إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٧

إلا من التجأ لإمامة أو خطابة في بعض الجوامع أو المساجد فكان ذلك الضربة القاضية على البقية الباقية.

هذه الأسباب وغيرها كانت عوامل مؤثرة تنذرنا بسوء المصير ووخامة العاقبة وأنها إذا دامت سنين قلائل وذهب ما بين ظهرانينا من بقية العلماء الذين أصبحوا في الشهباء الآن لا يبلغون عد الأصابع تصبح هذه البلدة العظيمة وما حولها مقفرة من العلم خاوية من أهل الفضل يتسكع أهلها في ظلمات الجهالة ويتيهون في وادي الضلالة ويستلم زمام الأمور قوم لا يكونون على شيء من العلم فيضلون ويضلون.

كنت ممن أهمه هذا الأمر وأغمه وشغل فكره ولبه فجعلته حديثي في كل مجتمع وسمري في كل ناد ، وكنت أنتهز الفرص في مذاكرة من بيدهم زمام الأمور مبينا لهم ما سيؤول الحال إليه بعد أن كانت الشهباء مشحونة بالعلماء والفضلاء مقصودة من الآفاق للتحصيل والاستفادة ، بها كانوا يلقون عصا تسيارهم ، ومنها يقتطفون أزهار العلوم والفنون ثم يعودون إلى بلادهم وقد حملوا منها أوقارا وامتلأت بها أوطابهم فينثرون درر علمهم وينشرون ألوية فضلهم.

وكنت أعرب عن رغبتي في أن تكون المدارس الدينية على نسق المدارس الأميرية ذات صنوف مرتبة وكتب وعلوم معينة ونظام يرجعون إليه لتكون مسافة التحصيل على الطلاب قريبة ويتمكنوا من الاستفادة التامة.

وكنت لا أجد من هؤلاء سوى التسليم واستحسان المقال والمشاركة في الشكوى والاكتفاء بإظهار التأسف والتحسر مما وصلت إليه حالة العلم في هذه البلاد إلى أن قيض الله لدائرة الأوقاف الرجل الهمام السيد يحيى الكيالي فإنه وفقه الله لما ألقيت إليه مقاليدها واستلم زمامها بادرت إلى مذاكرته في هذا الشأن فألقى سمعه إليه وأقبل بكليته عليه ، بل وجدته أشد مني شوقا وأكثر تعشقا لتحقيق تلك الأماني فكان فيه الضالة المنشودة والبغية المقصودة.

ولم يمض بضعة أسابيع وإذا به قد أبرز هذا المشروع الجليل لحيز الفعل وأعلن افتتاح المدرسة الخسروية وعين لها أساتذة وصار الطلاب يهرعون إليها من الشهباء وما حولها ، وكان افتتاحها في أوائل سنة ١٣٤٠ ، ووضع لها نظاما خاصا وعين لجنة دعيت لجنة المجمع العلمي برئاسة مفتي حلب الشيخ عبد الحميد الكيالي بحثت في هذا النظام ثم صادقت عليه.

١٦١

وأدخل في نظامها من العلوم ما عدا الآلية والدينية علم الأخلاق (وهذا العلم مع شدة الحاجة إليه لم يكن درسا يتلقى بل يكتفي الطلاب من شاء منهم بمطالعته من نفسه) وعلم التاريخ الإسلامي والإنشاء والجغرافيا وقانون الحقوق الطبيعية وقانون الأراضي وأحكام الانتقالات وأحكام الأوقاف وعلم الحساب.

والمدرسة في هذه السنة وهي سنة ١٣٤٣ ذات خمسة صفوف انتظم في سلكها نحو ثمانين طالبا ، والامتحانات التي حصلت في السنتين الماضيتين دلت على نجاح تام ومستقبل زاهر ونيطت عرى الآمال بأنها ستخرج عما قريب علماء متفننين يتمكنون من خدمة دينهم وأوطانهم ونشر ألوية العلم على ربوعها.

قلنا آنفا إن المدرسة أثناء الحرب العامة شغلت بالعساكر ومرضاهم ثم ببعض الفقراء الغرباء ، وأن ذلك عطل محاسن حجرها وذهب برونقها ، فقبيل افتتاحها وجه مدير الأوقاف المذكور همته إلى ترميمها وإتمام الحجر التي في الجهة الشرقية لأنها لم تكن كاملة حتى صارت صالحة للسكنى.

وبنى في آخر الرواق الشمالي من الجهة الشرقية قصطلا يأتيه الماء من القناة وجلب إلى هذا المكان الماء من ماء عين التل الذي يمر من شرقي المدرسة بأنابيب آخذا إلى محلة المغازلة ، وجعل بجانب هذا القصطل حجرة للاستحمام.

وعن يمين الداخل إلى المدرسة من الباب الغربي ست حجر كانت مطبخا للمدرسة وقد علتها الأوساخ وعمها الدخان وتوهن على مدى الأيام بناؤها فرفعت الفواصل بين أربع منها وجعلت قاعة واسعة وجعلت الحجرتان لقعود مدير المدرسة وناظرها ، وفرش الجميع بالرخام الأبيض والرخام الصناعي الذي يصنع الآن في مدينة حلب واتخذت تلك القاعة للمطالعة ووضعت فيها خزائن الكتب. وكان سعادة حاكم حلب الحالي مرعي باشا الملاح في طليعة من أهدى لهذه المدرسة كتبا قيمة ، فقد أرسل إليها ١٢٠ كتابا وفي عزمه أن يرسل غيرها فجزاه الله أوفى الجزاء. وفي جنينة المدرسة بناية قديمة هي تربة دفن فيها ابن الواقف وزوجته وقد درست الأيام هذين القبرين وكادت هذه التربة تنقض وقد لحظتها عين العناية فرممت هذه السنة واتخذت موضعا لإلقاء الدروس لبعض الصنوف.

وهذه الجنينة التي هي الآن عبارة عن ساحة قفراء غرست هذه السنة مع الساحتين اللتين عن يمين القبلية ويسارها بأنواع الأشجار ، وكذلك اتخذ في صحن المدرسة أمام القبلية

١٦٢

زراعتان يزرع فيهما البقول وغرس فيها بعض الأشجار أيضا ، وعما قريب يصبح هذا المكان إن شاء الله حدائق ذات بهجة تسر الناظرين.

وعناية مدير الأوقاف المذكور لم تزل مصروفة إلى عمران هذا المعهد وإحيائه بالعلوم والمعارف وجعله أزهر الشهباء بل أزهر البلاد السورية وفي عزمه أن يبني الأرض التي هي أمام الباب الشرقي التابعة لوقف المدرسة والتي حفظت بواسطة جدران قصيرة قاعة واسعة تعد لإلقاء المحاضرات العلمية وفقه الله لتحقيق آماله ، ولا ريب أنه قد خلد له بهذا الأثر العظيم وغيره من الآثار الحميدة الذكر الحسن الجميل وسنأتي على بيانها في مواضعها إن شاء الله تعالى.

