إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٧

سنة ١١٨٤

قال الطرابلسي : في ١٥ جمادى الأولى من هذه السنة نزلوا الصنجق من القلعة إلى بيت الطرابلسي وكان يوما عظيما ، وفيه قامت الأشراف وقوموا معهم أهالي البلد في مجيء محمد باشا ابن العظم وما أدخلوه إلى حلب ، وفي جمادى الثانية جاءت الأخبار بأن عبد الرحمن باشا والي بيلان صار له منصب حلب فقامت الأشراف وجميع أهالي البلد معهم وأعطوا جوابا في عدم دخوله إلى حلب وكلهم مسلحون ليلا ونهارا ، ودخل بعد الصلح مع أهالي البلد في ١٦ جمادى الثانية من هذه السنة ، وفي ١٨ رجب ليلة الأربعاء قامت الأشراف على الباشا في السرايا وحاصروه وصار بينهم الضرب بالرصاص وصار القتل من الطرفين.

سنة ١١٨٥

قال الطرابلسي : في ٢٧ ربيع الأول جاء إلى حلب حضرة حسين باشا الداماد معينا واليا عليها. وفيها نفى حسين باشا ابن العمادي إلى قلعة البيرة وبعد أيام أرسل فقتله وأرسل رأسه إلى الدولة.

سنة ١١٨٦

كان الوالي فيها حاجي عثمان باشا كما في السالنامة.

سنة ١١٨٨

كان الوالي فيها محمد باشا كما في السالنامة.

سنة ١١٨٩

ذكر ولاية الحاج علي باشا جه طلجلي

قال الطرابلسي في مجموعته : وفي غرة جمادى الثانية سنة ١١٨٩ دخل إلى حلب الحاج علي باشا جه طلجلي واليا عليها دخلها من باب المقام ، وبعد مدة أظهر الجور

٢٨١

والتعدي وصار يظهر المظالم والبدع ، ففر غالب البازركان ووجوه الناس ومن له شهرة ، وفي رمضان رفع الأعيان إلى السجن وضيق عليهم وأخذ منهم مائة ألف غرش وقتل السيد خليل ابن النواني باش جاويش النقيب ، وضاقت الناس ذرعا إلى أن أخرج آغوات البلد والأوجاقلية في معية كتخداه كوسا كاهيه لقتال التركمان وصار يخرب القرى ويسلب أموالها في الطريق إلى أن وصل لجسر الشغر وحاصرها وأرسل يطلب مددا من الباشا ، فأخرج دلالا ينادي في حلب بخروج باقي الأنكجارية لإمداد كاخيته وهو إذ ذاك محاصر الجسر فأبوا وامتنعوا عن الرواح.

وفي ١٧ شوال من هذه السنة رفع علي باشا كتخداه نقيب زاده السيد مصطفى الطرابلسي وأرسله بالعساكر لخارج البلد إلى قتال التركمان وصار أبو بكر آغا أمين الجبّول كتخدا حلب.

وفي ليلة السبت ويومه سلخ شوال قامت أهالي البلدة بأجمعها على والي حلب علي باشا الجطلجلي وحاصروه في سراي حلب حصارا عظيما وضايقوه وبطل الأذان ستة أيام. وفي اليوم الثاني من ذي القعدة ضرب دزدار قلعة حلب الحاج طه الزنانيري على المسلمين الموحدين من القلعة رصاصا خزنويا. وفي اليوم السادس من الشهر المذكور أخرجوا الباشا مع جماعته من باب الفرج وشبكوا التفنك على رأسه مثل الجملون من دار العدل إلى باب الفرج والنساء خلفه بالزغاريط والأولاد بالشتم الشنيع وصار نهارا مهولا.

وفي اليوم التاسع فتح من أبواب البلد باب أنطاكية وباب النصر والمدينة جميعها فتحت مع أبواب الخانات ونزل هو في تكية الشيخ أبي بكر ومكث يومين وليلة ، ثم سافر إلى خان طومان بجميع عساكره وكتخداه ومكث في الخان سبعة عشر يوما ورحل في يوم الخميس إلى قصبة سرمين ، وبعده بيومين رحل كتخداه إلى سرمين وأخذ معه المدافع واستقامت البلدة محاصرة كما كانت أولا.

وفي ٢٧ من ذي القعدة ورد الأمر العالي بمتسلمية حلب إلى كوجك علي آغا زاده الحاج محمد آغا إلى حين تشريف أحمد باشا عزت والي القرص.

وفي اليوم الخامس عشر من ذي الحجة فتحوا باب الفرج بأمر القاضي والأعيان. وفي شوال من هذه السنة صار المطر في هذه البلدة ليلا مع نهار كأفواه القرب من غير فاصل خمسة وأربعين يوما ودام إلى العاشر من ذي الحجة ، صار الزود في نهر قويق كل يوم أكثر من يوم إلى اليوم الثالث عشر زاد النهر حتى قلب من فوق جسر باب الجنان من بين

٢٨٢

الداربزينات ، ومن جسر باب الفرج دخل الماء من شبابيك قصر بستان الشاهبندر مقدار ذراع أو أكثر ، ومن عند الجغيلات قلب الماء ودخل من شبابيك إيوان بستان الأريحاوى مقدار ذراع أو أكثر ، ودخل الماء في حارة المشارقة والورّاقة إلى البيوت وهدم غالبها ، وأما الورّاقة فلم يبق منها بيت ، وفي هذه المدة صار في جميع البلد وقوع بيوت وجدران وستائر وكل ذلك لم يحصل منه ضرر والحمد لله ولم يقتل سوى شخص واحد قصّاب من أهالي محلة البيّاضة من بيت علامو.

سنة ١١٩٠

إسناد متسلمية حلب إلى أبي بكر آغا أمين الجبّول

قال الطرابلسي : وفي ٢ محرم الحرام سنة ١١٩٠ جاءت متسلمية حلب من قبل غازي أحمد عزت باشا إلى أبي بكر آغا أمين الجبّول وضبط أحكامها.

وفي ١٥ منه جاء السيد حسين آغا صاري كوله أوغلي سردار حلب سابقا من كلّز ودخل إلى بيته بعد المغرب فجاء اليكيجارية وهجموا على بيته بالسلاح وضربوه وضربوا جماعته وأصابه ضربان وخربوا بيته وأحرقوه واستقام جريحا ثلاثة أيام ، وفي الثامن عشر منه توفي إلى رحمة الله. وفي ذلك اليوم بعد العصر رفع المتسلم اثنين إلى القلعة الواحد حمو التت والثاني ابن العجمية. وفي ٢٤ من صفر طلع متسلم حلب أمين الجبّول وصحبته آغوات وعساكرها والآلايات لقتال أشقياء اللاوند ، ويوم الجمعة وقع الحرب بين الطائفتين وانكسر المتسلم بعساكره وأسروا متسلم حلب وقدور آغا حمصه وابن عبد السلام دالي باش ، وقتل من عسكر حلب أكثر من مائة واحد ، وصار القتال بين الفريقين في خربة معراته بين خانطومان والراموسة ، وبعد ذلك فكوا المأسورين بمائتي كيس وعشرين كيسا دراهم وعشرة من الخيل وعشرة فروات وعشرة قبابيط جوخ وخمسين جزمة وثلاثة قناطير ونصف قهوة حبا وأطلقوهم بعد ثلاثة أيام وصار في هذه الوقعة شيء فظيع.

