إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٣

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٧

من هؤلاء ، فرام الغوري أن يقطع شأفتهم ليخلص له الملك وترسخ فيه قدمه ، ولعله كان ليدرك سؤله هذا لو لم تخترمه المنية ويذهب ملكه قبل أن يتم ما شرع فيه.

وكان من جملة الذرائع التي تذرع بها لبلوغ أربه من استئصالهم أنه أخذ يشتري لنفسه مماليك جددا يسميهم بالجلبان وكان يدربهم في أبواب الحرب متوخيا أن يجعلهم مكان القرانصة حتى صار عنده عدد كاف ، فأشعر بعض الأمراء بما كان يدبره فتغاووا والتووا عليه ، وكان أشدهم تغاويا والتواء خير بك نائب حلب وجنبر دي الغزالي (١) إلا أنهما رأيا من تأثل أمره وما كان له من الهيبة في قلوب الرعية والمرؤوسين من الجند ما حملهما على كتمان ما في نفسهما ، فلم يجسرا على معاملته بما جرت به العادة من الخلع والقتل بل ناصباه العداوة باطنا ومالا عليه العدو وتربصا به السوء ، وكانت دولة بني عثمان في عنفوان شبابها وقتئذ وذلك أنهم كانوا قد فتحوا القسطنطينية قبل ذلك بقليل أي في سنة سبع وخمسين وثمانمائة واستولوا على ما كان باقيا بأيدي الروم من مملكتهم القديمة واستووا مكانهم على عرش قسطنطين وثلوا دولة القياصرة بتة فانقرضت وكان ذلك آخر العهد بها وضخمت بذلك دولة آل عثمان وهابتهم الملوك كافة ، وكان أول من دخل القسطنطينية منهم السلطان محمد الملقب بالفاتح وأقام في السلطنة بها ثلاثين سنة أو نحوها ومات سنة ثمان وثمانين وثمانمائة فخلفه ابنه بايزيد الثاني ، ولما كانت سنة سبع عشرة وتسعمائة خرج عليه ابنه سليم وانتزع منه الملك ، وكان سليم هذا مقداما بعيد مرامي الهمة محبا للحروب مولعا بالفتوح حريصا على توسيع نطاق المملكة ، وكان كثير المطامع إلا أن أشدها حبا إليه هو أن يلقب بالخليفة ويدعى خادم الحرمين الشريفين وهما مكة وبيت المقدس (٢) لأنه كان يرى أنه إذا أحرز هذه المنزلة وجبت له الطاعة على المسلمين كافة أيان كانوا ، فلذا جعل الاستيلاء على الشام ومصر نصب عينيه ونوى إذا فتحهما أن يقبض على الخليفة العباسي ، وكان يومئذ مقيما بمصر فيكرهه على خلع نفسه من الخلافة والنزول له عنها ثم يفتح مكة فتعترف له

__________________

(١) قال الشيخ مرعي المقدسي : هما رأس المخامرين عليه ا ه منه.

(٢) الحرمان الشريفان هما مكة المكرمة والمدينة المنورة والعادة الجارية أن يقال في الدعاء خادم الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى ، والذي أراه أن هذه الفكرة تولدت معه بعد الاستيلاء على الديار الشامية والمصرية والله أعلم.

١٠١

بلاد العرب بالإمامة على المسلمين كافة ، وهكذا يحق له أن يلقب نفسه بالخليفة خادم الحرمين فأدرك سؤله كما سترى ، ولا ريب أنه كان مطلعا على تغاوي أمراء الجراكسة على سلطانهم قانصوه الغوري وواقفا على ما كان خير بك والغزالي يضمران له من الخيانة ، بل لعله هو الذي جرأهما على ذلك وراسلهما فيه سرا ووعدهما جزاء لممالأتهما أن يقطع أحدهما مصر والآخر الشام مدة حياتهما إذا فتح الله عليه هذين القطرين.

إلا أنه رام قبل التصدي للغوري أن يتودد إلى السنية من رعيته ورعية الغوري (١) بأن يغزو إسماعيل شاه المتغلب يومئذ على بلاد الفرس وكان شيعيا مغاليا وأكره الفرس على التشيع والغلو المفرط في الدين إلا أنه كان مع ذلك حليفا للغوري.

قال الشيخ مرعي المقدسي : إن إسماعيل شاه هذا تغلب على فارس وقهر ملوكها وقتل من عساكرها (٢) ما ينيف على ألف واستفحل أمره وضخمت دولته وعتا حتى ادعى الربوبية ، فكان عسكره يسجدون له (٣) ، وقتل علماء السنة وأحرق كتبهم ونبش قبور المشايخ وأحرق عظامهم ، فلما بلغ ذلك سليما تحركت نفسه لقتاله وعد ذلك من أفضل الجهاد.

__________________

(١) هذه النظرية بعيدة كل البعد عن مرمى الحقيقة ، والذي أراه أن الذي دعاه إلى ذلك ما كان عليه من التمسك بعقائد أهل السنة وحبه للجهاد وما كان يأتيه الشاه إسماعيل من الفظايع والمنكرات والبدع وخشية قصد بلاده نظرا لاستفحال أمره كما يستفاد من تاريخ القطبي والسيد الدحلاني.

(٢) هذا سهو وعبارة العلامة القطبي في تاريخ مكة : وقتل خلقا لا يحصون ينوف على ألف ألف نفس.

(٣) لا صحة لذلك وعبارة الإمام القطبي : وكاد أن يدعي الربوبية وهي صريحة في أنه لم يدعيها ، وقال بعد سطر : وكانوا [أي رعيته] يعتقدون فيه الألوهية وأنه لا ينكسر ولا ينهزم ، ولم يذكر هو ولا السيد الدحلاني أن عسكره كانوا يسجدون له.

١٠٢

قلت : وحداه إلى ذلك أيضا ما طبع عليه من محبة الحروب والفتوح وما رآه من ثوران الحمية الدينية في صدور الأنكجارية وهم من السنية الحمس الغلاة في دينهم فخاف أن يبطشوا به إن أحجم عن السير بهم للبطش بإسماعيل. قال : فزحف عليه في عسكر جرار والتقى الجيشان بقرب تبريز وجرت بينهما وقعة هائلة فانهزم جيش إسماعيل واستولى سليم على خيامه وسائر ما فيها. ثم إنه أراد الإقامة ببلاد فارس للتمكن من الاستيلاء عليها فلم يتأت له لشدة القحط لأن الأسعار قد غلت حتى بيعت العليقة بمائتي درهم والرغيف بمائة درهم ، وسبب هذا القحط تخلف قوافل الميرة التي كان سليم قد أعدها لتتبعه في مكان الحاجة فقطعها عنه نائب مرعش بإيعاز الغوري كما سيأتي ، وكان إسماعيل لما انهزم أمر فأحرق ذخائر الحب والشعير كلها فلم يجد سليم في تبريز شيئا فاضطر إلى القفول عن بلاد فارس قبل إتمام فتحها.

