تاريخ ابن يونس المصري - ج ٢

أبي سعيد عبد الرحمان بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري

تاريخ ابن يونس المصري - ج ٢

المؤلف:

أبي سعيد عبد الرحمان بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري


المحقق: الدكتور عبد الفتاح فتحي عبد الفتاح
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3193-1

الصفحات: ٥٦٨
الجزء ١ الجزء ٢

وليس من أنفس الصّدف ، ولا من مواليهم. حدّث عن أبيه ، وعيسى بن مثرود ، وابن مجدّر (١) ، وغيرهم. ولد فى ذى القعدة سنة أربعين ومائتين ، وتوفى يوم الجمعة ـ أول يوم من رجب ـ سنة اثنتين وثلاثمائة (٢).

ويمكن تلخيص معلوماتنا عن والد مؤرخنا «أحمد بن يونس» فيما يلى :

١ ـ أنه كان من المشتغلين بالعلم ، المهتمين برواية الحديث النبوى الشريف ، فكان يغشاه العلماء المحدّثون فى داره ؛ لمذاكرة العلم (٣). وكان يروى الحديث عن العلماء الغرباء الذين يفدون إلى مصر (٤). وكان يتوجه بنفسه إلى أقاصى مصر «بالصعيد» ؛ لكتابة ورواية الحديث عن العلماء هناك ، ولعله كان يدعوهم إلى زيارته بالفسطاط ـ بعد ذلك ـ لاستكمال تدارس الحديث ، وروايته (٥).

٢ ـ مات «أحمد بن يونس» سنة ٣٠٢ ه‍ ، وكان مؤرخنا ابن واحد وعشرين ربيعا «ولد ٢٨١ ه‍». وأعتقد أنها سن كافية ـ فى ذلك الزمان ـ لاكتساب قدر طيب من العلم ، خاصة أن مؤرخنا كان يعيش فى بيئة علمية «الجد ، والأب ، والأعمام ، وكذلك

__________________

(١) كذا ضبط بالشكل فى (تاريخ بغداد) ٣ / ٣٥٧ ، وبالشكل والحروف فى (الأنساب) ٥ / ٢٠١ ، وقال السمعانى : تقال لمن كان به الجدرىّ ، فذهب وبقى الأثر. أما ابن ماكولا ، فضبط الدال بالكسر مع التشديد (الإكمال ٧ / ٢١٠). ولعل المذكور هو أبو بكر محمد بن هارون بن حميد البغدادى. يروى عن محمد بن حميد ـ لا جبير ، كما وردت محرفة فى «الأنساب» ـ الرازى ، وأبى مصعب الزهرى ، وغيرهما. روى عنه أبو الفضل عبد الله بن عبد الرحمن الزهرى ، وأبو عمر بن حيّويه ، وغيرهما. توفى يوم الأربعاء سلخ ربيع الآخر سنة ٣١٢ ه‍. وكان ثقة فى الحديث ، لكنه كان منحرفا عن علىّ (رضى الله عنه). (تاريخ بغداد ٣ / ٣٥٧ ، والإكمال ٧ / ٢١٠ (باختصار) ، والأنساب ٥ / ٢٠١ (باختصار).

(٢) الأنساب ٣ / ٥٢٩ (ولم ينسب إلى ابن يونس ، والمادة له) ، ووفيات الأعيان ٧ / ٢٥٣ (ذكره ابنه أبو سعيد عبد الرحمن فى تاريخه).

(٣) راجع (تاريخ المصريين) لابن يونس (ترجمة ٢ ، ١٠٢٧).

(٤) مثل : روايته عن يزيد بن سنان البصرى ، نزيل مصر (تهذيب الكمال) ٣٢ / ١٥٣ (روى عنه أحمد بن يونس بن عبد الأعلى ، والد أبى سعيد بن يونس).

(٥) كما هو الحال مع المحدّث (العباس بن محمد بن يحيى الصعيدى) ، الذي أتى ـ بعد ذلك ـ إلى الفسطاط ، ومات بها سنة ٣٠٠ ه‍ (فى جمادى الآخرة لست خلون منه يوم السبت) ، فى اليوم الذي توفى فيه (محمد بن عيسى بن شيبة). (راجع تاريخ المصريين ، ترجمة ٧٠٧).

٢٨١

الإخوة كما سنرى». ومن هنا فقد كان يحضر مجالس العلم التى كانت تعقد فى دار أبيه (١) ، وكان يصطحبه معه والده فى رحلاته لطلب الحديث (٢).

٣ ـ لعب الوالد «أحمد بن يونس» دورا مهما فى نقل علم والده يونس إلى «مؤرخنا الحفيد المستنير». ومن هنا ، فإن المطالع لبقايا «تاريخ المصريين» ، و «تاريخ الغرباء» للمؤرخ ابن يونس يلحظ وجود عدد من الروايات يحدّث فيها ابن يونس ، عن أبيه ، عن جده (٣) ، وغالبا يحدّث جده عن أستاذه «ابن وهب» (٤). وفى أحيان قليلة يحدث ابن يونس ، عن أبيه فقط (٥). أما موضوع هذه المرويات ، فيدور حول تراجم المحدّثين ، وتواريخ وفياتهم (٦) ، وأخبارهم فى طلب العلم (٧) ، وأنباء صلاحهم وتقواهم (٨). وتجدر الإشارة ـ أيضا ـ إلى أن عددا غير قليل منها كان يتضمن فتاوى فقهية (٩) ، وترجمة لأحد الصحابة (١٠) ، وأخرى لأحد القضاة فى مصر (١١). وهذا يدلل على أن ثقافة الأب تشمل «الحديث ، والفقه ، والتاريخ» ، وأنه أفاد ابنه «المؤرخ ابن يونس» إفادة طيبة فى كتابة مؤلّفيه التاريخيين ، وأنه كان امتدادا لأبيه «يونس» فى الصلاح والتقى وحب العلم ، ورواية أخبار الصالحين ؛ مما سينعكس بدوره على «مؤرخنا ابن يونس» فى شخصيته ، وثقافته ،

__________________

(١) قال ابن يونس عن (أحمد بن إبراهيم بن بيلبرد) المحدّث : أنا أعرفه ، كان يغشى والدى. (تاريخ المصريين : ترجمة رقم ٢). وراجع ـ كذلك ـ ترجمة (عمرو بن عبد الله بن عبد الوهاب) فى (المصدر نفسه رقم ١٠٢٧).

(٢) قال ابن يونس عن (العباس بن محمد بن يحيى الصعيدى) : سمعت منه مع والدى. كتبنا عنه بالصعيد ، وأملى عليه من حفظه حديثا واحدا. (السابق : ترجمة ٧٠٧).

(٣) راجع (تاريخ المصريين) : تراجم أرقام (٢٨١ ، ٣٤٠ ، ٦٤٩ ، ٧٨٥ ، ٨٢٦ ، ١٤٥٢). وفى (تاريخ الغرباء) : ترجمة (١٢٨).

(٤) كما هو الحال فى (التراجم السابقة). وأحيانا يقف السند عند جده ، كما فى (تاريخ المصريين) ترجمة (٨٢٦ ، ١١٢٣). وفى (تاريخ الغرباء) ترجمة (٩٦).

(٥) دون ذكر جده (كما فى تاريخ المصريين) ترجمة (٤٧٣ ، ١٣٧٩). وفى (تاريخ الغرباء) ترجمة (٤٦١).

(٦) تاريخ المصريين : (ترجمة ٨٢٦ ، ١٣٧٩).

(٧) السابق : ترجمة (٦٤٩ ، ٧٨٥).

(٨) السابق : (ترجمة ١٠٢٧ ، ١١٢٣).

(٩) السابق : (تراجم : ٢٨١ ، ٣٤٠ ، ٤٧٣).

(١٠) السابق : ترجمة ١٤٥٢.

(١١) تاريخ الغرباء : ترجمة رقم (٩٦).

٢٨٢

وتصنيفه من بعد.

٤ ـ من الملاحظ أن «أحمد بن يونس» حذا حذو والده «يونس» فى عدم الرحلة خارج مصر (١) ، والاكتفاء فى طلب العلم بالتلقى على العلماء داخلها «سواء كانوا مصريين ، أم غرباء». وأعتقد أن ابن يونس المؤرخ قد نهج النهج نفسه. وإذا كنا قد رجحنا وجود بعض مدونات ، كتبها يونس لعدد من مروياته الحديثية ، انتقلت ـ من بعد ـ إلى ابنه «أحمد» ، وحفيده المؤرخ «عبد الرحمن» ؛ فإننا لا نجد أية إشارة إلى شىء من ذلك ، قام به «الوالد أحمد بن يونس».

