إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٧

أشهرا إلى أن توجه الأمير الكبير ططر بالملك المظفر أحمد إلى البلاد الشامية في سنة أربع وعشرين وثمانمائة ووصل إلى دمشق ثم إلى حلب استقر بالأمير تغري بردي هذا في نيابة حلب عوضا عن الأمير إينال الجكمي بحكم عزله في السنة المذكورة ، فاستمر بحلب مدة يسيرة وخرج عن طاعة الملك الظاهر ططر وبلغ ذلك ، فأرسل تشريفا إلى الأمير تنبك البجاسي نائب طرابلس بنيابة حلب ، فبرز الأمير تنبك المذكور إلى ظاهر طرابلس للتوجه إلى حلب فورد عليه الخبر بموت الملك الظاهر ططر وسلطنة ولده الملك الصالح محمد بن ططر فكف تنبك عن السفر إلى أن قدم عليه مرسوم شريف بتوجهه إلى حلب لإخراج تغري بردي منها واستيلائه عليها ، فسار تنبك وصحبته عسكر طرابلس وحماة ووافاه الأمير إينال النوروزي نائب صفد بعسكرها بطريق حلب. وبلغ مجيء هؤلاء العساكر تغري بردي ففر من حلب قبل وصول تنبك إليها ومعه الأمير كزل نائب البهسنا وتوجها إلى بهسنا بعد أن أفحشا في العصيان ووقع منهما أمور عجيبة مع أهل حلب ، فتبعه تنبك. إلى البلاد فلم يقف له على أثر فعاد إلى حلب ، ثم خرج إلى بهسنا ومعه العساكر وحاصر تغري بردي مدة طويلة وقتل الأمير كزل نائب بهسنا في الحصار ، ولما طال الأمر عاد الأمير تنبك البجاسي إلى حلب وخلف على حصار بهسنا الأمير جار قطلو نائب حماة والأمير إينال النوروزي نائب صفد ، كل ذلك وتغري بردي صابر على القتال ولم يكن عنده بقلعة بهسنا إلا نفر يسير ، وطال الأمر عليه إلى أن طلب الأمان من الأمير جار قطلو.

وبلغ الخبر تنبك البجاسي فركب من وقته من حلب حتى وصل إلى بهسنا في يومين فوجد الأمير تغري بردي قد نزل من قلعة بهسنا فتسلمه وعاد به إلى حلب فحبسه بقلعتها في العشر الأخير من شهر رمضان سنة خمس وعشرين وثمانمائة ، فاستمر الأمير تغري بردي محبوسا بها إلى أن قتل بها في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة وسنه نيف على ثلاثين سنة.

وكان شابا شجاعا جميلا مقداما كريما عارفا بفنون الفروسية إلا أنه كان عنده تكبر وإسراف على نفسه رحمه‌الله تعالى.

٢١

سنة ٨٢٥

ذكر تولية حلب للأمير قاني باك

قال في تحف الأنباء : وفي سنة خمس وعشرين وثمانمائة في المحرم تسلم قاني بك نيابة حلب بعد أن حصل بينه وبين تغري بردي حرب شديدة وانكسر تغري بردي وهرب.

قال أبو ذر : كان الغلاء بحلب وأعقبه الطاعون فمات فيه سبعون ألفا وخلا أكثر البلد من الناس ، وسمي طاعون الشباب.

ذكر خلع الملك الصالح محمد

وسلطنة برسباي الدقماقي

قال ابن إياس ما خلاصته : خلع الملك الصالح محمد ثامن ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة وتسلطن بعده الملك الأشرف برسباي الدقماقي الظاهري.

سنة ٨٢٦

ذكر تولية حلب للأمير جارقطلو

قال السخاوي : نقله الأشرف لنيابة حلب عوضا عن قاني بك البجاسي ، فكان دخوله في شوال سنة ست وعشرين. قال : وهو على ألسنة العامة بالشين المعجمة بدل الجيم. ثم تولى دمشق سنة خمس وثلاثين ومات بها سنة سبع وثلاثين. وكان شهما مسرفا على نفسه يحب العدل والإنصاف ، ولم يخلف ولدا.

وذكره ابن خطيب الناصرية فقال : إنه كان أميرا كبيرا شجاعا مشكور الأيام بدمشق مع حدة يبادر بها إلى سفك الدماء ا ه.

قال أبو ذر : استقر جارقطلو في كفالة حلب إلى جمادى الاولى سنة ثلاثين.

٢٢

سنة ٨٣٠

ذكر تولية حلب للأمير قصروه

قال أبو ذر في كنوز الذهب : ثم وليها قصروه نائب طرابلس ، وكان لين الجانب محبا للعلماء يحضر معهم المدارس ، وحضر مع شيخنا درسا حافلا بالعصرونية والرواحية ، أما درس الرواحية فكان في الصلاة الوسطى فذكر فيها أقوالا عديدة وأفاد فوائد جمة وظهر فيه علم كبير انتهى. وعمر قصروه المشار إليه مقام عبد الله الأنصاري خارج حلب ووقف عليه وقفا آل إليه ، ثم عزل عن كفالة حلب إلى كفالة دمشق وتوجهت صحبة شيخنا المذيل إلى قصروه قبل وصول الخبر إليه بكفالة دمشق فبشره بذلك ففرح وسر وقال لشيخنا : أنت إن شاء الله تعالى تصير قاضيا بدمشق ، وذلك في سنة سبع وثلاثين ، فصلى شيخنا عنده الجمعة بجامع الناصري في دار العدل بحلب فسمعته يقول لشيخنا :

ولي مكاني شخص يقال له قرقماش وعنده حدة فاصبروا له.

ترجمة الأمير قصروه بن عبد الله الظاهري :

قال ابن خطيب الناصرية : قصروه بن عبد الله الأشرفي الأمير سيف الدين نائب حلب ، كان أحد المقدمين بالديار المصرية في دولة الملك الأشرف ، ثم ولاه الملك الأشرف برسباي نيابة طرابلس فتوجه إليها وأقام بها مدة ، ثم ولاه نيابة حلب فجاء إليها في أثناء شهر جمادى الآخرة سنة ثلاثين وثمانمائة واستمر بها نائبا إلى شعبان سنة سبع وثلاثين ، فولاه السلطان نيابة دمشق عوضا عن الأمير جارقطلو فتوجه إليها وخرج من حلب تاسع عشرين شعبان منها واستمر بدمشق. وكان أميرا كبيرا عاقلا جدد في مقام الأنصاري القبة وقبة أخرى وأحكم بناءه ووقف عليه وقفا ، وله أملاك كثيرة بحلب ودمشق وقفها على أولاده وثروة. توفي رحمه‌الله تعالى ليلة الأربعاء ثالث شهر ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وثمانمائة بدمشق وهو من مماليك برقوق اه.