ذكر قدوم أحمد عزت باشا في هذه السنة

قال الطرابلسي : وفي ربيع الأول دخل غازي أحمد عزت باشا إلى حلب وضبط أحكامها. وقد تقدم ذكر تعيينه واليا عليها وتوكيل أمين الجبّول من قبله لحين وصوله. وفي

٢٨٣

١٨ من شهر ربيع الأول جاء الخبر أن أشقياء اللاوند القبسيين جاؤوا إلى قرى حلب مقدار ١٨٠٠ خيّال ، فخرج أحمد عزت باشا من البلد إلى تكية الشيخ أبي بكر وصحبته جميع الأعيان وأرسل مناديا يأمر اليكيجارية والأشراف والسباهية والرعايا أن يخرجوا معه لقتال اللئام وأرسل إلى جميع النواحي مرسوما يستدعيهم للقتال ، وفي اليوم الثاني أرسل خنكارلي زاده إلى الراموسة وعيّن معه العسكر بتمامه وسيّره إلى الراموسة وبقي الباشا في التكية ومعه المدافع وبات العسكر ليلة واحدة في الراموسة ، وفي اليوم الثاني رجعوا إلى حلب وأمرهم الباشا أن يأتوا إلى الشيخ أبي بكر لأجل أن ينزل صحبة العسكر بالألاي إلى السراي.

سنة ١١٩١

قال الطرابلسي : وفي ١٩ رجب دخل الحاج إبراهيم باشا من عتقاء أولاد العظم إلى حلب واليا وتعاطى الأحكام ، وعيّن أحمد عزت باشا على المدينة المنورة.

سنة ١١٩٢

قال الطرابلسي ما ملخصه : في صفر من هذه السنة قام الناس على القاضي من قلة الخبز ، فأخذوه معهم إلى السرايا وأهانوه وصاروا يشتمونه ووضعوه في الجاويش خانه وأرادوا قتله ، فخلصه السيد عبد اللطيف الألاجاتي وأدخله إلى الحاج إبراهيم باشا ولكن بعد جهد ، ثم إن الباشا وعد الناس إلى ثلاثة أيام فانكفوا ، وبعد مرورها أخرجوا مقدارا من الخبز إلى السوق لأجل تسكين الخواطر وبقي القاضي عند الباشا إلى غرة ربيع الأول ، فتوجه من حلب إلى إسلامبول ، وفي هذا الأثناء قدم الناس عرضا يطلبون فيه نقل الحنطة من البيرة إلى حلب بالسعر الواقع معونة للفقراء. وفي ١٤ ربيع الثاني من هذه السنة وصل إلى حلب إمام زاده السيد محمد صادق أفندي قاضي حلب وكان وقورا مهابا ، وفي ١٧ منه جاء الإذن السلطاني بنقل حنطة البيرة وصار الناس يتوجهون إليها لشراء الحنطة وصاروا يشترون الحنطة من هناك في سعر ثمانين والسعر وقتئذ في حلب ١٨٠ مائة وثمانون ، فأحضروا مقدار مائتي مكوك وارتخت الأسعار وصار يباع رطل الخبز بعشرين ، ثم أخذ في التنازل إلى أن وصل إلى ستة ووقف عندها. وكان القاضي المذكور يدور بنفسه في الأسواق وينظر في أمور الخبز وصار يرسل إلى المحكمة أناسا يعاقبهم بضرب العصي وأناسا يرفعهم

٢٨٤

إلى القلعة ، وفي ذلك الأثناء قامت الناس على أحمد الخباز في السقطية وجاؤوا به إلى القاضي فأمر برفعه إلى القلعة فذهب به الناس إلى الباشا ، فحال وصوله إلى السرايا أمر الباشا بقتله ففي الحال قطعوا رأسه. وفي ١٠ جمادى الثاني تقاتل اليكيجارية مع الأشراف وقتلوا أخا شيخ الدقاقين السيد أحمد وجرح اثنان أو ثلاثة من الأشراف وانهزم عدة أشخاص من اليكيجارية فانحازوا إلى محمد الخرفان أمير لواء الموالي بحلب فأرسل أعيان البلد وأكابرهم في طلبهم فما سلمهم وأبقاهم عنده.

وفي ١٢ منه عزل الحاج إبراهيم باشا وتسلم ابن الشيخبندر.

سنة ١١٩٣

ذكر تولية أحمد عزت باشا مرة ثانية

قال الطرابلسي : وفي أوائل سنة ثلاث وتسعين وجّه منصب حلب إلى الغازي أحمد عزت باشا ، وبعد حضوره توجه إلى نواحي أنطاكية واستقام بها عدة أيام ورحل منها إلى جبل الأقرع ، وفي أواسط شعبان ورد الأمر العالي بضبط أمواله لطرف الميري ونفيه إلى مدينة القدس الشريف وعيّنوا لذلك جبان أوغلي قبجي باشي فأتى به من الطريق إلى أن أوصله إلى تكية الشيخ أبي بكر وضبط جميع أمواله وأثقاله وخيله وعراه بحيث لم يبق معه شيئا وأخذه وتوجه به إلى القدس الشريف ورفع عنه أطواخه.

أقول : لا ذكر لهذا الوالي في السالنامة.

قال في قاموس الأعلام : هو كوتاهي الأصل ومن نسل كرميان بك لازم في الباب العالي وصار كتخدا الصدارة العظمى ، ثم نفي ثم صار أمين دار الضرب والترسخانة ثم أعيد إلى الكتخدائية ، وبعد قتل محمد باشا قائد السر عسكر في بكرش عيّن المترجم في موضعه فأبرز غاية الشجاعة والمهارة ، ثم على التعاقب عيّن واليا في ودين وأرضروم وحلب ، ثم صار محافظ المدينة المنورة ، وفي سنة ١١٩١ وقع منه تقصير في بعض وظائفه فعزل وعيّن متصرفا للقدس ، وفي سنة ١١٩٣ عزل من ولاية حلب وصودرت أمواله ثم أعيد لمتصرفية القدس ، وفي سنة ١١٩٥ عيّن محافظا لخوتين فتوفي هناك اه.

وذكر جودت باشا في تاريخه في حوادث سنة ١١٩٥ أنه بوشاية بعض الواشين عزل من حلب ونفي إلى القدس وصودرت أمواله ، ولما توجه إلى القدس خرج عليه قطاع

٢٨٥

الطريق وسلبوا منه ما كان باقيا معه من أمواله ولم يبق معه شيء أصلا ، وكانت عائلته قد بقيت في حلب بعد توجهه مدة سنة ووصلت إلى غاية من الفقر بحيث صار بعض أهل الخير يتصدقون عليها ، ثم بعد ذلك أعيد المترجم إلى رتبة الوزارة وعيّن إلى سنجق كوستنديل من بلاد بلغاريا الآن اه.