سنة ٩٤١

ذكر تولية حلب لحسين بك

قال في السالنامة : ولي حلب هذه السنة حسين بك اه.

قال في در الحبب : هو حسين بك كافل حلب في الدولة السليمانية ، كان كثير القتل بغير سجل شرعي سفاكا للدماء على صورة قبيحة من تكسير الأطراف والإحراق بالنار والمحرق حيّ وغير ذلك متناولا للرشا لا نفع له على الخصوص سوى مضرة اللصوص. وكان من جملة مساويه أنه أمر شخصا بأن يزوج أخته ممن لا يرضاه زوجا لها ، فذهب وزوجها ممن يرضاه على خلاف رضاه ، فاشتكى إليه أبو الخاطب فطلب الزوج الذي عقد له العقد على رغم أنفه فتوارى هو وأبوه خوفا منه ، فحضر عمه وهو من قدماء أعيان حلب من التجار فأغلظ عليه الكلام فأجابه : أمر ١ شرعي ، فضربه ضربا مبرحا فلم يمض نحو عشرة أيام إلا وأخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر ذي انتقام في جمادى الأولى سنة تسع وأربعين ودفن خارج الكلّاسة.

وذكر في السالنامة بعده مصطفى باشا وأنه تولى حلب سنة ٩٥١ ، وذلك يفيد أن حسين بك بقي إلى هذه السنة وقد علمت فيما سبق أنه توفي سنة ٩٤٩ فما بين هاتين السنتين وال لم يذكر في السالنامة بل ولا في در الحبب والله أعلم.

__________________

١ ـ في بعض مخطوطات «در الحبب» : أمرنا شرعي.

١٦٣

سنة ٩٥١

ذكر تولية حلب لمصطفى باشا ابن بيقلي باشا

قال في «در الحبب» عو مصطفى ابن بيقلى باشا الرومي كافل حلب ، كان باشا زبيد من بلاد اليمن ثم كافل غزة ثم ولي كفالة حلب سنة إحدى وخمسين وتسعمائة فتتبع قطاع الطرق ليلا ونهارا بنفسة وعسكره وأظهر سطوته في اللصوص ، وربما جاءه النذير من طائفة من ذغار الأكراد أو غيرهم من مكان كذا فركب عليهم في الحال بثياب البذلة. ولما وقع الحريق ليلا في الحوانيت الكائنة تجاه جامع الأطروش والسوق الذي وراءه وقف ونادى أن لا يقرب من حوانيت الناس إلا أربابها وقطع النار عنها كما هو العادة ، ثم نادى أن ترفع أهل حلب السقايف المعمولة من البواري لسرعة عمل النار فيها وأن يعملوا السقايف من الأخشاب والدفوف ففعلوا ، بل جددت في أيامه سقايف لم تكن حتى ارتفع بسوق الخشب السعر لكثرة ما عمل بحلب من السقايف الجديدة.

ثم حصلت مبادي قحط عظيم فدبر بإذن الله تدبيرا عظيما حسنا دعا له الناس بواسطة الفقراء وهيأ للفقراء في كل يوم بدينار سيلماني خبزا وأشبع نفسه عن مفاسد كثيرة يسميها الناس مصالح لما ملكه من بلاد اليمن من الأموال العظام والتحف التي ما لها ثمن ، واعتنى بالخروج ليلا إلى خارج حلب لحسم مادة المفسدين ، وربما طاف ليلا بداخلها ، ثم تاب عن شرب الخمر وكسر أوانيه. وعزل في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة وتأسف على عزله أهل البلد لا سيما فقراؤهم. وكان صنيعه لما ابتدأ الغلاء أن هدد الجلّابين ومنعهم من أن يبيع أحد منهم شيئا من الغلال بالقرى والمدينة ١ ، وصار كلما طلب الخبّازون سعرا نقص منه فأيسوا من رفع القيمة وحصل الرخص بإذن الله تعالى. وكان له صوباشي جركسي ذكروا أنه لم يكن ليشرب الخمر ولا ليفسق بالنساء وغيرهن ويطوف بحلب ماشيا كآحاد الناس رحمه‌الله وإيانا اه.

__________________

١ ـ في النسخة المطبوعة من «در الحبب» : وكان من صنيعه لما ابتدأ الغلاء أن هدد من يبيع أحدا من الجلّابين شيئا من الغلال بالقرى والمدينة. (٢ / ٤٩٢).

١٦٤

سنة ٩٥٢

ذكر تولية حلب لسنان باشا

قال في در الحبب : هو سنان بن عبد الله الخادم الرومي السيسي ، كان خادما عند السلطان سليم بن عثمان وبوابا للسراي محكم الضبط فتولى نيابة نظر الحرم الشريف النبوي ، وغاب بالمدينة الشريفة غيبة طويلة ففقد بالباب السلطاني العالي نفعه ، فأرسل إليه المقام الشريف السليماني بالحضور إليه ، فعرض إليه إني كنت من جملة خدمك وصرت الآن من جملة خدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكيف أترك ما أنا فيه. وعرض عليه مرة وهو بالمدينة الشريفة أن بها شيعة من السادات وغيرهم فلو قتلوا لعدم صلاحيتهم للمقام في مثل ذلك المقام ، فلم يقبل عرضه لعدم الاطلاع على ما هو في ضمائرهم. قدم حلب سنة اثنتين وخمسين ثم عاد إلى المدينة الشريفة فتوفي بها سنة أربع وستين وتسعمائة ، وكان له شهامة وقوة بطش على شيخوخته ، وكان مع شهامته يؤذن ويقيم إذا أراد الصلاة وهو بالصحراء على ما نقله من رافقه بها اه.

سنة ٩٥٦

مرور السلطان سليمان بحلب

هذه السنة وسنة ٩٦٠

في هذه السنة مر السلطان سليمان ابن السلطان سليم العثماني من حلب قادما من بلاد العجم كما ذكره القرماني في تاريخه.

وفيها توفي بحلب جهانكير ابن السلطان سليمان وكان بحلب مع أبيه فتوفي بها ونقل تابوته إلى القسطنطينية ، ذكر ذلك في در الحبب في ترجمة جهانكير المذكور.

وفي تاريخ القرماني أن السلطان سليمان خرج أيضا سنة ستين وتسعمائة من القسطنطينية وتوجه إلى حلب فدخلها في غرة ذي الحجة.

١٦٥

سنة ٩٥٧

تولية حلب لمحمد باشا دوقه كين

باني جامع العادلية

قال في السالنامة : في هذه السنة ولي حلب محمد باشا دوقه كين. قال في قاموس الأعلام : هو من وزراء السلطان سليم وولده السلطان سليمان القانوني وهو الابن الأخير إلى دوقه كين وخدم السلطان سليما خدمات جلى ، ثم صاهر السلطان سليمان ثم عين واليا على حلب ثم على مصر ، وعزل سنة ٩٦٢ وعاد إلى الآستانة وتوفي بعد مدة قليلة.

