رحلة ابن بطوطة - ج ٤

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٤

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-010-9
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٣٥١

ومدينة هيلي معظمة عند المسلمين والكفّار بسبب مسجدها الجامع ، فإنه عظيم البركة مشرق النور (١٠٣) ، وركاب البحر ينذرون له النذور الكثيرة ، وله خزانة مال عظيمة تحت نظر الخطيب حسين ، وحسن الوزان كبير المسلمين وبهذا المسجد جماعة من الطلبة يتعلمون العلم ولهم مرتبات من مال المسجد ، وله مطبخة يصنع فيها الطعام للوارد والصادر ولإطعام الفقراء من المسلمين بها.

ولقيت بهذا المسجد فقيها صالحا من أهل مقدشو (١٠٤) يسمى سعيدا ، حسن اللقاء والخلق يسرد الصوم ، وذكر لي أنه جاور بمكة أربع عشرة سنة ومثلها بالمدينة وأدرك الأمير بمكة أبا نمّى (١٠٥) ، والامير بالمدينة منصور بن جمّاز وسافر في بلاد الهند والصين.

ثم سافرنا من هلي إلى مدينة جرفتّن (١٠٦) ، وضبط اسمها بضم الجيم وسكون الراء وفتح الفاء وفتح التاء المعلوة وتشديدها وآخره نون ، وبينها وبين هيلي ثلاثة فراسخ ، ولقيت بها فقيها من اهل بغداد كبير القدر يعرف بالصّرصرى (١٠٧) نسبة إلى بلدة على مسافة عشرة أميال من بغداد في طريق الكوفة ، واسمها كإسم صرصر التي عندنا بالمغرب ، وكان له أخ بهذه المدينة كثير المال له أولاد صغار أوصى إليه بهم ، وتركته آخذا في حملهم إلى بغداد ،

__________________

(١٠٣) يرجع أصل دول المعبر إلى جد واحد شيرومان بيرومال (Cheruman Perumal) الذي اعتنق الاسلام ... ثم قام بأداء مناسك الحج حيث أدركه أجله في مكة ، وقبل وفاته بعث برسول من الغز هو دينار مالك ت ٥٩١ ـ ١١٩٥ ليحمل المواطنين على اعتناق الإسلام ، فزار دينار الجزر الكبرى لبلاد المعبر وقام ـ رحمه‌الله ـ ببناء عدد من المساجد كان منها مسجد مدايي (MADAYI) أحد المساجد الثلاثة المعروفة هناك ، هذا المسجد الذي يحمل دائما كتاريخ للبناء عام ٥١٨ ـ ١١٢٤ ويتفق في أغلب الظن مع المسجد الذي ذكره ابن بطوطة. هذا ونذكر هنا أن القصد إلى دينار ملك وليس إلى مالك ابن دينار كما ورد عند الشيخ أحمد زين الدين المعبري المليباري المتوفى بعد ٩٩١ ـ في تاليف تحفة المجاهديين في أحوال البرتغاليين ، تقديم وتحقيق وتعليق محمد سعيد الطريحي ، ص ٢٢٦ ـ ٢٢٨ دائرة المعارف الاسلامية مادة دينار مالك. د. التازي : رسالة إلى محمد سعيد الطّريحي مجلة (الموسم) العدد ٣٦٩ ـ أكاديمية الكوفة ـ هولاندا.

(١٠٤) حول مقدشو ـ ج II ١٨٠ ـ ١٩١.

(١٠٥) حول أبي نمى ، أنظر ج I ، ٣٦٠.

(١٠٦) لعل القصد بجرفتّن إلى كنانورCANNANORE التي يقول عنها وارثيما (WARTHEMA) في بداية القرن السادس عشر : إنّه بمينائها يتم انزال الخيول التي يؤتى بها من بلاد فارس ... انظر الخريطة وانظر ما نقله BEKINGHAM عن يول ومزيك وگيب ج IV ، ٨١٠ تعليق ٣٦.