ذكر تولية حلب لعبدي باشا

قال الطرابلسي : ومن حين عزله وجّه منصب حلب إلى الوزير عبدي باشا سر عسكر أناطولي وفوّض له تفتيش عينتاب وكلز وأعزاز وعينوا في معيته خزينه دار شاهين علي باشا ، فجاء عينتاب قبل عبدي باشا فحاصرها أياما ثم دخلها سلما واستقام بها إلى أن وصل عبدي باشا في سلخ ذي القعدة وأحضر بمعيته عمر باشا بن رشوان وأرسل منشورا إلى أنطاكية ومثله إلى حلب يستدعي جميع آغوات البلدتين اليكيجارية فيهما داخلا وخارجا حسب المنشور ، فبادر الجميع وأسرعوا في التوجّه لطرفه في أوائل ذي الحجة وكان سبقتهم أنكجارية أنطاكية وأعيانها صحبة سردارها فتح الله آغا ابن قرجا إبراهيم ، وكان وصول أعيان حلب قبل العيد وتأخّر عنهم في الرواح باكير آغا الجبولي حيث إنه كان متسلما من قبله والسيد أحمد أفندي الدوركلي ، فإن هذين توجها في أواسط ذي الحجة ، وفي أثناء ذلك وردت أمانة الكمشخانة للمرقوم فاستأذن من الباشا ورجع إلى حلب وتأهّب للسير لناحية الكمشخانة حسب مأموريته.

ثم إن الباشا أنزل أعيان البلد في قناقات وذلك بعد ما وقع في عينتاب من قتل نفوس وسلب أموال وهتك أعراض بصورة فوق الحد ، ولما شاهد ذلك شاهين علي باشا لم تطاوعه نفسه بالبقاء بعد أن رأى ما رأى من المظالم الشنيعة فتوجّه إلى حلب فلم يحصل له بها إقبال ولم يخرج أحد لملاقاته حسب أمر عبدي باشا ، وسار لمنصبه يائسا ، وكانت توجهت محصلية حلب إلى الحاج مصطفى آغا شيخبندر زاده فاستأذن من الباشا فلم يأذن له بالتوجه لحلب وأمره أن يوكل على المحصلية ابنه قدور آغا فأرسل له الأوراق ووكّله في الضبط ، وكان ذلك في غرة محرم سنة ١١٩٤.

سنة ١١٩٤

وفي أثناء ذلك ظهرت دعوى على الحاج طه الزنانيري دزدار قلعة حلب وابنه يس آغا ، فطلبهما الباشا وحبسهما ووقع السقف عليهما فماتا في آن واحد ، وبعد أن ضبط

٢٨٦

عبد القادر آغا (سماه آنفا قدور آغا للعادة المتعارفة) وكالة عن أبيه بشهرين مرض أبوه مسموما وتوفي في الأوردي في سلخ صفر سنة ١١٩٤ فقرر الباشا أمر المحصلية استقلالا على قدور آغا.

وفي أوائل ربيع الأول رحل الباشا بعساكر كالرمال إلى بلدة كلّز ، وكان قد أنذرهم قبل ركوبه وأرسل لهم متسلما فردوه وظهر منهم أمور خارجة عن العادة ، ثم في أثناء ركوبه أرسل لهم ثانيا القبوجي باشي المعين في معيته وأمرهم أن يخرجوا أهل العرض والرعايا لطرف الباشا وتبقى الأشقياء ، فأجابوه بلسان واحد : ليس في بلدتنا أهل عرض أصلا بل كلّنا أشقياء ، ولما أخبر الباشا بذلك زحف على كلّز بعسكره وحاصرها وأخذ تربة شرحبيل ووالى المدافع ناحية البلد وصار يغض النظر عمّن انهزم ، ودخل البلد عنوة وفتحها قهرا ووقع القتال والنهب في كلّز وهتكت أعراض وأزيحت بكارات بنات وذبح أطفال ولم يسلم من شائبة سوى دار مقتول دلي خليل باشا ومن التجأ إليها ، وبعد ذلك قرر في كلّز كورد محمد آغا متسلما بها ، ثم رحل عنها وتوجّه لناحية قصبة أعزاز بعساكره وأثقاله ونزل بها مقدار أربعة أشهر ، وفي أثناء المدة الأولى عزل أبو بكر آغا متسلم حلب وطلبه إليه وولى مكانه متسلما محمد آغا خنكارلي زاده ، فتثاقل أبو بكر آغا في الرواح ، ثم توجّه نحوه فلما وصل إليه سجنه وأظهر أن في ذمته أموالا يطلبها ، فصار أبو بكر يبيع أمواله وأثقاله إلى أن باع جميع ما تملكه يده ولم يبق شيئا ، فعل ذلك وهو مسجون لم يتخلص ، والطلب لم يزل باقيا عليه فصار أقاربه وأصحابه ومن يلوذ به يعاونونه ثم استدانوا فوق الجميع إلى أن رضي الباشا!!

واستمر محبوسا نيفا وسبعين يوما ، ثم أرسله نفيا إلى قلعة أرواد من أعمال طرابلس الشام وعيّن معه بيارق دالاتية فقاموا به من الأوردي وتوجهوا لناحية اللاذقية ، ففي ذهابهم كلما مروا على قرية من قرى حلب وضعوا له الأغلال وعذّبوه وهددوه بالقتل وأهالي القرى تترجى فيه وتبذل لأشقياء الدالاتية دراهم ليكفوا عنه ، واستمروا على ذلك إلى أن وصلوا إلى قلعة أرواد بعد أن رأى الموت عيانا مرات عديدة وهو يستغيث فلا يغاث ، وكل ما وقع من عبدي باشا كان بتقريب من لا يخاف الله تعالى وبتشويق بعض أتباعه ككاتب ديوانه وأحد أعيان حلب وغيرهم. وفي اليوم الرابع والعشرين من رجب توجّه كاتب الديوان وابن جبان إلى دار أحمد أفندي الخنكارلي وابنه إذ ذاك كان متسلما فطلبوه من الحرم بعد ما أحاطوا بداره بالتفكجية المسلحين بالسلاح الكامل ولم يشعر أحد ذلك الوقت ، فخرج

٢٨٧

إليهم وتلقاهم أحسن ملتقى وجلس لمؤانستهم فلم يشعر إلا وقد أحاط به الجند من كل جانب وقبضوا عليه وذبحوه وجزّوا رأسه ورجعوا به إلى السرايا ، وفي الحال أركبوا ابنه محمد آغا المتسلم وأركبوا أيضا كواكبي زاده السيد أحمد أفندي وعيّنوا معهما بيارق فأخذوهما والرأس وخرجوا بهم من باب قنسرين إلى أوردي عبدي لناحية أعزاز فحبسوهما في جادر وركزوا الرأس حذاء ابنه. وفي اليوم الثاني نفي كواكبي زاده إلى قلعة البيرة وعيّن معه بيارق فصاروا يفعلون فيه أمثال الجبوط (هكذا) وأضعاف ذلك ، وبعد ذلك أرسل الرأس للدولة العلية وحرّر في تعريفه بأن الذي يأخذ البغاة من طرفه ويعصى بالمال الأميري هذا جزاؤه. ووجّه نقابة حلب إلى لطوف بيك عادلي زاده والمتسلمية لكوجك علي آغا زاده محمد سعيد آغا ، وبعد ذلك رحل الباشا بالأوردي لطرف حلب ونزل هو في تكية الشيخ أبي بكر في غرة شعبان المعظم واستمر في تعيين مباشرين على أهل البلد والقرى وصار يسلب أموال الناس والقتل مستمر وفي سجونه أكابر ومشايخ وأشراف خلا الرعايا وأهل الذمة شيء كثير ، وأما عساكره في البلدة فشيء زائد ، وأما ارتكابهم فعل القبايح مثل لعب القمار والزنا واللواطة فشيء لا يوصف ، وأما شربهم الخمور متجاهرين في الأزقة والشوارع فهو شرب الماء نعوذ بالله تعالى.