الكلام على مشهد الأنصاري

هو في القرية المعروفة الآن بالأنصاري ، وهي قرية واسعة بظاهر حلب من غربيها وقبلي جبل الجوشن ، وهي على جبل متصل بهذا الجبل وكلاهما مطلان على حلب ، وكانت

٢٣

في القديم تدعى الياروقية ، وقد عدها ياقوت في جملة محلات حلب حيث قال في الجزء الثاني من معجمه : (الياروقية) محلة كبيرة بظاهر مدينة حلب تنسب إلى أمير من أمراء التركمان كان قد نزل فيها بعسكره وقوته ورجاله وعمر بها دورا ومساكن وكان من أمراء نور الدين ، ومات ياروق هذا في سنة ٥٦٤ (١).

قال في الدر المنتخب في باب المزارات : ومنها مسجد يعرف بمسجد الأنصاري وهو قبلي جبل جوشن في طرف الياروقية.

قال أبو الحسن الهروي : في هذا المشهد قبر عبد الله الأنصاري كما ذكروا. قال كمال الدين العديم في تاريخه : أخبرني والدي رحمه‌الله تعالى قال : رأت امرأة من نساء أمراء الياروقية في المنام قائلا يقول : ههنا قبر الأنصاري صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ففتشوا فوجدوا قبرا فبنوا عليه هذا المشهد وجعلوا عليه ضريحا ، ثم دثر فجددته أزانيلوفر عتيقة الأمير سيف الدين علي بن علم الدين سليمان بن جندر ، ولما توفي معتقها المذكور في سنة اثنتين وعشرين وستمائة انقطعت إليه وقامت بأود من يرد عليه من الزوار في كل وقت تطعمه الحلوى وتسقيه الجلاب إلى أن توفيت وبقي من إمائها وحفدتها من يقوم به إلى أن استولت التتر فتشعث بناؤه بعيثهم انتهى. (قلت) : أدركت هذا المشهد صغيرا جدا وله خارج الضريح قبلية صغيرة وليس له وقف فيما أعلم ، فلما ولي نيابة حلب الأمير سيف الدين قصروه التمرازي منتقلا إليها من نيابة طرابلس في سنة ثلاثين وثمانمائة شرع بعد إقامته قليلا في توسيع هذا المشهد (٢) وبناه بالحجارة الكبار ، وعقد على الضريح قبة ووسع الصحن وجعل شماليه إيوانا ذا شبابيك مطلة إلى جهة الشمال ، ولما توفيت ابنته وكانت مخطوبتي

__________________

(١) انظر ترجمته في القسم الثاني.

(٢) أقول : مكتوب على باب المشهد : ١ ـ أنشأ هذه العمارة المباركة مولانا ملك الأمراء المقر الأشرف ٢ ـ السيفي أبي خانك المؤيدي الظاهري كافل المملكة الحلبية أعزّه الله ٣ ـ بتاريخ جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وسبعماية من الهجرة. وهذا صريح في أنه رمم بعد تشعّثه حين استيلاء التتر قبل أن يوسعه قصروه سنة ٨٣٠.

٢٤

دفنها على يمنة الداخل بالقرب من الباب ، ثم عقد عليها قبة ، وكان قد مات له ولد صغير عزيز عنده يسمى يونس فدفنه بالقبة التي فيها ضريح الأنصاري (١) ، ثم ندم على ذلك ، فلما توفيت ابنه المذكور دفنها بالقرب من باب المشهد وعقد عليها القبة التي ذكرنا وجعل لها شباكين كبيرين أحدهما ينظر إلى الشرق ويشرف على المدينة والآخر ينظر إلى جهة الشمال ، ووقف على المشهد وقوفا ورتب فيه قراء وجعل فيه سماطا في كل ليلة جمعة واعتنى به غاية الاعتناء ، وكان يلازم زيارته مدة إقامته بحلب. وأخبرني أن سبب ذلك أنه قدم إلى حلب قديما لتقليد نيابتها فاعتراه قبل وصوله إلى حلب وجع شديد ، وكانت العادة وهي باقية أن الخاصكية إذا وردوا إلى حلب يبيتون هنالك ويدخلون البلد بكرة النهار ، فلما بات به تلك الليلة أبصر في منامه أن صاحب هذا الضريح وهو شيخ حسن الشكل مسح عليه ودعا له وبشره بأنه يصير نائب هذه البلدة ، فعاهد الله سبحانه وتعالى أنه إن ولي نيابة حلب يجدد بناءه ويجعل عليه وقفا. وهذا المشهد اليوم مشهور بسعد الأنصاري ولا أعلم المستند في ذلك إلا أن يكون الاشتباه بأن الجبل الذي تجاه هذا الجبل من جهة الشرق والقبلة يقال إن فيه سعيدا الأنصاري. وهذا المشهد معروف بالبركة يتردد إليه الناس ويزورونه ويعتقدونه وينذرون له الشمع والزيت وغير ذلك ولي عليه وقف اه.

أقول : مكتوب على باب المشهد من داخل القبة :

١ ـ أنشا هذا المكان المبارك المقر الأشراف العالي المالكي المخدومي السيفي قصروه

٢ ـ الأشرفي كافل المملكة الشريفة الحلبية المحروسة أعز الله أنصاره بمحمد وآله.

__________________

(١) أقول : أما القبر فقد درس من أربعين سنة حينما فرشت الحجرة التي فيها الضريح بالرخام غير أن ألواح هذا القبر لم تزل موجودة في طرف المشهد وهي من المرمر وعلى حجرين منه اسم يونس هذا وعلى حجرين آخرين كانا موضوعين في طرفي القبر هذان البيتان :

حبي لساكن ذا الضريح أنالني

منه الدنو وصرت أقرب جار

فلي الأمان بذا المقام وإنه

الإيمان فهي محبة الأنصار

٢٥

ومكتوب على الجدار القبلي من القبة من الخارج :

١ ـ البسملة : أنشأ هذا المكان المبارك في أيام مولانا الظاهر الملك الأشرف خلد الله ملكه المقر الاشرف العالي المولوي المالكي المخدومي ركن الإسلام والمسلمين كهف الفقراء والمساكين زعيم جيوش.

٢ ـ الموحدين سيف أمير المؤمنين السيفي قصروه مولانا ملك الأمراء كافل المملكة الشريفة الحلبية المحروسة أعز الله أنصاره وجعل الوقف على هذا المكان المبارك ابتغاء لوجه الله تعالى نصف قرية الياروقية جوار المكان.

٣ ـ المبارك ومن الجبّول كل يوم ثلاثة دراهم من ثمن الملح تقبله الله تعالى منه بتاريخ سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام صلى الله عليه ١ ه‍. والكتابة جلية يبلغ طولها مترين.

وعلى الباب الثاني للمشهد كتابة في السطر الأول منها اسم الملك الأشرف برسباي ، وفي السطر الثالث أن البناء كان سنة ثلاثين وثمانمائة ، وبقية الكتابة تعسر علي قراءتها لذا لم أذكر ما كتب بتمامه من جهة القبلة بعد البسملة.

