رحلة ابن بطوطة - ج ٤

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٤

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-010-9
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٣٥١

ولقد جهدت لمّا وليت القضاء بها ، أن أقطع تلك العادة وآمرهن باللباس ، فلم أستطع ذلك فكنت لا تدخل إليّ منهن امرأة في خصومة الا مستترة الجسد ، وما عدا ذلك لم تكن لي عليه قدرة ، ولباس بعضهن قمص زائدة على الفوطة ، وقمصهن قصار الأكمام عراضها ، وكان لي جوار كسوتهن لباس أهل دهلي وغطّين رؤوسهن ، فعابهن ذلك أكثر مما زانهن إذ لم يتعودنه!! وحليهنّ الأساور تجعل المرأة منها جملة في ذراعيها بحيث تملأ ما بين الكوع والمرفق وهي من الفضة ولا يجعل أساور الذهب إلا نساء السلطان وأقاربه ، ولهن الخلاخيل ويسمّونها البايل ، بباء موحدة والف وياء آخر الحروف مكسورة وقلائد ذهب يجعلنها على صدورهن ويسمونها البسدرد ، بالباء الموحدة وسكون السين المهمل وفتح الدال المهمل والراء.

ومن عجيب أفعالهن أنهن يستاجرن أنفسهن للخدمة بالديار على عدد معلوم من خمسة دنانير فما دونها (١٩٣) وعلى مستأجرهن نفقتهن ، ولا يرين ذلك عيبا ، ويفعله أكثر بناتهم فتجد في دار الإنسان الغنيّ منهن العشرة والعشرين ، وكل ما تكسره من الأواني يحسب عليها قيمته ، وإذا أرادت الخروج من دار إلى دار أعطاها أهل الدار التي تخرج اليها العدد الذي هي مرتهنة فيه فتدفعه لاهل الدار التي خرجت منها ويبقى عليها للآخرين وأكثر شغل هؤلاء المستأجرات غزل القنبر (١٩٤).

والتزوج بهذه الجزائر سهل لنزارة الصداق وحسن معاشرة النساء ، وأكثر الناس لا يسمي صداقا إنما تقع الشهادة ويعطي صداقا ، مثلها ، واذا قدمت المراكب تزوج أهلها النساء فإذا أرادوا السفر طلقوهن وذلك نوع من نكاح المتعة (١٩٥) ، وهن لا يخرجن عن بلادهن أبدا. ولم أر في الدنيا أحسن معاشرة منهن ولا تكل المرأة عندهم خدمة زوجها إلى سواها بل هي تأتيه بالطعام وترفعه من بين يديه وتغسل يده وتأتيه بالماء للوضوء وتغم رجليه عند النوم ، ومن عوائدهن الا تأكل المرأة مع زوجها ، ولا يعلم الرجل ما تأكله المرأة ، ولقد تزوجت بها نسوة فأكل معي بعضهن بعد محاولة وبعضهن لم تأكل معي ولا استطعت أن أراها تأكل ولا نفعتني حيلة في ذلك!!

__________________

(١٩٣) هذا النوع من المساعدات لا يعتبرن رقيقات أبدا ولكنهن خادمات لفترة محدودة وفي مقابلة شروط

(١٩٤) تراجع الصفحة رقم ١٢١ من هذا الجزء.

(١٩٥) يظهر أن الرحالة المغربي من أنصار المتعة على نحو ما في (فتاوي ابن رشد) ج IV ص ١٥٣

٦١

ذكر السبب في إسلام أهل هذه الجزائر

وذكر العفاريت من الجن التي تضربها في كل شهر.

حدثني الثقات من أهلها كالفقيه عيسى اليمني ، والفقيه المعلم على ، والقاضي عبد الله وجماعة سواهم أن هذه الجزائر كانوا كفارا ، وكان يظهر لهم في كل شهر عفريت من الجن يأتي من ناحية البحر كأنه مركب مملوء بالقناديل ، وكانت عادتهم إذ رأوه أخذوا جارية بكرا فزينوها وأدخلوها إلى بدخانة (١٩٦) ، وهي بيت الأصنام ، وكان مبنيا على ضفة البحر ، وله طاق ينظر إليه منها ويتركونها هنالك ليلة ، ثم يأتون عند الصباح فيجدونها مفتضّة ميّتة! ولا يزالون في كل شهر يقترعون بينهم ، فمن أصابته القرعة أعطى بنته!

ثم إنه قدم عليهم مغربي يسمى بأبي البركات البربري وكان حافظا للقرآن العظيم فنزل بدار عجوز منهم بجزيرة المهل فدخل عليها يوما وقد جمعت أهلها وهن يبكين كأنهن في مأتم ، فاستفهمهن عن شأنهن ، فلم يفهمن فأتى ترجمان فأخبره أن العجوز كانت القرعة عليها ، وليس لها إلا بنت واحدة يقتلها العفريت ، فقال لها أبو البركات : أنا أتوجه عوضا من بنتك بالليل ، وكان سناطا : لا لحية له ، فأحتملوه تلك الليلة وأدخلوه إلى بدخانة وهو متوضئ وأقام يتلو القرآن ثم ظهر له العفريت من الطاق فداوم التلاوة فلمّا كان منه بحيث يسمع القراءة غاص في البحر ، وأصبح المغربي وهو يتلو على حاله فجاءت العجوز وأهلها وأهل الجزيرة ليستخرجوا البنت على عادتهم فيحرقوها ، فوجدوا المغربي يتلوا فمضوا به إلى ملكهم وكان يسمى شنورازة(١٩٧) ، بفتح الشين المعجم وضم النون وواو وراء وألف وزاي وهاء ، وأعلموه بخبره ، فعجب منه وعرض المغربي عليه الإسلام ورغّبه فيه ، فقال له : أقم عندنا إلى الشهر الآخر ، فإن فعلت كفعلك ونجوت من العفريت أسلمت! فأقام عندهم وشرح الله صدر الملك للاسلام فأسلم قبل تمام الشهر وأسلم أهله وأولاده وأهل دولته ، ثم حمل المغربي لما دخل الشهر إلى بدخانة ولم يات العفريت فجعل يتلو حتى الصبّاح ، وجاء السلطان والناس معه فوجدوه على حاله من التلاوة فكسروا الأصنام وهدموا بدخانة وأسلم أهل الجزيرة،

__________________

(١٩٦) تقدم I ـ ١٥١ تعليق ٨٨ أن كلمة بذخانة أصلها بوذاخانة أي معبد بوذا الإله عند بعض الهنود. هذا ويحكون مثل القصة عن الفتاة التي تلقى في النيل حتى يجري الماء إلى أن أرسل عمر بن الخطاب رسالة للنيل ج I ـ ٧٨ ـ ١٠٩ ـ القزويني : عجائب المخلوقات تحقيق فاروق سعد ، بيروت ١٩٧٣ ص ٢٢٦.

(١٩٧) شنورازه يظهر أن هذا اللقب يعني وظيفة سامية في الدولة ، وهو يهجى على عدة أشكال منها شنورجا (Shano Raja) ، وجميعها آت في الأصل من اللغة السنهالية والكلمة تعني القائد الأعلى للجيش ، وقد ورد ذكر شنو مرتين في اللوحة الخشبية المنقوشة التي وقفنا عليها في المتحف الوطني لمالديف ، هذا وقد كان حاكم الجزيرة بوذيا على نحو ما كان عليه سكان البلاد قاطبة ...

د. التازي : أقدم نقش عربي في مالديف يتحدث عن المغرب ، مصدر سابق ...

٦٢

وبعثوا إلى سائر الجزائر فأسلم أهلها وأقام المغربي عندهم معظما وتمذهبوا بمذهبه مذهب الامام مالك رضي‌الله‌عنه ، وهم إلى هذا العهد يعظمون المغاربة بسببه ، وبنى مسجدا هو معروف باسمه وقرأت على مقصورة الجامع منقوشا في الخشب : أسلم السلطان أحمد شنورازة على يد أبي البركات البربري المغربي.

