إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٧

المستحقين للإعدام ، فجمع السردار أكابر الشهباء وأعيانها في ديوان دار الحكومة على حسب القانون المرعي في الآستانة في أمثال هذه الأمور وتذاكر معهم فيما تحقق من نوغاي باشا من التقصير في وظيفته فقرروا معه أن ينهي بذلك إلى الآستانة ، فجاءه الأمر بقتل نوغاي باشا وكلف أن يكون هو المنفذ لحكم الإعدام عليه فنفذه بالرغم عمّا كان من نوغاي باشا من الخدمات السابقة للدين والدولة وبالرغم عن حسن إدارته ودرايته ، وأرسل رأسه إلى الآستانة ، ثم عيّن واليا بعده على حلب أحمد باشا مع الإنعام عليه برتبة الوزارة.

اه.

ذكر فتنة اليكيجرية في حلب في هذه السنة

قال مصطفى نعيما في حوادث هذه السنة من تاريخه : يوم الاثنين في الثاني والعشرين من شهر شعبان من هذه السنة اجتمع نحو خمسمائة إنسان بتحريك بعض المفسدين من اليكيجرية وطلبوا عزل زعيمهم كوسا محمد آغا اليكيجري وكتخداه وكاتبه بدعوى عدم قبض رواتبهم ، ثم جاؤوا إلى بيت الآغا المذكور وهجموا على بيته وصاروا يرمونه بالنشاب قائلين : لا نريد الآغا المذكور ، فأطل عليهم غلمانه من النوافذ وأجابوهم : إنّا أيضا لا نريدكم ، ثم جاؤوا أيضا إلى بيت الكتخدا ونادوا بمثل ذلك فأجابهم هذا بعين جواب أولئك ، فتوجهوا إلى بيت الوالي وأفادوه أنهم لا يريدون الكوسا محمد آغا ولا كاتبه ، فوعدهم خيرا وأنه سينظر في هذا الأمر فلم يرتدعوا وظلوا على تمردهم ، فعند ذلك أرسل الآغا من طرفه رئيس الجلاوزة (الجاويشية) ومحضر آغا فصارا يلاطفانهم بالكلام فلم يجد ذلك شيئا ، وكذلك الوالي أرسل رسلا من طرفه لإخماد ثائرتهم فلم يفد وأصروا على طلبهم وهو عزل الكوسا محمد آغا وكتخداه وكاتبه بحجة أنه قتل منهم أربعة رجال. والآغا حينما بلغه إصرارهم اضطر إلى مغادرة حلب منهزما إلى الآستانة ، وحينما علموا بفراره طلبوا من الوالي إرجاعه وتسليمه لهم وعلا الضجيج منهم فغضب لذلك الوالي وأمر بالإيقاع بهم فصار بينهم وبين جماعة الوالي مصادمات قتل فيها منهم خمسون وجرح كثيرون وفر الباقون. فعند ذلك أتى لفيف من الأهالي إلى الوالي واعتذروا إليه عما كان من هؤلاء وأنه لا علم لهم ولا رضى بذلك وأكدوا له قولهم بالأيمان المغلظة وصوبوا رأيه بالإيقاع بهم. ثم إن الوالي أخذ يستقصي مثيري هذه الفتنة من المجروحين وكتب أسماءهم وآخر الأمر أعدمهم.

٢٠١

وأما الكوسا محمد آغا وكتخداه وكاتبه فإنهم وصلوا إلى قسطنطينية وقابل الكوسا الحضرة السلطانية وعدد له سابق خدماته للدولة وما كان منه حينما نصب السلطان وذكر مجيئه ذلك الحين إلى حلب وتهدئته لأمورها ، إلا أن ذلك لم يجده شيا وبرز الأمر بقتله لقتله كثيرا من الناس الأبرياء في حلب وغيرها فقتل ولقي جزاء أعماله.

شيء من أحوال سلطان ذلك العصر السلطان مرادخان

استوى السلطان المذكور على عرش السلطنة العثمانية سنة اثنتين وثلاثين وألف وعمره يومئذ إحدى عشرة سنة وسبعة أشهر ، وتوفي سنة تسع وأربعين وألف فتكون مدة سلطنته سبع عشرة سنة.

قال في خلاصة الأثر في ترجمته : وحكى بعض المتقربين إلى السلطان مراد أنه خرج ليلة من الحرم وما عليه إلا ثياب المنام ، قال : وكانت ليلة شديدة الثلج وأمر بفتح باب السراي السلطاني وخرج منه فتسارع الخدمة إليه وكنت أنا من جملتهم ، فصحبت معي فروتين من فرى السلطان وتبعناه فانتهى إلى البحر وطلب زورقا وركب وركبنا وما زال إلى أن أشار إلى الملاح بأن ينحو إلى أسكدار ، ثم خرج منها إلى التربة المشهورة في طرفها الآخذ إلى أناطولي فاستقر تحت شجرة ثمة ووقفنا معاشر الخدمة وكنا نشاهد منه غاية التضجر حتى إن بخار الحرارة ليتصعد من وجهه لشدة ما عنده من الانزعاج ، ثم بعد حصة أشار إليّ وقال : انظر هذين الشبحين اللذين لاحا من بعيد أدركهما وسلهما من أين أقبلا ، قال : فأدركتهما وسألتهما فقالا : مقدمنا من حلب ، فقلت لهما : السلطان طلب أن يراكما وهو جالس هناك ، وأشرت إليه فأسرعا إلى أن وقفا قدامه وقبلا الأرض ثم قال لهما : ما الذي جاء بكما؟ فقالا : معنا رؤوس أقوام من الطغاة قتلوا بحلب ، فأمرهما بإخراج الرؤوس ، فحين وقع بصره عليها انصرف عنه ما كان يجد من التلهب وطلب فروا فوضعنا عليه ما كان معنا من فرى وغيرها وهو يشتكي البرد ، ثم نهض وأسرع إلى السراي التي بأسكدار وقال : إني مذ أويت إلى الفراش في ليلتي هذه أخذتني الفكرة في أمر هؤلاء المقتولين وتحصيلهم فلم أملك نفسي أن نهضت من مرقدي وجرى ما جرى اه.

أقول : ولعل هذه الرؤوس هي رؤوس مثيري فتنة اليكيجرية في هذه السنة وقد تقدم أن الوالي أحمد باشا تتبعهم وقبض عليهم وآخر الأمر أعدمهم ، إذ لم نطلع على فتنة أثناء سلطنة السلطان مراد غير الفتنة التي قدمنا ذكرها.

٢٠٢

ذكر منع السلطان مراد خان في جميع ممالكه تعاطي شرب الدخان

قال العلامة الدحلاني في تاريخه «خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام» : كان أول ظهور شجرة الدخان سنة تسعمائة وتسع وتسعين ، وقد أرّخ ذلك بعض الفضلاء بقوله :

يا سائلي عن الدخان أجبني

هل له في كتابنا إيماء ١

قلت ما فرط الكتاب بشيء

ثم أرخت يوم تأتي السماء

٥٦ ٨١١ ١٣٢ ٩٩٩

قال مصطفى نعيما في حوادث هذه السنة سنة ١٠٤٣ : وقد كان درويش باشا ونصوح باشا في زمن سلطنة السلطان أحمد الذي تولى السلطنة سنة ١٠١٢ قد ناهضا فكرة تناول الدخان واستعمال القهوة وسدا هذا الباب ، إلا أن ذلك لم يطل كثيرا وعاد الناس إلى ما كانوا عليه.