(١٠٧) أول المراحل من بغداد نهر صرصر ، وعليه مدينة صرصر ، تجري فيه السفن ، وبين مدينة صرصر وبغداد تسعة أميال ، وهي مدينة عامرة ... ولها جسر من مراكب يعبر الناس عليه" ـ الادريسي : نزهة المشتاق ، طبعة نابولي ، ج ٦ ، ص ٦٦٨ أما صرصر المغرب فهو جبل : أنظر كتاب (المشترك وضعا والمفترق صقعا) لياقوت الحموي (ت ٦٢٦) ص ٢٨٢ (De Wustenfeld).

٤١

وعادة اهل الهند كعادة السودان لا يتعرضون لمال الميّت ولو ترك الآلاف ، وإنما يبقى ماله بيد كبير المسلمين حتى يأخذه مستحقه شرعا.

ذكر سلطانها

وهو يسمى بكويل (١٠٨) ، بضم الكاف ، على لفظ التصغير وهو من أكبر سلاطين المليبار ، وله مراكب كثيرة تسافر إلى عمان وفارس واليمن ، ومن بلاده ده فتّن وبد فتّن وسنذكرهما.

وسرنا من جرفتّن إلى مدينة ده فتّن (١٠٩) ، بفتح الدال المهمل وسكون الهاء ، وقد ذكرنا ضبط فتّن ، وهي مدينة كبيرة على خور كثيرة البساتين ، وبها النارجيل والفلفل والفوفل والتنبول، وبها القلقاص (١١٠) الكثير ، ويطبخون به اللحم ، وأمّا الموز فلم أر في البلاد أكثر منه بها ولا أرخص ثمنا.

وفيها البائن (١١١) الأعظم طوله خمسمائة خطوة وعرضه ثلاثمائة خطوة وهو مطوى بالحجارة الحمر المنحوتة وعلى جوانبه ثمان وعشرون قبة من الحجر ، في كل قبة أربع مجالس من الحجر ، وكل قبة يصعد إليها على درج حجارة ، وفي وسطه قبّة كبيرة من ثلاث طبقات في كلّ طبقة أربع مجالس.

وذكر لي أن والد هذا السلطان كويل هو الذي عمر هذا البائن ، وبإزائه مسجد جامع للمسلمين وله أدراج ينزل منها اليه فيتوضأ منه الناس ويغتسلون ، وحدثني الفقيه حسين أن

__________________

(١٠٨) هذه المملكة الأولى للمليبار التي تبتدىء من الشمال والتي هي نفس هيلي عند ماركوبولو وهي بالذات مملكة آل كولاتري (KOLLATIRI) إحدى العائلات القوية في الساحل ، وبما أننا لا نتوفر على لائحة للملوك الذين تعاقبوا على الحكم هناك فإننا لا نستطيع أن نتعرف على اسم السلطان الذي كان يحكم أثناء مرور ابن بطوطة. هذا ونذكر مرة أخرى بأن اللقلب الذي كان يعرف به الحاكمون لبلاد المعبر هو لقب السامري :(Le Zamorin).

(١٠٩) هذه المدينة عرفت ب فالارباطّانام (VALARPATTANAM) التي توجد ، مع ذلك ، على بعد خمسة أميال شمال كانّانور على الساحل الجنوبي للوادي الذي يحمل نفس الاسم.

(١١٠) القلقاص ويرسمه ابن البيطار بالسين في كتاب الجامع لمفردات الأدوية والأغذية أروم كولوكازيا ـ (ARUMCOLOCASIA) : نبات تستعمل أوراقه اللينة كخضرة في الطعام ...

(١١١) البائن أو (WAIIN) يعني الصهريج وقد ورد في ترجمة الامبراطور بابور (BABUR) في القرن الخامس عشر بقلمه : «بنيت بئرا واسعا مغطّى ، مقياسه عشرة على عشرة بدرج في داخله ، معروف تحت اسم واين (WA\'IN) ، "

٤٢

الذي عمر المسجد والبائن أيضا هو أحد أجداد كويل وأنه كان مسلما (١١٢) ولإسلامه خبر عجيب ، نذكره.

