إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٧

في الجزيرة : جبل عبد العزيز : يبتدىء من جنوب وغرب الخابور ويمتد غربا لجهة الفرات. طوله ٦٠ ـ ٧٠ عرضه ٢٠ كيلومترا ارتفاعه ١٥٠ متر عن سطح الأرض وتقريبا ربعه مغروس بأشجار البطم والزعرور والتين.

أخشاب نواعير الخابور جميعها الموجودة الآن معمولة من أشجار بطم جبل عبد العزيز.

وبعد الكلام على الجبال تكلم على الطرق العامة من الدير إلى حلب ومنها إلى بغداد ومنها ومنها. ذكر ذلك مرحلة مرحلة مع بيان المسافة.

المعادن :

الكبريت : موجود في المياه التي تنبع برأس العين وكانت الحكومة التركية تلزمه سنويا لطلاب استخراجه تقريبا ب ٨٠٠٠٠ غرش.

معدن المغرة : لونه أحمر يستعملونه في صباغ الغنم موجود في جبل البشري يحتاج لتدقيقات وتتبعات زائدة.

النحاس : في ناحية الصور على الخابور بطريق الموصل قد جلب منه النحاسون في الدير وأرادوا تصفيته فلم يتوفقوا لشيء أيضا يحتاج إلى تدقيقات زائدة.

سرديوم بوتاسيوم : يوجد في البصيرة وفي الصور والشدادي والقصبي مشهور (ببارود القصبي) يغلي ترابه بالماء وبعد التصفية يكسرونه ويخلطونه مع فحم الغرب والصفصاف ويصير بارودا يستعملونه للصيد والقنص ، يحتاج لتدقيقات حيث يمكن استعماله سمادا كيماويا.

القير والإسفالت : يخرج من جبل البشري الواقع في الشامية ، وهذا يتحصل في الأكثر بأيام الصيف. يتقطر من جوانب الوديان وأهمها وادي القير ، يحتاج إلى تدقيقات وتتبعات. ويقال أيضا إنه يوجد في جبل البشري وأبو فياض فحم معدني وقد أخذ امتيازه بعض الحلبيين ، ولكنه أيضا يحتاج إلى تدقيقات وتتبعات زائدة.

التشكيلات الترابية وأوصاف الأراضي الطبيعية :

إن تركيب الأتربة العمومية بالمائة ثمانون رمل وعشرون صلصال وجص وكلس ومقدار من المواد المنبتة العضوية وغير العضوية ، وفي بعض المحلات يكون مقدار الرمل تنزل إلى المائة ستين والمواد الصلصالية الرقيقة صعدت إلى المائة أربعين ، فهذه الأراضي نادرة وقد يكون تشكلها ناشئا عن ترسب هذه الأتربة من مياه الفرات التي جاءت بأيام الفيض

٣٦١

وغمرت الأراضي المنخفضة الواقعة على جانب الفرات ، ويحتمل أن تكون تشكلت من المواد الرقيقة المنجرة بواسطة السيول والمترسبة أيضا في المحلات المنحطة والمنخفضة ، فأكثر الأراضي الرملية التي تكون قد دخل في تركيبها مواد من الجص ، إذا جفت تكسب مقاومة عنيفة وتقاوم سكك الحراثة بحيث يصعب شقها وفلاحتها ، ومن هذه الأسباب تكون هذه الأراضي مساعدة لغرس بذور الجراد الذي لم ينقطع دابره.

إن السهول في هذا المحيط لا تنحصر في لواء دير الزور فقط بل تمتد شمالا إلى ماردين وشرقا للموصل وبغداد وقبلة لبحر عمان والحجاز وغربا للشام وحلب ، فعليه يحتمل أن تكون هذه البادية الجسمية إما بحالة بحر وإما مرتعا لمياه الدجلة والفرات ، فالاحتمال الأخير هو الأصح نظرا لما يصادفه المدققون من الأحجار المدورة والمختلفة الأجناس المخلوطة بالرمال في أي نقطة كانت من هذه السهول. فلا شك أن هذه الحجارة تدل أنها نقلت بواسطة مياه الدجلة والفرات من مسافات بعيدة ، ولا يبعد أن هذه الأراضي كانت معتدلة تماما ، ففي أكثر السنين باختلاط دجلة والفرات تركت الأحجار والجص التي أتت بها هذه الأنهار من منابعها وطريقها.

وبما أن الولايات العثمانية الشمالية مثل ديار بكر وبتليس هي أراض ولقانية فالزلازل التي كانت تحصل بتلك الأنحاء أثرت في هذا اللواء فحدثت الارتفاعات والانحطاطات ، ولذلك ثبت نهر الدجلة والفرات في المواقع التي نشاهدها اليوم.

حرارة المحيط :

إن لواء دير الزور يعد من المناطق الحارة ، وحيث إن اللواء خال من الجبال والعوارض فالإقليم وحرارة المحيط مساوية لبعضها في كل مكان. فلعدم وجود قيود زراعية في دائرة الزراعة لفقدانها لم نتمكن من الوقوف عليها لنطلع على جداول الترصدات الهوائية ، ولكن الذي بقي في حافظتي أن الدرجة الوسطية ما بين ١٤ ـ ١٥ سانتيغراد أي مجموع الحرارة العمومية في السنة ٥٠٠٠ درجة.

إن هذه الدرجة مساعدة لنمو جميع النباتات والأشجار والحبوب على أن تكون بواسطة الري والإسقاء ، حيث كما ذكرنا آنفا إن طبيعة الأراضي الرملية لشدة وجود الحرارة لم يمكن تطبيق زراعة العذي بها لا صيفا ولا شتاء سوى في القسم الشمالي المحادد إلى نصيبين فهو قابل لزراعة الحنطة والشعير على الأمطار أي عذي ، وأما خلاف ذلك فجميعه بواسطة الإسقاء.

٣٦٢

الجماد : في بعض السنين يجمد الماء في هذا الهواء ولكن لا يكون له تأثير يذكر حيث يوجد من نباتات المناطق الحارة ، ومثل أشجار النخل والليمون والبرتقال لم تتأثر من هذه البرودة ، ويقع هذا التجمد في وسط الشتاء على الأكثر ، وأما في مواسم الخريف والربيع فإنه لا يحصل جماد.

الأمطار : قليلة في دير الزور نسبة إلى حكومة حلب ، ففي ولاية حلب ارتفاع ماء المطر السنوي من ٥٠٠ ـ ٦٠٠ ميليمتر حال كون أمطار لواء دير الزور لا تبلغ ٢٠٠ ـ ٣٠٠ ميليمتر ، وهذا نسبة لأراضي دير الزور الرملية لا يعد شيئا.