وفي هذه السنة حصل حريق عظيم في قسطنطينية وعلى أثره كثر اللغط والقيل والقال عن أسباب تلك المصيبة العظمى ، وكانت المساوي في القهاوي قد انتشرت وعمت وطمت ، فخشية من وقوع فتنة يستطير شررها صدر أمر السلطان مراد خان بإغلاق جميع الأماكن التي يتعاطى فيها شرب الدخان والقهوة على شرط أن لا تفتح فيما بعد مطلقا ، وأرسل بهذا الأمر إلى جميع الممالك العثمانية فعطلت فيها القهاوي أيضا وأشرفت على الخراب مع تمادي الزمن ، وبقي ذلك إلى زمن السلطان محمد خان ابن السلطان إبراهيم خان فعاد أرباب الفساد في أوائل سلطنته إلى ما كانوا عليه ، وشمل ذلك جميع الممالك العثمانية إلا دار السلطنة فإن أماكن القهوة بقيت مغلقة فيها.

وبعد أن أغلقت أماكن القهوة في زمن السلطان مراد أصدر أوامره بمنع شرب الدخان المسمى بالتوتون والتنباك وأن من يتناوله يقتل سياسة ، وأخذ العلماء والوعاظ يعظون الناس ويردعونهم عن تعاطيه ويحذرونهم عواقب مخالفة الأوامر السلطانية ، إلا أن البعض من الناس لم يرتدعوا بذلك وظلوا مصرين على شربه.

ثم بلغ المسامع السلطانية أن الحريق العظيم الذي حصل قريبا ما كان سببه إلا هؤلاء الفسقة الذين يغشون أماكن القهوة ويتناولون فيها ، فصدر عندئذ الأمر السلطاني بتخريب أماكن القهوة وحولت تلك الأمكنة إلى بيع الجلود وصنع الأخذية.

__________________

١ ـ صدر البيت مكسور على هذه الصورة ، وصوابه : سألوني عن الدخان وقالوا.

٢٠٣

واهتم السلطان مراد أشد الاهتمام في منع تعاطي الدخان وإزالته من جميع ممالكه وشدد النكير على من يتناوله ، لكنما كان بقدر ما يشدد كان الناس يتهافتون على شربه عملا بما قيل (المرء حريص على ما منع). وقد اشتهر أن السلطان مراد قتل كثيرا من الناس الذين كانوا يتعاطون شرب الدخان ، ويحكى عنه أنه كان يتجول خفية في شوارع الآستانة فمن وجده وليس معه مصباح قتله في الحال ، وربما كان يأتي إلى بعض المنازل ليلا ونهارا فمن وجده يتعاطى شرب الدخان قتله ، ووصل في الزجر عن الدخان إلى درجة أن الناس لا يتجاسرون على شربه لا ليلا ولا نهارا إلا إذا خرج أحدهم إلى الصحراء. ومن جملة ما يحكى عنه في هذا الباب أن ابن إمام محلة خواجا باشا وهو رجل شاب في مقتبل العمر تأخر ليلة في الجامع ولقرب بيته من الجامع لم يستصحب معه مصباحا فخرج من الجامع قاصدا بيته ، فصادف خروجه مرور السلطان مراد من هذا المكان فقال له : أما بلغك أوامري؟ فتلعثم الإمام في الكلام وقتله السلطان مراد ، وكان كل يوم يرى في بعض أزقة قسطنطينية عدة من القتلى ، واتصل بمسامع السلطان مراد أن في أدرنة قهوة لا زالت مفتحة الأبواب يتعاطى فيها الدخان ، فأرسل بستانجي باشا وأصحبه بأوامره المتضمنة خرب القهوة وصلب صاحبها ، فجاء هذا إلى أدرنة ونفذ الأمر وقتل غير واحد من الناس الذين لم يمتثلوا الأمر السلطاني القاضي بمنع تعاطي الدخان.

والسلطان مراد ناله كلفة عظيمة ومشقة شديدة في مناهضة شاربي الدخان ، وما كان قصده إظهار سطوته وتأييد سلطنته بل كان قصده ردع هؤلاء الأسافل وتأديب هؤلاء الأشقياء الذين انغمسوا في مستنكر الأمور ومستقبح الأخلاق وإرجاعهم إلى الخطة المثلى وقطع دابر الفساد والفجور الذي انتشر بين العامة ، ولذلك كان أهل العقول وذوو الأخلاق الفاضلة وأرباب الاطلاع يحبذون أعمال السلطان ويرون أنها في محلها اه.

وقال العلامة المحبي في ترجمة السلطان المذكور : ومن أعماله تبطيله القهوات في جميع ممالكه والمنع عن شرب التبغ بالتأكيدات البليغة وله في ذلك التحريض الذي ما وقع في عهد ملك أبدا اه.

رأي العلامة الدحلاني في شرب الدخان

قال في خلاصة الكلام في الكلام على إمارة الشريف مسعود أمير مكة في أواسط القرن الثاني عشر : ومما كان في دولة مولانا الشريف مسعود أنه منع الناس من التظاهر

٢٠٤

بشرب الدخان فرفع من القهاوي والأسواق وصار حاكمه يقبض على من يراه عنده من الأطواق ، فقيل إنه كان يعتقد فيه التحريم ، وقيل إن فعله هذا لا ينشأ عن تحريم ولا تحليل وإنما لما تظاهر الناس بشربه في الشوارع وتعاطاه الأراذل والأسافل ولا يرفعونه إذا مرّ عليهم شريف أو عالم أو فاضل فأمر بعدم التظاهر بشربه لذلك.

وللعلماء في الدخان أقاويل بين تحريم وتحليل ويلزم القائلين بالتحريم تفسيق المسلمين بالتعميم حيث كانوا إما شاربا أو في بيته من يشرب أو مشاهدا ، فما خرج أحد من الثلاث عن واحد فحينئذ لا يوجد في المسلمين عدل خصوصا والعدالة شرط في شهود النكاح ، ويترتب على هذا أن الأنكحة على بعض المذاهب سفاح وهذا حرج عظيم وخطب جسيم مع أن القائلين بالتحريم لا مستند لهم صريح من الكتاب والسنة وإنما ذلك بمحض الأقيسة المجهولة المحتملة مع أن البلوى به عامة بين الأشراف والعلماء والعامة.

وبعض العلماء توقف عن الإفتاء فيه بتحريم أو تحليل وكتب في جواب سئال سئل فيه عنه بقول الله تعالى (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ).