وقال في قاموس الأعلام قبل ذلك في الكلام على دوقه كين : إن دوقه كين من بكوات (نورمانديا) استولى هذا البك على بعض جهات بلاد الأناؤوط في أشقو دره بعد أن ذهب ملك الروم عن القسطنطينية بالفتح العثماني وصار له نسل هناك عدد من الأرناؤوط ، ومن مشاهير هذه العائلة (لك) يعني (الكساندر دوقه كين) وصنع الأرناؤوط نظامات وقوانين صارت مرعية عند الماليسور ومستعملة لديهم إلى الآن ويعرف هذا القانون بقانون (لك دوقه كين) وصار دوقه كين علما على تلك العائلة. ثم إن (بالسا) أحد أمراء قره طاغ استولى على معظم بلاد عائلة دوقه كين وبقيت تلك العائلة في ناحية دوقه كين وهي بلدة واقعة جنوبي نهر درين وفي بلدة (ميردية). ثم إسكندر بك أحد مشاهير تلك البلاد ترأس على جميع الأرناؤوط القاطنين في تلك البلاد وسلم له دوقه كين بالرياسة وصار في معيته ، وبعد الفتح العثماني أسلم أنجاله دوقه كين وحاز البعض منهم المناصب العالية في الدولة العثمانية والبعض منهم صار له شهرة في العلوم والأدبيات العثمانية والبعض منهم انقرض اه.

قال في در الحبب في ترجمة محمد باشا المذكور : هو محمد باشا بن أحمد باشا بن دوقه كين الرومي ولد السلطانة كوهر ملكشاه بنت عمة السلطان سليمان بن عثمان ، صار باشا حلب وعمر بها سوقا عظيما طولا وعرضا ومتانة يعرف بالسوق الجديد أدخل فيه سوقا كان يعرف بسوق الزردكاشية بعد حل عدة أوقاف منه ، وكذا أدخل فيه بعض مساجد ، وعمر خانا بجوار دار العدل (هو الخان المعروف الآن بخان الفرايين) يفتح إلى السوق المذكور ، ثم أخذ

١٦٦

سوق الخراطين بعد حل عدة أوقاف منه وأضاف إليه ما وراءه ليعمر كلاهما سوقا وخانا فعزل وصار باشا مصر فعمر في غيبته وجعل باب الخان تجاه الحمام حمام الست (هو خان النحاسين) ثم عزل منها فدخل حلب وهو وجل من أن يتوجه إلى الباب العالي فيقتل ثمة لداع دعاه إلى الوجل من حلول الأجل ، فوقف ما عمر وأوصى بعمارة تكية وخان بتليلة عيشة (١) وكانت تلة عيشة في الدولة الجركسية ميدانا صغيرا يلعب فيه بالرمح مماليك كفال حلب في بعض التلة المذكورة ، ثم عمر من بعده خانه الثالث الذي لم يعمر يومئذ مثله في السعة ما بين خانات حلب في بعض التلة المذكورة (٢) ، ووجد في أثناء عمارته تحت الأرض كنيسة قديمة وماعون من الحديد فيه شيء أسود لم يدر ما هو ، وكان متولي عمارة سوق الجديد وما فيه من الخانات يضع آلات العمارة من الكلس والخشب والدف وغير ذلك بالمدرسة الحدادية فدخل بعض أهل العلم إلى محمد باشا بعد عام العمارة وحمله على أن يجعل لها خادما ومؤذنا وإماما إن لم يجعل لها مدرسا ويقف عليها بعض حوانيته من السوق المذكور تلافيا لما صدر من شأنها من الفساد ، وكانت يومئذ عديمة الوقف ، فوعد ولم يف بما وعد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم كانت وفاته بالروم سنة أربع وستين وتسعمائة اه.

أوقاف محمد باشا بن أحمد باشا بن دوقه كين

جميع الخان الكائن بالقرب من السفاحية حده قبلة الطريق السالك وشرقا دار السعادة وشمالا سوق العطارين وقف اليشبكية ، ومن الغرب السوق المعمور المعروف بإنشاء الواقف.

__________________

(١) قال أبو ذر في الكلام على الدروب : درب به حماما الست وقد تعطلت إحداهما ، ويصعد من هذا الدرب إلى فندق عائشة وتقدم أنها عائشة بنت صالح بن علي بن عبد الله بن العباس وكانت بارعة في الجمال تزوج بها موسى الهادي ، وهذا المكان نزه وبه مسجدان أحدهما بوسطه وقد اندثر والآخر بذيله ، وأحكار هذا الفندق جارية الآن في وقف الجامع الكبير.

(٢) هو الخان المشهور بخان العلبية. وأما التكية فيغلب على الظن أنها المكان الذي هو الآن بخان صغير في شرقي الجامع له باب من الجادة ، يرشدك إلى ذلك الباب المسدود الذي هو في جدار الجامع الشرقي وهذا الخان أصبح ملكا.

١٦٧

وجميع السوق المشتمل على صفي دكاكين أحدهما شرقي والآخر غربي وعدة دكاكينه ٧٥ دكانا وحده من القبلة الطريق السالك ومن الشرق الخان المتقدم ومن الشمال سوق الأبارين والعطارين ومن الغرب حمام الدلبة وتلة عائشة التي سيستجد ويبنى عليها خان للوقف.

وجميع القيسارية شمالي الخان المذكور حدها من القبلة حائط دار السعادة وباقي الحدود معروفة (هي المعروفة الآن بقاسارية الفرايين) وقد تغلب عليها. وجميع الخان الذي سيعمره الواقف على تلة عائشة المذكورة المتصلة بحمام الدلبة (سوق الحمام الآن) وحده من القبلة الطريق السالك ، ومن الشرق السوق المزبور ، ومن الشمال السوق المعروف بإنشاء الواقف ، ومن الغرب حمام الست (حمام النحاسين) وجميع السوقين المشتمل أحدهما على صفي دكاكين أحدهما قبلي والآخر شمالي عدة دكاكينه ٤٢ دكانا حده قبلة تلة عائشة وتمامه حمام الست ، ومن الشرق حمام الدلبة ، ومن الشمال القاسارية المعروفة بإنشاء الواقف وتمامه بسوق العتيق ، والثاني مشتمل على صفي دكاكين عدتها ٢٠ دكانا وحده من القبلة تلة عائشة ومن الشرق دكاكين يدخل إليها من سوق الأبارين ، ومن الشمال سوق الأبارين ، ومن الغرب القيسارية وجميع القيسارية التي يحدها من الشمال سوق الأبارين.

وجميع الخان المعروف بإنشاء الواقف تجاه حمام الست حده القبلي بيت الكناوي ومن الشمال سوق النحاس ومن الغرب الطريق السالك وتمامه مسجد تجاه بيت بني الحلفا.

وجميع السوق المشتمل على صفي دكاكين أحدهما شرقي والآخر غربي وعدة دكاكينه ٢٦ دكانا سوى دكانين الواقعتين في الصف الشرقي الملاصقتين لحمام الست وحده من القبلة الطريق السالك ، ومن الشرق حمام الست ، ومن الشمال سوق الحرير العتيق ، ومن الغرب الخان.

