إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٧

نقيب الأشراف :

لنقيب الأشراف طربوش أخضر وعمامة خضراء في شكل مخصوص يعرف بها.

والأشراف يتعممون بعمامة خضراء ، والأتراك يباح لهم أن يلبسوا ثيابا خضرا. ولا يتعمم بالعمامة الخضراء غير الأشراف ولهم حرمة زائدة عند الأهالي وخصوصا عندما تطابق أخلاقهم أصلهم ، وشهادتهم في الأمور العدلية هي الحكم القاطع.

آغة اليكيجرية :

هو في الدرجة الخامسة ، ويسمى سردارا أيضا ، ويقبض راتبه من السيد الكبير (الوالي) لكن هذا الراتب تدفعه المدينة لأن السيد لا يخرج من خزائنه شيئا لأجل أن يدفعه إلى ضباطه. والآغا هو الحاكم المطلق في عسكره وغير الآغا لا حاكمية له ، وآغة اليكيجرية العام هو الذي يعين آغوات اليكيجرية إلى هذه الوظيفة ، والآغا يضع ضريبة على كل البضائع والحبوب والثمار والحشيش وعلى كل شيء يباع في المدينة.

آغة الخيالة :

هو في الدرجة السادسة ويأخذ راتبه من الآغا العمومي الذي هو في دار السلطنة.

الدفتردار :

هو الذي يحصل ضرائب السيد الكبير (الباشا) ، وهو أيضا يسمى بالباشا ، ومن مدة قريبة أضيف الى وظيفته وظائف أخر مثل استحصال ضرائب تؤخذ من النصارى واليهود ، وعليه حفظ واردات كمرك البضائع ، ومن جميع هذه الواردات التي يجمعها يقدم إلى بيت مال السيد الكبير ٨٠٠ كيس أو ٤٠٠ ألف قرش. وعند ورود قوافل كثيرة أو مراكب بحرية تحصل له أرباح طائلة ، ولهذا السبب تجده يهتم بمحافظة التجار وخصوصا الإفرنج ، ولكن في سني القحط يخسر كثيرا وعندئذ لا يحصل له أدنى مساعدة ولا يسامح بشيء من المرتب عليه ويبيعون في ذلك أثاث بيته وخيوله وخدامه ، وإذا لم يف ذلك بما عليه يحبس ويوضع تحت العذاب إلى أن يسدد المال الباقي عليه. وهو يقدم هدايا جزيلة إلى الباب العالي ويرشي الوالي بقصد بقائه في منصبه.

الشاه بندر :

هو القاضي في المسائل المتنازع فيها بين التجار في أمور تجارتهم ، ويتعين لهذه الوظيفة من الوزير الأعظم ، والتجار التابعون إلى السيد الكبير يرغبون أن تكون مسائلهم عند الشاه بندر لا عند القاضي.

٢٤١

الصوباشي :

هو آخر الكل من الضباط الكبار ، وهو مثل قاضي التجار ويوجد تحت يده ضباط أخر ، وتعيينه يكون من طرف الوالي ، وراتبه ١٢٠٠ قرش ويأخذ عشرة في المائة من واردات المظالم التي تقع ، ويأخذ أيضا شيئا معينا من المظالم الجزائية التي لا تجاوز مائة قرش وله الحق أن يراها ، والتي تجاوز المائة قرش يدعها للباشا لكن هو يأخذ العشر.

العاشر :

هو الموظف على الكمارك ، وهذا له الحق أن يفتش جميع البضائع التي ترد إلى هذه البلدة ، وبما أنه ضامن لهذه الواردات فله تأثير خاص على الأسعار ، ولمعتمدي الدول الحق أن يمنعوه إذا رأوا منه إجحافا بتسعير البضائع ويردوه عن غدره للأهالي وهذا شيء صعب.

العملة في حلب :

تضرب السكة بقلعة حلب بأمر والي حلب ، وكان يضرب ثلاثة أنواع نوعان من فضة ونوع من نحاس :

النوع الأول هو (١) واحد من (٢٤) أربعة وعشرين القرش.

النوع الثاني هو سدس الأول يعني واحدا من ١٤٤ مائة وأربعة وأربعين.

النوع الثالث هو نصف سدس النوع الثاني يعني واحدا من ألف وسبعمائة وثمانية وعشرين ، وذلك يحصل من ضرب (١٢) اثني عشر (في ١٤٤) مائة وأربع وأربعين ، وهذه العملة هي الدارجة ، وأما بين التجار فيستعملون الدراهم المضروبة بالقاهرة أو العملة الأجنبية (المجر. وأوستريا. وهولاندا. وفينيسيا. التي يسميها العرب البندقية) أو القطع الكبار من الدراهم المضروبة في دار السلطنة العثمانية.

قوة البلد :

قوة البلد مركبة من عدد سكانها الكثيرين الذين يمكن تشكيل جيش كثيف منهم ، لكنه غير منظم ، ولا حاجة للتكلم على أبواب البلد لأنها أصبحت خرابا في عدة أماكن ، حتى إن القلعة التي هي في وسط البلد مشرفة على الانهدام وهي لا تثبت أمام الحصار أزيد من أربع وعشرين ساعة ، ويوجد فيها ١٤٠٠ شخص حينما يتخذها الحاكم سكنا له من هؤلاء ٣٥٠ من اليكيجرية المدربين ، ويوجد على أطراف السور مقدار أربعين مدفعا بعيارات مختلفة لكنها قليلة الجدوى عند اللزوم ، ويقال إنه كان فيها أكثر من ذلك لكنما

٢٤٢

السلطان مراد أخذ منها حينما توجه لحصار بغداد الذي حصل سنة ١٦٣٠ ولم يرسل بدلها.

مستهلكات حلب من الحبوب والخضر وغير ذلك :

من المستحيل معرفة ما يستهلك فيها من الخواريف والمعز والدجاج والطيور.

ويستهلك فيها وفي نواحيها من الحنطة كل يوم مائة مكوك تقريبا والملوك قنطاران ونصف والقنطار مائة رطل والرطل خمس أقات وثلاثة أرباع الأقة [هو الرطل المسمى الآن بالخنكاري المستعمل الآن في أورفة] ويصرف فيها كل يوم خمسون مكوكا من الشعير تقريبا مادام الباشا موجودا ومن ٣٠ إلى ٣٥ عند غيابه.

ويصرف من الخضرة ستون مكوكا في اليوم محسوبا فيها ما تأكله البقر والجمال ، ويصرف فيها كمية عظيمة من الأثمار المختلفة الأجناس ، ويمكن أن نقول إن ما يصرف في حلب من الأثمار يعادل ما يصرف في ثلاث مدن كحلب في أوروبا. والأتراك يتهافتون كثيرا على أكل هذه الأثمار ولذا ترى الأمراض متفشية فيهم. والأرز والقهوة يجلبان إلى حلب من القاهرة ويصرف منها كمية كبيرة لا يمكن تقديرها ، ثم من حين ما تعود الترك على استعمال السكر في القهوة وفي أشربتهم أصبح ما يصرف من السكر مبلغا كبيرا لا يمكن تقديره ، ويأتيهم السكر من أوربا بكثرة ويباع بثمن رخيص في جميع بلدان الشرق.

