تاريخ ابن يونس المصري - ج ٢

أبي سعيد عبد الرحمان بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري

تاريخ ابن يونس المصري - ج ٢

المؤلف:

أبي سعيد عبد الرحمان بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري


المحقق: الدكتور عبد الفتاح فتحي عبد الفتاح
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3193-1

الصفحات: ٥٦٨
الجزء ١ الجزء ٢

أن «تاريخ المصريين» وجدنا ضمن بقاياه تراجم لبعض علماء الصعيد ، فهم داخلون ـ إذن ـ فى مادته التاريخية ، فلا داعى لإفراد كتاب عن هؤلاء ، اللهم إلا إذا كانت لدى مؤرخنا مادة معقولة عن أحداث الصعيد ، ورجاله ، تسمح له بإفراد كتاب عن هؤلاء العلماء المجاهيل ، الذين أراد إنصافهم ، والتعريف بعلمهم (١). لكن سكوت المصادر عن مجرد ذكر عنوان الكتاب ، وإمكانية الوفاء بهذا الغرض من خلال «تاريخ المصريين» ، يجعلنا ـ فى النهاية ـ نرجح أن نسبة هذا الكتاب الأخير إلى مؤرخنا غير صحيحة.

وأخيرا ، فإننا نكتفى بهذا الحديث المقتضب عن تلك المؤلفات التاريخية لمؤرخنا «ابن يونس» لحين تفصيل القول فيها عند كتابة «مدخل إلى دراسة تاريخى ابن يونس».

٥ ـ حول ملامح ، وسمات شخصيته :

أعتقد أن من تمام ترجمة الشخصية محاولة الكشف عن سماتها وملامحها الخلقية والخلقية والعقلية ، بحيث ينظر إليها القارئ كأنه يراها. وللأسف ، فإن شخصية مؤرخنا «ابن يونس» لا نجد فى المصادر المترجمة لها ـ على كثرتها النسبية ـ ما يجلّى هذه الملامح ، أو حتى يتعرض لها من بعيد. وفى محاولة متواضعة منى ، حاولت أن أستشف شيئا من ذلك ، عن طريق استنطاق نصوص كتابيه المعروفين ؛ كى أخرج منهما ببعض من إشارات خفيفة سريعة عن هذه السمات على النحو الآتى :

__________________

العربى) ٢ / ٨٤ ، ود. الشيال فى (تاريخ مصر الإسلامية) ١ / ١٢٨. أما د. شاكر مصطفى ، فذكر الكتاب دون ذكر المصدر الذي نقل عنه (التاريخ العربى والمؤرخون) ٢ / ٢٠٠.

(١) تجدر الإشارة إلى أن أول كتاب مطبوع نعرفه فى (تاريخ علماء الصعيد) هو كتاب (الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد) للأدفوى (٦٨٥ ـ ٧٤٨ ه‍). وقد صرح مؤلفه (ص ٥) : أن شيخه (أبا حيّان محمد بن يوسف الأندلسى الغرناطىّ) أشار عليه غير مرة بعمل هذا الكتاب ، وأضاف المؤلف أنه مبتكر هذا العمل. وقد اعترض على ذلك المحقق فى (صفحة ع من مقدمة التحقيق ، وفى هامش ٣ ص ٥ من مقدمة المؤلف) ، وقال : سبقه إلى ذلك ابن يونس ، ومحمد ابن عبد العزيز الإدريسى (ت ٦٤١ ه‍) ، وأحال على (كشف الظنون). وبالفعل ذكر (حاج خليفة) للمؤرخ الأخير كتاب (المفيد فى أخبار صعيد). (كشف الظنون ، ط. الهند) مجلد ٤ ص ١٧٧٧. إذا حاج خليفة هو صاحب المصدر الوحيد لنسبة هذا الكتاب إلى ابن يونس. ونرجح أن ذلك من أوهامه ، فلو كان هذا الكتاب موجودا ، لذكره الأدفوى فى النصوص التى اقتبسها من ابن يونس ، لكنه كان ينسبها إلى (تاريخ مصر) ؛ مما يقوى الرأى الذي رجّحناه.

٣٠١

أ ـ وضوحه وصراحته (١) :

وأعنى بالوضوح والصراحة أن شخصية ابن يونس لا تعرف الالتواء ، ولا الغموض ، ولا تلبس الحق بالباطل ، وإنما تدلف إلى الحقيقة من أخصر طريق ، وأيسر سبيل.

وهاكم بعض الأمثلة على ذلك : إذا علم أن لبعض المترجمين روايات ، لكنه لم يقف عليها ، ولم يجدها ، فإنه لا يستنكف عن التصريح بذلك فى مواقف عديدة ، مثل قوله : «قد بلغنى أن له حديثا ، وما وقعت له رواية عندى» (٢). وقوله عن آخر : «حدّث ، ولم يقع إلىّ له رواية» (٣).

وقوله عن ثالث ، ورابع : «قيل : إنه روى عن ابن وهب. ولم يقع إلىّ من حديثه شىء» (٤) ، و «ما كتبت عنه شيئا» (٥).

من المعلوم أن ابن يونس ـ وكما سنرى فى ملامح منهجه التاريخى ـ يغلب عليه الاهتمام بتراجم المحدّثين. وفى بعض الأحيان ، تذكر مصادره مصرية بعض الشخصيات ، لكنه ـ بعد البحث والتنقيب ـ لا يقف على أية مرويات حديثية لها فى تلك المصادر ، ولا فى غيرها ، عندئذ يصرح بذلك ، فيقول : «ما علمت له رواية» (٦) ، و «لم أجد لهم عنه رواية» (٧) ، و «لم يقع إلىّ لهما عن أهل مصر حديث» (٨) ، و «لم يقع

__________________

(١) لعل مؤرخنا استمد هذه الصفة من جده (يونس) ، الذي كان أحد الشهود فى مصر ، وكان يتصف بالصراحة ، والقوة فى الحق دون تراجع ولا مواربة. وقد شهد أن (إبراهيم بن أبى أيوب) سرق ثلاثين ألف دينار من بيت المال ، وكرر ذلك القول أكثر من مرة ، فقد أعطاه القاضى (الحارث بن مسكين) هو وأخاه (محمد بن مسكين) المفتاح ؛ لإخراج بعض المال من بيت المال ، فاتهم به (إبراهيم) ، ومن هنا وقع الخلل. (القضاة للكندى ص ٤٧٠ ، ورفع الإصر (١ / ١٧٤).

(٢) تاريخ المصريين (ترجمة شعران بن عبد الله الحضرمى ، رقم ٦٤٥).

(٣) المصدر السابق (ترجمة عبد الكريم بن عمار السّلهمىّ ، رقم ٨٧٣).

(٤) السابق (ترجمة عبد الوهاب بن سعيد الحرسىّ ، رقم ٨٩٦).

(٥) السابق (ترجمة الصبّاح بن الحسن القتبانىّ ، رقم ٦٤٤). ومدلول هذا التعبير : أن المترجم له وردت عنه مرويات ـ وإن لم يصرّح بذلك فيما وجدنا من بقايا هذه الترجمة ـ لكنه لسبب ، أو لآخر لم يكتب عنه شيئا.

(٦) السابق (ترجمة صمّل بن عوف المعافرى ، رقم ٦٧٠).

(٧) السابق (ترجمة عابس بن ربيعة الغطيفىّ ، رقم ٦٧٨).

(٨) السابق (ترجمة عبد الله بن بديل الخزاعى ، وأخوه أبو عمرو ، رقم ٧٢٠).

٣٠٢

إلىّ له مسند» (١).

وثمة نمطان أخيران من هذه الأمثلة :

الأول : فى حالة إحساس ابن يونس أن ترجمته للشخصية غير وافية ولا كافية ، يقول : «وما أعرفه بغير هذا» (٢). كأنما يعتذر عن قصور مادة الترجمة ، ويعلنها بكل صراحة ووضوح : إن هذا هو مبلغ علمى وجهدى.

الثانى : عند جهله بإحدى جزئيات الترجمة المهمة ، مثل : عدم معرفته بتاريخ قدوم المترجم له إلى مصر ، كان يبيّن ذلك بكل صراحة ، فيقول : «وما عرفنا وقت قدومه» (٣).

وكذلك إذا جهل نسب المترجم له ، ولم يتأكد أنه هو الذي يعرفه ، كان يصرح بعجزه عن معرفته (٤) ، وأخيرا ، يبلغ ابن يونس ذروة الأمانة العلمية ، عندما يشك فى سنة ميلاد أحد المترجمين ، فيذكر أن الشك إنما وقع منه هو ـ لاختلال فى الضبط ـ لا من مصدر الرواية «يحيى بن بكير» (٥).