وجعل ذلك السلطان ثلث مجابي الجزائر صدقة على أبناء السبيل إذ كان اسلامه بسببهم ، فسمى على ذلك حتى الآن (١٩٨) ، وبسبب هذا العفريت خرب من هذه الجزائر كثير قبل الإسلام. ولما دخلناها لم يكن لي علم بشأنه ، فبينا أنا ليلة في بعض شأني إذ سمعت الناس يجهرون بالتهليل والتكبير ورأيت الأولاد وعلى رؤوسهم المصاحف والنساء في الطسوت ، وأواني النحاس فعجبت من فعلهم وقلت : ما شأنكم؟ فقالوا : ألا تنظر إلى البحر؟ فنظرت فإذا مثل المركب الكبير ، وكأنه مملوء سرجا ومشاعل فقالوا : ذلك العفريت، وعادته أن يظهر مرة في الشهر فإذا فعلنا ما رأيت انصرف عنا ولم يضرنا!.

__________________

(١٩٨) بالوقوف على اللوحة التأسيسية الخشبية (وليست النّحاسية المنتسخة محرّفة من الخشبية!) التي ترسم بكل وضوح (البربري) وليس التبريزي كما وهم القاضي حسن تاج الدين (ت ١١٣٩ ـ ١٧٢٦) في تأليفه : تاريخ إسلام ديبا محل الذي حققه ذ. هيكوايتش ياجيما طوكيو ـ ١٩٨٢ ـ وقد كانت الحروف أربعة : بربر وليست خمسة : تبريز فليس هناك «كونفيزيون Confusion كما توهم! وهكذا فإن «البطل» الذي تم اسلام الجزر على يديه سيظل مغربيا عكس ما قاله ييرازيموس من أنه تبريزي! وعكس ما قاله هربك من أنه صومالي! على ما أوضحته أمام أعضاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة (يبراير ١٩٩١) وأمام أكاديمية المملكة المغربية (مايه ١٩٩١) في بحث ترجم ملخصه للفرنسية والانجليزية وبعثته (الخارجية) المغربية إلى نظيرتها في مالديف عن طريق ممثل هذه الدولة في نيويورك بتاريخ ٨ / ٨ / ١٩٩١.

وقد شهدت رحاب القصر الملكي في ١٩ رمضان ١٤١٣ (١٣ مارس ١٩٩٣ القاء محاضرة رفيعة المستوى القاها فخافة السيد رئيس الجمهورية المالديفية مأمون عبد القيوم بمحضر جلالة الملك الحسن الثاني وحضور رجالات الدولة وأعضاء السلك الدبلوماسي المسلمين تناولت هذا الموضوع وقد تضمّن الطابع الذي أصدرته وزارة البريد ١٩٩٦ جانبا من المنقوش ...

IVAN HRBEK : Ibn Battuta and The maldives Islands, The Oriental Institu leprague ٢٩٩١ P ٦٥.

C. F. Beckingham : THe Travels of Ibn Battuta THe Hakluyt Society ـ London ٤٩٩١ P. ٠٣٨.

٦٣

٦٤

ذكر سلطانة هذه الجزائر

ومن عجائبها أن سلطانتها امرأة ، وهي خديجة (١٩٩) بنت السلطان جلال الدين عمر بن السلطان صلاح الدين صالح البنجالي (٢٠٠) ، وكان الملك لجدّها ثم لأبيها ، فلما مات أبوها ولي أخوها شهاب الدين (٢٠١) وهو صغير السن فتزوج الوزير عبد الله بن محمد الحضرمي أمّه وغلب عليه ، وهو الذي تزوج أيضا هذه السلطانة خديجة بعد وفاة زوجها الوزير جمال الدين ، كما سنذكره (٢٠٢) ، فلما بلغ شهاب الدين مبلغ الرجال أخرج ربيبه الوزير عبد الله ونفاه إلى جزائر السويد ، واستقل بالملك واستوزر أحد مواليه ويسمى علي كلكي (٢٠٣) ثم عزله بعد ثلاثة أعوام ونفاه إلى السّويد (٢٠٤) ، وكان يذكر عن السلطان شهاب الدين المذكور أنه يختلف إلى حرم أهل دولته وخواصه بالليل! فخلعوه لذلك ونفوه إلى اقليم هلدتني (٢٠٥) وبعثوا من قتله بها، ولم يكن بقى في بيت الملك إلا أخواته خديجة الكبرى

__________________

(١٩٩) تملكت السلطانة خديجة عام ٧٤٠ ـ ١٣٤٠ ، بعد إقصاء أخيها شهاب الدين عن الحكم في أعقاب فضيحة أخلاقية. شهاب الدين هذا هو الذي يوجد اسمه منقوشا على اللوحة التأسيسية كآمر ـ خلد الله أعماله ـ بعمارة المسجد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ... وفي أيام سلطنتها زار ابن بطوطة مالديف مرتين متواليتين وكان يتحدث عنها حديث الموظف السامي الذي يعرف السلطانة معرفة جيدة حتى لسجّل عبارة دعاء الخطيب لها يوم الجمعة ـ ولهذا فإن الاعتماد على إفادة ابن بطوطة ، وهو شاهد عيان ينبغي أن يعطي الاسبقية على ما كتب بعد أربعة قرون من لدن القاضي حسن تاج الدين مما يفيد أن السلطانة إنما حكمت ابتداء من عام ٧٤٨ ـ ١٣٤٧ أي بعد مغادرة ابن بطوطة لمالديف ببضع سنوات ...!!

زينب فواز : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ، طبعة أولى ، ١٣١٢ ص ١٨٢.

(٢٠٠) جلال الدين عمر هذا ورد ذكره في اللوحة الخشبية التأسيسية الشاخصة إلى الآن في المتحف الوطني بمالديف على أنه والد السلطان شهاب الدين أحمد الذي عمّر المسجد عام ٧٣٨ ـ ١٣٣٩ قبيل زيارة ابن بطوطة بسنوات ، هذه اللوحة هي التي وقف عليها ابن بطوطة بمحضر علية القوم في الجزيرة ... يلاحظ أن شهاب الدين هذا الذي نقش اسمه على اللوحة المذكورة كسلطان في العام المذكور ٧٣٨ ـ ١٣٣٩ لم يكن سلطانا عند القاضي حسن تاج الدين إلا عام ٧٤١ ـ ١٣٤٠!! ـ تراجع الدراسة التي قام بها د. التازي للوحة التأسيسية. والمشار إليها أثناء هذا البحث ...

(٢٠١) حسب اللوحة التأسيسية المعاصرة فإن شهاب الدين هو السلطان الذي جدد بناء الجامع عام ٧٣٨ ـ ١٣٣٩ ودعى له في اللوحة المذكورة بكلمة : خلد الله أعماله ، وليس عام ١٣٤٠ كما عند القاضي حسن تاج الدين وتبعه بعض الناس ...

(٢٠٢) يراجع IV ، ١٣٢ ـ ١٤٣ ـ ١٤٩ ـ ١٦٥.

(٢٠٣) كلكي :(Kalege) : لقب (Quilague) يعني الضابط العام للسلطان ...

(٢٠٤) راجع التعليق السابق رقم ١٦٥ ...

(٢٠٥) هلدتني هي التي دعيت سابقا هلدمتي (أنظر التعليق ١٦١)

٦٥

ومريم وفاطمة (٢٠٦) ، فقدموا خديجة سلطانة وكانت متزوجة لخطيبهم جمال الدين (٢٠٧) ، فصار وزيرا وغالبا على الامر ، وقدم ولده محمد (٢٠٨) للخطابة عوضا منه ، ولكن الاوامر إنما تنفذ باسم خديجة ، وهم يكتبون الأوامر في سعف النخل بحديدة معوجة شبه السكين ولا يكتبون في الكاغد إلا المصاحف وكتب العلم ، ويذكرها الخطيب يوم الجمعة وغيرها فيقول : اللهم انصر أمتك التي اخترتها ، على علم ، على العالمين وجعلتها رحمة لكافة المسلمين ألا وهي خديجة بنت السلطان جلال الدين ابن السلطان صلاح الدين.

ومن عادتهم إذا قدم الغريب عليهم ومضى إلى المشور وهم يسمونه الدار ، فلا بدّ له أن يستصحب ثوبين فيخدم لجهة هذه السلطانة ويرمي بأحدهما ثم يخدم لوزيرها وهو زوجها جمال الدين ويرمي بالثاني ، وعسكرها نحو ألف إنسان من الغرباء ، وبعضهم بلديون وياتون كلّ يوم إلى الدار فيخدمون وينصرفون ، ومرتّبهم الأرز يعطاهم من البندر (٢٠٩) في كل شهر، فإذا تم الشهر أتوا الدار وخدموا ، وقالوا للوزير : بلّغ عنا الخدمة ، وأعلم بأنا أتينا نطلب مرتّبنا ، فيؤمر لهم بها عند ذلك. وياتي أيضا إلى الدار كلّ يوم القاضي وأرباب الخطط وهم الوزراء عندهم فيخدمون ، ويبلغ خدمتهم الفتيان وينصرفون.