وكان الغوري حليفا لإسمعيل كما أسلفنا فأوجس من الترك خيفة على نفسه وحدس أن سليما سيلتفت لا محالة إلى الشام ومصر بعد فروغه من أمر الفرس ، وعلم أن ضعف إسماعيل مما يزيد الترك قوة على قوتهم وهذا ما يخشى معه زوال ملك المصريين فرأى من الحزم أن يكون ضلعه مع إسمعيل ليقوم عنه بوجه الترك فحالفه وأوعز سرا إلى نائبه بمرعش وبلادها أن يتسبب ما استطاع في قطع قوافل الميرة عن سليم إذا اجتازت ببلاده ، وكان لا بد لها من الاجتياز بها في مسيرها إلى فارس وأن يثبط أهل عمله عن بيع الذخائر والعلف من الجيش العثماني. وخرج هو نفسه في عساكر مصر وسار إلى حلب يروم في الباطن إخافة سليم وتهديد ساقة جيشه إلا أنه أشاع في الظاهر أنه لا يروم سوى السعي في الصلح بين الترك والفرس ، ولما كتب إليه سليم يشكو إليه ما فعله نائب مرعش أجابه أن النائب المذكور عاص علي فإن ظفرت به فافعل به ما شئت ودس إلى النائب سرا يشكره على ما فعل ويغريه بالاستمرار في معاسرة الترك ، فلم تخف على سليم هذه المخاتلة وقفل عن بلاد فارس مصمما على البطش بالغوري وشرع يتجهز لذلك ويتأهب ، وكان أول ما بدأ به أن انقض بجيشه على نائب مرعش وكسره شر كسرة واعتقله واعتقل بنيه ثم ضرب أعناق الجميع وأرسل برؤوسهم مع قصاده إلى الغوري وهو يومئذ بحلب مع عساكره فقال الغوري عندها : زال والله ملكنا ، وأخذ يشنع على أفعال سليم على مسمع من قصاده وهو في كل ذلك يظهر أنه ما خرج في الجيش من مصر إلا ليصلح بين سليم وإسمعيل ، وبلغ منه أن أرسل إلى سليم

١٠٣

وهو في قيسارية سفيرا في عشرة فرسان دارعين مدجحين من خيار فرسانه ، فلما وقعت عليهم عين سليم وهم على تلك الشارة علم أن الغوري رام إرهاب عسكره برؤية هؤلاء الفرسان فكاد يتميز من الغيظ وقال للسفير : أما كان عند مولاك رجل من أهل العلم يرسله إلينا حتى أرسلك وأصحابك هؤلاء يهول بكم على جندي رجاء أن تنخب قلوبهم من رؤية خيلكم وترائكها وفرسانكم ودورعكم وحسن بزتكم؟ وأمر بضرب أعناقهم فشفع وزيره يوسف باشا بالسفير وبين له أن الرسول لا يقتل فأبقى عليه وحده وقتل الباقين. ثم أمر بالسفير بعد يومين فحلقت لحيته إهانة له وألبسه ثوب أسمال وأركبه على حمار ظالع وقال له : إذهب إلى مولاك وقل له يفرغ ما في وطابه ، ثم أقبل يزحف بجنده على حلب اه.

(أقول) : هذا ما ذكره المؤرخون من الأسباب في هذه الحرب وأراها أسبابا ظاهرية ، والأسباب الحقيقية التي قوت عزيمة السلطان سليم على الاستيلاء على القطرين الشامي والمصري ودعته أن يأتي بجيوشه الجرارة إلى هذه الديار هو تطرق الخلل في إدارة الدولة الجركسية ووهن قواها للفتن التي كانت تحصل بين الأمراء فيها وقتل بعضهم لبعض بقصد الحصول على الوظائف والسلطنة ، حتى إنك تجد المملوك من الجراكسة من حين دخوله إلى مصر وهو فقير صعلوك يطمح بنظره إلى نوال كبار الوظائف ويعلق آماله بالاستواء على عرش السلطنة إذ لا نظام للبيت السلطاني ولا لمن يلي الملك والسلطنة ، وكان نظامهم في ذلك (كل من قدر قام) فالفتن لذلك مستطير شررها لا يخمد لهيبها ، وكان ملوك الجراكسة وأمراؤهم يستعينون على إثارة هذه الفتن بظلم الرعية والضرائب الثقيلة والمصادرات المتتابعة يظهر لك ذلك من تتبع تاريخ ابن إياس المصري وكتاب السلوك في معرفة الملوك والمنهل الصافي وغيرها من تواريخ ملوك الجراكسة بمصر.

فأحدثت هذه الأمور تأثيرا في المملكة المصرية وأوهنت قواها وحل بها الهرم من جميع أطرافها. والمملكة العثمانية في ذلك العصر في عنفوان شبابها وأوج عظمتها قد انبسط سلطانها وتناءت أطرافها وتقوت شكيمتها. وبالطبع إن أخبار المصريين وسيىء أحوالهم كانت تبلغ مسامع ملوك آل عثمان فتوجهت عزائمهم إلى تقويض أركان تلك الدولة المختلة الإدارة الجائرة على الرعية الظالمة لها ، وعلق السلطان بايزيد رحمه‌الله آماله على الاستيلاء على مصر وما كان تابعا لها وبذر بذور ذلك أيام دولته كما قدمناه ولم يتم له ذلك لأن الأمور مرهونة بأوقاتها وتم هذا الفتح العظيم للمغفور له السلطان سليم خان رحمه‌الله.

١٠٤

استعدادات السلطان قانصوه الغوري لهذه الحرب :

قال ابن إياس : في المحرم من سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة حينما تحقق السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري أن ابن عثمان [السلطان سليم خان] زاحف على بلاده نادى للعسكر بأن كل من كان له فرس أو أكثر في الديوان يطلع يقبض ثمنه ، وصار يأخذ بخواطر المماليك القرانصة ويرضيهم بكل ما يمكن وصرف لهم اللحوم التي كانت منكسرة وأعطاهم ثمن الخيول التي كانت لهم في الديوان ، وفيه أرسل السلطان مكاحل حديد ومدافع وصوانا إلى ثغر الإسكندرية وسافرت في المراكب إلى هناك فكانت نحو مائتي مكحلة وقد بلغه أن ابن عثمان جهز عدة مراكب تجيء على السواحل للديار المصرية.

وفي صفر وكان مستهله يوم الأربعاء طلع الخليفة والقضاة الأربعة للتهنئة بالشهر فقال السلطان للخليفة لما جلس عنده : اعمل برقك إلى السفر وكن على يقظة فأنا مسافر إلى حلب بسبب ابن عثمان ، وقال للقضاة الأربعة مثل ما قاله للخليفة : اعملوا برقكم وكونوا على يقظة حتى تخرجوا صحبتي فقالوا : الأمر لمولانا.

وفي ثامن صفر جلس السلطان بالميدان وعرض العسكر من كبير وصغير وكتب الجميع فعرض في ذلك اليوم أربع طباق ولم يعف من العسكر أحدا.