الندى : إن لواء دير الزور محروم من الغابات والأحراج إلا قليلا على ضفتي الفرات ، ولذلك إذا حصل في الربيع قليل من الندى فهي أيام معدودة ومحدودة ، وفي بقية الربيع والصيف والخريف لا يحصل ندى قط.

أسماء الرياح السائدة وتأثيرها :

الرياح التي تهب في لواء دير الزور أكثرها غربي وحياة البلدة مبنية عليه ، وفي الصيف تهب الرياح الشرقية ولكن ليس لها مضرة إلا إذا هبت في أوائل مايس فإنه يضر بمزروعات الحنطة بحيث فصل النمو لا يتم تماما ، ولذلك تبقى حبوب الحنطة ضعيفة وفقيرة من النمو.

وبعد هذا تكلم عن الزراعة العمومية فيه وما يزرع ومقدار ما يزرع وأطال في بيان ذلك ، ثم عقد فصلا آخر لطرز الري والإسقاء وبيان الآلات التي يسقى بها ووصفها وبين ما تحتاج إليه من النفقات ، ثم تكلم عن مساحة الأراضي التي تزرع بالوسائط المختلفة ، ثم عقد فصلا لبيان أسماء وأهمية المستنقعات ، ثم تكلم عن المراعي.

الحيوانات :

قال : إن الحيوانات في لواء دير الزور عبارة عن الحيوانات الأهلية وهي الخيل والبقر والغنم ومن الحيوانات الوحشية الذئب وآوى والغزال والأرنب ونادرا الضبع والنمر والخنزير ، ثم ذكر الخيل وأنواعها وأصولها والبغال والحمير والجمال ، ثم عقد بعد ذلك فصلا لنوع الأراضي المزروعة وبين سعتها وما يمكن أن تعطيه من الواردات لو اعتني بشأنها ، ثم عقد فصلا لأسعار التجارة الزراعية ولأجور العمال الزراعيين وللآلات الزراعية والمعامل.

٣٦٣

الأحراج :

الأحراج في دير الزور تنحصر على أطراف نهر الفرات وفي الحوائج التي بواسطة النهر ، ولم يكن في غير هذا المحل أحراج تذكر سوى في جبل عبد العزيز يوجد قليل من شجر البطم.

إن الأحراج التي هي على ضفتي الفرات جميعها مملوكة ، وهي من شجر الغرب والطرفة. ثم وضع بعد ذلك جداول تبين هذه الأحراج مفصلا ، ثم عقد فصلا للاستفادة من الطرق النهرية وفصلا لبيان الأحزاب في دير الزور وبين درجة معارفهم ، ويستفاد من مجموعه أن المعارف هناك لم تزل قليلة جدا وأن الأمية منتشرة في الأهلين.

ثم وضع جدولا لبيان القرى المربوطة بلواء دير الزور مع بيان القبائل والنفوس إلى غير ذلك من الأبحاث التي يقتضي عليها على رجال الإدارة هناك أن يطلعوا على تفاصيلها.

أقول : وفي العام الماضي تأسس هناك مدرسة تجهيزية تشكيلاتها وصنوفها مثل المدرسة التجهيزية التي في حلب ، وعيّن مديرا لها صبحي بك نجل سعادة مرعي باشا الملاح حاكم حلب الآن ، وقد فتح فيها في السنة الماضية الصف السابع وعدد التلامذة فيها ١٥٠ والمنتظر أن تنشر هناك المعارف بسرعة ويكون لهم منها حظ وافر وذلك لالتفاتهم إليها في الآونة الأخيرة وإقبالهم عليها ولما جبلوا عليه من الذكاء الفطري والاستعداد الطبيعي ، وفقهم الله لما فيه صلاحهم وسعادتهم في دينهم ودنياهم.

وصول السلك البرقي

وفي هذه السنة وصل السلك البرقي إلى حلب وصارت المخابرات بواسطته.

سنة ١٢٨٢

فيها حصل هواء أصفر وهو المعروف بالكوليرا وفتك فتكا ذريعا. وفيها ابتدىء بتبليط أزقة حلب.

وفيها ظهرت صنعة الزنانير الهندية بحلب وتسمى صنعة (الأغباني) على يد امرأة نصرانية أسلمت على يد الشيخ طه الكيالي ، وكانت رأت عنده زنّارا من صنع الهند فالتقطت منه هذه الصنعة ، وهي اليوم صنعة واسعة يشتغل فيها ألوف من النساء في حلب وتحمل بكثرة إلى بلاد الحجاز والبلاد التركية وغيرها.

٣٦٤

سنة ١٢٨٣

ذكر تولية حلب لجودت باشا

تولى حلب في هذه السنة جودت باشا وهو أحد أعاظم رجال الدولة العثمانية وصاحب التاريخ العظيم المشهور باسمه ، وفي تاريخنا هذا تجد عنه نقولا كثيرة بل هو مادتنا في السنين الأخيرة كما ترى. وقد حدثنا عنه غير واحد أنه كان عالما فاضلا تلقى العلوم الشرعية وتزيا مدة بزي العلماء ، وهو أحد رجال مجلة الأحكام العدلية كما تراه فيها ، ثم انتظم في سلك المأمورين الإداريين فتزيا بزيهم وتقلب في مناصبهم إلى أن عيّن واليا على حلب في هذه السنة كما ذكرته جريدة الفرات الرسمية في عددها الصادر في ٦ ذي الحجة سنة ١٣١٢. وله في مشاهير الشرق لجرجي زيدان ترجمة حافلة صدرها بصورته (١) نقتطف منها ما يأتي :

قال : هو الوزير أحمد جودت باشا ابن الحاج إسماعيل آغا ابن الحاج علي أفندي. ولد في مدينة لوفجة التابعة لولاية الطونة سنة ١٢٣٨ ، وكان والده من أعيان لوفجة وعضوا من أعضاء مجلسها ، فربي أحمد في حجر والديه وتهذب على يديهما وتلقى مبادىء العلوم في وطنه ، وقد ظهرت عليه مخائل النجابة منذ نعومة أظفاره ، فلما شب قدم الآستانة سنة ١٢٥٥ فأقام فيها يتلقى العلوم والآداب على أحسن علمائها فأتقن الفقه وأصوله والحديث والتفسير وعلم الكلام والمنطق والفلسفة على أنواعها والرياضيات بفروعها والجغرافية والتاريخ واللسان الفارسي ، وأتقن اللسان التركي والعربي حتى نظم الشعر فيها جميعا. وفي سنة ١٢٦٠ عكف على درس القضاء فنال قصب السبق على أقرانه ونال رتبة (رؤوس تدريس). وفي سنة ١٢٦٧ عيّن عضوا في المجمع العلمي العثماني. وفي سنة ١٢٧١ عيّن قاضيا لغلطة أحد أقسام الآستانة الثلاثة. وكان كلما تقلد منصبا قام بمهامه حق القيام فانهالت عليه الرتب والمناصب والوسامات. فنال سنة ١٢٧٣ باية ولاية مكة المكرمة وتعيّن عضوا في مجلس التنظيمات ورئيسا للقومسيون المنعقد إذ ذاك لترتيب القوانين والنظامات المتعلقة بالأراضي.