أقول : إنا وإن لم نقل بحرمته نظرا لما يلزم من القول بذلك ما قاله العلامة الدحلاني لكن لم يبق شك ولا ريب في ضرره الجسيم للأجسام حالا أو مآلا ، وأطباء العصر في كل قطر قد أجمعوا على ذلك ، والضرر كما قال الفقهاء يجب أن يزال ولو قديما واستعمال الشدة في منعه وإزالته كما فعله السلطان مراد لا تجدي شيئا ، وأرى أن خير مقاوم له هو المدرسة ومنابر الجوامع والكنائس وكراسي الوعاظ وإن طال الزمن بشرط أن يكون الناهي عنه والمبين لمضاره غير مبتلى به عملا بما قيل : (لا تنه عن خلق وتأتي مثله).

والحمد لله الذي عافانا وحمانا من تناوله من حين نشأتنا ولله المنة والفضل.

سنة ١٠٤٥

قال مصطفى نعيما : في هذه السنة عيّن واليا على حلب ابن أمير كونه يوسف باشا وبقي في الولاية شهرين ثم عزل وأعيد إليها أحمد باشا السابق.

٢٠٥

سنة ١٠٤٨

مرور السلطان مراد من حلب قاصدا بغداد لفتحها

قال مصطفى نعيما : في ثامن شوال يوم الأربعاء سنة ١٠٤٧ خرج السلطان مراد خان من مقر سلطنته قسطنطينية قاصدا بغداد لمحاربة شاه العجم واستخلاص بغداد منه ، وكان وصوله إلى حلب حادي عشر ربيع الأول من سنة ألف وثمانية وأربعين ، وأقام فيها ستة عشر يوما ، ولما كان فيها جاءت عساكر مصر وانضمت إلى ما معه من الجيوش وعزل وهو في حلب قاضيها كبيري محمد أفندي وولى مكانه حسن كتخدا زاده أمير حلب ، وفي السادس والعشرين من ربيع الأول غادر حلب قاصدا حيلان ومنها إلى مرج دابق وهو المكان الذي التقى فيه السلطان سليم خان بالسلطان قانصوه الغوري ملك مصر ، ثم توجه منه قاصدا بغداد وأدى الحال إلى فتح بغداد وإنقاذها من شاه العجم.

قال العلامة الدحلاني في تاريخه الفتوحات الإسلامية في الكلام على فتح بغداد : في سنة ثمان وأربعين وألف تجهز مولانا السلطان مراد وتوجه لفتح بغداد ومعه مائة ألف مقاتل ، ثم تتابعت الجنود حتى بلغت ثلاثمائة ألف ، ولما خرج من دار السلطنة كان لابسا لبس العرب القدماء وعلى رأسه خوذة من الفولاذ اللامع محاطة بشال أحمر مسدولة أطرافه على أكتافه.

قال المحبي في ترجمة والده فضل الله بن محب الله : سافر والدي إلى حلب لما قدم إليها شيخ الإسلام المولى يحيى بن زكريا في خدمة السلطان مراد في سنة ثمان وأربعين وألف وألّف في سفرته هذه رحلته الحلبية اه.

ضرب النقود الفضية في حلب

ووجدت عند بيت المركوبلي قطعة فضية أصغر من ربع المجيدي مكتوبا على طرفها الواحد : [مراد ابن أحمد] وعلى الثاني : [دام ملكه ضرب في حلب سنة ٤٨] وقدمنا في حوادث سنة ٩٢٩ ضرب النقود الذهبية في حلب.

سنة ١٠٤٩

في هذه السنة توفي السلطان مراد خان وارتقى على عرش السلطنة العثمانية أخوه السلطان إبراهيم خان ابن السلطان أحمد خان.

٢٠٦

سنة ١٠٥٠

في هذه السنة كان الوالي في حلب حسين باشا ابن نصوح باشا كما في السالنامة.

سنة ١٠٥٣

في هذه السنة كان الوالي في حلب سياوس باشا ، ثم عزل وولي عثمان باشا جفته لري كما في السالنامة.

سنة ١٠٥٤

تعيين إبراهيم باشا السلحدار وفتنة الأمير عساف رئيس عربان الديار الحلبية

قال مصطفى نعيما في حوادث هذه السنة ما ترجمته : حينما توجه السلطان إبراهيم خان إلى أدرنة بقصد الفرجة أسند وهو هناك ولاية حلب إلى إبراهيم باشا السلحدار ، فتوجه إليها وأخذ في ضبط أمورها وتدبير شؤونها.

وكان في ذلك الحين رئيس العربان الأمير عساف يعيث في الأرض فسادا ويتسلط هو وعربانه على القرى بالسلب والنهب وكان قمع ثائرته من الأمور المتعسرة على الدولة وعزله عن هذه الزعامة كذلك ، فأخذ إبراهيم باشا في تدبير حيلة يستولي بها عليه فأرسل إليه رجلا من خواصه يدعوه إلى حضور ضيافته ، لكن الأمير عساف لم يكن مطمئن الجانب من إبراهيم باشا خصوصا والرسول لم يكن ممن يثق بكلامه من أعيان حلب ، فلم يجب الدعوة وأجاب القاصد أنه لتعوده على خشونة البداوة لا يرغب الدخول إلى الحاضرة ويرجو لهذا أن يعفى من إجابة دعوة الباشا وحضور ضيافته ، وأرسل خيلا كريمة إلى الباشا واعتذر بأن تقرب عربانه من ديار حلب لا يوافق المصلحة. ولما لم يفد هذا التدبير شيئا أحضر إبراهيم باشا رجلا من أعيان حلب اسمه (دالي قورد) وذاكره في شأن الأمير عساف فقال له : إن العربان لا تأتي إلى الحواضر والرأي عندي أن تدعوه إلى مكان يكون بعيدا عن الحاضرة مقدار مرحلة ، فوافقه على ذلك وفوّض إليه الأمر فتوجه هذا إليه ودعاه فأتى هو وعشائره إلى مكان يبعد خمس ساعات عن حلب ، وقد أرسل الباشا لوازم الضيافة إلى هذا المكان

٢٠٧

وكثير من أهالي حلب توجهوا زمرا زمرا بدعوة من الباشا إلى ذلك المكان بأبهة عظيمة ، لكن (دالي قورد) جاء سحرا إلى إبراهيم باشا قبيل توجهه وقال له : يا حضرة الباشا إن كان فكرك قتل ملك الصحراء في هذه المرة فإن ذلك محال لأني قد أعطيته أمانا وعهودا وثيقة أنك لا تتعرض له بسوء ، ثم إن الغفلة التي كانت في العربان قد زالت في هذا الزمان وأصبحوا الآن يعلمون من أدنى حكرة وإشارة ماذا يراد بهم من الخدع ، والأمير عساف لا يأتي بقليل من أتباعه بل يأتي بجميع قبائله فإذا لمح منكم أدنى مكروه تقصدونه به فإنه ينادي النفير وحينئذ لا ينتظر أنكم تظفرون به بل الغالب أن النصر يكون بجانبه ، وإذا عولت على الإيقاع به فإن عساكرك غير مدربة وعساكر الأمير متعودة على الحرب ، وأيضا فإنا إذا عاملنا هذا الرجل معاملة سيئة وغدرنا به بعد أن أعطيناه العهود والمواثيق فإن جميع العربان في هذه الأقطار الشاسعة لا تأمن لنا بعد الآن ولا تثق بعهودنا وتعتبرها من خونة العهود وتضعف شوكة نفوذها وسلطتنا عليهم والأمر إليك. فوعده الباشا خيرا وطمن قبله ثم خرج الباشا من الشهباء إلى المكان الذي أعد للاجتماع بملك الصحراء وإقامة الضيافات له ، وخرج معه قسم من العساكر وهي مسلحة بالبنادق ، فحضر عساف ملك الصحراء ومعه أزيد من ستة آلاف فارس من عشائره بالعدد التامة من الرماح والسيوف. ومن عادة العرب أنهم أينما ساروا يسيرون معهم آلافا من الدروع الداوودية محملة على الجمال مع كل مقدم من مقدميهم خشية طارق يطرق عليهم ، ومن عادتهم حمل بيوت من الشعر من جملتها بيت كبير عظيم يجتمع فيه كبراؤهم ويتشاورون فيه في مهامهم ويقضون ويمضون وهو لديهم بمنزلة الديوان في الحواضر ، فهذه الدروع وهذه البيوت شعار دولتهم وعظمتهم.