وفي سابعه عرض السلطان الأمراء وكان أعلمهم أن العرض في هذا اليوم ، فطلعوا جميعا فقيل عين في ذلك اليوم من الأمراء المقدمين ستة عشر أميرا ، وأما الأمراء الطبلخانات والعشروات فلم يعف منهم إلا القليل ، وقال لهم : الذي له عذر يعوقه عن السفر يذكره لي ، فأعفى منهم جماعة. وفي تاسعه أكمل السلطان عرض العسكر قاطبة ولم يعف منهم أحدا ، وفي ثالث عشره خرج عبد الرزاق أخو دولات وأولاد علي دولات الذين كانوا حضروا إلى مصر ، فلما حضروا أرسل إليهم السلطان ثمانية آلاف دينار ليعملوا بها برقهم فتأهبوا وخرجوا في ذلك اليوم وقصدوا التوجه إلى حلب ، وفي الخامس والعشرين منه جلس السلطان في الميدان وعرض الأمراء والطبلخانات والعشراوات ورؤوس النوب ، فلما عرضهم قال لهم : اعملوا برقكم وكونوا على يقظة من السفر فإني أنفق وأخرج في جمعتي هذه ، فنزلوا على ذلك.

١٠٥

وفي ثالث ربيع الأول جلس السلطان بالميدان وعرض الأمراء الطبلخانات وخاصكية الخواص وعين منهم جماعة للسفر ، ثم طلع ودخل إلى قاعة البيسرية وفتح الحواصل وأخرج منها عدة سروج بلور وعقيق وكنابيش زركش وسروج ذهب وبركستوانات فولاذ مكفتة بذهب وغير ذلك وأفرد منها ما حسن بباله لأجل الطلب إذا خرج وسافر ، وهذا كله حتى يشاع بين الناس سفر السلطان إلى حلب.

وفي خامسه جلس السلطان بالميدان وعرض الأمراء الطبلخانات والعشراوات وألزم كل أمير أن يستخدم عنده مماليك شيء خمسة وشيء ثلاثة وشيء اثنان بحسب إقطاعه وقرر معهم أن بعد المولد الشريف يعرضهم قدامه بالميدان وهم باللبس الكامل والخيول الجيدة وكل من لم يفعل ذلك يخرجه عن إمريته ويجعله طرخانا.

وفي هذا اليوم نزل القاضي شهاب الدين بن الجيعان نائب كاتب السر عن لسان السلطان إلى أمير المؤمنين المتوكل على الله بسبب عمل برقه ، وقد كشفوا في الدفاتر القديمة فوجدوا أن الخليفة إذا سافر صحبة السلطان يكون جميع برقه على السلطان ، فكتب الخليفة قوائم بمصروف عمل للبرق فبلغ ذلك عشرة آلاف دينار وقيل خمسة آلاف دينار ، فأخذ الشهابي أحمد تلك القوائم وطلع بها إلى القلعة ليعرضها على السلطان.

وفي سادسه جلس السلطان بالميدان وعرض مماليكه الجلبان قاطبة وعينهم إلى سفر صحبته ولم يعف منهم سوى المماليك الصغار الكتابية المرد.

وفي سابعه رسم السلطان للطواشية بأن تدور على المماليك البطالة وأولاد الناس الذين كان السلطان قطع جوامكهم بأن يطلعوا يوم السبت للعرض ، فالذي يصلح للسفر يعيد السلطان له جامكيته ويكتبه للسفر.

وفي تاسعه جلس السلطان بالميدان وعرض جماعة من المماليك القرانصة من الشيوخ والعواجز وأولاد الناس أصحاب الجوامك ، فلما عرضهم عين منهم جماعة للشرقية وعين منهم جماعة مع كاشف الغربية وجماعة إلى البحيرة وجماعة منهم إلى الطرانة وجماعة إلى المنوفية وجماعة إلى منفلوط وجماعة إلى الجيزة [أمكنة حول مصر] وألزمهم بأن يكونوا مع الكشاف لرد العربان إذا ظهر منهم فساد وحفظ البلاد في غيبة السلطان إذا سافر وقويت الإشاعات بسفر السلطان إلى حلب. ودارت الطواشية على المماليك القرانصة وأولاد الناس بسبب هذا العرض حتى عين هؤلاء الجماعة إلى الجهات المذكورة.

١٠٦

وفي عاشره طلع إلى القلعة ودخل إلى قاعة البيسرية وعرض في ذلك اليوم بكاير وقرقلات وجواشن وغير ذلك أشياء كثيرة من آلات السلاح من حواصل الذخيرة.

وفي الرابع عشر منه ورد على السلطان مطالعة من عند سيباي نائب السلطان بالشام فأرسل يقول له : يا مولانا السلطان إن البلاد الشامية مغلية [غالية] والعليق والتبن لا يوجد والزرع في الأرض لم يحصد ولا ثم عدو متحرك ولا يتعب السلطان سره ولا يسافر ، وإن كان ثم عدو متحرك فنحن له كفاية ، فلم يلتفت السلطان إلى كلامه واستمر باقيا على حركة السفر إلى حلب.

وفي الثامن عشر منه أنفق السلطان على العسكر نفقة السفر وقد تحقق أمر خروج الجريدة فأنفق على كل مملوك مائة دينار وجامكية أربعة أشهر بثمانية آلاف وثمن جمل سبعة دنانير ، ثم السلطان كتب أولاد الناس قاطبة إلى السفر ولم يعطهم نفقة بل أعطاهم جامكية أربعة أشهر بثمانية آلاف ، وكان سبب ذلك أن القاضي شرف الدين الصغير كاتب المماليك قال للسلطان : إنا نظرنا في بعض التواريخ أن الملك الظاهر برقوق لما خرج إلى التجريدة لم ينفق على أولاد الناس شيئا ، فأعجب السلطان منه ذلك وقطع نفقة أولاد الناس قاطبة فكثر عليه الدعاء من أولاد الناس بسبب ذلك وكانت هذه الواقعة من أعظم مساويه في حق أولاد الناس وحصل لهم كسر خاطر شديد. وفي الحادي والعشرين منه وقف جماعة من أولاد الناس إلى السلطان بسبب النفقة ، فلما وقفوا له ساعدهم الأمير علان الدوادار وبقية الأمراء فلم يرث لهم السلطان وقال أنا ما عندي نفقة لهؤلاء فالذي لا قدرة له على السفر يرد الأربعة شهور الجامكية التي أخذها وأنا أترك له شهرا ويستريح وتنقطع عني جامكيته ، فرد جماعة كثيرة من أولاد الناس جامكية الأربعة شهور التي أخذوها واستمر أمرهم مبنيا على السكوت.

وفي الثالث والعشرين منه أكمل السلطان النفقة على العسكر قاطبة من قرانصة وجلبان ونادى عليهم في الحوش أن السفر أول الشهر ، فاضطربت أحوال العسكر وارتجت القاهرة وعز وجود الخيل والبغال والأكاديش فأغلقت الطواحين قاطبة وامتنع الخبز من الأسواق وكذلك الدقيق ووقع القحط بين الناس وضج العوام وكثر الدعاء وأغلقت أسواق القماش بسبب المماليك واختفى الصناع والخياطون واضطربت أحوال القاهرة ، واختفى جماعة من التجار خوفا من المماليك واختفى طائفة من الغلمان خيفة السفر ، وصارت

١٠٧

أحوال مصر مثل يوم القيامة كل واحد يقول يا رب روحي ، وقد عاب العسكر على السلطان هذا الرهج الذي وقع منه ولم يمش على طريقة الملوك السالفة عند خروجهم للسفر مع أنه لم يكن أمر يستحق هذا الرهج العظيم ولا جاءت أخبار بأن ابن عثمان قد وصل إلى حلب ولا جاليشه ولا تحرك على بلاده ، وعابوا على السلطان عرضه عسكر مصر قاطبة في أربعة أيام وأنفق عليهم مع العرض فخشوا أن يشاع في بلاد ابن عثمان وبلاد الصوفي [الشاه إسماعيل صاحب بلاد العجم] أن السلطان الغوري قد عرض عساكره جميعا في أربعة أيام فينسبوهم إلى قلة وأنه ما بقي عسكر بمصر وربما يطمع العدو إذا سمع بذلك وما كان هذا الرأي من الصواب وهذه الأحوال كلها غير صالحة.