وفي سنة ١٢٧٨ عيّن عضوا في مجلس الأحكام العدلية على إثر إلغاء مجلس التنظيمات وإحالته إلى مجلس الأحكام العدلية. وفي آخر سنة ١٢٧٩ عيّن مفتشا في

__________________

(١) وتوجد صورته في تاريخ الصحافة العربية في صحيفة ٦٨.

٣٦٥

البوسنة والهرسك. وفي سنة ١٢٨١ أرسل في الفرقة الإصلاحية التي سارت لإصلاح ما اختل من شؤون القوزاق ، ولما عاد سنة ١٢٨٢ عيّن عضوا في المجلس العالي ، وبعد قليل وجهت إليه رتبة الوزارة السامية ، ثم ضمت إيالات حلب وأطنة وألوية القوزاق ومرعش وأورفة إلى ولاية واحدة قصبتها مدينة حلب وعهدت حكومتها إليه ، فقدمها واستلم زمام الأحكام بهمة ونشاط نحو سنتين ، حتى إذا كان انقسام مجلس الأحكام العدلية سنة ١٢٨٤ إلى قسمين وتشكلت منه هيئتان عرفتا بمجلس شورى الدولة وديوان الأحكام العدلية ولي هو رئاسة ديوان الأحكام العدلية ، ثم تحولت هذه الرئاسة إلى نظارة الديوان ثم إلى نظارة العدلية ، وتشكلت تحت رئاسته لجنة علمية لتأليف كتاب في الفتاوي على مذهب أبي حنيفة فألفته وهو المعروف بمجلة الأحكام العدلية وعليه المعول في سائر المحاكم الشرعية والنظامية ، وفي سنة ١٢٨٨ عيّن عضوا في مجلس شورى الدولة ، وفي السنة التالية عهدت إليه ولاية مرعش ولم يلبث بها إلا قليلا ، ثم استقدم لتولي نظارة الأوقاف ، وفي سنة ١٢٩٠ عيّن ناظرا للمعارف.

(ثم قال) : وفي سنة ١٢٩٦ استعفى خير الدين باشا من مسند الصدارة فقام هو بمهامها موقتا ، ثم عهدت إليه نظارة العدلية ، وفي سنة ١٣٠٠ تغير الوكلاء جميعا فاعتزل الأعمال وأكب على المطالعة والتأليف ، ثم أعيد إلى نظارة العدلية ، وفي سنة ١٣٠٥ انفصل عنها وبقي من أعضاء مجلس الوكلاء إلى أن توفاه الله في ٢ ذي الحجة سنة ١٣١٢ ودفن في تربة السلطان محمد الفاتح وله من العمر ٧٤ سنة. وكان عالما فاضلا اشتهر في كثير من العلوم وخصوصا العلوم الإسلامية والتاريخ ، وكان يعرف اللغات التركية والفارسية والعربية معرفة جيدة تكلما وكتابة مع إلمام بالفرنساوية والبلغارية ، وكان سهل الخلق كريم الخصال وديعا متواضعا واسع العلم عالي الهمة مخلصا للدولة.

(مؤلفاته) : أما مؤلفاته فعديدة في التركية والعربية بين مطبوع وغير مطبوع أشهرها وأكبرها تاريخ آل عثمان المعروف بتاريخ جودت ، طبع بالتركية في تسعة مجلدات ، وهو جليل في بابه بل هو المرجع الوحيد لتاريخ الدولة العلية ، وقد عني في نقله من اللسان التركي إلى العربي عبد القادر أفندي الدنا رئيس محكمة تجارة بيروت فنشر منه الجزء الأول سنة ١٣٠٧ مطبوعا طبعا متقنا في بيروت. ومن مؤلفاته رسائل عديدة في العربية وبعض التعليقات طبعت مجموعة واحدة. وبعد أن سرد بقية مؤلفاته قال : وله تعليمات مخصوصة في نظارة المعارف لتدريس الطلبة على أساليب سهلة جديدة وجميع ذلك باللغة العثمانية ،

٣٦٦

على أن بعضها قد ترجم إلى اللغة العربية كتاريخ آل عثمان ومجلة الأحكام العدلية وغيرهما اه.

(لطيفة) : حدثني مرعي باشا الملاح حاكم حلب الآن قال : وقف المجذوب المشهور الشيخ سعود صاحب النوادر إلى جودت باشا فقال له : الناس يقولون إنك باشا ، فقال : كذا يقولون ، فقال : ويقولون إنك عالم ، قال : كذا يقولون ، فقال : إني سائلك عن سؤال لأرى هل تدري جوابه ، فقال : سل ، فقال : ما هو بسمار الوجود؟ فقال : لا أدري ، فقال له : إن كنت لا تدري فضع في كفي دينارا لأقول لك ، فوضع له ذلك فقال له وهو يشير إلى الدينار : هذا هو البسمار يا حمار ، فضحك الباشا منه ومشى في سبيله.

تحرير الأملاك

في هذه السنة حررت الأملاك في حلب وصار لها دائرة مخصوصة عرفت بالطابو ، وأول من تولى هذه الدائرة راغب أفندي الجابري وبقي فيها إلى أن مات ، ذكر ذلك المشاطي في مجموعته.

سنة ١٢٨٤

صدور جريدة الفرات الرسمية وترتيب السالنامة

في هذه السنة في الثالث والعشرين من شهر محرم صدرت هنا جريدة الفرات الرسمية وهي أول جريدة صدرت في مدينة حلب باللغتين التركية والعربية ، كانت تصدر في الأسبوع مرة ، وفي ١٣ صفر سنة ١٢٨٥ صدرت اعتبارا من العدد الخمسين بثلاث لغات التركية والعربية والأرمنية ، وبعد أن صدر منها عدة أعداد باللغات الثلاث عادت كالسابق وصدرت باللغتين السابقتين.

وفي هذه السنة أيضا صدرت جريدة تسمى (غدير الفرات) وهي ملحقة بجريدة الفرات لكنها غير رسمية كانت تصدر عند الاقتضاء ، وقد رأيت العدد التاسع والأربعين من الفرات وهو مؤرخ في ٢٩ محرم سنة ١٢٨٥ ، ورأيت من غدير الفرات العدد ١١ و ٢٨ ويظهر أنه صدر منها مقدار ثلاثين عددا ثم احتجبت ، وكان المحرر للقسم التركي في الجريدتين حالت بك.