وأخيرا ، فإننا نعتقد أننا لا زلنا فى حاجة ماسّة لمزيد من المادة العلمية ، التى تكشف لنا أكثر وأكثر عن معالم شخصية «أحمد بن يونس والد مؤرخنا». والحق أن شهرة الجد «يونس بن عبد الأعلى» ـ من قبل ـ وشهرة الحفيد «مؤرخنا ابن يونس» ـ من بعد ـ قد حجبت الأضواء عن أحمد بن يونس الوالد» ، لدرجة أن المصادر الناقلة عن «مؤرخنا ابن يونس» كثيرا ما تتجاهل ذلك الوالد ، وتنسب مؤرخنا إلى جده الأشهر (٢).

إخوته : من خلال المادة القليلة التى بين أيدينا ، يمكن القول : إننا نعرف من أولاد «أحمد بن يونس» الأشخاص الآتية أسماؤهم :

١ ـ الحسن : ولعله الابن الأكبر ، الذي به يكنى «أحمد بن يونس». ولا أعرف عنه شيئا.

٢ ـ يونس بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفى : يكنى أبا سهل. سمع من عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبى مريم ، والنسائى. حدث عنه أخوه عبد الرحمن بن

__________________

(١) لقد عاش على أرض مصر ، وبها توفى ، وقبر فى مقبرة الصدفيين مع (أبيه يونس) فى أول مقابر بنى (الصدف). (الكواكب السيارة) ص ٨٣. ولا يصح ما ذكره ابن الزيات ـ بعد ذلك ـ من أنه حدّث عن الليث ، وكان وكيله ، إلى آخر ما سبق أن قاله عن (يونس) ، وخطأناه.

(٢) تتنوع أساليب المصادر فى التعبير عن ذلك كالآتى : أحيانا تقول : (ذكره حفيد يونس) ، كما فى (الألقاب ٢٣ ، ٣٩ ، والاستيعاب ١ / ١٧٧ ، ١٨٩). وأحيانا تقول : (وذكره أبو سعيد حفيد يونس) ، كما ورد فى (الألقاب ٤٣ ، ٤٩ ، وتاريخ ابن الفرضى ـ ط. الخانجى ـ ج ١ / ٢١٨). وأحيانا ينسب إلى جده الثانى (رغم عدم اشتهاره) ، مثل : (حكى عن أبى سعيد بن عبد الأعلى) ، كما جاء فى (مخطوط معرفة الصحابة لأبى نعيم) ، و (ذكره ابن عبد الأعلى) ، كما فى (رياض النفوس ، ط. مؤنس ١ / ٨٦ ، ٩٣ ، وط. بيروت ١ / ١٣٦ ، ١٤٦).

٢٨٣

أحمد بن يونس المؤرخ (١). وكان من أفضل أهل زمانه «يعنى : فى العبادة». توفى ليلة الثلاثاء لعشر خلون من صفر سنة ٣٣١ ه‍ (٢).

٣ ـ عبد الأعلى بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفى : يكنى أبا سلمة ، وهو فقيه حنفى صاحب «الطحاوى». سمع ، وسمع منه (٣) ، وحدثونا عنه (٤). ولد غداة الثلاثاء ، لثمانى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ٢٧٤ ه‍ (٥). وتوفى عن ثلاث وسبعين سنة بمصر «سنة ٣٤٧ ه‍» (٦).

٤ ـ عبد الرحمن «مؤرخنا المصرى» : ولعله أصغر إخوته ، وهو أشهرهم فى مجالى : «الحديث ، والتاريخ» ، كما سنرى فى ترجمته فى الصفحات الآتية.

__________________

(١) تاريخ المصريين (ترجمة ١٤١٦). وفى تاريخ الإسلام ٢٥ / ٦٥ ، أضاف الذهبى إلى تلاميذه :

(عبد الملك بن حبّان).

(٢) تاريخ المصريين (ترجمة ١٤١٦) ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٦٥ (ذكره فى تراجم وفيات سنة ٣٣١ ه‍).

(٣) الأنساب ٣ / ٥٢٩.

(٤) مخطوط (تاريخ علماء أهل مصر) لابن الطحان ق ٢٤٦.

(٥) الأنساب ٣ / ٥٢٩.

(٦) تاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٧٨.

٢٨٤

ثانيا ـ التعريف بالمؤرخ المصرى «ابن يونس الصدفى» (١)

يعد مؤرخنا «أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفى» من كبار مؤرخى القرن الرابع الهجرى «العاشر الميلادى». وقد استعرضنا ـ منذ قليل ـ البيئة العلمية ، التى نشأ فى رحابها ، وأشرنا إشارات سريعة إلى أن لجده تأثيرا ملحوظا فيه ، كما أن لأبيه دورا فى تثقيفه ، وعلّلنا ضعف شهرة والده بالقياس إلى جده. والآن ، نحاول تخصيص الحديث عن مؤرخنا فى النقاط الآتية :

١ ـ ابن يونس وتحصيل العلم :

لمسنا ـ فى حديثنا الماضى عن جده ، ووالده ـ حب ابن يونس للعلم ، ومطالعته مرويات جده الحديثية ، واستفادته مما لديه من وثائق تاريخية. وكذلك رأينا مصاحبته أباه فى رحلة علمية داخلية إلى (الصعيد) ؛ لكتابة الحديث النبوى الشريف على أحد أعلامه هناك. وأودّ التنويه ـ هنا ـ إلى أبرز معالم حياته العلمية على النحو الآتى :

أ ـ أن مؤرخنا ابن يونس ـ علاوة على الجو العلمى الذي نشأ فيه ـ كان يلقى حثا وتشجيعا كبيرا على طلب العلم. ولعل والده ـ رحمه‌الله ـ كان يدفعه إلى ذلك دفعا منذ طفولته المبكرة ؛ كى يكون امتدادا طيبا له. ومن هنا كان يقص على مسامعه بعض

__________________

(١) يمكن مطالعة ترجمة مؤرخنا فى المصادر والمراجع الآتية : (مخطوط تاريخ علماء أهل مصر) لابن الطحان ق ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ، ومخطوط تاريخ القضاعى ق ١٣١ ، والأنساب ٣ / ٥٣٠ ، وإنباه الرواه ٢ / ١٥٨ ، ووفيات الأعيان ٣ / ١٣٧ ـ ١٣٨ ، وسير النبلاء ١٥ / ٥٧٨ ـ ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، وتذكرة الحفاظ (ط. دار إحياء التراث العربى) ، مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٨ ، والعبر للذهبى ٢ / ٧٧ ، ومخطوط عيون التواريخ للكتبى (مصور عن الظاهرية) ق ١٠٢ ، وفوات الوفيات ٢ / ٢٦٧ ـ ٢٦٩ ، ومرآة الجنان ٢ / ٣٤٠ ـ ٣٤١ ، والبداية والنهاية ١١ / ٢٤٨ ، ومخطوط عقد الجمان (رقم ٣٣٤ تاريخ) ١٠ / ق ٣٣ ـ ٣٤ ، والنجوم ٣ / ٣٦٥ ، وحسن المحاضرة ١ / ٣٥١ ، ٥٥٣ ، والتاج المكلل ١٦١ ـ ١٦٢ ، وتاريخ الأدب العربى (طبعة الهيئة العامة) ٢ / ٨٤ (وفيه حرّف الصدفى إلى الصفدى) ، وتاريخ التراث العربى ١ / ٥٧٨ ـ ٥٧٩ (طبعة الهيئة العامة) ، وظهر الإسلام ١ / ١٦٥).

٢٨٥

الروايات ذات المغزى العميق فى ذلك الصدد. فها هو ابن يونس يقول : حدثنى أبى ، عن جدى ، قال : سمعت ابن وهب يقول : «ما رأيت ابنا ـ لعالم ـ أفضل من شعيب بن الليث» (١). وكأن والده يطلب إليه أن يكون أفضل من شعيب هذا فى خلقه وعلمه ، فإن لم يكن ، فلا أقل من أن يساويه فى فضله ، الذي شهد له به فقيه مصر ومفتيها ، وعالمها «ابن وهب».