ذكر أرباب الخطط وسيرهم

وهم يسمون الوزير الأكبر النائب عن السلطانة كلكي بفتح الكاف الأولى واللام ، ويسمون القاضي فنديارقالوا (٢١٠) ، وضبط ذلك بفاء مفتوح ونون مسكن ودال مهمل مفتوح وياء آخر الحروف وألف وراء وقاف والف ولام مضموم ، وأحكامهم كلها راجعة إلى القاضي ، وهو أعظمهم من الناس أجمعين ، وأمره ممتثل كأمر السلطان وأشد ، ويجلس على بساط في الدار ، وله ثلاث جزائر يأخذ مجباها لنفسه عادة قديمة أجراها السلطان أحمد شنورازة ، ويسمون الخطيب هنديجري (٢١١) ، وضبط ذلك بفتح الهاء وسكون النون وكسر الدال وياء مد

__________________

(٢٠٦) حسب تاريخ القاضي حسن تاج الدين فإن هناك أختا تحمل اسم رادافاتي ستتولى الحكم عام ٧٨١ ـ ٧٨٢ ـ ١٣٧٩ / ١٣٨٠ وهو اسم محلي لمريم آتية الذكر.

(٢٠٧) أنظر التعليق ١٩٩.

(٢٠٨) حسب تاريخ القاضي حسن تاج الدين فإن محمد هذا سيتزوج رادافاتي وسيخلفها في الحكم عام ١٣٧٩ ـ ٧٨١ وسيظل في الحكم إلى عام ١٣٨٣ ـ ٧٨٥ حسب التاريخ المذكور.

(٢٠٩) راجع التعليق السابق رقم ١٨٣.

(٢١٠) حول كلمة كلكي أنظر التعليق ٢٠٣ ـ القاضي يدعي فاديارو (Fadiyaru Kaloge ـ Fanu) حسب نصّ يرجع لعام ١٨٣٤ م. في عهد بيرارByrard.

(٢١١) هنديجري (Hadegiri) حسب نصّ يرجع لتاريخ ١٨٣٤ ويعني : مستشار خاص عام ١٣٣٤ ، رئيس الخزينة في القرن التاسع عشر.

٦٦

٦٧

وجيم مفتوح وراء وياء ، ويسمون صاحب الديوان الفاملداري ، بفتح الفاء والميم والدال المهمل، ويسمون صاحب الاشغال مافاكلوا ، بفتح الميم والكاف وضم اللام ، ويسمون الحاكم فتنايك ، بكسر الفاء وسكون التاء المعلوة وفتح النون والف وياء آخر الحروف مفتوحة أيضا وكاف ويسمون قائد البحر مانايك (٢١٢) ، بفتح الميم والنون والياء ، وكل هؤلاء يسمى وزيرا ، ولا سجن عندهم بتلك الجزائر ، وإنما يحبس أرباب الجرائم في بيوت خشب هي معدة لا متعة التجار ، ويجعل أحدهم في خشبة كما يفعل عندنا بأساري الروم(٢١٣).

ذكر وصولي إلى هذه الجزائر وتنقّل حالي بها.

ولما وصلت إليها نزلت منها بجزيرة كنّلوس (٢١٤) ، وهي جزيرة حسنة فيها المساجد الكثيرة ، ونزلت بدار رجل من صلحائها ، وأضافني بها الفقيه عليّ ، وكان فاضلا له أولاد من طلبة العلم ، ولقيت بها رجلا اسمه محمد ، من أهل ظفار الحموض (٢١٥) ، فأضافني ، وقال لي: إن دخلت جزيرة المهل أمسكك الوزير بها فإنهم لا قاضي عندهم ، وكان غرضي أن أسافر منها إلى المعبر وسرنديب (٢١٦) وبنجالة ، ثم إلى الصين ، وكان قدومي عليها في مركب الناخودة عمر الهنّوري ، وهو من الحجاج الفضلاء ، ولما وصلنا كنّلوس أقام بها عشرا ثم اكترى كندرة يسافر فيها إلى المهل بهدية للسلطانة وزوجها ، فأردت السفر معه ، فقال : لا تسعك الكندرة أنت وأصحابك ، فإن شئت السفر منفردا عنهم فدونك ، فأبيت ذلك!

وسافر فلعبت به الريح وعاد إلينا بعد أربعة أيام وقد لقى شدائد! فاعتذر لي وعزم عليّ في السفر معه بأصحابي ، فكنّا نرحل غدوة فننزل في وسط النهار لبعض الجزائر ، ونرحل فنبيت بأخرى ، ووصلنا بعد أربعة أيام إلى إقليم التّيم (٢١٧) ، وكان الكردوي يسمى

__________________

(٢١٢) هناك مصادر أخرى تعطي لائحة لهذه الوظائف العليا حيث نجد فيها بعض هذه الألقاب التي يذكرها ابن بطوطة: هند يجري بمعنى رئيس الخزينة المالية في مالداري ... شخصية سامية ـ مافاكالو ... مستشار ماناساك قائد عسكري كبير.

The Voyage of Francais Pyrard I, P. ٠١٢ ـ ١١ C. FBecdingham ـ p. ٣٣٨ N. ٠٤.

(٢١٣) لقطة تاريخية هامّة حول الطريقة التي كان الأسرى الافرنج يعيشون عليها أيام عهد بني مرين أثناء احتكاكاتهم بجيرانهم في الجزيرة الإيبيرية ، الخشبة المشار اليها كانت بمثابة فلق ... تربط فيها الأرجل ... إضافة إلى الأيدي على ما أوقفني عليه الزميل الأستاذ محمد لطفي. البحث العلمي عدد ٤٠ ...

(٢١٤) كان على ابن بطوطة أن يصل إلى جزر مالديف في بداية شهر دجنبر ١٣٤٣.

(٢١٥) يراجع ج I ، ٢٠٥,II ، ١٩٦ ـ ٢١٤.

(٢١٦) القصد إلى ساحل المعبر وساحل سيلان اللذين سيزورهما الرحالة المغربي.

(٢١٧) راجع التعليق ١٥٩.

٦٨

بها هلالا ، فسلم عليّ وأضافني ، وجاء إليّ ومعه أربعة رجال ، وقد جعل اثنان منهم عودا على أكتافهما وعلقا منه أربع دجاجات (٢١٨) ، وجعل الآخران عودا مثله وعلقا منه نحو عشر من جوز النّارجيل ، فعجبت من تعظيمهم لهذا الشيء الحقير فأخبرت أنهم صنعوه على جهة الكرامة والاجلال!

ورحلنا عنهم فنزلنا في اليوم السادس بجزيرة عثمان ، وهو رجل فاضل من خيار النّاس فأكرمنا وأضافنا ، وفي اليوم الثامن نزلنا بجزيرة لوزير يقال له التّلمدي ، وفي اليوم العاشر وصلنا إلى جزيرة المهل حيث السلطانة وزوجها ، وأرسينا بمرساها ، وعادتهم أن لا ينزل أحد عن المرسى إلا بإذنهم ، فأذنوا لنا في النزول ، وأردت التوجه إلى بعض المساجد فمنعني الخدام الذين بالساحل ، وقالوا : لا بد من الدخول إلى الوزير ، وكنت أوصيت الناخودة أن يقول إذا سئل عني : لا أعرفه ، خوفا من إمساكهم إياي. ولم أعلم أن بعض أهل الفضول قد كتب إليهم معرّفا بخبري واني كنت قاضيا بدهلي.

فلما وصلنا إلى الدار وهو المشور نزلنا في سقائف على الباب الثالث منه ، وجاء القاضي عيسى اليمني فسلّم علي وسلمت على الوزير ، وجاء الناخوذة ابراهيم (٢١٩) بعشرة أثواب فخدم لجهة السلطانة ورمى بثوب منها ، ثم خدم للوزير ورمى بثوب آخر كذلك ورمى بجميعها ، وسئل عني فقال : لا أعرفه. ثم أخرجوا إلينا التنبول وماء الورد وذلك هو الكرامة عندهم ، وأنزلنا بالدار وبعث إلينا الطعام وهو قصعة كبيرة فيها الأرز وتدور بها صحاف فيها اللحم الخليع والدجاج والسمن والسمك.