وفي آخر يوم من رمضان أتت أوراق النقابة إلى لطوف بك العادلي ولبس خلعتها ثالث يوم العيد ، وفي اليوم الثاني من العيد توفي أسبير أفندي المفتي ودفن في الجبيل. وفيه قتل الباشا ثلاثة أنفار شلحوا يهوديا في باب النصر الواحد تحت القلعة والثاني في القصيلة والثالث عند سبيل محرم ومسك من أتباعه تفكجي لغلام وسخمه في الدكان فمسكوه في حمام القاضي ورفعوه إلى القلعة على أعين الناس ، وبعد أيام أنزلوه من غير تكدير.

وفي ٣ شوال من سنة ١١٩٤ أخذ من كل حارة بغلا وإكديشا وقتل التفكجي الذي فعل الفاحشة مع غلام لأجل تسكيت الناس على البغال. وأتى جماعة الباشا إلى محلة باب النصر وصاروا ينظرون الدور المناسبة للقناقات وكلما رأوا دارا مناسبة أخرجوا منها النساء وأخذوا مفاتيحها.

واشتروا للباشا بقرة صفراء وبقرة سوداء حتى يشرب لبنها وصاروا كلما سمعوا في بقرة عند شخص يأخذونها. وخربوا جهات باب الله (بابلّا) لأنه كان مقيما في تكية الشيخ أبي بكر ، ثم رحل إلى الراموسة وضربها وخرب بستانها.

٢٨٨

وفي ٢٦ شوال أرسل ابن قره ملا مصطفى آغا متسلما على كلز وفيه نهب ابن عمه قرية عنجاره وحور وغيرها بإذن الباشا.

وفي ٢٩ منه بلغ سوء فعل أتباعه أن كسروا غراريف بساتين حلب ودواليبها وأخشاب بيوتها وطياراتها من حدود قرية باب الله (بابلّا) إلى قرب بستان الدباغة وحرقوها وحرقوا أخشاب قرى البلد بأجمعها وسلبوا متاع حرمها ونهبوا أغنامها وسائر مواشيها وتركوها قاعا صفصفا إلا ما قلّ وحماه الله من كيدهم من القرى الغربية البعيدة عن ممر طريقهم ، وقطع جريمة ابن العبد بأربعين كيسا بعد سلب أمواله ، وأرسل الباشا إلى محصل حلب وسأله : أيش قدر تكلف فرش السرايا عليك؟ قال له : مائة كيس ، فقال له : بدّي ثمن الفرش عليّ دراهم لله وله مرادي أرسلها ، فأخذها منه.

وفي ختام سنة ١١٩٤ رحل عثمان باشا وتوجه ناحية كلز ونزل في بيوتها ، ثم طرح عبدي باشا ضرائب على الأهالي داخلا وخارجا من جمال وبقر وغنم ومعز وملح وفستق وبن وشب وتنباك وقطن وحرير وحنطة وشعير وغير ذلك.

سنة ١١٩٥

قال الطرابلسي : فيها في محرم الحرام طرح عبدي باشا على النصارى ألف غنمة بستة عشر كيسا وطرح تسعمائة على اليهود بمثل ذلك.

وفي آخر يوم منه دخل عثمان باشا البلد ونزل عساكره في جميع البيوت حتى الأكابر مثل دار عمر أفندي وجلبي أفندي وطرابلسي زاده وكواكبي زاده وبيت الزعيم وأمثالهم مع ما يلزمهم ، ثم طرح على القصّابين سبعمائة أذن غنمة فأغلقوا الدكاكين وانهزموا.

ذكر ذهاب عبدي باشا من حلب

وفي عاشر صفر رحل عبدي باشا من حلب وصحبته ٣٦ يدكا مسومة وأربعون في الجنازير ولله الحمد على خلاص الفقراء.

وفي الحادي عشر منه نبه عثمان باشا على الأسواق أن تفتح وأن يعود الناس إلى بيعهم وشرائهم وأن كل من اشترى منه العسكر شيء ولم يعطه المشتري الثمن أو نقصه منه شيء أو تعدى عليه أحد ولم يخبر به الباشا يشنقه على دكانه ، وكل دكان لا يفتحها صاحبها

٢٨٩

ينهبها ويشنق صاحبها ، ونبه على أهالي القرى أن تخرج إلى قراها وتتعاطى زراعتها وأن ما مضى لا يعاد (لكن بعد خراب البصرة). وفي اليوم الثاني أرسل مناديا ينادي بأن من وجد في البلد من أتباع عبدي باشا لا يلومن إلا نفسه ، ونبه أن لا يحمل أحد السلاح وكل من وجد من أهالي المحلات خارجا عن الطريق المستقيم فعلى جيرانه أن يخبروا عنه ليقتله ، ومن يشهد جيرانه بحسن حاله فلا سبيل لأحد عليه ، وصار يقتل كل من أخبر عن سوء حاله فقتل عدة أشخاص.

وفي ١٨ منه طلب عثمان باشا من أهل القلعة دراهم مثل عبدي باشا. وفي ١٩ ربيع الأول نزل عثمان باشا عند عبدي باشا وحبس السردار عثمان بيك العادلي ، وأتى طاطار (ساع) إلى عبدي باشا من طرف الدولة فقتله ونهب عبدي باشا وهو في عندان ثلاث قرى. وفي ٢٥ منه رحل من عندان إلى ما فوق عينتاب.

وفي ٥ ربيع الثاني دخل قاضي حلب ، وبعد ثلاثة أيام أتى الباشا إليه فشرط عليه القاضي أن لا يرفع أحدا إلى القلعة إلا بمراسلة الشرع ولا يقتل أحدا إلا بالوجه الشرعي. وفي هذا الأثناء أرسل عبدي باشا يطرح على الناس بقرا وجمالا مع يزيد أوغلي ، فلما سمع القاضي أحضر يزيد أوغلي وقال له : أفنديك يرينا فرمان أن منصب حلب عليه حتى نطرح له ذلك ، وأغلظ له الكلام وقال له : الحق بباشتك وهذا شيء لا يصير في أيامي ولا يتم. ثم إن القاضي أطلق المحابيس الذين هم في القلعة حيث لم يكن لهم شيء من الجريمة.