ذكر الشجرة العجيبة الشأن التي بإزاء الجامع

ورأيت إزاء الجامع شجرة خضراء ناعمة تشبه أوراقها أوراق التين إلا أنها لينة وعليها حائط يطيف بها ، وعندها محراب صليت فيه ركعتين ، واسم هذه الشجرة عندهم درخت الشهادة ، ودرخت بفتح الدال المهمل والراء وسكون الخاء المعجم وتاء معلوة ، وأخبرت هنالك أنه إذا كان زمان الخريف من كل سنة تسقط من هذه الشجرة ورقة واحدة بعد أن يستحيل لونها إلى الصفرة ، ثم إلى الحمرة ويكون فيها مكتوبا بقلم القدرة (لا إلاه إلا الله محمد رسول الله) ، وأخبرني الفقيه حسين وجماعة من الثقات أنهم عاينوا هذه الورقة ، وقرأوا المكتوب الذي فيها ، وأخبرني أنه إذا كانت أيام سقوطها قعد تحتها الثقات من المسلمين والكفار ، فإذا سقطت أخذ المسلمون نصفها ، وجعل نصفها في خزانة السلطان الكافر ، وهم يستشفون بها للمرضى.

وهذه (١١٣) الشجرة كانت سبب إسلام جد كويل الذي عمّر المسجد والبائن فانه كان يقرأ الخط العربي فلما قرأها ، وفهم ما فيها أسلم وحسن إسلامه ، وحكايته عندهم متواترة. وحدثني الفقيه حسين أن أحد أولاده كفر بعد أبيه وطغى وأمر باقتلاع الشجرة من أصلها فاقتلعت ولم يترك لها أثر ، ثم إنها نبتت بعد ذلك وعادت كأحسن ما كانت عليه وهلك الكافر سريعا.

ثم سافرنا إلى مدينة بدفتّن (١١٤) ، وهي مدينة كبيرة على خور كبير وبخارجها مسجد بمقربة من البحر يأوي اليه غرباء المسلمين لانه لا مسلم بهذه المدينة ، ومرساها من

__________________

(١١٢) يتعلّق الأمر ، على ما يظهر بأحد المساجد التي بناها دينار مالك والذي يوجد إلى الآن.

انظر تاليف الشيخ أحمد ابن زين الدين المعبري المليباري المتوفى بعد سنة ٩٩١ ه‍ : تحفة المجاهدين في أحوال البرتغاليين ، سالف الذكر.

(١١٣) تتحدث (مالاباركازيتير (MALABAR GAZETTEER) عن حالات علاج بالسحر بواسطة نقوش رسمت على أوراق التنبول ، وهناك أسطورة تتعلق بشجرة ذات كرامات توجد في جبل ديلي (DELLY) سالف الذكر والأسطورة ظلت تتردد إلى أواخر القرن التاسع عشر.

(١١٤) بدفتّن هي : دارمابّاطّانام (DARMAPATTANAM) (مكان الرحمة) الموجودة على جزيرة كوّنها التقاء مجاري نهر تيلّيشيري (TELLICHERRY) ونهر أنجاراكاندي (ANJARAKANDI) ، شمال مدينة ثيليشيرّي (TELLICHERRY) ، وحسب ما ورد في أقوال ابن بطوطة فإن هذه المدينة يظهر أنها أيضا كانت ملكا في تلك الفترة لال كولّاتّيري (KOLLAttIRI) بيد أن أطراف البلاد كانت تكون مملكة كوطايام (KOTTAYAM) التي سيصبح لها فيما بعد منفذ على البحر عن طريق هذه المدينة: دارماباطام (DARMAPATTAM). المسجد المتحدث عنه لا شك وأنه كذلك من المساجد التي بناها دينار مالك ، ولكنه لا يوجد له أثر الآن ... يراجع التعليق ١٠٣.

٤٣

أحسن المراسي وماؤها عذب ، والفوفل بها كثير ومنها يحمل للهند والصين وأكثر أهلها براهمة وهم معظمون عند الكفار مبغضون في المسلمين ولذلك ليس بينهم مسلم.

حكاية [مسجد بدفتّن]

أخبرت أن سبب تركهم هذا المسجد غير مهدوم أن أحد البراهمة خرب سقفه ليصنع منه سقفا لبيته فاشتعلت النار في بيته فاحترق هو وأولاده ومتاعه! فاحترموا هذا المسجد ولم يعرضوا له بسوء بعدها وخدموه وجعلوا بخارجه الماء يشرب منه الصادر والوارد ، وجعلوا على بابه شبكة لئلا يدخله الطير.

