهدوا أبا العلاء وينظروا ما يحكى عنه من الفطنة والذكاء ، فوصلوا إلى المعرة وسألوا عنه فقيل لهم : هو يلعب مع الصبيان ، فجاؤوا إليه وسلموا عليه فرد عليهم‌السلام ، فقيل له : إن هؤلاء جماعة من أكابر حلب جاؤوا لينظروك ويمتحنوك ، فقال لهم : هل لكم في المقافاة بالشعر؟ فقالوا : نعم ، فجعل كل واحد منهم ينشد بيتا وهو ينشده على قافية حتى فرغ محفوظهم بأجمعهم وقهرهم ، فقال لهم : أعجزتم أن يعمل كل واحد منكم بيتا

١٣٢

عند الحاجة إليه على القافية التي يريد؟ فقالوا له : فافعل أنت ذلك ، قال : فجعل كلما أنشده واحد منهم بيتا أجابه من نظمه على قافيته حتى قطعهم كلهم ، فعجبوا منه وانصرفوا.

ومن أعجب ما بلغني عن فطنته وذكائه ما سمعت والدي رحمه‌الله يحكيه عنه فيما تأثره عن مشايخ أهل حلب أن أبا العلاء لما نظر إلى بغداد واجتاز في طريقه وهو راكب على جمل بشجرة فقيل له : طأطىء رأسك ، ففعل ، وأقام ببغداد مدة إقامته بها ، فلما عاد من بغداد إلى معرة النعمان اجتاز بذلك الموضع وقد قطعت تلك الشجرة ، فطأطأ رأسه ، فسئل عن ذلك فقال : ههنا شجرة ، فقيل له : ما ههنا شيء ، فقال : بلى قد كان ههنا شجرة حين عبرت هذا منحدرا إلى بغداد ، فحفروا في ذلك الموضع فوجدوا أصلها ا ه.

وأخبرني بعض آل المهذب المعريين أن أهل المعرة يذكرون فيما ينقلونه عن سلفهم أن أبا العلاء بن سليمان لما سافر إلى بغداد دفع بعض أهله إلى خادمه الذي كان سافر معه لخدمته ماء من بئر بالمعرة يقال له بئر القراميد ، وقال له : إذا أراد العود من بغداد فاسقه من هذا الماء ، قال : فلما خرج من بغداد متوجها إلى معرة النعمان سقاه ذلك الماء ، فقال أبو العلاء : ما أشبه هذا الماء بماء بئر القراميد ا ه.

أخبرنا القاضي شهاب الدين أحمد بن مدرك بن سليمان قاضي المعرة قال : أخبرني جماعة من سلفنا أن بعض أمراء حلب قيل له : إن اللغة التي ينقلها أبو العلاء إنما هي من الجمهرة ، وعنده من الجمهرة نسخة ليس في الدنيا مثلها ، وأشاروا عليه بطلبها منه قصدا لأذاه ، فسيّر أمير حلب رسولا إلى أبي العلاء يطلبها منه ، فأجابه بالسمع والطاعة وقال : تقيم عندنا أياما حتى نقضي شغلك ، ثم أمر من يقرأ عليه كتاب الجمهرة فقرئت عليه حتى فرغوا من قراءتها ، ثم دفعها إلى الرسول وقال له : ما قصدت بتعويقك إلا أن أعيدها على خاطري خوفا من أن يكون قد شذ منها شيء عن خاطري ، فعاد الرسول وأخبر أمير حلب بذلك فقال : من يكون هذا حاله لا يجوز أن يؤخذ منه هذا الكتاب. وأمر برده إليه. ا ه.