وحينما أقبلت تلك الفرسان كان معظمها متدرعا بتلك الدروع ، ولما قرب ملك العرب عساف انتخب مئات من قومه من شجعانهم وأتى إلى المكان الذي أعد لنزوله والباقون من قبائله وقفوا بعيدا عنهم.

ولما وصل إلى حضرة الباش ترجل عن فرسه وسعى خطوات وأتى إلى الباشا لأجل تقبيل ركابه والسلام عليه والباشا أيضا نزل عن فرسه ومشى إلى الأمام ، وكانت عساكر الباش قد وضعت الرصاص في البنادق وحينما دخل عساف بين العساكر أطلق عليه اثنان منهم الرصاص من أمامه واثنان منهم من خلفه فلم يصب بشيء منها لأنه كان لابسا ثلاثة من الدروع ، وحينئذ حصل الهيجان في العربان الذين أتوا معه وأحضروا له فرسا فركبها للحال وتقدم للمكان الذي فيه إبراهيم باشا فقتل هو ومن معه مقدار عشرين من الباشوات

٢٠٨

والأغوات وكروا راجعين إلى المكان الذي وقفت فيه جيوشهم ، ونادى الأمير فيهم وأعلمهم بغدرهم وسوء نيتهم ، فأقبلت تلك الجيوش كالسيل المنحدر وقد علا صياحها بالزغاريت والأناشيد الحماسية على مقتضى اصطلاحاتهم وانحطت على العساكر التركية وأعملت فيها السيف فقتل من قتل وجرح من جرح ومن كان منهم قوي الفرس لاذ إلى الفرار ومن لم يتمكن أخذ أسيرا وأخذ ما عليه من اللباس والسلاح ، وكانت الأسرى تقدر بأربعة آلاف. ورجع الفارون على أسوأ حال وهم حفاة عراة ، وبعض من العربان هجموا على المكان الذي فيه الباشا وكان في وسط العساكر وأخذوا في محاربتهم وقتل كثير من الفريقين وأخيرا رجعوا عنهم وعاد الباشا بمن بقي معه إلى حلب.

واستولى العربان على الخيم التي أحضرها الباشا ليقيم فيها الضيافات وعلى القدور والأطعمة وسائر لوازم ذلك استولوا على الجميع مع كثير من الخيول. وكذلك أخذ العربان ثياب الأهالي الذين أتوا مع الباشا للتفرج والنزهة وخيولهم وعادوا إلى حلب بحالة سيئة يرثى لها وجرح البعض منهم. والمنتظر بعد الآن من الأمير عساف أن لا يكون له ثقة بالعثمانيين ويشق عصا الطاعة وأن يزداد العربان طغيانا على طغيانهم.

ذكر تعيين درويش محمد باشا على حلب

قال مصطفى نعيما : وحينما اتصلت هذه الأخبار بمسامع الدولة عزلت إبراهيم باشا ووجهت ولاية حلب إلى درويش باشا الذي كان منعزلا عن ولاية بغداد.

قال المؤلف : أخبرني بهذه الواقعة والدي المرحوم محمد آغا سردار حلب وأخبرني أنه كان مع إبراهيم باشا في واقعته هذه مع الأمير عساف وأنه قتل من حاشية إبراهيم باشا من ٢٠ إلى ٣٠ شخصا وسلبت حوائج أربعين ومن الأهلين سلب وجرح كثيرون.

ثم إن الدولة رأت أن الأولى استمالة الأمير المذكور وأرسلت تحارير تتلطف به ، ثم إن كتخدا بك بكتاش آغا تبين أنه صديق للأمير عساف ، فبعد أن جعل كتخدا الباب فبواسطة جدنا المرحوم علي آغا الصغير وهو من أعيان حلب

٢٠٩

وعقلائها أرسل إلى عساف الفرمان الذي تقرر إرساله إليه وأرسلت له هدايا ذات شأن بقصد استمالته وعوده إلى سابق الطاعة. وفي ذلك الحين توجه والدي مع جدي في هذه المهمة وبوصولهما إلى المكان النازل فيه الأمير عساف وقومه استقبلا استقبالا حسنا على عادة العربان بإيقاف ثلة من الفرسان لابسة الدروع الداوودية ، وحينما أخرجا الفرمان والخلعة قبلهما وقبلهما ، ثم شرع جدي يباسطه الكلام وقال له : إن إطاعة الدولة العثمانية هي أقصى أماني الدول والملل ومدار افتخارهم ، وبما أنك من نسل أبي ريش ذلك الرجل العريق في النسب والفصاحة وهو أصل العرب والعربان فإنه لا يحتمل أن يصدر منك شيء خارج عن دائرة الآداب ، فما هو السبب حينئذ فيما حصل بينك وبين إبراهيم باشا من الأمور التي أدت إلى ما لا تحمد عقباه وما هي بواعث ذلك.

فتنهد الأمير عساف وقال : آه ، ثم قال : والله (يا علي) لم يصدر مني ما يستوجب هذا العمل ؛ غاية الأمر أن إبراهيم باشا دعاني إلى مكان كذا لأجل أن يعقد معي عهدا ويقيم لي ضيافة والله يعلم أني أتيت والإخلاص ملء قلبي وليس لي نية سوء للدولة ، وحينما دخلت بين عساكره قابلني اثنان منهم بالرصاص فكان حينئذ ما كان. ثم إنه أحضر الدروع التي كان لابسها وأراها لجدي ووالدي وأراهما تأثير الرصاص في تلك الدروع وانتثار حلقات من صدرها وأقسم لهما إنه ظل شهرين يبصق دما من أثر تلك الضروب. ثم قال : ما هو ذنبي الذي حدا بإبراهيم باشا أن يعاملني تلك المعاملة الفظيعة؟ فأخذ جدي يتلطف به ويسليه وأفهمه أن رجال الدولة لا رضاء لها بهذا العمل والواجب عليك من الآن وصاعدا إطاعة الدولة وضبط أمور العربان ومنع تلك التعديات منهم ، والدولة العثمانية عزلت إبراهيم باشا وفي ذلك دليل واضح على أنها لا تقصد لك سوءا إلى غير ذلك من عبارات التلطف ، ثم قال له : والدولة توصيك أن تضبط أمور العربان بهمة عالية تبرهن بذلك على إخلاصك للدولة وحسن نواياك لها.