ثم سافرنا من المدينة بدفتّن إلى مدينة فندرينا (١١٥) ، وضبط اسمها بفاء مفتوح ونون ساكن ودال مهمل وراء مفتوحين وياء آخر الحروف ، مدينة كبيرة حسنة ذات بساتين وأسواق، وبها للمسلمين ثلاث محلات ، في كل محلة مسجد ، والجامع بها على الساحل وهو عجيب له مناظر ومجالس على البحر ، وقاضيها وخطيبها رجل من أهل عمان وله أخ فاضل ، وبهذه البلدة تشتو مراكب الصين ...

ثم سافرنا منها إلى مدينة قالقوط (١١٦) ، وضبط اسمها بقافين وكسر اللام وضم

__________________

(١١٥) فندرينا هي (Pantalayini) پانطالاييني الحالية وهي لافلاندريناLa flandrina التي زارها أودريك دوبّوردونون في نفس الفترة التي زارها ابن بطوطة ، هذا ويلاحظ أن ابن بطوطة قام ابتداء من دار مابّاطّانام بطفرة تخطّى فيها ٤٠ ك. م. مكنته من أن يتجاوز مملكتين : مملكة إيروفاليناد (Iruvalinad)، بين تيليشيري (Tellichery) وما هي (Mahe) حيث ستنشأ الوكالة التجارية الفرنسية فيما بعد ، ومملكة كاداطّانادKadattanad بين أودية ماهي (MAHE) وكوطّا (Kotta) حيث كان المركز هو باداگارا (BADAGARA). بيد أنه لا يعرف تاريخ لميلاد هاتين المملكتين اللتين ظلتا خاضعتين ل كولّاتيري (Kollatiri). يمكن أن يكون ذلك تمّ بعد مرور ابن بطوطة. بانطالايني مقرّ المملكة القديمة پاياناد (Payanad) ، كانت جزءا من هذه الفترة تابعا لممتلكات السامريين (Les Zamorins) حكام قالقوط. المسجد الرئيسي هو من مؤسسات دينار مالك وليس مالك بن دينار. انظر دائرة المعارف الاسلامية دينار مالك وانظر التعليق السابق رقم ١٠٣ ـ ١١٢ ـ ١١٤.

(١١٦) قالقوط يعتبر ميناؤها أكثر أهمية في شمال المليبار بين بانطالاييني (Pantalayini) وكولم. وهناك مملكتان أخريان تابعتان للسامري صاحب قاليقوط ، يحتلان أطراف البلاد : بّايورمالا (Payormala) وكورمبراناد :(Kuru M Branad). هذا وعن وصول البرتغاليين في حملتهم الثانية إلى كاليكوت التي كانت أهمّ موانى المليبار قال ابن ماجد:

وجالكا ليكوت خذ ذي الفائدة

لعام تسعة وستّ زائدة

وباع فيها واشترى وحكما

والسامري برطله؟ وظلما

وصار فيها مبغض الاسلام

والناس في خوف وفي اهتمام

وانقطع المكي عن أرض السامري

وشدّ جردفون للمسافر

وهو الذي قد قهر المغاربة

واندلس في حكمه مناسب!!

ذ. التازي : ابن ماجد والبرتغال : محلة البحث العلمي العدد ٣٦ ، ١٤٠٦ ـ ١٩٨٦.

٤٤

القاف الثاني وآخره طاء مهمل ، وهي إحدى البنادر العظام ببلاد المليبار ، يقصدها أهل الصين والجاوة ، وسيلان ، والمهل ، وأهل اليمن وفارس ويجتمع بها تجار الآفاق. ومرساها من أعظم مراسي الدنيا (١١٧).