٣٦٧

وفي شوال سنة ١٣٣٣ صدر علاوة على جريدة الفرات جريدة غير رسمية تحت اسم (علاؤه فرات) كذلك باللسانين كانت تصدر ثلاث مرات في الأسبوع ، صدر منها ٤٧ عددا ، وآخر عدد صدر من جريدة الفرات مؤرخ في ٥ محرم سنة ١٣٣٧ و ١٠ تشرين أول سنة ١٣٣٤ ورقمه ٢٤٢٠ ، ثم استبدلت بجريدة (حلب). وفي هذه السنة أي سنة ١٢٨٤ رتبت السالنامة وطبعت باللغة التركية وسميت (فهرست ولاية حلب) وكان الفضل في ذلك راجعا إلى رئيس الكتاب وقتئذ (مكتوبجي) حالت بك المذكور وصارت السالنامة ترتب في كل سنة وتطبع وقد زيد فيها على السنين الأولى كثيرا ، والفضل في ذلك راجع إلى رئيس كتاب مجلس إدارة الولاية وقتئذ وهو عارفي بك (١) ، وظلت تصدر إلى سنة ١٣٢٦ هجرية و ١٣٢٤ شمسية عن السنة الخامسة والثلاثين ، ثم أهملت بعد هذه السنة إلى يومنا هذا ، وهي كتاب مفيد يستفاد منه أمور كثيرة عن تاريخ حلب والملحقات بها وعن شؤونها الزراعية والمالية إلى غير ذلك ، وتجد فيها أسماء من ولي حلب من حين فتحها إلى سنة ١٣٢٦ هجرية وعليها بنينا القسم الأول وهو قسم الولاة من تاريخنا هذا واستدركنا عليها في عدة مواضع.

ترجمة عارفي حالت بك مرتب السالنامة :

قال في الجزء الثالث من قاموس الأعلام : هو حالت بك ابن ناظر المالية السابق خالد أفندي وينتسب إلى السيد عبد القادر الكيلاني ، ولد سنة ١٢٥٥ ، قرأ اللغة العربية والفارسية على الخواجه حسام الدين أفندي ثم تلقى العلم في جامع أياصوفية عن أساتذة الجامع المذكور ، وصار هو في حداثة سنه يحرر المقالات الكثيرة في جريدة الحوادث وصحح تاريخ نابليون ، وبعد أن وجد في عدة وظائف صغار أنعم عليه بالرتبة الثانية ، ثم صار معاونا للمكتوبجي في حلب. ثم صار مكتوبجيا فيها ، وهو في هذه الوظيفة أسست في حلب جريدة الفرات الرسمية ، كذلك نشر هنا جريدة غير رسمية سماها (غدير الفرات) ثم رتب السالنامة الحلبية وسماها (فهرست ولاية حلب) وأرسل منها نسخة إلى الباب العالي فوقعت لديه موقع الاستحسان ، وأرسل منها إلى كل ولاية نسخة وأمروا أن ينسجوا على منوالها. وفي سنة ١٢٨٢ شمسية لما تشكلت المحاكم العدلية عيّن المترجم كاتبا ثانيا في ديوان الأحكام العدلية ثم كاتبا أولا واجتهد في وضع نظاماتها موقع الإجراء وكوفىء على ذلك برتبة

__________________

(١) المذكور من كتاب الأتراك المشاهير وقد بقي هنا رئيسا لكتاب مجلس الإدارة مقدار ثمان سنوات وحول من حلب في جمادى الآخرة سنة ١٣٠٤.

٣٦٨

أولى ، ثم بعد مدة انفصل وعيّن مكتوبجيا للمعارف وتوفي وهو في هذه الوظيفة سنة ١٢٩٥ وهو في الأربعين من العمر. وله رسالة في فن البلاغة التركية سماها الأنموذج وكتاب في تراجم سلاطين آل عثمان ومجموعة سماها (مبدأ الكتابة) محتوية على مقالات أدبية وقد طبعت ومجموعة سماها (دولاب) ورسالة (سر الأسرار) ورسالة (سير الأقمار) وديوان سماه (حالة الشباب) وغير ذلك ، وله شعر لطيف أورد في القاموس بيتين منه.

ذكر احتراق سوق الصيّاغ والعقّادين والبادستان

قال الشيخ بكري الكاتب في مجموعته : في الساعة السابعة من ليلة الأحد من شهر جمادى الثانية (لم يذكركم كان في الشهر) من سنة ١٢٨٤ ظهرت نار من سوق الصيّاغ فأحرقته جميعه واتصلت منه إلى سوق العقّادين والقوّافين والطرابيشية والبادستان وأحرقت ما في تلك الأسواق من الأرزاق ، واتصل الحريق إلى سوق الطيبية وسوق العطّارين. وفي اليوم الثاني هدموا القبو والجملون وكان من الدف ولم يسلم سوى سوق الحرير الذي هو داخل سوق البادستان [جعل هذا السوق مخزنا واحدا سنة ١٣١٨ واستأجره الحاج أحمد العطري ثم استأجره محمد بشير الدرويش ثم اشتراه بعد ذلك وهو فيه إلى هذه السنة وهي سنة ١٣٤٣] وهدموا قبة كانت فوق الجامع القبلي لأجل قطع النار عن الجامع والأسواق ، وبعده عقدوا على سوق العطّارين والطيبية والطرابيشية والصيّاغ قبوا من حجر وزادوا في عرض الأسواق ، وجملة الدكاكين التي احترقت نحو خمسمائة دكان. أما السبب فقيل إنه من الحكومة حيث طلبت توسيع الأسواق فامتنعت الأهالي عن خرب دكاكينها لا سيما الوجهاء ، وقيل إن بعض الأعداء ألقوا الحريق ، وقيل من أحد دكاكين الصاغة والله أعلم. اه.

سنة ١٢٨٥

ذكر تعيين ناشد باشا

في هذه السنة في محرم وصل إلى الشهباء ناشد باشا معينا واليا عليها وقرىء منشور تعيينه في السادس والعشرين منه ورأيناه منشورا في عدد ٤٩ من جريدة الفرات الرسمية المؤرخ في ٢٩ منه.

٣٦٩

في رمضان من هذه السنة افتتح في الشهباء مكتب للصناعة أدخل إليه مقدار ١٠٠ من أبناء الفقراء وصاروا يشتغلون فيه في صناعة الأحذية والأقمشة الحريرية والصوفية.

سنة ١٢٨٦

فيها أتى الشهباء درويش باشا معينا واليا عليها كما في السالنامة.

سنة ١٢٨٧

فيها حصلت زلزلة عظيمة في أنطاكية خرب فيها كثير من البيوت وتلف بسببها كثير من الأموال.

سنة ١٢٨٨

فيها في شعبان وصل إلى الشهباء ثريا باشا معينا واليا على حلب ورأينا منشور تعيينه منشورا في عدد ٢٣٣ من جريدة الفرات المؤرخ في ٧ شعبان من هذه السنة.