ثم إن الأمير عساف أرسل للدولة عدة خيول من جياد الخيل وأنعم على والدي وجدي بعشر من الحصن وستة أفراس وأعطاهما حوالة بألفي دينار على أحد أصحابه بحلب ، ثم أنعم عليهما بعشرة آلاف غرش أيضا اه ما ذكره نعيما في بيان هذه الحادثة.

٢١٠

(أقول) : تأمل رعاك الله في هذه السياسة الخرقاء وفي تلك الطرق التي كان يسلكها هؤلاء الولاة في إدارة الملك وتأييد السلطة ، أما كان الأحرى بهذا الباشا أن يصغي إلى إرشادات ذلك الوجيه (دالي قورد) ويعمل بما أشار به عليه ويسلك منهاج المسالمة مع هذا الرجل ويعدل عن مهيع الغدر وقصد الفتك به ويستجلبه باللطف واللين وأنواع البر ، خصوصا وقد أجابه إلى حضور دعوته واستماع نصيحته في المكان الذي عينه له ، وفي تلبيته الدعوة دليل واضح على ندمه على ما فرط منه أو من عشائره من التعدي على ما حوله من القرى واستلاب أموال أهلها ورغبته بالرجوع إلى الطريقة المثلى والجادة القويمة. أما كان الأجدر بحضرة الباشا بعد أن يستقبله استقبالا حسنا يليق بأمثاله أن يقدم له المواعظ الحسنة والنصائح اللازمة ويأخذ عهوده ومواثيقه بلزوم الطاعة والانقياد إلى الجماعة وكف عشائره عن كل ما يخل بالأمن وراحة أولئك الفلاحين القاطنين في القرى التي حوله ، وإذا لم يجد فيه ذلك الرجل وخان العهود وفصم عرى تلك المواثيق وعاد هو أو عشائره إلى السلب والنهب والإخلال بالأمن فلا بأس حينئذ إذا استعمل القوة وسلك مناهج الشدة واستعد له تمام الاستعداد ثم جرد السيف في وجهه وعمل بمقتضى قول أبي تمام : (السيف أصدق أنباء من الكتب) ولكن يغلب على الولاة المستبدين أنهم لا يستعملون اللين إلا بعد العجز ولا يسلكون سبيل اللطف إلا بعد منتهى الضعف ولا يجودون بالوصل إلا بعد أن لا ينفع الوصل ، بصرنا الله طريق الرشاد وهدانا سبيل السداد.

ترجمة درويش محمد باشا :

أما درويش محمد باشا فإنه بقي واليا كما في السالنامة إلى سنة ألف وسبع وخمسين ، وقد ترجمه في قاموس الأعلام فقال : هو جركسي الأصل ، ولما صار محمد باشا الطباني صدرا أعظم صار المترجم كتخداه ، وفي سنة ١٠٤٧ عين واليا على الشام ، وفي سنة ١٠٤٨ عين واليا لديار بكر ، وفي سنة ١٠٤٩ حاز رتبة الوزارة وعين محافظا لبغداد ، وفي سنة ١٠٥٤ عين واليا لحلب ، وفي سنة ١٠٥٥ عين واليا للأناضول (هكذا وهو يخالف ما في السالنامة) وفي سنة ١٠٦٢ صار محافظ البحر ، وفي

٢١١

سنة ١٠٦٣ أسند إليه منصب الصدارة بقي فيه ٢١ شهرا وأخذ في هذه المدة في جمع الأموال وصار من كبار الأغنياء ، ثم عرض له مرض بقي فيه أربعة أشهر ، ثم توفي ودفن في حظيرة جامع علي باشا العتيق بالقرب من ديكليلي طاش في قسطنطينية وظهر عنده من النقود ١١٠٠ كيس وغير ذلك من المخلفات ، وتوفي وله من العمر اثنان وستون سنة اه.

سنة ١٠٥٧

تولية حلب لأحمد باشا الدباغ

في هذه السنة تولى حلب أحمد باشا الدباغ.

وبقي إلى سنة ١٠٦٠ كما في السالنامة.

وترجمه في قاموس الأعلام فقال : كان من وزراء السلطان محمد خان الرابع آبازي الجنس ، عين سنة ١٠٤٨ لولاية ديار بكر ثم لولاية أرضروم ، وفي سنة ١٠٥٤ زوج ببنت السلطان مراد الرابع ، ثم بقي مدة ست سنين واليا في حلب والشام ، وفي سنة ١٠٦٠ عاد إلى الآستانة وعين واليا لبغداد ، وقبل توجهه أسند إليه منصب الصدارة ، وفي مدة صدارته كانت الخزينة في غاية الضيق فقطع رواتب الأمراء وطرح على التجار ضرائب تلافيا لهذا الضيق فاشتد الأمر على الرعية في زمنه وتعددت الشكايات منه ، فبعد ثلاثة عشر شهرا عزل من منصب الصدارة وعين بدله مصطفى أبشير باشا والي حلب ونفي إلى معلقرة ثم عفي عنه ، ثم عين واليا في بعض الولايات مدة سبع أو ثماني سنين وتوفي سنة ١٠٧٣ وله من العمر ستون سنة اه.

سنة ١٠٦٠

في هذه السنة تولى حلب موستارلي مصطفى باشا وبقي في ولايتها سنة واحدة كما في السالنامة.

سنة ١٠٦١

تولية حلب للوزير مصطفى أبشير باشا صاحب الوقف المشهور

في هذه السنة تولى حلب مصطفى باشا المشهور بأبشير باشا كما في السالنامة.

٢١٢

قال المحبي : هو مصطفى باشا الشهير بأبشير الوزير الأعظم أحد الوزراء المشهورين بالجلالة والرأي الصائب وحسن السياسة ، ولي الشام في سنة ستين وألف وألجىء في حكومته إلى غزو بلاد الدروز ، فخرج من دمشق في جمع عظيم ، وبلغ الأمير ملحم بن يونس المعني خبر خروجه بقصدهم فجمع جمعا كثيفا من الدروز وعزم على المقابلة ووقعت المحاربة بين الفريقين في وادي قرنانا فكان عسكر الوزير في أسفل الوادي لكونهم ركبانا وجماعة الدروز من أعلى الوادي ، فخلص بعد صعوبة وذهب له ولعسكره شيء كثير من الخيل والسلاح والعدد ، ثم عزل عن محافظة دمشق وأعطي كفالة حلب وله بها الخيرات العظيمة من الجامع والخان والحوانيت وغيرها مما جعله وقفا على الجامع وعلى صرة لأهالي مكة تحمل إليهم كل سنة وشرط توزيعها لمن يكون قاضيا بمكة. ثم جاءه ختم الوزارة العظمى وهو بحلب سنة أربع وستين وألف وقيل في تاريخه [وزير الخير] ولم تطل مدته في الوزارة وقام العسكر عليه وقتلوه ، وكان قتله في أوائل سنة خمس وستين وألف اه.