ب ـ دقّته ، وحسن فهمه :

هاتان الصفتان من أهم صفات العالم الحق ، والمؤرخ الفذّ ؛ ولذلك فقد كان مؤرخنا ابن يونس «رحمه‌الله» حريصا على التحلّى بهما. وعلى ذلك شواهد عديدة ، منها : أنه ـ بعد البحث والتحرى ـ كان يقف ـ بالضبط ـ على عدد الأحاديث ، التى رواها بعض المترجمين ، ورغم ذلك لم يكن يقطع ـ تواضعا ودقة منه ـ بتلك المعلومة ، بل كان يتبعها بقوله : «فيما علمت (٦) ، وفيما أعلم (٧)». وأحيانا ، لا يجد للمترجم له رواية

__________________

(١) أى : حديث مسند. (السابق ، ترجمة عبد العزيز بن علىّ بن رباح ، رقم ٨٦١).

(٢) السابق (ترجمة عمرو بن حمران البجلىّ ، رقم ١٠١٨).

(٣) السابق (ترجمة الصحابى شمعون بن زيد ، رقم ٦٥٥).

(٤) راجع ترجمة (إبراهيم الأنصارى) فى (تاريخ الغرباء) رقم (١) ، قال فيها ابن يونس : (إن لم يكن إبراهيم بن عبد الله بن ثابت بن قيس بن شمّاس ، فلا أدرى من هو).

(٥) تاريخ المصريين (ترجمة عيّاش بن عقبة الحضرمى ، رقم ١٠٥١) ، وفيها : (قال يحيى بن بكير : ولد سنة أربع وسبعين ، أو وتسعين ـ الشك من ابن يونس).

(٦) المصدر السابق (ترجمة بكر بن سوادة ، رقم ١٨٣) ، وفيها قال : (أغرب بحديث عن عقبة بن عامر ، لم يروه غيره ، فيما علمت).

(٧) المصدر السابق (ترجمة عذرة بن المصعب ، رقم ٩٣٢) ، وفيها قال : (أسند ثلاثة أحاديث ، فيما أعلم).

٣٠٣

حديثية ، فيقول : «ليست له رواية نعلمها» (١) ؛ إذ قد يجد غيره روايات لم يقف هو عليها. وقد لا يحدد ما طالع من أحاديث المترجم له ، فيعبّر عن ذلك بدقة ظاهرة ، فيقول : «وقد رأيت من حديثه» (٢). وكان ابن يونس يستقصى مظانّ الحديث فى كافة مصادره ، فلا يجده ـ أحيانا ـ سوى فى كتاب واحد ، يقوم بتحديده (٣). وقد يذكر المعلومة ، وهو غير متيقن ، فيعبّر عن ذلك بلفظة تناسب ذلك «أحسبه» (٤).

وأخيرا ، فقد كان ابن يونس لا يلحق ببعض المترجمين ، وإنما يلقى من يحدّث عنه (٥) ؛ ولذلك كان يتبع الدقة والأمانة الواجبة ، فلا يزعم روايته عن المترجم له.

وكذلك كان يفرق ـ بدقة ـ بين ذوى الأسماء المتشابهة ، وذلك عن طريق علمه الدقيق بالأساتيذ الحديثية (٦).

وتمتع ابن يونس بنظر ثاقب ، وفكر صحيح ؛ إذ كان يحسن ـ فى ذلك الوقت المبكر ـ فهم وإدراك سبل التعلّم وطرائقه. لقد كان على يقين تام بأن ذلك يقوم على عدة أسس متكاملة لا فكاك منها ، وهى «الفهم ، والكتابة ، والحفظ ، والمذاكرة» (٧) وهذا يدل على براعة الفكر التربوى لمؤرخنا ابن يونس ، الذي يصلح على الدوام ، وبه تستوعب العلوم ، ويتم التقدم والازدهار.

__________________

(١) تاريخ المصريين (ترجمة ربيعة بن عيدان الحضرمى الصحابى ، رقم ٤٦٦).

(٢) السابق (ترجمة سالم بن عبد الله التونى ، رقم ٥٢٣).

(٣) السابق (ترجمة يعقوب القبطى ، رقم ١٤١٠) ، وفيها قال : (لم أجد هذا الحديث فى غير كتاب ابن عفير).

(٤) السابق (ترجمة أسميفع بن الشاعر بن يريم ، رقم ١٣٣) ، وفيها قال : (وقد روى عمرو بن جابر الحضرمى ، عن أسميفع. وأحسبه هذا).

(٥) تاريخ الغرباء (ترجمة عبد الصمد بن الفضل المتوفى سنة ٢٤٣ ه‍ ، رقم ٣٣٣).

(٦) السابق (ترجمة عمران بن حصين الضبىّ ، رقم ٤٢٢) ، وفيها قال : (ما جاء لأهل الكوفة عن سعد بن أوس العبسىّ ، عن عمران بن حصين فهو الضبى ، لا الصحابى).

(٧) وردت بعض عناصرها فى بعض التراجم ، فكان يركز على الجمع بين الحفظ ، والفهم ، والكتابة (السابق : ترجمة ١٣٨). وذكر الفهم والحفظ فى (السابق : ترجمة ٤٠٦). وذكر العناصر الواردة بالمتن ما عدا الحفظ فى (السابق : ترجمة ٣٣٧) ، لكنه مفهوم ضمنا. وهذا لا يعنى أنه لا يفهم ضرورة توافر كل العناصر معا ؛ لإنجاح التعلّم ؛ لأنه يحكمه فى ذكرها مستوى ما حصّل المترجم له من علم ، والطريقة والمستوى الذي وصل إليه ، والطريق الذي سلكه. ومن مجموع ما أورد عرفنا نظرته.

٣٠٤

ج ـ هدوء طبعه وموضوعيته ، وعفّة لسانه :

هذه سمة أخرى من سمات شخصية مؤرخنا «ابن يونس» ، وهى ذات أهمية بالغة ؛ لأن الهدوء والمنطق العقلانى ، والنزاهة فى القول ، مما يجب أن يتحلّى به العلماء الحقيقيون. وقد ضرب ابن يونس فى هذا المجال مثلا طيبا ، عن طريق ما خطّه قلمه من تعليقات هادئة ، لا إسفاف ولا ابتذال فيها ، يحكمه ـ فى ذلك كله ـ خلق قويم ، ولسان عفّ نزيه ، وموضوعية لا تعرف التحيز والهوى.

وقد سلك ابن يونس فى هذا الإطار مسالك شتى ، منها :

١ ـ أنه كان يفرق جيدا بين المستوى الأخلاقى والمستوى العلمى ، فقد يكون الرجل صالحا فاضلا ثقة ، لكن علمه لحقه شىء من الاضطراب والضعف (١) ، أو لم يكن على معرفة صحيحة قويمة بعلم معيّن (٢) ، فكان يعطيه حقه من الثناء. وينبّه على ما فى مستواه العلمى من خلل.

٢ ـ أنه كان يعبّر عن المستوى العلمى للمترجم له بصورة هادئة ، ومعبّرة فى الوقت ذاته ـ وبدقة ـ عن حقيقة حاله ، كما فى قوله عن أحد المحدّثين : «ليس بالقوى فى الحديث» (٣) ، وقوله عن آخر : «منكر الحديث» (٤). وأحيانا يميل إلى أن نكارة المرويات ترجع إلى الراوين عن المترجم له «فقد ينسبون إليه ما لم يحدّث به» (٥). وقد لا يكون لابن يونس فيه رأى محدد ، لكنه طالع تشكيك البعض فى وثاقته ، فكان يثبت ذلك

__________________

(١) كما فى (تاريخ المصريين ، ترجمة رشدين بن سعد ، برقم ٤٧٦). أما غير ابن يونس ، فكان أعنف رأيا ، وأقسى عبارة ، وأشد تصرفا (قال ابن يونس فى (المصدر السابق) : وأساء فيه يحيى ابن معين القول ، ولم يكن النسائى يرضاه ، ولا يخرّج له).

(٢) راجع السابق (ترجمة عبد العزيز بن قيس ، رقم ٨٦٢) ، قال : وكان ثقة ، ولكن لم يكن من أهل المعرفة بالحديث.

(٣) السابق (ترجمة زيد بن محمد السامى ، ترجمة ٥٢٠). وربما كان قصده أن أحاديثه ليست بدرجة الصحة الواجبة ، أو أن اهتمامه بالحديث كان يسيرا ؛ لأنه قال عنه : حدّث عن يونس ، وابن أخى ابن وهب بشىء يسير.