الأثمار في حلب :

ويوجد بحلب بكثرة الأثمار الآتية : دراقنة الصيفية والشتوية ، مشمش ، خوخ سبعة أنواع ، تفاح ستة أنواع ، آجاص خمسة أنواع ، جبس بطيخ مائي أربعة أنواع ، بطيخ عدي ثلاثة أنواع ، برتقال ، ليمون من كل الأنواع ، تمر ثلاثة أنواع ، زعرور ، لوز ، جوز ، عنّاب ، زيتون نوعان ، تين ستة أنواع ، وغير ذلك من أنواع الأثمار التي يعجز تعدادها. وكل هذه الأثمار لذيذة الطعم ، وإني لم أقل عنها تسبب الأمراض إلا لعلمي بأن الإكثار منها يوجب المرض ، وأفخر العنب هو الذي يجلب من قيس وهي قرية تبعد عن حلب عشرة أميال وهو حلو مثل العسل كثير الماء وحبته سمينة ممتلئة.

ومن سنين قلائل ابتدىء في زرع التتن في هذه البلاد.

الأمراض في حلب :

الأمراض الأكثر انتشارا في حلب هي : الإسهال ، الحمى اليومية وهي التي تبقى يوما واحدا ، الحمى الحارة ، الجنون ، الريح المسبب البرد ، النزلات على العين ، ضعف

٢٤٣

المفاصل ، ويوجد مرض من أنواع الحمى يأتي غالبا للصغار دفعة واحدة بشدة عظيمة مع ألم عظيم في الرأس ولكن لا يلزم لشفائها سوى حجامتها.

والهواء هنا لا يكون سببا للأمراض بل هو نقي صاف ، بل تأتي الأمراض من كثرة تناول الأثمار ، ومع هذا فإن الوفيات قليلة إلا في أوقات الطاعون. والأهالي هنا رغما عن كثرة غشيانهم للنساء فإن غالبهم يصل إلى سن الشيخوخة.

الزراعة في هذه البلاد :

الزراعة هنا تقريبا مثل أوروبا ولكنها أهون منها ، لا يحرثون الأرض سوى مرة واحدة ثم يزرعون بها ثم يزحفونها [أي يغطون البذر بالتراب ويسميه الفلاحون بالطبان في عصرنا] ووقت خروج الزرع لا يهتمون برفع ما خبث من النبات الخارج بين الزرع ، ووقت الحصاد لا ينفضون الحزم لكن لهم طاحون من دف عليه صفحات حديد [يظهر أنه ما يسمى الآن بالجرجر] وهم يربطون البقر أو غيرها من الحيوانات على الدولاب وتدار ، وبدوران هذا الدولاب تتكسر الحزم ويخرج الحب ، وبعد ذلك يذرّونه في الهواء ، وبهذه الصورة ينفصل الحب عن التبن. وكل الأراضي تزرع سنة وتترك سنة. وغرس العنب واستثماره في هذه البلاد هو أسهل من أوروبا وهو لا يكسح أبدا ، ولهذا السبب لا تبقى الكروم هنا كثيرا وغرس الأشجار المثمرة ليس أحسن حالا من غرس العنب.

كلامه على خانطومان :

هذا المكان يبعد عن حلب ثلاثة أميال [من جهة القبلة] ويوجد فيه أربعون محافظا يقودهم آغا ، والقصد من وجود هؤلاء المحافظين رد غارات العربان ومنعهم من نهب حبوب القرى ، وخانطومان هي بجانب النهر وهذا النهر يصب في سهول تبعد عن حلب ثلاثة أميال ، وبذلك يصير الهواء غير نقي ، وهؤلاء المحافظون تؤمن معيشتهم من أهل القرى المجاورة ومن البلدة. وكان في هذا المكان بعض مدافع جميلة أخذت لحصار بغداد وبقي منها خمسة أو ستة لا تصلح إلا لإخراج الصوت.

ثم تكلم على خان العسل قال : وهو يبعد ميلين عن حلب في الطريق الآخذة إلى طرابلس ، وكان كبيرا ومحصنا تأوي إليه القوافل ، وهو الآن كاد يخرب تماما ، وبقرب هذا الخان عين صغيرة تخرج من ذيل رابية صغيرة وماؤها عذب.

[ثم قال] : هذه هي ملاحظاتي الخصوصية التي كتبتها عن حلب أثناء إقامتي فيها

٢٤٤

سنة ١٠٩٥

ذكر ولاية قره حسين زاده مصطفى باشا

قال في السالنامة : في هذه السنة ولي حلب قره حسين زادة مصطفى باشا.

قال في قاموس الأعلام : كان في ابتداء أمره في زمرة البكداشية ، وفي سنة ١٠٩٠ صار يكيجري آغاسي ، وفي سنة ١٠٩٢ أنعم عليه برتبة الوزارة ، وفي سنة ١٠٩٤ بعد عوده من السفر من بلاد النمسا أضيف إليه رتبة السردارية وعين واليا إلى حلب ، ثم لفراره من ميدان الحرب وكان ذلك سببا لكسرة الجيش نفي سنة ١٠٩٦ إلى قنيثرة ، وفي سنة ١٠٩٨ صار يكيجري آغاسي ثانيا ، ثم صار مدة قليلة محافظا لموقع سد البحر ، وفي سنة ١٠٩٩ أسند إليه منصب الصدارة فوضع على الرعية ضرائب كثيرة ثقيلة لخلو الخزينة من الأموال على إثر الحروب المتعاقبة ، فانزعجت الرعية من تلك الضرائب الثقيلة ، وكان أيضا لقلة عقله وسوء تدبيره وعكوفه على ملذات نفسه ودع الأشغال إلى قوم ليسوا أهلا لإدارة شؤون الأمة ، فتفاقم الأمر فعزل ونفي إلى معلقرة سنة ١١٠١ ، وتوفي هناك وله من العمر سبع وستون سنة اه.

سنة ١٠٩٦

كان الوالي فيها إبراهيم باشا كما في السالنامة.

سنة ١٠٩٧

احتراق محلة بانقوسا

قال الكاتب في مجموعته : في هذه السنة احترقت بانقوسا من باب الحديد إلى ورشة الفعول على الصفين اه.

