إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٧

فيها من مال وسلاح وغير ذلك ، فكان الذي ظفر به السلطان سليم في هذه الواقعة من الأموال والسلاح والتحف وغير ذلك لا ينحصر ولا يضبط ، وقد قسم له ذلك من القدم واحتوى على خيول وبغال وجمال لا يحصى عددها ، واحتوى على خيام وبرك ولا سيما ما كان مع السلطان وأمراء العساكر كما يقال في المعنى :

ألا إنما الأقسام تحرم ساهرا

وآخر يأتي رزقه وهو نائم

ودخل المرة الثانية فصلى صلاة الجمعة في جامع الأطروش الذي بحلب وخطب باسمه ودعي له على المنابر في مدينة حلب وأعمالها وزينت له مدينة حلب وأوقدت له الشموع على الدكاكين وارتفعت له الأصوات بالدعاء وهو مار عند عوده من الجامع وفرح الناس به فرحا شديدا.

قال العلامة القطبي في تاريخ مكة : لما حضر السلطان سليم صلاة الجمعة في حلب خطب الخطيب باسمه الشريف ودعا له ولآبائه وأسلافه وبالغ في المدح والتعريف ، وعندما سمع الخطيب يقول في تعريفه (خادم الحرمين الشريفين) سجد لله شكرا وقال : الحمد لله الذي يسر لي أن صرت خادم الحرمين الشريفين ، وأضمر خيرا جميلا وإحسانا جليلا لأهل الحرمين الشريفين وأظهر الفرح والسرور بتلقبه بخادم الحرمين المنيفين وخلع على الخطيب خلعا متعددة وهو على المنبر وأحسن إليه إحسانا كثيرا بعد ذلك.

ودخل المرة الثالثة ونزل إلى الحمّام وأنعم على المعلم بمبلغ له صورة.

قال في در الحبب في ترجمة السلطان سليم خان رحمه‌الله : دخل حلب في رجب سنة اثنتين وعشرين وتسلم قلعتها بالأمان من جماعته رجل أعور أعرج. ثم إنه طلع إليها بنفسه وجمع بأمره من تجارها مالا كثيرا سموه مال الأمان وصاروا يبذلونه بطيب نفس لخوفهم يومئذ على النفس ، ولم يحصل بحلب وجيشه مقيم عليها من القحط ذرة بالمرة مع كثرة جيوشه التي كانت معه التي ملأت السهل والجبل.

قال ابن إياس : لما دخل السلطان سليم إلى حلب نادى فيها بالأمان والاطمئنان والبيع والشراء وكل من كان عنده للأمراء والعسكر شيء من خيول أو سلاح أو قماش يحضر ما عنده ، وإن لم يحضر ما عنده وغمز عليه شنق من غير معاودة. قال : واستمر الخليفة والقضاة الثلاثة الشافعي والمالكي والحنبلي في الترسيم بحلب لا يخرجون منها إلا أن يأذن لهم ابن عثمان.

١٤١

وقال المحلي : أقام السلطان سليم بحلب نحو العشرين يوما ، وكان مع الغوري خلفاء المشايخ مثل خليفة سيدي أحمد البدوي وسيدي عبد القادر الجيلاني وسيدي إبراهيم الدسوقي وأمثالهم ، فلما وقعت الكسرة على الغوري بقي المشايخ بحلب ، فلما سمعوا بأن السلطان سليما قادم إلى حلب خافوا من سطوته فأخذوا في الذهاب إلى نحو الشام ، فلما رآهم على بعد مع الرايات والأعلام قال : ما هؤلاء؟ قالوا له : هؤلاء خلفاء المشايخ كانوا جاؤوا مع الغوري فلما كسر خرجوا يريدون الذهاب إلى مصر ، فأمر بإحضارهم فلما مثلوا بين يديه أمر برمي رقابهم واحدا بعد واحد ولم يرحم منهم كبيرا لكبره ولا صغيرا لصغره فقتلهم عن آخرهم فرحمهم‌الله أجمعين وكانوا يزيدون على ألف رجل. ثم أمر بالتوجه إلى الشام وكان المشير عليه بذلك خاير بك.

قال ابن إياس : كان خاير بك موالسا على السلطان في الباطن وكان أول من كسر عسكر السلطان وانهزم عن ميسرته وتوجه إلى حماة ، ولما ملك ابن عثمان حلب أرسل خلفه ، فلما حضر خلع عليه وصار من جملة أمرائه ولبس زي التراكمة العمامة المدورة والدلامة وقص ذقنه وسماه السلطان خاين بك لكونه خان سلطانه.

رحيل السلطان سليم من حلب إلى الشام

قال في در الحبب : في اليوم العشرين من شعبان رحل السلطان سليم إلى الشام فهرب من بقي من الجراكسة عند وصوله إلى قارة ، فنزل بالقابون التحتاني فلاقاه علماء الشام وأعيانها ، كما فعل الحلبيون إذ لا قوه ، فآمنهم وصلى بها الجمعة وتصدق بها سرا وعلنا ، ثم رحل منها إلى الديار المصرية واستولى عليها ، وكان قد تسلطن بها الأمير طومان باي الدوادار الكبير وجرى بينهما حروب يطول شرحها بسطها ابن إياس وغيره ، ولما استولى عليها جعل فيها خاير بك نائبا عنه وبقي إلى أن مات فيها سنة ٩٢٨.

قال في در الحبب : ثم إن السلطان سليما عاد من مصر إلى الشام سنة ٩٢٣ وأمر فيها ببناء تكية الصالحية ، ثم إلى حلب إلا أنه نزل بمرج دابق ، ثم سار إلى تخته بالقسطنطينية. وفي سنة خمس وعشرين ورد أمره بسوق ستين رجلا من تجار حلب إلى طرابزون فحصل القبض عليهم في ليلة واحدة بحيث صاروا يأتون باب الرجل فيطرقونه وهو لا

١٤٢

يشعر بما أريد به فيقبضون عليه ثم سيقوا إليها. ثم ورد الأمر بسوق من بها من الأعاجم إلى القسطنطينية فسيقوا ، وبرز أمره مرة أخرى بسوق بيوت كانوا بالقلعة الحلبية على ما كانوا عليه من المكث فيها فسيقوا إليها أيضا إلا من استثني منهم كبيت الشيخ نور الدين محمود خطيب المقام.

صفة السلطان سليم خان رحمه‌الله :

قال ابن إياس : أخبرني من رأى السلطان سليم شاه أنه كان مربوع القامة واسع الصدر أقنص العنق مكرفس الأكتاف مترك (هكذا) الوجنتين واسع العينين دري اللون وافر الأنف مليء الجسد حليق اللحية ليس له غير الشوارب كبير الرأس عمامته صغيرة دون عمائم أمرائه.

أول ولاة الدولة العثمانية بحلب وأول قضاتها

لما استولى السلطان خان رحمه‌الله على حلب جعل الوالي بها أحمد باشا بن جعفر المشهور بقراجا باشا والقاضي كمال الدين ابن الحاج إلياس الرومي الحنفي المشهور بابن الجكمكجي ، ذكر ذلك صاحب در الحبب في ترجمتهما.

