إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٧

الأرض عدة مرات من الغرب إلى الشرق بصورة مزعجة خاف منها الناس ، لكن لم يخرب بها شيء من البيوت والحمد لله. وكان في ذلك الأثناء حصل وقائع عظيمة بين الجيوش التركية والجيوش العربية والإنكليزية في جهة فلسطين بالقرب من درعا وسفك فيها دماء كثيرة من الطرفين ، وآخر الأمر انكسرت الجيوش التركية وولت الأدبار وتبعتها الجيوش العربية والإنكليزية وحاولت الجيوش التركية دخول الشام والاعتصام بجبال الكسوة التي في ضواحي الشام واتخاذها مقرا للدفاع فلم تتمكن من ذلك وسبقتها الجيوش العربية والإنكليزية ، ودخلت الشام ليلة الاثنين في الثالث والعشرين من شهر ذي الحجة أي بعد الزلزلة التي حصلت في حلب بيوم واحد.

سنة ١٠٧٠

كان الوالي فيها بعد قوناقجي علي باشا الخاصكي محمد باشا كما في السالنامة.

قال في تاريخ راشد : اتصل بمسامع الصدر الأعظم في الآستانة أن والي حلب محمد باشا صار يضرب السكة المغشوشة لنفسه ، فأوجب ذلك كسادا في سوق التجارة وفسادا في معاملات الناس ، فعرض ذلك على الحضرة السلطانية فأمر بعزله وإحضاره إلى الآستانة ، ولما وصلها قتله في شوال من سنة ألف وإحدى وسبعين.

سنة ١٠٧١

كان الوالي فيها أبو النور محمد باشا كما في السالنامة.

سنة ١٠٧٢

وفاة الوزير محمد باشا الكوبريلي وآثاره في هذه البلاد

في هذه السنة توفي الوزير الأعظم محمد باشا الكوبريلي ، وقد ترجمه العلامة المحبي في تاريخه بترجمة حافلة وقال : إنه قام بأعباء الوزارة أتم قيام ولمّ شعث الدولة وعظمت دولته وجبيت إليه ذخائر الدنيا ، وكان قبل أن يتولى الوزارة قد قامت الفتن على ساق وانتصب الخلاف وارتفع الوفاق وتقوت ضعاف الدولة وأظهروا العتوَّ والصولة فكانوا في آرائهم ناظرين

٢٢١

إلى ورائهم. ولما ولي المترجم الوزارة أخمد بحسن تدبيره ثائرة الفتن وأكثر من محو أصحاب الكلمة وفرق شملهم ، وخرج في أثناء وزارته على الدولة حسن باشا محافظ حلب وتبعه ابن الطيار كافل الشام والوزير كنعان وانضاف إليهم من العسكر جمع عظيم ، وكان خروجهم خوفا من صاحب الترجمة وحسدا له فصرف وجه همته إلى الانتقام منهم فقتلوا على يد مرتضى باشا.

ثم قال : وبعد أن تمهدت البلاد وتوطدت أحوال الملك وأمنت الغوائل واطمأنت الناس تفرغ الوزير صاحب الترجمة لإجراء الخيرات فعمر الخان المعروف به في طريق قسطنطينة بين أسكي شهر وأزنيق والخان والعمارات الكثيرة في إدلب وفي بلاد روم إلي مما صار تعلقا عظيما وجوارا جسيما ، ثم وقف على جهات ، وقد وقفت على صورة الوقفية بإنشاء المولى أنسي وذكرت ديباجتها في ترجمته.

وصف إدلب

للفاضل برهان الدين أفندي العيّاشي مفتيها الآن

قال في رسالة أرسلها إلينا : «إدلب» هي قصبة قديمة إسلامية بها جامع عمري ، ولم أقف لها على ترجمة فيما وصل إلي من كتب التاريخ ولا عرفت بانيها ولا اطلعت لأحد من المتقدمين على ذكرها سوى ما ذكره السيد مرتضى الزبيدي في شرحه للقاموس بقوله : وفاته ذكر إدلب وهما قريتان كبرى وصغرى من أعمال حلب. اه.

وكلامنا الآن على إدلب الصغرى لأن الكبرى الآن خراب يباب ، وهي الآن من أعمال حلب وموقعها بالجانب الجنوبي الغربي من حلب والمسافة بينهما اثنتا عشرة ساعة والطريق بينهما سهل ، وبناؤها في بسيط مرتفع من الأرض وعمارتها من الحجر الصلد الخالص البياض وأزقتها واسعة ومفروشة بالبلاط وهي كثيرة المساجد وصلاة الجمعة تقام بها في ثلاثة عشر جامعا وأهلها مسلمون يقلدون الإمام الشافعي في عباداتهم ، وفيها ما يقارب مائة بيت من طائفة نصارى الروم الأرثوذكس وعاداتهم في الغالب تشابه عادات المسلمين حتى إن نساءهم يستترن كتستر النساء المسلمات ، وبين الفريقين ألفة ومودة ، ولسان أهلها عربي ، وفيهم سجية الكرم وحب الغريب وإكرام الضيوف ، وبها مصانع وصهاريج لجمع ماء المطر ومنه يشرب أهلها لفقد الماء الجاري بها ، ويوجد في بعض بيوت الأغنياء

٢٢٢

آبار ماؤها ملح يستعملونه في حوائجهم الضرورية ، وفي البلدة بئر ماء معين واقع في جانبها الغربي الشمالي متصلة في التلة الغربية من البلدة تستقي حماماتهم من مائها ، ويوجد في شمالي البلدة على بعد عشرين دقيقة في خرائب إدلب الكبرى عدة آبار ماء معين عذب يشرب منها أبناء السبيل وربما يستقي منها أهل البلد عند قلة ماء المطر ، وأغزرها ماء بئر يسمى (البريات) قلما ينزح ماؤها مهما توافدت عليه الوراد. ويوجد أيضا بجانبها الغربي على بعد مسافة ساعة عيون ماء معين يجري على وجه الأرض تسمى (مرتين) من أعذب مياه الدنيا وأطيبها وهو يسقي ثلاثة بساتين متنوعة الأشجار مختلفة البقول. (١)

أما موقع البلدة فلطيف للغاية لاحتباك شجر الزيتون وإحاطته بالبلدة من أطرافها الأربعة إحاطة الهالة بالقمر على مسافة أكثر من ساعتين من الجهات الأربع ، ويتخلل أشجار زيتونها أنواع من الشجر النفيس كالتين المتنوع الأشكال والعنب المختلف الألوان وكذلك المشمش واللوز والجوز وكثير من الأشجار ذات الثمار اللذيذة.