وجود القضاة في سرمين ومعرة مصرين

قال المحبي في ترجمة عمه صنع الله بن محب الله : إنه تولى قضاء معرة مصرين وتوجه إليها وضبطها ورجع إلى الروم [قسطنطينية] وأنا مقيم بها ، ثم أعطي قضاء معرة مصرين

٢٤٥

ثانيا وسافر إليها فصحبته في الطريق إلى أن وصلنا إلى أنطاكية ثم افترقنا ، ثم سافر إلى الروم وولي قضاء سرمين ووصل إليها فتوفي بها وهو قاض ، وكانت وفاته في سنة سبع وتسعين وألف عن ستين سنة اه.

(أقول) : ويستفاد من هذه الترجمة أن معرة مصرين وسرمين كانتا بلدتين عامرتين يتولاهما القضاة ، ولعلهما أخذتا في التدني من ذلك الحين من حين ما ابتدأت إدلب تتقدم في العمران حينما عمر فيها محمد باشا الكوبريلي عماراته كما قدمنا في حوادث سنة ١٠٧٢ ، وهما في عصرنا الحاضر بلدتان صغيرتان جدا لا شأن لهما بمثابة قرية ولا يتولاهما القضاة ، لكن معرة مصرين أكثر عمرانا في الجملة.

سنة ١٠٩٨

ذكر تولية حلب إلى سياوش باشا

في هذه السنة ولي حلب سياوش باشا كما في السالنامة.

قال في قاموس الأعلام : هو آبازي الأصل ومن عتقاء أحمد باشا كوبريلي. وكان في ابتداء أمره في معية الباشا المذكور برتبة بلوك آغاسي ، وفي سنة ١٠٩٥ صار رئيسا للزردخانة ثم عين واليا لديار بكر ثم إلى حلب. ولما فرّ الصدر سليمان باشا من ميدان الحرب انتخب المترجم باتفاق أمراء الجيش مكانه بصورة وكيل ، ثم جاءه وهو في نيش فرمان الأصالة ، وبعد عوده إلى إستانبول أتى الأشقياء إلى داره فنهبوا ما فيها ثم قتلوه ، وكان ذا حظ عظيم من العقل والتدبير وأصالة الرأي.

وفي هذه السنة حصل غلاء بيع رطل الخبز بنصف قرش اه من رسالة الفنصاوي.

سنة ١١٠١ : كان الوالي خليل باشا.

سنة ١١٠٦ : كان الوالي جعفر باشا.

سنة ١١٠٧ : كان الوالي طورسون محمد باشا.

سنة ١١٠٧ : كان الوالي جعفر باشا مرة ثانية.

سنة ١١٠٨ : كان الوالي عثمان باشا.

٢٤٦

قال الفنصاوي : في هذه السنة حصل غلاء بيع رطل الخبز بثلث قرش ونصفه تراب بيلون. وفيها كان الوالي عثمان باشا ، وهو غير ذاك كما في السالنامة.

سنة ١١٠٩ كان الوالي سلحدار حسن باشا.

سنة ١١١١ كان الوالي علي باشا.

سنة ١١١٢ كان الوالي يوسف باشا.

هؤلاء هم الولاة في هذه السنين كما في السالنامة ، ولم نقف على شيء من أخبارهم أو تراجمهم لنذكرها.

سنة ١١١٤

وجود الطباعة في حلب

قال في مجلة الشرق (١) : سبق لنا في مقالتنا عن ابن الإفرنجية الشاعر الحلبي (المشرق ٢ : ٤٤٢) أن النهضة الأدبية التي عمت اليوم بلاد الشام ، كان بدؤها في مدينة حلب منذ أوائل القرن الثامن عشر ، وقد أحرزت لها الشهباء في ذلك العصر مجدا آخر وهي أنها سبقت كل البلاد الشرقية بفن الطباعة العربية ، وكانت بعض مطبوعات لغتنا الشريفة نشرت قبلها بالآستانة العلية لكنها كانت بحرف عبراني (المشرق ٣ : ١٧٣) ، ثم طبعت المزامير في قزحيا سنة ١٦١٠ بالحرف السرياني المعروف بالكرشوني (المشرق ٣ : ٢٤٥) ، أما الحروف العربية فكان ظهورها لأول مرة في حلب في العشر الأول من القرن الثامن عشر. وأصل هذه المطبعة مجهول إلى اليوم فلا يعلم من أمرها شيء ، ولعل حروفها حفرت وسبكت في مدينة حلب نفسها. وهي حروف خشنة والطبع عليها غير متقن وإن كان جليا نضرا. وقد زعم العلامة [شتورر] في كتابه «المطبوعات العربية» أن حروف مطبعة حلب هي حروف مدينة بكرش عاصمة الفلاخ جلبها إلى حلب أثناسيوس الرابع البطريرك الأنطاكي ، وقد خطّأ المستشرق الشهير دي ساسي رأى شتورر لما وجد من الاختلاف بين حروف كتب بكرش وحلب ، وما لا ينكر أن أثناسيوس المذكور بعد أن ولاه

__________________

(١) جلد ٣ صحيفة ٣٥٥ سنة ١٩٠٠

٢٤٧

مدة حزب من الروم الكرسي الأنطاكي (سنة ١٦٨٦) في حياة كيرللّس الخامس رضي بأسقفية حلب على شرط أن يذكر اسمه في الصلوات العمومية كبطريرك ويوقع بعد اسمه «البطريرك الأنطاكي سابقا» ولما توفي كيرلّس الخامس سنة ١٧٢٠ عاد إلى البطريركية فساس أمورها إلى سنة وفاته ١٧٢٤ ، وكان أثناسيوس رحل سنة ١٦٩٨ إلى بلاد الفلاخ ودخل على أميرها حناقسطنطين برنكوقان ونال منه أن يسعى بطبع الكتب الطقسية باليونانية والعربية ، فأجاب الأمير إلى ملتمسه وعين له كاهنا كرجيا يدعى أنثيموس ليحفر له حروفا عربية ، ففعل وطبع في بكرش باليونانية والعربية كتاب الليتورجيات الثلاث سنة ١٧٠١ ثم كتاب القنداق ووزعها مجانا على كهنة الروم ، ثم عاد أثناسيوس إلى حلب واهتم بطبع كتب أخرى طقسية في هذه المدينة. ولا نعلم كيف توصل إلى سكب الحروف ولعله استصحب معه الكاهن أنثيموس المذكور فحفر له حروفا جديدة ، أو كان هو أتقن هذا الفن فعلمه قوما من الحلبيين ، وما لا مشاحة فيه أن أثناسيوس أدرك غايته فنشر بالطبع في حلب بعض الكتب الدينية ، ونثبت هنا قائمة ما نعرف منها حسب تاريخها ، وهذه المطبوعات أضحت اليوم عزيزة الوجود وفي خزانة كتبنا الشرقية أربعة منها : (١) كتاب المزامير طبع سنة ١٧٠٦ وهو ترجمة عبد الله بن الفضل الأنطاكي الكاتب الشهير ، وهذا الكتاب جدد طبعه في حلب سنة ١٧٠٩ و ١٧٢٥ و ١٧٣٥ وعنه أخذت الطبعات التالية. (٢) كتاب الإنجيل الشريف طبع بقطع كبير في السنة عينها ١٧٠٦ وعدد صفحاته ٢٨٣ وهو مزين بصور الأربعة الإنجيليين ، ونظن أن هذه الترجمة هي أيضا لابن الفضل الأنطاكي نقلت عن الأصل اليوناني. (٣) كتاب الدر المنتخب من معاملات القديس يوحنا فم الذهب ، نقله عن اليونانية البطريرك أثناسيوس وطبعه سنة ١٧٠٧ ، وفي مكتبنا نسختان من الطبعة الحلبية. (٤) كتاب النبوات ، طبع سنة ١٧٠٨ بقطع كبير عدد صفائحه ١٢٨. (٥) فصول من الإنجيل المقدس لكل أعياد السنة ، طبع سنة ١٧٠٨. (٦) عظات أثناسيوس البطريرك طبع سنة ١٧١١. (٧) البركلستيكون أو بالأحرى براكليتكوس أي المعزّي ، طبع في حلب سنة ١٧١١. (٨) كتاب صخرة الشك ، وهو كتاب ينفي بعض العقائد التي تعلمها الكنيسة الرومانية ، طبع في حلب سنة ١٧٢١. هذا ما حصلنا عليه بخصوص مطبعة حلب القديمة ولا نعلم كيف انتهت هذه المطبعة وكيف بطلت آلاتها وتضعضعت حروفها اه.