ب ـ صاحب ذلك التشجيع النظرى خطوات عملية تطبيقية ، تمثلت فى حضور ابن يونس مجالس العلماء ، سواء كان ذلك فى منزل والده ، أم فى حلقاتهم العلمية التى كانوا يعقدونها. وإذا عرفنا أن «يحيى بن أيوب العلّاف المصرى» ، ذلكم المحدّث المشهور ، ذكر لنا ابن يونس أنه رآه ، وأن هذا العالم ما إن تقع عيناه على مؤرخنا ، حتى يضمّه إليه ، ويقبّل رأسه ، ويدعو له (٢) ؛ دلّ ذلك على نجابة وذكاء ، كان يتوسمه فيه ذلك الرجل ، ودلّ ـ أيضا ـ على طلب مؤرخنا العلم فى سن مبكرة ؛ لأن هذا المحدّث توفى سنة ٢٨٩ ه‍ (٣) «أى : فى وقت كان مؤرخنا فيه قد بلغ الثامنة من عمره ؛ إذ إن مولده كان سنة ٢٨١ ه‍ (٤)».

ح ـ ظل ابن يونس على جده ومثابرته فى تلقى العلم فى شبابه المبكر (٥) ، حتى توفى والده ـ كما ذكرنا من قبل سنة ٣٠٢ ه‍ ـ وهو ابن واحد وعشرين ربيعا. وأعتقد أن مؤرخنا ـ عندئذ ـ قد شبّ عن الطّوق ، واستوى على سوقه ، وانفسحت أمامه مجالات العلم رحبة فسيحة ، فظل ينهل من موارده العذبة ، يتلقى العلم ، ويقوم

__________________

(١) تاريخ المصريين (ترجمة رقم ٦٤٩).

(٢) المصدر السابق (ترجمة رقم ١٣٨٢).

(٣) المصدر السابق (ترجمة رقم ١٣٨٢).

(٤) وفيات الأعيان ٣ / ١٣٧ (قال ابنه أبو الحسن على بن عبد الرحمن : كانت ولادة أبى فى سنة ٢٨١ ه‍) ، وسير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨١ ، وتذكرة الحفاظ (ط. دار إحياء التراث) مجلد ٢ ج ٣ / ٨٩٨ ، ومخطوط عيون التواريخ (مصور عن الظاهرية) ق ١٠٢ ، والبداية والنهاية ١١ / ٢٤٨. ومن ثم ، فلا صحة مطلقا لما زعمه السمعانى فى (الأنساب) ٣ / ٥٣٠ : أن مولد ابن يونس كان سنة ٢٤٠ ه‍.

(٥) فمثلا : ذكر ابن حجر أن ابن يونس حدّث عن (أحمد بن حماد بن مسلم التجيبى ، المتوفى سنة ٢٩٦ ه‍). (تهذيب التهذيب) ١ / ٢٢. وهذا يعنى أن مؤرخنا كان عمره (١٥ سنة) عند وفاة ذلك المحدّث. (راجع ترجمته فى «تاريخ المصريين» ترجمة رقم (١١).

٢٨٦

بالتدريس والرواية ، والتأليف فى «التاريخ» ، حتى أخريات حياته (١) ، رغم بلوغه السادسة والستين من عمره ، لم ترتعش له يد ، ولم يسقط منه قلم ، ولم يركن إلى الدعة والسكون ، وإنما ظل فى جهاده العلمى المتواصل ، حتى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها فى يوم الأحد لخمس وعشرين ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ٣٤٧ ه‍ ، ودفن فى اليوم التالى ـ يوم الاثنين ـ وصلّى عليه أبو القاسم بن حجاج (٢). وبذلك انتهت حياة ذلك المؤرخ المصرى العظيم بملامحها ومعالمها الرئيسية ، وبقى الوقوف على ما تيسر من بعض تفصيلاتها.

٢ ـ أساتيذه :

ليس المقصود بذكر أساتيذ مؤرخنا «ابن يونس» القيام بحصرهم ؛ إذ لا سبيل إلى تحقيق ذلك ؛ نظرا لغزارة من تلقى على أيديهم العلم فى شتى فروع المعرفة. وسوف نكتفى ـ هنا ـ بالإشارة ـ فقط ـ إلى عدد من هؤلاء الأساتذة ، سواء كانوا مصريين ، أم

__________________

(١) وخير مثال على ذلك : أنه ترجم فى كتابه (تاريخ المصريين) للمحدّث (أحمد بن إبراهيم بن محمد بن جامع المصرى) برقم (٦) ، وقال عنه : ثقة ، توفى فى المحرم سنة ٣٤٧ ه‍. وهذا يعنى أنه ترجم لهذا العالم (قبل وفاة ابن يونس نفسه بحوالى خمسة شهور ؛ إذ إنه توفى أواخر جمادى الآخرة من العام نفسه ، كما سيأتى بعد قليل).

(٢) مخطوط (تاريخ علماء أهل مصر) لابن الطحان : ق ٢٤٦ ، وإنباه الرواه : ٢ / ١٥٨ ، ووفيات الأعيان ٣ / ١٣٧ ، وسير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ ، وفوات الوفيات للكتبى ٢ / ٢٦٧ ـ ٢٦٨ ، والبداية والنهاية ١١ / ٢٤٨. هذا ، ولم يكن السمعانى موفقا فى ذكر تاريخ الوفاة (جعله سنة ٣٤٩ ه‍) ، كما لم يكن موفقا فى تحديد تاريخ الميلاد من قبل (الأنساب) ٣ / ٥٣٠. وربما تحرفت لفظة (سبع) إلى (تسع) بفعل النسّاخ. وتجدر الإشارة إلى أن الدكتور محمود مكى ، والدكتور محمد عبد الحميد صقر ، والدكتور عبد الله جمال الدين تفردوا بجعل تاريخ الوفاة (سنة ٣٣٦ ه‍). (بحث مصر والمصادر الأولى للتاريخ الأندلسى) فى (مجلة المعهد المصرى للدراسات الإسلامية بمدريد) ، ع ٥ ، ١٩٥٧ (ص ٣٣٠) ، و (بحث نشأة المدرسة التاريخية فى الأندلس) ، مجلة (الجامعة الإسلامية بالمغرب) العدد رقم : ٢٠٤ ، ١٩٩٠ (ص ٣٦٥ ، ٣٧٧) ، و (التاريخ الأندلسى : تدوينه ، ومروياته حتى نهاية القرن الثالث الهجرى) ص ٣٧ (للباحثين المذكورين على التوالى). وأعتقد أنه تاريخ غير دقيق ؛ لعدة أسباب : أنهم لم يذكروا مصدرهم الذي رجعوا إليه ، وأن جميع المصادر التى ترجمت لابن يونس ، والمراجع الناقلة عنها ـ فيما أعلم ـ أجمعت على تاريخ ٣٤٧ ه‍ ، وأخيرا ـ وهو الأهم ـ أن مؤرخنا ابن يونس ترجم فى كتابه (تاريخ المصريين) لعلماء توفوا بعد سنة ٣٣٦ ه‍ (راجع تراجم أرقام : ٦ ، ١١٥٩ ، ١١٦١ ، ١١٦٢) ، فوفياتهم على الترتيب سنوات (٣٤٧ ه‍ ، ٣٤٣ ه‍ ، ٣٣٩ ه‍ ، ٣٣٨ ه‍).

٢٨٧

من خارج مصر مع الوضع فى الاعتبار أن ابن يونس لم يرتحل ، ولم يسمع بغير مصر (١) ، لكنه ـ بالتأكيد ـ تتلمذ على أيدى علماء مصر ، وعلى أيدى الوافدين إليها من كافة الأقاليم الإسلامية الأخرى ؛ مما عوّضه ـ إلى حد كبير ـ عن عدم الارتحال.

ولعل سر عدم مفارقته بلده مصر يرجع إلى حبه الشديد لوطنه ، بحيث لا يقدر على مغادرته ، مقتفيا فى ذلك أثر والده وجده يونس من قبل ، فلم يؤثر عنهما ارتحال خارج بلدهما مصر. ولعله كان يرى أن مصر لا تقل عن بغداد وغيرها من حواضر العالم الإسلامى الأخرى ، فهى غنية بعلمائها ، والعلماء يقصدونها من كل حدب وصوب ، كما أنه يمكنه استخدام المراسلات والمكاتبات مع بعض العلماء من خارج مصر ؛ للحصول على ما يريد من مادة علمية ، تعينه على تصنيف مؤلفاته (٢). والمعتقد لدىّ أن طلب العلم خارج حدود الوطن أكثر فائدة لطالبه ، ولو أن ابن يونس زار الأقاليم الإسلامية الأخرى ، ما وقفت مؤلفاته التاريخية عند حدود بلده مصر ، ولازدادت معارفه ، وتنوعت مصنفاته.