ولما كان بالغد مضيت مع الناخودة وقاضي عيسى اليمني لزيارة زاوية في طرف الجزيرة عمرها الشيخ الصالح نجيب (٢٢٠) وعدنا ليلا ، وبعث الوزير إليّ صبيحة تلك الليلة كسوة وضيافة فيها الأرز والسمن والخليع ، وجوز النارجيل والعسل المصنوع منها وهم يسمونه القرباني، بضم القاف وسكون الراء وفتح الباء الموحدة والف ونون وياء ، ومعنى ذلك ماء السكر ، وأتو بمائة الف ودعة للنفقة.

__________________

(٢١٨) كانت هذه عادة عندهم للتشهير بالتكريم للرجال المهدي اليهم ، هذا ويوجد لهذا «العود» اسم خاص في العربية الفصحى : الموسعة.

(٢١٩) يظهر أنه هو نفسه الناخوذة الذي سماه ابن بطوطة قيل هذا بعمر.

(٢٢٠) زاوية الشيخ نجيب توجيد في منطقة لونوزيارLonu Ziyare بالعاصمة مالي MALE. كانت البناية شيدت ذكرى للشيخ ، لكنها اختفت اليوم ولعلها تحولت إلى مسجد.

ـ القرباني (Hakurpani) كلمة سينهالية ـ او انهاGurapanya من أهل سنكريتي ، وتعني ماء السكر الاسمر الغير المكرر.

٦٩

وبعد عشرة أيام قدم مركب من سيلان فيه فقراء من العرب والعجم يعرفونني ، فعرّفوا خدّام الوزير بأمري ، فزاد اغتباطا بي وبعث عني عند استهلال رمضان ، (٢٢١) فوجدت الأمراء والوزراء وأحضر الطعام في موائد ، يجتمع على المائدة طائفة ، فأجلسني الوزير إلى جانبه ومعه القاضي عيسى والوزير الفاملداري والوزير عمر دهرد ومعناه مقدم العسكر (٢٢٢) ، وطعامهم الأرز والدجاج والسمن والسمك والخليع والموز المطبوخ ، ويشربون بعده عسل النّارجيل مخلوطا بالأفاويه ، وهو يهضم الطعام.

وفي التاسع من رمضان مات صهر الوزير زوج بنته ، وكانت قبله عند السلطان شهاب الدين ولم يدخل بها أحد منهما لصغرها ، فردّها أبوها لداره ، وأعطاني دارها وهي من أجمل الدور ، واستأذنته في ضيافة الفقراء القادمين من زيارة القدم (٢٢٣) ، فأذن لي في ذلك ، وبعث إليّ خمسا من الغنم ، وهي عزيزة عندهم لأنها مجلوبة من المعبر والمليبار ومقدشو ، وبعث الأرز والدجاج والسمن والابازير ، فبعثت ذلك كلّه إلى دار الوزير سليمان مانايك (٢٢٤) ، فطبخ لي بها فأحسن في طبخه وزاد فيه ، وبعث الفرش وأواني النحاس ، وأفطرنا على العادة بدار السلطانة مع الوزير ، واستأذنته في حضور بعض الوزراء بتلك الضيافة ، فقال لي : وأنا أحضر أيضا فشكرته وانصرفت إلى داري ، فإذا به قد جاء ومعه الوزراء وأرباب الدولة ، فجلس في قبة خشب مرتفعة ، وكان كل من ياتي من الأمراء والوزراء يسلم على الوزير ويرمي بثوب غير مخيط حتى اجتمع مائة ثوب أو نحوها فأخذها الفقراء.

وقدّم الطعام فأكلوا ثم قرأ القراء بالأصوات الحسان ثم أخذوا في السماع والرّقص وأعددت النار فكان الفقراء يدخلونها ويطأونها بالأقدام ومنهم من يأكلها كما تؤكل الحلواء إلى أن خمدت!

ذكر بعض إحسان الوزير إلي

ولما تمت الليلة انصرف الوزير ومضيت معه فمررنا ببستان للمخزن ، فقال لي : هذا البستان لك ، وسأعمر لك فيه دارا لسكناك فشكرت فعله ، ودعوت له ثم بعث لي من الغد بجارية وقال لي خديمه : يقول لك الوزير إن أعجبتك هي لك وإلّا بعث لك جارية مرهتية ،

__________________

(٢٢١) كان مبدأ رمضان يوافق ١٦ يناير ١٣٤٤.

(٢٢٢) لم يضبط ابن بطوطة هذا العلم ، وكان ذلك على خلاف عادته ، فهل المقصود بيل داهرا أحد الوزراء الثلاثة ...

(٢٢٣) القصد إلى قدم ادم في سيلان ، على ما سيأتي.

(٢٢٤) المانايك يعني الاميرال.

٧٠

وكانت الجواري المرهتيات تعجبني ، فقلت له : إنما أريد المرهتية! فبعثها لي وكان اسمها قل استان ، ومعناه زهر البستان ، وكانت تعرف اللسان الفارسي فأعجبتني ، وأهل تلك الجزائر لهم لسان لم أكن أعرفه (٢٢٥) ، ثم بعث إلي في غد ذلك بجارية معبرية تسمى عنبري (٢٢٦).

ولمّا كانت الليلة بعدها جاء الوزير إليّ ، بعد العشاء الأخيرة ، في نفر من أصحابهفدخل الدار ومعه غلامان صغيران ، فسلمت عليه ، وسألني عن حالي فدعوت له وشكرته ، فألقى أحد الغلامين بين يديه لقشة وهي شبه السّبنيّة (٢٢٧) ، وأخرج منها ثياب حرير وحقّا فيه جوهر وحلي ، فأعطاني ذلك وقال لي : لو بعثته لك مع الجارية ، لقالت : هو مالي جئت به من دار مولاي والآن هو مالك فأعطه إياها! فدعوت له وشكرته وكان أهلا للشكر رحمه‌الله.

ذكر تغيره وما أردته من الخروج ومقامي بعد ذلك

وكان الوزير سليمان مانايك قد بعث إلي أن أتزوج بنته ، فبعثت إلى الوزير جمال الدين مستأذنا في ذلك فعاد إلي الرسول وقال : لم يعجبه ذلك ، وهو يحب أن يزوجك بنته إذا انقضت عدتها ، فأبيت أنا ذلك وخفت من شؤمها لأنه مات تحتها زوجان قبل الدخول! وأصابتني أثناء ذلك حمّى مرضت بها ، ولا بد لكل من يدخل تلك الجزيرة أن يحمّ(٢٢٨) ، فقوى عزمي على الرحلة عنها ، فبعث بعض الحلي بالودع ، واكتريت مركبا أسافر فيه لبنجالة.

فلما ذهبت لوداع الوزير خرج إليّ القاضي ، فقال : الوزير يقول لك : إن شئت السّفر فأعطنا ما أعطيناك وسافر! فقلت له : إن بعض الحلي اشتريت به الودع ، فشأنكم وإياه ، فعاد إلي فقال : يقول إنما أعطيناك الذهب ولم نعطك الودع! فقلت له : أنا أبيعه وأتيكم بالذهب ، فبعثت إلى التجار ليشتروه مني فأمرهم الوزير أن لا يفعلوا ، وقصده بذلك كله أن لا أسافر عنه!!

ثم بعث إلي أحد خواصه ، وقال : الوزير يقول لك : أقم عندنا ولك كل ما أحببت، فقلت في نفسي : أنا تحت حكمهم ، وإن لم أقم مختارا أقمت مضطرا فالإقامة باختياري أولى!

__________________

(٢٢٥) اللغة الوطنية الأساسية لمالديف الآن تدعى الديفيهية (Divehi) أما في الماضي فكانت هناك لغة الأيلو وهو اللفظ الذي كانت تعرف به اللغة السنهالية القديمة (لغة سريلانكا) واللغة السنسكريتية أيضا ، ومع دخول الاسلام إلى المالديف بواسطة أبي البركات المغربي تأثرت اللغة المالديفية باللغتين العربية والفارسية ... والجدير بالذكر أن اللغة الرسمية الآن للدولة هي الديفيهية. عن الوثائق الوطنية المالديفية.

(٢٢٦) تكثر تسمية الجواري بالعنبر على ما كان معروفا في المغرب في بداية القرن ...