وإلى جانب القبة الكبيرة المتقدمة قبة أخرى أصغر منها وقد كتب في أعلى جدارها ١ ـ أمر بإنشاء هذه التربة المباركة المقر الأشرف الأميري الكبيري المخدومي السيفي مصر باي الأشرفي النائب بالقلعة.

٢ ـ المنصورة بحلب أعز الله أنصاره ومن قبر أحدا يكون خصمه محمد يوم القيامة إلا بإذن مبنيها [هكذا] بتاريخ سابع عشرين ذي القعدة سنة إحدى وتسعمائة ١ ه‍.

وفي السنة الماضية وهي سنة ١٣٤٢ أصلح الطريق من الفيض إلى قرية الأنصاري وصارت العجلات تذهب إليها بسهولة ، وصار الناس يقصدون القرية أيام الربيع لجودة الهواء ثمة. ولو اعتنى ذوو الثروة ببناء دور لهم في هذه القرية واتخذوها مصيفا لهم لتسنى للكثير من أهالي حلب الاصطياف في هذا المكان بالنظر لقربه ولأغنى الكثير منهم عن قصد جبل لبنان وتحمل النفقات الطائلة في سبيل ذلك ولتخلص عن القبائح والمنكرات التي انتشرت هناك انتشارا هائلا وعمت كل بلدة فيه وكل قرية تعلو روابيه.

٢٦

سنة ٨٣٤

الكلام على صنعة الزجاج بحلب واشتهارها في الآفاق

قال في كتاب لجنة حفظ الآثار العربية بمصر تأليف مكس هرتس بك وتعريب علي بهجة بك وكيل دار الآثار العربية في مصر (في صحيفة ٢٩٠) في الكلام على صنعة الزجاج : وقد تكلم حافظ أبرو المتوفى حوالي سنة ١٤٣٠ م (وذلك يوافق سنة ٨٣٤ ه‍) على الأخص على صنعة الزجاج في حلب فقال : هناك صنعة خاصة بحلب وهي صنعة الزجاج ولا نرى في غيرها أجمل مما يرى فيها من المصنوعات الزجاجية ، وإذا دخل الإنسان السوق الذي تباع فيه لا يحب الخروج منه لشدة ما يبهره من جمال الأواني المزخرفة زخرفة بديعة بذوق عجيب. (إلى أن قال) : ومصنوعات حلب الزجاجية تنقل إلى جميع البلاد للتهادي بها اه.

وأحال في هامش الكتاب المذكور على سفر نامة التعليق الوارد في صحيفة ٣٣ : ومما يدلك على تقدم هذه الصنعة في حلب ما ذكره ابن حجة الحموي في كتابه ثمرات الأوراق في ضمن حكاية طويلة نقلها عن الكتاب المسمى بمسالك الأبصار في ممالك الأنصار لابن فضل العمري ، والحكاية جرت مع عبد المؤمن بن يوسف بن فاخر المويسيقي حينما دخل هولاكو بغداد سنة ٦٥٦ فاتخذ هذا وليمة لبعض أمراء هولاكو قال : فأتيت به إلى داري وأحضرت له أطعمة فاخرة ، ولما فرغ من الأكل عملت له مجلسا ملوكيا وأحضرت له الأواني المذهبة من الزجاج الحلبي وأواني فضة فيها شراب مروّق الخ.

وممن نوّه بالزجاج الحلبي الإمام سعدي صاحب كتاب كلستان (الكتاب المشهور باللغة الفارسية) المتوفى سنة ٦٩٠ ، وقد ترجم الكتاب إلى العربية جبرائيل بن يوسف الشهير بالمخلع وهو مطبوع بمصر سنة ١٢٦٣ ، قال سعدي في ضمن حكاية (في صفحة ٨٧) ما ترجمته : فقلت : وأين تلك السفرة يا طويل الخبرة؟ فقال : قصدي أن آخذ الكبريت الفارسي إلى الصين لأني سمعت أنه هنالك ثمين. ومن هناك آخذ القماش الهندي وأحضره إلى الروم وآخذ الأقمشة الرومية إلى الهند للربح المعلوم وآتي بالفولاذ الهندي إلى حلب فآخذ الزجاجات الحلبية إلى اليمن ولو مع التعب.

٢٧

وممن نوّه بالزجاج الحلبي الأديب الفاضل ابن حجة الحموي في ذيل كتابه ثمرات الأوراق في ضمن حكاية هزلية مشهورة تعرف بحكاية أبي القاسم الطنبوري حيث قال : حكي أنه كان ببغداد شخص يعرف بأبي القاسم الطنبوري صاحب نوادر وحكايات وله مداس له مدة سنين ، كلما انقطع منه موضع جعل عليه رقعة إلى أن صار في غاية الثقل وصار يضرب به المثل فيقال : أثقل من مداس أبي القاسم الطنبوري ، فاتفق أنه دخل سوق الزجاج فقال له سمسار : يا أبا القاسم قد وصل تاجر من حلب ومعه حمل زجاج مذهب قد كسد فابتعه منه وأنا أبيعه لك بعد مدة بمكسب المثل مثلين ، فابتاعه بستين دينارا ، الخ الحكاية.

ولا تنس ما تقدم في حوادث سنة ٦٢٤ من استحسان جنكيزخان لجام الزجاج الذي حمل إليه من حلب إلى بلاد الهند.

سنة ٨٣٦

ذكر مجيء الملك الأشرف إلى حلب وتوجهه منها

إلى آمد لمحاربة قرا يلك

قال ابن إياس ما خلاصته : في هذه السنة خرج السلطان الملك الأشرف برسباي من مصر وصحبته أمير المؤمنين المعتضد بالله داود والقضاة الأربعة ، وهم شيخ الإسلام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني (١) وبدر الدين محمود العيني وشمس الدين البساطي ومحب الدين البغدادي الحنبلي وخرج معه سائر الأمراء من الأكابر والأصاغر ، فأقام بالريدانية يومين ثم رحل وقصد التوجه إلى نحو البلاد الشامية ، فكان له في الشام موكب عظيم وكذلك في حلب ، ثم خرج من حلب وقصد التوجه نحو آمد من ديار بكر ، فلما وصل

__________________

(١) أقول : وفي قدمته هذه أملي بحلب كراسة في الحديث رأيتها عند بني الشيخ عبد القادر المعروفين ببيت سلطان وقد ذكرها في كشف الظنون قال : أمالي ابن حجر أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة ٨٥٢ أكثرها حديث أملاها بمدينة حلب اه. وانظر ترجمة حافظ الشهباء المحدث الكبير إبراهيم بن محمد الملقب بالبرهان الحلبي المتوفى سنة ٨٤١.