من أساتيذ ابن يونس المصريين : والده «أحمد بن يونس» ، وعلى بن قديد ، وعلى بن أحمد علّان ، وأحمد بن حماد زغبة ، وعبد الملك بن يحيى بن بكير (٣) ، وأحمد بن عبد الوارث بن جرير الأسوانى (٤) ، والعباس بن محمد الفزارى «وقد أكثر ابن يونس فى الأخذ عنه» (٥) ، وغيرهم كثير.

وممن روى عنهم من الأندلسيين ، الذين قدموا إلى مصر : عبد الله بن محمد ابن حسين (٦) ، وعبد الله بن حنين بن عبد الله المالكى (٧) ، وعيسى بن محمد

__________________

(١) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ ، وتذكرة الحفاظ مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٨.

(٢) كما هو الحال فى علاقته بالمؤرخ الأندلسى الخشنىّ ، على نحو ما سنوضح فى (موارد تاريخ الغرباء) لابن يونس.

(٣) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢.

(٤) سير النبلاء ١٥ / ٢٤.

(٥) راجع ترجمته فى (تاريخ المصريين) لابن يونس (برقم ٧٠٦).

(٦) يعرف ب (ابن أخى ربيع). سمع بمصر محمد بن زبّان ، وغيره. وسمع منه بها ابن يونس وغيره. وكان من أهل الحديث ، ومعرفة علله ، وله فيه مؤلفات. توفى سنة ٣١٨ ه‍. (تاريخ ابن الفرضى ـ ط. الخانجى ـ ١ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣).

(٧) قرطبى حج آخر عمره ، وسمع بمصر من محمد بن زبان الباهلى. وسمع منه بها ابن يونس ، وغيره. توفى سنة ٣١٩ ه‍. (الديباج ١ / ٤٣٦ ، وطبقات المفسرين للداودى ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨).

٢٨٨

الأندلسى (١) ، ومحمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرّج القرطبى (٢) ، وغيرهم.

وأخيرا ، فمن أساتيذه الذين روى عنهم من غير مصر ، والأندلس : أبو عبد الرحمن النسائى (٣) ، وعلى بن سعيد الرازى (٤) ، ومحمد بن إدريس بن وهب البغدادى (٥) ، وعبد السلام بن سهل البغدادى (٦) ، والعباس بن يوسف بن عدى الكوفى (٧) ، ومحمد بن أحمد بن جعفر الكوفى (٨) ، ومحمد بن صالح بن عبد الرحمن الدمشقى (٩) ، ومحمد بن عبد السلام بن عثمان الدمشقى (١٠) ، ومحمد بن عيسى بن عيسى بن تميم المصيّصىّ (١١) ، وغيرهم.

٣ ـ ثقافته :

ألمّ مؤرخنا ابن يونس بعلوم ومعارف عصره ، مثل : القراءات ، والحديث. والفقه ، واللغة ، والأنساب ، والخطط ، والتاريخ. ونحب ـ هنا ـ أن نلقى الضوء ـ بإيجاز ـ على الخطوط العامة لملاح ثقافته ، على أساس أن ذلك كله يدخل فى تشكيل ملامح

__________________

(١) لقيه ابن يونس بمصر ، لما رحل إلى المشرق. وروى عنه خبر (ياسين بن محمد بن عبد الرحيم البجّانى). (راجع : تاريخ الغرباء ، لابن يونس (ترجمة ٦٦٧) ، وتكملة كتاب الصلة (ط. مدريد) ص ٢٣٩.

(٢) ولد سنة ٣١٥ ه‍ ، وقدم فى رحلة إلى المشرق سنة ٣٣٧ ه‍ ، ثم عاد إلى الأندلس ـ بعلم غزير ـ سنة ٣٤٥ ه‍. وهو ممن روى عنهم ابن يونس بمصر ، وهو من أقرانه. له صلة طيبة بالحكم المستنصر. توفى سنة ٣٨٠ ه‍ (راجع ترجمته فى : تاريخ ابن الفرضى ـ ط. الخانجى ـ ٢ / ٩٣ ـ ٩٥ ، والجذوة ١ / ٧٦ ، ومخطوط تاريخ دمشق ١٤ / ٧١٧ ، والبغية ص ٤٩ ـ ٥٠ ، وتاريخ الإسلام ٢٦ / ٦٦٣ ، وتذكرة الحفاظ (دار إحياء التراث العربى) مجلد ٢ ج ٣ ص ١٠٠٧ ـ ١٠٠٩).

(٣) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ ، وتذكرة الحفاظ مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٨.

(٤) المصادر السابقة.

(٥) تاريخ الغرباء ، لابن يونس (ترجمة ٤٩٣).

(٦) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ ، وتذكرة الحفاظ مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٨.

(٧) تاريخ الغرباء ، لابن يونس (ترجمة رقم ٢٧٦) ، وتاريخ الإسلام ٢٣ / ٤٥٤.

(٨) تاريخ الغرباء ، لابن يونس (ترجمة ٤٨٤).

(٩) المصدر السابق (ترجمة ٥٤٨).

(١٠) السابق (ترجمة ٥٧٣).

(١١) السابق (ترجمة ٥٨٩).

٢٨٩

وسمات شخصيته ، ويدخل ـ أيضا ـ فى تكوينه العلمى ، فيساعدنا على دراسته «مؤرخا». والآن ، مع استعراض سريع لجوانب هذه الثقافة :

أ ـ القراءات :

لا نجد تفاصيل كافية ، تسهم فى معرفة واضحة متكاملة عن المكانة التى وصل إليها مؤرخنا ابن يونس فى ذلك العلم القرآنى. ولكننا نرجح أنه كان أحد اهتماماته ؛ لأنه يمثل أحد الروافد الثقافية فى ذلك العصر ، ولكون جده «يونس» أحد المتصدرين للإقراء فى مصر (١) ، وقد يكون نقل ذلك عنه والد «ابن يونس» ، ثم انتقل ذلك بدوره إلى مؤرخنا. وعلى كل ، فقد كان لابن يونس ـ وفى ضوء ما تم تجميعه من «تاريخ المصريين» ـ اهتمام بالترجمة لعدد من القراء فى مصر (٢) ، كما أنه قرأ على بعضهم (٣) ؛ مما يفيد نوعا من الاهتمام بذلك العلم. ولم يقف اهتمامه عند القراء المصريين ، بل ترجم لبعض القراء الوافدين إلى مصر ، ممن لهم تأثير ونشاط ملحوظ فى حلقات الإقراء ، ومراجعة كتابة المصحف الشريف (٤).

ب ـ الحديث :

يمثل هذا العلم قمة فروع معارف وثقافة مؤرخنا ابن يونس ، ويعد الركيزة الأساسية التى بنى عليها ، واستمد منها مادة مؤلّفيه التاريخيين ، على نحو ما سنرى فيما بعد ، وبه

__________________

(١) تجدر الإشارة إلى أن ابن يونس ترجم فى (تاريخ الغرباء ، ترجمة ٤١٣) ل (على بن يزيد بن كيسة الكوفى المقرئ ، نزيل مصر) ، الذي عرض عليه (يونس بن عبد الأعلى) القرآن ، وعرضه عليه.

(٢) من هؤلاء الذين لعبوا دورا مهما فى مدرسة القراءات فى مصر الإسلامية (عدد من الصحابة ، والتابعين ، وغيرهم). راجع (تاريخ المصريين : تراجم أرقام : ٥٩٠ ، ٧٦٧ ، ٧٦٩ ، ٨٤٣ ، ٨٥٣ ، ٩٠٢ ، ٩٢٣).

(٣) قرأ مؤرخنا ابن يونس على القارئ المصرى المشهور ، الذي كان يجيد قراءة ورش ، وهو (أحمد بن أسامة بن أحمد بن أسامة التجيبى ، المتوفى سنة ٣٤٢ ه‍). (حسن المحاضرة ١ / ٤٨٨).