وأما الهواء بها فمعتدل للغاية والحر بها قليل الدوام سريع الزوال ، وأرضها جيدة وتربتها قابلة الإنبات وترابها أحمر قان ، وقد كان مرتبها قبل ثلاثمائة سنة شيئا زهيدا يدفع بجهة الخراج الموظف لجانب الدولة العثمانية. وحينما اجتاز بها المرحوم محمد باشا الكوبريلي شاهد من أهلها حفاوة وإكراما فابتاع بها قطع أراض معدودة ، ولما عهد إليه بمسند صدارة الدولة العثمانية أمر بإنشاء عدة عقارات في إدلب أدخلها في جملة وقفه. ثم استحصل فرمانا عاليا من السلطنة العثمانية باقتطاع وارداتها بجهة التمليك الملوكي وجعلها جفتلكا مستقلا خاصا بدولته مفروز القلم عن غيره مقطوع القدم من تسلطات أحد من المأمورين واستثناها من جميع التكاليف الأميرية بما استحصله من الامتيازات العالية حتى يروى أن أحد الجناة في غير بلاد إذا دخلها فقد أمن على نفسه من أن تصل إليه يد أحد. وكان يرسل لأجل إدارة شؤونها متسلما من خواص لائذيه ويعامل حسبما يتلقاه من أوامر سيده موليه أهلها بالعدل والإحسان ، فهرعت إليها بالجهرة أهل القرى المجاورة وقصدها الكثير من أطراف البلاد وتديرها طوائف من الناس ، ثم اختصها بطبخ الصابون دون سائر بلاد حلب فأنشئت بها ثلاثة وثلاثون مصبنة كلها تطبخ الصابون بحيث يصل منه إلى بغداد والروم إيلي وغيرها من

__________________

(١) أقول : جلبت عيون مرتين إلى إدلب هذه السنة وهي سنة ١٣٤٣ بمساعي المفتي المذكور وقائم مقامها وطنينا توفيق بك الحياني ، وسنذكر ذلك في الكلام على أعمال دائرة النافعة.

٢٢٣

البلاد الشاسعة ، وبذلك أصبحت مصرا بين الأمصار ومعدودة في مصاف المدن الكبار ، وبقيت على هذا المنوال ما ينيف عن نصف قرن ثم تبدلت الأحوال بتبدل الأزمان سنّة الله في خلقه ولن تجد لسنّة الله تبديلا.

وصف إدلب أيضا

لصديقنا الشيخ كامل الكيّالي (١)

قال : عرفت هذه البلدة قديما وحديثا بحسن المناخ وطيب الهواء وجودة التربة والثمرة واعتدال الطقس في الفصول الأربعة. تسامت بموقعها الطبيعي لانبساطها على مرتفع من الأرض يساوي قمة الجبل الغربي المتصل بالجبل الجنوبي المعروف بجبل ريحا ، ويقال له في القديم جبل السمّاق واشتهر في الأيام الأخيرة بجبل الزاوية ، ويبتعد عنها بمقدار بضع كيلو متر ، وبهذا المقدار يبتعد عنها من شمالها الجبل الأحمر ويقال له الأعلى وجبل الشيخ بركات ، ومن شرقيها جنوبا إلى الشمال سهولها الواسعة الخصبة المتصلة بسهول حلب تقطع القفول مسافة هاته السهول باثنتي عشرة ساعة وهي عبارة عن أربعين كيلومترا تقديرا.

يزيد هواء هذه البلدة طيبا وصفاء احتفاف نطاقها بأشجار الزيتون المباركة المستديرة بها استدارة السوار بالمعصم بحيث يسير الراكب في ظلالها من أي جهة قصدها مسير ساعتين على سير الخيل ، يتخللها كروم العنب والتين المقسم به المضروب به المثل ، ومناظر هاتيك الكروم زاهية زاهرة ، وقلما يوجد منها عاريا عن شجر الزيتون ، ومن ارتقى على نشز عال ونظر إلى هذه البلدة واحتفافها بالزيتون من كافة الأطراف سيما حينما تترنح أغصانه بتمويج الهواء يتخيل له أن هناك بحرا مضطربا قامت في وسطه جزيرة شائقة شاهقة.

كما عرفت هذه البلدة بطيب الهواء عرف أهلها بطيب الأخلاق وحسن المعاشرة وإقراء الضيف ومؤاثرة الغرباء على الأقرباء وبالذكاء والسخاء الفطريين ، وفيها يقول رحال كبير من فضلاء دمشق الشام بعد كلام جميل في وصفها يطول شرحه :

__________________

(١) نشرها في أربعة أعداد في جريدة البريد السوري الحلبية من عدد ١٦١ فصاعدا بتاريخ ٢٣ صفر سنة ١٣٤١ و ١٤ تنشرين الأول سنة ١٩٢٣ بعنوان «لمعة من تاريخ إدلب».

٢٢٤

إن قيل إن الشام عين بلادنا

صدقوا ولكن إدلب إنسانها

فاقت على عدن الجنان كرومها

وعلى الكرام لقد سمت سكانها

كانت قبل الفتح الإسلامي إلى أواخر القرن العاشر ذات محلتين إحداهما كبرى شمالية والثانية صغرى جنوبية ، وإليها أشار السيد مرتضى الزبيدي في كتابه تاج العروس فيما استدركه على القاموس حيث قال : (ومما فات المصنف ذكر إدلب الكبرى والصغرى من أعمال حلب) ونسب إليها أستاذه السيد شعيب الكيالي في مادة (كيل). ثم انضمت الكبرى إلى الصغرى وصارتا كتلة واحدة على ما سيأتي بيانه قريبا. والوثائق المحفوظة بمكاتب أهلها أن أصلها (إدليب) بياء بعد اللام وربما رسمها بعضهم بالذال المعجمة ثم طرأها ما طرأ كيانها من التحريف والتصحيف فقالوا (إدلب) وغاية ما هنالك أنها لفظة غير عربية ، وقدم تاريخها المجهول يدل على أنها (كلدانية) ويؤيده النقش الكلداني من الصور والتماثيل النافرة الظاهرة في صفحات بعض الأحجار الضخمة من آثارها القديمة المشابهة لأشكال الرسوم المشاهدة في أحجار باب مسجد قاقان في عقبة حلب ، تلك الرسوم التي استدل بها بعض مؤرخيها على كلدانيتها وسبق تاريخ وجودها على وجود الخليل عليه‌السلام.

طرأت على إدلب طوارىء مهمة في أدوار مختلفة فحدثت فيها حوادث هائلة ونشبت حولها معارك مدهشة سيما في القرون الوسطى زمن التنازع بين ملوك الطوائف في هذه الأقطار. ومن نظر في تواريخ مقامات الشهداء الشاهدة بخطها الكوفي والعربي على أحجار أضرحتها الضخمة البارزة فضلا عن المتردمة التي تبرز آنا فآنا للباحثين يتحقق عظم ما دار حولها من العظائم والوقائع رغما عن عدم وجود تاريخ يجمع بين دفتيه تفاصيلها ويفصح عن درجة أهميتها ، ونكتفي عن كتابة تاريخ لها يثبت قدمها وتقدمها وما كان للملوك من شدة الاعتناء بها وجود بعض الآثار الملوكية بها للآن ، فإن شاهد الحس أثبت من شاهد النقل. أخص بالذكر من تلك الآثار المهمة القديمة جامعها العمري المعمور للآن ولا أدري أهو خطابي النسبة أم أموي ، والذي يتبادر إلى الحقيقة الثاني إذا تذكرنا أموي حلب وهي من إيالتها. ومنها الملجأ العظيم الذي كان أنشأه الملك السعيد ابن الملك الظاهر بيبرس المعروف الآن بخان الشحاذين ، ذلك البناء الفخم الذي وقف له الأوقاف الكثيرة ليأوي إليه عابر والسبيل وعجزة العفاة ، ولكن مع الأسف قد عفا رسم أوقافه ولم يبق إلا هيكل بنائه ينتفع بالالتجاء إليه غرباء الشحاذين في فصل الشتاء ، وقد كان قبل ستين سنة تسبق تاريخ اليوم

٢٢٥

تهدم معظمه فقام بعمارته ومرمته أهل الخير وتم على ما هو عليه الآن. وكانت اليد العاملة في إعماره للمرحومين السيد إسماعيل الكيالي والشيخ نجيب الحميداني وقد أخرجا من بابه حانوتين لتعود غلتهما على ما يلزمه من المرمة استبقاء لعينه ، فجزى الله المحسنين خير الجزاء. ومنها مما سيأتي بيانه.