قال في ترجمة قراجا باشا : إنه كان عادلا خيرا من أهل العلم ، ومن جملة تلامذة الجلال الدواني وهو الذي بعثه السلطان سليم إلى السلطان الغوري وهو بحلب رسولا مع بعض قضاة عسكره (هو زيرك زاده كما تقدم) وبعد عزله من كفالة حلب (يظهر أن ذلك كان بعد محاصرة جان بردي الغزالي لحلب في صفر سنة ٩٢٧) أمره السلطان سليمان أول ما تسلطن بعد وفاة أبيه بسوق السفن المرساة عند ساحل البحر بالقرب من ودين من بلاد الروم إيلي إلى جهة بلغراد لأجل فتحها ، فساقها في سنة سبع وعشرين ثم شهد حصارها فقتل بها شهيد المكحلة أصابه حجرها.

وقال في ترجمة كمال ابن الحاج إلياس الرومي الحنفي : كان أول قاض تولى قضاء حلب في الدولة العثمانية وذلك في عام اثنين وعشرين وتسعمائة ، وكان يعرف بابن الجكمجكي. وكان أول قاض انفرد بقضاء حلب واستقل به بعد تلك الدولة [دولة الجراكسة] التي كانت في آخرها بحلب وكذا بدمشق والقاهرة من المذاهب الأربعة قضاة أربعة وكان بها في الثمانمائة

١٤٣

أيضا قاض واحد على ما ذكره الشيخ أبو ذر في تاريخه حيث قال نقلا عن ابن حبيب : ولي كمال الدين عمر بن العديم الحنفي في سنة عشرة وسبعمائة رفيقا للقاضي الشافعي الأنصاري ولم يعهد لحلب سوى قاض واحد من قديم الزمان وإلى الآن انتهى.

وكان القاضي كمال الدين (الجكمكجي) شهما متمولا مقداما على إجراء أحكام الشرع مهيبا كثير الخدم والحشم ، يلبس الحسن ويهوى الوجه الحسن اه.

سنة ٩٢٦

في هذه السنة في تاسع شوال كانت وفاة السلطان سليم خان رحمه‌الله ، وجلس بعده على سرير السلطنة ولده السلطان سليمان خان رحمه‌الله.

ذكر محاصرة جان بردي الغزالي نائب الشام

لحلب ورحيله عنها

لما استولى السلطان سليم رحمه‌الله على دمشق جعل نائبها الأمير جان بردي الغزالي أحد أمراء الجراكسة.

قال القرماني : ولما توفي وجلس على سرير السلطنة ولده السلطان سليمان خان وبلغ جان بردي الغزالي ذلك خرج عن الطاعة ورام أن يتسلطن بدمشق ونواحيها ، ولم يدر أن الدولة عنهم قد ولت وأن السعادة قد أدبرت ، فجمع الجموع وحشد الحشود من طوائف الجنود وسار إلى مدينة حلب ليستولي عليها ، فحاصرها مدة ولم يقدر عليها ، وكان نائب حلب إذ ذاك قراجا أحمد باشا فجد في دفعه واجتهد ، وكان غرضه أن يخرج من البلد ويقابل العدو ويقاتله إلا أنه خاف من أهل البلد لأنهم كانوا قريبي العهد من الجراكسة ، فلما رأى الغزالي أنه لم يجد إلى الدخول سبيلا عاد راجعا إلى دمشق فشرع في تحصين القلعة وترميمها.

قال أحمد بن زنبل المحلي : إن جان بردي الغزالي قبل خروجه من دمشق منع الدعاء للسلطان سليمان في الخطبة وأمر بالدعاء له ، وأيضا جعل السكة باسمه وتسلطن وأطاعته العساكر وأهل الشام وخطب له على منابرها وأمر بالزينة فزينت له زينة لم يعهد مثلها مدة سبعة

١٤٤

أيام ، ثم أمر بالتبريز إلى مدينة حلب ولفق عساكره من كل جنس من عرب ومن جركس ومن كرد ومن دروز ومن سفل العالم وممن لا خير فيه وخرج من دمشق في ضجة عظيمة من شرار الناس وممن لا يرتجى خيره ، ولما وصلت الأخبار إلى نائب حلب وكان أميرا من صناجق السلطان سليم رومبا لا قدرة له على تلك الجموع فما وسعه إلا أن كتب بذلك إلى السلطان سليمان بأن يرسل له عسكرا ترد الغزالي وإلا أخذت حلب من يدي ، وها أنا محاصر إلى أن يريد الله تعالى. ولما وصل جان بردي إلى حلب وجد أبوابها قد قفلت وطلع الناس على سورها ، فلما قرب منها رموا عليه بالمدافع والأحجار فأمر بالإقامة لأجل أن يحاصرها فمكث ثلاثة أشهر ولم يقدر على أخذها ، فدخل عليه الشتاء واشتد البرد ، فما وسعه إلا الرحيل عنها ونوى أنه إذا جاء الصيف يرجع إليها ، ثم أمر بالرحيل فأخذ عساكر حلب وأهلها في شتمه وسبه ولعنه وهو يسمعهم ويسمع كلامهم وصياحهم وضحكهم عليه فرجع مخزيا مشتوما مطرودا ، فلما وصل إلى دمشق تفرقت تلك الجموع إلى بلادهم وقد دخل عليهم الشتاء وقاسوا من البرد والمطر ما لا يوصف.

سنة ٩٢٧

قال القرماني : ولما بلغ السلطان سليمان أن جان بردي الغزالي غدر وخان أمر وزيره فرهاد باشا أن يسير مع جند الباب وجماعة من طائفة اليكجرية إلى قتال الخارجي المذكور ، وعين معه أمير الأمراء بروم أيلي وأناطولي وقرمان إياس باشا بأن يسيروا بمن معهم من الجيوش ، وكان معهم ثمانية عشر من المدافع الكبار ، فلما سمع الغزالي بقدومهم خرج من الشام لأرض القابون مغترا بشهامته وحسن رأيه طالبا لأخذ الانتقام من الأروام ، فاتفق ملاقاة العسكر بموضع يقال له المصطبة بأرض القابون ، وكان ذلك يوم الثلاثاء السابع والعشرين من صفر الخير سنة سبع وعشرين وتسعمائة ، فاندهك الخارجي بمن معه تحت أرجل الخيل فلم يعلم له ولجنوده أثر. ولما وصل الوزير فرهاد باشا لم يجد من يقابله ويقاتله فدخل البلد ومهدها وفوض نيابة الشام إلى إياس باشا المتقدم.

١٤٥

سنة ٩٢٨

انقراض الدولة الدلغادرية من مرعش والبستان

قدمنا في حوادث سنة ٩٢٢ أن السلطان سليمان لما استولى على مرعش بواسطة وزيره فرهاد باشا فوض أمر نيابتها إلى علي بيك ابن شاه سوار.

قال القرماني : وفي سنة ثمان وعشرين وتسعمائة أرسل السلطان سليمان فرهاد باشا الوزير أمامه ، فلما وصل بقرب مدينة توقات أرسل إلى علي بيك يدعوه إليه ليدبر معه ، فلما وصل إليه علي بيك مع ابن البطل الصارم صارو أرسلان وعدة أولاد له قبض عليهم وأمر بخنقهم فخنقوا ولم يبق منهم أحد ودخلت بلادهم جميعها تحت تصرف الملوك العثمانيين ، فسبحان من لا يزول ملكه وكل شيء هالك إلا وجهه.