(٤) السابق (ترجمة شمر بن نمير ، رقم ٦٥٤). والمعنى : له أحاديث يخالف فى روايتها ما رواه الثقات.

(٥) كما ورد فى ترجمة (أسد بن موسى ، رقم ٨٧ فى «تاريخ الغرباء» ، قال عنه ابن يونس : حدّث بأحاديث منكرة ، وأحسب الآفة من غيره.

٣٠٥

الرأى بقوله : «تكلموا فيه» (١).

٣ ـ تبلغ نزاهة وعفة ألفاظ ابن يونس درجة عالية ، عندما يترجم لأشخاص ضعفاء فى الحديث ، أو حتى ممن حكم عليهم بوضع الأحاديث ، فلا نلمح عليه عصبية ، ولا نجد إفحاشا ولا سبابا ، وإنما نجد دقة فى وصف هؤلاء ، دون خروج عن حدود اللياقة والأدب (٢). وإذا أخطأ البعض ، نبّه على ذلك فى هدوء شديد (٣).

د ـ حب الصالحين والزهاد :

وأعتقد أن هذه الخلّة تنبع ـ أساسا ـ من البيئة ، التى نشأ فيها مؤرخنا ، فجدّه يونس كان يهتم بحكايات الصالحين والزهّاد (٤) ، وكان معروفا بأنه من ذوى الكرامات (٥). ولعل مؤرخنا ورث ذلك عن جده (٦) ، وانعكس ذلك على تراجمه فى مظهرين أساسيين :

__________________

(١) تاريخ الغرباء (ترجمة على بن زيد الفرائضى ، رقم ٤٠٥).

(٢) راجع (السابق ، ترجمة على بن خلف بن على البغدادى رقم ٤٠٣) ، قال عنه : لم يكن يسوى فى الحديث شيئا. وكذلك (ترجمة داود بن يحيى الصوفى الإفريقى ، رقم ١٩٦) ، قال عنه : ليس بشىء ، أحاديثه موضوعة.

(٣) ومثالا ذلك : قوله فى (تاريخ المصريين ، ترجمة عيّاش بن عقبة الحضرمى رقم ١٠٥١) عندما ذكر عبد الله بن يزيد المقرئ أنه عم ابن لهيعة ، فقال ابن يونس : أخطأ المقرئ ، ووهم فى ذلك. وفى (السابق ، ترجمة يعفر بن عريب القتبانى ، رقم ١٤٠٩) ، قال : زعموا أنه شهد فتح مصر. وفى ذلك نظر.

(٤) يشهد له بذلك ما ذكره من حكايات الصالحين والزهاد ، لما حضر جنازة لآل يوسف بن عمرو ابن يزيد ، وكان يحضرها القاضى (الحارث بن مسكين) ، وقد أثّر يونس فى الحاضرين ، حتى أبكى بعض أهل المجلس. وقد حاول القاضى التشكيك فى إخلاص يونس ؛ ربما لخلاف بينهما ، فردّ عليه يونس ردا مفحما ، قائلا له : أنت وليت القضاء ، ومن ولى القضاء فكأنما ذبح بغير سكين. (القضاة للكندى ص ٤٧٠ ـ ٤٧١ ، وترتيب المدارك ١ / ٥٧٥). وكذلك أورد له ابن خلكان حكاية ، رواها عن أحد الصالحين المخلصين ، وكيف أدى الله عنه دينه (وفيات الأعيان ٧ / ٢٥١ ـ ٢٥٢).

(٥) نصح ابن بكير رجلا ، شكا إليه الفقر ، أن يأتى يونس ، فيدعو له ، وعلّل ذلك ابن بكير بقوله : «فو الله ، إنى لأجد له بركة». (ترتيب المدارك : مجلد ٢ ص ٨٠).

(٦) أقصد حب الصالحين والزهاد. وعلى كل ، فنحن لا نعرف شيئا عن المستوى المعيشى لمؤرخنا (ابن يونس) ، وما إذا كان يعيش فى سعة من العيش ورخاء ، أم كان يمارس حياة التقشف والزهد. والنصوص التى وردت تتعلق بجده (يونس) الذي كان فقيرا ، شديد التقشف فى البداية ، ثم أقطع أرضا ، يزرعها ولا يدفع عنها خراجا سنين طويلة ، فكان ذلك أول غناه.

٣٠٦

أولهما : حرص ابن يونس على البحث عن القيم الأخلاقية فى مترجميه ، وإثباتها فى كتابيه ، وكثيرا ما يذكر صفات الزهد والعبادة ، والصلاح والفضل لمن يستحق الاتصاف بذلك منهم (١).

ثانيهما : يلاحظ أن الغالب على تراجم ابن يونس الوجازة والقصر ، إلا أنه ـ فى الغالب ـ يطيل فى تراجم الصالحين والعباد والزهاد ، ذاكرا تفاصيل صلاحهم ، وزهدهم ، وكثرة عبادتهم ، وبعض كراماتهم ، وبعض نواحى حياتهم (٢).

ه ـ حسه الوطنى الصادق :

وذلك واضح مما ذكرناه ـ قبلا ـ عن عدم ارتحاله خارج بلده مصر ، واقتصار مؤلّفيه التاريخيين على «علماء بلده ، وعلماء البلاد الأخرى الذين قدموا إلى بلده مصر ، فأفادوا واستفادوا». وبالنظر إلى بعض تراجم كتابيه ، نلمح نبرة الإعجاب بوطنه ، وذلك من خلال الحرص على الترجمة لأناس ، تروى عنهم عدة آثار ، تمجّد مصر ، وتذكر فضائلها ، ومظاهر الخير والثراء والنعيم بها ، إلى جانب ما تتمتع به من البركة والنماء والجمال منذ أقدم العصور (٣).

__________________

(ترتيب المدارك ٢ / ٧٩). فلعل مؤرخنا آل إليه شىء من إرث جده عن طريق والده ، كان يتكسب منه ؛ لأن العلم غلب على حياة مؤرخنا (من البداية إلى النهاية) ، ولابد أن يكون له مصدر رزق ثابت ، يكفيه هموم السعى على الرزق ، ويفرغه للعلم.

(١) راجع (تاريخ الغرباء) ، تراجم أرقام : ١١٩ ، ١٤٠ ، ٣٣٣ ، ٣٣٧.

(٢) راجع فى ذلك (تاريخ المصريين) : ترجمتى (٦١٤ ، ٦٧٣). وفى (تاريخ الغرباء (ترجمة ١١٩ ، ١٦٨ وهى مطولة). وأحيانا ، كان يكتفى ابن يونس بالإشارة إلى أن للمترجم له أخبارا تطول فى ذكر عبادته (راجع المصدر السابق : ترجمة ٢٠٢).

(٣) راجع فى ذلك (تاريخ المصريين) ، ترجمة عمرو بن العاصى رقم ١٠٢٦ ، وهى تتصل ببركات جبل المقطم ، ودفن عدد من الصحابة فى سفح المقطم) ، وترجمة الصحابى أبى بصرة الغفارى رقم ١٤٢٤ (وما قاله عن ملك مصر وخزائنها ، وما ورد عن ذلك فى القرآن منذ عهد يوسف (عليه‌السلام) ، وترجمة أبى رهم السّماعى رقم ١٤٢٩ (عن عظمة مصر ، وأنهارها ، وجسورها وقناطرها ، ونيلها وجناتها). وراجع (تاريخ الغرباء) ، ترجمة (كعب الأحبار) رقم ٤٦٦ : وصف مصر بأنها تشبه الجنة ، فى نباتاتها ، وأزهارها.

٣٠٧

ثالثا وأخيرا ـ دراسة كتابيه

«تاريخ المصريين ، وتاريخ الغرباء»

مدخل إلى دراسة كتابى ابن يونس :

بعد أن انتهينا من الترجمة لمؤرخنا ابن يونس وأسرته ، نقترب ـ الآن ـ شيئا فشيئا من الدراسة التحليلية المنهجية المفصّلة المقارنة لكتابيه : «تاريخ المصريين» ، و «تاريخ الغرباء». لكنّا ـ قبل الولوج فى غمار ذلك ـ رأينا أنه من أساسيات تلك الدراسة التمهيد بهذا المدخل ، الذي يتضمن الموضوعات الآتية :

أولا ـ عنوان الكتابين ، وموضوعهما ، وتوقيت تأليفهما

١ ـ الكتاب الأول «المتعلق بالمصريين» :

نظرا لفقد هذا الكتاب ، وعدم وجوده بين أيدينا ، فقد اعتمدنا فى معرفة «عنوانه» على ما أوردته المصادر المتأخرة الناقلة عنه ، ملاحظين ما سجلته فى صدر مقتبساتها «غالبا» ، وفى مؤخرتها «نادرا» من عناوين هذا الكتاب. وكذلك ما أوردته بعض تراجم مؤرخنا. وهاكم العناوين الآتية :

أ ـ «تاريخ مصر» : وهذا هو العنوان الأشهر ، الذي تواتر ذكره فى المصادر ، وغلب استخدامه فى الإشارة إلى هذا الكتاب. لقد ذكره ابن ماكولا فى «الإكمال» (١) ، والسمعانى فى «الأنساب» (٢) ، والذهبى فى «تاريخ الإسلام» (٣) ، والصفدى فى «الوافى بالوفيات» (٤) ، والإسنوى فى «طبقاته» (٥) ، وابن دقماق فى «الانتصار» (٦) ، والعراقى فى

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٥٢ (ترجمة ربيعة بن قيس الجملىّ الواردة فى كتاب ابن يونس برقم ٤٦٨).