ما سبب تسميتها إدلب الصابون :

عرفت هذه البلدة من القديم بعمل الصابون لعظم وارداتها من ثمر الزيتون المغروس أكثر أرضها بشجرته المباركة ، فكان بها تحت الأرض من المعامل لعصر الزيت ما ينيف على مائتي معمل تزاول عصره من أوائل فصل الشتاء إلى منتصف الصيف ، وذلك بسبب أن آلة العصر كانت في تلك العصور إنما هي (القضيب والفليجة) المتخذتان من الخشب على شكلهما البسيط ، وما زالتا مستعملتين إلى أن ظهرت منذ أربعين سنة الآلات الحديدية ، فمجموع المعامل الآن بها منها خمسون معملا أكثر أبنيتها قائم على وجه الأرض. وكان يوجد بها لطبخ الصابون ستة وثلاثون مصبنة منها ذات القدرين وذات الأربعة ، وعلى كثرة هذه المصابن كانت نيرانها دائمة الاضطرام تحت قدور الطبخ عامة أيام السنة حتى شكلت على التمادي من مرجوع القلى الذي هو أحد المواد المستعملة في طبخ الزيت صابونا هاتين الرمادتين القائمتين على طرفي البلدة ، إحداهما في الغربي الشمالي والثانية في الجنوبي الشرقي ، وكل منهما على رغم تقادم العهد وما جرفه السيل وأذرته الرياح كالطود العظيم ، ويوجد أيضا في جهتها الشمالية على حافة الجادة الغربية الموصلة إلى معرة مصرين رمادة ثالثة دونهما في الحجم ، وكفى بهذه الآثار العظيمة دليلا على عظم ما كانت تخرجه هذه المعامل من الزيت والصابون ، لم لا وقد كان محظورا طبيخه على سائر البلاد السورية بمقتضى الأمر السلطاني القاضي بحصر عمله في معاملها على ما يأتي تفصيله. ولكن مع الأسف لم يبق من تلك المصابن سوى اثنتين إحداهما في البازار المتوسط معطلة بيد العياشية ، والثانية في محلة الكيّالية بيد بني المعلّم لكنها غير مستديمة العمل ، وهناك ثالثة صغيرة يستعملها في فصل الشتاء أصحابها من بني البعّاج.

بقدر ما كانت هذه البلدة في الأدوار السابقة راقية في صنعة الصابون كانت تجارتها راقية ، وذلك حينما كان مرفأ ثغر اللاذقية عامرا ولم يكن من ثمة لثغر الإسكندرونة من ذكر ، فكان كل ما يلقيه البحر إلى الداخل من البلاد العربية حتى العراق على مرفئها وما

٢٢٦

يرد إليه من واردات تلك الجهات أخذا وإعطاء ومبادلة إنما يصدر على الغالب بواسطة تجار إدلب وقوافلها وعملاتها لتوسط مركزها بين المدينتين اللاذقية والشهباء ، فكانت آنئذ واسطة العقد بينهما ومركز الدائرة لما التفت حولها من البلاد. ولما رأى الصدر الأعظم للدولة العثمانية في أوائل القرن الحادي عشر أهمية مركزها الجغرافي والتجاري وجه إليها نظر الاعتناء فزاد في عمارتها عمارات كثيرة ورتب أسواقها على نسق أسواق المدينة في حلب فجعل لكل حرفة وبضاعة سوقا خاصا ، وانضمت إليها بمدة وجيزة محلتها الكبرى إدلب الشمالية وكانت المسافة بينهما مقدار ألف متر فصارتا كتلة واحدة ، وعندئذ توسع نطاقها واتسع سورها ، وكان له بابان فصار له خمسة ، أما اليوم فلم يبق للسور من أثر إلا ما كان من بعض أحجار في الباب الغربي الجنوبي غائصة في الأرض وهو الذي يدخل منه إلى بازار الدواب ، وكذا الحجر السفلي من الباب الغربي الشمالي الذي يدخل منه إلى محلة الشهيد وفخذ الباب الجنوبي الواقع غربي تربة الإمام الكاملي وبعض رسوم جادة لبوابات تلك الأبواب.

ومن عمارات الصدر المشار إليه الباقية للآن الخان المعروف بخان الرز الكائن أمام الجامع المنسوب إليه وسوق البازركان المتصل به.

ثم إنه بعد أن أتم نظامها على ما سلف أصدر أمرا سلطانيا جاء في بعض مواده إعفاء أهل هذه البلدة وكل من يأوي بالسكنى إليها من كافة التكاليف السلطانية حتى من الأعشار المشروعة مدة عشرين سنة على أن تعود تلك الأعشار خاصة بعد المدة المضروبة إلى مصالح الحرمين المحترمين المكي والمدني ، وأن من لجأ إليها على سبيل الإقامة والاستقامة أمين في سربه من كل غائلة لا يسأل من طرف الحكومة عمّا فعل ولو كان جانيا جناية القتل ؛ ومعلوم ما كان إذ ذاك من استعظام تلك الجريمة بعكس اليوم (فما أكثر الجرحى وما أرخص القتلى) وأن من ينسب إلى الخرقة العلمية سواء كان من أهلها أو من سواها يكون على غاية من العناية والرعاية إلى غير ذلك من الامتيازات التي من أهمها حصر عمل الصابون في معاملها وحظره على سائر البلاد السورية وإخطاره الحكومة في كافة الجهات من المخالفة بشديد المعاقبة ، فمن ثمة اشتهرت بإدلب الصابون وصارت كعبة القصد سيما وقد وطد أمر الحكومة بها على دعائم العدل المفرط وخصص لها قوانين خاصة بها امتازت بها على كافة ما جاورها من البلدان ، على أن تواصيه كانت ملتزمة متوالية بشأنها وشؤون سكانها

٢٢٧

على الأخص منها أهل العلم والصلاح والذمة آنا فآنا تترى من قبله إلى ولاة حلب ومنها إلى متسلميها من حكام الإدارة والسياسة ، وما زالت هذه عنايته بها مدة حياته الأمر الذي حمل أهالي القرى التي حولها إلى تحويل الوجهة بالهجرة إليها والسكنى بها. وكانت نحوا من ثلاثين قرية وها هي محالها الآن مزارع ومغارس لأهلها اليوم ، وكذا رغب الانحياز إليها كثير من أهالي البلاد الدانية منها كالجسر وحارم وأنطاكية والمعرة وريحا وسرمين ومعرة مصرين والقاصية عنها كاللاذقية والأدهمية ودمشق وحمص وحماة وحلب ، تلقب إلى اليوم بقايا تلك العائلات فيها بأسماء محلاتها الأصلية فلا تعرف إلا بالنسبة إليها.