ترجمته :

قال المؤرخ الشهير أحمد رفيق التركي في كتابه «تصاوير رجال» في ترجمة أبشير باشا ما ملخصه : هو ابن أخت جركس أبازة من الجلالية ، دخل في صباه في سلك رجال أندرون همايون (هم رجال يتربون داخل السراي السلطانية) ووجهت إليه رتبة أمير أخور وكان واليا على بودين (في مقاطعة بسارابيا) ثم على الشام وحارب العصاة هناك وكان قبل ذلك قام بحركات ثوروية مدة خمس سنوات في جهات سيواس ، وكان معاونا لحسن آغا الأبازة في أفعاله ، وبعد ذلك تعين واليا لحلب. وكان معروفا بطول قامته وممتازا بغباوته ، وكان أكثر شيء يحافظ عليه عدم الالتفات لأحد ، وكان عبوسا دائما لأن دماغه لم يترب على إدارة الدولة ، وكان مما يمتاز به أنه يقعد على ركبتيه ليظهر أدبه ووقاره مع خشونة طبيعته ويتظاهر بتصوف جاهلي ، فكان يشرب حليبا بدلا عن القهوة ، وينظر لمن يشرب الدخان بمنزلة شارب المسكر ، وكان بخيلا جدا ، وكان يتلهى بركوب الخيل ولعب الرمح وضرب اللباد بالسيف ، وأكثر حديثه في الصيد ، وبالغ في الغدر والاعتساف إلى درجة نفرت الناس منه ، ويظهر أن أخلاق أبشير باشا هذه كانت مقبولة ومرغوبة عند أهل السراي السلطانية لذلك تزوج بعائشة سلطان ، وفي الآخر جلب أبشير باشا من رياسة الأشقياء إلى مقام الصدارة.

٢١٣

الكلام على وقفه المشهور :

معظم أوقافه واقعة في مكان واحد في دائرة واحدة في المحلة المعروفة بالجديدة ، وهناك جامعه في جملة هذه الدائرة ، ومن جملة شروط وقفه أن يصرف لرجل عالم ليقرأ الناس في العلوم والأحاديث في الأشهر الحرم ، وله في كل يوم خمسة عثامنة ، وأن يصرف لرجل من أهل العلم ليقرىء أطفال المسلمين بالمكتب الذي أنشأه الواقف بالقرب من الجامع خمسة عثامنة. وبعد أن ذكر رواتب باقي الموظفين بهذا الجامع ذكر صدقات كثيرة لأناس مخصوصين في الحرمين الشريفين ، ثم قال : وما فضل من الوقف المرقوم بعد الترميم والتعمير وإصلاح الوقف وصرف المعين لأربابه يقسم الباقي أثلاثا ، الثلث يرسل أيضا إلى مكة المشرفة والثلثان إلى المدينة المنورة يفرق إلى الفقراء والمساكين. حرر في ١٥ شوال سنة ١٠٦٤.

قال في شرط وقفه : إن للمتولي في كل يوم مقابلة أجرة توليته عشرين من العثامنة ، ولم يذكر أن يكون نقيب أشراف حلب هو المتولي عليه.

وفي المدة الأخيرة أثبتوا استنادا على التعامل اشتراط ذلك ، ويغلب على الظن أنه لا أصل له في شرط الواقف ، وقد كان المتولي عليه منذ أربعين سنة أبو الهدى أفندي الصيادي الخان شيخوني المولد (قرية من قرى المعرة) نزيل الآستانة الذي حصل له التقدم العظيم والقبول التام عند السلطان عبد الحميد والمتوفى فيها حوالي سنة ١٣٢٨ ، ووكل أمر هذا الوقف إلى الشيخ محمد العبيسي الحموي من حين أن أتى من بلدته حماة إلى حلب وذلك سنة ١٣٠٩ وبقي فيه مدة طويلة ، فباشر أمره مباشرة حسنة ورممه وزاد في ريعه ، ثم وكل أمره إلى عبد الرزاق أفندي الصيادي أخي أبي الهدى أفندي ، ثم انتقل منه إلى السيد مسعود أفندي الكواكبي حينما صار نقيبا للأشراف في حلب بعد وفاة أبي الهدى أفندي ، ولما عزل عن هذه الوظيفة وصارت النقابة لعبد الرزاق أفندي المذكور وذلك منذ ثلاث سنين سلم إليه الوقف برمته وذلك بعد أخذ ورد طال أمره بينه وبين دائرة الأوقاف بحلب والمراقبة العامة للأوقاف في بيروت ، وأخيرا أجبرت دائرة الأوقاف على تسليمه فسلمته إليه وهو بيده إلى هذه السنة وهي سنة ١٣٤٣ ، وتبلغ وارادته ١٥٠٠ ليرة عثمانية ذهبا ، وحقوق أهل الحرمين الصريحة في هذا الوقف متهاون فيها وقد كان يصلهم بعض حقوقهم ، وأما الآن فلا يصلهم منها شيء ولله الأمر من قبل ومن بعد.

٢١٤

سنة ١٠٦٤

بعد مصطفى أبشير باشا عين لولاية حلب طيار زادة مصطفى باشا وبقي إلى سنة ١٠٦٦ كما في السالنامة.

سنة ١٠٦٦

ذكر تعيين سيدي أحمد باشا والوقائع بينه وبين

مصطفى باشا واليها السابق

قال مصطفى نعيما في حوادث هذه السنة ما خلاصته : في هذه السنة عين سيدي أحمد باشا إلى قونية وهناك لظلمه وجوره لم يتحمله الأهالي وصار بينه وبينهم قتال أدى إلى عزله وتعيينه إلى حلب.

ولما عين إليها أتى إلى حلب كورد محمد وهو رجل من كبار أهالي قونية وصار يبث بين الأهالي أخبار ظلمه وفظائعه وسيىء أعماله ، وأعلم واليها قره مصطفى باشا بسوء إدارته وتعدياته ومنعه من مغادرة حلب وتسليمها إلى سيدي أحمد باشا متى أتى إليها ، وصار يقول له : إن رجال الدولة يعلمون أحوال هذا الرجل وإنه إنما عينوه إلى حلب تخلصا من شره ، ولو أمكنتهم الفرصة لقتلوه وهم عازمون على ذلك ، وإن أهالي قونية وقفوا أمامه وقاتلوه وعرضوا أمرهم للآستانة فعزل عنها وعين إلى حلب ، إلى غير ذلك من العبارات المنفرة ، وصار يخوف أعيان حلب من شر هذا الرجل ويوهمهم ، وبين لهم ما لديه من العساكر ويقص عليهم أفعاله في كوتاهية وغيرها من البلاد وأنه رجل لا يبالي بسفك الدماء وسلب الأموال وأنه متى دخل حلب لا بد وأن يجري على الطريقة التي ألفها وتعود عليها.

ولم يزل كورد محمد ينشر أخبار سيدي أحمد باشا حتى شاع أمره بين جميع طبقات الأهالي وأثر ذلك فيهم ، فعندها قرر الأهالي هنا واليهم السابق مصطفى باشا وقالوا له : نحن لا نريد سيدي أحمد باشا ، وعرضوا للآستانة وأعلموها أنه إذا أدّى الأمر فإنا مستعدون لمحاربته ووعدوا مصطفى باشا بما يلزم من المال في قتال هذا الرجل. واتحدوا مع واليهم المذكور على هذه الفكرة وأعدوا ما يلزم من المهمات ، وحصنوا القلعة بالذخائر والمؤن.