وجميع القيسارية الملاصقة طرفها الشمالي بحمام الست وحدها من القبلة الطريق السالك ، ومن الشرق تلة عائشة وهي قطعة منها ، ومن الشمال السوق المعمور المعروف بإنشاء الواقف ، ومن الغرب السوق المعمور المعروف بإنشاء الواقف. وجميع المبلغ من الذهب السلطاني الخالص العيار وقدره ثلاثون ألف دينار (١) شرط الواقف النظر والتصرف

__________________

(١) هذا الذهب كان مرصودا ليقرض لمن أعسر قرضا حسنا لمدة معينة برهن وقد بطل أمر ذلك.

١٦٨

لنفسه والتولية ومن بعده فعلى الأرشد من أولاده الذكور ، فإذا انقرضوا فإلى أرشد أولاده الإناث ، فإذا انقرضوا فإلى أرشد عتقاء الواقف ، فإذا انقرضوا فإلى رجل موصوف بالديانة والأمانة ، ويستغل المتولي كائنا من كان ويسعى بتعميرها ونظم أحوالها ويصرف منه ثانيا في مصارف الجامع الشريف الذي سيبنيه الواقف المشار إليه في الساحة الفلاوية المجاورة لتلة عيشة أجرة المتولي على الجامع والأوقاف كل يوم ٥٠ درهما فضة ، ويرتب للأوقاف كاتب شهير يدفع إليه كل يوم ٤ دراهم ، ويرتب جاب معروف بالديانة لا يميل إلى الحرام ويحترز كما يرام يعطى له كل يوم خمسة دراهم.

خطيب للجامع وله كل يوم ٣ دراهم ، ويرتب بمحفل الجامع ثلاثة حفاظ يدفع لهم درهم ولرئيسهم درهمان.

إمامان يؤمان على التناوب يحضران عند كل صلاة من الصلوات الخمس يدفع لهما ٤ دراهم كل يوم.

٥ رجال يقيمون الأذان والتمجيد لكل واحد درهم كل يوم.

رجل مجود يقرأ عشرا بعد صلاة الظهر والعصر يعطى له كل يوم درهم ومعرف يدعو بعد اختتام الأعشار يدفع له كل يوم نصف درهم.

قيّم وفرّاش يدفع لهما درهمان. سراجي وله كل يوم درهم. بواب وله درهم. وما فضل من الريع ومن بعد التعمير يكون لأولاد الواقف المذكور وأولاد أولاده الذكور المستولدين من الذكور نسلا بعد نسل ، فإذا انقرضوا فعلى ذريته من الإناث المستولدات من الذكور. التاريخ في سلخ ذي الحجة ختام سنة ٩٦٣.

أقول : إن البعض ممن تولى هذا الوقف في القرن الماضي من ذرية الواقف لم يكن حسن الإدارة فأعطى الخان المعروف بخان النحاسين والخان المعروف بخان الفرايين وقاسارية الفرايين وبعض حوانيت من خان العلبية والقاسارية الواقعة بين حمام النحاسين وبين مدخل الجامع من الباب الغربي التي هي الآن مدرسة للراهبات الإفرنسيسكان بطريق الأجارتين التي لا تستعمل للغاية التي جعلت لها بل صارت موضعا لتلاعب المتولين حتى صار كل وقف يؤجر بهذه الطريقة مآله إلى الضياع بتاتا كما هو مشاهد في كثير من الأماكن التي كانت وقفا. ولما آلت التولية إلى متوليه الحالي فؤاد بك العادلي قام بأعباء هذا الوقف قياما حسنا ورممه وضبط

١٦٩

أموره واتخذ الرواق العلوي في القاسارية المعروفة بقاسارية خان العلبية مخزنين كبيرين مستطيلين باب أحدهما من سوق الجوخ وباب الثاني من سوق النحاسين.

وكان في مدخل باب الجامع الغربي مصبغة واسعة وراءها أول الجنينة فاتخذها منذ خمس سنوات مع ما يحاذيها من الجنينة خانا صغيرا حسنا بابه يقابل باب الخان المعروف بخان العبسي. والدكاكين التي على طرفي هذا الخان أخرجت قبل ذلك من هذه المصبغة ومن تلك الجنينة وألحق الجميع بأوقاف الجامع.

الكلام على جامع العادلية

موقعه في المحلة المعروفة بالسفاحية على التلة التي كانت معروفة بتلة عائشة ، وهو معدود من الجوامع العظيمة في حلب متقن البناء وقبليته مزخرفة بأنواع الزخرفة ، وهي قبة واحدة واسعة عظيمة الارتفاع ، وفي أطرافها الثلاث الشرقي والغربي والشمالي ثمانية أواوين ، والقنطرة على باب القبلية حجارتها نافرة مدلاة إلى الخارج ذات هندسة بديعة تحتها على طرفي مدخل القبلية عمودان من الرخام منقوشان بأبدع النقوش الملونة ، وأمام القبلية رواق عظيم ذو أعمدة صخمة ، ويكتنف القبلية من الجهات الثلاث جنينة حسنة فيها أنواع. من الأشجار تأتيك في زمن الصيف بنسيم لطيف. وفي الجهة الشرقية من القبلية تربة فيها قبور ذرية الواقف ، وفي السنة الماضية وهي سنة ١٣٤٢ صرف متولي الوقف فؤاد بك العادلي من ذرية الواقف في إصلاح هذا الجامع وتزيينه أزيد من ألفي ليرة عثمانية ذهبا فدهن قبليته بأنواع الدهانات البديعة وكشط جدرانها فعادت بيضاء كأن البناء خرج منها اليوم. وكانت سقوف رواقها التي بجانب الصحن من الخشب فرفعه لقدمه وتوهنه واتخذها من الحديد. وكان في غربي الرواق حوض مكشوف متى بقي الماء فيه أياما قلائل يظهر خبثه فحوله إلى قسطل واسع مغطى ذي حنفيات للوضوء فوقها رفرف من الحديد فحفظ بذلك من أسباب التلويث ومن التجلد في أيام البرد الشديد.

سنة ٩٦٠

تولية حلب إلى بيربك بن خليل بك الرمضاني

قال في السالنامة : ولي حلب هذه السنة بير بك بن خليل بك.

قال القرماني في الكلام على الدولة الرمضانية : ولي السلطان سليمان (بيري بك) بن

١٧٠

خليل بك نيابة حلب ثم الشام ، ثم رده إلى مكان أبيه وجده بطلبة (في آدنة) ولم يزل بها إلى أن مات في حدود سنة سبعين وتسعمائة. وكان على جانب عظيم من الصلاح ، وكان كثير الخيرات والمبرات ، وقد بنى بمدينة آدنة جامعا حسنا وعمارة لطيفة يفرق منها الطعام للفقراء وأبناء السبيل ، وبنى بها حماما وخانا وسوقا.

سنة ٩٦١

تولية حلب إلى قباد باشا بن خليل بك الرمضاني

قال في السالنامة : ولي حلب في هذه السنة قباد باشا أخي بيربك.