وقد ذكرنا أن ابتداء دولتهم كان سنة ٧٤٥ وذكرنا ثمة أن أول من ظهر منهم قراجا ابن دلغادر ، فتكون مدة دولتهم مائة وثلاثا وثمانين سنة وقد ذكرهم على التتابع القرماني في تاريخه.

سنة ٩٢٩

ضرب النقود الذهبية في حلب

وجدت عند بيت الماركوبلي وهم من التجار الأجانب المتوطنين في حلب في خان العلبية قطعة ذهبية أصغر من الربع المجيدي مكتوب على الطرف الواحد : (سلطان سليمان بن سليم خان عز نصره ضرب في حلب سنة ٩٢٩) وعلى الطرف الثاني : (ضرب صاحب العز والنصر في البر والبحر).

سنة ٩٣٥

ذكر تولية حلب لعيسى باشا حفيد الوزير إبراهيم باشا

وقتل قرا قاضي بالجامع الكبير

تفيد السالنامة الحلبية أن أحمد قره جا باشا تولى حلب من سنة ٩٢٢ إلى هذه السنة ، وقد قدمنا أن قره جا باشا قتل سنة ٩٢٧ في بلغراد.

١٤٦

وقد تتبعت كثيرا فلم أقف على من ولي حلب بعد أحمد قره جا باشا وقبل ولاية عيسى باشا الذي عين في هذه السنة ، وكان سبب تعيينه قتل غوغاء الناس لقاضي حماة المشهور بقرا قاضي علي بن أحمد علاء الدين الرومي ، وسبب ذلك كما قاله الحنبلي في در الحبب في ترجمته أن القاضي المذكور ولي كتابة الإبل وتفتيش أوقاف حلب وأملاكها والنظر على الأموال السلطانية ، فبالغ في جمعها وتثميرها حتى أخرج حكما سلطانيا بمنع توريث ذوي الأرحام من الشافعية بخصوصهم وضبط التركة لبيت المال ، وأراد أن يجعل ملح المملحة الذي صار مضبوطا لبيت المال أغلى من الفلفل ، قال لأن الناس أحوج إلى الملح منه ، ومنع من بيع حنطة كانت للخزائن الشريفة السليمانية في سنة كانت ذات قحط وهي سنة أربع وثلاثين. ثم أحضرته المنية إلى الجامع الأموي بحلب يوم الجمعة خامس شعبان من السنة المذكورة فقامت غوغاء الناس وكثر طغامهم بعد صلاة الجمعة وأخذوا في التكبير عليه وقتلوه داخل الحجازية بالنعال والحجارة على وجه لم يعلم له قاتل معين وجروه بعد أن جردوه من ثيابه ليحرقوه ، فخلصه جماعة من أهل الخير ودسوه في ميضاة إلى ثاني يوم ثم غسلوه وكفنوه ودفنوه ، ثم كان ما كان من تفتيش عيسى باشا الآتي ذكره على قاتليه على الوجه الذي سنبديه عند ترجمته.

(قال ثمة) : لما أمر بالتفتيش بحلب على قتلة القاضي علاء الدين الرومي حضر إليها في المحرم سنة خمس وثلاثين ونزل في الميدان الأخضر وأحضر عنده سائر الأكابر من العلماء والتجار وحبس مشايخ المحلات وأئمتها إلا من عصمه الله تعالى ، ثم أطلق الأئمة وقبض على أرباب الوظائف بالجامع المذكور إلا من سلم لوقوع القتل فيه يوم الجمعة وشدد عليهم ووضع بعضهم في السلاسل وأخذ في الفحص عن المتهمين ، فمنهم من قرره ومنهم من اضطرب في جوابه ومنهم من عراه ليضربه فلم يقر ، ثم استخرج من السجلات بعضا آخر من أرباب التهم وجمع المتهمين عن آخرهم ، ثم أمر بوضع جميع الحاضرين من الخواص والعوام في السلاسل فأخذ الأعوان في ذلك فسامح في الخواص بعد ذلك ، إلا أنه لم يطلق أحدا ذلك اليوم وبيتهم تلك الليلة هناك بحيث رجعت خيولهم إلى دورهم وهم لا يدرون ماذا يفعل بهم. وفي ذلك اليوم لم يزل عسكره متسلحين واقفين بين يديه حتى ظن أنه يضرب أعناق جميع الحاضرين ، ثم في ثاني يوم أرسل شرذمة من عسكره إلى سجن حلب فأحضروا منه المتهمين بقتل قرا قاضي فأخر ١ منهم للقتل جماعة فوق العشرين وقتلهم في نهار واحد وسجن الباقين ،

__________________

١ ـ في بعض مخطوطات «در الحبب» فأخذ

١٤٧

وبقي الأكابر من العلماء وغيرهم عنده إلى عصر اليوم الثاني وهم في وجل عظيم بحيث لم يجسر أحد من المتخلفين من أهل حلب على أن يأتي بخبر المرسم عليهم عنده من خير أو شر أو يصل إليهم من بعيد ، ثم أطلق طائفة من الأكابر وأخرى من المتهمين وأبقى عنده العلماء ليلة ثانية ولكن مع الإكرام والاحترام في الغداء والعشاء ، ثم سجن بقلعة حلب في سجنها وجامعها طائفة من العلماء وغيرهم بعد أن عين معهم طائفة من عسكره متسلحين ليسوقوهم إلى القلعة ما بين ماش مربوط اليدين وآخر مسلسل العنق على وجه لا يعلمون مآل أمرهم. ثم كان مآله أن ساق غالبهم إلى رودس حتى أقاموا بها سنين ثم خرجوا منها بشفاعات وكفالات إلا بعضا منهم. ثم كانت وفاته بدمشق وهو بحسرة الوزارة التي كان يؤملها سنة خمسين. وبقية ترجمته تجدها في در الحبب.

سنة ٩٣٧

ذكر تولية حلب لموسى بك الخالدي بن أسفنديار

قال في السالنامة : ولي حلب في هذه السنة موسى بك الخالدي ابن أسفنديار.

قال في در الحبب في ترجمته : هو موسى بك كافل حلب المشهور بابن أسفنديار الخالدي لأنه كان من ذرية خالد بن الوليد رضي‌الله‌عنه فيما ذكره لي ، وكان ترابيا يلبس الصوف ويتواضع لأهل العلم وتحاشى أصحابه عن كثير من المظالم. عزل عن حلب ، ثم حج بعد مدة فمر بها ، ثم غزا الكرج فقتلوه سنة تسع وأربعين وتسعمائة.

سنة ٩٣٨

تولية حلب لخسرو باشا صاحب المدرسة الخسروية

قال في السالنامة : ولي حلب في هذه السنة خسروباشا ، قال في در الحبب في ترجمته : ولي كفالة حلب في الدولة العثمانية وأنشأ بها حوضه الذي شكره عليه كافة أهلها لوقوعه بجوار جامع دمرداش في محل وقع فيه الاحتياج إليه. ثم ولي كفالة مصر سنة إحدى وأربعين عوضا عن سليمان باشا الخادم ، ثم صار وزيرا رابعا بعد أن صار سليمان باشا الخادم

١٤٨

وزيرا أعظم فوقع بينهما بالديوان العالي قيل وقال ، والخنكار (السلطان) يسمع من مكان عال ، فأحضرهما فلم يتأدبا فعزلهما معا فحصل لخسرو باشا حالة صار يقطع فيها أكمامه بأسنانه تقطيعا ومات قبل الأسبوع ، وكان قبل الوفاة قد أمر عتيقه فروخ كيخيا أن ينشىء له بحلب جامعا وتكية ، وأتم عمارتهما سنة إحدى وخمسين وتسعمائة ، وبعد وفاته جدد له خانا (١) وسوقا يكونان وقفا على جامعه وتكيته ، وأدخل من أدخل في حدود الخان مسجدا قديما كان يعرف بمسجد البهائي ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اه.