(٢٢٧) لقشة أو بقشة وهو الصّواب كلمة فارسية : قطعة مربعة من الثوب توضع فيها الملابس وتسد من أطرافها الأربع تماما على نحو السبنية عندنا في المغرب نسبة إلى سبن محلة ببغداد تنسج فيها أزر سود للنساء ، كنما يقول القاموس. النعيمي : ألفاظ من رحلة ابن بطوطة ، مجلة المجمع العراقي.

(٢٢٨) يتعلق الامر بالحمى المعروفة هكذا بحمى مالديف التي تسمى (Male Ons) : لمة :(una) بالسنهالية تعني حمّى ،

٧١

وقالت لرسوله : نعم : أنا أقيم معه فعاد إليه ففرح بذلك واستدعاني ، فلما دخلت إليه ، قام إليّ وعانقني ، وقال : نحن نريد قربك وأنت تريد البعد عنّا! فاعتذرت له ، فقبل عذري ، وقلت له : إن أردتم مقامي فأنا أشترط عليكم شروطا ، فقال : نقبلها فاشترط ، فقلت له : أنا لا أستطيع المشي على قدمي ، ومن عادتهم أن لا يركب أحد هنالك إلا الوزير ، ولقد كنت لما أعطوني الفرس فركبته يتبعني الناس رجالا وصبيانا يعجبون مني حتى شكوت له ، فضربت الدّنقرة ، وبرّح في الناس أن لا يتبعني أحد ، والدّنقرة بضم الدال المهمل وسكون النون وضم القاف وفتح الراء شبه الطست من النحاس ، تضرب بحديدة فيسمع لها صوت على البعد ، فإذا ضربوها حينئذ يبرّح في الناس بما يراد ، فقال لي الوزير : إن أردت أن تركب الدولة وإلا فعندنا حصان ورمكة ، فاختر أيهما شئت ، فاخترت الرمكة ، فأتوني بها في تلك الساعة وأتوني بكسوة فقلت له : وكيف أصنع بالودع الذي اشتريته؟ فقال : ابعث أحد أصحابك ليبيعه لك ببنجالة ، فقلت له : على أن تبعث أنت من يعينه على ذلك ، فقال : نعم ، فبعثت حينئذ رفيقي أبا محمد بن فرحان ، وبعثوا معه رجلا يسمى الحاج عليّا، فاتفق أن هال البحر فرموا بكل ما عندهم حتى الزاد والماء والصاري والقريّة (٢٢٩)! وأقاموا ست عشرة ليلة لا قلع لهم ولا سكان ولا غيره ثم خرجوا إلى جزيرة سيلان بعد جوع وعطش وشدائد وقدم على صاحبي أبو محمد بعد سنة وقد زار القدم وزارها مرة ثانية معي.

ذكر العيد الذي شاهدته معهم.

ولما تم شهر رمضان بعث الوزير إلي بكسوة وخرجنا إلى المصلى ، وقد زينت الطريق التي يمر الوزير عليها من داره إلى المصلى وفرشت الثياب فيها وجعلت كتاتي الودع يمنة ويسرة، وكل من له على طريقه دار من الامراء والكبار قد غرس عندها النخل الصّغار من النارجيل وأشجار الفوفل والموز ، ومدّ من شجرة إلى أخرى شرائط ، وعلّق منها الجوز الأخضر ، ويقف صاحب الدار عند بابها فإذا مر الوزير رمى على رجليه ثوبا من الحرير أو القطن فيأخذها عبيده مع الودع الذي يجعل على طريقه أيضا ، والوزير ماش على قدميه وعليه فرجية مصرية من المرعز ، وعمامة كبيرة وهو متقلد فوطة حرير وفوق رأسه أربعة شطور ، وفي رجليه النّعل وجميع الناس سواه حفاة والأبواق والأنفار والأطبال بين يديه ، والعساكر أمامه وخلفه ، وجميعهم يكبّرون حتى أتوا المصلّى فخطب ولده بعد الصلاة ثم أتى بمحفة فركب فيها الوزير وخدم له الأمراء والوزراء ورموا بالثياب على العادة ، ولم يكن ركب في المحفة قبل ذلك لان ذلك لا يفعله إلا الملوك.

__________________

(٢٢٩) القرية على وزن الهدية (وليس القربة بالباء كما قرأه جميع الناشرين : عود يجعل في عرض الشراع من أعلاه (انظر لسان العرب ويرد ذكر القرية عند الحديث عن قطع الاسطول.

٧٢

ثم رفعه الرجال وركبت فرسي ودخلنا القصر فجلس بموضع مرتفع وعنده الوزراء والأمراء ووقف العبيد بالتّرسة والسيوف والعصى ، ثم أتى بالطعام ثمّ الفوفل والتنبول ثم أتى بصفحة صغيرة فيها الصندل المقاصرى (٢٣٠) ، فإذا أكلت جماعة من الناس تلطّخوا بالصندل.

ورأيت على بعض طعامهم يومئذ حوتا من السردين مملوحا غير مطبوخ ، أهدي لهم من كولم ، وهو ببلاد المليبار كثير ، فأخذ الوزير بسردينة وجعل يأكلها ، وقال لي : كل منه فإنه ليس ببلادنا! فقلت : كيف أكله وهو غير مطبوخ؟ فقال : إنه مطبوخ ، فقلت : أنا أعرف به فإنه ببلادي كثير!!

ذكر تزوجي وولايتي القضاء

وفي الثاني من شوال (٢٣١) اتفقت مع الوزير سليمان مانايك على تزوج بنته ، فبعث إلى الوزير جمال الدين أن يكون عقد النكاح بين يديه بالقصر فأجاب إلى ذلك ، وأحضر التّنبول على العادة والصندل ، وحضر الناس وأبطأ الوزير سليمان ، فاستدعي فلم يات ، ثم استدعي ثانية فاعتذر بمرض البنت ، فقال لي الوزير سرّا : إن بنته امتنعت وهي مالكة أمر نفسها ، والناس قد اجتمعوا فهل لك أن تتزوج بربيبة السلطانة زوجة أبيها وهي التي ولده متزوج بنتها؟ فقلت له : نعم ، فاستدعى القاضي والشهود ووقعت الشهادة ، ودفع الوزير الصداق ، ورفعت إليّ بعد أيام ، فكانت من خيار النساء ، وبلغ حسن معاشرتها أنها كانت إذا تزوجت عليها تطيّبني وتبخر أثوابي وهي ضاحكة لا يظهر عليها تغيّر (٢٣٢).

ولما تزوجتها أكرهني الوزير على القضاء وسبب ذلك اعتراضي على القاضي لكونه يأخذ العشر من التركات إذا قسمها على أربابها ، فقلت له : إنما لك أجرة تتفق بها مع الورثة ، ولم يكن يحسن شيئا ، فلما ولّيت اجتهدت جهدي في إقامة رسوم الشرع ، وليست هنالك خصومات كما هي ببلادنا! فأول ما غيرت من عوائد السوء مكث المطلقات في ديار المطلّقين ، وكانت إحداهن لا تزال في دار المطلّق حتى تتزوج غيره ، فحسمت علة ذلك ، وأوتى إليّ بنحو خمسة وعشرين رجلا ممن فعل ذلك فضربتهم وشهّرتهم بالأسواق وأخرجت النساء عنهن ثم اشتددت في إقامة الصلوات وأمرت الرجال بالمبادرة إلى الأزقة والأسواق إثر

__________________

(٢٣٠) حول الكتاتي ج كتّى انظر ج.IV ، ١٢٢ وحول المقاصري يراجع ج ٩١٣ ـ ٠٥٢ ,III

(٢٣١) هذا التاريخ يوافق ٦ يبراير ١٣٤٤.

(٢٣٢) أخطأ التراجمة عندما ترجموا (تزوجت عليها) بما يقتضي (تزوجت بها) المقدمة.

٧٣

صلاة الجمعة فمن وجدوه لم يصل ضربته وشهّرته ، وألزمت الأئمة والمؤذنين أصحاب المرتبات المواظبة على ما هم بسبيله ، وكتبت إلى جميع الجزائر بنحو ذلك وجهدت أن أكسو النساء فلم أقدر على ذلك!

ذكر قدوم الوزير عبد الله بن محمد الحضرمي الذي

نفاه السلطان شهاب الدين إلى السويد وما وقع بيني وبينه.