وقرأت في بعض مطالعاتي في الكتب ووجدته معلقا عندي بخطي أن رجلا من طلبة

١٣٣

العلم باليمن وقع إليه كتاب في اللغة سقط أوله وأعجبه جمعه وترتيبه ، فاتفق أنه حج ، فحمله معه ، وكان إذا اجتمع بأديب أراه ذلك الكتاب وسأله عنه هل يعرفه أو يعرف مصنفه ، فلم يجد أحدا يخبره بذلك ، فأراه في بعض الأحيان لبعض الأدباء وكان ممن يعلم حال أبي العلاء بن سليمان وتبحره في العلم ، فدله عليه ، فخرج ذلك الرجل إلى الشام ووصل إلى معرة النعمان واجتمع بأبي العلاء بن سليمان وعرفه ما حمله على الرحلة إليه ، وأحضر إليه ذلك الكتاب وهو مقطوع الأول ، فقال له أبو العلاء : اقرأ منه شيئا ، فقرأه عليه ، فقال له أبو العلاء : هذا الكتاب اسمه كذا ومصنفه فلان بن فلان ، ثم ابتدأ أبو العلاء فقرأ له أول الكتاب إلى أن انتهى إلى ما هو عند ذلك الرجل ، فنقل ذلك الرجل ما نقص من الكتاب عن أبي العلاء وأكمل النسخة ، وانفصل إلى اليمن وأخبر أهل العلم بذلك. وقيل إن هذا الكتاب المذكور هو ديوان الأدب للفارابي والله أعلم.

وذكر القاضي الرشيد أبو الحسين أحمد بن علي بن إبراهيم ابن الزبير المصري في كتاب «جنان الجنان» قال : حدثني القاضي أبو عبد الله محمد بن سندي القنّسريّ بمصر قال : حدثني أبي قال : بتنا عند أبي العلاء المعري في الوقت الذي كان يملي فيه شعره المعروف بلزوم ما لا يلزم ، فأملى في ليلة واحدة ألفي بيت كان يسكت زمانا ثم يملي قريبا من خمسمائة بيت ، ثم يعود إلى الفكرة والعمل ، إلى أن أكملت العدة المذكورة.

أخبرني ناصر بن موفق بن فرج السّلمي المراكشي بالقاهرة ، وكان من أهل الأدب قال : نقلت من طرة على كتاب الأغاني للرقيق : قال محمد بن أبي بكر ويعرف بالحاتمي : ارتحلت أريد المعرة لألقى أبا العلاء بن سليمان ، فبينما أنا في بعض طريقي وإذا بشاب حسن الصورة وسيم الوجه وهو أعور وهو راكب على عير ومعه شخص وضيء الوجه حسن الصورة يعتبه عتابا لطيفا ، فلما انتهى إلى آخر عتابه قال له الشاب الأعور منشدا :

إن كنت خنتك في الهوى

فحشرت أقبح من فضيحه

قال الحاتمي : فرمت أن أزيد على هذا البيت شيئا فلم أستطع لكثرة طربي به ، إلى أن انتهيت إلى المعرة ودخلت على أبي العلاء بن سليمان ، وكان أول حديثي معه أن تذاكرنا في أبيات من الشعر ذكر منها بيت جهل قائله وهو :

إنما تسرح آساد الشرى

حيث لا تنصب أشراك الحدق

١٣٤

فقال : لقد أضاء بصيرة وإن عمي بصرا ، فقلنا له : أتعرف لمن الشعر؟ فقال : لا ، فبحثنا معه فوجدناه لبشار بن برد ، ثم خلوت معه فسألني : من أنت؟ فقلت : أنا فلان ، فقال : أنشدني شيئا من شعرك ، فأنشدته ، ثم انتهى حديثي معه إلى أن حكيت له حكاية الشاب الذي لقيته في طريقي وأنسيت أن أقول له إنه كان أعور فقال : فلما أنشدته :

إن كنت خنتك في الهوى

فحشرت أقبح من فضيحه

فقلت له : لم أستطع أن أزيد على هذا البيت شيئا ، فأسرع أن قال لي : فألّا زدت عليه :

وجحدت نعمة خالقي

وفقدت مقلتي الصحيحه

قال : فقلت : والله ما كان إلا أعور ، فمن أين لك هذا؟ قال : شمت إحدى عينيه على بيته.