سنة ١٢٨٩ و ١٢٩٠

فيها أتى الشهباء الحاج علي باشا معينا واليا عليها وعزل في ربيع الآخر من سنة ١٢٩٠ ، وفي السادس عشر منه توجه منها قاصدا دار الخلافة ، وفي أواخر هذا الشهر وافى الشهباء مرحوم كرد أحمد باشا معينا واليا عليها كما قرأته في عدد ٣١٠ من الفرات ، وهذا أصح مما هو مذكور في السالنامة من أنه عين عليها سنة ١٢٨٩.

وفي هذه السنة أرسلت الدولة العثمانية ستارا من المخمل مزركشا بديع الصنعة إلى مرقد رأس يحيى عليه‌السلام في الجامع الكبير وخرج الوالي والعلماء والأعيان وجمع غفير من الأهالي والعساكر لاستقباله وكان يوما مشهودا ، ووضع الستار على الضريح بكمال التعظيم والاحترام.

٣٧٠

سنة ١٢٩١ : كان الوالي فيها محمد رشدي باشا الشرواني ويظهر أنه لم تطل مدته.

سنة ١٢٩١ : كان الوالي فيها للمرة الثانية محمد رشيد باشا.

سنة ١٢٩٢ : كان الوالي فيها سامح باشا.

سنة ١٢٩٢ : كان الوالي فيها أسعد مخلص باشا.

سنة ١٢٩٣ : كان الوالي فيها أمين باشا.

سنة ١٢٩٥ : كان الوالي فيها كامل باشا الصدر الأعظم الشهير ، وكان مجيئه إلى حلب كما أخبرني سعادة مرعي باشا الملاح في الرابع عشر من صفر من هذه السنة.

سنة ١٢٩٦ : كان الوالي فيها عبد الله غالب باشا.

ولاية سعيد باشا

وبعد عبد الله غالب باشا ولي سعيد باشا وقرأت نبأ تعيينه في العدد العاشر من جريدة الاعتدال التي أصدرها في حلب المرحوم عبد الرحمن أفندي الكواكبي المؤرخ في ١٥ شوال من السنة المذكورة ، وقرأت في هذا العدد من التصورات ما نصه : ذكر أن حضرة أبهتلو مدحت باشا يتصور جعل طريق العربات [تراموي] الجاري عملها في طرابلس طريقا حديدية يوصلها إلى وادي الفرات حيث تمتد إلى بغداد مارة على الدير. نقول : نظرا إلى شهرة حضرة المشار إليه في أنه يتبع التصور بالعزم والقصد بالفعل لا يستبعد على سامي همته أن يقوم بمثل ذلك الأمر الخطير الذي لا حاجة لبيان أنه سبب لحياة الولايات الثلاث أعني سوريا وحلب وبغداد اه.

قال في السالنامة : وفي هذه السنة تشكلت المحاكم العدلية في ولاية حلب. وفيها حولت العساكر الضبطية إلى سلك الژاندرمة. وفيها تشكلت في الولاية إدارة البوليس [الشرطة] وفيها أسكن في حارم ومنبج مهاجرو الجراكسة.

ذكر الغلاء في هذه السنة

في هذه السنة حصل في تشرين برد شديد تصاعدت بسببه أسعار المأكولات فبيع الشنبل من الحنطة الذي يبلغ وقتئذ ٧٥ أقة بمائتين وخمسة وسبعين قرشا ، ثم وصل إلى

٣٧١

ثلاثمائة ، وكانت الليرة العثمانية في ذلك الحين بمائة وإحدى وعشرين قرشا ، وبيع الرطل من الخبز باثني عشر قرشا ، ثم تصاعد إلى ١٤ قرشا والرطل ألف درهم ، وبيع الرطل من السمن بخمسة وأربعين قرشا ، وبقي هذا الغلاء إلى نهاية آذار ، ثم فرج الله الكرب ورخصت الأسعار ، وتعرف هذه السنة إلى يومنا هذا بسنة الغلاء.

سنة ١٢٩٧

ذكر ولاية جميل نامق باشا

في هذه السنة عيّن واليا على حلب المرحوم جميل حسين باشا ابن نامق باشا.

قال في قاموس الأعلام : هو جميل باشا ابن نامق باشا المشير وهو أكبر أولاده ، بعد أن أكمل التحصيل في مكتب فنون الحربية صار ضابطا ، وبالنظر لذكائه واستعداده قطع عدة مراتب في مدة قليلة ، ثم صار ياورا عند السلطان عبد العزيز ، ثم صار رئيس المابين ، ثم قائد فرقة ، وفي أثناء ذلك كان في حلب في هذا المنصب. وفي سنة ١٢٩٧ عيّن واليا عليها ، وفي سنة ١٢٩٩ أنعم عليه برتبة مشير وبقي واليا في حلب مدة سبع سنين إلى سنة ١٣٠٤ ، وفي هذه السنة عزل عن حلب وعيّن واليا على الحجاز وبقي ثمة قليلا وأحضر إلى دار السعادة وعيّن عضوا في مجلس التفتيش العسكري العمومي ، وفي سنة ١٣٠٧ توفي فجأة وهو في قصره في محلة جامليجه في دار السعادة. هذا ما ذكره في ترجمته في قاموس الأعلام.

أقول : وهو أول وال أدركته من ولاة الشهباء ، وكان يكثر القعود بعد صلاة الجمعة في سوق الجوخ في دكان أحمد أفندي بطيخة بائع الأقمشة وهي الدكان الكبيرة التي هي عن يسار الداخل إلى خان العلبية وقد اتخذت الآن دكانتين ، وكنت أراه وأنا صغير أدخل إلى الخان المذكور متوجها إلى مخزننا الكائن في صدر هذا الخان. وكان رحمه‌الله عظيم الهيبة كثير الوقار سديد الرأي حسن الإدارة لشؤون الرعية ساهرا على ما فيه راحتها ، وسارت القوافل في مدة ولايته آمنة مطمئنة وأمنت السبل في جميع معاملات حلب ، بل امتد الأمن إلى أطراف العراق ، وكانت القوافل إذا حملت القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والبضائع لا تخشى معارضا ولا تجد في طريقها لقطاع الطريق أثرا لما يعلمونه من شدة سطوته وعظيم بطشه.

٣٧٢

ومن جملة مزاياه أنه واضع الحجر الأول في أساس المعارف في هذه الديار ولم يكن لها قبله أثر في هذه البلاد إلا ما كان في المدارس العلمية كالعثمانية والشعبانية. وقد بذل المرحوم جميل باشا قصارى جهده في تأسيس المكاتب الابتدائية والرشدية ، وسنذكر في حوادث سنة ١٣٠٢ مجموع ما أسسه في الشهباء وحدها من المكاتب من حين ولايته إلى هذه السنة.