فمما تقدم عظم شأنها وراجت بضائعها ونمت زراعتها وكثرت صنائعها واتسع نطاقها وطاب الاستقرار بها حيث أصبحت مأمنا لكل خائف ومأمولا لكل آمل ، تختال سكنها تيها بتلك الامتيازات الملوكية في بحبوحة من العيش متدرجة يوما فيوما على درجات الارتقاء إلى ذروة السعادة والنجاح دون خلود إلى راحة الخمود والجمود كما هي عليه اليوم ، ولا أدري إلى ماذا يكون مصيرها إذا لم تستيقظ من سباتها وتسعى سعيها في استرجاع ماضيها الزاهر ورقيها الباهر.

ما سبب شهرتها بالأزهر الأصغر :

بقدر ما كانت تجارة هذه البلدة راقية وشؤونها العمرانية زاهية نامية كانت من الوجهة العلمية أرقى درجة وأسرع حركة وأبعد صيتا وأعظم شهرة ، فقد أنجبت فيما سلف من أهل العلم والعرفان أئمة عظاما شاع ذكرهم وعبق عطرهم ، شهدت بفضلهم أعلام الأمصار وسارت سيرتهم كالشمس في رابعة النهار. أخص بالذكر منهم تنويها بشأنهم لا استقصاء لعددهم الإمام الكبير الشيخ أحمد الكاملي وولده المفتي الشيخ ياسين والأستاذ الجليل السيد الشيخ إسماعيل الكيّالي وأولاده الخمسة وأشهرهم السيد شعيب من أشياخ السيد مرتضى الزبيدي شارح الإحياء والقاموس كما ذكره في مادة (كيل) فيما استدركه من الكلمات على القاموس المحيط وترجمه المرادي الدمشقي في تاريخه سلك الدرر ، والعلّامة الكبير الشيخ عمر الفيومي والشيخ صالح الحميداني الكبير أحد تلامذة السيد شعيب المشار إليه والمحشّي لكتابه الوامق ، والشيخ علي الجوهري والشيخ عبد الرحمن الجوهري الكبير ، والشيخ شومان الشهيد الذي نوّه بشأنه الشيخ أبو السعود الكواكبي الحلبي في إحدى مجموعاته والشيخ السلموني والشيخ يوسف الحمداني والعلّامة الأسقاطي الأزهري

٢٢٨

والشيخ أحمد المرتيني الكبير وأضرابه الأجلّاء كالشيخ خليل أمين الفتوى الذي ينسب إليه الجامع المعروف بجامع الشيخ خليل لطول مجاورته فيه وكالعلامة الفرضي الكبير الشيخ محمد محي الدين الكيّالي والشيخ الكاملي الصغير حفيد الكاملي الكبير صاحب القابوس مختصر القاموس ، ومنهم إمام عصره السيد محمد حافظ أفندي الكيّالي الكبير والأستاذ المعروف بالغزالي الثاني والأستاذ الشيخ عمر أفندي المرتيني الشافعي الصغير وأخيه الشيخ صالح وأولادهما والشيخ عبد القادر النوري الكيالي وأولاده أصحاب التصانيف العديدة ، والشيخ محمد الجوهري الكبير والشيخ صلاح الجوهري وغيرهم ممن يطول شرحهم ، ولهؤلاء الأعلام بقية خيرهم خير خلف لخير سلف أدركنا منهم جملة منها أفاضل لا تزال في قيد الحياة نفع الله بهم وبأمثالهم البلاد والعباد ، ولكل من ذكرناه من أولئك الجهابذ آثار حميدة ومآثر مفيدة تستوعب لو بسطنا الكلام عليها مجلدا ضخما عدا من تقدمهم من الطبقات فيما قبل الألف الهجرية ، وبعزمي إن ساعدني القدر إنشاء تاريخ يجمع ما يسعدني الحظ من العثور على بعض تراجمهم مرتبا فيه أسماءهم الكريمة على الحروف الأبجدية قاصدا بذلك خدمة العلم والعلماء واستلفاتا لأنظار ناشئة اليوم إلى ما عساهم أن ينظروا في سيرة أسلافهم فتهزهم حمية الانتماء إليهم إلى الاقتداء بهم والسلوك في مسالكهم. إذا كانت بهذا السلف الصالح وما ظهر وبهر من علومهم وشهد لهم الأقران في منطوقهم ومفهومهم تسمى هذه البلدة على ما اشتهر الأزهر الأصغر.

ويقال إن أول من وصفها بهذا الوصف الزاهر إمام عصره الحجة العمدة الثبت الثقة العلم المفرد الشيخ حسين التونسي ثم المصري الأزهري وذلك حينما قدم إدلب خلال تجواله في البلاد السورية سنة أربعين بعد المائتين والألف وأقام بها مدة غير قليلة فكانت تجتمع عليه علماؤها وقتئذ وتجري بينهم المذاكرات والمباحثات النظرية ويطارحهم المسائل العويصة والمشاكل الدقيقة ويساجلهم في ضروب من الأبحاث النقلية والعقلية فيجد منهم ما لم يجده في علماء البلاد ممن ناظرهم وحاورهم ، فأجاز فيها واستجاز ، ولما كانت تجتمع عليه العلماء من غيرها ويرى منهم التقصير في المناظرة يقول لهم : اذهبوا إلى إدلب فإن هناك الأزهر الأصفر ووفروا كلفة المشقة بالذهاب إلى مصر. وقد صدر مثل هذه الجملة عن جملة من أهل الفضل منهم العلامة الشهير الشيخ عبد الغني أفندي الرافعي أثناء وجوده بها قاضيا سنة ثلاث وتسعين بعد المائتين والألف ، وله كما للأستاذ التونسي المتقدم محاورات

٢٢٩

ومناظرات لو تدوّنت لشكلت حجم كتاب ضخم سنأتي على بعض ما وصلنا منها في تاريخنا المنوي إن شاء الله إنشاؤه.

إجمال أحوالها :

وبالجملة فإن تطورات هذه البلدة في الأدوار السالفة عجيبة جدا ، فتارة قرية وتارة قصبة وتارة قضاء كبيرا وطورا منحطة ، سنة الله في ملكه. أما حالتها اليوم ففي دور التوقف عدا حالتها التجارية فإنها هاوية إلى أسفل دركات الانحطاط لتوقف حالة التجارة في اللاذقية منذ أهمل مرفأها الذي كان عامرا قبل خمسين سنة على حين لم يكن لمرفأ الإسكندرونة من ذكر ، وقد أشرنا إلى هذه النقطة آنفا ، وهناك أسباب أخر ، منها رفع انحصار عمل الصابون في إدلب وإباحته لبقية البلاد السورية وقد كان كما علمت محصورا بها محظورا على غيرها ، ومنها مرور السكة الحديدية بين دمشق والشهباء في الأراضي الخالية من الأملاك المدورة البعيدة عنها دون مرورها بها مع اتصال خط (الشوسة) من ثغر الإسكندرونة إلى حلب بحيث أصبحت كالثغر الوحيد للداخل كما كانت اللاذقية في السابق ، وكان العقد بينها وبين الشهباء وضواحيها مركز إدلب ، إلى غير ذلك مما يطول بيانه.