وكنت قد تزوجت ربيبته : بنت زوجته ، وأحببتها حبّا شديدا ، ولما بعث الوزير عنه وردّه إلى جزيرة المهل ، بعثت له التّحف وتلقيته ومضيت معه إلى القصر فسلّم على الوزير ، وأنزله في دار جيدة فكنت أزوره بها ، واتّفق أن اعتكفت في رمضان فزارني جميع الناس إلا وهو ، وزارني جمال الدين فدخل هو معه ، بحكم الموافقة ، فوقعت بيننا الوحشة فلما خرجت من الاعتكاف شكا إليّ أخوال زوجتي : ربيبته ، أولاد الوزير جمال الدين السنجري ، فإن أباهم أوصى عليهم الوزير عبد الله وأن مالهم باق بيده وقد خرجوا عن حجره بحكم الشرع وطلبوا إحضاره بمجلس الحكم.

وكانت عادتي إذا بعثت عن خصم من الخصوم أبعث له قطعة كاغد مكتوبة أو غير مكتوبة ، فعندما يقف عليها يبادر إلى مجلس الحكم الشرعي ، وإلّا عاقبته ، فبعثت إليه على العادة ، فأغضبه ذلك وحقدها لي ، وأضمر عداوتي ، ووكّل من يتكلّم عنه ، وبلغني عنه كلام قبيح!

وكانت عادة الناس من صغير وكبير أن يخدموا له كما يخدمون للوزير جمال الدين. وخدمتهم أن يوصلوا السبابة إلى الارض ثم يقبلونها ويضعونها على رؤوسهم ، فأمرت المنادي فنادى بدار السلطان على رؤوس الأشهاد أنه من خدم للوزير عبد الله كما يخدم للوزير الكبير لزمه العقاب الشديد ، وأخذت عليه أن لا يترك الناس لذلك ، فزادت عداوته.

وتزوجت أيضا زوجة أخرى بنت وزير معظم عندهم كان جده السلطان داود (٢٣٣) حفيد السلطان أحمد شنورازة ، ثم تزوجت زوجة كانت تحت السلطان شهاب الدين وعمرت ثلاث ديار بالبستان الذي أعطانيه الوزير وكانت الرابعة وهي ربيبة الوزير عبد الله تسكن في دارها. وهي أحبهن إليّ فلما صاهرت من ذكرته هابني الوزير وأهل الجزيرة وتخوفوا مني لأجل ضعفهم وسعوا بيني وبين الوزير بالنمائم وتولّى الوزير عبد الله كبر ذلك حتى تمكنت الوحشة.

__________________

(٢٣٣) السلطان داود من المحتمل أن يكون القصد إلى السلطان داود بن يوسف الذي تملّك من عام ٧٠١ ـ ٧٠٦ ـ ١٣٠١ ـ ١٣٠٦ والذي أشار إليه تاريخ مالديف.

٧٤

ذكر انفصالي عنهم وسبب ذلك.

واتفق في بعض الأيام أن عبدا من عبيد السلطان جلال الدين شكته زوجته إلى الوزير واعلمته أن عنده سرّية من سراري السلطان يزني بها ، فبعت الوزير الشهود ودخلوا دار السّرية فوجدوا الغلام نائما معها في فراش واحد وحبسوهما ، فلما أصبحت وعلمت بالخبر توجهت إلى المشور وجلست في موضع جلوسي ولم أتكلم في شيء من أمرها ، فخرج إليّ بعض الخواص ، فقال ، يقول لك الوزير ألك حاجة فقلت : لا! وكان قصده أن أتكلم في شأن السّرّية والغلام إذ كانت عادتي أن لا تقع قضية إلا حكمت فيها ، فلما وقع التغير والوحشة قصّرت في ذلك ، فانصرفت إلى داري بعد ذلك. وجلست بموضع الأحكام ، فإذا ببعض الوزراء ، فقال لي : الوزير يقول لك : إنه وقع البارحة كيت وكيت لقضية السّرية والغلام فاحكم فيهما بالشرع ، فقلت له : هذه قضية لا ينبغي أن يكون الحكم فيها الا بدار السلطان ، فعدت إليها ، واجتمع الناس وأحضرت السرية والغلام فأمرت بضربهما للخلوة ، وأطلقت سراح المرأة وحبست الغلام وانصرفت إلى داري ، فبعث الوزير إليّ جماعة من كبراء ناسه في شأن تسريح الغلام ، فقلت لهم : أتشفعون في غلام زنجيّ يهتك حرمة مولاه وأنتم بالأمس خلعتم السلطان شهاب الدين وقتلتموه بسبب دخوله لدار غلام له؟ وأمرت بالغلام عند ذلك فضرب بقضبان الخيزران وهي أشد وقعا من السياط وشهّرته بالجزيرة وفي عنقه حبل.

فذهبوا إلى الوزير فأعلموه ، فقام وقعد واستشاط غضبا وجمع الوزراء ووجوه العسكر وبعث عني فجئته وكانت عادتي أن أخدم له فلم أخدم. وقلت : سلام عليكم ثم قلت للحاضرين : اشهدوا عليّ أني قد عزلت نفسي عن القضاء لعجزي عنه! فكلمني الوزير فصعدت وجلست بموضع أقابله فيه وجاوبته أغلظ جواب ، وأذّن مؤذن المغرب ، فدخل إلى داره وهو يقول : ويقولون إنّي سلطان وها أنا ذا طلبته لأغضب عليه فغضب علي!

وإنما كان اعتزازي عليهم بسبب سلطان الهند لأنهم تحققوا مكانتي عنده وإن كانوا على بعد منه ، فخوفه في قلوبهم متمكّن ، فلما دخل إلى داره بعث إليّ القاضي المعزول وكان جرّيء اللسان ، فقال لي : إن مولانا يقول لك : كيف هتكت حرمته على رؤوس الأشهاد ولم تخدم له؟ فقلت له : إنما كنت أخدم له حين كان قلبي طيّبا عليه ، فلما وقع التغيّر تركت ذلك ، وتحية المسلمين إنما هي السلام (٢٣٤) ، وقد سلّمت! فبعثه إلي ثانية فقال: إنما غرضك السفر عنّا فأعط صدقات النساء وديون الناس وانصرف إذا شئت ، فخدمت له على هذا

__________________

(٢٣٤) يعني قول : السلام عليكم.

٧٥

القول ، وذهبت إلى داري فخلّصت ممّا علي من الدّين ، وكان قد أعطاني في تلك الايام فرش دار وجهازها من أواني نحاس وسواها وكان يعطيني كلّ ما أطلبه ويحبني ويكرمني ، ولكنه غيّر خاطره وخوّف مني! فلما عرف أني قد خلصت الدين وعزمت على السفر ندم على ما قاله وتلكأ في الإذن لي في السفر ، فحلفت بالأيمان المغلظة أن لا بدّ من سفري ونقلت ما عندي إلى مسجد على البحر وطلّقت إحدى الزوجات وكانت إحداهن حاملا فجعلت لها أجلا تسعة أشهر إن عدت فيها ، وإلا فأمرها بيدها ، وحملت معي زوجتي التي كانت امرأة السلطان شهاب الدين لأسلمها لأبيها بجزيرة ملوك (٢٣٥) ، وزوجتي الأولى التي بنتها أخت السلطانة ، وتوافقت مع الوزير عمر دهرد والوزير حسن ، قائد البحر على أن أمضي إلى بلاد المعبر ، وكان ملكها سلفي (٢٣٦) ، فاتى منها بالعساكر لترجع الجزائر إلى حكمه وأنوب عنه فيها وجعلت بيني وبينهم علامة رفع أعلام بيض في المراكب ، فإذا رأوها ثاروا في البر!!

ولم أكن حدثت نفسي بهذا قط حتى وقع ما وقع من التغيّر ، وكان الوزير خائفا مني، يقول للناس : لا بدّ لهذا أن يأخذ الوزارة ، إما في حياتي أو بعد موتي ، ويكثر السؤال عن حالي ، ويقول : سمعت أن ملك الهند بعث إليه الأموال ليثور بها عليّ ، وكان يخاف من سفري لئلا أتي بالجيوش من بلاد المعبر ، فبعث إليّ أن أقيم حتى يجهز لي مركبا فأبيت ، وشكت أخت السلطانة إليها بسفر أمها معي ، فأرادت منعها فلم تقدر على ذلك! فلما رأت عزمها على السفر قالت لها : إن جميع ما عندك من الحلي هو من مال البندر ، فإن كان لك شهود بأن جلال الدين وهبه لك وإلّا فردّيه! وكان حليا له خطر ، فردّته إليهم ، وأتاني الوزراء والوجوه وأنا بالمسجد وطلبوا مني الرجوع ، فقلت لهم : لو لا أني حلفت لعدت ، فقالوا : تذهب إلى بعض الجزائر ليبرّ قسمك وتعود ، فقلت لهم : نعم ، إرضاء لهم.