وفي هذا اليوم أرسل السلطان نفقة الأمراء المقدمين فأرسل للأتابكي سودون الدواداري رأس نوبة النوب والأمير أنسباي حاجب الحجاب لكل واحد أربعة آلاف دينار وبقية الأمراء المقدمين الذين هم بغير وظائف لكل واحد منهم ثلاثة آلاف دينار ، وأين هذه النفقة من النفقة التي كان يرسلها الأشرف قايتباي للأمراء المقدمين عند خروجهم إلى تجاريد ابن عثمان ، فكان يرسل للأتابكي وحده ثلاثين ألف دينار والأمير تمراز أمير سلاح عشرين ألف دينار وأمير مجلس مثل ذلك وبقية الأمراء المقدمين لكل واحد منهم عشرة آلاف دينار حتى عد ذلك من النوادر الغربية ، ولم يفعل الأشرف قايتباي ذلك إلا في آخر تجاريده لابن عثمان سنة خمس وتسعين وثمانمائة فبلغت نفقة الأمراء قاطبة دون الجند مائة ألف دينار.

وفي الخامس والعشرين منه أنفق السلطان على الأمراء الطبلخانات والأمراء العشراوات وصار يستدعيهم واحدا بعد واحد مثل تفرقة الجامكية فأعطى لكل أمير طبلخانات خمسمائة دينار وأعطى لكل أمير عشرة مائتي دينار ولم يرسل للخليفة نفقة فحصل له غاية المشقة ، وترامى على جماعة من الأمراء في أن يقرضوه مبلغا بربح ودخل في جهته ديون كثيرة ولم يتفق قط أن السلطان إذا سافر إلى البلاد الشامية وصحبته الخليفة أن يخرج بلا نفقة ، وكانت عادة السلاطين أن برك الخليفة إذا سافر يكون على السلطان وكان يرسل إليه خمسمائة دينار لأجل جوامك أتباعه ، فلم يلتفت السلطان لشيء من ذلك وشح معه في أمر النفقة ، وكان الخليفة مظلوما مع السلطان في هذه الواقعة.

١٠٨

وفي السادس والعشرين منه نزل السلطان من القلعة وتوجه إلى الريدانية ورتب الفراشين كيف ينصبون الوطاق إذا برز السلطان للسفر ورتب منازل الأمراء وكيف تكون منازلهم بالريدانية.

وفي هذا اليوم رسم السلطان لولده أمير آخور كبير بأن يعمل برقه ويسافر صحبته وكان في الأول رسم له بأن يكون مقيما بباب السلسلة إلى أن يحضر السلطان ، ثم بطل ذلك ورسم له بأن يشرع في عمل برقه إلى السفر.

وفي السادس من ربيع الآخر برز السلطان خيامه إلى الريدانية وقد تحقق أمر سفره إلى البلاد الشامية ثم نادى العسكر في الميدان أن كل من جهز برقه ولم يبق له عاقة يخرج ويسافر ويتقدم قبل خروج السلطان ، ولكن إلى الآن لم يعلق السلطان الجاليش الذي هو مقدمة الجيش إذا سافروا إلى البلاد الشامية ، وكانت العادة أنهم إذا سافروا إلى البلاد الشامية يعلقون الجاليش قبل خروجهم بأربعين يوما فلم يمش السلطان على طريقة الملوك السالفة.

وفي هذا اليوم أرسل السلطان إلى أمير المؤمنين محمد المتوكل على الله نفقة السفر على يد حسام الدين الألواحي ألف دينار وكان الساعي له في ذلك الأمير طومان باي الدوادار الكبير ولو لا هو ما كان يرسل له شيئا ، فإن السلطان أرسل للقضاة الأربعة يقول لهم : اعملوا برقكم ، ولم يرسل شيئا من النفقة ، وقد حصل لهم غاية الكلفة والمشقة لأنه من حين سافر الأشرف برسباي إلى آمد سنة ست وثلاثين وثمانمائة لم يخرج الخليفة ولا القضاة الأربعة إلى البلاد الشامية صحبة السلطان. وكان للخليفة والقضاة الأربعة على السلطان عادة إذا سافروا إلى البلاد الشامية يرسل لهم نفقة السفر فتغافل السلطان عن ذلك.

ثم بعد أيام أرسل السلطان للخليفة سيفا مسقطا بالذهب على يد شخص من الزركاشية يقال له محمد العادلي ، وقد تقدم القول على أنه أرسل نوبة جام حديد فكان مجموع ما حصل له من السلطان من الإنعام ذهب وغير ذلك دون ألفي دينار ، وقد تكلف الخليفة في هذه الحركة على مصروف برقه وغير ذلك نحو الخمسة آلاف دينار أو أكثر.

وفي سابع ربيع الآخر حضر خليفة سيدي أحمد البدوي وقد حضر يطلب من السلطان ، فلما مثل بين يديه قال له : اعمل برقك حتى تسافر صحبتي إلى حلب ، فلما

١٠٩

سمع ذلك تعلل وأظهر أنه ضعيف لا يقدر على السفر ، فحنق منه السلطان وألزمه بالسفر ولم يقبل له عذرا وأرسل يقول لخليفة سيدي أحمد الرفاعي : اعمل برقك حتى تسافر صحبتي.

وفيه عرض السلطان غلمانا للبيوتات من الفراشين والبابية والركبخانة والحجارين والشربدارية والزردخانية من النفطية وغير ذلك ، وطلب الأمير علم الدين الذي يحكم على الطبالين والزمارين وألزمه أن يصرف على من يسافر صحبته من الطبالين والزمارين والمنقرين من كيسه وقال له : أنت تأكل معلوم هذه الوظيفة عدة سنين فأنفق عليهم من عندك وإلا فعندنا من يلي هذه الوظيفة ويفعل ذلك.

ثم عرض مغاني الدكة وهم أحمد أبو سنة والمحوجب والمحلاوي وأمرهم أن يسافروا صحبته ، ثم عين جماعة من النجارين والحجارين وأمرهم بالسفر معه ، ثم عرض هؤلاء المذكورين ولم ينفق عليهم شيئا بل صرف لهم جامكية أربعة أشهر لا غير ولم يعطهم نفقة وقال لهم : أنتم تأكلون جوامك السلطنة كذا وكذا سنة فعند إرادتي سفركم تطلبون مني نفقة. ولما تحقق القضاة سفر السلطان أخذوا في تجهيز أمرهم وعمل برقهم وعينوا معهم جماعة كثيرة من النواب. وكذلك كلف جماعة من القراء والوعاظ بوساطة نقيب القراء شمس الدين الظريف وأمروا أن يسافروا صحبة السلطان كما فعل القضاة مع نوابهم.