وأما حالتها من الوجهة العلمية فبهذه النسبة منحطة جدا سيما في الأيام الأخيرة عندما اضطرمت نيران الحرب العامة وأتت على الرطب واليابس ومزقت وثائق الامتيازات التي منها امتياز أهل العلم وطلابه باستثنائهم من الخدمة العسكرية ، فإن الطلبة في إلغاء تلك الامتيازات تفرقت في مواقع الحروب أيدي سبا ، ومعاهدها العلمية لفقد مجاوريها تعطلت وأكثرها اليوم متداع إلى الخراب بعد أن كانت بأهلها آنسة عامرة تضاهي معاهد العلم في معظم البلاد الراقية.

وأما حالتها من الوجهة العمرانية فهي منذ خمسين سنة حتى اليوم مركز قضاء كبير يليق أن يكون لواء من جهات متعددة ، أهمها احتواء هذا القضاء على نواحيه الثلاث : ريحا ، سرمين ، معرة مصرين ، ويتبعها ما ينيف عن مائتي قرية ومزرعة وقد استدارت بمواقعها الطبيعية حول مركز هذه البلدة كاستدارة أشجار الزيتون بها ، وعلى هذا الشكل قد

٢٣٠

التف حول هذا القضاء الأقضية المجاورة كالمعرة والجسر وحارم وسمعان ، وأراضي كل من هذه الأقضية متاخم لأراضي هذا القضاء ، وبين كل منها وبينه غاية التلازم والتلاحم والتداخل في الأخذ والعطاء وأكثر المعاملات السائرة.

ولو أمعنت حكومتنا اليوم في هذه النقطة المهمة لما وسعها إلا تشكيل هذا القضاء لواء بالاستحقاق ، ولا يخفى على العارفين ما ينجم عن ذلك من الرقي والنجاح فيما يعود على الدولة والملة بالفائدة المادية والأدبية ، على أنه بلغني أن الحكومة كانت عزمت على ذلك بيد أنها تأخرت عن التشكيل ريثما تساعدها الظروف ويتسنى لها إبراز هذه الفكرة إلى حيّز العمل والإجراء.

وأما حالتها من وجهة الأمور الخيرية ومسائل الأوقاف فهي كحالتها من الوجهة العلمية والتجارية منحطة جدا ، وعلى كثرة معابدها ومساجدها ورباطاتها كانت أوقافها كثيرة العدد وافرة الغلة ، وعلى هذه الكثرة قد أخنى عليها الدهر وتداولتها أيدي المتنفذة باسم التولية تارة وباسم التحكير أخرى ، حتى إن كثيرا منها لو لا عناية مجاوريها من أهل المساعي الخيرية يجمعون من جيوبهم غلة ينفقونها في مرمتها لذهبت كذهاب أوقافها بالعين والأثر.

مما أسلفناه لك أيها القارىء الكريم في هذه المقدمة عن تاريخ هذه البلدة [وكلها حقائق ناصعة ثابتة بالبيان والعيان] تعلم درجة أهميتها وأهمية مركزها وشؤونها في أطوارها وأدوارها وما كان لها من الماضي الزاهر والتاريخ العجيب بحيث لو كان مدونا لكان تاريخا مجيدا ، لكنها مع كمال الأسف لم يكن لها حظ من يراع المؤرخين ممن تقدم أو تأخر حتى ولا من أهلها على كثرة كتابها ونبغائها قديما وحديثا وحتى هذه الساعة ، بل إن أكثر حوادثها وما يتعلق بشؤونها التاريخية يرويها منهم الخلف عن السلف أخذا من الأفواه وحفظا في الصدور كما كان عليه رواة الأحاديث عند إرادة تدوينها في الصدر الأول. ومن العجيب أن أكثر المؤرخين قد أرخوا لكثير من قراها ولواحقها المحاذية لها على غاية القرب منها كبكفلون ودانيث وترنبة وسرمين وضربوا صفحا عن ذكرها إلا ما كان على طريق الاستدراك كما فعل الزبيدي في شرح القاموس ، وقد سبقت إشارتنا إليه ، أو الاستطراد بذكر البعض

٢٣١

من مشاهيرها كالمرادي في ترجمته للأستاذين السيد شعيب وابن عمه السيد عبد الجواد الكيّالي الحلبي ، وكالمحبي في ترجمة الصدر محمد باشا الكوبريلي ، وربما تعرض لها بعض التعرض على ما أظن صاحب در الحبب في تاريخ حلب (١) ، وأخيرا صاحب الذيل لمعجم البلدان بعبارة وجيزة جدا ، وسنوالي إن شاء الله المقال على ما تحتويه البلدة من الآثار القديمة والحديثة وعلى ما ينشأ ويتفرع عنها وعن ملحقاتها من المحصولات والمستغلات وعن أحوالها الإدارية ودوائرها الرسمية بفصول ضافية نلتزم بها إعطاء كل ذي حق حقه مستوفى بالكيل الأوفى وكل آت آت (٢).

سنة ١٠٧٧

ذكر تولية حلب لحسين باشا

بعد محمد باشا أبي النور ولي حلب حسين باشا في هذه السنة وبقي في الولاية إلى سنة ١٠٨٠ كما في السالنامة.

قال المحبي في ترجمة حسين باشا الوزير المعروف بصاري حسين أي الأصفر : وكان من مشاهير الوزراء له الصولة الباهرة والهيبة العظيمة ، وكان فيه تلطف بالرعايا وانتقام من ذوي الكبر والمناصب ، ولي حلب مدة ثم نقل منها إلى نيابة الشام في سنة إحدى وثمانين وألف. ثم ساق المحبي آثاره في دمشق وأحواله فيها فراجعه إن شئت.

__________________

(١) أقول : تعرض لها في آخر صفحة من تاريخه حيث قال في ترجمة أبي يزيد بن أحمد المعري الكفر رومي ثم الإدلبي : إدلب الصغرى مريد سيدي علوان الحموي ويظهر أن وفاته في أواسط القرن العاشر ولم أجد لها ذكرا في كتاب قبل هذا التاريخ ، ويظهر أنها كانت قرية صغيرة لذا لم يتعرض لذكرها صاحب المعجم ولا ابن الشحنة في نزهة النواظر وإنما الأهمية في ذلك الحين لجارتيها معرة مصرين وسرمين حيث كان في كل واحدة منهما وال وقاض كما سيأتيك في حوادث سنة ١٠٩٧ وهذه كانت تابعة لواحدة من هاتين ، والفضل في تقدمها وعمرانها يرجع إلى محمد باشا الكوبريلي كما تقدم ذكره.

(٢) أقول : اخترمته المنية قبل بلوغه هذه الأمنية وكانت وفاته في ١٨ ذي الحجة سنة ١٣٤٢ رحمه‌الله.