قال في در الحبب : هو قباد باشا خليل بن رمضان القرماني أمير الأمراء بحلب في الدولة السليمانية ، دخلها فسلك فيها أسلوب الجراكسة إذ كان الوالي منهم يخلع فيها أول ما يدخلها خلعا على من بها من أركان الدولة وأظهر بها الشهامة الزائدة ومزيد الحرمة على مماليكه وحشمه وخدمه بحيث لا يقدر أحد منهم أن يدخل دار العدل بخمر ولا أن يظهر منه شربها. وعمر بها عماير كثيرة وجعل الموضع الذي فيه غسل السلطان جهانكير ولد المقام الشريف السليماني جنينة لطيفة.

وسعى في إرسال شخص عجمي إلى ماوراء أصبهان لإحضار ماء السمرمر إلى حلب بسبب جراد مهول كان حصل بها ، وخيف عوده إليها وحسن لأرباب الأموال أن يجمعوا للرسول مالا فجمعوا له ما ينوف على مائتي دينار سلطاني ودفعوا له بعضها ووعده بدفع باقيها إذا عاد بالمراد ، فذهب وعاد ومعه الماء وذلك في سنة أربع وستين وتسعمائة ، فخرج إلى لقائه أهل حلب ودخلوا به بالتكبير والتهليل كما وقع في مثل هذا في سنة تسع وخمسين وثمانمائة ، فإنه قد ذكر الشيخ أبو ذر (١) في تاريخه أنه وصل تلك السنة إلى حلب فخرج الناس إلى لقائه بالذكر والدعاء وأخرجوه إلى القلعة وعلقوه بمئذنة جامعها ، غير أن هذه المرة منع دزدارها من وضعه هناك لما أن الآتي به من مقره داخلا سقف أو سقيفة ٢ لئلا تذهب خاصيته وأنه صار إذا دخل

__________________

(١) تقدم ذكر ذلك في حوادث سنة ٨٥٩ ويغلب على الظن أن ذلك حديث خرافة وعلينا في مثل ذلك أن نأتي البيوت من أبوابها.

٢ ـ في النسخة المطبوعة من «در الحبب» : لما أن الآتي به من مقره زعم أنه [من تمام خاصة هذا الماء ألا يدخل] تحت سقف أو سقيفة. (٢ / ٥٨).

١٧١

بلدة ما سحبه بحبل من فوق بابها وكل سقف أو سقيفة بها إلى أن وصل به إلى حلب ، فأبرم على الحلبيين فسحبوه من فوق سور باب المقام ولم يدخلوه تحت ظل إلى أن أريد سحبه من أعلى سور القلعة فوقع المنع إلا بإذن سلطاني ، فوضع على قبة التكية الخسروية ، وكان الجراد قد غرز في الأرض فأخذ أركان الدولة في جمعه من أطراف حلب وهو يومئذ كالذباب الصغير فجمعوا منه بضبط قاضي حلب مائة ألف كيل إسطنبولي على كل بيت كيلان فيما زعموا وألقوه في الآبار والحفاير ، فلم يمض القليل من الزمان إلا وكبر ما بقي وزحف على بساتين حلب فحرك الماء المذكور ليجيء السمرمر بتحرك الشيخ محمد الكواكبي (١) ومعه مريدوه فلم يفد ، فزعم بعض الناس أن خاصيته انقطعت إذ لم يكن الوارد به من أهل الصلاح والشرط أن يكون منهم.

وما سر الناس بقدوم هذا الماء في السنة المذكورة إلا وجاءهم بعيد هذا فيها خبر عزل قباد باشا فسروا ثانيا لما أصابهم من ظلم صوباشيه ، ثم أظهر واحد من حلب حكما لقاضيها بالتفتيش على صوباشيه فأرسل قاضيها الحكم والمدعي مع محضر باشي إلى قباد باشا ليرسل الخصم لسماع الدعوى ، فاجتمع باقي الشكاة في جماعة من الأوباش ينتظرون ما يؤول إليه أمر الخصم على باب دار العدل ، فلما دخل محضر باشي بمن معه وعرض الحكم على قباد باشا فسوّف المدعي إلى ثاني يوم ، فذهب فرده وجدع أنفه وأطلقه فاجتمع به قاضي حلب فلم يلتفت إليه بل أسند إليه أنه هو الذي حسّن جدع أنف المدعي على لسان محضر باشي بناء على أنه لو يجدع لهجم الحلبيون عليه وقتلوه كما قتلوا قرا قاضي فكان في الجدع دفع الفتنة ومنع القتل به ، فخرج قاضي حلب من عنده واتهم المحضر باشى لما نقل عنه وأنه هو الذي نسب إلى الحلبيين ما نسب بطريق الفرية التي ما فيها مرية ، فعرض قباد باشا أنهم حضروا بباب دار العدل متسلحين ليقتلوه ويدخلوا مكانا كان سراي الحضرة العالية إذ حل ركابه بحلب قديما ، وعرض قاضي حلب جزاه الله خيرا عن أهل حلب أنه لم يحضر أحد منهم بشيء من السلاح بل هم مظلومون ، وذهب المدعي بغير عرض فوصل عرض قباد باشا أولا وشاع بحلب أنه يؤخذ منها طائفة يساقون إلى بغداد ، ووصل عرض قاضي حلب ثانيا فطلب المحضر باشي إلى الباب فأحضره قاضي حلب بعد وصول فرهاد باشا عوض قباد باشا وأشهد عليه جماعة ممن يقتدي بهم أنه لم ير أحدا متسلحا بباب دار العدل يريد قتل قباد باشا ، فذهب إلى الباب العالي

__________________

(١) إنه لم يحركه إلا بتكليف الحاكم وأمره له.

١٧٢

وبرأ الحلبيين عما رماهم به قباد باشا ، ولكن قدح في عرض القاضي أعني قاضي حلب لا تهامه أنه عرض فيه فبرأته الحضرة العلية ، ثم ورد الحكم السلطاني لفرهاد باشا بالفحص ففحص من دزدار قلعة حلب وغيره من أركان الدولة فإذا أهل حلب مظلومون في الواقعة اه. تأمل.