٢٨

هناك حاصر قلعة آمد أشد المحاصرة ونصب عليها عدة مجانيق فلم يقدر عليها ، فأقام هناك مدة فوقع في العسكر الغلاء فقلق من ذلك ، وكانت العوام تغني وتقول :

في آمد رأينا العونه

في كل خيمة طاحونه

الغلام نهاره يطحن

والجندي يجيب المونه

فلما سمع المماليك ثارت أخلاقهم على السلطان وقصدوا الوثوب عليه هناك ، فخشي السلطان الأشرف أن تقع هناك فتنة فلم يقع بينه وبين قرايلك واقعة ولا قابله ، فمشى بعض الأمراء بين قرايلك وبين السلطان بالصلح ، فأرسل إليه السلطان القاضي محب الدين ابن الأشقر نائب كاتب السر فحلف قرايلك أنه لا يتعدى على بلاد السلطان ولا يحصل منه فساد. ثم إن السلطان قصد التوجه نحو الديار المصرية. قيل إن السلطان صرف على هذه التجريدة من المال خمسمائة ألف دينار ولم يظفر بطائل ، فلما رجع عاد قرايلك إلى ما كان عليه من العصيان اه.

وفي تحف الأنباء أن السلطان لما وصل إلى حلب صار له موكب حافل بدخوله إليها ، وخرج إليه النائب والقضاة الأربعة وأرباب الوظائف الذين بحلب ، فلما استقر بها خلع على القاضي محب الدين بن الشحنة وأقره في قضاء حلب. ثم إن السلطان رحل من حلب وتوجه نحو البيرة [بيره جيك] ونزل على آمد فوقع بينه وبين قرايلك وقعة عظيمة (١) وقتل بها جماعة من المماليك السلطانية ، ثم إن السلطان بلغه أن قرايلك نهب ضياع آمد وسار إلى حلب ليأخذها على حين غفلة من السلطان ، فجهز له السلطان عسكرا فأدركوه بالقرب من الفرات فحصل بينهم وقعة على شاطىء الفرات فقتل من العسكر وغرق منهم بالفرات ورجع قرايلك ، ثم إنه أخذ في حصار قلعة آمد ونصب عليها المجانيق فطال الحصار حتى قلق العسكر وقصدوا الوثوب على السلطان [للسبب المتقدم وهو الغلاء] فلما تحقق ذلك رحل من آمد وتوجه نحو حلب ، ولما وصل إليها كان له يوم مشهود.

تولية حلب للأمير قرقماش سنة ٨٣٧

قال أبو ذر : استقر قرقماش الشعباني في كفالة حلب ودخل حلب في العشر الأول من رمضان ، وكان شهما مقداما أمن الناس في أيامه من قطاع الطريق والحرامية ، وكان إذا

__________________

(١) يغلب على الظن أن هذا هو الصحيح لا ما ذكره ابن إياس.

٢٩

وقع في قبضته أحد منهم علقه بكلاليب تحت الواحة. وخرج مرة إلى الموكب فسار إلى مدينة الباب وحده فوجد جماعة من العربان ينعلون خيلهم فنكل بهم ، وامتنع العرب في أيامه من ركوب الخيل وحمل الرماح وصاروا يخوفون أولادهم الصغار منه ، حتى كان البدوي إذا دخل بفرسه إلى الماء ليشرب فامتنعت يقول لها : قرقماش في الماء. ثم وشي به إلى السلطان بشيء يقتضي العصيان فورد المرسوم الشريف بطلبه إلى القاهرة في صفر. اه

ترجمة الأمير قرقماش وزيادة حوادث في زمنه :

قال ابن الخطيب : قرقماش الحاجب الأمير سيف الدين نائب حلب ، كان مقدما بالديار المصرية وحاجب الحجاب بها في دولة السلطان الملك الأشرف ، وجاء إلى حلب صحبة الأمراء المجردين ، إلى قرايلك في سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة فأقام بحلب صحبة الأمراء سنة وأشهرا دون الثلاثة ، ثم سافر من حلب إلى الديار المصرية ، ثم قدمها صحبة الملك الأشرف في سنة ست وثلاثين وثمانمائة وتوجه معه إلى آمد ، ثم رجع في خدمته إلى الديار المصرية. فلما كان في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة ولاه السلطان المشار إليه نيابة حلب عوضا عن الأمير قصروه بحكم انتقاله إلى نيابة دمشق ، فجاء إلى حلب ودخلها يوم ثاني عشر رمضان من السنة واستمر بها إلى يوم عيد الفطر. فخرج ثانية طالبا البيرة حين جاء الخبر من الرها بأن قرايلك يقصد الفساد هناك ، فأقام على البيرة مدة ثم رجع إلى حلب وأقام بها. ثم إن حمزة بك بن علي بن دلغادر جهز إلى نائب حلب يطلب نجدة له على عمه إلى مرعش فتوجه جريدة إليه ووصل إلى مرعش ، فجاء فياض بن ناصر الدين باك ومعه أمراء من أمراء التركمان فأمسكهم وجاء بهم إلى حلب ، ثم طلبوا إلى الأبواب الشريفة واستمر قرقماش بحلب.

فلما كان في رمضان سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة توجه منها نحو العمق ، وجاء مرسوم شريف بأنهم يجهزون إلى ناصر الدين بن ذي الغادر ليسلم قيصرية إلى السلطان وولى بها الأمير قنصوه ، فتوجه الخاصكي إليه بالمرسوم الشريف فأجاب بالطاعة ، وتوجه قرقماش بالعسكر الحلبي إلى عينتاب إلى أن يأتي جواب السلطان بما يعتمدونه ، فورد المرسوم الشريف بإعادة العسكر الحلبي إلى حلب والصلح عن ناصر الدين باك ، فرجع النائب المذكور بالعساكر إلى حلب. وفي غضون ذلك جاء الخبر إلى حلب بظهور الأمير جان بك الصوفي الذي كان هرب من حبس السلطان بالإسكندرية بناحية بلاد دوركي واستمر

٣٠

قرقماش بحلب ، فلما كان حادي عشرين صفر سنة تسع وثلاثين وثمانمائة ورد خاصكي من الأبواب الشريفة وعلى يده مرسوم شريف بطلب الأمير قرقماش إلى الأبواب الشريفة فركب من فوره وطلع إلى الأنصاري واستمر هناك إلى قرب الظهر ، ثم إنه ركب الهجن وتوجه إلى الأبواب الشريفة فولاه السلطان أمير سلاح وولى الأمير إينال الجكمي نيابة حلب عوضا عنه.

وأما الأمير فياض فإن السلطان أطلقه وولاه نيابة مرعش وخلع عليه وأحسن إليه اه.