(٢) ج ٢ ص ٤٠ (ترجمة شديد بن قيس الواردة لدى مؤرخنا برقم ٦٢٣) ، ج ٤ / ٤٥١ (ترجمة عاصم بن خيار برقم ٦٨٣) ، ج ٥ / ٥١٤ (ترجمة إبراهيم بن طلق بن السمح الواردة فى كتاب ابن يونس برقم ٧٣).

(٣) ج ٣ ص ٦٥٣ (ترجمة عبد الرحمن بن ملجم المذكورة عند ابن يونس برقم ٨٤٣).

(٤) ج ١ ص ٤٩ (مقدمة الصفدى لكتابه).

(٥) ج ١ ص ١٨ (ترجمة عبد الحميد بن الوليد الواردة لدى مؤرخنا برقم ٧٩٨).

(٦) القسم الأول ص ٥ ـ ٦ (ترجمة أبى بصرة الغفارى المذكورة رقم ١٤٢٤ فى كتاب ابن يونس).

٣٠٨

«ذيل ميزان الاعتدال» (١) ، والمقريزى فى «الخطط» (٢) ، وابن حجر فى «الإصابة» (٣) ، و «تهذيب التهذيب» (٤) ، والسيوطى فى «بغية الوعاة» (٥) ، والمقرى فى «نفح الطّيب» (٦) ، وغير ذلك (٧).

ب ـ «تاريخ المصريين» : وهذه تسمية أخرى لهذا الكتاب ، لعلها تتلو السابقة فى الشهرة. وقد وردت لدى ابن الفرضى فى «الألقاب» (٨) ، وابن عبد البر فى «الاستيعاب» (٩) ، والسمعانى ـ فى بعض مقتسبات ـ فى «الأنساب» (١٠) ، وابن عساكر فى «مخطوطة تاريخ دمشق» (١١) ، وغيرها.

__________________

(١) ص ١٤٦ ـ ١٤٧ (ترجمة حميد بن أبى الجون الإسكندرانى المذكورة لدى ابن يونس برقم ٣٥٦).

(٢) ج ١ ص ٣٣٢ ـ ٣٣٣ (ترجمة الحسن بن محمد بن أحمد العسّال الواردة برقم ٣٢٠) ، ج ٢ ص ٤٤٣ (ترجمة عمرو بن العاص رقم ١٠٢٦).

(٣) ج ٤ / ٦٩٣ (ترجمة عمرو بن معد يكرب رقم ١٠٣٤) ، ج ٥ ص ٦٠١ (ترجمة كعب بن عدى رقم ١١٠٦) ، ج ٥ ص ٧٦٢ (ترجمة مبرح بن شهاب رقم ١١٣٦) ، ج ٧ ص ١١٦ (ترجمة أبى خراش الرعينى رقم ١٤٢٦).

(٤) ج ٦ ص ١٩٩ (ترجمة عبد الرحمن بن عبد الحميد المهرى ، رقم ٨٢٦) ، ج ٦ ص ٢٥٨ (ترجمة عبد الرحمن بن نمران ، رقم ٨٤٦) ، ج ٧ / ٣٧٠ (ترجمة عمارة بن غراب ، رقم ٩٩٢).

(٥) ج ١ ص ٤. ذكره فى مصادر كتابه).

(٦) ج ٣ / ٦٠ ـ ٦١ (ترجمة عبد الرحمن بن شماسة ، رقم ٨٢٣).

(٧) ذكر شاكر مصطفى فى (التاريخ العربى والمؤرخين) ج ٢ ص ٢٠٠ : أن كتاب ابن يونس يسمى (تاريخ مصر) ، أو (طبقات العلماء المصريين). ولا أدرى مصدر التسمية الأخيرة ، فهى غير صحيحة ؛ لأن الكتاب غير مقسّم إلى طبقات.

(٨) ص ١٧٤ (ترجمة إبراهيم بن يزيد المصرى ، رقم ٧٠).

(٩) ج ٤ ص ١٤٥٥ (ترجمة مبرح بن شهاب ، رقم ١١٣٦).

(١٠) ج ١ ص ٤٨٧ (قال أبو سعيد بن يونس صاحب تاريخ المصريين. صدّر السمعانى بتلك المقولة ترجمة أحد الغرباء المنقولة عن «تاريخ الغرباء» لابن يونس ، وهو عمرو بن أبى سلمة الدمشقى ، برقم ٤٢٧). وكان حقه أن يصرح باسم (تاريخ الغرباء) بدل (المصريين) ، ما دام يترجم لأحد الغرباء. وورد عنوان (تاريخ المصريين) فى (الأنساب) ـ أيضا ـ ج ٤ / ٢٦٧ ـ ٢٦٨ (ترجمة الصحابى ربيعة بن عيدان الحضرمى ، رقم ٤٦٥ ، هامش ١١) ، ج ٥ ص ٢٤٩ (ترجمة عبد الله بن أبى رومان ، رقم ٧٣٢).

(١١). ١٠ / ٤٥٤ (ترجمة عبد الملك بن جنادة ، رقم ٨٧٧).

٣٠٩

ح ـ التاريخ «تاريخ ابن يونس» : وهو من عناوين الكتاب المذكور ، ويستخدم غالبا على سبيل الاختصار. وقد استخدمه السمعانى ـ أحيانا ـ فى «الأنساب» (١) ، ومغلطاى فى «مخطوطته» (٢) ، وابن حجر فى «تهذيب التهذيب» (٣).

د ـ «تاريخ أهل مصر» : وقد ورد فى مخطوطة «تاريخ دمشق» لابن عساكر (٤) ، وفى «الذيل والتكملة» للمراكشى (٥).

ه ـ «تاريخ علماء مصر» : وقد تفرد بذكره ـ فيما أعلم ـ الذهبى فى «سير أعلام النبلاء» (٦).

ملاحظات :

أ ـ شذّت بعض المصادر ، فخلطت بين كتاب «المصريين» ، وكتاب «الغرباء» ، فأطلق البعض على الأول اسم «تاريخ المغرب» ، ونسب إليه ترجمة أحد المصريين (٧) ، بينما أطلق عليه البعض الآخر اسم «تاريخ أهل مصر والمغرب» (٨).

ب ـ وكذلك شذّت بعض المراجع المعنية بذكر التاريخ والمؤرخين ، فيما عنيت به من ذكر كتب التراث ومؤلّفيه ، فسمّت هذا الكتاب ب «كتاب مصر» (٩).

ج ـ من الواضح أن المسمّيات الخمسة المذكورة عاليه متداولة فى المصادر الناقلة والمترجمة لابن يونس ، على تفاوت بينها فى الاستخدام داخل المصادر عامة ، وفى الإطار الداخلى لبعض المصادر خاصة. وقد اخترت منها اسم «تاريخ المصريين» ؛ لأنه

__________________

(١) ج ٢ ص ٤٠٢ (ترجمة عطاء بن دينار ، رقم ٩٤٣).

(٢) إكمال تهذيب الكمال : ق ١٦٣ (ترجمة على بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة ، رقم ٩٨١).

(٣) ج ٢ ص ٣٩٠ (ترجمة حكيم بن عبد الرحمن) ، قال : لم يذكره ابن يونس فى (تاريخه) ، أى : فى (تاريخ المصريين) ، وذكره فى (تاريخ الغرباء). وهو ـ بالفعل ـ موجود به ، برقم ١٦١).

(٤) ج ٩ ص ٩٨١ (ترجمة عبد الرحمن بن شماسة ، رقم ٨٢٣).

(٥) السفر الخامس ، القسم الثانى ص ٥٦٣ (ترجمة وردان ، رقم ١٣٦٩).