سنة ٩٦٤

ذكر تولية حلب لفرهاد باشا

قال في در الحبب : دخل فرهاد باشا حلب سنة أربع وستين وتسعمائة متوليا إياها عوضا عن قباد باشا ، فطاف بشوارعها يوما من الأيام في خمسة أشخاص ليحيط بها علما وصار يخرج أحيانا من باب دار العدل وهو ماش باخيزرانة لأطراح كان عنده ، وظهرت له فضائل كالتكلم بالعربية والخوض في دقايق الصوفية واستحضار كثير مما في كتب التواريخ وشيء من الأحاديث حتى كان يقول : أنا أحفظ نحو ثلاثمائة حديث ، إلا أنه أكب على صنعة الكيميا وقرّب أربابها كالشيخ محمد بن مسلم المغربي وغيره وهو يعلم أنه لا يفوز منها بشيء ، ولهذا كان يقول إنها وظيفة لأهلها من المهد إلى اللحد. وأمر الزين الأرمنازي خطيب الجامع الأعظم بحلب أن يذكر الحسن والحسين رضي‌الله‌عنهما في الخطبة قبل الستة الباقية من العشرة ، فقد كان كما هو الحق لا يذكر بعد الأربعة إلا الستة ولا بعد الستة إلا العمين الحمزة والعباس ثم السبطين الحسن والحسين ، وأغلظ على الشيخ زين الدين في تأخير السبطين فاضطرب الناس لما أحدثه ، وكان هو السبب في أن ألفنا الرسالة التي سميناها «تأهيل من خطب في ترتيب الصحابة في الخطب». وكان لا يسفك دما وجب ويقول جهلا منه : هذه بنية الرب فكيف نخربها؟ ولا يقطع يد السارق ويرى الجريمة نعمة منه ويدا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وفي أيامه سنة خمس وستين وتسعمائة أشيع أن الجراد خرج في بعض القرى فخرج بعض الناس بأمره لجمعه ، وكان الناس في قحط عظيم وصل فيه رطل الخبز إلى عشرة دراهم ، فبينما هم كذلك إذ نادى بأن الخارجين لجمعه لم يجمعوا منه شيئا يعتد به وبأن يخرج أهل حلب في الغد لاستقبال ماء السمرمر ، وكان ماؤه قد ورد مرة أولى إلى حلب في أيام قباد باشا ، فخرجوا إلى قرية بابلّى ورجعوا كأنهم جراد منتشر مع الماء ، فرفع إلى مأذنة القلعة من غير أن يدخل تحت سقف لئلا تزول خاصيته ، وبات أهل حلب في سرور زائد. ثم ظهر أن

١٧٣

الجراد قد ظهر في بعض معاملاتها فخرج بنفسه إليه وأخرج خلائق كثيرة ما بين عوام يتعاطون جمعه وخواص معهم خيام يتعاطون مؤنة الجامعين له ، وبقي الجمع نحو أسبوع إلى أن دفنوا منه بالأرض وألقوا بالآبار ما لا يحصى كثرة وانتفع به الناس ، ثم كان باشا ببغداد وتوفي بها سنة ثمان وستين وتسعمائة اه.

أقول : لم يذكر صاحب در الحبب من ولي حلب بعد فرهاد باشا من الأمراء مع أن وفاته كانت سنة ٩٧١ وقد ذكر تراجم غير واحد ممن كانت وفاتهم سنة سبعين بل سنة إحدى وسبعين كما يراه من تتبع تاريخه.

ومرتب السالنامة ذكر بعد فرهاد باشا بهرام باشا وقال : إنه ولي سنة ٩٨٨ ، وذلك يفيد أن فرهاد باشا بقي واليا إلى هذه السنة ، وهذا سهو فقد تقدم آنفا أن فرهاد باشا عين واليا لبغداد وتوفي بها سنة ثمان وستين وتسعمائة ، ويغلب على الظن أن فرهاد باشا عزل عن حلب سنة ست وستين وتسعمائة أو التي بعدها فيكون مرتب السالنامة قد أهمل ذكر من ولي حلب من سنة ٩٦٦ إلى سنة ٩٨٨ أعني مدة اثنتين وعشرين سنة. وبعد التتبع والبحث وقفت على البعض ممن وليها خلال هذه المدة ، ففي خلاصة الأثر في ترجمة حسن باشا ابن محمد باشا أنه ولي في مبدأ أمره كفالة حلب ودخلها ولم يلتح أو لم تكمل لحيته ، ثم ولي بعدها كفالة الشام في سنة خمس وثمانين وتسعمائة وعزل عنها وولي ولاية أناطولي ثم ولاية أرزن الروم ، ثم أعيد إلى الشام ، وبسط صاحب الخلاصة ترجمته وحوادثه فارجع إليها إن شئت.

وفي أوراق كنت نقلتها عن أوراق وجدتها عند بعض أهل العلم منقولة عن خط الشيخ عمر العرضي مؤرخ حلب وعالمها وقد ذكر في هذه الأوراق بعض حوادث حلب وغيرها من سنة ٩٨١ لغاية سنة ٩٨٦ فال في حوادث سنة ٩٨٢ : وفي شوال ولي كفالة حلب محمد باشا ابن الخلال وأظهر من العدل فوق ما كان يؤمل منه اه.

سنة ٩٨٤

ذكر تولية حلب لعلي بن علوان باشا

قال العرضي في الأوراق التي قدمنا ذكرها في حوادث هذه السنة : فيها نودي بحلب للخروج إلى ابن مدلج البدوي المعروف بباغي ابن أبي ريشة ، وخرج الباشا ومعه العساكر في

١٧٤

مهيع عظيم في زمن البرد والشتاء ، وكان الباشا إذ ذاك علي بن علوان بيك ودعا عليه العسكر دعاء عظيما حيث كان هو السبب في أن ركبهم هذه المشاق من غير ذنب جناه باغي المذكور اه.

سنة ٩٨٨

تولية حلب لبهرام باشا والكلام على جامعه

في هذه السنة ولي حلب بهرام باشا وهو ابن مصطفى باشا ابن عبد المعين ولم أقف له على ترجمة. ومن آثاره الجامع العظيم المشهور بالبهرامية في محلة الجلّوم في مدينة حلب ، طول صحنه من القبلة إلى الشمال ٢٩ ذراعا بالذراع النجاري وعرضه من الشرق إلى الغرب خمسون ذراعا وقبليته ذات قبة واحدة عظيمة تحتها اثنا عشر إيوانا صغيرا بأربعة عشر شباكا مشرفات على جنينة. ومحراب القبلية وبابها وباب الجامع الشمالي أبدع المعمار ما شاء أن يبدع يروقك النظر إليهم لما فيهم من الزخرفة. وبين القبلية وصحن الجامع رواق عظيم البنيان ذو أعمدة ضخمة وفي يمينه إيوان صغير ومنه يصعد إلى منارة الجامع وهي مرتفعة جدا تعد من المنارات العظيمة التي في حلب ، وكانت قد سقطت فأعيدت سنة ١١١١ ، وسيأتيك ما كتب على بابها من الأبيات في ترجمة ناظمها الشاعر الأديب يحيى العقاد من شعراء القرن الثاني عشر ، وعن يساره إيوان صغير أيضا فيه شباكان عظيمان مطلان على الجنينة. يحد الجامع شمالا سوق موقوف على الجامع وغربا زقاق يعرف بزقاق السودان وشرقا زقاق يسمى الآن زقاق البهرامية باسم الجامع وفي القديم كان يعرف بدرب السبيعي (١).

وفي زلزلة سنة ١٢٣٧ وقعت القبة وبقيت خرابا نحو أربعين سنة لعدم وجود غلة في الوقف ، ثم بيع ما كان على القبة من الرصاص وبنيت القبة بثمنة وأعيدت كما كانت.

وعمر الواقف في مدخل باب الجامع الشمالي سبيل ماء وفي غربيه مكتبا للأيتام يصعد إليه بدرج.