وقبل تأسيس هذه المكاتب كان العارفون بالقراءة والكتابة قليلين جدا إذ لم يكن في حلب سوى كتاتيب قليلة في الزوايا والمساجد المهجورة ، وكان أحسنها الكتّاب الذي كان فيه الخطاط المشهور الشيخ محمد العريف المعروف بالأشرفية نسبة إلى المدرسة الشرفية الكائنة وراء الجامع الكبير لأن سكناه كانت فيها ، وقد أدركته وهو قاطن بها ، ثم انتقل منها إلى مدرسة القرموطية في محلة بحسيتا بالقرب من الجامع العمري وبقي فيه يعلم الأطفال الكتابة والقراءة والخط وشيئا من مبادي الحساب والفقه إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى ، واستلمه من بعده الشيخ أحمد المصري وهو لا زال فيه إلى يومنا هذا ، وقد أدخل إليه الشيخ أحمد شيئا من الانتظام وهو يجتهد في ترقيته وفقه الله تعالى.

ومن جملة الأعمال الجليلة التي قام بها جميل باشا ترميمه لكثير من المساجد والجوامع بعد أن كادت تشرف على الخراب وصارت تقام فيها الصلوات بعد أن كانت مهملة منها.

واهتم أيضا بتوسيع الجادات وافتتاح الشوارع وأهمها الشارع الذي يبتدىء من باب الفرج ويمر بالتكية المولوية إلى الميدان أمام نهر قويق إلى أن يصل إلى جامع المرحوم ذكي باشا المدرس.

ومن جملة مزاياه أنه كان كثير العطف على الأوساط والضعفاء يعاملهم بالشفقة والحنان والرأفة فتراهم راضين عنه وهو راض عنهم ، ويعامل الأغنياء والوجهاء بالشدة ويضايقهم كثيرا في دفع ما عليهم من المرتبات الأميرية بخلاف الولاة الذين كانوا قبله ، ومع هذا فإنه لم يخل من الطمع النفسي والنفع الذاتي. وبالجملة فقد كانت مدة ولايته أعيادا ومواسم وحمدت سيرته وآثاره وخلدت له في الشهباء ذكرا جميلا.

سنة ١٢٩٩

في شعبان من هذه السنة فصل لواء دير الزور عن ولاية حلب وجعل متصرفية على حدة ، ذكرت ذلك الفرات في عدد ٦٩٥ ، وذكرت في عدد ٦٩٧ أن جميل باشا سعى بترميم المدرسة العصرونية لتتخذ مكتبا ابتدائيا.

٣٧٣

سنة ١٣٠٠

بناء المكتب الرشدي تحت القلعة

قال المشاطي في مجموعته : في هذه السنة اشترت الحكومة دورا تحت القلعة من الحاج عبد القادر العكام والحاج محمد الحمامي وغيرهما وإلى جانبها مزار أم الصالح أيوب (هكذا) جانب سوق الضرب وعمر الجميع جميل باشا مكتبا كبيرا ، وكان المعتمد على العمارة أحمد بيك العادلي واحتفل يوم وضع الحجر الأول وكان ذلك في شعبان.

أقول : في المكان الذي أشار إليه المشاطي بأنه مزار أم الصالح أيوب كان تربة الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين الشهيد ، وكان في خانقاه بنتها أم الملك الصالح وكان بجانبها خانقاه أخرى ومدرسة ، وإليك بيان ذلك :

قال أبو ذر في تاريخه : (خانقاه) أنشأتها السيدة أم الصالح إسمعيل ابن العادل نور الدين الشهيد تحت القلعة إلى جانب السيفية المتقدم ذكرها في المدارس في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ، وبنت إلى جانبها تربة دفنت بها ولدها الصالح ووقفت على قراء هذه التربة أوقافا من جملتها بستان بظاهر حلب يعرف بالبقعة (١) وشرطت في القارىء أن يكون أعمى ، وغرضها في ذلك أن تحضر القراءة بنفسها وأن لا تحتجب منهم ، وأما الخانقاه فمن جملة أوقافها حصة بقرية كفر كرمين من عزاز.

وقال أبو ذر في الكلام على (المدرسة السيفية) : هذه المدرسة غربي خندق القلعة أنشأها الأمير سيف الدين علي بن علم الدين سليمان بن جندر ، انتهت سنة سبع عشرة وستمائة ، وعلى حائطها الشرقي مكتوب شرط الواقف أن يدعى للخليفة الناصر لدين الله وللسلطان الذي في أيامه قبل الدعاء لواقفها ، وأن يدرس فيها مذهبا الإمامين الشافعي وأبي حنيفة رضي‌الله‌عنهما ، وعلى حائطها أنها وقف على الشافعية. ثم قال بعد أن ذكر من تولى التدريس فيها : وقد عمرها شيخنا (ابن خطيب الناصرية) لما ألزمه قصروه بعمارة المدارس وفتح لها شبابيك في شرقيها ، ومن جملة أوقافها حصة بقرية أسلايين من عمل سرمين وحصة بقرية المالكية من عمل أعزاز وحصة بقرية قيبار.

__________________

(١) هذا البستان لا زال موجودا ويعرف بكرم البقعة وقد صار ملكا من مدة لا أعلمها وتداولته الأيدي وهو الآن في ملك أولاد أبي شالة.

٣٧٤

وقال في الكلام على الخوانق : خانقاه : أنشأها سعد الدين كمشتكين الخادم مولى بيت الأتابك عماد الدين قرب دور بني العديم وتوفي سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. قلت : بيت بني العديم اندثر في محنة تيمور وصار كوما عظيما عقب فتنة تيمور وكان ملاصقا للمدرسة الصلاحية (هي المدرسة المعروفة الآن بالبهائية) من جهة الشرق ، وكان عمارة عظيمة على بابه قناطر بلق ، وفي أيامنا شراه شخص يقال له جمعة الفاعل وحرر منه ترابا كثيرا وخرج فيه بئر ماء ، وإلى جانبه بيت الشريف نقيب الأشراف ، وإلى جانب هذه الدار بوابة من الرخام الأصفر ثلاث قطع (١) وهي باقية واندثر داخلها وعمره الناس أملاكا ، ولعل هذه الخانقاه المذكورة هذا المكان ، والآن يعرف هذا المكان بالقلقاسية نسبة إلى شيخ كان ساكنا بها يكره أهل القلقاس ، وهناك خانقاه أخرى بالقرب من آدر الشريف الهاشمي بدرب لا منفذ له وتسمى بخانقاه طاوس ، فيحتمل أن تكون هذه ويحتمل أن تكون المتقدم ذكرها اه.