٢١٥

وكان أحمد باشا في هذا الحين أرسل متسلما من طرفه ليتسلم القلعة ، فمنعه الوالي وأهالي حلب وطردوه ، فتوجه المتسلم إلى سيدي أحمد باشا وأعلمه بواقعة الحال ، فاستشاط غضبا وبادر بالحال بتوجهه إلى حلب وأمده حسن آغا أبازة والي قونية بالعساكر والذخائر.

وأما والي حلب مصطفى باشا فإنه قبل مجيء سيدي أحمد باشا جمع من أهالي حلب من يقدر على حمل السلاح وكذا جمع اليكيجرية والسباهية واستعد للحرب ، ولما وصل سيدي أحمد باشا إلى حلب حصل بين الفريقين قتال عظيم. وكان أحمد باشا جمع عساكر ومؤنا من أطراف حلب واستعد للحرب أيضا وقطع الماء عن أهالي حلب ومنع دخول المؤن إلى البلدة وحرق البساتين والكروم والبيوت التي هي في ضواحي حلب واستعمل كل ما يمكنه من أنواع التضييق على أهالي حلب ووقع في الناس كرب عظيم ، وفي هذه المحاربات أبلى رجل أسود من العرب هو زعيم عساكر بيره جيك بلاء حسنا وقتل من عساكر سيدي أحمد باشا عددا كثيرا ، وأخبار شجاعة هذا الرجل وفتكه لم تزل مستفيضة يتحدث بها الناس إلى اليوم.

وبعد مضي شهرين من الحصار ضاق الحال على الأهالي كثيرا ورفعوا أمرهم إلى الآستانة شاكين من هذه الأحوال مظهرين عجبهم من تعيين مثل هذا الظالم عليهم ، وطلبوا تعيين غيره بأي صورة كان ، فأرسلت الدولة الأوامر إليه مرتين بلزوم رجوعه وتركه الحصار ، فلم يصغ لأوامر الدولة وثابر على محاصرة إلى حلب. ومن جملة مضايقته أنه أمر عساكره بنقل التراب ووضعه أمام باب الفرج فصار هؤلاء ينقلون ذلك ، وعلا التراب حتى سامت السور (١) وفي أثناء مدة الحصار كان أهالي حلب يرسلون الرسل إلى مقر السلطنة يعلمون رجال الدولة بهذه الأحوال وأن الحال إذا بقي على هذا المنوال فإن هذا الظالم لا بد من دخوله واستيلائه على البلدة.

__________________

(١) أقول : هذه الأتربة بقيت مكردسة وصارت روابي متصلة مسافة عشر دقائق واشتهرت باسم التلل وقد أدركناها على تلك الحال ، وفي نواحي سنة ١٣١٠ أزيلت جميعها في مدة سنتين أو أكثر وبني مكانها دور عظيمة ووسمت تلك الدور بمحلة التلل.

٢١٦

والتجار الذين كانوا قاطنين في خان والده [هكذا ولا أدري أي خان هو] شكوا أمرهم إلى مفتي حلب (١) وإلى الوزير وكبار رجال الدولة راجين عزل هذا الرجل ، في آخر الأمر جاءت الأوامر مشددة بالعزل وعين واليا على سيواس.

ذكر عزل سيدي أحمد باشا

وتعيين مرتضى باشا

وعين على حلب مرتضى باشا والي بغداد وغادرها عندئذ سيدي أحمد باشا ، وهكذا انتهت فتنته. وفي هذه المحاصرة حصل لأهالي حلب ضيق عظيم ، ولو أن سيدي أحمد باشا دخل البلدة ما كان ينتظر أن يحصل لهم مثل هذا الضيق وتلك الشدة.

سنة ١٠٦٧

خروج حسن باشا أبازه زاده على الدولة وتغلبه

على كثير من البلاد العثمانية ومن جملتها حلب

ومحاربة مرتضى باشا ثم قتله في حلب

أطال الفاضل مصطفى نعيما في تاريخه الكلام على أحوال هذا الرجل والفتن التي كانت منه ، وقد اقتضبنا منها هنا خلاصتها. قال :

أصل حسن باشا أبازة زادة من أبناء السباهية دخل في سلك مأموري الدولة وأخذ يترقى في المناصب إلى أن صار من كبار رجال الدولة ، غير أنه كان ميالا

__________________

(١) هو المولى محمد بن الحسن الكواكبي مؤلف الفوائد السمية وهو شرح لمنظومته الفرائد السنية في الفقه الحنفي ، وقد أشار المولى المذكور في خطبة كتابه هذا إلى هذه الوقائع حيث قال : فببينا أنا على هذا النمط وقد امتطيت جواد الشطط إذ نودي النضال النضال وتكسرت النصال على النصال ، حتى كأن فؤادي في غشاء من نبال ، وذلك ما اتفق في سنة ست وستين من تجمع العشائر من كل فج عميق ، حتى وقعت شهباؤنا بالمضيق ، وذلك بتسبب أهل الفساد ممن استوطن طارئا بهذه البلاد ، فذهب الطريف والتالد وحذفت الصلة والعائد.

٢١٧

بطبيعته إلى الظلم والفساد وسلب الأموال من الرعية وجمعها ، وساعده على ذلك خلو الجو له إذ كان سلطان ذلك العصر وهو السلطان محمد بن إبراهيم حينما تولى السلطنة دون سن البلوغ ليس له من الأمر شيء والحل والربط منوط بالوزراء خاصة ، فاستبد هؤلاء بالأمر فاختلت أمور الدولة واضطربت أحوالها وكثر الجور والفساد من كبار الدولة في كل مكان ، وكان المترجم من عداد أولئك الذين أكثروا الفساد في الأرض ، وزاد في الطين بلة أن السلطان عين للوزارة العظمى رجلا شديدا فجعل ديدنه البطش في الوزراء وكبار رجال الدولة وقتل منهم غير واحد ، فانفض كثير من حوله وأخذوا يجمعون أمرهم ويوحدون كلمتهم وانضموا إلى حسن باشا أبازة ، وكان إذا ذاك في قونية ، وكان في عداد من انضم إليه وصار من شيعته طيار زاده الوزير أحمد باشا وميزا باشا وغيرهم نحو خمسة عشر رجلا من كبار رجال الدولة ، وحينما عصى سيدي أحمد باشا في حلب ساعده حسن باشا بإرسال العساكر والذخائر كما تقدم ، ولما تفاقم أمره أرسلت له الدولة مرتضى باشا والي حلب وعينت واليا لحلب أدرنه لي سوخته محمود باشا ، وكانت قوة حسن باشا أبازة تزداد يوما فيوما وأخذ يعيث في الأرض فسادا ويغير على أطراف البلاد فقطع السبل وأخاف أهل البلاد في نواحي قونية وبروسة وما حول تلك البلاد.