(٦) سير أعلام النبلاء ١٥ / ٥٧٨ (فى ذكر مؤلف ابن يونس عند الترجمة له).

(٧) النفح ٣ / ٩ (ترجمة عبد الله بن يزيد الحبلى ، رقم ٧٨٧).

(٨) الذيل والتكملة للمراكشى : السفر الرابع ص ١٤٥.

(٩) الإعلان للسخاوى (ط ٢ ـ روزنثال) ص ٦٤٥ ، وتاريخ الأدب العربى (ط. الهيئة) ج ٢ / ٨٤ ، وتاريخ التراث العربى (ط. الهيئة) ١ / ٥٧٩.

٣١٠

يتناسب مع طبيعة الكتاب باعتباره كتاب «تراجم» ، وبداخله بعض الأحداث التى تؤرخ للمصريين داخل بلادهم ، ومن خلال مشاركتهم فى أحداث الفتوح خارجها. ويضاف إلى ذلك أن عنوان «تاريخ مصر» ـ على كثرة استخدامه ـ سيؤدى إلى الخلط بعنوان كتاب آخر هو «الغرباء» ، عند استعمال بعض المصادر له كعنوان مختصر ، على نحو ما سنوضح بعد قليل.

حول موضوع كتاب «تاريخ المصريين» ، وتوقيت تأليفه :

الحق أن هاتين الجزئيتين ـ خاصة الأولى منهما ـ شائكتان ؛ نظرا لضياع الكتاب المشار إليه. فبخصوص الموضوع الذي يتناوله هذا الكتاب ، فإننا لا نجد فى بقاياه مقدمة ، يشرح لنا فيها مؤرخنا «ابن يونس» : ما ذا يقصد من وراء هذا الكتاب؟ وما ذا يعنى بهذا العنوان؟ وما الذي سيتناوله فى ضوئه؟ ومن هنا جاءت الصعوبة ؛ لأننا مضطرون لتتبع مسلكه فى التراجم المنسوبة إلى هذا الكتاب ، ومحاولة استنباط مقصوده من خلالها ، مع رصد مدى محافظته والتزامه بهذا المقصود ، وذاك الغرض ؛ كى نخرج ـ فى النهاية ـ بتصور ـ أقرب إلى الحقيقة ـ لما عناه بهذا العنوان.

ويمكننا ذكر ما تيسّر لنا من أنماط المصريين ، الذين ترجم لهم ابن يونس فى «تاريخ المصريين» كما يلى :

أ ـ صحابة دخلوا مصر ، وشهدوا فتحها ، واختطوا بها ، أولا (١) ، أو مرّوا بها عند التوجه لغزو إفريقية (٢).

ب ـ من ولد بمصر ، ولو كان من أصل غير مصرى ، ثم عاش بها حتى مات (٣) ، أو

__________________

(١) ممن شهد فتح مصر ، وأقام بها من الصحابة : عمرو بن العاص (له ترجمة فى «تاريخ المصريين» رقم ١٠٢٦) ، وابنه عبد الله (المصدر السابق : ترجمة رقم ٧٥٦) ، وعقبة بن عامر الجهنى (السابق : ترجمة رقم ٩٤٩). وهؤلاء ماتوا بمصر. والبعض مات خارجها (مثل : الصحابى عبد الله بن سعد بن أبى سرح المترجم له فى المصدر نفسه برقم ٧٣٧). وممن شهد الفتح من الصحابة ، لكنه عاد إلى فلسطين ، وكان بها ولده (فلم يقم بمصر) الصحابى (زياد بن جهور). (ترجم له ابن يونس فى المصدر نفسه برقم ٥١٨).

(٢) من هؤلاء : عبد الله بن الزبير (فيما أرجح). (ترجمته فى السابق : رقم ٧٣٣) ، وعبد الله بن عباس (السابق : ترجمة ٧٤٦).

(٣) مثل : (حسان بن عبد الله بن سهل). (راجع ترجمته فى السابق : رقم ٣٠٣). وهناك آخرون لهم المواصفات نفسها ، وإن لم يصرّح بمكان وفاتهم (والغالب أنهم ماتوا بمصر) ، مثل :

٣١١

خرج منها ، وأقام بغيرها من البلدان ، وتوفى بعيدا عن مصر (١) ، أو عاد ثانية إليها بعد أن نشأ بغيرها (٢).

ج ـ من كان من أصل قبطى ، وثبت إسلامه (٣) ، أو كان من أصل رومى «غالبا» (٤).

د ـ من كان له إدراك (٥) ، أو لم تثبت له صحبة مطلقا (٦) ، أو كان من الأجيال التالية لجيل الصحابة من التابعين ، وتابعيهم ومن بعدهم ، ممن لهم بيوت وأسر ، وخطط فى مصر ، ولقّبوا ب «المصرى» ؛ نتيجة ذلك (٧).

وبالنسبة لتوقيت تأليف كتاب «تاريخ المصريين» ، فإننا لا نستطيع تحديد ذلك بشكل قاطع ؛ لعدم وجود نصوص دالّة على ذلك ، لكننا لا نعدم أن نجد وسيلة أو أخرى لتقريب هذا الأمر. لقد ذكرنا ـ فيما مضى ـ أن مؤرخنا كان طلابا للعلم منذ عهد مبكر من حياته ، وأنه ظل يؤلف حتى أواخر عمره «وأوردنا ترجمة أحد المصريين المتوفّين قبل وفاة ابن يونس بشهور معدودة» (٨). فإذا أضفنا إلى ذلك أن قدرا لا بأس به من مرويات مؤرخنا فى هذا الكتاب مصدره أستاذه وشيخه ـ تلميذ المؤرخ ابن عبد الحكم ـ علىّ بن قديد «ت ٣١٢ ه‍» ؛ أدركنا تماما أن مؤرخنا بدأ تأليف هذا الكتاب فى

__________________

(أحمد بن العباس بن الربيع ، ترجمة رقم ٢٧) ، و (أحمد بن عيسى بن حسان ، ترجمة ، ٤٤) ، و (عبد الله بن محمد بن عمرو بن الخليل ، ترجمة ٧٧٣) و (عبد العزيز بن قيس رقم ٨٦١).

(١) مثل : (أحمد بن خازم المعافرى ، ترجمة ١٢) ، و (بحير بن عبد الرحمن بن بحير ، ترجمة ١٦٨). كلاهما مات بالأندلس. وكذلك (عبد الرحمن بن أبى صالح) ، الذي خرج إلى بغداد ، ومات بها (ترجمته رقم ٨٢٤ ، مع ملاحظة هامش ١ ص ٣٠٧).

(٢) مثل : (سعيد بن أبى هلال ، الذي ولد بمصر ، ونشأ بالمدينة ، ثم رجع إلى مصر ، وغالبا توفى بها). (راجع ترجمة رقم ٥٦٦).

(٣) مثل : (جبر بن عبد الله القبطى) (له ترجمة برقم ٢٢٢).

(٤) مثل : (أيوب بن قسطنطين) ، الذي عدّ فى أهل مصر. (ترجمة رقم ١٦٢).

(٥) أى : أدرك حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأسلم بعد وفاته. (مثل : عقبة بن عامر الرعينى ، الذي شهد فتح مصر). (ترجمة رقم ٩٤٨).

(٦) مثل : (عكرمة بن ضباب اللخمى) ، لكنه شهد فتح مصر هو وابنه. (ترجمته رقم ٩٥٧).

(٧) مثل : (عباس بن جليد المصرى). (ترجمة رقم ٧٠٤) ، و (عبد الله بن عبد الحكم رقم ٧٤٩) ، وغيرهما كثير.

(٨) راجع ما سبق ذكره عن ذلك فى (ترجمة ابن يونس ص ٢٨٧ هامش ١).

٣١٢

شبابه (١) ، وظل يضيف إليه ، ويسجل ما يقع تحت يده من مادة تراجمه ، حتى منتهى حياته.

٢ ـ الكتاب الثانى «المتعلق بالغرباء» :

يتكرر هنا ما ذكرناه عند حديثنا عن «تاريخ المصريين» ، فالكتاب الذي نحن بصدده مفقود أيضا ؛ ولذلك اعتمدنا على المصادر التى اقتبست منه ـ قبل فقده ـ بعض مادة تراجمها. وإليكم هذه العناوين :

أ ـ «تاريخ الغرباء» : وهذا العنوان من أسهل وأوضح العناوين ، التى وردت لهذا الكتاب. ومن ميزاته أيضا : أنه يضع حدودا فاصلة بينه ، وبين كتاب «تاريخ المصريين» ، فلا يختلط به ، ولا يتداخل معه ؛ لذلك اخترته ، من دون العناوين التالية عند تجميع بقايا هذا الكتاب. وقد ذكره السمعانى فى «الأنساب» (٢) ، والمقريزى فى «الخطط» (٣).