قال في «تعطير المشام في تاريخ الشام» (١) نقلا عن «الكواكب السائرة» : إن الغوري لما تجهز من مصر أشاع أنه يريد الإصلاح بين ملوك الروم وملك العجم لما كان من المودة بين الغوري وملك العجم كما ذكرنا ، وكان ينسج المودة بينهما رجل أعجمي كان قربه الغوري بمصر وهو الذي أغراه على الخروج لإصلاح ذات البين بين ذينك الملكين ، وكان الغوري داخله وجل باطني من ملك العجم بسبب قصة عجيبة كانت أيضا من أسباب تحرك السلطان سليم على ملك العجم ، وتلك القصة هو أن إسماعيل شاه ملك العجم كان قد قتل صاحب هراة وولده فبعث برأس الأب إلى السلطان سليم وبرأس الابن إلى الغوري وكتب إلى الأول رسالة مطلعها :

__________________

(١) هو لصديقنا الشيخ محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي رحمه‌الله مؤلف موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين وغيره.

١١٠

نحن أناس قد غدا شأننا

حب علي بن أبي طالب

يعيبنا الناس على حبه

فلعنة الله على العائب

وكتب إلى الثاني رسالة مطلعها :

السيف والخنجر ريحاننا

أف على النرجس والآس

وشربنا من دم أعدائنا

وكأسنا جمجمة الرأس

فرد عليه الأول بهذين البيتين :

ما عيبكم هذا ولكنه

بغض الذي لقب بالصاحب

وكذبكم عنه وعن بنته

فلعنة الله على الكاذب

ورد عليه الثاني بمقاطيع منها قول شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف :

السيف والخنجر قد قصرا

عن عزمنا في شدة الباس

لو لم ينازع حلمنا بأسنا

أفنى سلطاننا سائر الناس ١ ١ ه

خروج طلب السلطان الغوري من مصر

قال ابن إياس : وفي يوم الاثنين عاشر ربيع الآخر خرج طلب السلطان ، وكان من ملخص أمره أنه أخرج الطلب من الميدان قبل طلوع الشمس ومشى به من الرميلة ونزل به من حدرة البقر وطلع به من الصليبة ، وكان ما اشتمل عليه الطلب أنه جرّ فيه خمس عشرة نوبة هجن بأكوار زركش وكنابيش وخمس عشرة نوبة بأكوار مخمل ملون ، وأما الخيول فثلثمائة منها مائة فرس ببركستوانات فولاذ مكفت بذهب وجواغين مكفتة بالذهب وشيء مخمل ملون ومنها ثلاث طوائل بكنابيش زركش وسروج ذهب ، ومنها ثلاث طوائل بعراقي وسروج بداوي وطبول بازات ، وكان في الطلب أربعة وعشرون تختا بأغشية حرير أطلس أصفر وكجاوتين مخمل بزركش وهما الجوشنان ، وكان فيه ست خزائن بأغشية حرير أصفر وكان

__________________

١ ـ هكذا في الأصل والعجز مختل الوزن. وهو في الكواكب السائرة : أفنيت سلطا سائر الناس. ولا معنى له. ولعل الصواب : أفنى سطانا سائر الناس. على أن السطا بمعنى السطوة لم يرد إلا عند المتأخرين ولم تذكره المعاجم.

١١١

فيه محفتان على البغال بأغشية حرير أصفر ، وكان بالطلب خمسة رؤوس خيل خاصة منها اثنان بأرقاب مزركش وكنابيش وسروج بلور مزيكة من ذهب وشيء عقيق وطبول بازات بلور مزيكة بذهب ، وكان به فرسان بكنابيش وسروج ذهب وعليها هلالات ذهب عوضا عن الطيور.

وكان راكبا بالطلب بعض أمراء عشراوات رؤوس بالشاش والقماش وبعض خدام من الطواشية ، وكان راكبا به من المباشرين القاضي محمود بن أجا كاتب السر والقاضي محيي الدين القصروي ناظر الجيش والقاضي علاء الدين ابن الإمام ناظر الخاص والقاضي شهاب الدين أحمد بن الجيعان كاتب السر والقاضي أبو البقاء ناظر الإسطبل والقاضي بركات بن موسى المحتسب والقاضي شرف الدين الصغير كاتب المماليك وناظر الدولة والشرفي يونس الأستاداركان والقاضي كريم الدين بن الجيعان وأولاد الملكي وغير ذلك من المباشرين.

ثم جاء السنجق السلطاني وانجرت الكوسات والصناجق السلطانية والخليفة ، وكان به أربعة طبول وأربعة زمور وعشرة أحمال كؤسات ، وكان عادة طلب السلطان أن يكون به أربعون حمل كؤسات ، فشق طلب السلطان من الرميلة واصطف العسكر والجم الغفير من الناس بسبب الفرجة على الطلب ، فلما مر الطلب لم يعجب الناس واستقلوا الخيول التي به.

وفي ذلك اليوم خرج سنيح أمير المؤمنين المتوكل على الله وكان قدامه طبلين وزمرين ونفيرا ولم يخرج في ذلك اليوم غير طلب السلطان فقط. ثم قال :

إن السلاطين المتقدمة كانوا يخرجون إلى البلاد الشامية عند ما تنتقل الشمس إلى برج الحمل في أوائل فصل الربيع والوقت رطب ، وأما الغوري فإنه سافر في قوة الحر والشمس في برج السرطان فحصل للعسكر مشقة شديدة في الطريق ، وكان السلطان الغوري لا يقتدي إلا برأي نفسه في جميع الأمور.

خروج السلطان الغوري مع أمرائه وجيوشه

قال ابن إياس : لما كان صبيحة يوم السبت خامس عشر ربيع الأول اجتمع سائر الأمراء المقدمين عند السلطان بالميدان وهم بالشاش والقماش ، وكان عدة الأمراء الذين تعينوا للسفر صحبة الركاب الشريف خمسة عشر أميرا ، ثم انسحبت أطلاب الأمراء

١١٢

المقدمين فكان أولهم طلب الأمير كرت باي ثم طلب الأمير أقباي الطويل أمير أخور ثاني ثم طلب الأمير تاني بك الخازندار ثم طلب الأمير أبرك الأشرفي ثم طلب الأمير علان بن قراجا الدوادار الثاني ثم طلب الأمير بيبرس قريب السلطان ثم طلب الأمير جان بلاط الشهير بالموتر ثم طلب الأمير قانصوه كرت ثم طلب الأمير تمر الحسني الشهير بالزردكاش ثم طلب الأمير قانصوه ابن السلطان جركس ثم طلب الأمير أنسباي بن مصطفى حاجب الحجاب ثم طلب سودون الدواداري رأس نوبة النوب ثم طلب المقر الناصري محمد نجل المقام الشريف أمير أخور كبير (ابن السلطان الغوري) ثم طلب الأمير أركماس بن طراباي أمير مجلس وقد قرر أمير سلاح ، ثم بعد ذلك مشى طلب الأتابكي سودون بن جاني بك الشهير بالعجمي وكان طلبه في غاية الحسن والترتيب. فلما انقضى أمر الأطلاب خرج السلطان من باب الإصطبل الذي عند السلم المدرج فخرج وقدامه النفير السلطاني المسمى بالمرعشي وهو في موكب عظيم قل أن يتفق لسلطان موكب مثل ذلك الموكب ، فكان في أول الموكب الأفيال الثلاثة وهي مزينة بأنواع الزينة ، ثم ترادف العسكر المنصور بالشاش والقماش ، ثم الأمراء رؤوس النوب بالعصي يفسحون الناس وقد ترادف الأمراء الطبلخانات والأمراء العشراوات قاطبة ، ثم أرباب الوظائف من المباشرين (وقد تقدم ذكر أسمائهم). ثم قال :