وفي اليوم الثاني دخلت امرأة على القاضي ومعها شيء مغطى فظنوه هدية منها ، فكشفوا الغطاء فإذا بعظام غنم وآذان وقالت للقاضي : لو كنت في بلاد الإفرنج ما فعلوا معي ذلك ، فلما سمع القاضي بذلك أحضر العلماء وعقد مجلسا عاما وأرسل أخبر للباشا ، فرد الجواب أن الذي مضى لا يعاد ولا يباع شيء إلا بالسعر الواقع.

عزل عثمان باشا وتولية الحاج يوسف باشا ابن العظم

قال الطرابلسي : وفي ٧ جمادى الأولى عزل عثمان باشا وصار المنصب للحاج يوسف باشا ابن العظم. وفي ١٠ منه رجع عبدي باشا إلى نواحي حلب ونزل في خانطومان وأرسل طلب ذخيرة من البلد فما أعطاه القاضي ، فقال نعمان آغا ابن الشيخبندر : نخاف من سطوته ، فقال له القاضي : أنت أعطها وحدك ، فنهب الباشا

٢٩٠

مواشي الخان وغيره ورحل في اليوم الثاني وعرضوا المتسلمية على الأعيان فما قبلها أحد خوفا من عبدي باشا لئلا يؤتى أحد من قبله.

وفي ٢٤ منه رحل عثمان باشا وأخذ من كل محلة بغلا وأطلق خيله على الزرع وقتل ثلاثا من النساء في باب الله (بابلّا).

وفي ١٥ جمادى الثانية دخل يوسف باشا ابن العظم إلى حلب ومعه أولاد رستم وخدم في بابه ابن العبد ويزيد أوغلي وجرم أولاد رستم ثلثمائة كيس وصار يأخذ مماليك وجواري من أصحابها مجانا قهرا.

وفي غرة شعبان صار يحصر البازركان وغيرهم ويكرمهم ويقول لهم : أنا وزير اقشعوا خاطري ولا يعلم بها أحد حتى لا يمشيها غيري ، وأرسل طلب من كل قرية حصانا.

وفي ٢٥ رمضان رحل يوسف باشا وصار متسلما قدور آغا.

وفي ١٦ ذي الحجة صارت النقابة على السيد مصطفى أفندي جابري زاده.

سنة ١١٩٦

قال الطرابلسي : في ٢٢ صفر ضرب ابن عمو قفل الشام بقرب خانطومان فطلع حسين آغا متسلم حلب لقتاله فتصادفوا عند الجب قرب أراضي كفر حمرة فتقاتلوا. وفي هذا الأثناء أتى كرد محمد باشا والي كلز لمعونة المتسلم فأصابه ضرب وقع قتيلا وقطعه الأكراد وانكسر وقتل ابن أخت المتسلم وجرح من الدالاتية ناس كثير غير المقتولين وكان يوما فظيعا.

وفي ٢٠ ربيع الأول أتى إبراهيم باشا حوالي إدلب وطلب ذخيرة فما أعطوه جوابا ، فأرسل أخذ من حلب مدافع وجبخانة وغير مهمات وأخذ الأنكشارية ، وفي كل ليلة يضرب المدافع ، فضج أهالي إدلب من هذا الحال خصوصا النساء والأولاد ، فتوسط الأعيان والقاضي ودخل الأنكجارية لإدلب ومشوا في الصلح بين الباشا وأهالي إدلب فصالحوهم على ٨٠ كيسا.

وفي ١٥ شوال انعزل إبراهيم باشا وصار حسين آغا متسلما.

٢٩١

ذكر تولية حلب لعلي باشا

قال الطرابلسي : وفي ١٦ ذو القعدة دخل علي باشا قرا واليا على حلب.

وقال جودت باشا في حوادث هذه السنة : كان الوالي في حلب خزينة دار علي باشا. وهذا مما أغفله مرتب السالنامة.

سنة ١١٩٧

في الرابع من جمادى الثانية يوم الاثنين دخل مصطفى باشا والي قونية إلى حلب معينا واليا عليها.

سنة ١١٩٨

في ربيع الأول منها عزل مصطفى باشا وتوجه من حلب.

وفيها صار برد عظيم في ديركوش لم ير مثله وأتلف جميع المزروعات إلى أن عادت الأرض كأنها لم تزرع.

وصار روفائيل بيجوتو قنصلا جديدا عن النامسا وذلك من البدع الجديدة التي أحدثتها الدولة.

ذكر تولية حلب لعبدي باشا

فيها في شعبان وصل إلى حلب عبدي باشا ، وفي أول الأمر أخذ في العدل وإنصاف الظالم من المظلوم ، وبعد مدة قليلة أخذ في الظلم والجور والتعدي بشكل لم يسبق له مثيل إلا سميه الأول وبقي يأخذ موضع القرش أربعة.

ودار على المحلات ونقض جميع الدعاوي والأمور الماضية وأحضر الخبازين والصواصنة وقال لهم : أنتم قتلتم صوصانيا ودهوره الخبّازون ، وجرمهم ألفا ومائتي قرش ، فصار الخبز لذلك بخمسة وعثماني إلى أن صار بستة مصاري ولم يلتفت إلى ذلك ، وصار يجرم المحلات على قدر ما تصل إليه أوامره وصارت حبوسه ملأى بالناس وصادر النحّاسين والفرّايين.

٢٩٢

وفي غرة ذي القعدة دخل عبد الله باشا ابن العظم إلى الميدان (مفتشا على عبدي باشا).

وفي ٣ منه أتى لعبدي باشا تقرير المنصب عليه وعمل طيفور بك فرحا عظيما ليلا مع نهار. وفي الساعة الرابعة أتوا وختموا أماكنه وقالوا له : عليك حساب وأنت مطلوب للدولة.

ويوم الخميس (في أواخر ذي القعدة) سدوا بوابة الطيارة ولم يزل ضرب الرصاص والناس ليلا مع نهار تحت السلاح ونزلوا تفنكا من القلعة وخربوا حمص خان والتفتيش واقع على العوانية والغمازين خصوصا على من كان تفكجيا في السراي ، وأظهروا الخط الشريف الوارد في إبطال البدع ورفع المظالم وسجلوه في المحكمة وكتبوا أربع عرائض في جميع ما فعله عبدي باشا وأعوانه من المبتدا إلى المنتهى وأرسلوها صحبة خمسة أشخاص عالم وسيد وأنكشاري وتابع قاضي حلب وواحد من أهل البلد إلى الدولة العلية. وفي ١٥ ذي الحجة رحل عبد الله باشا لمنصبه.

سنة ١١٩٩

في ربيع الأول عزل عبدي باشا بعد أن تحقق ما أتاه من المظالم وعيّن إلى أورفة ، وقد تأيدت عرائض حلب بعرائض من عنتاب وأنطاكية

وفي ٢٠ ربيع الأول صار القائمقام علي باشا قرا متسلما في حلب.