٢٤٨

وفي آداب اللغة العربية لجرجي زيدان [ج ٤ ص ٥٥] أن أسبق مدائن سوريا للطباعة هي حلب ، فقد ظهرت الطباعة فيها بأوائل القرن الثامن عشر وطبع أول كتاب في العقد الأول من القرن المذكور. وقد كتب إلينا جورج بك الخياط المحامي في حلب أن عنده نسخة من كتاب طقسي كنسي مطبوع في حلب باليونانية والعربية سنة ١٧٠٢ ، ثم طبع الإنجيل فيها سنة ١٧٠٦ ، قال : وقد صنع أمهات هذه الطبعة العربية واليونانية الشماس عبد الله زاخر الحلبي وكان صائغا ماهرا يحب الأدب والعلم اه.

سنة ١١١٥

ذكر ولاية جورليلي علي باشا

قال في قاموس الأعلام : ولد المترجم في جورلي (بلدة من أعمال أدرنة في قضاء تكفور طاغي) وأحضره إلى الآستانة قره بيرام آغا وأدخل إلى السراي السلطانية ، وفي زمن السلطان مصطفى خان الثاني صار سلحدار الحضرة السلطانية ، وفي سنة ١١١٥ في حادثة أدرنة أنعم عليه برتبة الوزارة ، وفي زمن السلطان أحمد خان الثالث عاد إلى الآستانة ثم بقي في أدرنة بصفة قائممقام عليها ، وبعد أن قام ثمة ببعض الأمور المهمة عين في هذه السنة واليا على حلب ، وفي سنة ١١١٦ عيّن واليا على طرابلس الغرب ، ثم أحضر في هذه السنة إلى الآستانة ، وفي سنة ١١١٨ عيّن لمنصب الصدارة وزوج ببنت السلطان مصطفى خان وبقي في هذا المنصب أربع سنوات وزيادة يدبر أمور السلطنة أحسن تدبير ، وفي سنة ١١٢٢ عزل بوشاية بعض الواشين ونفاق بعض المنافقين وأرسل إلى جزيرة مدللي وهناك أعدم وسنه لم يجاوز الأربعين ، وكان رجلا عاقلا مدبرا عادلا كثير الميل إلى عمل الخير والإحسان ، وجدد وهو بحلب تربة سيدنا زكريا عليه‌السلام التي هي داخل الجامع الكبير (١).

__________________

(١) هذا سهو فان تجديد التربة كان في سنة ١١٢٠ في زمن عبدي باشا كما سيأتيك نقله عن قاضي حلب عبد الرحمن أفندي ولما سيأتيك في ترجمة علي بن أسد الله مفتي حلب المتوفى سنة ١١٣٠ وكما هو منقوش على باب التربة ، لكن صدر ذلك بأمره أيام صدارته.

٢٤٩

وله في دار السعادة عدة آثار منها جامع في بارمق قبو ودار للحديث ومكتبة وجامع آخر في الساحل عند الترسخانة وحمام وغير ذلك من الآثار الجليلة. وأحضر رأسه إلى الآستانة ودفن في صحن جامعه الذي هو في بارمق قبو اه.

سنة ١١١٥ : كان الوالي جركس محمد باشا.

سنة ١١١٦ : كان الوالي حاجي قيران حسن باشا.

سنة ١١١٦ : كان الوالي سلحدار أباره سليمان باشا.

في هذه السنة شرع ببناء قلعة بالقرب من بيلان في المكان المعروف بقبة أغاج وذلك حفظا لهذه النواحي من قطّاع الطريق اه تاريخ راشد.

سنة ١١١٧ : كان الوالي فيها إبراهيم باشا.

سنة ١١١٩ : في هذه السنة ولي حلب عبدي باشا كما في السالنامة.

سنة ١١٢٠

تجديد تربة سيدنا يحيى عليه‌السلام في الجامع الكبير بحلب

قال قاضي حلب عبد الرحمن بن مصطفى الكبيري الذي تولى القضاء فيها هذه السنة في آخر رسالة له ذكر فيها نبذة من تاريخ حلب أغلبها مما يتعلق بالجامع الكبير : وفي زماننا هذا وهو زمان السلطان أحمد خان بن السلطان محمد خان أمر الوزير الأعظم (الصدر) علي باشا في زمان حكومة الفقير بتوسيع المرقد المقدس ، فشرعنا في تنفيذ أمره في اليوم الرابع من شعبان سنة عشرين ومائة وألف وهدم الحائط الشرقي (أي شرقي المنبر) وهو محل المقام ووراء الصندوق الذي هو ستر جلاله من قديم الأيام ، إذ ظهر هذا الجرن بين الحائط المرئي والحائط القديم وهو من الرخام الأبيض ، فلما أخذنا في حمله فاح منه رائحة طيبة أزكى من المسك فحملناه بالتسليم ووضعناه في خزانة ، وأحضر أكثر من ثلاثين شخصا من حفاظ القرآن الكريم وصاروا يقرؤون عنده ويهللون ولازموا المكان ليلا ونهارا إلى أن تم ذلك المقام ، ولما كان يوم الجمعة قبل العصر حادي عشر ذلك الشهر من

٢٥٠

السنة المرقومة اجتمعنا مع الوالي وقتئذ وهو الدستور المكرم حضرة عبدي باشا والعلماء والأعيان ورفعنا الجرن المبارك مع الوزير والعلماء والصلحاء ووضعناه في جرن أكبر منه موضوع فوق بناء مؤسس مرتفع عن الأرض ، ووضعنا فوقه من الرخام والتراب الذي كان معه من الأزمنة الماضية وغطيناه بالرخام والتراب والقراء يقرؤون القرآن ويطلبون الرحمة والرضوان والحمد لله على ما أنعم من هذه النعم الجليلة والبركة الجميلة التي لم تتيسر إلا لآحاد من الناس اه باختصار قليل.