ثم تقدمت الأمراء المقدمون وصحبتهم ولد السلطان المقر الناصري أمير أخور كبير وإلى جنبه الأتابكي سودون العجمي ، ثم من بعد ذلك تقدمت السادة القضاة الأربعة مشايخ الإسلام وهم قاضي القضاة الشافعي كمال الدين الطويل وقاضي القضاة الحنفي حسام الدين محمود بن الشحنة وقاضي القضاة

المالكي محيي الدين يحيى الدميري وقاضي القضاة الحنبلي شهاب الدين أحمد الفتوحي الشهير بابن النجار ، ثم من بعدهم أمير المؤمنين المتوكل على الله محمد بن المستمسك بالله يعقوب العباسي وهو لابس العمامة البغدادية التي بالعذبتين وعليه قباء بعلبكي بطراز أسود حرير ولم يكن على رأسه صنجق خليفتي ، وقد اختصر هذا الخليفة أشياء كثيرة مما كان يعمل للخلفاء والمتقدمين من أقاربه.

ثم أقبل السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري وكان الخليفة قدامه بنحو عشرين خطوة ، وكان السلطان راكبا على فرس أشقر بسرج ذهب وكنبوش وعلى رأسه كلوته وهو لابس قباء بعلبكي أبيض بطرز ذهب على حرير أسود عريض قيل كان فيه خمسمائة ذهب

١١٣

بنادقة ، وأقبل والصنجق السلطاني على رأسه ومقدم المماليك سنبل العثماني خلفه وصحبته السلحدارية بالشاش والقماش والجم الكثير من الخاصكية والجمدارية. واستمر ذلك اليوم حتى خرج من باب النصر وكان يوما مشهودا ثم وصل إلى المخيم بالريدانية.

ثم في عقب ذلك اليوم نزلت خوجخانات فيها الذهب والفضة وضمن كل واحدة من الذهب العين ألف دينار خارجا عن المعادن ، وقد فرغ الخزائن من الأموال التي جمعها من أوائل سلطنته إلى أن خرج في هذه التجريدة ، وفرغ أيضا حواصل الذخيرة وأخذ ما فيها من التحف وآلات السلاح الفاخرة التي كان بها من ذخائر الملوك السالفة من سروج ذهب وبلور وعقيق وغير ذلك من كنابيش زركش وطبول بازات بلور ومينه وبركستوانات مكفتة وأكوار زركش وغير ذلك من التحف الملوكية ، فنزل جماعة من كتاب الخزينة صحبة الخوجخانات وجماعة من الخزندارية وهم بالشاش والقماش ، فكانت تلك الخوجخانات محملة على خمسين جملا ، ثم نزلت الزردخانة وهي محملة على مائة جمل وقدامها طبلان وزمران وعيدان نقر على جمال فتوجهوا إلى الوطاق.

ثم قال : وأخذ الأمراء في الرحيل في الثامن عشر من ربيع الآخر ، وكان جملة ما مع هؤلاء الأمراء الذين توجهوا صحبة السلطان تسعمائة وأربعة وأربعين مملوكا على ما قيل ، ويقال إن عدة المماليك الذين خرجوا في هذه التجريدة من القرانصة والجلبان وأولاد الناس خمسة آلاف نفر على ما قيل.

مجيء قاصد من السلطان سليم إلى السلطان الغوري

ولما كان السلطان بالمخيم الشريف ورد عليه مطالعة من عند نائب حلب وإذا فيها أن ابن عثمان أرسل قاصدا فعوقناه عندنا وأخذنا الكتاب منه وها هو واصل لكم. فوصل إليه وهو بالمخيم بالريدانية ، ولما فكه السلطان وقرأه فإذا فيه عبارة حسنة وألفاظ رقيقة منها أنه أرسل يقول له : أنت والدي وأسألك الدعاء وإني ما زحفت على بلاد دولات إلا بإذنك وإنه كان باغيا علي وهو الذي أثار الفتنة القديمة بين والدي والسلطان قايتباي حتى جرى وهذا كان غاية الفساد في مملكتكم وكان قتله عين الصواب ، وأما ابن سوار الذي ولي مكانه فإن حسن ببالكم أن تبقوه على بلاد أبيه أو تولوا غيره فالأمر راجع إليكم. وأما

١١٤

التجار الذين يجلبون المماليك الجراكسة فإني ما منعتهم وإنما هم تضرروا من معاملتكم في الذهب والفضة فامتنعوا عن جلب المماليك إليكم وإن البلاد التي أخذتها من علي دولات أعيدها لكم وجميع ما ترومونه ويريده السلطان فعلناه.

فلما سمع السلطان ذلك أحضر الأمراء المقدمين وقرأ عليهم كتاب ابن عثمان فانشرح الأمراء والسلطان لهذا الخبر واستبشروا بأمر الصلح والعود إلى الأوطان عن قريب ، وكان هذا كله حيلا وخداعا من ابن عثمان حتى يبلغ بذلك مقاصده وقد ظهر حقيقة ذلك فيما بعد.

تقرير السلطان الغوري للأمير طومان باي بنيابة الغيبة

قال : وليلة رحيله من الريدانية خلع على الأمير طومان باي الدوادار كاملية بسمور حافلة وقرره نائب الغيبة بالقاهرة إلى أن يحضر.

وفي تلك الليلة أحضر مشاعل موقدة فطارت منها شرارة على خيمة السلطان فاحترق منها فتفاءل الناس بذلك شرا.

رحيل السلطان الغوري من الريدانية

قال ابن إياس : وفي الثاني والعشرين من ربيع الآخر رحل السلطان من المخيم الشريف بالريدانية وصحبته الخليفة والقضاة الأربعة وولده المقر الناصري أمير أخور كبير وأقباي الطويل أمير أخور ثاني ، وكانت مدة إقامته في الوطاق بالريدانية سبعة أيام.

وصوله إلى مدينة غزة

قال ابن إياس : وفي رابع جمادى الأولى وصل السلطان الغوري إلى مدينة غزة فلاقاه الأمير دولات باي نائب غزة ومد له مدة حافلة وقدم له تقدمة عظيمة.

قال الشيخ أحمد بن زنبل المحلي في أوائل تاريخه الذي ألفه في الوقايع التي كانت بين هذين السلطانين : لما وصل السلطان الغوري إلى غزة أقام بها ثلاثة أيام فشكت الرعايا للسلطان من نائب غزة فعزله عنها ورسم عليه وعنفه على ما فعله وظلمه وزجره غاية الزجر وبعد ذلك رده إليها لكونه ابن عمه.