وقال في در الحبب في ترجمة فروخ : ابن عبد المنان الرومي الخسروي مولى خسرو باشا الوزير الرابع في الدولة السليمانية ، كان كتخداه وهو كافل حلب ، فلما تولى الوزارة أمره بإنشاء جامع وتكية بها فقام بإنشائها بمشارفة معمار رومي نصراني ولكن بعد إيذاء المعمارية بالضرب وغيره وإدخال عدة أوقاف فيها منها الدار التي عمرها وأوقفها المحب أبو الفضل ابن الشحنة والمدرسة الأسدية الملاصقة لها ومسجد ابن عنتر الملاصق لها ، وكانت هذه الدار أحد دور حلب العظام مشتملة كما ذكره منشئها في تاريخه على جنينة وبحرة وسبع قاعات ، بل كان بها فرن يشتغل بها وطشتخاناه وإصطبلات تليق بها وآبار لخزن الغلال ودهليز يصل إلى حمامه المشهور بحمام القاضي. واتفق في هذه المدرسة أن جعلت ميضاة للتكية المذكورة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. واتفق في محرابها عند تخزينه أن وجدوا تحته صندوقا من الحجر طوله أزيد من ذراع وعرضه نصف ذراع وفيه تراب لونه بنفسجي لم يدروا ما هو ، وفي أعمدة التكية المذكورة عمودان كانا للمدرسة المقدمية الكائنة بزقاق سلار بحلب فأخذهما ومتوليها إذ ذاك محمد جلبي ابن المرعشي ولم ينتطح فيها عنزان. ثم ساق بقية ترجمة فروخ وذكر أن وفاته كانت سنة ٩٦٩ وهو مع السلطان سليم الثاني في قتال أخيه السلطان بيازيد.

الكلام على الخان المعروف بخان قورت بك

أقول : موقع هذا الخان الذي من جملة أوقاف المدرسة الخسروية في المحلة المعروفة بسويقة علي ، وهو خان عظيم البناء متسع الأرجاء لم يزل بناؤه قائما من عهد الواقف ، وقد كان في يد دائرة الأوقاف تؤجره وتؤجر الحوانيت التي أخرجت من جداره الشرقي وتصرف ريعه في مصالح المدرسة المذكورة إلى السنة الماضية وهي سنة ١٣٤٢ ه‍ ١٩٢٤ م ففيها تلقت

__________________

(١) هو الخان المعروف الآن بخان قورت بك الواقع في محلة السويقة.

١٤٩

الحكومة أمرا من المفوض السامي للجمهورية الإفرنسية في سورية ولبنان وهو (ويغان) بلزوم تسليم الخان إلى ورثة شكري البليط من الطائفة المسيحية في حلب وهذه صورته :

قرار رقم ٢٢٥٦.

المادة الأولى : إن مستغلة خان قورت بك التابعة لوقف خسرو باشا الكائنة في نفس حلب ترد إلى ورثة شكري البليط تحت الشكل المسمى أجارتين ويعطى لهم بذلك سندات من دائرة تسجيلات الأملاك (الطابو) من طرف مأمور الدفتر الخاقاني.

المادة الثانية : يرد العقار بلا مقابل وبالحالة الموجودة فيها ، وإن هذه المعاملة لا تقيد معجلة بل مؤجلة وذلك اعتبارا من تطبيق هذا القرار. وفقا للأحكام كل دعوى تقام من طرف ورثة شكري البليط على إدارة الأوقاف إما بطلب البدلات المدفوعة قبل هذا القرار أو بطلب تضمينات وخلافه تعد غير مقبولة.

المادة الثالثة : يوضع هذا القرار موضع الإجراء اعتبارا من ٥ شباط سنة ١٩٢٤.

المادة الرابعة : أمين السر العام والمندوب لدى المراقبة العامة ومراقب الأوقاف الإسلامية العام مكلفون بتنفيذ هذا القرار.

بيروت في ٢٨ كانون الثاني سنة ١٩٢٤ المفوض السامي ويغان

وهنا دائرة الأوقاف قد اضطرت بمقتضى هذا القرار أن تسلم الخان مع جميع مشتملاته اعتبارا من التاريخ المتقدم إلى أبناء البليط.

ونحن نبين ملخصا الأسباب التي دعت إلى تسليم هذا الخان إلى أبناء البليط فنقول : في سنة ١٢٦٦ كان المتولي على وقف خسرو باشا محمد أنيس الخسروي ، فاستأذن من المحكمة الشرعية أن يؤجر هذا الخان على طريقة الأجارتين وبين أن العقار تهدم من تأثير زلزلة سنة ١٢٣٧ وأن إيراد الوقف لا يكفي للترميم اللازم ، فأذن له قاضي حلب (عامله الله بما يستحق) فأجر ثلاثة أرباعه بالأجارتين إلى نسيبة بنت عبد المجيد والربع الباقي إلى زكي بك شريف ابن الحاج شريف وذلك في شوال من هذه السنة. وفي المحرم من سنة ١٢٦٧ فرغت نسيبة حصتها لأحمد نظيف ابن سليمان وهو فرغ تلك الحصة في شوال سنة ١٢٧٣ إلى ابنه أحمد بك وابنته خديجة ، وهذان مع زكي بك صاحب الربع فرغا العقار كله في ٢٧ أيار سنة ١٢٨٧ إلى شكري البليط بمبلغ معجل هو ٧٥ ألفا وببدل مؤجل سنوي هو ألف قرش

١٥٠

يوازي البدل المعجل المدفوع سلفا ، وبوفاة البليط سنة ١٣٠٣ انتقل العقار لاسم ورثته وحررت سندات طابو باسمهم بحجة أن حقوق تصرف البليط هي بمقتضى الفراغة المتعاقبة التي جرت.