وسيأتيك ذكر ذلك في ترجمة علي بن أسد الله المتوفى سنة ١١٣٠ وقد حققنا في الجزء الثاني في صحيفة ٣١٩ أن المدفون هنا هو رأس سيدنا يحيى عليه‌السلام لا سيدنا زكريا عليه‌السلام كما هو مستفيض ومشهور بين الناس.

تولية حلب إلى تبردار محمد باشا

في هذه السنة ولي حلب تبردار محمد باشا ، ويظهر أن ولايته كانت في أواخرها لما تقدم آنفا.

سنة ١١٢٢

ذكر تولية إبراهيم باشا للمرة الثانية

قال في السالنامة : في هذه السنة كان الوالي إبراهيم باشا للمرة الثانية. قال في القاموس : هو موره لي الأصل ولد في قرية طوبيوليجة ثم صار كتخدا عند الصدر الأعظم جورليلي علي باشا ، ولما عزل الصدر المذكور صار من محافظي البحرية وبقي فيها ثلاث سنوات ، ثم عزل عنها وصار واليا في مصر سنة ١١٢١ ، ومنها نقل إلى ولاية حلب ثم القدس ، وصار في بعض السنين أميرا على الحاج ، وفي سنة ١١٢٩ أعيد لمنصب محافظية البحر ، وبعد سنة من تعيينه توجه إلى قندية [بلدة في جزيرة كريد] فتوفي هناك اه.

سنة ١١٢٥ : كان الوالي طوبال يوسف باشا.

سنة ١١٢٥ : كان الوالي جركس محمد باشا للمرة الثانية.

سنة ١١٢٧ : كان الوالي مقتول زاده علي باشا.

٢٥١

سنة ١١٢٨ : كان الوالي عبد الرحمن باشا الحلبي.

سنة ١١٢٨ : كان الوالي مصطفى باشا.

سنة ١١٣٠ : كان الوالي عثمان باشا.

سنة ١١٣١ : كان الوالي موره لي علي باشا.

سنة ١١٣١

ذكر تولية حلب لرجب باشا

كان الوالي في حلب في هذه السنة رجب باشا كما في السالنامة. بعد البحث الكثير لم أقف له على ترجمة ، لكن ذكر راشد في تاريخه التركي وكذا إسماعيل عاصم في ذيله على هذا التاريخ شيئا من أحواله قالا : إنه كان واليا في ديار بكر وسيواس ، ولما حصلت الحرب بين الدولة العثمانية والنمسا وكان قائد الجيوش العثمانية الصدر الأعظم خليل باشا أرسل رجب باشا المذكور ومعه ثلاثون ألفا من العساكر ليكون مع الصدر المذكور. ويظهر من كلامهما أنه كان رجل إدارة لا رجل قيادة لأنه لم تظهر منه الشجاعة المطلوبة وتأخر في موضع كان عليه أن يقدم فيه ، وكان من المحبوبين عند السلطان أحمد خان ومن المقربين لديه ، وكانت وفاته يوم الثلاثاء في أوائل شهر ربيع الأول سنة ١١٣٩ في بلدة إيروان [عاصمة حكومة الأرمن الآن بالقرب من القارص] وبعد وفاته عين ولده أحمد بك حاكما على البلدة المذكورة.

ومن آثاره في حلب تجديد السبيل الذي عن يمين باب خان الصابون وقد كتب فوق السبيل على جدار الخان :

(١) جدد هذا السبيل المبارك صاحب الخيرات.

(٢) الوزير الأكرم الحاج رجب باشا سنة ١١٣٢.

وقد طالت مدة ولايته بحلب وابتنى واقتنى فيها دورا عظيمة في محلة باحسيتا وله ذرية تعرف إلى يومنا هذا ببيت رجب باشا ولم تزل دورهم في هذه المحلة.

٢٥٢

سنة ١١٣٢

ذكر بناء مجرى قناة حلب وإصلاح طريقها

وأخذ ٢٥٠٠ قرش من وصية الشيخ أسعد بن ناصر التي أوصى أن يبنى ببعضها سبيل لتصرف في إصلاح الطريق المذكورة بعد أن استحصل فتوى بجواز ذلك لأن النفع أعم ، وقد حرز بذلك حجة شرعية في هذه السنة ظفرت بها عند أحمد أمير ونصها : حضر بمجلس الشرع الشريف لدى مولانا وسيدنا [إلخ الألقاب التي تذكر للقضاة وكان القاضي وقتئذ مصطفى أفندي] عثمان آغا ابن الحاج عبد الرحمن بيك الشهبندر وفلان وفلان [٢٦] شخصا وقرروا بمحضر من صاحب هذا الكتاب الحاج حسين ابن الحاج أمير قائلين في تقريرهم بأن المتوفى الشيخ أسعد ابن الحاج ناصر في حال حياته قد أوصى إلى الحاج حسين المذكور أن يأخذ من ماله ألفين وخمسمائة غرش ويبني ببعضها سبيلا يجري الماء إليه من قناة حلب ، والحال أن الماء يجري من قناة حلب إلى قساطل وسبلانات بمدينة حلب للشرب وغيره ولا فائدة لبناء سبيل آخر مع وجود ما ذكر ، وأن القناة المذكورة تهدمت من أصل مجراها وأشرفت على التلف وانقطاع الماء عن حلب واضطر الحال إلى عمارتها وإصلاح مجراها لتستمر تلك المنافع العامة ، وليس للقناة مال تبنى به ، وإننا الآن نطلب من الحاج حسين المذكور أن يأخذ المبلغ المزبور من تركة الشيخ أسعد المرقوم ويصرفه في بناء مجرى القناة وإصلاح طريقها بناء محكما ليبقى زمانا طويلا ويكون النفع أعم والثواب أوفى وأتم للموصي الشيخ أسعد المرقوم بسبب ذلك أبرزوا من أيديهم فتوى شريفة سؤالها :

صورة الفتوى :