ذكر سلطانها

وسلطانها كافر يعرف بالسّامري (١١٨) شيخ السّن ، يحلق لحيته كما يفعل طائفة من الروم ، رأيته بها ، وسنذكره إن شاء الله ، وأمير التجار بها إبراهيم شاه بندر (١١٩) من أهل البحرين فاضل ذو مكارم يجتمع اليه التجار ويأكلون في سماطه ، وقاضيها فخر الدين عثمان فاضل كريم ، وصاحب الزاوية بها الشيخ شهاب الدين الكازروني ، وله تعطى النّذور التي ينذر بها أهل الهند والصين للشيخ أبي إسحاق الكازروني (١٢٠) ، نفع الله به ، وبهذه المدينة الناخودة مثقال الشهير الاسم صاحب الأموال الطائلة والمراكب الكثيرة لتجارته بالهند والصين واليمن وفارس ، ولمّا وصلنا إلى هذه المدينة خرج إلينا إبراهيم شاه بندر ، والقاضي والشيخ شهاب الدين وكبار التجار ونائب السلطان الكافر المسمّى بقلاج ، بضم القاف وآخره جيم ، ومعهم الأطبال والانفار والأبواق والأعلام في مراكبهم ، ودخلنا المرسى في بروز عظيم ما رأيت مثله بتلك البلاد ، فكانت فرحة تتبعها ترحة ، وأقمنا بمرساها وبه يومئذ ثلاثة عشر من مراكب الصين ، ونزلنا بالمدينة وجعل كل واحد منا في دار ، وأقمنا ننتظر زمان السفر إلى

__________________

(١١٧) ورد وصف وارثيما (Warthema) للمدينة بأن البحر يرتطم على منازلها ، وأنه لا يوجد فيها ميناء ، بيد أن هناك واديا عند مدخل البحر ...

(١١٨) السّامري ما يسميه البرتغاليون (Le Zamorin) ، ربما كانت الكلمة آتية من أصل مالوي ، Samutisi : ملك البحر ، لقب ـ كما أشرنا ـ يحمله السلاطين الاكثر أهمية في المليبار ، الحكم كان يتعاقب فيما بين الاخوة ، وتنتقل السلطة إلى أول ولد من الاخت الكبرى كما قلناه سابقا (أنظر التعليق ٩٢). هذا وأما السامري في القرآن الكريم (سورة طه ٨٥ / ٨٧ ـ ٩٥) فالقصد إلى رجل ينتمي إلى السامرة : أجدى قبائل بني إسرائيل من قوم موسى فتن قوم موسى أثناء غيبته وصنع لهم عجلا تصدر منه اصوات غريبة بفعل الرياح ودعاهم إلى عبادته فعبدوه ولما رجع موسى كشف عن حيلته ونفاه. مجمع اللغة العربية (القاهرة) : معجم ألفاظ القرآن ١٤٠٩ ـ ١٤٨٩.

(١١٩) شاه بندر يعني رئيس الميناء. على نحو النواتية (Navaiyats) في كانارا (Kanara) (أنظر تعليق ٨٦) ، آل مابّيلا (Mappila) ـ وهم مسلمون ، وغالبا ما يكونون عربا مولّدين من أصل هندي ـ هم الذين يهيمنون شيئا فشيئا على القوة الاقتصادية في المليبار. عائلة علي رجا تبوأت الحكم في كانّنورCannanore ابتداء من القرن السادس عشر.

(١٢٠) حول الكازروني ـ انظر ج II ٨٩.

٤٥

الصين ثلاثة أشهر ونحن في ضيافة الكافر (١٢١) ، وبحر الصين لا يسافر فيه الا بمراكب الصين ولنذكر تربيبها.

ذكر مراكب الصّين

ومراكب الصين ثلاثة أصناف : الكبار منها تسمى الجنوك ، واحدها جنك (١٢٣) ، بجيم معقود مضموم ونون ساكن ، والمتوسطة تسمى الزّو (١٢٣) ، بفتح الزاي وواو ، والصغار يسمّى أحدها الككم ، (١٢٤) بكافين مفتوحين ، ويكون في المركب الكبير منها اثنى عشر قلعا فما دونها إلى ثلاثة ، وقلعها من قضبان الخيزران منسوجة كالحصر ، لا تحطّ ابدا ويديرونها بحسب دوران الريح ، وإذا أرسوا تركوها واقفة في مهب الريح.