وفي ليلة دخول العساكر الشريفية إلى حلب سنة ١٣٣٧ أحرق بعض الغوغاء الطابق العلوي الشمالي من هذا المكتب ونهب منه كثير من الآلات الدراسية وبئس ما فعلوا ، ومنذ سنتين رممته دائرة المعارف واتخذت هذا المكتب مكتبا ودارا للصناعة ، وكان بينه وبين باب سوق الضرب مكان خرب واسع بنته دائرة النافعة هذه السنة وألحق بالمدرسة المذكورة ، ولعل هذا المكان هو المدرسة السيفية التي قدمنا ذكرها.

اتخاذ المدرسة الجرديكية مكتبا ثم حانوتا والكلام عليها :

وفي أواخر هذه السنة اتخذت مدرسة الجرديكية الكائنة في سوق السويقة مكتبا ابتدائيا بعد أن كانت قهوة ، وقد كان يعلم الأطفال فيها الشيخ فريد الأيوبي الخطاط ولا زال في الأحياء ، وبعد توجه جميل باشا بمدة وجيزة اتخذ هذا المكتب دكان طباخ وبقي على ذلك أزيد من ١٥ سنة ، ومنذ عشرين سنة عمرته دائرة المعارف واتخذته مخزنا واسعا للتجارة يباع فيه الأقمشة وهو على هذا إلى يومنا هذا.

__________________

(١) هذه القطع الثلاث لم تزل موجودة إلى الآن وهي في غربي المكتب وطرفها الغربي داخل في بنيان الخان المعروف بخان خاير بك وعلى هذا تكون دور بني العديم ودار بيت الشريف نقيب الأشراف قد دخلت في بنيان الخان.

٣٧٥

الكلام على هذه المدرسة :

قال أبو ذر في كنوز الذهب : هذه المدرسة بسوق البلاط لها باب من السوق المذكور ينزل إليها منه بدرج وباب آخر من درب شرقيها وهي ملاصقة للصاحبية ، أنشأها الأمير عز الدين جرديك النوري في سنة تسعين وخمسمائة وانتهت في سنة إحدى ، وأول من ولي تدريسها الشيخ مقرب الدين أبو حفص عمر بن علي بن محمد بن فارس بن عثمان بن قشام التميمي الحنفي ولم يزل بها إلى أن عزل نفسه سنة ٦٤٤ ، ثم قتل في بيته عند استيلاء التتر على حلب ، ثم وليها بعده صفي الدين عمر بن زقزق الحموي ثم توجه إلى حماة سنة ٦٥٢ ، وتولى بعده محيي الدين محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن النحاس ولم يزل إلى أن انقضت الدولة الناصرية ، ومن جملة وقفها حصة بكفر نوران ، والفقهاء الحنفية يتناولون من وقفها ، وجرديك هو الذي تولى قتل شاور بمصر وقتل ابن الخشاب بحلب ، وكان بطلا شجاعا ولي إمرة القدس لصلاح الدين وتوفي سنة أربع وتسعين وخمسمائة.

وقال ابن الشحنة في الدر المنتخب : وقد وصل تدريسها ليدي إلى أن نزلت عنها لولديَّ أيضا. وذكرها رضي الدين الحنبلي في تاريخه در الحبب وقال : إن تدريسها وصل إليه.

سنة ١٣٠١

تعمير المستشفى تحت القلعة

في ربيع الثاني منها بوشر بجمع الإعانات لأجل تعمير مستشفى للغرباء تحت القلعة. وفيها أسس مكتب ابتدائي في جامع الزينبية في الفرافرة ومكتب في جامع البهرمية ومكتب في المدرسة العثمانية ومكتب في جوار الشعبانية ومكتب في جوار القشلة ، وكلها ابتدائية يعلم فيها القرآن العظيم والخط ومبادي الحساب وشيء من الفقه لا غير. وفيها عمر حائط القبلية في المدرسة السلطانية الكائنة تجاه باب القلعة.

ذكر عدد نفوس الأهالي في هذه السنة :

في هذه السنة حررت نفوس أهالي حلب فبلغت كما ذكرته جريدة الفرات في عددها ٧٧٢ المؤرخ في ٨ رجب من هذه السنة :

٣٧٦

في هذه السنة رمم جسر مراد باشا الواقع في طريق إسكندرونة (فرات عدد ٨٧٤)

غرائب المخلوقات :

وقالت في عدد ٧٨٢ المؤرخ في ٢٩ رمضان من هذه السنة : في هذه الأيام ولدت إحدى نساء القرباط المقيمين في ظاهر محلة باب النيرب طفلا له رأسان كل واحد منهما بوجه ، محتو على جميع الجوارح سوى أن الوجه الواحد مدور والآخر طويل مخروط ، ولون العينين إحداهما الشهلة والأخرى السواد ، وهو كامل أعضاء البدن ، وقد نزل من بطن أمه ميتا لا حراك فيه أصلا اه.

وفي هذه السنة وجه جميل باشا عنايته لتعمير الثكنة العسكرية في الشيخ يبرق وعمر فيها قسما كبيرا واقتلع كثيرا من الأحجار الكبيرة المبلط بها جبل القلعة ونقلها إلى الثكنة المذكورة.

ذكر بناء جميل باشا داره ظاهر باب الفرج

في هذه السنة أو التي بعدها عمر جميل باشا داره العظيمة ذات الطبقات فوق التربة الدقماقية بأمتار يفصل بينهما الجادة التي تذهب شمالا ، وهي أول دار بنيت بظاهر باب

٣٧٧

الفرج ، ثم سميت هذه المحلة بالجميلية نسبة إليه ، ولم يكن في ذلك المكان ولا خارج بوابة القصب شيء من العمران سوى التكية المولوية ، وكان أمام التكية المذكورة البستان المعروف ببستان الكلاب ويقال [كل آب] وكان هذا المكان مخوفا يخشى على من مرّ منه وحده أن تؤخذ ثيابه عنه ، فصار هذا المكان بعد فتح هذا الشارع آمنا مسلوكا ، وأخذ الناس في البناء في هذا البستان وفوق النهر وتتابع العمران بعد ذلك غربا وشمالا إلى أن اتصل بمحطة الشام غربا وكاد أن يتصل بمحطة بغداد شمالا كما هو مشاهد ، وتقدر الدور التي بنيت في هذه الأربعين سنة تقريبا من ظاهر باب الفرج غربا إلى الثكنة العسكرية المسماة بقشلة الشيخ يبرق شمالا بأربعة آلاف دار وزيادة ، وفي السنين الأخيرة قبل إعلان الحرب العامة كانت تقدر البنايات بثلاثمائة دار في السنة فكان ينتهي في كل يوم دار تقريبا ، وفي مدة الحرب ترك الناس البناء لغلاء الآلات والحجارة وأجرة العملة إلا من كان مضطرا لإتمام ما كان شارعا فيه. وبعد سنة ١٣٣٨ باشر بعض الناس في البناء بالرغم عن غلاء ما ذكرنا ، ونشطهم لذلك غلاء أجرة الدور والدكاكين خصوصا في هذه الأماكن ، ولم يزل العمران آخذا في الازدياد في هذه الأماكن وربما لا تمضي سنون قلائل إلا ويتصل العمران بمحطة بغداد الواقعة في ذيل الجبل المعروف بجبل الخناقية ، وقد بنى الأهالي هناك دورا عظيمة متعددة ، وبنى الأرمن المهاجرون منذ سنتين أو ثلاث شمالي المحطة في ذيل هذا الجبل دورا كثيرة صغيرة من الأخشاب والأحجار.