أخبرنا أبو يوسف يعقوب بن محمود بن الحسين الساوي بالديار المصرية عن الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني قال : سمعت أبا الحسن علي بن بركات بن منصور التاجر الرحبي بالذنبة من مضافات دمشق يقول : سمعت أبا عمران المغربي يقول : عرض على أبي العلاء التنوخي الكفيف كف من اللوبياء ، فأخذ منها واحدة ولمسها بيده ثم قال : ما أدري ما هي ، إلا أني أشبهها بالكلية ، فتعجبوا من فطنته وإصابة حدسه.

سمعت القاضي بهاء الدين أبا محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن الخشاب الحلبي رحمه‌الله يقول : بلغني أن أبا العلاء بن سليمان قال لجماعة حضروا عنده : عدّوا علي الألوان ، فقالوا : أبيض وأخضر وأصفر وأسود وأحمر ، فقال : هو ملكها ، يعني الأحمر.

وسمعت والدي رحمه‌الله وغيره قال : بلغني أن أبا العلاء قال : أذكر من الألوان الحمرة وأعرفه ، وذلك أنني لما جدرت ألبست ثوبا أحمر ، فأنا أعرف لون الحمرة من ذلك الثوب ، وهذا من فرط ذكائه ، فإنه لما جدّر كان عمره أربع سنين وشهرا.

وحكي أن أبا محمد الخفاجي الحلبي لما دخل على أبي العلاء بن سليمان بالمعرة سلم عليه ولم يكن يعرفه أبو العلاء ، فرد عليه‌السلام وقال : هذا رجل طوال ، ثم سأله عن صناعته فقال : أقرأ القرآن ، فقال : اقرأ علي شيئا منه ، فقرأ عليه عشرا ، فقال له : أنت

١٣٥

أبو محمد الخفاجي الحلبي؟ فقال : نعم ، فسئل عن ذلك فقال : أما طوله فعرفته بالسلام ، وأما كونه أبا محمد فعرفته بصحة قراءته وأدائه بنغمة أهل حلب ، فإنني سمعت بحديثه.

وقد ذكر ابن بسّام المغربي في كتابه المعروف بالذخيرة أن أبا الفضل محمد بن عبد الواحد البغدادي نفذ من بغداد رسولا عن الخليفة القائم بأمر الله إلى المعز بن باديس الصنهاجي ملك القيروان حين رام الخطبة لبني العباس ومخالفة ملوك مصر العبيديين ، فلما اجتاز بالمعرة اجتمع بأبي العلاء المعري فاستنشده ، فأنشده قصيدة لامية يمدح بها صاحب حلب ، فقبل المعري بين يديه (١) وقال له : بأبي أنت من ناظم ، وما أراك إلا رسول أمير المؤمنين القائم إلى المعز ملك القيروان ، فاطو خبرك فالعيون لم ترك. فلحق بالمعز.

سمعت والدي رحمه‌الله يقول : بلغني أن أبا العلاء بن سليمان كان يعجبه قصيدة التهامي التي يرثي بها ولده ، وأولها :

حكم المنية في البرية جار

ما هذه الدنيا بدار قرار

قال : فكان لا يرد عليه أحد من أهل العلم إلا ويستنشده إياها لإعجابه بها ، فقدم التهامي معرة النعمان ودخل على أبي العلاء فاستنشده إياها ، فأنشدها ، فقال له : أنت التهامي؟ فقال : نعم ، وكيف عرفتني؟ فقال : لأنني سمعتها منك ومن غيرك فأدركت من حالك أنك تنشدها من قلب قريح ، فعلمت أنك قائلها.

هذا معنى ما ذكره لي والدي رحمه‌الله ا ه.

نقلت من خط أبي الحسن علي بن مهند بن علي بن مقلد بن منقذ في كتابه الموسوم بالبداية والنهاية قال : وحدثني أبي قال : حدثني جد أبي رحمه‌الله قال : وصل إنسان عراقي إلى المعرة ، فأنفذ يختبر الشيخ أبا العلاء مع بعض تلاميذه فقال : قل للشيخ : ما في هذه الأبيات الرجز من المعاني واللغة :

صلب العصا بالضرب قد دمّاها

إذا أرادت رشدا أغواها

يود أن الله قد أفناها

__________________

(١) في الطبعة المصرية : بين عينيه.