(٤) مثل : (أبى طعمة) القارئ المشهور بمصر (تاريخ الغرباء ، ترجمة ٦٩٩) ، و (ثوابة بن مسعود التنوخى) المقرئ ، الذي كان شيخا لابن وهب (السابق : ترجمة ١٢٧) ، والقارئ الكوفى (زرعة ابن سهيل الثقفى) ، الذي اكتشف خطأ من النساخ فى مصحف (عبد العزيز بن مروان) ، وكافأه على ذلك. (السابق : ترجمة ٢٠٧).

٢٩٠

اشتهر ابن يونس وعرف ، حتى لقّب ب «الحافظ المحدّث» ، قبل أن يوصف ب «المؤرخ» (١). ومن هنا ، فإننا نعتقد أن عرض جوانب ثقافته الحديثية ـ ولو بإيجاز وتركيز ـ من الأهمية البالغة ؛ كى تنجلى الأمور ، وتتضح عند بيان «ملامح منهجه التاريخى».

ويمكن عرض هذه الجوانب الحديثية فيما يلى :

أولا ـ اهتمامه البالغ برواية حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سماعا وتحديثا (٢) ، وكتابة (٣) ، ومذاكرة فى مجالس العلماء والرواة «سواء كان ذلك مع المحدّثين المصريين ، أم الغرباء (٤)».

ثانيا ـ روايته عن بعض العلماء الموجودين خارج مصر ، عن طريق المكاتبة والمراسلة (٥).

__________________

(١) ورد فى عدد من المصادر أن ابن يونس كان حافظ ديار مصر ، وبعد وفاته (سنة ٣٤٧ ه‍) احتل تلك المكانة ، وشغلها الحافظ (حمزة بن محمد الكنانى المولود سنة ٢٧٥ ه‍ ، والمتوفى سنة ٣٥٧ ه‍). (تاريخ الإسلام ٢٦ / ١٦١ ، والوافى بالوفيات ١٢ / ١٧٤ ، والمقفى ٣ / ٦٧٠). ويلاحظ أن الأدفوى لقبه ب (الحافظ) فى كتابه : (الطالع السعيد) ص ٢٨٦ ، وترجم له السيوطى فى (حفّاظ الحديث فى مصر) ، وذلك فى (حسن المحاضرة) ١ / ٣٥١.

(٢) اهتم ابن يونس برواية عدد من أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإسناده فى كتابيه (تاريخ المصريين) ، و (تاريخ الغرباء). راجع فى الكتاب الأول ـ مثلا ـ تراجم : (٨٨ ، ٩٠ ، ٢٥٢ ، ٣٨٢ ، وغيرها). وفى الكتاب الآخر (راجع الترجمتين رقم : ٧ ، ٣٩٨). ويمكن مراجعة (تذكرة الحفاظ) للذهبى (ط. دار إحياء التراث العربى) مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٩ ، فقد أورد فيه حديثين بإسناد ابن يونس (أحدهما : قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما زال جبريل يوصينى بالجار ، حتى كاد يورّث»).

(٣) صرّح مؤرخنا ابن يونس بكتابته الحديث عن عدد من المحدّثين المصريين (راجع : تاريخ المصريين ، تراجم أرقام : ٢٣ ـ ٢٤ ، ٢٦ ، ٦٨٦ ، وغيرها) ، وراجع ـ أيضا ـ كتابته الحديث عن بعض المحدّثين المنتسبين إلى (حمص ، والكوفة ، وبغداد) ، وذلك فى (تاريخ الغرباء ، تراجم أرقام : ٦٩ ، ١٥٥ ، ١٥٩ ، ١٦٥ ، وغيرها).

(٤) ذكر ابن يونس فى (المصدر السابق ترجمة ٦٦) : أنه حفظ بعض الأحاديث عن (المحدّث أحمد ابن محمد بن زكريا البغدادى) أثناء مذاكرته معه. وفى (السابق ترجمة ٦٠٠) : أوضح لنا ابن يونس حضوره مجلس علم الإمام النسائى ، وكان يقصده طلاب العلم المصريون والغرباء. وبالطبع كانت تتم فيه رواية الأحاديث.

(٥) من الأمثلة التى احتفظ لنا بها ابن ماكولا فى هذا الصدد : قوله فى ترجمة (عبد الرحمن بن

٢٩١

ثالثا ـ معرفته التامة بأحوال نقلة الحديث ورواته ، فهو يدرك منزلة الرجال (١) ، ويعرف أسانيد الأحاديث (٢) ، ويحفظ الأساتيذ والتلاميذ (٣) ، ويعرف أحوالهم وأخبارهم (٤) ، ويطالع مصنفات المحدّثين ، ويحسن البحث والتنقيب فيها (٥).

من أجل ذلك كله ، حقّ للإمام الذهبى «عليه رحمة الله» أن يصف حافظ مصر ومحدّثها «ابن يونس المصرى» بأنه «إمام بصير بالرجال ، فهم متيقظ» (٦). وأن يصفه الحافظ السيوطى بقوله : «إمام فى هذا الشأن ، متيقظ حافظ مكثر» (٧).

ج ـ الفقه :

لم يؤثر عن ابن يونس معرفته بمذاهب فقهية محددة ، ولم تذكر لنا المصادر ـ التى طالعتها فى ترجمته ـ أن له مكانة فقهية ما ، أو أن له مصنفات فى هذا المجال ، أو روى

__________________

الخليل التونسى ، المكنى بأبى زيد) : حدث عن شجرة بن عيسى. روى عنه ابن يونس مكاتبة. توفى سنة ٣٢٠ ه‍ (الإكمال ١ / ٥٢٥).

(١) كان ابن يونس لا يتورع عن إبداء رأيه ـ من واقع علمه ـ فى رواة الأحاديث ، فمن كان منهم موضع المدح والتوثيق ، وثقه (راجع تاريخ المصريين ، تراجم أرقام : ٣٩٢ ، ٤٥٩ ، ٥٦٧). ومن كان منهم ليس أهلا للتحديث ، أو حديثه لا تقوم به حجّة ، قام بنقده (راجع المصدر السابق : ٣٤ ، ٥٤ ، ٦٠) ، و (تاريخ الغرباء : ترجمة رقم ٦٢١).

(٢) راجع : (تاريخ المصريين) : ترجمة (٤٠٤) ، (٦٧٥).

(٣) وعلى ذلك أمثلة عديدة ، منها : ما جاء فى ترجمة (حىّ بن عبد الله المعافرى) : أن آخر الرواة عنه ابن وهب (السابق : ترجمة ٣٨١) ، وكذلك ما جاء فى ترجمة (خالد بن عبد السلام) رقم ٣٩٢ : أن آخر من حدث عنه محمد بن محمد بن الأشعث الكوفى. وأيضا ما ورد فى ترجمة (سعيد بن حى الخولانى ، رقم ٥٤١) : أنه لم يحدّث عنه غير عيّاش بن عباس.

(٤) كما هو الحال فى ترجمة (الربيع المرادى) فى (تاريخ المصريين) رقم (٤٥٩) ، وترجمة (محمد ابن إسحاق بن يسار المدنى) فى (تاريخ الغرباء) برقم (٤٩٤).

(٥) من أمثلة ذلك : ما ذكره عن (خالد بن ثابت بن ظاعن) : أن له حديثا فى كتاب (الزكاة) من (موطأ ابن وهب الكبير). (تاريخ المصريين) ، ترجمة (٣٨٥) ، ومطالعته كتب المحدّث (أحمد ابن محمد بن فضالة الحمصى) ، وقوله عنها : كانت كتبه جيادا (تاريخ الغرباء : ترجمة ٧٢) ، وكذلك اطلاعه على كتاب المحدّث النّسوىّ الخراسانى (خشيش بن أصرم) ، الذي ردّ فيه على أهل الأهواء باستخدام الحديث المروى (السابق : رقم ١٨٥).

(٦) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ (كان إماما فى هذا الشأن) ، وتذكرة الحفاظ مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٨ (شرحه بزيادة لفظة : متيقظ).

(٧) حسن المحاضرة ١ / ٣٥١.

٢٩٢

آثارا فقهية ، يمكن أن نستشف منها اتجاهه الفقهى. وعلى كل ، فلعله كان على مذهب جده الشافعى ، باعتبار تأثيره الكبير فيه.