ثم أقام علي رضا أفندي الزعيم الذي صار متوليا على أوقاف خسرو باشا دعوى لدى المحكمة الشرعية على أبناء البليط مبينا اغتصابهم لهذا العقار الوقف وعدم صحة هذه الأجارة لأن البناء قائم من عهد واقفه وآثار القدم تظهر عليه لأول نظرة وليس هو عبارة عن مكان خرب تماما ولا يعطي أدنى إيراد كما ذكر متوليه محمد أنيس الخسروي وكما شهد لذلك بعض الشهود. وبعد محاكمات طويلة أصدرت المحكمة الشرعية في ١٩ شعبان سنة ١٣١٤ حكما شرعيا ببطلان معاملة الأجارتين نظرا لمخالفتها لحقيقة الحال في هذا البناء ولزوم إعادة الخان لدائرة الأوقاف ، وعندئذ تداخلت القنصلية الإفرنسية في حلب والسفارة الإفرنسية في الآستانة فحول الصدر الأعظم [في الآستانة] المسألة إلى شورى الدولة وأصدر إلى ولاية حلب أمرا بتأجيل تنفيذ الحكم بكتاب في ١٠ أيار سنة ١٣١٤ ، وعلى هذه الصورة ظلت القضية متوقفة حتى سنة إعلان الدستور العثماني (١٣٢٤ ـ ١٩٠٨) ففيها أعيدت تلك القضية إلى بساط البحث وتبودلت بشأنها المراسلات العديدة بين الصدارة العظمى ووزارة العدلية ونظارة الأوقاف والمشيخة الإسلامية في الآستانة ، وأخيرا قرر وجوب تنفيذ الحكم فنفذ سنة ١٣٢٨ وأعيد الخان مع ما اشتمل عليه إلى دائرة الأوقاف وبقي في يدها إلى السنة الماضية ففيها سلم إلى ورثة البليط كما قدمنا.

والناس هنا قد تلقوا هذا القرار وتسليم الخان إلى أبناء البليط بملء الدهشة وعظيم الاستغراب لأن ذلك من وظائف المحاكم الشرعية والعدلية ، ورفعوا بذلك عدة عرائض إلى حاكم مدينة حلب الحالي سعادة مرعي باشا الملاح محتجين على هذه المعاملة المخالفة للشرع والقانون العثماني بل لقوانين الأمم جميعها.

تشبث سعادته في هذه القضية

لما رفعت إليه تلك العرائض كتب لفخامة الجنرال ما ترجمته :

أتشرف بأن أقدم لحضور فخامتكم ثماني عرائض وخمس منها وردت لي قبل ثلاثة أيام والثلاث الأخيرة منذ يومين بتوقيع المئات من المشايخ والوجهاء وطلاب العلوم ورؤساء المحلات

١٥١

ينتقدون فيها أمر تسليم خان قورت بك إلى ورثة شكري البليط وإني أرى أن هذا الانتقاد هو في محله من أوجه :

أولا : إن قلب هذا الخان من حالة الأجارة الواحدة إلى الأجارتين كان غير صحيح لأن العقار الموقوف ذا الأجارة الواحدة لا يجوز قلبه إلى أجارتين إلا إذا تهدم تماما وكان لا يوجد في الوقف المربوط به ما يساعده على تعميره وإرجاعه إلى حالته الأصلية مع أن بناية الخان المذكور الموجودة تحت المشاهدة تعلن بأنها قديمة ولم يطرأ عليها خراب ما.

ثانيا : إن متولي الوقف كان أقام دعوى على الورثة الموما إليهم واستحصل حكما شرعيا صودق عليه من مرجعه الإيجابي وهو مجلس التدقيقات الشرعية ، وبهذه الصورة قد صار هذا الحكم قضية محكمة لا مسوغ لإبطالها لا شرعا ولا قانونا.

ثالثا : إن هذه المسألة كانت قد وضعت على بساط البحث في مجلس الأوقاف الأعلى الذي انعقد في الشام سنة ١٩٢٢ م وقد تقرر في القرار رقم ٤٠ من مقررات هذا المجلس رد طلب الورثة الموما إليهم ، وقد جرى التصديق على جميع هذه القرارات ومن جملتها القرار المذكور من قبل مندوب المفوض السامي لدى مراقبة الأوقاف الإسلامية حضرة الموسيو جناردي وطبعت هذه المقررات ونشرت في كافة أنحاء سورية. ثم وضعت هذه القضية في جلسة المجلس المشار إليه في ٩ حزيران سنة ١٩٢٣ فصدر قرار نمرة (٣١) يصرح بأنه لم ير أمر جديد يوجب تعديل القرار السابق ذي الرقم (٤٠) وأن ما ذكر في كتاب حضرة المندوب من وجود إرادة سنية تقضي بقاء الحكم المذكور بلا تنفيذ لم يظفر بها بين الأوراق المذكورة ، بل ذكر في أواخر قرار الشورى العثماني المؤرخ في ٢٩ تشرين الأول سنة ١٣٢٨ ما يفهم منه عدم وجود إرادة سنية بتأخير التنفيذ فلم يبق صلاحية لمجلس الأوقاف الأعلى للبحث في المسألة المذكورة مرة ثانية وعليه تقرر إعادتها لحضرة المندوب المشار إليه.

وبناء على ما ذكر فإني أعتقد أن القرار الصادر أخيرا بلزوم تسليم الخان المذكور للورثة الموما إليهم قد حصل من باب السهو. نعم يمكن أن يقال إن الورثة الموما إليهم والأصح أن مورثهم قد تضرر في هذه القضية ، فحبا للعدالة التي تخلص الذمة أمام الله يمكننا أن نقول في مثل هذه الحالة إن الجهل معذرة وبناء عليه يلزم أن يحسب ما كان دفع بدلا عن استفراغ هذا الخان وما صرف على ما جدد فيه ومقابلة ذلك ما استغلوا من آجاره مدة وجوده تحت يدهم

١٥٢

وحساب فائض قانوني لهاتين الجهتين ويعوض على الورثة ما يظهر لدى الحساب أنهم خسروه باعتبار هذه النتيجة من غلة الوقف ، ويبقى الخان المذكور لواقفه كما هو الحكم الشرعي الذي لا يقبل الاعتراض. فإن تحسن لدى فخامتكم ما عرض تكرموا بإجراء الإيجاب. اه. في ٢٧ شباط سنة ١٩٢٤.

والجنرال أرسل هذه اللائحة إلى الموسيو جناردي مندوب المفوض السامي لدى مراقبة الأوقاف الإسلامية العامة فكتب لائحة طويلة الذيل ذكر في أولها أصل القضية والمحاكمات التي حصلت فيها إلى أن اكتسبت دائرة الأوقات الدعوى في هذا الخان بصورة قطعية. ثم قال :

إن البيان المسرود أعلاه يثبت بصورة لا ترد أن حقوق ورثة شكري البليط قد ماتت ولم يبق في الإمكان إحياؤها لأن إدارة الأوقاف وهي واضعة اليد بموجب حكم مكتسب الدرجة القطعية منفذ قطعي غير قابل للاعتراض ولا يمكنها إجابة مدعيات الورثة الذين يطلبون إلغاء الحكم المذكور مع جميع نتائجه الحقوقية (إعادة تسليم الخان والعطل والضرر ودفع بدلات الآجار التي حصلتها دائرة الأوقاف الخ).

ولكن من الجهة الثانية من الممكن التسليم بحجة مجلس الشورى بدون إحداث سابقة وخيمة. إن صدق نية آل البليط في هذه القضية لا يقبل الشك ، فهم قد صرفوا ما كانوا يملكون أعني ٢٠ ألف ليرة ذهبا لأجل ترميم العقار وتوسيعه ، وأغلب الظن أنهم لو خامرهم أدنى ريب في صحة حقوقهم لما كانوا أنفقوا مبلغا هذا مقداره فضلا عن ذلك كما اعترفت القرارات التي أصدرها مجلس شورى الدولة سنة ١٣٢٦ إن ورثة البليط لم يكن في استطاعتهم في ذلك الحين ومن باب أولى الآن أن يثبتوا حقوقهم ويحصلوها من البائعين أو ورثتهم ومنهم من توفي ومن هو غائب ومن لا يملك شيئا.