١٣٦

فلما طرحت على الشيخ فكر فيها ساعة ثم قال : غريبة والله! هذا يصف راعيا بصلابة عصاه أنه يضرب الإبل ليتخير لها المرعى ، فقد دمّاها : أي يجعلها مثل الدمى ، إذا أرادت رشدا : وهو حبّ الرشاد ، وهو أغواها : رعاها في حبّ ، يود أن الله قد أفناها : أي أطعمها حبّ الفنا وهو عنب الثعلب. فمضى تلميذه فعرّف الرجل العراقي فلم يبت الرجل في المعرة (١).

فصل

(في ذكر حرمته عند الملوك والخلفاء والأمراء والوزراء)

وما زالت حرمة أبي العلاء في علاء وبحر فضله موردا للوزراء والأمراء ، وما علمت أن وزيرا مذكورا وفاضلا مشهورا مرّ بمعرة النعمان في ذلك العصر والزمان إلا وقصده واستفاد منه ، أو طلب شيئا من تصنيفه ، أو كتب عنه. وسيأتي في أثناء فصول هذا التصنيف ما يدل على علو مرتبته وقدره المنيف.

وقد كان المستنصر المتولي على مصر أحد العبيديين الذين ادعوا الخلافة بذل لأبي العلاء ما ببيت المال بمعرة النعمان من الحلال ، فلم يقبل منه شيئا ، وسنذكر ذلك في موضعه. وكذلك داعي دعاتهم بمصر أبو نصر هبة الله بن موسى المؤيد في الدين حين بلغه أن الذي يدخل لأبي العلاء في السنة من ملكه نيف وعشرون دينارا ، كتب إلى تاج الأمراء ثمال ابن صالح ، وكان إذ ذاك نايبا عن العبيديين بحلب وبمعرة النعمان بأن يجري له ما تدعو إليه حاجته بجميع مهامه وأسبابه ، وما يحتاج إليه مما هو بلغة له من ألذ الطعام ، وأن يضاعف حرمته ويرفع منزلته عند الخاص والعام ، فامتنع من قبول ذلك ، وسنذكره أيضا في موضعه عند الحاجة إلى ذكره.

__________________

(١) ورد البيتان الأول والثاني في «كتاب العصا» لأسامة بن منقذ في سلسلة نوادر المخطوطات ، وشرحها ثمة : قوله «بضربة» أي بسيرة ، قال الله تبارك وتعالى (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) : سافرتم. وقوله «دماها» أي تركها كالدمى ، واحدتها دمية وهي الصور في المحاريب. وقوله «أغواها» أي رعاها الغواء ، وهو نبت تسمن عليه الإبل.

١٣٧

وكان الأمير عزيز الدولة أبو شجاع فاتك بن عبد الله أمير حلب يطلب منه أن يصنف له تصانيف ويحترمه ويرفع رتبته ويقبل شفاعته ، وقدم إليه إلى معرة النعمان. وقد أشرنا في الفصل المتضمن ذكر مصنفاته إلى شيء من ذلك. وكذلك أمير الجيوش أنوشتكين الدزبري أمير حلب ودمشق كان يثني على أبي العلاء ويخفي المسألة عنه ويوجه إليه بالسلام ، فعمل له كتاب شرف السيف.