هذا ، وقد دّققت النظر فى مؤلّفيه ، اللذين وضعهما فى «تراجم المصريين ، والغرباء» ، لعلى أعثر على نصوص فقهية فى ثنايا التراجم. وبالفعل وجدت عدة نصوص مروية ، لها طابع فقهى ، وهى ـ بطبيعة الحال ـ لا تعنى أن ابن يونس فقيه من فقهاء عصره ، لكنها تشير إلى إلمامه ببعض المعارف الفقهية فى حدود ما سمحت به المادة المتاحة. وجدير بالذكر أن ابن يونس ترجم للعديد من الفقهاء فى «كتابيه المذكورين» ، وسوف نحصر تلك التراجم ، ونبين مدى اهتمامه بتراجم الفقهاء بالنسبة لبقية التراجم الواردة «وذلك عند دراسة المحتوى».

والآن ، أكتفى بمجرد الإشارة إلى عدد من رءوس الموضوعات الفقهية ، التى وردت فى مصنّفى ابن يونس ، وهى : «حكم بيع البعير بالبعيرين ، والشاة بالشاتين فى «مجال المعاملات» (١). وفى مجال «الأحوال الشخصية» : أهمية النية فى اللفظ المحتمل إيقاع الطلاق (٢) ، وحكم تفريق السيد بين عبده وأمته بعد تزويجه إياهما (٣). ثم حكم النّذر فى الفقه المالكى (٤) «فى مجال العبادات».

وأخيرا فإنه يغلب على الظن أن ابن يونس كانت له مطالعات فى كتب الفقه المختلفة مثل : «كتب الفقيه المصرى ابن عليّة» ، التى وصفها بأن بها حجاجا عقليا يشبه الجدل (٥).

وكذلك كتاب «الجامع الكبير» للفقيه الحنفى «محمد بن الحسن الشيبانى» (٦). وكذلك معرفته بكتب الجعفرية «وهى على فقه الشيعة» (٧). ويضاف إلى ذلك معرفته ببعض المسائل الفقهية المروية له عن الفقهاء القدامى ، مثل : «محمد بن سحنون المالكى» (٨) ،

__________________

(١) تاريخ المصريين ، لابن يونس (ترجمة ٢٤٩).

(٢) المصدر السابق : (ترجمة رقم ٢٨١).

(٣) تاريخ الغرباء لابن يونس (ترجمة ٤٦١).

(٤) تاريخ المصريين (ترجمة ٨٨٤).

(٥) تاريخ الغرباء (ترجمة رقم ٦).

(٦) السابق : (ترجمة ٧٩).

(٧) السابق : (ترجمة ٣٧١).

(٨) السابق (ترجمة ١٠٣). ويمكن مراجعة ترجمة ابن سحنون (ت ٢٥٥ ه‍) من (علماء إفريقية) ، للخشنى (ط. الخانجى) ص ١٧٨ ـ ١٨٢.

٢٩٣

والحسن البصرى ، ومحمد بن سيرين (١).

د ـ اللغة :

من الراجح أن ابن يونس ـ كعادة المثقفين فى عصره ـ قرأ القرآن الكريم ، وتلقى الحديث النبوى الشريف ، وقدرا لا بأس به من الشعر والنثر العربى البليغ. ولا شك أن لذلك أثره الكبير فى تقويم لسانه ، ودقة استخدام اللغة فى كتاباته. ولعله طالع شيئا من قواعد العربية ، مما كتبه النحويون واللغويون فى أيامه ، ولعل منهم النحوى المفسّر «ابن النحاس المصرى المتوفى سنة ٣٣٨ ه‍» (٢).

ومن الأمثلة الدالة على حسن فهم ابن يونس لمدلولات الألفاظ العربية ، وحسن استخدامه لها فى موقعها الصحيح المناسب لها تماما ، وتراثية هذه الألفاظ «الدالة على معرفته بمعاجم اللغة» إيراده الألفاظ الآتية : «مواحيز (٣) ، وعنفقة (٤) ، ودقة وعمق ربطه بين : طحطوطى ، ولفظة الضّراط» (٥).

وفى النهاية ، أشير إلى وقوع ابن يونس فى مأخذ لغوى ـ لعله تحريف من النساخ ـ عندما قال عن أحد المترجم لهم : «يوثق فيه». والصواب : يوثق به (٦). وعلى كل ، فسوف نزيد الحديث عن لغته توضيحا ، ولكن على مستوى «أسلوب العرض التاريخى ، وسماته ، ومدى تلاؤمه مع مؤلّفيه وموضوعهما ، وطبيعة تراجمه» ، وذلك من خلال الحديث عن «المنهج التاريخى» ، بإذن الله.

__________________

(١) علماء إفريقية (ترجمة ٥٤٥). حكم ابن يونس ـ بعد مقارنة بين علمهما فيما يبدو ـ أن ابن سيرين كان أفطن من الحسن فى أشياء.

(٢) تاريخ المصريين (ترجمة ٤٧). وذكر فيها ابن يونس أن له مصنفات فى النحو والتفسير ، فلعله طالع شيئا منها.

(٣) المصدر السابق ، (ترجمة ٧٥ ، وهامشها).

(٤) المصدر السابق : (ترجمة ١٣٦ ، وهامشها) ، وذلك فى ترجمة الفقيه المالكى (أشهب بن عبد العزيز المتوفى سنة ٢٠٤ ه‍) ، وقال عنه فى ترجمته : «يخضب عنفقته».

(٥) السابق (ترجمة ٥١ ، وهامشها).

(٦) راجع (تاريخ الغرباء) لابن يونس (ترجمة على بن الحسن بن على بن الجعد) برقم (٣٩٩ ، وهامشها).

٢٩٤

ه ـ معرفته بالأنساب ، وضبط الأعلام :

عند دراسة «طريقة العرض التاريخى» لابن يونس ، فيما بعد ، سنرى أن السمة الغالبة على تراجم «تاريخ المصريين» هى حرص مؤرخنا على إيراد الأنساب المطوّلة للمترجمين ، وذلك يتطلب ـ بالطبع ـ ثقافة عالية فى هذا المجال ، ومصادر يرجع إليها ابن يونس ؛ كى يعرض هذه الأنساب كاملة مضبوطة ، بطريقة دقيقة صحيحة. والحق أن مؤرخنا لم يصرح لنا ـ فيما بقى من تراجم ـ بموارده التى استقى منها هذه الأنساب ، لكنى ـ بعد الفحص الشامل ـ وقفت على طريقتين اثنتين ، لعلهما من الطرق التى استمد بها ابن يونس مادته فى «الأنساب» ، وهما : الرجوع إلى مصادر هذا الشأن (١) ، وسؤال أهل العلم (٢).

أعتقد أنه غنىّ عن البيان المطوّل أن نقول : إن الإحاطة بالأنساب ، والمعرفة بوجوه ضبط الأعلام من العلوم المساعدة للمؤرخ ، خاصة عندما يكتب فى مجال «التراجم» كمؤرخنا ابن يونس. ولعل المطالع بقايا كتاب «تاريخ المصريين» لمؤرخنا ، يدرك براعته فى ذلك الشأن ، فهو حريص على توضيح ما أشكل من ضبط بعض الأعلام ، وذلك بالحروف ؛ منعا للبس والشك (٣) ، ويقوم بضبط أسماء بعض بطون القبائل (٤) ، وأحيانا يعرّفنا بأصلها (٥). ومن مظاهر ثقافته ومعرفته بالأنساب ـ أيضا ـ توضيحه ما أبهم من

__________________

(١) على نحو ما ورد فى (تاريخ المصريين) ، ترجمة (١٧٢) المتعلقة ب (برح بن عسكر) ، الذي رأى ابن يونس نسبه فى مصدر قديم ، وعبّر عن ذلك بقوله : «ورأيت فى بعض الكتب القديمة فى النسب بخط ابن لهيعة».

(٢) كقوله فى ترجمة (هارون بن يوسف بن هارون الأسوانى) : نسبه أهل أسوان فى (موالى عثمان ابن عفان ، رضى الله عنه). (السابق : ترجمة ١٣٥٣).

(٣) كما فى قوله فى ترجمة (جعثل) : بضم الجيم ، ومثلثة. (السابق : ترجمة ٢٣٤ ، وهامشها). وثمة مثال بارز على ذلك فى ترجمة الصحابى (بحر بن ضبع) فى (السابق : ترجمة ١٦٤) ، حيث قال : من لم يقل : بحر بن ضبع ، فقد أخطأ. الاسمان مضمومان : الباء ، والحاء فى (بحر) ، والضاد والباء فى (ضبع).

(٤) راجع (تاريخ المصريين) لابن يونس ، ترجمة (٧٦٥) ، عن (عبد الله بن كليب) ، قال عنه : من موالى رضا من مراد (والمقصود : بضم الراء فى (رضا).