ويخدم في المركب منها ألف رجل منهم : البحرية ستمائة ومنهم أربعمائة من المقاتلة تكون فيهم الرماة وأصحاب الدّرق والجرخية وهم الذين يرمون بالنفط ويتبع كل مركب كبير منها ثلاثة النصفى والثلثى والربعى ، ولا تصنع هذه المراكب الا بمدينة الزّيتون من الصين ، أو بصين كلان ، وهي صين الصين (١٢٥) ، وكيفية إنشائها أنهم يصنعون حائطين من الخشب يصلون ما بينهما بخشب ضخام جدا موصولة بالعرض والطول بمسامير ضخام ، طول المسمار منها ثلاث أذرع فإذا التأم الحائطان بهذا الخشب صنعوا على أعلاهما فرش المركب الأسفل ودفعوهما في البحر ، واتموا عمله وتبقى تلك الخشب والحائطان موالية للماء ، ينزلون إليها فيغتسلون ويقضون حاجتهم.

وعلى جوانب تلك الخشب تكون مجاذيفهم وهي كبار كالصواري يجتمع على أحدها العشرة والخمسة عشر رجلا ويجذفون وقوفا على أقدامهم ويجعلون للمراكب أربعة ظهور ،

__________________

(١٢١) كان على ابن بطوطة أن يصل إلى قالقوط حوالي أوائل جمادى الثانية ٧٤٢ منتصف نونبر ١٣٤١ ، وقد بقي في قالقوط إذن إلى منتصف يبراير ١٣٤٢ يعني إلى بداية شهر رمضان من عام ٧٤٢. هذا وينبغي أن نقف قليلا مع الحكمة التي ردّدها ابن بطوطة والتي تجري مجرى المثل : «بحر الصّين لا يسافر فيه الا بمراكب الصين»!

(١٢٢) جنك (JONQUE) أصل الكلمة من اللغة الجاوية جونك Djonk.

(١٢٣) الزّو ، من المحتمل أن تكون الكلمة من أصل صيني (SAO) أو (TSAO) وهي زاوو (DHAO) الحالية، أو (DHOW) ، التي تستعمل ابتداء من عدن إلى ماليزيا ، عبارة عن سفينة لها صاريان وشراعان مثلّثان في الشكل.

(١٢٤) الككم : الكلمة من أصل صيني هواهانگ Hoq ـ Hang ويقترح يول أن يكون ككم تحريفا لكلمة ايطالية قديمة كوكاCOcca. هذا وكلمة النفط من أصل فارسي ، مادّة قاريّة زفتية ...

(١٢٥) صين كلان أو صين الصين : Guangzhou (كانطون) على ما سنرى وقد زرتها عام ١٩٨٨ (IV ، ٢٥٦ ت ٣٦) انظر ملحق المراسلات ...

٤٦

ويكون فيه البيوت والمصاري (١٢٦) والغرف للتجار ، والمصرية منها يكون فيها البيوت والسنداس، وعليها المفتاح يسدها صاحبها ، ويحمل معه الجواري والنساء ، وربّما كان الرجل في مصريته فلا يعرف به غيره ممن يكون بالمركب حتى يتلاقيا إذا وصلا إلى بعض البلاد ، والبحرية يسكّنون فيها أولادهم ، ويزدرعون الخضر والبقول والزنجبيل في أحواض خشب.

ووكيل المركب كأنه أمير كبير ، وإذا نزل إلى البر مشت الرماة والحبشة بالحراب والسيوف والأطبال والأبواق والأنفار أمامه ، وإذا وصل إلى المنزل الذي يقيم به ركّزوا رماحهم عن جانبي بابه ولا يزالون كذلك مدة إقامته.

ومن أهل الصين من تكون له المراكب الكثيرة يبعث بها وكلاءه إلى البلاد ، وليس في الدنيا أكثر أموالا من أهل الصين.

ذكر أخذنا في السفر إلى الصين ومنتهى ذلك.