٢٣٢

سنة ١٠٨١

كان الوالي فيها إبراهيم باشا ، ثم عزل في هذه السنة وولي سلحدار حسين باشا كما في السالنامة.

وفي هذه السنة حصل طاعون بحلب خرج فيه من باب المقام في يوم واحد ألف جنازة ١ ه‍. (١).

سنة ١٠٨٢ : كان الوالي فيها قبلان مصطفى باشا.

سنة ١٠٨٥ : كان الوالي فيها إبراهيم باشا.

سنة ١٠٨٩ : كان الوالي فيها حسين باشا.

سنة ١٠٨٩ : كان الوالي فيها قره محمد باشا وعمر فيها الخان العظيم المسمى بخان الوزير في محلة السويقة كما في السالنامة.

قال الشيخ بكري الكاتب في مجموعته : وفي أثناء ولاية قره محمد باشا حرروا بيوت الأشراف واليكيجارية.

سنة ١٠٩٢

في هذه السنة حصل غلاء بيع رطل الخبز في حلب بثلثي قرش (اه من رسالة الفنصاوي).

سنة ١٠٩٣

كان الوالي فيها محمود باشا. قال في تاريخ راشد : نقل من ولاية ديار بكر إليها ثم استدعي في هذه السنة إلى الآستانة فأسند إليه منصب الصدارة.

ثم كان الوالي فيها أيضا بكر باشا كما في السالنامة. وفي قاموس الأعلام أنه وليها في هذه السنة مصطفى باشا مصاحب. وقال في ترجمة المذكور : إنه كان أولا من أخصاء الحضرة السلطانية ، ثم وجهت إليه رتبة الوزارة ، ثم نال شرف مصاهرة الحضرة السلطانية في سنة ١٠٨٦ ، وفي سنة ١٠٩٣ عيّن واليا إلى حلب ثم صار قبّه نشين ، وفي سنة ١٠٩٥ صار مسند قبوادان بعد مصطفى باشا السلحدار ، وفي سنة ١٠٩٨ توفي هناك وهو في هذه الوظيفة اه.

__________________

(١) كما في رسالة الطاعون والغلاء لعبد الله بن قاسم الفنصاوي بخطه.

٢٣٣

سنة ١٠٩٤

مقتطفات من مفكرات (شوفاديه دارفيو) عن حلب

في سنة ١٦٨٣ م الموافقة لهذه السنة كان معتمد (قنصل) الدولة الإفرنسية في حلب الموسيو (شوفاديه دارفيو) وهو ممن تقلب في هذه الوظيفة في عدة بلاد من بلاد الدولة العثمانية من جملتها حلب ، وكان يكتب عن كل بلدة حل فيها ما يشاهده من عمرانها وأحوال الحكومة فيها وأخلاق أهلها وعاداتهم فجمع من ذلك ستة مجلدات سماها [مفكرات شوفاديه دارفيو] وهي باللغة الإفرنسية وقد طبعت في باريس في مطبعة [شارل جان باتيست دليسين لوفيس] وفي الجزء السادس من أواسطه إلى آخره كتب عن حلب وحالتها وقتئذ ، فاقتطفنا منه مايهم الوقوف عليه من عمرانها وطرز الحكومة فيها وعادات أهلها وأخلاقهم في ذلك العصر وأهملنا منه ما هو معروف أو ما لا طائل تحته.

قال في وصفها ووصف قلعتها :

إن حلب هي أجمل البلاد العثمانية بعد قسطنطينية والقاهرة بلا خلاف ، وهي واقعة في عرض ٣٦ ونصف من المنطقة الجنوبية وفي طول ٦٥ من خط الاستواء. وهي مبنية على سبع رواب الأربع العظام منها هي ضمن السور وأعظمهن هي الرابية الواقعة في وسط البلدة وهي القلعة ، وهي محاطة بالأحجار العظيمة ويحيط بها خندق عميق مملوء إلى نصفه بماء المطر ، ولطول بقاء هذا الماء وكثرة ما يلقى فيه من الأقذار ومن جثث القتلى تجد الروائح المنتنة تفوح منه كثيرا ، وفوق باب القلعة قصر عظيم يقال إنه مبني من زمن الرومانيين الذين كانوا في هذه البلاد ، وهو واسع جدا ، والولاة الذين يعينون إلى حلب والمتسلمون اتخذوه دار سكناهم ، وهذا القصر لارتفاع جدرانه مشرف على معظم البلد وهو ذو أهمية عظمى عند الأهالي ، وهو من إنشاء الإفرنج غير الصليبيين (أي من زمن الرومانيين).

يحكى أن هذا القصر أنشأه أحد ملوك الإفرنج بدون أن يكلفه سوى قيمة حجر كبير من نوادر الأحجار الكبيرة الثمينة ، ونظرا لكبر هذه الحجر وندورة أمثالها لم يجد في زمنه من يقدر على شرائها ، ودفع ثمنها فأهداها لابنته ، وهذه الملكة قبضت قيمتها بعض مراكب محملة بالذهب والفضة وبنت بها هذا القصر (١) ، وهذا القصر مع قدمه يوجد بعض

__________________

(١) لا صحة لذلك أصلا وسيأتيك ذكر من بناه في الكلام على القلعة.

٢٣٤

أبنية في البلدة هي أقدم منه ، ومع ذلك لا يشاهد في كل هذه المدينة بناية ذات شأن من الآثار القديمة.

وهذه المدينة كانت تسمى في العصور القديمة بيرا] Berea [والدليل على ذلك وجود هذا الاسم في كتب السريانيين الكنائسية ، ومهما تكن حلب قديمة فهي اليوم من أعظم مدن التجارة ما بين آسيا وإفريقيا وأوروبا. ويوجد فيها عالم من جميع أجناس الأمم القديمة ، والفينيقيون هم أول من جعل لها مركزا عظيما في التجارة.

والفرنساويون أيضا أسسوا فيها من زمن قديم محلات تجارية أغنت فيهم عددا غير قليل ، وفي وقتنا هذا الإنكليزيون أسسوا فيها محلات تجارية مهمة. والعجم ترسل إليها أدوية وحريرا وأقمشة ثمينة. ولمحصولات الهند رواج عظيم في حلب يجلب منها إليها كميات كبيرة. بيد أن بخل وشراهة الأتراك عطلت تلك التجارة الكبيرة بواسطة الضرائب الثقيلة التي تتقاضاها على البضائع. واجتهد الأتراك كثيرا في نقل البضائع التي كانت ترد إلى حلب إلى أزمير لتحصل أزمير على المركز الذي لحلب.