في زيد أوصى إلى عمرو أن يأخذ من ثلث ماله دراهم كذا ويبني بمقدار كذا منها سبيلا في مدينة حلب في محلة كذا ويجري الماء إليه من قناة حلب ليشرب منه المارّون عليه من الناس ويشتري بالباقي عقارا يوقفه على مصالح ذلك السبيل ، وكان الماء يجري من قناة إلى قساطل وسبلانات في تلك المحلة للشرب وغيره ولا فائدة في بناء سبيل آخر في تلك المحلة مع وجود ما ذكر. وكانت القناة المذكورة تهدمت من أصل مجراها وأشرفت على التلف

٢٥٣

والانقطاع واضطر الحال إلى عمارتها وإصلاح مجراها لتستمر تلك المنافع العامة ولم يكن لها ماتبنى به من المال ، فرأى القاضي أيده الله تعالى وسدد آراءه أن يصرف هذا الموصى به كله في بناء مجرى القناة وإصلاح طريقها بناء محكما ليبقى أحقابا من السنين ويكون النفع أعم والثواب أوفر وأتم للموصي بسبب ذلك فأمر الوصي بذلك فأنفقه الوصي في ذلك وتوفر الماء في القساطل والسبلانات والسقايات توفرا ظاهرا مستمرا ، فهل يضمن الوصي المال والحالة هذه أولا.

الجواب :

لا يضمن لأنه مخالفة إلى خير ، وقد نقل الإمام الصدر الشهيد حسام الدين الخاصي في الفتاوى الكبرى عن النوازل ما نصه : وإن أوصى بأن يتصدق في عشرة أيام فلا بأس بأن يتصدق في يوم لأن ذلك لا يتفاوت إلّا إلى خير هذا ووجه الخيرية أن التعجيل في الإنفاق خير من التأخير ، وأما الخيرية فيما نحن فيه فغنية عن البيان وظاهرة للعيان وفي السراجية أوصى لفقراء بلدة معينة فالأفضل أن لا يعطي لغيرهم ولو أعطى جاز وفي الخاصي معزيا إلى النوازل أيضا ، هذا قول الإمام أبي يوسف رحمه‌الله تعالى وبه يفتي وقد بينه في العيون بأن الوصية جعل الموصى به لله سبحانه وتعالى وكل الفقراء فيه سواء. انتهى والله أعلم ، كتبه أبو السعود الحقير المفتي بمدينة حلب غفر له (هو الكواكبي) وطالعها الحاكم المشار إليه أدام الله تعالى نعمه عليه ورأى أن في صرف هذا المبلغ في بناء مجرى القناة وإصلاح طريقها نفعا عاما للخاص والعام وأكثر ثوابا للموصي المزبور ، فأمر المولى المومى إليه الحاج حسين المذكور بأن يصرف المبلغ المرسوم في بناء مجرى القناة وتجديدها وإصلاح طريقها ليجري الماء إلى القساطل والسبلانات بحلب وينتفع به عامة الناس أمرا شرعيا.

ثم إن الألفين والخمسمائة القروش المذكورة صرفت بمعرفة الدستور المكرم والمشير المفخم نظام العالم مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب متمم مهام الأنام بالرأي الصائب مؤسس بنيان الدولة والإقبال مشيد أركان السعادة والإجلال المحفوف بصنوف عواطف الملك المتعال الوزير المحترم حضرة الحاج رجب باشا يسّر الله له من الخير ما يشاء والي ولاية حلب حالا أدام الله تعالى إجلاله وختم بالصالحات أعماله ومعرفة الأكابر والأعيان والمعتمدين على القناة وغيرهم من أهل البلد في تعمير مجرى القناة وترميمها وتلييس بعض أماكنها في قيمة أحجار وكلس وقنب وقصرمل وأجرة معلمين وفعلة ، ولم يبق في يد الحاج

٢٥٤

حسين المذكور من المبلغ المسطور شيء أصلا وكتب ما هو الواقع وحرر بالطلب في اليوم الغرة من رجب لسنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف اه.

وعلى هامش الحجة خط أبي السعود أفندي الكواكبي المفتي بحلب وقتئذ والسيد عمر نقيب الأشراف والعلامة المحدث الشيخ يوسف الحسيني.

سنة ١١٣٣

في هذه السنة حررت استحقاقات الجوامع والقساطل والحمامات والمحلات من قناة حلب وأثبت ذلك في سجل المحكمة الشرعية ، وعندي منها نسخة خطية قديمة مستخرجة من السجل وهي تبلغ عشر صحائف من هذا الكتاب ، ولم أثبتها لطولها ولأن عمل الناس على خلاف هذا التقسيم ، ويظهر أن تحريرها على إثر إصلاح طريق القناة.

سنة ١١٣٦

كان الوالي فيها كورد إبراهيم باشا كما في السالنامة.

سنة ١١٣٧

ذكر تولية حلب لحكيم باشا زاده علي باشا

له في قاموس الأعلام ترجمة حافلة قال في أولها : هو علي باشا ابن رئيس الأطباء نوح أفندي ، ولد سنة ١١٠٠ في إستانبول ، وفي زمن السلطان أحمد خان الثالث أدخل في زمرة بوابي الدركاه ، ثم تولى عدة وظائف ، ثم عهد إليه بولاية حلب سنة ١١٣٧ ، وفي فتح أذربيجان وتبريز ظهر من المشار إليه خدمات جلى فأنعم عليه سنة ١١٣٨ برتبة الوزارة وولي ولاية أناطولي ، ثم ساق تقلباته في المناصب وخدماته الجليلة للدولة العثمانية إلى أن قال : وفي سنة ١١٥٥ أسند إليه منصب الصدارة وبقي فيها مدة سنة ونصف ثم تغير عليه قلب الحضرة السلطانية فعزل سنة ١١٥٦ ونفي إلى مدللي مدة ثم عين واليا لقندية ، وفي سنة ١١٥٨ عين واليا لحلب للمرة الثانية ، وفي هذه السنة جاءت الأخبار بأن نادر شاه ملك العجم عزم على مهاجمة القارص فعين المترجم قائدا للعساكر التي وجهت إلى تلك

٢٥٥

الجهات ، وبعد انعقاد الصلح مع نادر شاه توجه إلى التنكيل بعصاة اللوندات ، ثم ساق ما تقلب فيه من المناصب إلى أن قال : وفي سنة ١١٦٩ عيّن واليا إلى مصر وفي سنة ١١٧٠ عيّن واليا إلى أناطولي ، وفي هذه السنة توفي في كوتاهية ، وبعد مدة نقلت جثته إلى إستانبول ودفن في الجامع الذي عمره في أثناء صدارته الأولى ، وكان عاقلا عالما مدبرا شجاعا ذا رأي متين سخيا حازما شديدا ، توفي وله من العمر سبعون سنة.