ولما حان وقت السفر إلى الصين جهّز لنا السلطان السامري جنكا من الجنوك الثلاث عشرة التي بمرسى قالقوط ، وكان وكيل الجنك يسمى بسليمان الصفدي الشامي ، وبيني وبينه معرفة ، فقلت له : أريد مصرية لا يشاركني فيها أحد لأجل الجواري ، ومن عادتي أن لا أسافر إلا بهن ، فقال لي : إن تجار الصين قد اكثروا المصاري ذاهبين وراجعين ، ولصهري مصرية أعطيكها لكنها لا سنداس فيها ، وعسى أن تمكن معاوضتها ، فأمرت أصحابي فأوسقوا ما عندي من المتاع ، وصعد العبيد والجواري إلى الجنك ، وذلك في يوم الخميس ، وأقمت لأصلي الجمعة وألحق بهم ، وصعد الملك سنبل وظهير الدين مع الهدية ، ثم إن فتى لي يسمّى بهلال أتاني غدوة الجمعة ، فقال : إن المصرية التي أخذنا بالجنك ضيقة لا تصلح ، فذكرت ذلك للنّاخودة فقال : ليست في ذلك حيلة ، فإن أحببت أن تكون في الككم ففيه المصاري على اختيارك ، فقلت : نعم ، وأمرت أصحابي فنقلوا الجواري والمتاع إلى الككم واستقروا به قبل صلاة الجمعة.

وعادة هذا البحر أن يشتد هيجانه كلّ يوم بعد العصر فلا يستطيع أحد ركوبه ، وكانت الجنوك قد سافرت ولم يبق منها إلا الذي فيه الهدية وجنك عزم أصحابه على أن يشتوا بفندرينا، والككم المذكور ، فبتنا ليلة السبت على الساحل لا نستطيع الصعود إلى الككم ولا

__________________

(١٢٦) المصاري جمع مصرية ، وهي في الاصطلاح المغربي دويرة صغيرة تكون ملحقة بالدّار الكبرى ، والكلمة نسبة إلى مصر لأن تصميمها الأول أخذه صاحبه ، على ما يظهر ، عن مصر على نحو «الصقلبية» في المغرب التي يأتي اسمها من الصقالبة الذين كانوا يسكنون بها ... السنداس في الاصطلاح المغربي يعني المرحاض وما أشبهه د. سليم النعيمي : ألفاظ من رحلة ابن بطوطة ، مجلة المجمع العلمي العراقي ١٩٧٤

٤٧

يستطيع من فيه النزول إلينا ، ولم يكن بقي معي إلا بساط أفترشه ، وأصبح الجنك والككم يوم السبت على بعد من المرسى ، ورمى البحر بالجنك الذي كان أهله يريدون فندرينا فتكسر ، ومات بعض أهله وسلم بعضهم.

وكانت فيه جارية لبعض التجار عزيزة عليه فرغب في إعطاء عشرة دنانير ذهبا لمن يخرجها وكانت قد التزمت خشبة في مؤخر الجنك فانتدب لذلك بعض البحرية الهرمزيين فأخرجها ، وأبى أن يأخذ الدنانير ، وقال : إنما فعلت ذلك لله تعالى ، ولما كان الليل رمى البحر بالجنك الذي كانت فيه الهدية فمات جميع من فيه! ونظرنا عند الصباح إلى مصارعهم ، ورأيت ظهير الدين قد انشق رأسه وتناثر دماغه ، والملك سنبل قد ضربه مسمار في أحد صدغيه ونفذ من الآخر ، وصلينا عليهما ودفنّاهما!!!

ورأيت (١٢٧) الكافر سلطان قالقوط ، وفي وسطه شقة بيضاء كبيرة قد لفّها من سرّته إلى ركبته ، وفي رأسه عمامة صغيرة وهو حافي القدمين ، والشطر بيد غلام فوق رأسه ، والنار توقد بين يديه في الساحل ، وزبانيته يضربون الناس لئلا ينتهبوا ما يرمي البحر.

وعادة بلاد المليبار أن كل ما انكسر من مركب يرجع ما يخرج منه للمخزن إلا في هذا البلد خاصة فان ذلك يأخذه أربابه ولذلك عمرت وكثر تردد الناس اليها (١٢٨). ولما رأى أهل الككم ما حدث على الجنك رفعوا قلعهم وذهبوا ومعهم جميع متاعي وغلماني وجواري، وبقيت منفردا على الساحل ليس معي إلا فتى كنت اعتقته ، فلما رأى ما حلّ بي ذهب عني! ولم يبق عندي إلا العشرة الدنانير التي أعطانيها الجوكي ، والبساط الذي كنت أفترشه ، وأخبرني الناس أن ذلك الككم لا بد له أن يدخل مرسى كولم فعزمت على السفر إليها وبينهما مسيرة عشر في البر أو في النهر أيضا لمن أراد ذلك ، فسافرت في النهر واكتريت رجلا من المسلمين يحمل لي البساط.