ب ـ يوجد عنوانان متقاربان هما : «الغرباء الذين قدموا مصر». وقد ورد ذكره ـ أحيانا ـ فى كتاب «الأنساب» للسمعانى (٤). والعنوان الآخر : «تاريخ الغرباء القادمين على مصر». وأورده ابن العديم فى «بغية الطلب» (٥). ومن الواضح أن كلا العنوانين بمعنى واحد ، ولعل التغيير الطفيف فى الألفاظ ناتج عن «النسّاخ».

ج ـ وهناك عنوانان آخران متقاربان هما : «تاريخ مصر المختص بالغرباء». وقد وردت هذه التسمية فى «وفيات الأعيان» لابن خلكان (٦). أما التسمية الأخرى القريبة منها جدا ، فهى «تاريخ مصر للغرباء القادمين على مصر». وذكره ابن خلكان فى «وفيات

__________________

(١) لقد كان يسأل العلماء ، ويجمع المعلومات من أفواههم ويسجلها (راجع ترجمة كثير بن نجيح) فى (تاريخ المصريين) ، رقم (١١٠٢) ، ففيها يذكر مؤرخنا أن هذا العالم المعمّر ، الذي قارب المائة ، قال لابن يونس : إنه ولد سنة ٢٠٤ ه‍. وقد توفى سنة ٣٠١ ه‍. وهذا يعنى أن مؤرخنا سجل ترجمته وهو ابن عشرين عاما (ولد ابن يونس ٢٨١ ه‍).

(٢) ج ١ ص ٩٤ (ترجمة الهيثم بن عدى الواردة لدى ابن يونس ، رقم ٦٦١ ، وترجمة يموت بن المزرّع ، رقم ٦٩٤).

(٣) ج ٢ ص ١١٤ (ترجمة عبد الوهاب بن موسى بن عبد العزيز ، ترجمة رقم ٣٦٠).

(٤) ج ١ ص ٤٢٤ (راجع ترجمة مسلمة بن على الخشنى ، رقم ٦٢١ ، وهامشها رقم : ٢).

(٥) ج ٤ ص ١٨٨٦ (ترجمة أشعث بن شعبة الكوفى ، رقم ٩٨).

(٦) ج ٢ ص ٥٠٤ (ترجمة عبد الرحمن بن عمارة بن عقبة بن أبى معيط ، برقم ٣٢١) ، ج ٤ ص ١٩٢ (ترجمة محمد بن جرير الطبرى ، رقم ٥٠٣).

٣١٣

الأعيان» (١) ، وابن قاضى شهبة فى «مخطوط طبقات النحاة واللغويين» (٢).

ملاحظات :

١ ـ ذكر السمعانى أكثر من عنوان لهذا الكتاب ـ خلاف العناوين السابقة ـ عند اقتباس تراجم بعض الغرباء ، وهى عناوين غير صحيحة ، وبينها وبين «تاريخ المصريين» تداخل ، منها : «تاريخ المصريين» (٣) ، و «التاريخ» (٤) ، و «التاريخ لأهل مصر» (٥).

٢ ـ ثمة عنوان آخر غير صحيح هو : «تاريخ أهل مصر ، وإفريقية ، والأندلس». وذكره المقرى فى «نفح الطيب» (٦).

٣ ـ كثيرا ما تختصر المصادر عنوان : «تاريخ مصر المختص بالغرباء» إلى «تاريخ مصر» (٧). وهذا العنوان الأخير مشكل ؛ لأنه يفضى إلى التداخل مع أحد عناوين كتاب «تاريخ المصريين» السابق ذكرها ، اللهم إلا إذا كان مضمون الترجمة واضحا فى الدلالة على أن المترجم له من «الغرباء» ، عندئذ يوضع فى الاعتبار أن هذا العنوان ، إن هو إلا اختصار للعنوان المطوّل المذكور.

__________________

(١) ج ٣ ص ١٧٧ (ترجمة عبد الملك بن هشام بن أيوب الذّهلىّ ، رقم ٣٥٦).

(٢) وكذلك ورد فى (مخطوط طبقات النحاة واللغويين) لابن قاضى شهبة ص ٣٩٠ (الترجمة السابقة نفسها).

(٣) والغريب أنه ذكر هذا العنوان فى مادة (البرقى) ، وذكر أن المنتسبين إلى برقة من العلماء والمحدّثين ذكرهم أبو سعيد بن يونس فى كتاب : (تاريخ المصريين ومن دخلها). (الأنساب ١ / ٣٢٤) ، وربما حدث سقط من العنوان (ومن دخلها من الغرباء) ، فيكون قد جمع بين عنوانى كتابى ابن يونس ، على اعتبار أن بعض من ينسبون إلى برقة مصريو الأصل ، والآخرين فى عداد الغرباء.

(٤) السابق ٢ / ١٩٦ (ترجمة على بن الحسين بن حرب القاضى ، رقم ٤٠٢).

(٥) السابق ٥ / ١٠٢ (ترجمة عبد الملك بن سليمان الأنطاكى ، رقم ٣٤٦).

(٦) ج ٣ ص ٧ (ترجمة حنش بن عبد الله الصنعانىّ ، رقم ١٦٨).

(٧) مثل : (الأنساب) ١ / ٩٧ (ترجمة محمد بن عيسى المصّيصى ، رقم ٥٨٩) ، ٢ / ٥١١ (ترجمة محمد بن أحمد بن حماد الدّولابى ، رقم ٤٨٦) ، والجذوة ١ / ٨٤ ، والنفح ٣ / ٥٨ (ترجمة محمد بن أوس الأنصارى ، رقم ٤٩٩) ، وبغية الطلب ٨ / ٣٨١٥ ـ ٣٨١٦ (ترجمة زكريا بن أيوب الأنطاكى ، رقم ٢٠٨).

٣١٤

حول موضوع كتاب «تاريخ الغرباء» ، وتوقيت تأليفه :

ينطبق على هذا الكتاب ـ فى تحديد موضوعه ـ نفس النهج ، الذي اتبعناه فى «تاريخ المصريين». وقد ذكر روزنثال (١) : أنه لفت نظر ابن يونس ـ لوضع هذا الكتاب ـ العلماء ، الذين لم يولدوا فى مصر ، لكن عاشوا ودرسوا فيها ، وأقاموا بها ردحا (٢) من الزمن ؛ فلوادى النيل جاذبية عظمى للغرباء معروفة من القدم.

والحق أن الشطر الأول من العبارة صحيح مقبول ، لكن الشطر الأخير فيه نظر ؛ لأنه ليس كل من ترجم له ابن يونس ـ كما سنرى ـ فى «الغرباء» قد أقام بمصر مدة طويلة ، كما أن الباعث على الارتحال إلى مصر لم يكن المكث على ضفاف النيل ، وإنما السعى لطلب العلم ، والتلقى على علماء مصر العظام.

ويمكن أن نذكر بعض أنماط الغرباء الواردين فى الكتاب المذكور كما يلى :

أ ـ أشخاص قدموا مصر من بلدانهم ليسوا صحابة ؛ طلبا للعلم (٣) ، أو أداء لمهمة (٤) ، أو ولاية لمنصب (٥) ، سواء ماتوا بها (٦) ، أم خرجوا عنها ، فماتوا بغيرها (٧). وهؤلاء ولدوا بغير مصر ، ويرجعون إلى أصول غير مصرية (٨).

__________________

(١) علم التاريخ عند المسلمين (ط ٢ ـ ترجمة : د. صالح العلى) ص ٢٣٥.

(٢) ردح يردح ردحا : ثبت ، وتمكن. يقال : ردح بالمكان ، أى : أقام به. ردح الشيء : بسطه ، وردح الرجل : أصاب حاجته. وردح الرجل : صرعه. (اللسان ، مادة : (ر. د. ح) ج ٣ / ١٦٢٠ ـ ١٦٢١ ، والمعجم الوسيط ١ / ٣٥٠). وفى (المرجع السابق) : الرّدح : المدة الطويلة ، يقال : أقام ردحا من الدهر.

(٣) راجع (تاريخ الغرباء) لابن يونس (ترجمة إبراهيم بن أدهم الكوفى ، رقم ٤) ، و (ترجمة حماد بن نعيم الجذامى الفلسطينى ، رقم ١٦٢) ، و (زيد بن إسحاق الأنصارى ، رقم ٢١٨).

(٤) كما جاء فى ترجمة (أبى عبيدة بن الفضيل بن عياض المكى). (السابق : ٣٥) ، فقد جاء أنه أتى إلى مصر فى (وكالة توكّلها). هذا هو الهدف الغالب من الزيارة.