وأخبرني بهاء الدين أبو إسحق إبراهيم بن شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد قال : أخبرني أبي قال : أخبرني جدي أبو المجد محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله قال : كان ظهر بمعرة النعمان منكر في زمان صالح بن مرداس ، فعمد شيوخ البلد إلى إنكار ذلك المنكر ، فأفضى إلى أن قتلوا الضامن بها وأهرقوا الخمر وحافوا ، فجمعهم إلى حلب واعتقلهم بها ، وكان فيهم بعض بني سليمان ، فجاء الجماعة إلى الشيخ أبي العلاء وقالوا له : إن الأمر قد عظم وليس له غيرك ، فسار إلى حلب ليشفع فيهم ، فدخل إلى بين يدي صالح ولم يعرفه صالح ثم قال له : السلام عليك أيها الأمير ، الأمير أبقاه الله كالسيف القاطع لان وسطه وخشن جانباه ، وكالنهار الماتع قاظ وسطه وطاب جانباه (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) فقال له : أنت أبو العلاء؟ فقال : أنا ذاك ، فرفعه إلى جانبه وقضى شغله وأطلق له من كان من المحبّسين من أهل المعرة ، فعمل فيه قال : قال لي أبي : قال لي جدي : وأنشدها أبو العلاء لنفسه :

ولما مضى العمر إلا الأقلّ

وحان لروحي فراق الجسد

بعثت رسولا إلى صالح

وذاك من القوم رأي فسد

فيسمع مني هديل الحمام

وأسمع منه زئير الأسد

فلا يعجبنّي هذا النفاق

فكم نفّقت محنة ما كسد

كذا ذكر لي بهاء الدين أبو إسحق أنه سار إلى حلب ، وما أظن أن أبا العلاء بعد رجوعه إلى معرة النعمان من بغداد خرج عن المعرة ، ولهذا سمى نفسه رهن المحبسين.

وقد قرأت هذه الحكاية في تاريخ سيّره إليّ بعض الهاشميين بحلب لأبي غالب همام بن الفضل بن جعفر بن المهذب قال : سنة سبع عشرة وأربعمائة : فيها صاحت امرأة في الجامع يوم الجمعة يعني بمعرة النعمان ، وذكرت أن صاحب الماخور أراد أن يغصبها نفسها ، فنفر

١٣٨

كل من في الجامع إلا القاضي والمشايخ وهدموا الماخور وأخذوا خشبه ونهبوه ، وكان أسد الدولة صالح في نواحي صيدا. ثم قال في هذا التاريخ : سنة ثمان عشرة وأربعمائة : فيها وصل الأمير أسد الدولة صالح بن مرداس إلى حلب وأمر باعتقال مشايخ المعرة وأماثلها ، فاعتقل سبعون رجلا في محبس الحصن سبعين يوما ، وذلك بعد عيد الفطر بأيام ، وكان أسد الدولة غير مؤثر لذلك ، وإنما غلب تاذرس على رأيه ، وكان يوهمه أنه يقيم عليهم الهيبة. ولقد بلغنا أنه خاطبه في ذلك فقال له : أقتل المهذب وأبا المجد يعني أخا أبي العلاء بسبب ماخور ، فما أفعل. وقد بلغني أنه دعي لهم في آمد وميّافارقين ، وقطع عليهم ألف دينار ، واستدعى الشيخ أبا العلاء بن عبد الله بن سليمان رحمه‌الله بظاهر معرة النعمان ، فلما حصل عنده في المجلس قال له أبو العلاء : مولانا الأمير السيد الأجل أسد الدولة ومقدمها وناصحها ، كالنهار الماتع اشتد هجيره وطاب أبرداه ، وكالسيف القاطع لأن صفحه وخشن حداه (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) فقال صالح : قد وهبتهم لك أيها الشيخ ، ولم يعلم الشيخ أبو العلاء أن المال قطع عليهم ، وإلا كان قد سأل فيه. ثم قال الشيخ أبو العلاء بعد ذلك شعرا :

تغيبت في منزلي برهة

ستير العيوب فقيد الحسد

فلما مضى العمر إلا الأقلّ

وحمّ لروحي فراق الجسد

بعثت شفيعا إلى صالح

وذاك من القوم رأي فسد

فيسمع مني سجع الحمام

وأسمع منه زئير الأسد

فلا يعجبنّي هذا النفاق

فكم نفّقت محنة ما كسد

وقد ذكر بعض الرواة أن صالحا قال له عند ما أنشده هذا الشعر : نحن الذين تسمع منا سجع الحمام وأنت الذي نسمع منك زئير الأسد.