(٥) كما فى قوله عن (العريفى) : نسبة إلى (عريف بن مالك بن الخزرج بن مالك بن أبذى بن الصّدف). (السابق : ترجمة ٢٥٤). وكذلك قوله عن (الجدادىّ) : نسبة إلى (الجديدة) بالضم ، وهى قبيلة من خولان ، وهم من ولد (رازح بن مالك بن خولان) (السابق : ترجمة ٧١٦).

٢٩٥

أسماء بعض الأعلام الواردة فى النسب (١) ، ودقته فى تحديد نسب المترجمين (٢).

و ـ معارفه التاريخية العامة :

ويقصد بذلك محاولة قياس ما لدى مؤرخنا ابن يونس من معلومات عن أحداث التاريخ العام للأمة الإسلامية «السيرة النبوية ، وتاريخ الراشدين ، والأمويين ، والعباسيين ، إلى غير ذلك من الأحداث التى مرت بها أمتنا حتى عصر مؤرخنا». ولا يدخل فى ذلك ـ بالطبع ـ تاريخ «مصر الإسلامية» ؛ فمن المسلّم به أن ابن يونس علّامة فى ذلك المجال.

ولما لم يكن بين أيدينا من تراث ابن يونس التاريخى سوى ما تيسر تجميعه من بقايا «تاريخيه» ؛ فإن مجال بحثنا عن تلك الجزئية قد انحصر فى تلك البقايا. ومن ثم ، فإن ما لدينا من نصوص لا يكفى للحكم على ثقافته التاريخية العامة على سبيل القطع واليقين ؛ لأن ما سجله من تراجم العلماء المصريين موجز ومركز فى معظمه ، ويدور حول التاريخ المحلى لمصر. وبالنسبة لتراجم الغرباء الوافدين على مصر ، فإنه قد يتطرق ـ أحيانا ـ إلى ذكر بعض أحداث التاريخ العام ، لكنها مجرد إشارات خاطفة ، ليست مقصودة لذاتها ، وإنما يلمح إليها مجرد إلماحة ، إذا كان للمترجمين علاقة بها.

وعلى كل حال ، فإننا نرجح أن تكون لدى مؤرخنا حصيلة جيدة من معارف التاريخ العام ؛ إذ لا يعقل تقوقعه فى حيز التاريخ المحلى المصرى ، خاصة أن الأخير لا يفهم حق الفهم ، إلا فى ضوء الفهم الصحيح لأحداث الأمة ككل. وينضاف ـ إلى ذلك الملمح المنطقى ـ ملمح نصّىّ ، يتمثل فى الإشارات العديدة الواردة فى كتابى مؤرخنا ، تلك التى تفيد معرفته وإلمامه بأحداث التاريخ الإسلامى بعامة.

ومن هذه النماذج ما يلى :

١ ـ فى مجال السيرة النبوية : «إلمامه بالعديد من أحداث السيرة من خلال معرفته

__________________

(١) ومثال ذلك : توضيحه اسم والد (بسر بن أبى أرطأة) ، قال : هو عمير بن عويمر بن عمران ... إلخ. (تاريخ المصريين : ترجمة ١٧٤).

(٢) كما حدث فى ترجمة (عبد الملك بن هشام) فى (تاريخ الغرباء : ترجمة ٣٥٦ ، وهامشها) ، فقد حدد ابن يونس نسبه بأنه ذهلىّ ، خلافا لما ذكره البعض من أنه حميرى معافرى. وقد رجّح القفطى ما قاله ابن يونس ؛ لعلمه بهذا الشأن ، فهو إمام الحديث والتاريخ فى مصر (إنباه الرواه) ج ٢ ص ٢١١.

٢٩٦

بتاريخ الصحابة الذين وفدوا على مصر ، وشهد الكثير منهم فتحها ، واختط بعضهم دورا لهم ، وأقاموا بها» (١).

٢ ـ فى مجال تاريخ الراشدين : «إلمامه وعرضه جوانب من الصراع بين علىّ ومعاوية (٢) ، وتناوله ـ قبل ذلك ـ بعض ما يتصل بخلافة عمر بن الخطاب ، مثل : أحداث تسلمه بيت المقدس من يد الروم (٣) ، وجانب من سياسته الاقتصادية فى توزيع العطاء (٤).

٣ ـ فى تاريخ الأمويين : «أشار إلى يوم الخازر (٥) ، ومقتل عمرو بن سعيد بن العاص (٦) ، وجانب من أحداث ثورة ابن الزبير ـ وقد انضم إليه حنش بن عبد الله الصنعانى ـ على عبد الملك بن مروان (٧) ، وفتوح حسان بن النعمان بالمغرب (٨) ، وغزو القسطنطينية فى خلافة الوليد على يد «مسلمة بن عبد الملك» (٩) ، ثم أحداث من خلافة عمر بن عبد العزيز فى : طبيعة نظرته إلى عطاء الشعراء (١٠) ، ومجلسه الذي يجلسه بعد صلاة الصبح ؛ للنظر فى أمور الرعية (١١) ، وجهوده فى إرسال عشرة من التابعين ؛ لتفقيه أهل إفريقية (١٢).

٤ ـ فى تاريخ العباسيين : «مقتل ابن الحبحاب مع ابن هبيرة بواسط ـ فى بداية الخلافة العباسية ـ على يد المنصور العباسى «فى عهد خلافة أخيه السّفّاح سنة ١٣٢ ه‍» (١٣) ، وإنهاء الخليفة المتوكل العباسى محنة خلق القرآن ، وإخراجه المحبوسين من

__________________

(١) تاريخ المصريين : تراجم أرقام : (٨٧ ـ ٨٨ ، ٩٠ ، ٩٢ ، ١١٩ ، ١٥٦ ، ١٦٤ ، ١٧٢ ، ١٩٢ ، ٢٢٨ ، وغيرها).

(٢) راجع ترجمة (بسر بن أبى أرطأة) المطولة فى (تاريخ المصريين) برقم (١٧٤).

(٣) المصدر السابق (ترجمة رقم : ٣٨٥).

(٤) السابق : (ترجمة ٣٠٦).

(٥) تاريخ الغرباء (ترجمة ٢٥٢ ، وهامشها).

(٦) السابق : (ترجمة ٤٢٦).

(٧) السابق : (ترجمة ١٦٨).

(٨) السابق : (ترجمة ١٤٤).

(٩) تاريخ المصريين : (ترجمة ٨٤).

(١٠) تاريخ الغرباء : ترجمة ٧٦ (موقفه من الشاعر المشهور جرير).

(١١) السابق : (ترجمة ١٢٣).

(١٢) السابق : (ترجمة ٩٣).

(١٣) السابق : (ترجمة ٣٦٥).

٢٩٧

سجون بغداد (١).

٥ ـ جانب من «تاريخ عبد الرحمن الداخل» أمير الأندلس ، وصلته ب «معاوية بن صالح» ، وتوليته القضاء (٢).

٦ ـ جانب من «تاريخ الأغالبة فى إفريقية» : من خلال بيان علاقة الأمير إبراهيم بن الأغلب بالقاضى «محمد بن عبد الله بن قيس الكنانىّ» (٣).

٤ ـ منجزاته العلمية :

ونعنى بذلك : ما خلّفه ابن يونس من تراث منقول ومكتوب ، وذلك يتمثل فيما تركه ـ من بعده ـ من تلاميذ ، أخذوا على يديه علمه ، ورووه ، وحدّثوا به ، مضافا إلى ذلك ما سطّره قلمه ، وخطّته يمناه من مؤلفات ، نقلت عنها المصادر التالية. ومن هنا ينقسم تناول هذه المنجزات إلى قسمين :

أ ـ تلاميذه :

من تلاميذ مؤرخنا ابن يونس المصريين ، الذين حدّثوا عنه ، ونقلوا علمه : ابنه على (٤) ، والحسن بن على بن سوادة الفهمى المصرى (٥) ، وعبد الرحمن بن عمر بن النحاس (٦) ، وعبد الرحمن بن محمد الأزدى (٧) ، وغيرهم. ومن تلاميذه غير المصريين : عبد الواحد بن محمد بن مسرور البلخىّ (٨) ، وأبو عبد الله

__________________

(١) تاريخ المصريين : (ترجمة ٢٦٩).

(٢) تاريخ الغرباء (ترجمة ٦٢٧).

(٣) المصدر السابق : (ترجمة ٥٦٦).