(٥) كما فى ترجمة أمير مصر (سعيد بن يزيد الأزدى ، رقم ٢٣٥) ، و (قرة بن شريك ، ترجمة رقم ٤٦١) ، وغيرهما. فالغالب عليهما المنصب الذي ولياه ، وهو هدف مجيئهم إلى مصر.

(٦) كما فى ترجمة (إبراهيم بن أبى داود سليمان بن داود البرلسى ، رقم ١٢) ، وترجمة (تبيع بن عامر) رقم ١٢٢.

(٧) كرجوع أبى عبيدة بن الفضيل بن عياض المكى إلى بلده ، وموته بها (ترجمة ٣٥).

(٨) مثل : (إبراهيم بن أبى داود البرلسى ، ترجمة رقم ١٢) ؛ إذ إنه ولد فى (صور) ، ووالده كوفى ، ولزم البرلس فى مصر ، ومات بها. وأيضا ، (إبراهيم بن رزق الله الكلوذانى) ، الذي ولد ببلده (كلوذان) ، وقدم مصر. (ترجمة رقم ١٣).

٣١٥

ب ـ من لم يعرف أنه من أهل مصر ، فهو داخل فى عداد الغرباء (١).

ملاحظات :

١ ـ قد يترجم للشخص الواحد أكثر من مرة فى «تاريخ الغرباء» ؛ نظرا للاختلاف حول اسمه. والغالب أن ابن يونس لم يدرك ذلك ، فذكره على أنه شخصان مختلفان ، لكن المصادر الأندلسية نبّهت على أنه شخص واحد ، ذكر فى «كتاب الغرباء» فى موضعين (٢).

٢ ـ قد يذكر ابن يونس أحد أفراد الأسرة فى «تاريخ الغرباء» ، بينما ترجم لأخيه فى «تاريخ المصريين» (٣) ؛ وذلك تبعا لملقاييس التى وضعها لمن تتم الترجمة لهم فى كلا الكتابين.

٣ ـ ورد فى نص ترجمة أحد «الغرباء» : أنه لم يرحل (٤). وهذا يضعنا أمام أحد احتمالين : أن ابن يونس خالف مقاييس الترجمة فى «الغرباء» على قدر فهمنا ، لما ترجم لشخص لم يأت إلى مصر ولا إلى غيرها ، كما ذكر هو نفسه فى كتابه عنه. والاحتمال الآخر ـ أن هناك استثناء يخص الأندلسيين دون سواهم ، إذ يغلب على الظن أن هذا المترجم له ـ وهو أندلسى ـ يدخل ضمن محدثى الأندلس ، الذين عرف ابن يونس معلومات عنهم ، وترجم لهم ، عن طريق مراسلة ومكاتبة المؤرخ الأندلسى الشهير «الخشنىّ» ، على نحو ما سنذكر فيما بعد. ويترجح لدىّ الاحتمال الأخير ؛ لأن المترجم له ـ كما جاء فى ترجمة ابن يونس له ـ مات فى صدر أيام الأمير عبد الله بن محمد (٢٧٥ ـ ٣٠٠ ه‍) (٥) ، فهو ـ إذن ـ من محدثى القرن الثالث الهجرى وقد مات قبل مولد ابن يونس نفسه فهو لم يلتق به.

__________________

(١) مثل : (إدريس بن عمر بن عبد العزيز ، ترجمة ٧٦) ، قال عنه : لا أعرفه من أهل مصر.

(٢) كما حدث فى ترجمة (محمد بن يحيى السّبئى القرطبى) رقم ٦١٠ (راجع هامش ٦ بها ، فمنه تبين أن ابن يونس ذكره فى موضع آخر من الكتاب نفسه باسم آخر : (محمد بن سعيد بن عبد الله) ، برقم (٥٣٦).

(٣) ترجم ل (أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم) فى (الغرباء) برقم (٥٩) ؛ لأنه ولد ، وعاش طويلا فى (برقة) ، بينما ترجم لأخيه (محمد) فى (تاريخ المصريين) رقم (١٢٢٩) ؛ لأنه من أهل مصر ، ولقب بالبرقى ؛ لا تجاره إلى برقة (راجع معجم البلدان) ١ / ٤٦٣.

(٤) كما فى (تاريخ الغرباء) لابن يونس ، ترجمة (لبّ بن عبد الله السرقسطى) ، رقم (٤٦٨).

(٥) المصدر السابق ، لابن يونس (ترجمة رقم ٤٦٨).

٣١٦

ويضاف إلى ذلك أن هذه الترجمة وردت لدى «الحميدى» (١) ، و «الضبى» (٢) منسوبة إلى «مؤرخنا ابن يونس». أما ابن الفرضى ، فكان أكثر دقة ؛ إذ نسب الترجمة إلى مصدرها الأصيل «الخشنى» ، لا مصدرها الوسيط «ابن يونس» (٣). أما عن سبب عدم ذكر مؤرخنا مصدر هذه الترجمة «وهو الخشنى» ، فقد يكون ذلك سهوا منه ، أو من الناقلين عنه ، أو أسقط ذكره بفعل النساخ.

وبالنسبة لتوقيت تأليف ابن يونس كتابه : «تاريخ الغرباء» ، فذلك أمر لا نستطيع تحديده ، فشأنه شأن «تاريخ المصريين» ، فلعله امتد عبر حياة ابن يونس العلمية. وترجم مؤرخنا فيه لعلماء معاصرين له ، قال عن أحدهم : «فقيه مذكور فى وشقة. لا يزال حيا وقت ذكرى له الآن» (٤). وللأسف لم نقف على تاريخ ميلاد المترجم له ، ولم نعرف توقيت مجيئه إلى مصر ، ولا السنة التى كان يسجل فيها ابن يونس ترجمته ، وكان لا يزال بها على قيد الحياة. وبناء عليه ، فلا زلنا فى حاجة إلى مزيد من المادة العلمية الجديدة ، التى قد تتكشف فى قابل الأيام ، والتى قد تساعدنا على معرفة بداية تأليف ابن يونس كتابه هذا ، وموعد انتهائه منه ، وما إذا كان مصاحبا تأليفه «تاريخ المصريين» ، أم كان تاليا له. وعلى كل ، فالراجح عندى أنه كان يكتب الكتابين معا ، وكلما توفرت له مادة وضعها فى مكانها من الكتابين ، وأنه مات قبل أن يعود إلى بعض التراجم بالتكملة والتنقيح ، كما سنرى بعد.

__________________

(١) الجذوة ٢ / ٥٣٥.

(٢) البغية ص ٤٥٤.

(٣) تاريخ ابن الفرضى (ط. الخانجى) : ١ / ٤١٦.

(٤) راجع (تاريخ الغرباء) لابن يونس (ترجمة عبد الله بن يوسف بن عيشون الوشقىّ) ، رقم (٣٠١).

٣١٧

ثانيا ـ فقد الكتابين ، ومدى وفاء ابن يونس بتكملة محتوياتهما

ذكرنا ـ فيما مضى ـ أن مؤلّفى ابن يونس فى عداد الكتب الضائعة من تراثنا التاريخى (١). ولا شك أن الأجيال التالية له عرفت لهذا الرجل المؤرخ حقه ، وطالعت كتابيه ، واستفاد منهما العلماء والمؤرخون التالون أيما استفادة. وقد وصفه ابن خلكان «ت ٦٨١ ه‍» بقوله : «كان بأحوال الناس خبيرا ، ومطلعا على تواريخهم ، عارفا بما يقوله» (٢).

وقد سكتت المصادر عن الأسباب والظروف ، التى ضاع فيها هذان الكتابان المهمان ، ولم تشر إلى توقيت فقدهما. ولعل ظروف ضياعهما لا تخرج عن الظروف العامة التى ضاع فيها كثير من تراث أمتنا «من النكبات ، والحروب ، والثورات والفتن ، وغيرها».

وبخصوص تاريخ ضياعهما ، فمن خلال مسحى عشرات المصادر الناقلة عنهما ـ كما سنرى ذلك تفصيلا فيما بعد ـ فقد اتضح لى ـ على قدر ما طالعت ـ أن آخر المقتبسين منهما ـ إن كان رجع إلى نسخهما الأصيلة بالفعل ـ هو المؤرخ الأندلسى «المقرى ت ١٠٤١ ه‍» ، وذلك فى كتابه «نفح الطّيب». ومعنى ذلك أن الكتابين ظلّا موجودين ، حتى أواسط القرن الحادى عشر الهجرى تقريبا ، ثم اختفيا ـ بعد ذلك ـ فى ظروف غامضة.