ولما بلغ حسن باشا أبازة مجيء السردار مرتضى باشا بمن معه من العسكر الجرار توجه حسن باشا من جهات بروسة إلى أنقرة وشغلها بعساكره ، وفي هذه الأثناء وصل إلى حلب متسلم من طرف واليها أدرنه لي سوخته محمود باشا ومعه صورة الفتوى بقتل حسن باشا مع من التف حوله ومعه أمر بالنفير وجمع العساكر لقتال هذا الباغي ، فتلقى أهل حلب الفتوى بالقبول وأخرجوا من حلب متسلمها من طرف حسن باشا صهره حمامجي أوغلي ومعه مقدار ألف من عساكر اللوندية وطردوهم إلى خارج البلد.

ثم إن حسن باشا عظم أمره واستطار شرر فتنته وكثر الملتفون حوله من أهالي البلاد وخشي السلطان عواقب أمره حتى إنه عزم أن يخرج بنفسه لقتاله فمنعه الصدر الأعظم إذ لم يجد توجهه مناسبا للمصلحة ، وآخر الأمر وعد السردار مرتضى أن يكفيه أمره وتوجه بعساكره إلى هذه البلاد ، وهو في الطريق تصادف مع

٢١٨

حمامجي أوغلي صهر حسن باشا الذي كان متسلما في حلب من طرف عمه وطرد منها كما تقدم ، فأظهر هذا الإخلاص والطاعة وانضم إلى جيش مرتضى باشا ، وكان في جيش مرتضى باشا محمود باشا أدرنه لي الذي تعين واليا في حلب ومعه أيضا دولار باشا ، فتواطأ هذان مع حمامجي أوغلي وأرسل الثلاثة سرا إلى حسن باشا أبازة أنهم سينضمون إلى جيشه عند حصول المعركة ، فأحس مرتضى باشا بالأمر بواسطة بعض الجواسيس وقتل الثلاثة ، وبعد قتلهم توجه إلى أسكي شهر ومنها إلى قونية وحصل في تلك النواحي أمور يطول شرحها.

ثم إن الدولة أمرت قدري باشا والي الشام ومعه من الأمراء والعساكر بالالتحاق بمرتضى باشا وعينت واليا على حلب قوناقجي علي باشا ، وآخر الأمر اتخذ مرتضى باشا حلب مركزا لحركاته العسكرية وحسن باشا كان قد حضر إلى عينتاب واتخذها مقرا له ولعساكره أيضا. وشرع مرتضى باشا يستميل أهل هذه البلاد من عرب وكرد وتركمان ويحرضهم على قتال الخارجي حسن باشا ، فاجتمع من هؤلاء كثيرون وأخذوا الطرق على حسن باشا وقطعوا عليه المؤن ، فضاق عندئذ به الأمر فقرر على الذهاب لجهة الجزيرة وتوجه إلى بيره جك ، وهناك تقابل مع واليها وحصل بينهما قتال قتل فيه من جماعة حسن باشا نحو ألف ، وشدد مرتضى باشا الأمر على حسن باشا وضايقه أشد المضايقة وقتل من جماعته كثيرا. وصادف إذ ذاك وقوع الشتاء وانقطاع السبل والقحط والغلاء فلم يجد حسن باشا بدا من الاستسلام وأرسل إلى مرتضى باشا يطلب منه الأمان واستحصال العفو عن جرائمه بواسطته من حضرة السلطان.

ثم أخذ مرتضى باشا هو وقوناقجي علي باشا والي حلب في إعمال الحيلة في القبض على حسن باشا وكبار شيعته وأدخل من جماعته في جيش حسن باشا فئة أخذت تفرق الكلمة بين عساكره واستمالت منهم جملة منها مفتي جيشه والبلوك باشي ، فأقنع هذان لحسن باشا بالتوجه إلى حلب والصلح مع السردار مرتضى باشا واستحصال العفو السلطاني ، فتوجه حسن باشا إلى حلب ومعه ثلاثون من كبار جيشه فخرج مرتضى باشا ووالي حلب قوناقجي علي باشا واستقبلوه استقبالا حسنا وأنزلوه ومن معه في دار الحكومة وعملوا لهم ضيافة شائقة فيها ، وبات حسن باشا وأحمد باشا الطيار وكنعان باشا في السراي بنية النوم فيها وبقية الجماعة وزعت على

٢١٩

عدة بيوت من بيوت أعيان حلب كل شخصين أو ثلاثة في بيت ، وكان الاتفاق مع هؤلاء الأعيان أنهم متى سمعوا صوت المدفع من القلعة يقبض كل واحد على من عنده ويقتله في الحال وأن من أفشى هذا السر سواء كان صاحب المنزل أو أحدا من بيته فإن صاحب المنزل يقتل. وبعد العشاء صار مرتضى باشا يباسط من بات عنده في دار الحكومة ويطعمهم من الحلوى ، ثم آذنهم بصلاة العشاء وكلفهم الوضوء فقاموا لتناول الوضوء وشمروا عن سواعدهم وكان قد أخفى مقدار عشرين رجلا مدججين بالسلاح ، فأشار مرتضى باشا إلى هؤلاء فظهروا وهجموا على هؤلاء الثلاثة وأوسعوهم ضربا بالخناجر إلى أن قتلوا ، وبعد أن فرغ من أمرهم أرسل إلى القلعة فضرب بها المدفع الموعود به فقام كل واحد من أولئك على من كان عنده فقتلوهم ولم يفلت منهم أحد وقطعت رؤوسهم وملئت تبنا وأرسلت إلى مقر السلطنة ، وفي اليوم التالي ألقيت جثثهم في ساحة باب الفرج ، وكان عددهم ثلاثين رجلا ، وكان قتلهم ليلة الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة تسع وستين وألف. وسرد المؤرخ نعيما أسماءهم واحدا واحدا ولم نجد في ذلك كبير فائدة. ثم قال المؤرخ تحت عنوان (غريبة) :

ومن الوقائع العجيبة أنه في الليلة التي قتل فيها حسن باشا وجماعته بحلب وذلك ليلة السبت حصل في ذلك اليوم وقت العصر في الآستانة زلزلة عظيمة خرب بسببها بيوت كثيرة وسمعت تلك الزلزلة في كثير من البلدان ، وحصل لأهالي البلاد منها خوف عظيم. ثم قال : قال أرسطو في كتابه المسمى (بأدوار وأكوار) : كل زمن يحصل فيه بين الناس فتن وتسفك لأجلها الدماء وتزهق الأرواح بغير حق يعقب ذلك حصول حوادث سماوية من خسوف وكسوف أو وقوع زلازل أرضية ، وحوادث الأزمنة الغابرة أيدت ذلك حيث إنه كان يعقب كل ملحمة من الملاحم حصول أمر من الأمور السماوية أو بلية من البلايا الأرضية ، وفي ذلك دليل على عدم رضاء الخالق بهدم البنية الإنسانية. وفي فتنة حسن باشا قتل ألوف من الخلائق ذهبت دماؤها هدرا فلا غرابة إذا حصل على إثر ذلك تلك الزلازل العظيمة اه.

أقول : ومن غرائب الاتفاق أنه يوم الأحد الموافق للثاني والعشرين من شهر ذي الحجة سنة ألف وثلاثمائة وسبعة وثلاثين حصل هنا عصر ذلك اليوم زلزلة قوية رجفت لها

٢٢٠