وله في المنهل الصافي ترجمة طويلة الذيل. ومما قال فيه انه خلع عليه في سنة تسع وعشرين بحجوبية الحجاب فباشرها بحرمة زائدة وعظمة وبطش في الناس حتى هابه كل أحد ، واستمر على ذلك إلى سنة سبع وثلاثين فاستقر في نيابة حلب بعد انتقال نائبها الأمير قصروه ، فتوجه قرقماش إلى حلب وحكمها وفعل فيها على عادته وقويت حرمته أيضا بها وأبدع في المفسدين بأنواع العذاب إلى أن ظهر أمر الأمير جان بك الصوفي من الروم عزله الملك الأشرف عن نيابة حلب بالأتابك إينال الجكمي وقدم القاهرة على إقطاع الأمير جقمق العلائي ووظيفته إمرة سلاح ، وذلك في سنة تسع وثلاثين ، ثم إنه تجرد وصحبته جماعة من أمراء الديار المصرية إلى أرزنكان في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة ، ومات الملك الأشرف في غيبتهم وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف وصار الأتابك جقمق العلائي مدبر مملكته ، وأرسل يستحث قرقماش هذا ورفقته على المجيء إلى الديار المصرية ، فلما حضروا اتفق مع قرقماش وقبض على جماعة من الأمراء الأشرفية ، وتسلطن الأتابك جقمق سنة اثنتين وأربعين وخلع على قرقماش هذا باستقراره أتابك العساكر ، فلم يلبث قرقماش إلا أياما قلائل ووثب على الملك الظاهر جقمق وانضم إليه المماليك الأشرفية وحصل بين الفريقين فتن وحرب [بسطها صاحب المنهل] انكسر فيها قرقماش واختفى ، ثم إنه قبض عليه وقتل في جمادى الآخرة من سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة وسنه نيف وخمسون سنة تقريبا.

وكان أميرا ضخما متعاظما متكبرا وعنده ظلم وجبروت مع معرفة وتدبير ومكر وشجاعة وإقدام ، وكان يتفقه ويحفظ مسائل ويظهر التدين والعفة والقيام في النهي عن المنكرات فيبالغ حتى يقع هو فيما هو أعظم مما ينكره ، وكان معتدل القامة مليح الوجه

٣١

يميل إلى السمرة يتبختر في مشيته تيها وعجبا وتكبرا ، قليل البشاشة والسلام على الناس في الطرقات ، عفا الله عنه اه ملخصا.

سنة ٨٣٩ إلى ٨٤٢

ذكر ولاية إينال الجكمي للمرة الثانية

قال السخاوي في ترجمته : عاد إينال الجكمي إلى نيابة حلب عوضا عن قرقماش في سنة تسع وثلاثين ، وبمجرد أن وصل ورد عليه مرسوم مع هجان بنيابة الشام فتوجه إليها (ذكره ابن خطيب الناصرية) واستمر حتى قتل بعد خروجه عن الطاعة السلطانية في سنة اثنتين وأربعين. (ثم قال) :

وكان مشهورا بالشجاعة مشكور السيرة إلا أنه لم يسعده جده.

قال أبو ذر : دخل إينال المذكور حلب يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين ، فلما كان تاسع عشرين ربيع الآخر جاء القاصد على الهجن باستقراره في دمشق عوضا عن قصروه بحكم وفاته.

ذكر تولية حلب للأمير تغري ورمش

قال أبو ذر : واستقر السيفي تغري ويرمش واسمه أولا حسين بن أحمد من أهالي بهسنى في كفالة حلب ، وكان عاقلا مدبرا متطلعا إلى أحوال رعيته ، وما زال رأيه زائدا وعقله تاما حتى أظهر مخالفة السلطان فزال عنه ذلك.

وقال بعد الكلام على زاويته الآتي ذكرها : واعلم أن تغري ويرمش المذكور كان في خدمة الأشرف برسباي ، وكان الأشرف يعتمد عليه في أموره ويشاوره ويعظمه لعقله ودهائه ومكره ، فإنه كان ذا رأي سديد ، ولما نزل الأشرف إلى آمد بسبب الأمير عثمان سلم إليه تخت مصر فأشار على الأشرف أن لا يجاوز البيرة وأن يرسل جيوشه لمحاصرة آمد ، فلم يعمل الأشرف برأيه فما نجح أمره. ثم لما رجع الأشرف إلى القاهرة لم يبرح تغري ورمش من

٣٢

قلعة الجبل ولم ينزل إلى لقيه ، بل لما شاهد الأشرف قد أشرف نزل عن مكانه وقال : هذا المكان الذي سلمته إليّ ، فزادت محبة الأشرف له وفوض إليه كفالة حلب ليطالعه بأخبار التتر عوضا عن إينال الجكمي ، فدخل تغري برمش حلب وخرج القضاة إلى لقيه على عادتهم. وكان شيخنا المؤرخ (يعني به ابن خطيب الناصرية) يعرفه قديما من مدينة بهسنى لأن شيخنا كان حاكما بها ، وكان والد تغري برمش صديقا لشيخنا وكان يستدعيه إلى بستانه مع ولده تغري برمش المذكور ، فلما التقيا تغافل كل منهما عن معرفة الآخر وقال الكافل للقضاة : إلى هنا تلقوني على طريق العتب ، فقال القاضي الحنفي له : خالكم نور الدين محمود أخبرنا أنكم متأخرون عن هذا الوقت ، فأنف من ذكر خاله وقال : اليوم يوم بارد ، فأحجم الحنفي عن مكالمته. ثم إنه نزل على عين المباركة ودخل حلب بكرة بحشمة زائدة فباشر حلب بعقل وعفة واستكشف أحوالها بالرجال والمكر وجعل له من كل بيت من بيوت الأمراء من يخبره بأخبارهم ، وأرسل إلى بلاد الأعاجم من يستكشف له الأخبار. ثم سافر ومعه الأمراء ، ثم قدمت عليه العساكر ثانيا من مصر وهم قرقماش وجانم أخو الأشرف وغيرهم ومعهم كفال البلاد وتوجهوا من حلب ومعهم القاضي معين الدين بن العجمي كاتب سر حلب إلى عين تاب ثم إلى الأبلستين ثم إلى قرب سيواس ، ودخل يعني العسكر سيواس وشروا حاجاتهم ، وكان قد ساق معه الأعراب والتركمان وابن رمضان والأكراد ببيوتهم ونعمهم ، ثم توجهوا من سيواس إلى أقشار (آق شهر) وأخذ قلعتها فهرب نائبها أينق حسن إلى قلعة بلدرش فتوجه المصريون وكافل طرابلس وحماة خلفه وحاصروا القلعة المذكورة اثنين وعشرين يوما وعملوا مكحلة عظيمة ترمي بقنطار حلبي وأكثر ، ولما أشرفوا على أخذ القلعة المذكورة فر أينق حسن المذكور منها أيضا فأخذوها ، ثم توجه العسكر إلى أرزنكان خلا كافل دمشق وحلب فتحققوا وهم ثمة موت الأشرف ، وكان قصد تغري برمش أن يتوجه بهم إلى قلعة النجا لخلاص إسكندر من أخيه وأن يذهب بالعسكر وبالإسكندر إلى بلاد العجم لأخذ ثار الشام من أولاد تمرلنك ولم يمض في ذلك لوفاة السلطان ، ورجع العسكر من غير ائتلاف بينهم ، فلما قاربوا حلب كتب تغري برمش إلى أهل حلب يأمرهم بمنع العسكر من دخول حلب ، فتوجه العساكر إلى بلادهم فأخذ هو في العصيان والخروج عن الطاعة باطنا ، ولما وردت خلعته باستقراره بكفالة حلب أراد كاتب السر أن يحلفه على قاعدتهم فقال : لا أحلف بحضرتك ، ثم أخذ في