فلما كانت اللّيلة التي سافرت فيها أتيت لوداع الوزير فعانقني وبكى حتى قطرت دموعه على قدمي ، وبات تلك اللّيلة يحترس الجزيرة بنفسه خوفا أن يثور عليه أصهاري وأصحابي! ثم سافرت ووصلت إلى جزيرة الوزير عليّ ، فأصابت زوجتي أوجاع عظيمة وأحبت الرجوع ، فطلّقتها وتركتها هنالك ، وكتبت للوزير بذلك لانها أمّ زوجة ولده ، وطلقت التي كنت ضربت لها الأجل ، وبعثت عن جارية كنت أحبها ، وسرنا في تلك الجزائر من إقليم إلى إقليم!!

__________________

(٢٣٥) أنظر التعليق ١٦٤ جول جزيرة MALUKKU.

(٢٣٦) سلفي كما نقول في المغرب سليفي : أي متزوج أخت زوجتي ، هذا وقد كان ابن بطوطة سمّى الوزير حسن باسم سليمان ...

٧٦

ذكر النساء ذوات الثدي الواحد

وفي بعض تلك الجزائر رأيت امرأة لها ثدي واحد في صدرها ، ولها بنتان : إحداهما كمثلها ذات ثدي واحد والأخرى ذات ثديين إلا أن أحدهما كبير فيه اللبن والآخر صغير لا لبن فيه ، فعجبت من شأنهن!

ووصلنا إلى جزيرة من تلك الجزائر صغيرة ليس بها إلا دار واحدة فيها رجل جائك له زوجة وأولاد ونخيلات نارجيل ، وقارب صغير يصطاد فيه السمك ، ويسير به إلى حيث أراد من الجزائر ، وفي جزيرته أيضا شجيرات موز. ولم نر فيها من طيور البر غير غرابين خرجا إلينا لما وصلنا الجزيرة وطافا بمركبنا فغبطت ـ والله ـ ذلك الرجل ووددت أنّ لو كانت تلك الجزيرة لي فانقطعت فيها إلى أن ياتيني اليقين!

ثم وصلت إلى جزيرة ملّوك حيث المركب الذي للناخوذة إبراهيم وهو الذي عزمت على السفر فيه إلى المعبر فجاء اليّ ومعه أصحابه وأضافوني ضيافة حسنة ، وكان الوزير قد كتب لي أن أعطى بهذه الجزيرة مائة وعشرين بستورا (٢٣٧) من الكودة وهي الودع ، وعشرين قدحا من الأطوان وهو عسل النارجيل وعددا معلوما من التنبول والفوفل والسمك في كلّ يوم.

وأقمت بهذه الجزيرة سبعين يوما وتزوجت بها امرأتين ، وهي من أحسن الجزائر ، خضرة نضرة ، رأيت من عجائبها أن الغصن يقتطع من شجرها ويركز في الأرض أو الحائط فيورق ويصير شجرة ، ورأيت الرمان بها لا ينقطع ، له ثمر بطول السنة.

وخاف أهل هذه الجزيرة من الناخودة إبراهيم أن ينهبهم عند سفره فأرادوا امساك ما في مركبه من السلاح حتى يوم سفره ، فوقعت المشاجرة بسبب ذلك وعدنا إلى المهل ولم ندخلها ، وكتبت إلى الوزير معلما بذلك ، فكتب أن لا سبيل لأخذ السلاح ، وعدنا إلى ملوك وسافرنا منها في نصف ربيع الثاني عام خمسة وأربعين (٢٣٨) وفي شعبان من هذه السنة(٢٣٩) توفي الوزير جمال الدين رحمه‌الله ، وكانت السلطانة حاملا منه فولدت أثر وفاته ، وتزوجها الوزير عبد الله.

وسافرنا ، ولم يكن معنا رايس عارف ، ومسافة ما بين الجزائر والمعبر ثلاثة أيام ، فسرنا نحن تسعة أيام وفي التاسع منها خرجنا إلى جزيرة سيلان ، ورأينا جبل سرنديب

__________________

(٢٣٧) انظر ج.IV ـ ١٢٢ تعليق ١٨٩ ـ حول ظاهرة النّساء ذوات الثدي الواحد انظر المقدمة.

(٢٣٨) يوافق ٢٦ غشت ١٣٤٤ ، ويتعلق الأمر بالتاريخ الأول المضبوط الذي أعطاه منذ مغادرته لدهلي ، وعليه فإن الأحداث الواقعة بين هذين التاريخين تقتضي على الأقل سنة تكميلية.

(٢٣٩) توافق دجنبر ١٣٤٤ ، أنظر أيضا التعليق رقم ٢٠٢.

٧٧

فيها ذاهبا في السماء ، كأنه عمود دخان (٢٤٠) ، ولما وصلناها قال البحرية : إن هذا المرسى ليس في بلاد السلطان الذي يدخل التّجار إلى بلاده آمنين ، إنما هذا مرسى في بلاد السلطان أيري شكروتي ، وهو من العتاة المفسدين ، وله مراكب تقطع في البحر فخفنا أن ننزل بمرساه ، ثم اشتدت الريح فخفنا الغرق ، فقلت للناخودة : أنزلني إلى الساحل وأنا آخذ لك الأمان من هذا السلطان! ففعل ذلك وأنزلني بالساحل ، فأتانا الكفار ، فقالوا : ما أنتم؟ فأخبرتهم أني سلف سلطان المعبر وصاحبه ، جئت لزيارته ، وان الذي في المركب هدية له فذهبوا إلى سلطانهم فاعلموه بذلك فاستدعاني فذهبت له إلى مدينة بطّالة (٢٤١) ، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة والطاء المهمل وتشديدها ، وهي حضرته مدينة صغيرة حسنة عليها سور خشب وأبراج خشب وجميع سواحلها مملوءة بأعواد القرفة تاتي بها السيول فتجتمع بالساحل كأنها الرّوابي ويحملها أهل المعبر والمليبار دون ثمن إلا أنهم يهدون للسلطان في مقابلة ذلك الثوب ونحوه (٢٤٢)، وبين بلاد المعبر وهذه الجزيرة مسيرة يوم وليلة ، وبها أيضا

__________________

(٢٤٠) جبل سرنديب هو الذي يوجد فيه أثر قدم سيدنا أدم ، وسرنديب هو الاسم العربي الفارسي القديم لسيلان (المأخوذ من أصل سنسكري Sinhala divipa ثم عوّض بكلمة سيلان أو سيلون Ceylon. وقد كانت جزيرة سيلان على ذلك العهد موزعة على عدة مماليك مملكة التأميل في الشمال : مملكة جفنة وتمتد نحو الجنوب والساحل الغربي، و (مملكة سنهاله) التي كانت تتجه نحو وسط الجزيرة ـ أريا شكر فارتي (Arya Chakravarti) الذي يسميه ابن بطوطة : (أيري شكروتي) هو ملك للتاميل عرف عنه الشيء القليل وكان على قيد الحياة عام ٧٦٩ ـ ١٣٦٨ ... وفي تعليق لي بعنوان : (ابن بطوطة في سيريلانكا) بمناسبة حركات التاميل أكدت حضور الرحّالة المغربي في أثناء الاصطدامات التي كانت تنشب بين الفترة والأخرى بين مملكة (جفنة) التأميلية وبين مملكة سنهالة ، وهو ما يؤكد أن مذكرات ابن بطوطة على ما أسلفنا أصبحت حجة لاصول الخلافات الدّولية المطروحة اليوم!!

Vernon L. B. Mendis : Currents Of Asian History / Colombo ١٨٩١ P. ٢٧١ ـ ٢٨١ ـ ٧٣٣.

ـ د. التازي : ابن بطوطة في سيرلانكا ، جريدة العلم المغربية ، ٨ نونبر ١٩٨٨.