سنة ١١٣٨

قال في السالنامة : في هذه السنة كان الوالي محمد باشا السلحدار اه. أقول : لعل ذلك سهو فإن ولاية محمد باشا السلحدار الأولى كانت سنة ١١٤٣ كما سيأتي في ترجمته.

ذكر تولية حلب لعارفي أحمد باشا

قال في السالنامة : في هذه السنة كان الوالي عارفي أحمد باشا اه.

قال في قاموس الأعلام : هو إستانبولي الأصل ومعدود من جملة أدبائها ومشاهير الخطاطين فيها ، بعد أن أحرز رتبة الخوجكان عيّن كاتبا ثم رئيسا للكتاب في قلم الصدارة ، وفي سنة ١١٣٠ حاز رتبة الوزارة وعيّن لصنجق تكه ثم إلى نيكبولي ثم إلى حلب ، وفي سنة ١١٣٦ كان قائد عسكر روانه ، وفي سنة ١١٤٤ عيّن واليا على وان ثم أعيد على إثر ذلك إلى صنجق تكه وتوفي بها ، وكان ماهرا في التحرير في الأقلام الستة.

سنة ١١٤١ : كان الوالي فيها داماد علي باشا.

سنة ١١٤٢ : كان الوالي فيها كوجك مصطفى باشا.

سنة ١١٤٣ : كان الوالي فيها إبراهيم باشا.

ذكر تولية حلب لمحمد باشا السلحدار

قال في السالنامة : كان الوالي في هذه السنة محمد باشا.

قال في قاموس الأعلام : هو إستانبولي الأصل دخل السراي الهمايونية وصار فيها

٢٥٦

أولا جاويشا للكلار ثم كتخدا ثم رقي دفعة واحدة إلى وظيفة السلحدار للحضرة السلطانية ، وفي سنة ١١٤٠ زوجه السلطان ببنته عائشة وحاز شرف مصاهرة العائلة الملوكية فرقي لأجل ذلك إلى رتبة الوزارة ، ثم ولي أرضروم ، ولما استشهد الداماد إبراهيم باشا أودع ختم الصدارة إلى عهدة المذكور ، وفي ذلك الأثناء تولى السلطان محمود خان الأول [كان توليته سنة ١١٤٣ في ربيع الأول] فأبقي المترجم في منصبه ، وبعد مائة يوم عزل وعيّن واليا إلى حلب ثم لبغداد ثم أعيد إلى حلب ، وفي سنة ١١٥٠ توفي بها ، وفي رواية توفي في أرضروم ، وكان مع نحافة جسمه قادرا على إدارة الأمور حسن التدبير اه. ولم يذكر في السالنامة أنه تولى حلب مرة ثانية ، والمتبادر من كلام القاموس أنه أعيد إليها سنة ١١٥٠ أو سنة ١١٤٩ أي بعد بولاد أحمد باشا الآتي ذكره وتوفي سنة ١١٥٠.

سنة ١١٤٧

كان الوالي فيها بولاد أحمد باشا كما في السالنامة.

سنة ١١٤٩

ذكر تجديد مجرى نهر الساجور بعد انقطاعه

وفي بعض المسودات التي عندي ما ملخصه أن أرغون الكاملي لما ساق النهر إلى حلب سنة ٧٣١ وقف عليه أوقافا كثيرة ، ولم يزل النهر المذكور جاريا إلى حلب إلى أن حدثت زلزلة عظيمة في سنة ١٠٠٤ فهدمت جسرا له بالقرب من حلب وتعدى بعض القابضين على الماء وتهاون بأمره أهل حلب بالمجيء ولم يزل مقطوعا إلى سنة ١١٤٩ فاعتنى بشأنه أحد أكابر حلب يقال له نعسان آغا فقدم على سوقه وأوصله إلى حلب كما كان سابقا بعد أن أوقف عليه أوقافا أضافها إلى أوقاف أرغون المذكور.

وقال في مجموعة عند أحمد أفندي القدسي بعد أن ذكر ما قدمناه في حوادث سنة ٧٣١ : ثم تغلبت عليه (على نهر الساجور) أيدي الغاصبين فانقطع عن حلب إلى سنة ١١٤٩ فجدده أحد أكابر حلب يقال له نعسان آغا وأنشد في ذلك خطيب أموي حلب الشيخ علي الدباغ فقال :

٢٥٧

لما أتى حلب الساجور قلت له

كيف اهتديت وما ساقتك أعوان

فقال كانوا نياما عن مساعدتي

حتى تيقظ طرف وهو نعسان

وأنشد أيضا :

حلب فاقت البلاد بماء

وهواء وأهلها زدن قدرا

يقظوهم لأبحر الجود حتى

إن نعسانهم لقد ساق نهرا

سنة ١١٥٠

تولية حلب لعثمان باشا الدوركي باني المدرسة العثمانية

في هذه السنة ولي حلب عثمان باشا الدوركي كما في السالنامة.

قال المرادي في تاريخه : هو عثمان باشا الوزير ابن عبد الرحمن (١) بن عثمان الدوركي الأصل الحلبي المولد والمنشأ ، انتقلت بوالده الأحوال إلى أن صار في الباب العالي رئيس الجاويشية وهي رتبة قعساء لا ينالها إلا من هو مجرب في معرفة قوانين الدولة ، ومنها أنعمت عليه الدولة بمنصب حلب برتبة روملي ، ورحل من إسلامبول إلى مقر حكومته حلب ، ففي الطريق ناداه داعي المنون فأجاب فامتحن صاحب الترجمة ، ثم ترقت أحواله إلى أن صار محصل الأموال الميرية بحلب ، وكانت له دربة في الأمور فجمع الأموال وبنى وشيّد ورأس وساعده الوقت وبنى داره الكائنة بمحلته داخل باب النصر على شفير الخندق وهي أحد الدور العظام في الارتفاع والإحكام وبشرقيها كان سور الأربعين قديما وهذا كان أحد أبواب مدينة حلب ومحله عند مسجد الأربعين المعروف الآن بزاوية القرقلار يسكنها مشايخ الطريقة

__________________

(١) رأيت في بعض المجاميع ما نصه : قد انتقل عبد الرحمن باشا بن عثمان آغا الدوركي إلى رحمة الله في شهر شوال سنة ١١٢٧ في قسطنطينية وانتقل والده عثمان آغا سنة ١١٠٧ ، ونظم الأديب عبد الله الزيباري أبياتا أرّخ فيها موته وقد نقلت عن خطه قال :

تبارك الله باري كل إنسان

سبحانه كل يوم هو في شان

مقلب الدهر حي في ....