تولية حلب لمصطفى باشا

في ٢٢ رجب صار منصب حلب لمصطفى باشا. وفي ٧ شعبان أرسل المتسلمية لمن تختارونه (هكذا ولعل المقصود أنه أرسل لأعيان حلب أن يعينوا متسلما من يختارونه) فما أحد رضي بها إلا ابن السياف وصار عنده كنج أحمد آغا حمصه تفكجي باشي. وفي سلخ ذي الحجة أتى إلى جلبي أفندي محصلية حلب والمتسلمية إلى سعيد آغا.

سنة ١٢٠٠

في خامس صفر دخل مصطفى باشا الذي تقدم ذكر تعيينه إلى حلب. وفي ١٧ من شوال طلب علي آغا وكنج أحمد آغا حمصه إليه فما راحوا فذهب جلبي أفندي إلى

٢٩٣

الباشا وأخذا معه كنج أحمد آغا بكفالته له ، فلما دخلا على الباشا نظر إلى أحمد آغا وطلب منه حساب المتسلمين فأجابه : أنا لست بمتسلم أنا نفر من الأنفار ، فطلب عند ذلك من جلبي أفندي خمسة من الإختيارية فأتى له بعشرة خمسة من المطلوبين وخمسة من غيرهم ، فسأل عن أسمائهم فقالوا : فلان وفلان ، فنظر إلى الورقة التي بيده ثم قال لجلبي أفندي ، ليس هؤلاء من المطلوبين ، فقال له الأفندي : المطلوبون من الأوجاق ، فطردهم ثم طلب منه علي آغا فأخذ له أمانا وأتى به إلى الباشا مع جملة من الأعيان ، فلما وصلوا إلى تكية الشيخ أبي بكر نظر الباشا من القصر يرى كأن البلد قد خرجت عليه لأن الأوجاقية لما سمعوا برواح علي آغا إلى الباشا خرج من البلد مقدار ألفين من السكمانية بالسلاح الكامل إلى ظاهر البلد ليروا ما الخبر ، فلما رأى ذلك الباشا أمر أتباعه أن لا يتعرض لأحد بسوء وقال للحاضرين : أنا وأنتم شيء واحد ، وخلع على السردار وعلى علي آغا وكنج أحمد آغا وطيب خواطر الجميع وأمرهم بالنزول.

وظيفة محصلي الأموال واستنزافهم أموال الأمة

قال جودت باشا في الجزء الثالث من تاريخه في حوادث سنة ألف ومائتين ما ترجمته : أن وظيفة المحصل في حلب من أهم المناصب وهي مطمح أنظار مأموري الدولة ، ومنذ أربعين سنة كان هؤلاء المأمورون يتعاطون كل وسيلة ويبذلون كل مرتخص وغال في سبيل الحصول على هذه الوظيفة لأنها كانت تعود عليهم بمال جزيل وثروة طائلة ينالون بسببها بعد رجوعهم إلى الآستانة رتبة الوزارة ورتبة مير ميران ، ومن هؤلاء الرجال أحمد باشا فإنه بهذه الطريقة أخذ العلم والطوخ وحاز شهرة عظيمة. وهذه الوظيفة ظلت مدة تباع وتشترى بيع من يزيد ، وكثير من هؤلاء الرجال الذين تولوا هذه الوظيفة في حلب بالنظر لاعتسافهم وجورهم صاروا ممقوتين عند عقلاء رجال الآستانة ولا ينظرون إليهم نظر إجلال واحترام لكثرة ارتكابهم ، حتى أدى الحال إلى أن بعض المغسلين صاروا يتعهدون هذه الوظيفة ويحصلون هذه الأموال لكنهم كانوا يؤدون بعضها إلى الدولة ويزدردون الباقي يصرفونه في شهوات أنفسهم ، حتى آل الأمر إلى أن الدولة صارت ترسل من طرفها مفتشين على هؤلاء المحصلين ، وربما حضر الصدر الأعظم بنفسه للتفتيش.

٢٩٤

ومن غريب الأمر أن هؤلاء المفتشين الذين كانوا يرسلون للتفتيش حينما يأتون ويرون هذه الأموال يداخلهم الجشع والطمع ويأخذون إلى جيوبهم ما تيسر لهم من هذه الأموال على حد قول من قال (كالمستجير من الرمضاء بالنار)!!!

ثم قال : ذكر المؤرخ واصف أفندي في تاريخه أنه قبل خمس وعشرين سنة صادف وهو بحلب رجلا اسمه قبوجي باشا سليم آغا كان قد أتى للتفتيش ، وكان وهو في الآستانة عليه دين كثير ونسج على منوال غيره من المفتشين وتأهل بحلب وأقام بها وصار له عدة أولاد ، فقال واصف أفندي : فسألته عن مدة إقامته بحلب وأسباب ذلك فقال لي : هنا عشر سنين وإني يئست من مناصب الدولة فحضرت إلى هنا وأنا الآن أتناول راتبا يوميا أربعين قرشا أصرف بعضها وأدخر الباقي إلى أن حصل لي مال كثير ، وأنا الآن أتجر بما حصلت عليه من هذه الأموال.

ثم قال جودت باشا : هذه هي حال مباشري الوظائف في حلب ، الكثير منهم بعد أن يستنزف أموال الأمة في حلب يصرفها في الفسق والفجور والشهوات النفسية ويؤدي الحال بهؤلاء إلى الإفلاس ، فمنهم من يموت قهرا ومنهم من يغادر الشهباء إلى غيرها من البلاد ، وبهذه الصورة ولهذه الأسباب كانت أموال الدولة تتبعثر وتذهب ضياعا. وتلافيا لهذا الخلل ولبعض ما فات افتكر الدفتردار حسن أفندي في الآستانة أن يجعل وظيفة التحصيل على حدة ووظيفة الكمرك على حدة ، وصار يعطي وظيفة الكمرك على طريق الضمان وأموال الولايات ترسل رأسا إلى دار السلطنة ، وبهذه الصورة أصلح بعض الخلل في مالية الدولة وفي وظيفة تحصيل الأموال اه.

سنة ١٢٠١

عزل مصطفى باشا وتولية حلب لمير عبد الله باشا

في الثاني من المحرم انعزل مصطفى باشا ، وفي ٢٠ منه رحل من حلب.

قال الطرابلسي : وفي ١٥ صفر عزل السيد علي باشا جاويش ، ففي اليوم الثاني ولى هاربا تحت الليل هو وجاويشان ، فثاني يوم صار التفتيش عليهم الأمور كان أوقعها في وقوفه عند جلبي أفندي ، ثم قتلوا قاتل القنوي في قصطل الحرامي ورفعوا ابن الكلرجي جابي جلبي أفندي والشيخ علي السرميني وكل من له دعوى تحرك على أتباع الأفندي وختموا على دائرة

٢٩٥

جلبي أفندي (لعلها الدار التي في السراي المتخدة دائرة للعدلية) داخلا وخارجا. وثاني يوم من وفاة الأفندي توجه أخوه علي أفندي وابنه عباس أفندي إلى ناحية الدولة ثم ختم القاضي بيت طيفون والحاج طه بن عمر أفندي وحامد أفندي وغيرهم من المعتقلين. وصار عبد الله أفندي الجابري مفتيا في حلب.