٣٣

العصيان واستجلاب التركمان وغيرهم فاستشعر السلطان جقمق بذلك فورد المرسوم الشريف بملطفات إلى القلعة وأمراء حلب بالركوب عليه ، فلما كان ليلة الجمعة المسفر صباحها عن سلخ شعبان سنة اثنتين وأربعين ركب الأمراء عليه ورموا عليه من القلعة فركب هو أيضا على الأمراء فشتت شملهم ، فهرب أمراء حلب منها ، فلما أصبح النهار أرسل خلف القضاة ، فرحت في خدمة شيخي قاضي القضاة علاء الدين إلى دار العدل ودخلنا إليها من باب عند بيت قرا دمرداش ودخلنا إليه ، فإذا الجند عنده وعليهم آلات الحرب والرمي موجود من القلعة وقد تهيأ هو وأهل القلعة للقتال ، فدخلنا إليه إلى الشباك فقال لشيخي وبقية القضاة : ما السبب الذي رمى به أهل القلعة عليّ هل ورد مرسوم بذلك؟ وما الذي ظهر مني؟ وأمرهم بالصعود للسؤال عن حقيقة ذلك ، فخرج القضاة إلى القلعة وخرجت معهم ، فلما خرجنا من دار العدل وقاربنا القلعة رأيت شيئا هالني فرجعت أنا فصعد القضاة إلى القلعة فأظهر أهل القلعة المرسوم الشريف بالرمي عليه فنزل القضاة ، فلما نزلوا قدم أهل القلعة على إطلاقهم وقالوا : هلا أمسكتموهم وأمرتموهم أن يصعدوا على برج القلعة ، وأمروا العامة بإخراجه من البلد ، فلما نزل القضاة إلى دار العدل وأخبروه بذلك بلغني أنهم شاوروه على الخطبة فقال : اخطبوا باسم السلطان وكذلك على رأسه بجامع الناصري بدار العدل ، ثم جد في الرمي على القلعة وعلى حصارها ثم أخرجه العامة من حلب في عاشر رمضان يوم الثلاثاء ورجموه وخرج خروجا فاحشا وأمسكت مماليكه وأخذ ما كان معهم من المال ، فخرج من باب أنطاكية وذهب الى طرابلس فملكها يوم الخميس تاسع عشر رمضان وأقام بها إلى آخر رمضان ، فخرج منها بعد أن صادر أهلها فأمر أن يؤخذ من كل صاحب فسخة من الصابون على قدر موجوده فخص كل فسخة ألف درهم ، وأما صابون الأمراء وأركان الدولة فإنه أخذه عن آخره ، وقصد حصار برج إيتمش ليأخذ ما به من زردخانة جلبان ، وأرسل القضاة الأربعة ومعهم ناصر الدين محمد الحلبي من جماعته إلى من بالبرج ليسلموا ما فيه من الزردخاناه فما أجابوا ، وأمسكوا ناصر الدين وأرسلوه إلى السلطان ، وأما تغري برمش فلما أخبره القضاة بالخبر همّ بحصار البروج وشرع في خراب بيت الأمير محمد ناظر البرج وأخذ أربعة قدور نحاس من معصرته ومصبنته ليصنع مكاحل ليرمي على البرج ، فتوجه أهل البرج إلى الرملة.

ثم رجع إلى حلب ومعه الجم الغفير من التركمان والعرب فحاصر حلب وألح في

٣٤

حصارها وذلك عند باب النيرب ، وكان الناس يخرجون لقتاله ظاهر البلد فلما كان يوم الجمعة انكسر بعض الناس منه فأمسك جماعة من أهل حلب وقطع أيديهم فدخلوا إلى البلدة ورأى الناس أيديهم فجد الناس عند ذلك في دفعه عن حلب فرحل عن باب النيرب ثم حاصرها من باب الفرج وباب الجنان.

وفي يوم الجمعة أحضر السلالم إلى مسجد التوبة بباب الفرج وأراد أن يزحف من هناك ، فسمع أن كافل دمشق الجكمي انكسر من العسكر المصريين وأمسك فترك الزحف فصاح الناس عليه من فوق السور وقويت قلوبهم فرجع متوجها إلى لقي العسكر المصري إلى جهة حماة ، فلقيهم بالقرب من حماة فصاففهم هناك فانكسر وهرب إلى جهة ابن صوجي إلى جبل الأقرع ، فأمسكه ثم دخلوا به حلب راكبا على بغلة وخلفه شخص في يده خنجر وفي يده صولجان يلعب به ، فأسمعه الناس ما يكره وأصعدوه إلى القلعة وأودعوه السجن في قيد ثقيل فقال : بقي بيني وبين القتل مسافة الطريق. وأرسل شخص إلى القاهرة إلى السلطان يخبره بذلك. ثم ورد المرسوم الشريف بقتله فأنزلوه من السجن وعصروه بين أبواب القلعة ليقر على المال فلم يعترف ، فأحضروه إلى باب القلعة وقدموه لضرب الرقبة فنادى عليه الجلاد : هذا جزاء من خرج عن الطاعة ، فقال هو : قل هذا جزاء من لم يرع نعمة الله ، وأخذوا جثته ودفنوها في حانوت من وقف مدرسته وجعل له باب صغير إلى مدرسته انتهى.

زيادة بيان في أخبار تغري برمش وعصيانه وقتله : قال في المنهل الصافي : لما نقل تغري برمش لنيابة حلب باشر أمورها على أتم وجه وأحسنه وأجمل طريقة ومهد بلادها وعظم في الأعين ، وتجرد إلى أبلستين غير مرة في طلب الأمير جانبك الصوفي (١) إلى أن وصل إليه جماعة من أمراء الديار المصرية نجدة إلى مقصده

__________________

(١) جانبك الصوفي من الأمراء المصريين ، وكان قد حبس في الإسكندرية لأمور يطول شرحها بسطها في المنهل الصافي في ترجمته ثم فرّ من حبسها وتطلبه الأمراء المصريون مدة طلبا حثيثا ، وبعد سنين ظهر أنه توجه إلى بلاد الشرق سنة تسع وثلاثين وثمانمائة ونزل عند الأمير ناصر الدين بك محمد بن دلغادر ، ولما تحقق الملك الأشرف هذا الخبر أرسل إلى ناصر الدين بك يطلب تسليمه فامتنع فتأكدت الوحشة بينهما فجهز إليه جيشا بقيادة الأمير جقمق العلائي الذي صار سلطانا بعد ذلك ، ولما وصلت العساكر إلى حلب خرج معهم نائبها الأمير تغري برمش بعساكر حلب وجموع التركمان وذلك في سنة ٨٤٠.