كلامه عن نهرها وبساتينها وأشجارها وأثمارها :

وحلب تسقى من نهر صغير يسمى بقويق أو (سيقا) أو (سيكمه) وفي الأزمنة الغابرة كان يسمى (بيلوس) ومنبعه يبعد عن حلب ثلاثة أيام بالقرب من عينتاب من الشمال الشرقي ، ومن هناك يجري إلى أن يمر من غرب المدينة ، وهو ينقسم إلى قسمين. وعن بعد ميلين لا ينظر في حلب إلى غير بساتينها ، لكن زراعتها مخالفة لطريقة زراعتنا وللكيفية التي نقتطف بها الأثمار من شجرنا. وشجرها غير مرتب مثل شجر بلادنا بل مختلط بعضه في بعض مع اعوجاج ، ومع ذلك فإنها تعطي الفائدة المطلوبة ، وجدير بهذه البساتين أن تسمى غابات واسعة ، ويوجد فيها أشجار خوخ بديعة جدا وكذلك أشجار برتقال وهي مغطاة بالزهور والثمر وكذلك أشجار ليمون (في زمننا هذا لا وجود للبرتقال والليمون في بساتين حلب ولا يوجد إلا في بعض الدور) وأشجار آجاص وعنّاب وتفاح ودراقنة ولوز ومشمش وتين من كل نوع وفستق ، وهنا تكلم عن الفستق بما لا طائل تحته ثم قال : ويوجد في هذه البساتين كثير من البطيخ الأخضر والأصفر والخضرة فيها كثيرة

٢٣٥

لا تقدر ، وبلدة مثل هذه البلدة يقتضي أن يكون فيها من الخضرة بهذا المقدار لتقوم بكفاية الأهالي بحيث إن الطاعون الذي حصل فيها سنة ١٦٦٩ مات فيه مائة ألف نسمة وبقي يفتك بالأهالي ثمانية أيام (تقدم الإشارة إليه في حوادث سنة ١٠٨٠).

كلامه على هوائها :

هواء المدينة وما حولها من البلاد حسن لطيف جدا ، لكن الغريب إذ دخلها وكان مبتلى بمرض من الأمراض فإن مرضه يظهر فيها وربما ساقه إلى الموت ، وهذا أمر صعب جدا على من يممها من الفرنساويين والإنكليزيين والشعوب الشمالية من الأمم التي تتعاطى شرب الخمر وتلقي بنفسها في حمأة الفسق والفجور.

كلامه على دورها ودورها وأبوابها وشوارعها وأسواقها وجوامعها وكنائسها :

يمكن للإنسان بالمشي المعتاد أن يدور حول المدينة في مدة ثلاث ساعات ، وأسواقها وشوارعها كثيرة على حالتها السابقة (كأنه يشير إلى ضيقها). ولحلب عشرة أبواب (عدّدها) ثم قال : ومفاتيح أبواب المدينة يحفظها زعيم الإنكشارية وعنده ٣٥٠ جنديا لمحافظة تلك الأبواب ، والإنكشارية معفوون من لبس طربوش التكليف (أي العسكرية الرسمية) مثل الآستانة وهم غير مجبورين على الذهاب إلى الحرب ، وهؤلاء بمثابة المستحفظ لا يساقون إلى الحرب إلا عند الاضطرار.

وبنايات حلب طبقة واحدة ، والتخوت الموضوعة في البيوت تغطى بسجاد وبسط كانت نسجت في معامل في نفس البلد ، وصناعها كانوا كثيرا ما يقلدون بعملهم أحسن مصنوعات العجم.

وفي كل دار من دور الأهلين لا يسكنها إلا عائلة واحدة ، ومتى بلغ الولد سبعا من العمر يحظرون عليه الدخول إلى مساكن النساء. وأحسن البنايات في المدينة هي أبنية الجوامع وعددها كثير ، والمنارات والقبب مصفحة بالرصاص وهي تستجلب نظر الناظرين لحسنها ، وأجمل هذه الجوامع الجامع المعروف بالبهرامية سمي باسم بانيه بهرام باشا حاكم حلب ثم جامع العادلية. وحسن الأبنية ليس في جوامع حلب بل خاناتها وأسواقها حسنة البناء أيضا ، وفي خاناتها حجر واسعة يستأجرها التجار الغرباء للسكنى ولتعاطي التجارة ، وبعض هذه الأسواق مغطاة بالرصاص (لا وجود لذلك الآن) وفي هذه

٢٣٦

الأسواق تجد كل ما تتطلبه نفسك من لوازم الزينة والحاجات الضرورية من اللؤلؤ إلى حصيرة القش.

والأرمن لهم في حلب كنيستان السريانيون منهم والمارونيون لكل طائفة كنيسة ، والنسطوريون لا كنيسة لهم لقلة عددهم وهم لذلك يختلطون بغيرهم.

الكلام على محلات حلب

المدينة منقسمة إلى ٧٢ اثنتين وسبعين محلة ولكل محلة إمام غير الإمام الذي في الجوامع ، وإلى هذا الإمام المرجع في جميع أمور محلته وهو الذي يجبي الضرائب المقررة على سكانها ويدفعها إلى الحاكم الكبير (الوالي) ، وهو منتخب من طرف أهل محلته مع مأمورين تابعين له يكونان تحت يده الأول هو من المشايخ وهو الذي يقبض الأموال ، والثاني حارس ، ويطلب من هذا محافظة المحلة ليلا منعا للسرقات والنهب ، وهؤلاء الثلاثة ليس لهم راتب معين غايته أنهم معفوون من الضرائب ، وهذان المأموران وإن لم يكونا معينين من طرف الإمام لكن للإمام الحق أن يرفض استخدامهما إلا إذا أثبت هذا ارتكابا لهذا الإمام.

من الاثنتين وسبعين محلة التي تنقسم المدينة إليها يوجد ٢٢ محلة داخل السور و ٥٠ محلة خارجه. ثم ساق أسماءها وعدد أبواب كل محلة ثم قال :

٢٣٧

(أقول) : وبعض هذه المحلات قد انقسم الآن إلى محلتين وبعض الأسماء قد تغير لكن ذلك قليل ، وسنذكر في آخر الكتاب عدد المحلات الآن مع بيان أسمائها إن شاء الله تعالى.

(ثم قال) : وجميع هذه الأبواب ما عدا الجوامع وقليلا من المحلات تدفع (ويركو) إلى الحاكم في كل سنة شيئا معلوما عن كل دار ، والمحصل الذي يقبض هذه الضرائب المرتبة من أظلم الناس ، والمحصلون لا يكتفون بتحصيل هذه الضرائب المرتبة بل يأخذون زيادات كثيرة ، وهذا التعدي والظلم المتمادي جميعه على علم من الحاكم وهو يغض عنه لأن له حصة في هذه اللصوصية. وعدا عن ذلك كان الحكام الذين يتعينون مجددا يأخذون ضريبة خصوصية غير معينة وزيادتها وقلتها ترجع إلى رأي هؤلاء الحكام الذين لا يبالون بما يرتكبونه من ظلم الرعية وأخذهم أموال الناس بغير حق ، وهم بعد أن يتناولوا من الرعية ما يشبعون به بطونهم الواسعة يتركون للناس حريتهم الدينية ولا يبالون بما يتدينون به.

عدد نفوس الشهباء في ذلك العصر :

ثم من الأمور الصعبة أن يعرف عدد سكان هذه البلدة على الضبط والتحقيق ، إنما الأقرب إلى الصحيح أن عددهم يبلغ من ٢٨٥ مائتين وخمسة وثمانين ألفا إلى ٢٩٠ مائتين وتسعين ألفا ، وذلك عموم السكان على اختلاف الملل والنحل ذكورهم وإناثهم.