وفي ١٥ جمادى الأولى وجدنا خاروفا برأسين وأربعة أيدي وأربعة أرجل وألية واحدة.

وأتى يوسف باشا واستقام في الشيخ أبي بكر أربعة أشهر إلى غرة جمادى الثاني ، ففيها رحل وطلب قبل رحيله من البلد ثمانين كيسا و ١٤٠ دابة وسبعة مدافع وذخائر فردوا له الجواب : ما عندنا شيء ، إن كان مرادك المجيء تفضل أنت و ١٥٠ عسكريا لا غير وإلا فابق مكانك.

قتال أهالي حلب مع عثمان باشا

ودخل عثمان باشا إلى أنطاكية ونزل جميع عساكره على الحريم وفعل أفعالا قبيحة في أنطاكية لم تفعلها الخوارج حتى قتل ابن الكاتب وفض بكارة بنته وأخذها معه إلى أرمناز وقتل شيخها وصادرها وأتى إلى إدلب وصادرها وخرب جميع القرى التي مرّ عليها وما حول ذلك إلى أن وصل إلى خانطومان فرعى مزروعاتها ومزروعات ما حولها إلى أن وصل إلى الراموسة فكمل خرابها ونزل بقرب الشيخ سعيد وأرسل عساكره ونهب بساتين البلد وسلبوا ثياب من رأوه في طريقهم ، وانعقد القتال بينه وبين أهالي البلد وصار النقص في عساكره من القتال ومن الطاعون والقتل أكثر ، ولكن كانوا يخفون القتلى ، وانجرح من أهل البلد أبو بزبور وقطعوا رأس واحد. واستقام القتال عدة أيام إلى أن عجز عن الظفر ورحل إلى قرية عندان ولا زال يسلب أموال الناس ويأكل مزروعاتهم ، ثم رحلوا الى جفتلك حسن باشا وشلحوا أتباعه وكانوا سبعة من أهالي كلز في طريقهم وانقطع الطريق ، وأخذ في طريقه معز حلب ذبح منهم مقدار مائة رأس ، ولما بعد عن حلب رأوا في الشيخ سعيد مقدار سبعين قتيلا من أتباعه وفي خانطومان مقدار ثلاثين وذلك ما عدا الذين وقعوا في الطريق من عند خانطومان إلى الشيخ سعيد (١) ، ثم رحل من جفتلك حسن باشا إلى البيرة.

__________________

(١) قال الكاتب في مجموعته : جاء عثمان باشا وحاصر حلب من جهة خانطومان خمسة عشر يوما وما قدر يدخل حلب اه. أقول : لم أقف على أسباب تلك المحاصرة ولعل ذلك لقيام الفتن بين السيدة واليكيجارية كما يستفاد من الحوادث الآتية.

٢٩٦

الطاعون العظيم في حلب

وفي ١٧ رجب من هذه السنة (١٢٠١) فشا الطاعون في حلب ووضعت امرأة ولدا مطعونا في صدره ، وكان يموت فيه كل يوم ١٠٠ وأكثر ، وفي يوم واحد طلع من كلز ١٨٦ إنسانا.

وفي ١٧ شعبان أحصوا الموتى من حلب فبلغ ٣٤٢٠٠ من حلب ، وأحصوا بعد ذلك الذي مات في أربعة أيام فبلغ ١٤٠٠ شخص والعياذ بالله تعالى اه ملخصا عن مجموعة ابن الطرابلسي.

قال الكاتب في مجموعته : في هذه السنة حصل غلاء وطاعون وقلة مطر ونشف النهر في أيام الربيع وبقي مقطوعا إلى أيام الأربعينية ، وصار الغلاء في جميع المأكولات حتى أكل الناس حب القطن وحب الخرنوب وعجو المشمش المر بعد أن يحلّوه واستمر إلى الربيع ، والطاعون وقع من أول رجب إلى آخر رمضان ثم انقطع ، واستمر الغلاء إلى أن صار البيدر وشنبل الحنطة بخمسة وعشرين قرشا والخبز وصل إلى القرش بعد أن كان بثلاث عشرة بارة واللحم بقرش ونصف (أي رطل).

سنة ١٢٠٤

تولية حلب لكوسا مصطفى باشا

في هذه السنة كان الوالي كوسا مصطفى باشا كما في السالنامة.

سنة ١٢٠٥

قال الكاتب في مجموعته : في ذي القعدة من هذه السنة حصروا كوسا باشا في السراي أربعة أيام وبعدها أخرجوه من باب الفرج.

ذكر فتنة بطال آغا زاده نوري محمد آغا في عينتاب

قال جودت باشا في الجزء الخامس من تاريخه : كان بطال آغا زاده نوري محمد آغا من وجهاء أهالي عينتاب أنعم عليه سنة ١١٩٦ برتبة مير ميران وأعطي مقاطعة عينتاب يتصرف فيها تصرف المالكين ، وبعد أن تمكن فيها ابتدأت المنازعة بينه وبين اليكيجرية فلم يطق

٢٩٧

أهالي عينتاب تلك المنازعات فاستدعوا متصرف كلز دال طبان ١ زاده محمد علي باشا فأتى إلى عينتاب ومعه كثير من الأتراك ، وحينما قدمها انهزم نوري محمد آغا واستولى محمد علي باشا على عينتاب ، لكنه أخذ في ظلم الرعية أكثر مما كان يظلمهم نوري محمد آغا ، وهناك ذكر جودت باشا المثل السائر وهو (رحم الله النبّاش الأول) فاتفق أهالي عينتاب وقتلوا طبان زاده محمد علي باشا وتخلصوا من شره ، وحينما بلغ ذلك نوري محمد آغا عاد إلى نواحي عينتاب ومعه كثير من الأشقياء وقطع طريق حلب وأخذ في النهب والسلب. وحينما بلغ حكومة الآستانة هذه الأخبار أرسلت عساكر كثيرة مع عبد الله بك كتخدا بقصد استئصال شأفته ، وصادف في هذا الأثناء قدوم عبدي باشا معزولا من ولاية مصر ومرّ على نواحي عينتاب فلاذ نوري محمد آغا بعبدي باشا نادما على ما كان منه فأمنه هذا بشرط أن يذهب معه إلى ديار بكر فتوجه معه إليها ، وصادف وفاة عبدي باشا في ديار بكر فانتهز هذا الفرصة وعاد إلى العيث في نواحي عينتاب على ما كان عليه واتفق مع السادة الأشراف وصار يحارب اليكيجرية وينهب أموالهم ويخرب بيوتهم. وبعد أن حصل منه ما حصل تيقن أن الدولة العثمانية لا تتحمل منه تلك الفعال فأخذ يرمم قلعة عينتاب بقصد الحصول على رضاء الدولة عنه ، إلا أن الدولة عينت لقمع فتنته كوسا مصطفى باشا والي حلب ، ولكن كان قبل ذلك حصل فيها فتنة أدت إلى هجوم أهالي حلب عليه وعلى عسكره وحصل بينهما مناوشة قتل فيها كثير من الطرفين وأدت إلى انهزامه إلى خارج حلب ، فوافاه الأمر وهو في الصحراء بالتوجه إلى عينتاب فتوجه إليها وحاصرها خمسة أشهر ، ثم لما نفدت الذخائر من قلعتها اضطر نوري محمد آغا إلى التسليم ثم أعدم وكان ذلك سنة ١٢٠٦ وسكنت تلك العاصفة.