وتاريخ الوقفية سنة ٩٩١ وهي من إنشاء تاج الدين الكوراني ، ويغلب على الظن أن وفاته كانت سنة ٩٩٤ ووفاة أخيه رضوان باشا الآتي ذكره كانت سنة ٩٩٥ ودفنا في مغارة في الجنينة أعدها الواقف تربة لنفسه ولأخيه ، وذكر ذلك في كتاب وقفه ، وقد بني فوق المغارة

__________________

(١) نسبة إلى الحسن بن أحمد السبيعي الحلبي الحافظ المتوفى سنة ٣٧١.

١٧٥

تربة ووضع فيها ألواح محاذية للقبرين في المغارة وهذه التربة أشرفت على الخراب فجددها في هذه السنة وهي سنة ١٣٤٣ المتولي على الوقف عبد الله بك العلمي وبنى في وسطها قبرين عظيمين محاذيين للقبرين اللذين في المغارة وكتب على الطرف الأيمن من قبر الواقف اسمه وسنة وفاته وعلى الطرف الآخر : جدد هذه الحجرة بعد خرابها أحد أولاد الواقف متولي الجامع في سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وألف.

وكتب على قبر أخيه رضوان باشا :

(١) تحت هذه الحجرة غار مقبى بحجر منحوت ينزل إليه من الجهة الشمالية بالقرب من الشباك الشرقي

(٢) بسبع درجات أخر وفي وسطه قبرهما وهما على سمت القبرين المبنيين هنا.

ووضع تحت الشباك الشرقي حجرة كتب عليها (تحت هذه الحجرة المنزل إلى غرفة قبر الواقف وأخيه).

وقبو هذه المغارة مبني على شكل يعرف عند البنائين بالصاجي ، وحينما رأوه عجبوا من حسن بنائه وكيف أن هذا البناء على هذا الشكل أبقته الأيام إلى الآن ولم يزل في غاية من المتانة. وفي الجهة الشرقية من الجامع غرفة واسعة مستطيلة فيها قسطل من الماء ، وفي هذه السنة جلب المتولي المذكور إلى القسطل ماء حارا بأنابيب حديدية من الحانوت الكبير الذي هو أمام الجامع الشمالي الموضوع فيه مطحنة حديدية للطحين وصار الناس يتوضؤون في الشتاء بماء حار وهو أول عمل من هذا القبيل في حلب ، وقد شكر المتولي على هذا الصنع الحسن.

سنة ٩٩٤ : كان الوالي رضوان باشا أخا إبراهيم باشا كما في السالنامة.

سنة ٩٩٥ : كان الوالي حسن باشا ثم سليمان باشا كما في السالنامة.

سنة ٩٩٦ : كان الوالي حسين باشا كما في السالنامة.

سنة ٩٩٩ : كان الوالي الحاج أحمد باشا كما في السالنامة.

١٧٦

سنة ١٠٠٢

ذكر في السالنامة أنه تولى حلب في هذه السنة محمد باشا وبقي إلى سنة ١٠٠٥.

قال في تاريخ نعيما في ترجمة بويالي : محمد باشا هو ابن بير أحمد المتقاعد بعد أن حاز ربتة البكربكية ومن زمرة كتاب ديوان الوزارة ، ثم صار رئيس الكتاب ، ثم عين واليا على حلب ، وبعد ذلك تولى الوزارة مرتين ، وكان عاقلا كاملا بنى في الآستانة جامعا ومدرسة وخانقاه ، توفي في الآستانة في رمضان سنة ١٠٠١ اه.

وليس في السالنامة من تسمى بمحمد قبيل هذه السنين سوى هذا. فالسهو واقع من أحدهما لا محالة إما من مرتب السالنامة في سنة ولايته أو من المؤرخ مصطفى نعيما في تاريخ وفاته والله أعلم.

سنة ١٠٠٥

ذكر تولية حلب للأمير أحمد بن مطاف

قال في السالنامة : إنه تولى حلب من سنة ١٠٠٥ إلى سنة ١٠٠٨.

قال المحبي في خلاصة الأثر في ترجمة المذكور : هو الأمير أحمد بن مطاف أمير الأمراء بحلب ذكره أبو الوفا العرضي في تاريخه وقال في ترجمته : لم يزل يتدرج إلى المناصب حتى تولى كفالة حلب ، وفي تلك الأيام وقع الحريق في سوق العطارين وذهب للناس أموال كثيرة مع أن هذا الأمر لم يعهد في حلب. قيل سببه أن بعضهم نسي في الشقف بعض نار ، وقيل إن جماعة الكافل فعلوا ذلك عمدا حتى يغرموا الناس الأموال والله أعلم بحقيقة الحال ، والذي قال بعض أرباب العقول الحسنة أن هذا الأمر وقع من غفلة رجل عن النار.

وظهر في زمنه فساد كثير من قطع الطريق وأخذ أموال الناس حتى ركب ابنه درويش بك بعساكر حلب نحو ألف فارس ، وكان أمير العرب عرار خال دندن ، فاقتتلوا وانهزم عسكر حلب فكان عرار يتبعهم وحده ويقتل منهم ويفر ومن تحته فرسه التي لا تسابق وعليه الدرع الذي لا تعلم فيه السهام ولا السيوف قيل ولا المكاحل (هكذا قال) واستمر يتبعهم إلى قرب حلب ، وكان عرار في الشجاعة والفروسية لا يطاق. ثم قال : وهو (أي الأمير أحمد) باني المدرسة المعروفة بحلب وقد شرط لمدرسها في اليوم عشر قطع فضية وفي قول عشرين عثمانيا صحيحا ، واتخذ له ثلاثين جزءا من كتاب الله تعالى وهو ختم كامل ، وبنى له

١٧٧

مدفنا وله خان (هو الخان المشهور الآن بخان الطاف) وبعض دكاكين وقفها على هذه الخيرات. وكانت وفاته سنة ثمان بعد الألف ودفن بمحلة الجلّوم (في مدفنه الملاصق لباب الخان المذكور) رحمه‌الله تعالى.

وأما ولده درويش بك فقد عاش بعد والده مدة طويلة ، وكان من أكابر أعيان المتفرقة وحصل له القبول التام عند نصوح باشا ، وسعى على قتل حسين نقيب الأشراف بتحسين أخيه السيد لطفي قائلا له : إن أخي يفعل كذا ويفعل كذا ، وسيأتي خبر قتل السيد حسين. ثم لما وقعت الفتنة بينه وبين حسين باشا جانبولاد وكان يتهم درويش بك في أنه هو الذي حسن لنصوح باشا كل هذه الأمور ، فلما ملك حسين باشا حلب وصار كافلها حبس درويش بك في القلعة وخنقه ليلا وعلقه على باب الحبس وقال : إن درويش بك هو الذي قتل نفسه. تجاوز الله عن الجميع. وكان قتله في سنة أربع عشرة بعد الألف. اه ما في خلاصة الأثر.