والنصارى وحدهم يقدرون من ٣٠ ثلاثين ألفا إلى ٣٥ خمسة وثلاثين ، واليهود يبلغون ٢٠٠٠ ألفي شخص.

والنصارى يدفعون عن كل رأس ستة قروش تؤخذ ممن بلغ سن الشباب ويؤخذ نصف قرش عن كل رأس ، وقد يؤخذ من المراهقين ضريبة بدعوى أنهم بالغون.

وصفه لأخلاق أهل حلب :

وقد امتاز أهالي حلب على جميع البلاد العثمانية بحسن المعاملة والمجاملة واللطف ، وتلك الأخلاق سجية فيهم لا كلفة فيها سواء كانوا عربا أو أتراكا ، وتمنعهم تلك الأخلاق من إيقاع الضرر بغيرهم ، ولكنهم إذا انساقوا إلى الإضرار مشوا وأضروا. وهم يودون الغرباء وخصوصا الإفرنج فإنهم يودونهم أكثر من سواهم. ومعاملتهم في التجارة حسنة وهم مستقيمون فيها. وهم أهل غيرة دينية يحافظون على الشريعة الإسلامية أشد المحافظة (وهنا وصف اليهود بذميم الصفات ثم قال) : وجل ما يحترف به اليهود هو الصرافة والدلالة ،

٢٣٨

ومن رام تعاطي هذه الصنعة (الصرافة) لا بد له من أن يلتجىء إليهم وإلا فلا يروج أمره ، ويوجد منهم أغنياء يتعاطون الربا وهم ماهرون فيه.

وكل سكان هذه البلدة ما عدا الأشراف والمثرين يتعاطون التجارة والحرف وهم منقسمون إلى ٧٢ اثنتين وسبعين صناعة ولكل صناعة رئيس ، وعندما تطرح الضرائب القاسية على قسم من هؤلاء الأقسام فتقسيمها على الأهالي وتحصيلها منوط برئيس هذه الصناعة ، وهذا أيضا لا ينسى نفسه من الفوائد الذاتية ويقاسمه بهذا القرص الحلو الباشا والقاضي وغيرهما ممن يحميه ويدافع عنه إذا حصلت شكاية ما عليه.

كلامه على الوالي والمتسلم والقاضي وغيرهم من ولاة الأمور :

يمشي أمام الوالي رجلان يحملان علمين والعلم ذو شعب ثلاث واحدة بيضاء وواحدة معلقة ببيضة من نحاس مموهة بالذهب. وحكومة حلب تدفع سنويا ثمانين ألف قرش للوالي منها ٣٠ إلى ٣٥ ألفا يصرفها الوالي في حاشيته التي تبلغ من ٥٠٠ إلى ٦٠٠ شخص والباقي يأخذه لنفقته الخاصة ، لكن ما يبقى لا يكفيه لنفقاته لأن من هذا المبلغ يرسل هدايا ذات شأن للباب العالي حفظا لمقامه ومركزه عند كبار رجال الدولة في دار السلطنة ، خصوصا إذا كان ممن يلاحظ مستقبله فهو يحرص كل الحرص على جمع المال ، ولذا تجد الباشا يستعمل مهارته في استحصال مائتي ألف زيادة عما خصص له وذلك من طريق التعدي والرشوة. ومقاطعة الوالي ١٢٠٠ قرية منها ٣٠٠ قرية خراب و ٩٠٠ قرية عامرة ، ويوجد أيضا قرى أخر هي لوجهاء البلدة.

والذين هم تحت تصرفه لا يخلون أيضا من الفخفخة ، وهو لا يسحب فلسا من خزائنه لأجل أن يدفعه إلى الضباط الذين هم غير مستخدمين لديه.

ومعاشات الضباط محددة تعين لهم من الآستانة لكنهم لا يأخذون بقدر ما يعين لهم بل يأخذون بقدر ما يريدون ، ولذلك لا يلزمهم إعطاء درس بهذا الخصوص فكلهم حاذقون ماهرون في صناعة السلب والنهب ، وهم يصرفون جهدهم أياما ليشتروا لهم مركزا يكون من أحسن المراكز (وأحسنها أبعدها) وهناك يؤمنون ثروتهم ، ومن النادر أن يبقى هؤلاء المستخدمون في وظائفهم أكثر من سنة ، ولا يتأتى لهم ذلك إلا إذا كان لديهم قوة مدافعة تجاه ولاة الأمور في الآستانة.

٢٣٩

(المتسلم) : هو قائم مقام الباشا عند غيابه لكن راتبه أقل من راتب الباشا.

القاضي ونوابه :

هو في الدرجة الثالثة ، ويلزم أن يكون عالما بالشرائع وقوانين الملك وعوائده التي لا تختلف في كل محل وهو حاكم أهلي وجزائي [أي يحكم في المسائل الحقوقية والجزائية] وحكمه ينفذ في الحال في المسائل الأهلية وأحكامه مطلقة في الأحكام الجنائية وإن جرت إلى الممات من تعذير أو ضرب أو حبس أو قتل ، وتعيين ذلك مفوض إليه ، وعندما يحكم يقبض الجلادون على المجرم ويربطونه وينفذون ما حكم به عليه إلا إذا تداخل الباشا قبل حبسه ، وأما بعد دخول المجرم السجن فلا مرد من تنفيذ الحكم ، وهذا نادر جدا ولا يحظى بالشفاعة إلا من كان كثير الأصدقاء وكان كبير المنزلة من علم أو جاه.

وقد يقوم القاضي مقام الباشا عند غيابه ، وراتبه ٥٠٠ خمسمائة (سيأتي في الكلام على العملة أن كل ١٤٤ بواحد من ٢٤ فتكون الخمسمائة ثلاثة قروش ونصف في كل يوم) وهو يسكن داخل المحكمة وفيها يفصل المخاصمات ، ومن يربح الدعوى يدفع ما لحقها من المصاريف ، وهذا هو العدل إذ يكفي المدعى عليه أنه خسر الدعوى فلا يزاد عليه دفع المصاريف ، وهذه المصاريف لا تبلغ عادة عشر المبلغ المتحاكم عليه وهذا وارد كبير.

ويوجد مع القاضي أربعة أشخاص مفرقون في أربعة أطراف المدينة ، ولكل واحد محكمة صغيرة خصوصية وهم تابعون للقاضي ، هؤلاء ينظرون في الدعاوي الجزئية وهم مجبورون أن يعلموه كل يوم عن كل دعوى رفعت إليهم ورأوها ويسجلوا تلك الدعوى في دفتر القيد الكبير. والقاضي يرسل من طرفه نوابا إلى جميع محلات العادلية لأجل أن يعلموهم أصول المرافعة ، وبهذه الصورة يتجلى العدل بأجلى مظاهره إذا كان القاضي يهتم بذلك حق الاهتمام ويراقب سير الدعاوي ، لكن شد ما يخطئون لكثرة ما يجري من شهادات الزور.

المفتي :

هو مرجع الشريعة وهو بعد القاضي في الدرجة وله طرز مخصوص في لباسه ومراكبه ويتعمم بعمامة كبيرة جدا تعلوه الحشمة والوقار ، وهو مستشار القاضي في الأمور الأهلية والجزائية.

٢٤٠