(٤) ميزان الاعتدال ٣ / ١٣٢ (أسمعه والده). وسوف نترجم له فى (المدخل التمهيدى لدراسة تاريخى ابن يونس) ، بإذن الله (تعالى).

(٥) تاريخ الإسلام ٢٤ / ١٢٨ (مولاهم المصرى. سمع ابن يونس ، وتوفى فى رمضان سنة ٣٢٣ ه‍).

(٦) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ (أبو محمد بن النحاس) ، وتذكرة الحفاظ (دار إحياء التراث العربى) مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٨ (شرحه) ، ومخطوط (عيون التواريخ) للكتبى (نسخة مصورة عن الظاهرية) : ق ١٠٢.

(٧) ترتيب المدارك مجلد ٢ ص ٦١٥.

(٨) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ ، وتذكرة الحفاظ مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٨ ، ومخطوط عيون التواريخ (مصور عن نسخة الظاهرية) : ق ١٠٢.

٢٩٨

ابن منده (١) ، ومحمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرّج القرطبى (٢) ، وإبراهيم بن محمد الغافقى قاضى أطرابلس (٣) ، وإسحاق بن إبراهيم البغدادى (٤) ، والحسين بن على الحلبى (٥) ، وجماعة غيرهم من الرّحّالة والمغاربة (٦).

ب ـ مؤلفاته :

رغم تعدد نواحى ثقافة مؤرخنا «ابن يونس» ، إلا أننا لم نقف على مؤلفات له «خاصة فى الحديث النبوى الشريف» ، ولم تذكر أى من المصادر التى طالعتها فى ترجمته ـ على كثرتها ـ شيئا من ذلك.

وقد انحصرت المؤلفات المنسوبة إليه فى «مجال التاريخ» فقط ، وهى ثلاثة (٧) على النحو الآتى :

__________________

(١) المصادر المذكورة فى هامش (٨) ص ٢٩٨. وسوف أترجم له ، وللذى قبله فى المدخل التمهيدى لدراسة (تاريخى ابن يونس).

(٢) نفح الطّيب ٢ / ٢١٨ (روى عن أبى سعيد بن يونس ، وكتب عنه «تاريخ مصر» ، وروى عنه ابن يونس أيضا ؛ فقد كان من أقرانه. وهذا صحيح ، فقد ذكرنا ابن مفرج ـ من قبل ـ فى (أساتيذ ابن يونس). ويلاحظ أن المقرى أخطأ فى ذكر تاريخ وفاة (ابن مفرج) ، فجعله سنة ٣٤٨ ه‍ (ص ٢١٩) ، بدلا من (سنة ٣٨٠ ه‍). وقد نبّه على هذا الخطأ ، وصوّبه المحقق (المصدر نفسه ٢ / ٢١٩ ، هامش ١).

(٣) معجم البلدان ١ / ٢٥٧ (توفى بالمغرب سنة ٢٥٣ ه‍).

(٤) تذكرة الحفاظ (دار إحياء التراث العربى) مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٩.

(٥) توفى سنة ٣٠٨ ه‍ (راجع ترجمته فى : بغية الطلب ، لابن العديم ٦ / ٢٦٧٨ ـ ٢٦٧٩).

(٦) تاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ ، ومخطوط (عيون التواريخ) للكتبى (مصورة عن الظاهرية) ق ١٠٢.

(٧) يلاحظ أن د. العمرى ذكر لابن يونس فى (موارد تاريخ بغداد) ص ٣٠٠ كتابا رابعا هو (الرواة عن مالك) ، قائلا : ذكره السخاوى. وبالعود إلى كتاب السخاوى (الإعلان بالتوبيخ) ـ ط ٢ ، نشر : روزنثال : وجدت أن السخاوى ذكر ابن يونس فى موضعين : الأول ـ ص ٥٦١ : وفيه قال : إن لابن يونس مؤلفا فى (الرواة عن مالك) طالعه ضمن ما طالعه صاحب (المدارك). والثانى ـ ص ٦٠٤ : ذكره السخاوى فى (المؤرخين الذين اقتصروا على أهل فن واحد) وذكره باسم (الرواة عن مالك). وبالعود إلى (ترتيب المدارك) مجلد ١ ص ٥٦ (مقدمة المؤلف القاضى عياض) ـ عند ذكر مصادر كتابه ـ قال : واستصفيناه من كبار تصانيف المحدّثين ، وأمهات تآليف المؤرخين. وذكر منهم كتاب (أحمد بن يونس ـ والصواب : عبد الرحمن بن أحمد بن يونس ـ المصرى فى (المصريين). وهذا هو الصواب حقا ، فابن يونس لم يؤلف الكتاب الذي نسبه إليه السخاوى ؛ خطأ فى فهمه مقصود كلام القاضى عياض ، وإنما ترجم فى (تاريخ المصريين)

٢٩٩

١ ـ تاريخ المصريين (١).

٢ ـ تاريخ الغرباء (٢).

٣ ـ كتاب «العقيد فى تاريخ الصعيد» (٣).

ويلاحظ على هذه المصنفات التاريخية ما يلى :

١ ـ أنها جميعا مفقودة ، وإن أمكن تجميع الكثير من بقايا الكتابين الأوّلين.

٢ ـ أن هذين المؤلفين تأثر فيهما ابن يونس بثقافته الحديثية تأثرا كبيرا ملحوظا فى كثير من تراجمهما ، على نحو ما سنرى تفصيلا ، فيما بعد.

٣ ـ أن الكتاب الثالث والأخير لم نعثر على نص واحد منه فى أى من المصادر التى طالعناها. وهذا يلقى ظلالا من الشك حول صحة نسبة هذا الكتاب إلى «مؤرخنا» ، إضافة إلى تفرد «حاج خليفة» بذكره من بين كافّة المصادر الأخرى المتاحة (٤) ، إلى جانب

__________________

لبعض المالكية ، الذين اقتبس من تراجمه إياهم القاضى عياض فى (ترتيب المدارك). والخلاصة : أن السخاوى وهم فيما نقل عن (المدارك) ، والدكتور العمرى أخطأ لما سلّم لقوله ، ولم يرجع إلى (المدارك) ؛ ليتحقق ، ويتثبت بنفسه من صحة ما نسبه السخاوى إليه. وثمة ملاحظة أخرى ، تتمثل فيما زعمه ابن الزيات فى (الكواكب السيارة) ص ٤ ، عندما جعل ابن يونس أحد من ألف فى (ترتيب الزيارة) ، أى : فى (الخطط ، وما شاكل ذلك). وليس هذا بصحيح ؛ إذ لم يعرف لمؤرخنا كتاب فى ذلك الموضوع ، وابن الزيات كثير الأوهام والأخطاء فى كتابه المذكور. والذي نعرفه أن لابن يونس ـ فى ثنايا تراجمه ـ بعض الحديث عن (الخطط) المرتبطة ببعض المصريين.

(١) وفيات الأعيان ٣ / ١٣٧ ، وسير النبلاء ١٥ / ٥٧٨ ، وتاريخ التراث العربى لسزكين (ط. الهيئة العامة) ١ / ٥٧٩ ، وتاريخ الأدب العربى لبروكلمان (ط. الهيئة العامة) ٢ / ٨٤ ، ومصر فى عصر الإخشيديين ٣٢٧ ، وتاريخ مصر الإسلامية ، للدكتور الشيال ١ / ١٢٧.

(٢) وفيات الأعيان ٣ / ١٣٧ ، وتاريخ التراث العربى (ط. الهيئة العامة) ١ / ٥٧٩ ، ومصر فى عصر الإخشيديين ٣٢٧ ، وتاريخ مصر الإسلامية ١ / ١٢٧. ويلاحظ أن بروكلمان لم يذكر هذا الكتاب منفردا ، وإنما عدّه الجزء الثانى من كتاب (مصر) ، الذي ترجم فيه ابن يونس ل (علماء مصر). وهذا خلط واضطراب ، وكلام غير صحيح. أما صاحب (التاج المكلل) ص ١٦٢ ، فاكتفى بقوله : عمل ابن يونس لمصر تاريخين.

(٣) كشف الظنون ، لحاج خليفة (طبعة وكالة المعارف بالهند ، ١٣٦٠ ه‍ ١٩٤١ م مجلد ٢ ، ص ١١٥٩).

(٤) وقد نقل تلك المعلومة عن (كشف الظنون) ، وأشار إليه كل من : بروكلمان فى (تاريخ الأدب

٣٠٠