ثم قال : ومن وجهة أخرى إن التسوية المفتكر بها يقتضي فيها طرح سؤالين مقدما وهما :

١ ـ هل توقيف حكم حقوقي مطابق للأحكام القانونية.

٢ ـ هل لمفوض الجمهورية الإفرنسية السامي السلطة اللازمة لاتخاذ قرار كهذا.

الجواب على السؤال الأول لا مجال فيه للشك ، إن مجلس الشورى العثماني وهو الهيئة العليا لتأويل القانون في تركيا قد اعترف للسلطان بحق توقيف مفعول مكتسب الدرجة القطعية

١٥٣

وهو حق أيده التعامل المتعارف وأيدته التقاليد ، فضلا عن ذلك هذا التعامل لا يناقض أحكام المجلة على ما يلوح لي. ثم قال :

أما الجواب على السؤال الثاني فلا يقل عن الأول وضوحا ، إن بلاد سورية لم تزل خاضعة للنظام الساري على بلاد العدو المحتلة وذلك إلى أن يبرم الصلح. ومفوض الجمهورية الإفرنسية يستجمع في شخصه جميع أنواع سلطة الجمهورية الإفرنسية الدولة المحتلة ، فهو إذا بحسب أصول الحق العام والاتفاقات الدولية يمارس سلطة الفعل القائمة مقام سلطة القانون ضمن الكيفية المحددة في المواد ٤٣ وما يليها من القانون الملحق باتفاق لاهاي سنة ١٩٠٧ وهو حائز الصلاحية على الأخص لاتخاذ كل قرار هو من صلاحية السلطة الشرعية ما عدا ما منع اتخاذه بموجب القانون الآنف الذكر ، ولا سيما فيما يتعلق بالأملاك العائدة للدولة يجوز اتخاذ أي قرار بشأن التصرف بها واستقلالها بشرط أن لا يأمر بإصدار أحكام قطعية.

فالأوقاف الملحقة بإدارة الحكومة تدخل ضمن هذا الصنف من الأملاك (ما شاء الله) والمفوض السامي يجوز له أن يأمر أو يأذن حسب الأحكام القانونية المرعية بإجراء أي من الأعمال التي تتعلق بأحكام التصرف.

فالوسيلة المقترح اتخاذها لا ينجم عنها أنها تؤدي إلى بيع الرقبة حتى ولا انتقال التصرف ، ولكنها فقط عبارة عن إحداث حق عقاري لمنفعة شخص ثالث يتضمن حق الاستئجار الدائم الذي تظل صحته مشترطا فيها أن يدفع هذا الشخص الرسوم المحددة في القانون.

الإمضاء : جناردي

أقول : هذا ما استند عليه الموسيو جناردي في لزوم تسليم الخان ومشتملاته إلى أبناء البليط وكل ذلك كما ترى بالبداهة أمور واهية لا اعتبار لها في نظر أحكام الأوقاف الإسلامية والقوانين العثمانية المرعية ، ويستغرب منه جدا اعتباره الأوقاف الملحقة بإدارة الحكومة من قبيل الأملاك العائدة للدولة وتجويز اتخاذ أي قرار بشأن التصرف بها.

وهذه اللائحة أعيدت للجنرال ومنه لحاكم حلب سعادة مرعي باشا الملاح مرة ثانية فكتب ردا عليها ما يأتي :

١٥٤

أتشرف أن أجيب على المذكرة الصادرة عن الموسيو جناردي الواردة مع كتاب فخامتكم المؤرخ في ١ آذار سنة ١٩٢٤ بما يأتي :

١ ـ أن تعريف الغصب نظرا للأحكام الشرعية هو إزالة اليد المحقة ووضع اليد غير المحقة بأي صورة كانت.

٢ ـ أن قلب عقار موقوف قائم البناء من الأجارة الواحدة إلى الأجارتين لا مسوغ له ، وأساسا لا يوجد حكم شرعي يجوز قلب العقار الموقوف من الأجارة الواحدة إلى الأجارتين ، إنما جوز ذلك خلافا للقياس على ضرورة عدم وجود غلة تمكن من تعمير ما خرب من العقارات الموقوفة.

٣ ـ أن الفراغ وقع باسم شكري البليط ، كما وأن الموما إليه كان خصما في الدعوى التي أقيمت عليه من قبل أحد ورثة فارغي هذا الخان قبل أربعين سنة تقريبا في محكمة بداية حقوق حلب واستؤنفت في محكمة استئنافها وأن المراجعات الأخيرة واقعة من قبل ورثة شكري البليط ، كل ذلك ينفي قول الورثة الموما إليهم بأن بطريركية الأرمن الكاتوليك هي ذات علاقة بالخان المذكور ، وأما ذكرهم لذلك في وقته كان ناشئا عن الأمل بمداخلة البطريركية المشار إليها كي يتمكنوا من امتلاك الخان المذكور ، وبالفعل تداخلت البطريريكية المشار إليها بالأمر والتجأت إلى سفارة دولة فرانسة الفخيمة في الآستانة ، وبهذه الواسطة كان الصدر الأعظم وقتئذ أبرق إلى والي حلب بتأجيل تنفيذ الحكم الصادر بتسليم الخان المذكور إلى دائرة الأوقاف ، في حين أن الصدر الأعظم لا يملك هذه الصلاحية ، ولا يمكن تأويل ذلك بسوى أن الصدر الأعظم أراد أن يكسب وقتا لغاية لا يعلمها غيره لأنه ليس الصدر الأعظم فقط بل السلطان ذاته ليس نائلا هذا الحق من قبل الشرع الإسلامي.

٤ ـ أن وقوع الفراغ بإجازة من المتولي وبالتواطؤ مع بعض أعيان حلب ليس له قيمة شرعية ولا يسوغ إجازة قلب الخان المذكور من الأجارة الواحدة إلى الأجارتين.

٥ ـ أن بين تاريخ ٢٧ أيار سنة ١٢٨٧ الذي هو تاريخ تصرف شكري البليط وبين صدور الحكم عليه ببطلان معاملة الأجارتين في شعبان سنة ١٣١٤ بقطع النظر عن تاريخ تقدم هذه الدعوى لم يمر أزيد من سبع وعشرين سنة ، وكما هو معلوم إن الدعاوي المتعلقة برقبة الوقف هي سنة وثلاثون سنة كما هو مصرح بذلك في المادة (١٦٦٢) من المجلة الجليلة.

١٥٥

٦ ـ أن الشريعة الإسلامية لم تمنح السلطان حقا بأن يوقف تنفيذ حكم صدر واكتسب الدرجة القطعية ، وبناء عليه فإن ما أتى به مجلس الشورى من أنه يجوز تأجيل الحكم بأمر من السلطان لم يكن إلا لأجل التخلص من المراجعات لأنه يعلم حق العلم لا بل علم اليقين بأنه ليس في إمكان السلطان أن يصدر مثل هذا الأمر ، والدليل القطعي على ذلك أنه مع تداخل سفارة دولة فرانسة الفخيمة والبطريريكية لم يصدر هكذا أمر لأنه غير ممكن ولا مسبوق في دور من أدوار الحكومة الإسلامية.