وهذا تاذرس المشار إليه في هذه الحكاية هو تاذرس بن الحسن النصراني ، وكان وزير صالح بن مرداس وصاحب السيف والقلم ، وكان متمكنا عنده ، وكان في نفسه من أهل المعرة شيء لأنهم قتلوا حماه الخوري ، وكان يؤذيهم فتتتبع قتلته وصلبهم وقتلهم ، فلما أنزلوا عن الخشب ليصلى عليهم ويدفنوا قال الناس حينئذ يكايدون النصارى : قد رأينا عليهم طيورا بيضا ، وما هي إلا الملائكة. فبلغت هذه الكلمة تاذرس فنقمها على أهل المعرة واعتدّها ذنبا لهم ، فلما اتفقت هذه الواقعة من نهب الماخور شدد تاذرس عليهم لذلك.

١٣٩

والمهذب المذكور هو الشيخ أبو الحسن المهذب ابن (١) ... في أكل الطيبات وقهرا للنفس ، وقال له في آخر كلامه : وما حثني على ترك أكل الحيوان (٢) أن الذي لي في السنة نيف وعشرون دينارا ، فإذا أخذ خادمي بعض ما يجب بقي لي ما لا يعجب ، واقتصرت على فول وبلسن وما لا يعذب على الألسن. فأجابه بجواب يطلب فيه تحقيق القول ويقول في آخر رسالته : وقد كاتبت مولاي تاج الأمراء يعني ثمال بن صالح أن يتقدم بإزالة العلة فيما هو بلغة مثله من ألذ الطعام ومراعاته به على الإدرار والدوام ، لتكشف عنه غاشية هذه الضرورة ، ويجري في أمر معيشته على أحسن ما يكون من الصورة. فامتنع أبو العلاء من قبول ذلك وأجابه بجواب دفع ذلك عنه (٣). وسنذكر المراسلات بينهما إن شاء الله تعالى فيما يجيء من فصول هذا الكتاب ، والله الموفق للصواب.

فصل

في ذكر اضطلاعه بالعلم والأدب ومعرفته باللغة ولسان العرب

أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي فيما أذن لنا فيه ، وقد قرأت عليه غير ذلك فقال : أخبرنا أبو السعادات هبة الله بن العلوي المعروف بابن الشجري قال : حدثني أبو زكريا التبريزي قال : ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة ولم يعرفها المعري ، ولقد اتفق قوم ممن يقرأ عليه ووضعوا حروفا وألّفوها كلمات وأضافوا إليها من غريب اللغة ووحشيها كلمات أخرى ، وسألوه عن الجميع على سبيل الامتحان ، فكان كلما وصلوا إلى كلمة مما ألّفوه ينزعج لها وينكرها ويستعيدها مرارا ، ثم يقول : دعوا هذه ، والألفاظ اللغوية

__________________

(١) هنا نقص من الأصل.

(٢) هذه العبارة في آخر رسالته الثانية إلى أبي نصر بن أبي عمران كما في المعجم.

(٣) حيث قال في آخر رسالته الرابعة إليه كما في المعجم أيضا : وود العبد الضعيف العاجز لو أن قلعة حلب وجميع بلاد الشام جعلها الله ذهبا لينفقه تاج الأمراء ونصير الدولة النبوية على إمامها عليه‌السلام ، وكذلك على الأئمة الطاهرين من آبائه من غير أن يصير إلى العبد الضعيف من ذلك قيراط.

وهو يستحي من حضرة تاج الأمراء أن ينظر إليه بعين من رغب في العاجلة بعدما وهب ، وهو رضي أن يلقى الله جلت قدرته ، وهو لا يطالب إلا بما فعل من اجتناب اللحوم ، فإن وصل إلى هذه الرتبة فقد سعد.

١٤٠