المكاتب التي افتتحت في زمن جميل باشا :

ذكرت ذلك جريدة الفرات في عدد ٨٠٥ المؤرخ في ١٧ صفر من هذه السنة :

اسم المكتب / المحلة / عدد التلامذة /

العصرونية / الفرافرة / ٧٥ / الجرديكية : / السويقة : / ٦١ / عثمانية : / الفرافرة : / ٧٠ / موتياب أحمد باشا : / وراء الجامع : / ٨١ / جامع الحاج موسى : / السويقة : / ٥١ / حموي : البياضة : ٦٤

رقبان : / سوق بانقوسا : ٤٢ /

(عدد المكاتب ١٣ مكتبا)

اسم المكتب / المحلة / عدد التلامذة / شعبانية : / الفرافرة : / ٤٠

زينبية : / الفرافرة : ٣٩ /

قرماني : / بحسيتا : / ٤٨

بهرامية : / جامع البهرامية : ٧٢

قسطل أقرب : / سوق الدجاج : / ٥٨

أكحل : / ساحة التنانير : ٣٥

٣٧٨

تعمير الرواق الغربي في الجامع الكبير :

كان الرواق الغربي في الجامع الكبير متوهنا فاهتم جميل باشا بأمره واستحصل على إذن من الآستانة بنقضه وتجديده ، ففي سنة ١٣٠٢ بوشر بالعمارة وحضر جميل باشا ومعه مفتي حلب يومئذ الشيخ بكري الزبري وغيرهما من الأعيان والمأمورين ووضع بيده أول حجر في أول سارية عند باب القبلية ، ووضع هناك حقا داخله ورقة ودراهم من ضرب السلطان عبد الحميد ، وفي أثناء العمل ظهر بئر ماء بالقرب من باب الجامع وظهر في الأساس عواميد كبيرة مكسرة ، وكتب على القنطرة الوسطى من الرواق (جدد هذا الإيوان بأمر وإرادة أمير المؤمنين حضرة مولانا السلطان الأعظم الغازي عبد الحميد خان الثاني عز نصره بسعي والي الولاية المشير الأفخم السيد حسين جميل باشا أدام الله إجلاله سنة ١٣٠٢) وعزل جميل باشا في أوائل سنة ١٣٠٤ ولم ينته العمل ، وكمل في زمن ولاية عثمان باشا ولذلك نقش اسم عثمان باشا على الباب الذي هو أمام المدرسة الحلوية والفضل في ذلك يرجع إلى جميل باشا.

تجديد عمارة الحوض فيه :

وفي هذه السنة جددت عمارة الحوض الكبير في صحن الجامع وكتب على رفرافه من نظم الشيخ كامل الغزي هذه الأبيات :

قد شاد هذا الحوض بعد توهن

ملك بما يرضي الإله خبير

عبد الحميد مليكنا الغازي أمي

ر المؤمنين له الثنا الموفور

من آل عثمان الأولى شاد العلى

للمسلمين لواهم المنصور

وبسعي والينا جميل من غدا

يجني المحامد سعيه المشكور

هو قطب دائرة الوزارة وهو في

رتب المكارم والفخار مشير

لما تكامل حسنه أرخته

حوض به للعالمين طهور

قال المشاطي : ويوم المباشرة وضع المأمور عزت آغا حقا صغيرا فيه سكة مولانا السلطان في حجر البناء فوق العمود الذي بين الحوضين والذي يقابلك إذا كان وجهك للشرق.

أقول : وفي أثناء إصلاح هذا الحوض محيت الكتابة التي على طرف جرن الرخام الكبير الذي في وسط الحوض وهو من آثار قرعويه غلام سيف الدولة وقد كتب عليه اسمه

٣٧٩

كما قدمنا ، وهذا مما يؤاخذ به جميل باشا حيث لم ينبه المعمار إلى ملاحظد ذلك. وكذلك محيت هذه الأبيات التي كتبت على رفرافه حينما دهن وذلك في هذه السنة أعني سنة ١٣٤٣.

نقل حوض الماء الذي في الحجازية في الجامع الكبير :

كان في وسط الحجازية حوض صغير وعليه درابزين وكيلات للشرب منه ، ففي سنة ١٢٧٦ وسع وجعل عشرا في عشر ، ثم في هذه السنة نقل هذا الحوض من الوسط وعمر في شمالي الحجازية وجعل أكبر مما كان ودففت أرض الحجازية وجدرانها وبذلك صارت صفوف المصلين فيها تتصل ببعضها ، وجعل بجانبه قسطل كبير يخزن فيه الماء ويستعمل عندما تنقطع المياه من القناة ، ووراء هذا القسطل حجرة ملئت عظاما نبشت من قبور كانت في أرض الحجازية ووضعت هناك وسد باب هذه الحجرة وصار القسطل أمامها.

وبقي الحوض على هذه الصورة إلى سنة ١٣٣٨ ، ففيها رفع هذا الحوض بتاتا وفرش مكانه بالرخام واتخذ في صدر القبلية قسطل له حنفيات وذلك حفظا للماء من النتن ، وقد كان الماء في هذا الحوض لا يمضي عليه يومان إلا ويظهر نتنه لكثرة المتوضئين وبهذا العمل زال ذلك.

وفي هذه السنة أعني سنة ١٣٠٢ أو التي بعدها أرسل إلى الجامع من الآستانة ثريا كبيرة بديعة الشكل وعلقت بالقبة الوسطى من الجامع أمام المحراب الأعظم.

سنة ١٣٠٣

حوادث شتى

في رجب من هذه السنة بوشر بعمارة جامع العمري خارج باب الجنان.

وفي شعبان كملت عمارة جامع في دار الحكومة داخل دائرة العدلية أمام الحوض ، وفيه بوشر بعمارة جامع الزكي.

وفي شوال كملت عمارة دائرة البوسطة والتلغراف [البريد والبرق] بدار الحكومة عن يمين الداخل إليها.

وفي ٢٢ ذي الحجة وصل إلى حلب صاحب بك رئيس دائرة المحاكمات في شورى الدولة للتحقيق عن الخلاف الواقع بين والي حلب جميل باشا وبين بعض الوجهاء.

٣٨٠