الكلام على شرط وقفه وما فيه من الآثار الخيرية

أطلعني بعض أحفاد الواقف على نفس كتاب الوقف المحفوظ لديه من عهد الواقف رحمه‌الله وخلاصته أن الواقف وقف عشرة آلاف دينار ذهبا تام الوزن وجعل المتولي على هذا المبلغ ولده قوبض بيك ، وهو قد استبدل بها جميع الخان العامر الكائن بمحلة الجلّوم الكبرى المعروف بخان الطاف ، ثم ذكر بقية العقارات التي اشتريت له. وقال في بيان شروط الوقف على أن المتولي يستغل المبلغ المرقوم ويستربحه بالوجه الشرعي على حكم العشرة بأحد عشر ولا يعطيه لأمير ولا لأصحاب الثروة والمناصب ولا يعطيه إلا بالرهن القوي ، وأقله أن يكون قيمته ضعف ذلك المبلغ ، وشرط أن يصرف من غلته الحاصلة في كل سنة الوظائف التي سيأتي تفصيلها. (ثم قال) : وإذا فضل من محصوله شيء بعد المصارف المعينة يصرف في عمارة الجسور الدائرة والقساطل المحتاجة وترصيف الأزقة المحتاجة إلى ترصيفها برأي حاكم الشرع الشريف بهذه البلدة.

وذكر في بيان الوظائف أن يفرز بعد وفاته من هذا المبلغ المذكور مقدار كاف ليبتني به على قبره قبة وبجانبه مكتب يعلم فيه القرآن العظيم ويقرأ على القبر كل يوم ثلاثون رجلا من القرآن العظيم كل واحد جزء.

١٧٨

وشرط أن المتولي يبني بعد وفاة الواقف المشار إليه من ربح المبلغ المسطور دارا للحديث في محل لائق بهذا البلد ، وعين للمحدث كل يوم ثلاثين درهما عثمانيا وللطلبة الذين هم ثلاثة نفر ستة دراهم لكل منهم عثمانيان كل يوم ولبواب المحل المذكور كل يوم عثمانيين.

حرر في ١٥ ذي الحجة سنة ١٠٠٤

ثم إن ما ذكره المحبي من أنه باني المدرسة المعروفة به لا صحة لذلك ولا أثر له في كتاب الوقف ، لكنه أوصى كما تقدم ذكره أن يبني من ربح دراهمه التي وقفها دارا للحديث ، وبقي بناء هذه الدار مهملا إلى أوائل هذه القرن ، ففي سنة ١٣١١ اشتريت دار في محلة سويقة حاتم أمام مسجد البكفالوني وجعلت دار حديث وعين لها من يحضر لقراءة الحديث ، لكنا لم نجد هناك طلبة قط ولم يأت شراء هذه الدار بشيء من الفائدة. والدار ينزل إليها بدرج وهي لا تصلح لسكنى الفقراء الذين لا يبالون في أمر صحتهم فضلا عن أن تتخذ دار حديث ، وقد أخبرني المتولي أن في عزمه أن يستبدلها بغيرها ونعم العمل.

وذكر في كتاب وقفه ثمانين كتابا خطيا وقفها على ما يظهر على دار الحديث وهي كتب متنوعة من جملتها جلدان من لسان العرب وصل فيهما إلى حرف الراء ، ولا أثر لهذه المكتبة الآن ولا يعلم الوقت الذي تبعثرت فيه.

وشرط في كتاب وقفه اتخاذ مكتب لتعليم القرآن بجانب مدفنه ، ويغلب على الظن أن هذا المكتب كان ثمة ودخل مع حمام كانت هناك تسمى حمام البنات مع عدة دور في الكنيسة التي أحدثت هناك منذ خمسين سنة المعروفة بكنيسة الشيباني ، وبعض هذه الأمكنة وقف باعها بعض من لا خلاق له وإلى الله تصير الأمور. وقد بنى المتولي السابق عبد القادر الغنام في المدرسة الشرفية في الجهة الشرقية منها حجرة واسعة قبوا اتخذت مكتبا وذلك بعد سنة ١٣٠٠ بقليل بأمر من الوالي جميل باشا وعين له من يعلم الأطفال القراءة والكتابة ، وبقي ذلك إلى هذه السنة (١٣٤٣) فأخذت دائرة الأوقاف من المتولي الحالي السيد محمود الغنام هذه الحجرة لأن أصل بناء المكتب هنا كان في غير محله ولا ندري أين يبني عوضه بعد الآن.

سنة ١٠٠٨

ذكر تولية حلب للحاج إبراهيم باشا

قال في السالنامة : ولي حلب سنة ١٠٠٨ الحاج إبراهيم باشا. اه.

قال في تاريخ نعيما من حوادث هذه السنة سنة ١٠٠٨ : في ربيع الآخر قتل والي

١٧٩

حلب إبراهيم باشا من يكيجرية الشام سبعة عشر شخصا كانوا أتوا إلى حلب وصاروا يأخذون من فقرائها وعمالها مالا باسم الدولة مدعين أنهم من محصلي الأموال الأميرية ، ثم لما تبين أمرهم قبض إبراهيم باشا عليهم وقتلهم فحصل لأجلهم جدال وقلائل ١ بين اليكيجرية الموجودين هنا وبين جماعة إبراهيم باشا أدى الحال إلى هدر دماء كثيرة من الطرفين اه.

قال في قاموس الأعلام في ترجمته : هو من وزراء السلطان محمد خان الثالث ، كان في ابتداء أمره من القضاة ثم صار دفتردارا في يانق ثم نقل إلى رتبة ميرميران فعين واليا على حلب ، ثم حاز رتبة الوزارة ، وفي سنة ١٠٠٩ لما عصت بلدة جوروم عين المترجم لمحاربتها وصار قائد العساكر وجرت المحاربة بينه وبين جلال قره يازيجي ، فلسوء تدبيره انكسر وانهزم وتلف معظم العساكر التي كانت معه فعزل على إثر ذلك وأحيل على التقاعد في قونية ، وفي زمن صدارة ياوز علي باشا أحضر من قونية إلى الآستانة وعين واليا على مصر ، وبعد أن مضى عليه عشرة أشهر قتل في مصر قتلته الجنود المصرية. وكان ذا دراية واقتدار معتدلا في أموره لكنه غير موفق في الحروب اه.

وباسم الوالي المذكور ألف الشيخ إبراهيم بن أحمد بن الملا تاريخا تعرض فيه لمن حكم حلب من حين فتحها الصحابة إلى زمن إبراهيم باشا الملقب بالحاج إبراهيم وسماه «شفاء السقيم بآيات إبراهيم». انظر ما كتبناه في المقدمة على هذا الكتاب.

سنة ١٠٠٩

كان الوالي فيها علي باشا ثم بشير باشا ثم شريف باشا كما في السالنامة.

سنة ١٠١٠

كان الوالي فيها حسن باشا بن علي باشا زاده كما في السالنامة.

سنة ١٠١١

قال في السالنامة : كان الوالي فيها ناصف باشا ثم نصوح باشا اه. وهذا سهو فهما واحد.

__________________

١ ـ لعلها : قلاقل.

١٨٠