١١٥

ورود مكاتبة من سيباي نائب الشام

إلى السلطان الغوري وهو في غزة

قال المحلي : ولما كان السلطان في غزة ورد عليه مكاتبة من عند سيباي نائب الشام يذكر فيها الذي يعرضه المملوك على المسامع العالية أعلاها الله تعالى وأدامها أن العبد سمع بأن السلطان يريد السفر إلى قتال ابن عثمان وأن المملوك يقوم بهذا الأمر ويكون السلطان مقيما بمصر ويمد المملوك بالعساكر المنصورة ، والذي يعلم به مولانا السلطان أن خير بك ملاحي علينا ومكاتيبه لا تنقطع من عند ابن عثمان في كل حين. فرد عليه السلطان : ها نحن قد جئناهم بأنفسنا. ثم أمر بالرحيل بالجيوش والعساكر وهم يموجون كالبحر الزاخر والسحاب الماطر.

ومن غريب صنع الله تعالى أن السلطان الغوري كان له رمّال حاذق فكان كل حين يقول له السلطان : انظر إلى من يلي الحكم بعدي ، فيقول : حرف السين ، فكان يعتقد أنه سيباي ، وكان كلما كتب سيباي للسلطان بما يفعله خير بك نائب حلب من المكاتبات للسلطان سليم بأنه معه وأنه ملاحي على أبناء جنسه ويحرضه على المجيء إلى أخذ مصر من الجراكسة والسلطان الغوري لا يقبل من سيباي نصيحة حتى نفذ قضاء الله تعالى وحكمه وقدره وكل ما كان ، ولم يتمكن سيباي من ملاقاة السلطان إلا على سعسع وهي قرية من قرى الشام. وحضر سيباي قدام السلطان وقدم تقدمة عظيمة لها قدر وقيمة فشكره السلطان على فعله شكرا زائدا بعد أن خلع عليه خلعة عظيمة ولم يخلع على أحد من النواب غيره ، وكل ذلك والسلطان معتقد أن الخيانة إنما هي من سيباي وما قصده إلا أخذ السلطنة كما ذكر المنجم الرمّال على حرف السين ولا يظن ولا يخطر في فكره أن السلطان سليما يقدر يدخل أرض مصر أبدا لما يعلم من شجاعة الجراكسة. وكان السلطان الغوري يعلم أن سيباي بطل من الأبطال ولا يخطر الموت له على بال ، فكان السلطان لا يحسب إلا حسابه ، وأما خير بك فإنه لم يكن السلطان يحسب له حسابا لما يعلم من جبانته وعدم شجاعته فأخذه من لا يكترث به ، وكان سيباي من مماليك السلطان قايتباي وكان رجلا يعد برجال.

١١٦

وصول السلطان قانصوه الغوري إلى الشام

قال ابن إياس : في ثامن جمادى الأولى وصل السلطان إلى الشام فلاقاه الأمير سيباي نائب الشام ودخل في موكب حافل وقدامه الخليفة والقضاة الأربعة وسائر الأمراء المقدمين وأمراء الطبلخانات والعشراوات وأرباب الوظائف من المباشرين والجم الكثير من العسكر والناس ، ولاقاه أمراء الشام وعساكرها ، وحمل على رأسه القبة والجلالة كما جرت به عوائد الملوك من قديم الزمان ، فزينت له مدينة دمشق زينة حافلة ودقت له البشائر بقلعة دمشق ونثر على رأسه بعض تجار الإفرنج ذهبا وفضة ، وفرش له سيباي تحت حافر فرسه الشقق الحرير ، وازدحمت عليه المماليك بسبب نثار الذهب والفضة ، فكاد السلطان أن يسقط عن ظهر فرسه من شدة زحام الناس عليه فمنعهم من نثار الذهب والفضة ومن فرش الشقق الحرير تحت حافر فرسه ، فكان له يوم مشهود وعد ذلك من المواكب المشهودة ، فاستمر ذلك الموكب الحافل حتى دخل من باب النصر الذي بدمشق وخرج إلى الفضاء منها وتوجه إلى المصطبة التي يقال لها مصطبة السلطان وهي بالقابون القاقوني فنزل هناك ورسم لبعض حجاب دمشق بعمارتها وكانت قد تشعثت من مرور السنين.

وصوله إلى مدينة حلب

قال ابن إياس : وفي العاشر من جمادى الآخرة وصل السلطان قانصوه الغوري إلى حلب فكان لدخوله يوم مشهود وقدامه الخليفة والقضاة الأربعة وسائر الأمراء كموكبه بالشام ، وحملت القبة والجلالة على رأسه وكان حاملها ملك الأمراء خاير بك نائب حلب كما فعل سيباي نائب الشام.

مسير السلطان سليم بعساكره إلى هذه الديار

قال المحلي : إن السلطان سليما لما تقوت آماله في أخذ مصر استشار وزيره الأعظم أحمد باشا بن هرسك وبعده بيري باشا ، فقال ابن هرسك للسلطان سليم : نحن تصادمنا مع عسكر مصر في زمن أبيك وكنت أنا قائد العسكر وكسرونا أشد كسرة وقبضوا علي ودخلت مصر أسيرا حتى وقفت بين يدي السلطان قايتباي فمنّ عليّ بإطلاقي وعفا عني عفا الله عنه ، وقد حلفت له ألا أسحب في وجه القبلة سيفا ، وصدقه على ذلك بيري

١١٧

باشا ، ثم بعد ثلاثة أيام أمر السلطان سليم بعزل الاثنين ، ثم سار قاصدا عسكر مصر ، فلما وصل إلى مدينة زملطي أقام ينتظر الأخبار فلم يأته أحد فأمر السلطان سليم بإرسال قاض إلى الغوري وكان اسم القاضي زيرك زاده وكان أعرج.

وصول القاضي زيرك زاده والأمير قراجا باشا

إلى حلب رسولين من السلطان سليم خان

إلى السلطان قانصوه الغوري

قال ابن إياس : وفي حال دخول السلطان الغوري إلى حلب حضر قصاد سليم شاه ابن عثمان ملك الروم فقيل إنه أرسل إليه قاضي عسكره وهو شخص يقال له ركن الدين وأحد أمرائه يقال له قراجا باشا وصحبتهم سبعمائة عليقة فنزلوا بمدينة حلب. وبلغني من الكتب الواردة بالأخبار أن السلطان لما حضر بين يديه قاضي ابن عثمان وقراجا باشا شرع يعتبهم على أفعال ابن عثمان وما يبلغه عنه وما جرى منه في حقه وأخذه لبلاد علي دولات ، فقال له القاضي وقراجا باشا : نحن فوض لنا أستاذنا أمر الصلح وقال كل ما اختاره السلطان افعلوه ولا تشاوروني ، وكل هذا حيل وخداع حتى تبطل همة السلطان عن القتال وينثني عزمه عن ذلك ، وقد ظهر مصداق ذلك فيما بعد. ثم إن قاضي ابن عثمان أحضر فتاوي من علماء بلاد الروم وقد أفتوا بقتل شاه إسماعيل الصوفي وأن قتله جائز في الشرع ، وأرسل يقول في كتابه للسلطان : أنت والدي وأسألك الدعاء ولكن لا تدخل بيني وبين الصوفي. ومن جملة مخادعة السلطان ابن عثمان للسلطان الغوري أنه أرسل يطلب منه سكرا وحلوى فأرسل له الغوري مائة قنطار سكر وحلوى في علب كبار ، وهذه حيلة منه ، وأرسل يقول في كتابه : إني لا أحول عن إسماعيل شاه أبدا حتى أقطع أثره من وجه الأرض فلا تدخل بيننا فيما يكون من أمر الصلح ، وأظهر أنه قاصد نحو الصوفي ليحاربه والأمر بخلاف ذلك في الباطن ، وذكروا له أنه على قيسارية يقصد التوجه على الصوفي. ثم إن السلطان خلع على قصاد ابن عثمان الخلع السنية.