هذا ، وقد وصف لنا المؤرخ المدقق «ابن خلكان» هذين الكتابين وصف من رآهما رأى العين ، فقال : جمع لمصر تاريخين : أحدهما ـ وهو الأكبر «خاص بالمصريين» (٣).

__________________

(١) حكمنا على هذين الكتابين بأنهما فى حكم الضائع من تراثنا ؛ لأننا لم نقف عليهما فى المطبوع ، ولا المخطوط من تراثنا التاريخى. ويعضد ذلك ما قاله عن ضياعهما عدد من الباحثين المعنيين بهذا الشأن ، مثل : بروكلمان فى (تاريخ الأدب العربى) ـ ط. الهيئة المصرية العامة ـ ج ٢ ص ٨٤ ، وسزكين فى (تاريخ التراث العربى (ط. الهيئة العامة) ج ١ ص ٥٧٩.

(٢) وفيات الأعيان ٣ / ١٣٧.

(٣) هذا هو الوصف الصحيح ، والمطابق لما تم تجميعه من هذا الكتاب ، بالقياس إلى (كتاب الغرباء) ، على نحو ما سيأتى.

٣١٨

والآخر ـ وهو صغير (١) ، يشمل الغرباء الواردين عليها. ثم عقّب ، وأضاف قائلا : «وما أقصر فيهما. وقد ذيّلهما أبو القاسم يحيى بن على الحضرمى ، وبنى عليهما» (٢). فما مدى اكتمال كتابى ابن يونس؟ وهل ـ حقا ، كما يرى ابن خلكان ـ لم يقصّر فى ذكر تراجمهما؟ ثم ما طبيعة عمل الحضرمى المشار إليه سلفا؟ ذلك ما نجيب عنه فى السطور التالية.

بادئ بدء أقرر أن الإحاطة التامة ليست مما يملكه بشر كائنا من كان ، مهما جوّد وبذل ، وضبط ونقّح. ومن هنا ، فلا يمكن أن يكون ابن يونس قد أتى على جميع علماء مصر حتى عصره فى كتاب «تاريخ المصريين» ، وعلى كافة الغرباء فى «تاريخ الغرباء». إلا أننا نقرر أنه جمع قدرا هائلا من هؤلاء وأولئك. ودليل ذلك ـ كما سيتضح بعد ذلك ـ أننى جمعت ما تيسر من بقاياهما ، فبلغ مجموع ما جمعته منهما «٢١٦٤ ترجمة» ، القدر الأكبر منها ـ كما وصف ابن خلكان ـ داخل فى «تاريخ المصريين» ، الذي بلغ ما جمعته منه «١٤٦١ ترجمة» ، بينما الجزء الباقى ـ وهو الأصغر ـ يتمثل فى «تاريخ الغرباء» ، الذي بلغ ما جمعته من بقاياه «٧٠٣ ترجمة». ولعل هذا الجهد الكبير الذي بذله مؤرخنا ، وأنفق فيه الوقت والعمر هو ما عناه ابن خلكان ، عندما نفى عنه التقصير.

والآن ، نخص العلاقة بين عمل «الحضرمى» (٣) ، وكتابى ابن يونس بشىء من التوضيح والتفصيل فى النقاط الآتية :

أ ـ من المؤكد أن مؤرخنا لم يستوعب فى كتابيه جميع العلماء المصريين ، والغرباء

__________________

(١) وهو وصف دقيق من (ابن خلكان) ، وهو ـ بالتالى ـ يخطّئ ما ظنه روزنثال عند حديثه عن هذا الكتاب ، إذ قال : (ويتميز التأريخ الدينى المصرى بوجود مؤلف كبير لابن يونس عن الغرباء). (علم التاريخ عند المسلمين ، ط ٢ ـ ترجمة : د. صالح العلى) ص ٢٣٥.

(٢) وفيات الأعيان ٣ / ١٣٧.

(٣) هو يحيى بن على بن محمد الحضرمى المصرى الحافظ. يكنى أبا القاسم ، ويعرف ب (ابن الطحّان). له كتاب (التاريخ) ، الذي ذيّل به على كتابى (ابن يونس) ـ لا تاريخ أبى سعيد بن يونس فقط ، كما ذكر الذهبى ، وصنف (المؤتلف والمختلف). روى عن عدد من أصحاب النسائى وغيره ، كالحسن بن رشيق ، وحمزة الكنانى ، والقاضى أبى الطاهر الذهلى. لم يرحل. وروى عنه أبو إسحاق الحبّال ، والمصريون. توفى فى شهر ذى القعدة بمصر سنة ٤١٦ ه‍. (تاريخ الإسلام) ج ٢٨ ص ٤١٢ ـ ٤١٣ (ترجمة رقم ٢٧٤).

٣١٩

الذين نزلوا مصر. ولدينا عدة نماذج صحيحة ، صرّح بعض المؤرخين ، الذين طالعوا كتابيه بخلوهما من تراجم بعض الشخصيات. فمن المصريين الذين لم يذكرهم ابن يونس فى «تاريخه» : «سعيد بن شبيب المصرى (١) ، وعبد الله بن بشير المصرى (٢) ، ولبدة ابن كعب (٣) ، ومحمد بن الوزير المصرى (٤) ، ووهب الله بن رزق المصرى (٥). ومن الغرباء : «محمد بن موسى السّرخسىّ» (٦).

ب ـ من الملاحظ أن بعض المصادر زعمت عدم ترجمة مؤرخنا «ابن يونس» لبعض الشخصيات ، مثل : «رجاء بن أشيم» (٧) ، و «على بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة ، المشهور ب «علّان» (٨) فى المصريين. و «على بن الحسين بن حرب» القاضى المشهور ب «ابن حربويه» (٩) فى «الغرباء». وبالتحقق من ذلك ثبت عدم دقة هذه المصادر ؛ فقد ترجم ابن يونس للأولين فى «تاريخ المصريين» (١٠) ، وللأخير فى «تاريخ

__________________

(١) ذكر الذهبى فى (تاريخ الإسلام) ١٦ / ١٧٩ : أن ابن يونس لم يذكره فى (تاريخه).

(٢) تاريخ دمشق ص ٤٦١ (مجلد عبادة بن أوفى / عبد الله بن ثوب).

(٣) ترجم له ابن حجر فى (الإصابة) ٥ / ٦٩٣ ـ ٦٩٤ ، وكنّاه ب (أبى تريس). وذكر ابن حجر أنه صلى خلف عمر ، وأن عمر سجد سجدتين وهو يقرأ سورة (الحج) ، وأضاف أنه شهد غزوة (فحل) بعد اليرموك مع (أبى عبيدة). وأردف ابن حجر ذلك بقوله : إنه لم يطالع ترجمته فى (تاريخ ابن يونس).

(٤) ذكر المزى ، والذهبى إغفال ابن يونس ترجمته فى (تاريخ مصر). (تهذيب الكمال ٢٦ / ٥٨٥ ، وتاريخ الإسلام ١٨ / ٤٨٠).

(٥) ذكر الذهبى عدم ترجمة ابن يونس له فى (تاريخه). (المصدر السابق : ١٨ / ٥٣٤).

(٦) ورد فى (رفع الإصر ـ نشر : جست) ص ٥٥٠ : أن ابن يونس أخلّ بذكر القاضى (محمد بن موسى بن إسحاق السرخسى الحنفى) ـ وهو من المائة الرابعة ، ولى سنة ٣٠٢ ه‍ ـ فى (تاريخ الغرباء الذين قدموا مصر) واستدركه ابن الطحان فى ذيله ، لكنه اختصر ترجمته جدا.

(٧) ذكر ابن منظور فى (مختصر تاريخ دمشق) ٨ / ٣١١ : أن ابن يونس لم يذكره فى (تاريخ المصريين).

(٨) ذكر ابن عساكر ، والذهبى : أن ابن يونس أغفله. (مخطوط تاريخ دمشق) ١٢ / ٤٦٥ ، وسير النبلاء ١٣ / ١٤١.

(٩) قال الذهبى : لم يذكر ابن يونس القاضى أبا عبيد هذا فى (تاريخه). (تاريخ الإسلام) ٢٥ / ١٩٧.

(١٠) ترجم ابن يونس للأول فى (تاريخ المصريين) رقم (٤٧٣) ، وسمّاه (رجاء بن الأشيم). وترجم للثانى فى (المصدر نفسه) ترجمة (٩٨١) ، وهامشها رقم (٢) ، فبه تفصيل رد مغلطاى ، وابن حجر على زعم من ادعى عدم ترجمة ابن يونس له).

٣٢٠