(ثم قال جودت باشا ما ترجمته) : أن هؤلاء الخونة كانوا يتقربون إلى كبراء رجال الدولة بسافل الأمور فكانوا يعينونهم إلى بعض المقاطعات ويعينونهم على الفساد في الأرض والتسلط على عباد الله إلى أن يؤدي الأمر إلى عصيان الرعية وقيامها في وجه الحكومة والتبعة في كل ذلك على كبراء الدولة اه.

قال الكاتب في مجموعته في حوادث سنة ١٢٠٦ : فيها أحضر رأس ابن بطال من عينتاب مع جملة رؤوس عدتهم خمس وعشرون رأسا أرسلهم كوسا باشا في نصف ربيع الثاني ثم أرسلت إلى إسلامبول.

__________________

١ ـ في الأصل : وآل طبال ، والصواب ما أثبتناه.

٢٩٨

تعيين ترنج زاده سليمان باشا واليا على حلب

قال جودت باشا في الجزء الخامس في حوادث سنة ١٢٠٥ إنه تعيّن واليا على حلب ترنج زاده سليمان باشا اه وهذا لم يذكر في السالنامة.

سنة ١٢٠٨

قيام الفتن بين السادة الأشراف وبين اليكيجرية

قال جودت في الجزء السادس من تاريخه في حوادث سنة ١٢٠٨ ما ترجمته : أنه قبل عدة سنين كانت الفتن متواصلة بين السادة الأشراف وبين الذين سموا أنفسهم اليكيجرية ، إلا أنه بعد ذلك تزايد الأمر في هذه السنة واستولى اليكيجرية على منافع البلاد وأكثروا من إيذاء السادة الأشراف ومن العيث في البلاد بصورة أزالت نفوذ الولاة من البلاد وحالوا دون إقامة الأحكام فيها. وبعد أن وضعت الحرب الروسية أوزارها وتفرغت الدولة لإصلاح الخلل في داخل بلادها عينت سليمان فيضي باشا المذكور واليا على حلب ، وأخذ هذا في إصلاح البلدة وتنظيم شؤونها وإزالة ما كان فيها من أسباب الاختلاف والفساد بين هاتين الفئتين ، وتأمينا لهذه الاضطرابات وعدم حدوثها في المستقبل أخذ سليمان باشا من كبراء البلدة ضمانات وعهودا. إلا أنه بالرغم عن هذه التشبثات فإن الأشقياء في حلب نقضوا تلك العهود وهجموا على محمد أفندي الغوري أحد وجهاء حلب وأخذوا في ضربه وشتمه بلا سبب ولا موجب إلى أن قتل وعادوا إلى ما كانوا عليه من العيث في نواحي الشهباء.

وأما سليمان باشا فإنه لعجزه عن إرجاع الأمن إلى نصابه خرج إلى بعض بساتين حلب وقعد فيها وأرسل يعلم الدولة بذلك ، فتسكينا لهذه الأحوال أرسلت الدولة وفدا إلى الشهباء ، ولما وصل جمع بين سليمان باشا وبين اليكيجرية وأصلح ذات بينهما وهدأ الحال ، ووصلت الأخبار إلى الآستانة بسكون الحال في أواسط سنة ١٢٠٨.

زيادة بيان في هذه الفتن وحادثة جامع الأطروش

قال الكاتب في مجموعته : في هذه السنة قامت الفتن بين اليكيجارية والأشراف وبقيت عشرين يوما ، ثم انكسرت الأشراف وحصرهم اليكيجارية في جامع الأطروش وفعلوا أفعالا فظيعة اه.

٢٩٩

حدثني بعض أهل محلة ألطنبغا نقلا عن بعض أشياخها أنه بينما كان بضعة من الأشراف مارّين أمام جامع الأطروش وإذ باليكيجارية قد انقضوا عليهم وكانوا كثيري العدد فلم يجد الأشراف بدا من الهرب فالتجؤوا إلى الجامع وأغلقوا بابه ووضعوا وراءه أحجارا ، فحاول اليكيجارية فتحه فلم يتمكنوا فأحضروا قطرانا ودهنوا الباب وأعطوه النار فاحترق ، ولم يزل أثر الحريق في أطراف الباب باقيا إلى يومنا هذا ، فدخلوا عليهم فانهزم أولئك إلى المنارة فضايقوهم فألقوا بأنفسهم إلى سطح الجامع ومنه إلى سطح بيوت الخلاء فلحقوهم هناك وقبضوا عليهم فاستغاثوا بهم فلم يغاثوا بل بالوا بأفواههم وذبحوهم. ولهذه الحادثة الفظيعة نظمت عدة قصائد للشيخ وفا الرفاعي وغيره ، وقد أنشدني عبد القادر الطرابيشي من أهل الباب أبياتا في هذه الحادثة نسبها إلى فاضل بك الإستانبولي وهو الآن ممن جاوز الثمانين وهي :

يا مصطفى إن القلوب منغصه

لبنيك في الشهباء حلّت منقصه

في جامع يدعى الطروش لقد غدت

بدمائهم تلك الأماكن مقنصه

أدرك فجسم الدين ساء مزاجه

ولقد كوى الأشراف إبن الحمصه

أقبل وقل للحربلي الحرب لي

وأذق إلى ذاك الوجاق المخمصه

في النازعات فاجعلن ياسينهم

وجميعهم ليست إليه مخصصه

فدماء أعداء الإله ثمينة

ودماء أولاد الرسول مرخصه

ولأنت أولى بالجميع وهذه

شكواهم رفعت إليك ملخصه

ذكر قيام الفتن بين هاتين الفئتين في عينتاب أيضا

قال جودت باشا : إن الأهالي من قديم الزمان في نواحي حلب وعينتاب منقسمون إلى قسمين سادة (أو أميرية) ويكيجرية ، وهاتان الفئتان بينهما غاية الخلاف دائما وهما في فتن لا تنقطع ، وكان لليكيجرية إشارات خاصة وهي النواشين ، وكان علامة السادة العمائم الخضر. والسادة أو الأميرية هم عبارة عن أعيان البلاد ومن التف حولهم وذلك من قبل فتح السلطان سليم لهذه البلاد ، وأهالي مرعش أيضا كانوا منقسمين إلى فئتين فئة البيازيدية وفئة ذي الغادرية وهؤلاء من نسل ملوك تلك البلاد قبل الفتح السليمي ، وكان النزاع بين هاتين الطائفتين مستمرا أيضا ، وفي أثناء هذه العشر سنوات

٣٠٠