٣٥

فتوجه به إلى مدينة أرزنكان وغيرها ، ثم عاد الجميع نحو مدينة حلب ، فبلغ تغري برمش المذكور موت الملك الأشرف برسباي وسلطنة ولده الملك العزيز يوسف ، فاستوحش حينئذ من العساكر المصرية وصار بمعزل عنهم وتخلف بعدهم بعين تاب ولم يدخل حلب ، ولما وصلت الأمراء إلى حلب أرسلوا إليه قاني باي الحمزاوي نائب حماة والأمير تمراز القرمشي إلى عينتاب لإحضاره فأبى عن الحضور إلا بعد خروجهم منها ، فعاد إلى حلب بهذا الخبر ، ثم عاد العسكر كل إلى مكانه في أواخر شهر المحرم سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة. وبلغ الخبر تغري برمش فركب من عينتاب ودخل حلب ودام في نيابته إلى شهر ربيع الآخر من السنة ورد عليه الخبر بخلع الملك العزيز وسلطنة الملك الظاهر جقمق ، ثم قدم على الخاصكي بخلعة الاستمرار فلبسها وقبل الأرض وحلف للملك الظاهر جقمق ، ثم شرع بعد ذلك يتعاطى أسباب العصيان في الباطن ويكاتب العربان والتركمان واستمر على ذلك إلى شهر شعبان من السنة بدا لأمراء حلب الركوب عليه خوفا منه على أنفسهم ، فركبوا عليه وقاتلوه بالبيّاضة من حلب فكسر أمراء حلب وانهزم كل واحد منهم إلى جهة. ثم أخذ تغري برمش في حصار قلعة حلب واستفحل أمره ، ثم وقع بينه وبين أهل حلب وحشة ، وركبوا عليه وقاتلوه ورموا عليه من القلعة فلم يسعه إلا الفرار من حلب وخروجه جريدة من دار السعادة من غير أن يصحب معه شيئا من خيله وقماشه ، وخرج ومعه نحومائة فارس من باب السر قاصدا باب أنطاكية فتبعه العوام ورموا عليه وعلى أصحابه ، ثم نهبت العوام ماله بدار السعادة وغيرها فأخذ له مال لا يحصى كثرة ، وتوجه تغري برمش بمن معه إلى الميدان ثم إلى خان طومان ، ثم توجه إلى سقلسيز التركماني نائب شيراز لائذا به فوافقه ابن سقلسيز على العصيان فاستفحل به أمره واجتمع عليه خلق من التركمان وغيرهم ، ثم توجه ومعه ابن سقلسيز إلى طرابلس وطرقها ففر منها نائبها الأمير جلبان من غير قتال واستولى تغري برمش هذا على جميع برك جلبان وذلك في رمضان من السنة.

ثم خرج عن طرابلس وصار يتنقل من مكان إلى آخر ويأخذ ما ظفر به من أموال الناس إلى أن عاد إلى حلب في عشرين شوال ، فاستعد أهل حلب لقتاله فقاتلهم ودام القتال بينهم عدة أيام إلى أن خرج إليه من أمراء حلب جماعة ومعهم عدة من العوام ظاهر حلب وقاتلوه قتالا شديدا استظهر فيه أمراء حلب ومسكوا بعض أمراء التركمان وقتلوا منهم جماعة ، ثم حمل تغري برمش على أهل حلب فهزمهم وقبض على جماعة منهم ممن بقي

٣٦

خارج البلد وقطع أيديهم فنفرت القلوب منه وقويت العداوة بينهم ودام ذلك إلى شهر ذي القعدة من السنة المذكورة ورد عليه الخبر بقدوم العساكر السلطانية إلى حلب وبالقبض على الأمير إينال الجكمي نائب دمشق فتهيا لقتالهم وسار إلى جهة حماة ونزل بالقرب منها إلى يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة ، نزل العسكر السلطاني في ظاهر حماة من جهة الشمال وبات تغري برمش من جهة الغرب على عزم القتال ، فلما أصبح نهار الجمعة سابع عشره ركب العسكر السلطاني وركب تغري برمش بمن معه والتقى الجمعان ولم يثبت تغري برمش وانهزم من غير قتال ، وتوجه في أناس قلائل إلى جهة أنطاكية ونهب جميع ما كان معه وتوجه معه ابن سقلسيز ، فلما وصلوا إلى الدربند خرج عليهم فلاحو تلك القرى مع من انضم إليهم وقاتلوهم فانكسر تغري برمش وأمسك معه ابن سقلسيز أيضا ، فورد الخبر على العسكر المصري بذلك فخرج منهم جماعة إليهم وأمسكوهما وقيدوهما وجاؤوا بهما إلى حلب فحبسا بقلعتها فكان يوم قدومهم إلى حلب من الأيام المشهودة.

واستمر تغري برمش وابن سقلسيز في حبس قلعة حلب حتى ورد الخبر بقتلهما فقتلا في يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بعد أن سمّرا وضربت رقبة تغري برمش هذا تحت قلعة حلب.

وكان تغري برمش أميرا جليلا عارفا سيوسا ذا رأي وتدبير ودهاء ومكر مع ذكاء مفرط وفطنة ، وكان رجلا طوالا أسود اللحية مليح الوجه فصيح اللسان باللغة التركية عارفا بأمور الدنيا وجمع المال ، وله قدرة على مداخلة الملوك ، وكان جاهلا بسائر العلوم حتى لعله لم يحفظ مسألة في دينه بل كانت جميع حواسه مجموعة على أمر دنياه ، وكان جبانا بخيلا بالبر والصدقة كريما على مماليكه متجملا في مركبه وملبسه ومأكله ، وكان حريصا جبارا يميل إلى الظلم والعسف ، ولقد أخرب في حروبه هذه عدة قرى من أعمال حلب وما حولها وقتل من أهلها جماعة ، لا جرم أن الله عامله وجازاه من جنس أعماله (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)

آثاره في حلب :

قال في كنوز الذهب : (زاوية تغري ورمش) تحت القلعة بالقرب من جامع دمرداش أنشأها تغري ورمش كافل حلب وكانت أولا سوقا للخيل بلا بناء فاشترى أرضها من بيت المال وأسسها في سنة أربعين وتمت في سنة إحدى وأربعين وجعل لها وقفا على بابها وبحضرتها

٣٧

وحصصا من قرى وجعل لها سماطا ومجاورين وشيخا بايزيديا آفاقيا عزبا ، وجعل لها قارئا يقرأ البخاري وشرط أن يكون حنفيا ، وجعل فوقها مكتبا للأيتام ، واتخذ بها مدفنا فخرج إلى الموكب ، فلما رجع سمع قراءة بالمدفن فقال : ما هذا؟ فقال : يقرؤون القرآن للواقف ، فقال : إنما جعلت هذا المكان سقاية للماء. وأما بوابتها فكانت بوابة بدار العدل فنقلها إلى هذه الزاوية ، وأما الحوض الذي بحضرة شبابيكها فكان السلطان المؤيد قد أحضره لما أراد إعادة السور على عادته القديمة ليجعله عتبة باب عند ساحة بزا ، فلما لم يتفق ذلك ألقيت هناك فأحضرها تغري برمش وجعلها حوضا ، وهذه الزاوية لطيفة محكمة بالحجر المنحوت وفرش من الرخام الأصفر وغيره وإلى جانبها مطبخ يطبخ به للفقراء ومرتفق يأتي إليه الماء من دولاب على القناة ، وجعل النظر فيها لمن تولى نيابة السلطنة بقلعة حلب ، فكأنه والله أعلم استشعر من نفسه الخروج عن الطاعة عند موت الأشرف فخاف أن يهدمها أهل القلعة وجعل عمالتها للرئيس ضياء الدين ابن النصيبي لأنه هو الذي تولى عمارتها وكان صديقا له انتهى.