وقيل إن السلطان ابن عثمان أرسل إلى السلطان الغوري تقدمة حافلة وللخليفة وأمير كبير سودون العجمي فكان ما أرسله ابن عثمان من التقدمة أربعين مملوكا وأبدان سمور وأثواب مخمل وأثواب صوف وأثواب بعلبكية وغير ذلك ، وكان ما أرسله إلى الخليفة بدنين سمور

١١٨

وثوب بكفوف قصب وثوبي صوف عال ، وأرسل إليه قاضي عسكر ابن عثمان ثوبين صوفا وسجادة وبغلة ، وأرسل ابن عثمان إلى أمير كبير أيضا تقدمة حافلة ما بين سمور ومخمل وصوف ومملوكين.

قال المحلي : أرسل السلطان سليم خان القاضي زيرك زادة رسولا إلى السلطان الغوري فسار حتى وصل إلى حلب فرأى أوطاق الغوري خاليا من العسكر ما فيه إلا نحو الألف أو الألفين لأنهم كانوا كلهم دخلوا إلى مدينة حلب وأخرجوا الناس من بيوتهم وسبوا حريمهم وأولادهم فآذوهم الأذى البليغ ، وكان ذلك سببا لقيام أهل حلب مع السلطان سليم على الجراكسة لشدة ما حل بهم من الضرر ، ولما بلغ الغوري أنه جاء قاصد من عند السلطان سليم أذن له فتمثل بين يديه وتأدب غاية الأدب فرحب به وسأله عن السلطان سليم فقال له القاضي : هذا ولدك وتحت نظرك ، فقال له الغوري : لو لا أنه مثل ولدي ما جئت من مصر إلى هنا بأهل العلم جميعا حتى نصلح بينه وبين إسماعيل شاه ، ثم أجزل عطاءه وصرفه.

إرسال السلطان الغوري وهو في حلب قاصدا إلى السلطان سليم

قال المحلي : بعد أن توجه رسول السلطان سليم من حلب من عند السلطان الغوري أمر السلطان الغوري بإرسال قاصد إلى السلطان سليم فشاور أكابر دولته فأشاروا بإرسال رجل من أهل العلم والدين ليتكلم بينهما بالمعروف رجاء لحقن دماء المسلمين ، فلم يفعل ما أشاروا به وأمر بإحضار الأمير مغلباي دوادار وكان رجلا فاضلا قادرا على رد الأجوبة وإقامة الحجة ، فقال له الغوري : جهز نفسك واخرج اكشف لنا خبر أهل الروم وما هم عليه وأعط هذه المكاتبة إلى ملكهم. ثم أمر عشرة من خيار العسكر بالتوجه مع مغلباي إلى عسكر السلطان سليم وهم لابسون الملابس الفاخرة كل من رآهم يتعجب في خلقهم وحسن خيلهم وهندامهم وهم كالعرائس واصطفوا صفا واحدا ، فلما دخلوا ووقفوا بين يدي السلطان سليم من غير إطالة نظر إليهم مليا وامتلأ من الغيظ ثم قال للأمير مغلباي : يا مغلباي أستاذك ما كان عنده رجل من أهل العلم يرسله لنا وإنما أرسلك بهؤلاء يرعب بها قلوب عسكري ويخوفهم برؤية أجناده ، ولكن أنا أكيده بمكيدة أعظم من مكيدته ، ثم أمر برمي رقبة مغلباي وجماعته وصاح من صميم قلبه بجلاد فارتجفت قلوب الحاضرين

١١٩

لذلك ، فقام الوزير يونس باشا وقبل الأرض بين يديه وقال : الرسول لا يقتل وليس له ذنب ، فقال : لا بد من ذلك ، فقال الوزير : فإن كان ولا بد فأبق كبيرهم مغلباي ، فأمر بحبسه ورمي رقبة العشرة قدام أوطاقه واحدا بعد واحد وهو ينظر إليهم وحبس مغلباي بقلعة زمنوطو يومين ثم أحضره وحلق ذقنه وألبسه طرطورا وأركبه على حمار أعرج معقور وقال له : قل لأستاذك يجتهد جهده وها أنا متوجه إليه.

إرسال السلطان الغوري الأمير كرتباي

لكشف الأخبار

قال ابن إياس : بعد توجه الأمير مغلباي إلى السلطان سليم جهز السلطان الغوري الأمير كرتباي الأشرفي أحد الأمراء المقدمين إلى السلطان سليم وصحبته هدية حافلة بنحو عشرة آلاف دينار وذلك بعد أن خلع على قاضي عسكر ابن عثمان ووزيره قراجا باشا خلعة سنية وأذن لهما بالعودة إلى بلادهما ، وكان هذا هو عين الغلط من السلطان الغوري حيث أطلق قصاد ابن عثمان قبل أن يحضر مغلباي ويظهر له من أمر ابن عثمان ما يعتمد عليه ، ولما وصل الأمير كرتباي إلى عينتاب بلغه أن السلطان ابن عثمان أبى الصلح وقبض على مغلباي ووضعه في الحديد بعد أن قصد شنقه فشفع فيه بعض وزرائه وقصد حلق لحيته ، وقد قاسى منه من البهدلة ما لا يمكن شرحه.

فلما تحقق الأمير كرتباي ذلك رجع إلى حلب وأعلم السلطان بما فعله سليم شاه بالأمير مغلباي وأن طوالع عسكره قد وصلت إلى عينتاب وملكت قلعة ملطية وبهسنا وكركر وغير ذلك من القلاع ، ولما وصل الأمير كرتباي بهذه الأخبار الرديئة إلى السلطان اضطربت أحواله وأحوال الناس وأحوال العسكر قاطبة.

قال المحلي : أمر السلطان الغوري الأمير كرتباي أن يكشف خبر السلطان سليم وعسكره ويرجع على الفور ، فتوجه كرتباي ، ولما وصل إلى قيسارية وجد أهلها قد قفلوا أبوابها وتأهبوا لقتال أهل مصر لما بلغهم ما فعلوه في حلب وأهلها من إخراجهم من أماكنهم ونهب أموالهم والتعرض لنسائهم وبناتهم ، ووجد يونس نائب عينتاب عزل حريمه وماله وهو معول على الرحيل إلى السلطان سليم وقد قلب على أبناء جنسه ومال مع الروم ، فرجع

١٢٠