٧ ـ وأما القول بأنه لو أقام ورثة البليط دعوى على فارغي الخان المذكور فإنه يستحيل عليهم أن يستعيدوا حقوقهم نظرا لأن الفارغين منهم من هو متوف ومنهم من هو غائب فإنه صحيح الآن ، أما في السابق أعني قبل أربعين سنة لما أقيمت الدعوى على مورثهم كما سبق البيان آنفا وعلم أنه غير محق بحبس الخان بيده بصورة الأجارتين فإنه كان من الممكن ، ومع ذلك فإن هذا أمر لا يتعلق بالوقف بصورة من الصور.

٨ ـ وأما ادعاؤهم بأنهم صرفوا على ترميم الخان وتوسيعه مبلغ عشرين ألف ليرة ذهبا فهذا مما تنفيه حالة الخان تحت المشاهدة ، ولأن مبلغ عشرين ألف ليرة قبل الحرب العامة كان يكفي لإعمار خانين مثل هذا الخان بما فيه العمارة القديمة والحديثة.

وفي الختام أعرض لفخامتكم بأنني لا أجد حلا وحيدا عادلا لهذه المسألة سوى ما كنت عرضته على فخامتكم بكتابي المؤرخ في ٢٧ شباط سنة ١٩٢٤. ا ه. ٢٦ آذار ١٩٢٤.

التوقيع

ثم كتب للجنرال جوابا آخر ونصه : يا ذا الفخامة :

أتشرف بأن أعرض لفخامتكم جوابي على مرسومكم العالي تاريخ ٩ آب سنة ٩٢٤ رقم ٤٩ : ١٠٠٧ كما كنت عرضت لفخامتكم بعريضتيَّ تاريخ ٢٧ شباط و ٢٦ آذار رقم ٣٠١ / ١٤٧٢٦ ٤٥٢ / ١٥٣٤٨ بخصوص خان قورت بك أن هذه القضية قد حسمت بحكم من المحكمة الشرعية بحلب وصودق عليه من مجلس التدقيقات الشرعية للحكومة العثمانية ، وقد راجع ورثة شكري البليط مراجعات متعددة بطرق مختلفة فلم يمكن للباب العالي ولا لمجلس شورى الدولة ولا لوزارتي العدلية والأوقاف ولا المشيخة الإسلامية إبطال هذا الحكم ونهاية ما أمكن أن أبرق الصدر الأعظم إلى والي حلب بتأجيل تنفيذ الحكم.

١٥٦

ولكن عند إعادة المشروطية العثمانية تنفذ الحكم المذكور الواجب التنفيذ وسلم الخان المذكور لدائرة الأوقاف وأخيرا لما راجعت الورثة وصدر قرار فخامة المفوض السامي بهذا الخصوص عرضت ملاحظاتي في الكتابين الآنفي العرض ، وحيث إلى الآن لم أتلق أمرا على هذه الملاحظات فلا يمكنني أن أجيب ذوي العلاقة بشيء أه. في ١٤ ايلول سنة ١٩٢٤.

هذا ما وصلت إليه قضية هذا الخان بسطناها بقدر الإمكان لأهميتها ولتوجه الأنظار للوقوف على حقيقتها وسيرها. واعتقادنا أن دائرة الأوقاف ستهتم كذلك بشأنها وتوجه عنايتها التامة إليها ولنا واسع الأمل أن دولة الانتداب الإفرنسي تصغي لنداء الحق وتجيب إليه فتعيد هذا الخان لدائرة الأوقاف على الطريقة التي ارتآها سعادة حاكم حلب ويكون ذلك برهانا ناصعا على حبها للعدالة ومحافظتها الحق لأربابه ورغبتها الصميمية في كل ما يعود على هذه البلاد بالخير والنجاح.

الكلام على المدرسة الخسروية

أقول : موقع هذه المدرسة في منتهى المحلة المعروفة بالسفاحية وفي شرقيها المدرسة السلطانية الواقعة تجاه باب القلعة بينهما طريق واسعة ، وقبليها الزاوية المعروفة بزاوية الشيخ تراب ، وقد وقف عليها الواقف خسرو باشا ومصطفى باشا ابن سنان باشا أخي الواقف أوقافا هائلة تبلغ نحو ٣٠٠ عقار يطول الشرح لو ذكرناها وذكرنا شرط وقفها ، ومعظم الأماكن المجاورة لها هي وقف عليها ، ولها أوقاف في مدينة عينتاب ودمشق ، ذلك غير القرى والمزارع التي هي حول حلب ، وقد استولت أيدي المتغلبين على هذه الأوقاف الكثيرة ومزقتها كل ممزق ولم يبق منها الآن سوى الخان المتقدم الذكر والحمام المعروفة بحمام النحاسين وكانت تعرف قديما بحمام الست والقاسارية الكائنة أمام الحمام المعروفة بحمام البيلوني ، وقد كان بعضها خربا وبعضها مشرفا على الخراب فجددها مدير الأوقاف الحالي السيد يحيى الكيالي وجعلها خانا ذا طابقين على جانبي بابه الواسع أربع حوانيت واسعة وأخرج عشرة دكاكين وخانا صغيرا من أصل الخان العظيم السالف الذكر وذلك سنة ١٣٤١.

وقد شرط الواقف رحمه‌الله أن يكون المدرس بها حنفي المذهب ، وأول من درس بها العلامة تاج الدين إبراهيم الصونوي ثم مفتي حلب العلامة نصوح أفندي ابن يوسف الأرنؤوطي المتوفى سنة ٩٨١ ، ثم تعاقب عليها المدرسون فكان ممن تولى التدريس بها العلامة

١٥٧

أبو اليمن البتروني مفتي حلب والعلامة محمد بن الحسن الكواكبي وولده العلامة أحمد أفندي ثم ولده أبو السعود ومنهم العلامة محمد بن يوسف الأسبيري المتوفي سنة ١١٩٤.

ومن الذين تولوا الخطابة في جامعها العلامة عبد اللطيف الزوائدي المتوفي سنة ١١٣٢ وبعد وفاته تولى الخطابة بها العلامة حسن بن علي الطباخ المتوفي سنة ١١٤٠ ولم أقف بعد ذلك على من تولى التدريس بها والخطابة ، والذي يغلب على الظن أن أمرها كان جاريا على السداد إلى أن حصلت الزلزلة العظمى بحلب وذلك سنة ١٢٣٧ وتخرب في الشهباء كثير من الأماكن ومعظم هذا الخراب حصل في الأبنية التي هي تجاه باب القلعة وامتد إلى محلة ساحة الملح والقصيلة وساحة بزه فذهب كثير من الأبنية التي كانت موقوفة على هذه المدرسة من أسواق ودور وخانات ، ومن ذلك الحين اختل أمر التدريس فيها وأهمل أمر هذا الجامع وما اشتمل عليه وصار مأوى للغرباء والفقراء وللعسكر في بعض الأحيان ، وصارت الحجر التي فيه تتداعى إلى الخراب. وبقي ذلك إلى أول هذا القرن فاهتم جميل باشا والي حلب بشأنه بعض الاهتمام ورمم قبلية الجامع وذلك في نواحي سنة ١٣٠٢ ، ولما استعيد الخان المتقدم الذكر وذلك بمساعي أستاذنا المفضال الشيخ رضا الزعيم الدمشقي رحمه‌الله وصار يجتمع لديه كل عام شيء من غلة أوقاف المدرسة أخذ في ترميم المدرسة التي عن يمين القبلية ، ثم جدد حجر المدرسة التي عن يسارها إلا أنها لم تكمل وجدد الرواق الشمالي جميعه على الهيئة التي نراها اليوم ، وقد كان ذلك سنة ١٣٣٠ كما هو مكتوب على حجر على القنطرة الوسطى التي هي تجاه الباب الشمالي.