أقول : دثرت هذه الزاوية ولم يبق لها ولا لأوقافها أثر. وأخبرني بعض أهل المحلة نقلا عن بعض شيوخها أنها خربت في الزلزلة التي حصلت سنة ١٢٣٧ وأن محلها أمام جامع الأطروش تبعد عنه إلى جهة الشمال قليلا والله أعلم.

سنة ٨٤٣

تولية حلب لجلبان ثم لقانباي الحمزاوي

قال أبو ذر في كنوز الذهب : وفيها تقرر جلبان نائب طرابلس في كفالة حلب عوضا عن تغري ورمش وذلك رابع عشر ربيع الآخر وأجرى النهر واجتهد فيه ، ثم استقر قانباي الحمزاوي في كفالتها بحكم انتقال جلبان إلى دمشق ، وجلبان أجرى النهر وعزل طريقه وسد عوراته وصرف على ذلك مال كثير من أموال أرباب الأملاك.

ترجمة جلبان :

قال في المنهل الصافي : جلبان بن عبد الله المعروف بأمير ياخور الأمير سيف الدين نائب الشام ، اتصل بخدمة الملك المؤيد شيخ لما كان أميرا ودام عنده حتى طرق الملك

٣٨

المؤيد الديار المصرية في غيبة الملك الناصر فرج بالبلاد الشامية وحاصر قلعة الجبل بمن معه من الأمراء ، ثم انكسر المؤيد وأصحابه وانهزموا إلى جهة باب القرافة تقنطر المؤيد عن فرسه فلحقه جلبان هذا بالجنيب فعرفها له المؤيد لما تسلطن ورقاه حتى جعله أمير طبلخاناه وأمير أخور ثاني ثم مقدم ألف بالديار المصرية ، ثم نقله إلى نيابة حماة في شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة عوضا من الأمير جارقطلو بحكم انتقاله إلى نيابة حلب ، ثم نقل منها إلى نيابة طرابلس في سنة سبع وثلاثين ، ثم نقله الملك الظاهر جقمق إلى نيابة حلب في شوال سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بعد عصيان تغري برمش نائب حلب فدام في نيابة حلب إلى أن نقل إلى نيابة الشام في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وحمل إليه التقليد والتشريف على يد الأمير دولة باي المحمودي المؤيدي ، وهو منذ ولي نيابة حماة إلى يومنا هذا أعني من سنة ست وعشرين ينتقل من نيابة إلى أخرى لم يعزل فيها عن عمل إلا عندما ينقل إلى عمل أعلى منه ، وهذا أيضا لم نعلمه وقع لأحد من أهل الدولة الكثير مع أنه لا فارس الخيل ولا وجه العرب وإن كان يعرف فنون الملاعيب وركوب الخيل ، لكنه لم يشهر بشجاعة ولا إقدام غير أنه عارف بالسياسة وجمع المال وإنفاقه إلى ذخائر الملوك ولذلك طالت أيامه اه ملخصا.

سنة ٨٤٧

قال أبو ذر : في شهر ذي الحجة ورد المرسوم الشريف من الظاهر جقمق إلى أبي الفضل بن الشحنة وهو كاتب السر والقاضي الحنفي وناظر الجوالي بحلب أن يصرف لنائب سيس مبلغ ألفي دينار ليبني بسيس جامعا من مال الجوالي ، فأعطاه ذلك وبنى بسيس جامعا لطيفا.

سنة ٨٤٩

عزل قاني بك الحمزاوي وتوليه حلب لقاني بك البهلوان

قال في تحف الأنباء : وفي سنة تسع وأربعين وثمانمائة قدم قاني بك الحمزاوي إلى مصر معزولا من نيابة حلب وكان أشيع عنه المخامرة والعصيان وقرر في نيابتها تغري بردي الجركسي اه.

أقول : هذا سهو منه ، والذي تعين بعده في هذه السنة قاني بك البهلوان كما سيأتيك في ترجمته.

٣٩

سنة ٨٥١

قال في كنوز الذهب : في المحرم من هذه السنة تقاتل نائب البيرة علان وجاه نكير ابن قرايلوك ، ودخل علان إلى البيرة فدخل خلفه عسكر المذكور ونهبوا حارة منها وأخذوا أموالها وسبوا حريمها ، وأعقب ذلك دخول الطاعون البيرة فاستمر إلى آخر السنة ، وكان السلطان قد أعطى جاه نكير قلعة جعبر فأرسل جاه نكير إلى السلطان يعتذر عما وقع ووعد بتسليم قلعة جعبر.

وفاة الكافل قاني بك البهلوان وآثاره

قال : وفيه اعترى الكافل مرض بطل منه نصفه فصار لا يقدر على المشي ، ثم تزايد مرضه فاستدعى زين الدين بن الخرزي من حماة للمداواة فحضر إلى حلب فقال : هذا ميت لا محالة ، فتمادى به المرض واشتد إلى أن توفي سادس ربيع الأول فأصبح الناس وأغلقوا الأسواق وحضروا جنازته ودفن خارج باب المقام مقابل تربة موسى الحاجب ، وكان يوما مشهودا وبكى الناس وترحموا عليه.

وكان شجاعا بطلا يكرم العلماء ويعظمهم ويقرأ البخاري عنده ويحضر وينظر إلى الفضلاء بعين الإكرام ، وكان أميرا كبيرا أولا بحلب وولي نيابة ملطية وصفد وحماة ومنها انتقل إلى حلب ، وبنى حماما خارج باب النصر فقال لي يوما : إنما بنيت هذا الحمام لتطمئن قلوب الناس فإنه أشيع أن ابن تيمور شاه روخ يجيء إلى الشام.

تولية حلب لبرسباي ثم لتنم

قال : في مستهل جمادى الأولى دخل برسباي كافل طرابلس إلى حلب نائبا عوضا عن البهلوان.

وكان برسباي عبدا صالحا دينا خيرا لم يقطع يد أحد بحلب ولا قتل أحدا وحماها وبلادها ، ولما قدم من طرابلس طلبني من شيخنا أبي الفضل بن الشحنة لقراءة صحيح البخاري ، وذلك لأنه لما كان بطرابلس كان يقرأ عنده تقي الدين بن الصدر الحنبلي قاضي طرابلس ، فلما عزل حثه على أنني أقرأ عنده فأكرمني شيخنا بالقراءة عنده فأحبني حبا

٤٠