(٢٤١) بطّالة ، القصد إلى بوطالام (Puttalam) على الساحل الغربي الشمالي لجزيرة سيلان ... انظر الخريطة ...

(٢٤٢) كانت القرفة المنتوج الأساس الذي تصدره سيلان على ذلك العهد فقد كانت مطلوبة جدا في أوربا وكذلك في بلاد الشرق الاوسط ومن هنا قرأنا عند تتبع التاريخ الدولي للاسلام عن السفارة التي توجه بها العاهل السنهالي بهو فانيكا باهو الاول (BHUVANEKABAHU) (٦٨٣ ه‍ ١٢٨٤ م) إلى ملك مصر للاطمئنان على استمرار تزويد البلاد بهذا المنتوج من مملكة سنهالا. (يلاحظ ذكر اسم ملك مصر محرّفا) ـ مصدر سابق B. Mendis : Currents Of Asian History P. ٢٢٤ Stephane T. III P. ٥٥٢ Note ٢٤٢.

٧٨

من خشب البقّم كثير ، ومن العود الهندي المعروف بالكلخي إلا أنه ليس كالقماري والقاقلي(٢٤٣) وسنذكره.

ذكر سلطان سيلان

واسمه أيري شكروتي ، بفتح الهمزة وسكون الياء وكسر الراء ثم ياء وشين معجم مفتوح فكاف مثله وراء مسكنة وواو مفتوح وتاء معلوة مكسورة وياء ، وهو سلطان قوي في البحر، رأيت مرة وأنا بالمعبر مائة مركب من مراكبه بين صغار وكبار ، وصلت إلى هنالك ، وكانت بالمرسى ثمانية مراكب للسلطان برسم السفر إلى اليمن فأمر السلطان بالاستعداد وحشد الناس لحماية أجفانه ، فلما يئسوا من انتهاز الفرصة فيها قالوا : إنما جئنا في حماية مراكب لنا تسير أيضا إلى اليمن!

ولما دخلت على هذا السلطان الكافر قام إلي وأجلسني إلى جانبه وكلّمني بأحسن كلام ، وقال : ينزل أصحابك على الأمان ويكونون في ضيافتي إلى أن يسافروا ، فإن سلطان المعبر بيني وبينه الصحبة ، ثم أمر بإنزالي ، فأقمت عنده ثلاثة أيام في إكرام عظيم متزيّد في كل يوم ، وكان يفهم اللّسان الفارسي ، ويعجبه ما أحدثه به عن الملوك والبلاد.

ودخلت عليه يوما وعنده جواهر كثيرة أتى بها من مغاص الجوهر الذي ببلاده ، وأصحابه يميزون النفيس منها من غيره ، فقال لي : هل رأيت مغاص الجوهر في البلاد التي جئت منها؟ فقلت له : نعم ، رأيته بجزيرة قيس ، وجزيرة كشم التي لابن السّواملي (٢٤٤) ، فقال: سمعت بها ، ثم أخذ حبات منه فقال : أيكون في تلك الجزيرة مثل هذه؟ فقلت له: رأيت ما هو دونها ، فأعجبه ذلك! وقال : هي لك ، وقال لي : لا تستحي واطلب مني ما شئت ، فقلت له : ليس مرادي منذ وصلت هذه الجزيرة إلا زيارة القدم الكريمة : قدم أدم عليه

__________________

(٢٤٣) يتعلق الامر بعود البخور (Bois D\'Aloes) الذي يعرفه المغاربة جيّدا ، والذي يعرف برائحته الطيبة، وهو في الأصل إفرازة من :(Aloexylum Agallochum) أو (CAY DO) ناتجة عن مرض! ويستورد من آسيا الجنوبية الشرقية ، وقد نص بعضهم على نوعية العود القماري والعود القاقلي رابطا الاتّصال بين قمارة (الكامبودج) وبين قاقلة (ماليزيا) انظر ج.IV ـ ٢٤٠ هذا وان تسمية الكلخي يحتمل أنها آتية من الكلمة الاغريقية ((Agalocon؟ يراجع IV ، ٢٤٢.

(٢٤٤) أولا ينبغي قراءة كشم بدل كش وهو ما يوجد في مخطوطة ٢٣٩٩ ـ عز الدين عبد العزيز بن ابراهيم السواملي ، خلف والده كسيّد على جزره : قيس والبحرين وكشم (Kishm) على ضفاف الخليج الفارسي حوالي ٧١٠ ـ ١٣١٠ ـ ممتلكات هذا السيد ستؤول إلى قطب الدين تهمتن سلطان هرمز الذي احتلّها بين الزيارة الأولى والثانية لابن بطوطة لهذه الجزيرة ـ حول جزيرة قيس يراجع ج II ، ٢٣٧ ـ ٢٤٤.

٧٩

السلام يسمّونه : بابا ، ويسمون حواء ماما (٢٤٥) ، فقال : هذا هيّن! نبعث معك من يوصلك ، فقلت : ذلك أريد ، ثم قلت له : وهذا المركب الذي جئت فيه يسافر آمنا إلى المعبر وإذا عدت أنا بعثتني في مراكبك ، فقال : نعم.

فلما ذكرت ذلك لصاحب المركب قال لي : لا أسافر حتى تعود ولو أقمت سنة بسببك، فأخبرت السلطان بذلك ، فقال : يقيم في ضيافتي حتى تعود ، فأعطاني دولة يحملها عبيده على أعناقهم ، وبعث معي أربعة من الجوكية الذين عادتهم السفر كلّ عام إلى زيارة القدم، وثلاثة من البراهمة ، وعشرة من سائر أصحابه وخمسة عشر رجلا يحملون الزاد ، وأما الماء فهو بتلك الطريق كثير.

ونزلنا ذلك اليوم على واد جزناه في معدية مصنوعة من قصب الخيزران ، ثم رحلنا من هنالك إلى منار مندلي ، وضبط ذلك بفتح الميم والنون وألف وراء مسكّنة وميم مفتوح ونون مسكن ودال مفتوح ولام مكسور وياء ، مدينة حسنة هي آخر عمالة السلطان (٢٤٦) ، أضافنا أهلها ضيافة حسنة ، وضيافتهم عجول الجواميس يصطادونها بغابة هنالك يأتون بها أحياء ويأتون بالارز والسمن والحوت والدجاج واللبن.

ولم نر بهذه المدينة مسلما غير رجل خراساني انقطع بسبب مرضه فسافر معنا ، ورحلنا إلى بندر سلاوات (٢٤٧) ، وضبطه بفتح الباء الموحدة وسكون النون وفتح الدال المهمل وسكون الراء وفتح السين المهمل واللام والواو ، والف وتاء معلوة ، بلدة صغيرة ، وسافرنا منها في أوعار كثيرة المياه ، وبها الفيلة الكثيرة إلا أنها لا تؤذي الزوار والغرباء وذلك ببركة الشيخ أبي عبد الله بن خفيف ، رحمه‌الله ، وهو أول من فتح هذا الطريق إلى زيارة القدم ، وكان هؤلاء الكفار يمنعون المسلمين من ذلك ويؤذونهم ولا يؤاكلونهم ولا يبايعونهم ، فلما اتفق للشيخ أبي عبد الله ما ذكرناه في السّفر الأول (٤) من قتل الفيلة لأصحابه وسلامته من بينهم وحمل الفيل له على ظهره، صار الكفار من ذلك العهد يعظمون المسلمين ويدخلونهم دورهم ويطعمون معهم ، ويطمئنون لهم بأهلهم وأولادهم ، وهم إلى الآن يعظمون الشيخ المذكور أشدّ تعظيم ويسمونه الشيخ الكبير.

__________________

(٢٤٥) يعني آدم وحواء.

(٢٤٦) منّار مندلي (Minnari Mandel) ، وتقع على طرف لسان شمال بوطّالم (Puttalam) على بعد نحو عشرة أميال ...

(٢٤٧) القصد إلى (Chilam) دائما في اتجاه الجنوب على الساحل.

(٢٤٨) انظر ج. ٤٩١ ـ ٧٩ ـ ٨٠ ـ ٨٢ ـ هذا وما يزال هذا التعاطف ظاهرا إلى اليوم حيث نجد أن السكان يساعدون التجار العرب ويؤثرونهم على إخوتهم التّجار البوذيين في الصين! وقد ترجم بيكينگام السّفر الأول بكسر السين على انه السفر الثاني (بفتح السين ـ انظر التعليق ١٧٠).

٨٠