ولما حصلت الحرب العامة وذلك في سنة ألف وثلاثماية وثلاث وثلاثين وشغل هذا المكان بالعساكر والذخائر كما شغل غيره من المساجد والمدارس والمعابد ، ثم شغل بعد انتهاء الحرب العامة وذلك سنة ١٣٣٧ ببعض فقراء المغاربة والجركس وصاروا يتخذون أطعمتهم داخل الحجر اسودت جدرانها من الدخان والأوساخ وتعطلت فيها القشرة الكلسية وداخل البناء بعض الوهن.

وصف القبلية والجامع والمدارس التي فيه :

هي مربعة الشكل طولها نحو ١٦ مترا وعرضها كذلك وعرض جدرانها أزيد من مترين ولعله لذلك لم تؤثر فيها الزلزلة التي حصلت سنة ١٢٣٧ وخربت الأبنية التي حولها ، يتخلل جدرانها الأربعة عشر شبابيك واسعة جدا يسع الواحد منها فراشا مفروشا وكلها من الرخام

١٥٨

الأسود والأصفر وفوق كل قنطرة منها موضوع الرخام القاشاني البديع الألوان والصنعة على شكل نصف دائرة يروق للناظرين جدا. والمحراب ذو قطع كثيرة من الرخام الملون الأسود والأبيض والأحمر يعلوه تاج حسن الوضع والصنع وعن يمينه منبر كبير مرتفع جدا من الرخام الأسود والأصفر وأحجار طرفيه ومجنبتيه ضخمة مرخمة ترخيما بديعا على نسق واحد ينبئك عن عظيم عناية أهل ذاك العصر في فن العمارة. وقبة المنبر على شكل مخروطي وهي مبلطة من جهاتها الأربع بالقاشاني البديع.

والسدة المعدة للمبلغين مبنية على عشرة عواميد رفيعة ستة من الرخام الأصفر وأربعة من الرخام الأسود ، ومن السدة تصعد في درج من داخل الجدار فتخرج منه إلى ممشى عرضه ذراع على استدارة القبلية وهو مبني على ثماني قناطر مرتفعة مبنية على تلك الجدران الضخمة ، وفوق هذه القناطر قبة القبلية وهي قبة واحدة يبلغ ارتفاعها نحو ٢٠ مترا كتب في دائرها أسماء الله الحسنى وزينت مع وسط سقفها بالدهانات اللطيفة ، وفوق قنطرة المحراب والجدارين الشرقي والغربي ثلاث نوافذ من الزجاج الملون ذا قطع صغيرة كثيرة حفظت بالطين المعروف بالجبسين وجميعه منقوش نقشا بديعا أبقته الأيام على حالته التي عليها إلا بعض أماكن منه فقد لحقها بعض التوهن ، وباب القبلية مبني بالأحجار الملونة وكتب على قنطرته : (عمر في دولة مولانا السلطان الأعظم والخاقان المعظم سليمان عز نصره وأنشأه الوزير خسرو باشا رحمه‌الله سنة ٩٥٢) وهذان البيتان.

حرم التقوى الذي من أمه

فهو في أمن به قد حرسا

معبد في حلب تاريخه

مسجد مشرف قد أسسا

٩٥٢

وعلى طرفي مدخل الباب تحت قنطرته العظيمة عمودان من الرخام منقوشان نقوشا بديعة ويتخلل تلك النقوش الأصباغ البديعة المتقنة لذا أبقتها الأيام المتطاولة إلى الآن ، وعن يمين القبلية ويسارها حجرتان واسعتان لكل واحدة منهما بابان باب من داخل القبلية وباب من صحن المدرسة وقد أعدتا الآن للتدريس ، وبجانب الحجرة اليمنى منارة الجامع وهي عظيمة الارتفاع مستديرة الشكل على طرز منارات الآستانة ، وتحت موقف المؤذنين كان نحو ذراع منه مبلطا بالرخام القاشاني والآن ذهب معظمه وبقي منه نحو ذراع ونصف على ضلعين من أضلاع المنارة. وأمام القبلية على طولها وطول هاتين الحجرتين رواق عظيم الارتفاع أيضا فيه

١٥٩

ست قبب تحتها ستة أعمدة ضخمة ثلاثة منها من الحجر الأزرق وثلاثة من الحجر الأبيض. والبناؤون يعجبون لحسن هندسة قناطر الرواق وباب القبلية وقبته وما حواليه ، وصحن الجامع واسع جدا وله ثلاثة أبواب واحد من الجهة الغربية وواحد من الجهة الشمالية وهذا قد كان مسدودا. والبناء الذي أمامه وهو عبارة عن سوقين شمالي وغربي كانا من جملة أوقاف الجامع باعهما منذ ستين سنة بعض من لا خلاق له من التجار المتزيين بزي أهل الصلاح كان متصلا به ولا طريق هناك فسعى في فتحه منذ عشرين سنة مفتي حلب الشيخ محمد العبيسي ، ومن ذلك الحين اتصل الطريق الذي يأخذ بك إلى المدرسة السلطانية.

وقد اتخذ هذين السوقين مع العرصة التي هي جنوبي السوق الشمالي وشرقي السوق الغربي من اشتراهما وهم بيت الماركوبلي من التجار الإيطاليين المقيمين منذ زمن بعيد خانا كبيرا ويعرف هذا المكان وهذا الخان بالشونة.

والباب الثالث هو من الجهة الشرقية تصعد إليه من صحن الجامع بدرجات.

النهضة العلمية في الشهباء

وإحياء هذا المعهد بالعلم

كانت الشهباء في أوائل هذا القرن مزدانة ببعض العلماء فكانوا بها نجوما يهتدي الناس بهم ويفزعون في مهماتهم إليهم ، وكان ينتقل الواحد منهم تلو الواحد إلى الدار الآخرة ولا نجد له خلفا لزهد الناس في العلوم الدينية وعدم الإقبال عليها لأسباب متعددة ، منها أن قضاة البلاد كانوا يعينون من الآستانة ، ومنها أن لغة الدواوين والتعليم كانت باللغة التركية ، ومنها قلة رواتب الطلاب وأهل العلم بحيث أصبحت لا تفي بالضروري من المعيشة ، ومنها ترك الامتحان الذي هو من أعظم الأمور التي تدعو الطالب إلى الاجتهاد ، ومنها التساهل في إعطاء وظائف الآباء للأبناء حتى صارت كأنها سلعة تباع وصار العلم كأنه تركة تورث ، وعندي أن هذا السبب هو أعظم الأسباب التي قضت على حياة العلم وقوضت أركانه لا في هذه البلاد بل في الكثير من البلاد الإسلامية ، وزاد في الطين بلة أخذ طلاب العلوم الدينية إلى الخدمة العسكرية في الحرب العامة التي حصلت سنة ١٣٣٣ بعد أن كانوا معفيين منها

١٦٠