باق وكل امرىء من خلقه فاني

فاستبصروا يا أولي الأبصار واعتبروا

فيمن مضى من أخلاء وأقران

إن المنون التي مدت مخالبها

كم شتتت شمل أحباب وأخدان

حتى لقد غادرت عثمان مندرجا

من بين أقرانه في طي أكفان

مستودعا بحضيض الرمس تكنفه

عواطف البر من ألطاف منان

جازاه رب البرايا من تفضله

خير المكافات من عفو وغفران

وأكرم الله مثواه وأسكنه

في جنة الخلد في روح وريحان

بشرى له حسنت في الله نيته

وهل جزي محسن إلا بإحسان

فلا تخف أيها الراجي على سرف

في رحمة الله أرّخ موت عثمان

١١٠٧

٢٥٨

النور بخشية ، وشرقي دار المترجم العين المعروفة بالعوينة يقصدها المرضى يوم السبت قبل طلوع الشمس يغتسلون بها ولها ذكر في الخواصات التي بحلب (١).

ثم إن المترجم شرع في عمارة جامعه المعمور لصيق داره أوائل سنة إحدى وأربعين ومائة فاشترى الدور التي كانت في محل الجامع من أهلها بالأثمان المضاعفة ، وكان يقترض من التجار أهل الخير والصلاح المعروفين بحل المال ويصرفه في عمارة الجامع ويوفيهم من ثمن حنطة كانت عنده إلى أن فرغ بناء الجامع وتم على أكمل الوجوه ، ولما انتهى حفر أساس الجامع وحررت القبلة بتحرير العلامة الشيخ جابر الحوراني الأصل والعلامة الشيخ علي الميقاتي بأموي حلب نزل صاحب الترجمة بنفسه إلى الأساس واستدعى بطين فوضعه ووضع عليه حجرا ووضع بينهما صرة صغيرة لا يدرى ما هي وصعد ، وشرعوا في البناء بالأحجار الهرقلية الهائلة وأبطل العمل شتاء إلى أن كمل سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ، ووضع فيه منبرا من الرخام الأصفر الفائق وفي صحنه حوضا من الرخام الأصفر طوله أربعة عشر ذراعا في مثلها وفي شماله مصطبة مرخمة بالرخام الأصفر بقدر الحوض وبنى فيه إحدى وأربعين حجرة منها ثلاثون للمجاورين والباقي لأرباب الشعائر وعيّن له خطيبا شكري محمد أفندي البكفلوني وهو أول خطيب خطب به لأنه كان مرغوبا عند الأتراك التمطيط في الخطبة على عادة خطباء إسلامبول ، وعيّن له مدرسا تاتار أفندي العينتابي فاستقام أربعة أشهر ثم استعفي فنصب مكانه العلامة محمود أفندي الأنطاكي وعين السيد محمد الكبيسي محدثا وعين عبد الكريم أفندي الشراباتي واعظا عقب صلاة الجمعة وعين السيد عبد الغني الصباغ إمام الجهرية والعلامة الشيخ جابر إمام السرية ، وعين له أربعة مؤذنين وعين شعالين وفراشين وقارئا يقرأ النعت وكنّاسين ولكل من أبوابه الثلاثة بوابا وأسكن الثلاثين حجرة ثلاثين رجلا من أهل البلدة أو من غيرها وشرط عليهم البيتوتة في الجامع وملازمة الصلوات الخمس وقراءة جزء من القرآن العظيم بعد صلاة الصبح ، وفي أثناء عمارة الجامع صار متسلما بحلب وجاءته رتبة روملي ، ثم أنعمت عليه الدولة برتبة الوزارة ومنصب طرابلس ، ثم عزل عنها وولي سيواس ثم دمشق وحج منها أميرا للحاج ، ثم ولي حلب فدخلها سنة خمسين ومائة وألف

__________________

(١) لا أثر الآن لهذه العين وأصبحت أثرا بعد عين ، وهناك قسطل ماؤه من قناة حلب معروف بقسطل العوينة بذيل تربة الجبيل.

٢٥٩

وشرع في عمارة المطبخ المسمى بالعمارة على باب جامعه الشرقي ، ثم ولي آدنة ثم بروسة وعين لمحافظة بغداد ، ثم ولي إيالة صيدا ثم ولي جدة ومشيخة الحرم المكي فأقام بمكة المشرفة إلى أن توفي في ذي القعدة سنة ستين ومائة وألف ودفن هناك رحمه‌الله تعالى اه.

وفي مجموعة منقولة عن تاريخ ابن ميرو قال : اشترى عدة دور بالأثمان الزائدة وهدمها وأدخل منها جانبا لداره وبنى المطبخ وبجانبه فرنا لخبز الخبز ومكانا لوضع الذخيرة ومكانا للطبّاخ والبوّاب ، جميع هذه الأماكن مبنية بالأحجار داخلا وخارجا ما بها من الخشب إلا أغلاق الأبواب والشبابيك ، وبنى به حوضا هائلا من الرخام الأصفر ينزل إليه بدرج من الحجر ، ورصص قباب الجامع وأسطحته وأسطحة المطبخ بألواح الرصاص المحكم.

الكلام على أوقاف المدرسة العثمانية

للواقف رحمه‌الله عدة وقفيات على هذه المدرسة أولاهن كانت سنة ١١٤٢ حيث وقف فيها ٢٧ عقارا وأخراهن كانت سنة ١١٥٢ ، وكان كلما اشترى جملة من العقارات وقفها إلى أن بلغت نحو المائة ، وأعظم هذه العقارات شأنا البساتين التي هي خارج باب الفرج من شمالي البستان المعروف ببستان (كل آب) إلى محطة الشام فبغداد وما بين ذلك من البساتين التي تقدر قيمتها اليوم بنحو مليون ليرة عثمانية ذهبا ، وقد أخذ قطعة منها فجعلت القسم الشمالي من محطة الشام ودفعت شركة الخط قيمتها لمتولي الوقف الآن الوجيه أمين آغا اليكن خمسة أو ستة آلاف ليرة عثمانية فعمر بهذا المبلغ وبما كان مجتمعا لديه من غلة الوقف عشرين دارا في البساتين المذكورة بالقرب من الجسر الكبير هناك ودارا في محلة الجميلية بالقرب من المدرسة السلطانية وألحق ذلك إلى العقارات الموقوفة على مصالح المدرسة وذلك سنة ١٣١٧. وهذه البساتين واقعة اليوم في أعظم بقعة في حلب وأصبح المتر المكعب هناك بليرتين وثلاثة ، ولو اعتني بأمر هذه البساتين وتلك الأراضي الواسعة هناك تمام الاعتناء لدرت خيرات كثيرة وزادت في ريع هذا الوقف زيادة تستحق الذكر.

شرط الواقف في الوقفية الأولى :

خطيب صالح له في كل يوم ٣٠ عثمانيا فضيا. إمام للصلوات الجهرية في كل يوم ٢٤ عثمانيا فضيا. إمان ثان للصلوات السرية في كل يوم ١٦ عثمانيا فضيا. مدرس جامع

٢٦٠