وعادتهم اذا سافروا في ذلك النهر أن ينزلوا بالعشى فيبيتوا بالقرى التي على حافتيه ، ثم يعودوا إلى المركب بالغدو فكنا نفعل ذلك ، ولم يكن بالمركب مسلم الا الذي اكتريته ، وكان يشرب الخمر عند الكفار إذا نزلنا ويعربد عليّ فيزيد تغيّر خاطري! ووصلنا

__________________

(١٢٧) ينبغي أن نقف قليلا مع هذه المحنة التي اعترضت طريق ابن بطوطة وهو في بداية مهمته الدبلوماسية حيث نراه يشاهد زميله ورفيقه في المهمة : ظهير الدين وقد انشقّ رأسه وتناثر دماغه والملك سنبل يضربه مسمار يدخل من أحد صدغيه ليخرج من الجهة الأخرى ، إنه طالع نحس لا يبشر بالخير ...!!

(١٢٨) يشير ابن بطوطة هنا إلى قاعدة أو مبدأ فقهي دوّلي نص عليه فقهاؤنا في مصنفاتهم ، ويتعلق الأمر بحماية تركة الأجنبي المتوفى. والطريف في استنتاج ابن بطوطة أنه يرى في هذا التشريع ما يشجع الناس على قصد تلك البلاد للاستثمار فيها! التازي ، التاريخ الدبلوماسي للمغرب ج ٥ ص ٢٣٥ تعليق ٣.

٤٨

في اليوم الخامس من سفرنا إلى كنجي كري ، وضبط اسمها بكاف مضموم ونون ساكن وجيم وياء مد وكاف مفتوح وراء مكسور وباء ، وهي بأعلى جبل هنالك يسكنها اليهود(٢٩) ولهم أمير منهم ويؤدون الجزية لسلطان كولم.

ذكر القرفة والبقّم

وجميع الأشجار التي على هذا النهر أشجار القرفة (١٣٠) والبقّم ، وهي حطبهم هنالك، ومنها كنا نقد النار لطبخ طعامنا في ذلك الطريق.

وفي اليوم العاشر وصلنا إلى مدينة كولم (١٣١) وضبط اسمها بفتح الكاف واللام وبينهما واو ، وهي أحسن بلاد المليبار ، وأسواقها حسان ، وتجّارها يعرفون بالصّوليين (١٣٢) بضم الصاد، ولهم أموال عريضة ، يشتري أحدهم المركب بما فيه ويوسقه من داره بالسلع ، وبها من التجار المسلمين جماعة ، كبيرهم علاء الدين الأوجي من أهل أوه ، من بلاد العراق (١٣٣) ، وهو رافضي ومعه أصحاب له على مذهبه ، وهم يظهرون ذلك ، وقاضيها فاضل من أهل قزوين(١٣٤) ، وكبير المسلمين بها محمد شاه بندر ، وله أخ فاضل كريم اسمه تقي الدين ، والمسجد الجامع بها عجيب عمّره التاجر خواجة مهذّب (١٣٥). وهذه المدينة أول ما يوالي الصين من بلاد المليبار ، وإليها يسافر أكثرهم والمسلمون بها أعزة محترمون.

__________________

(١٢٩) عن الجاليات اليهودية في كيرالا يراجع كتاب J. B. Segal : A History of The Jews of cochin, London ٣٩٩١. حيث يقول الأستاذ سيگال : من المعقول أن تحدد مع قسم من الوادي الذي يحمل اسم كانجيرابّوزها في شرق جزيرة شينّمنگلام Chennamangalam حيث كان هناك اقدم استقرار لليهود ...

(١٣٠) يتعلق الأمر بالقرفة البرية في بلاد المعبر وهي من نوعية أقل جودة من القرفة التي توجد في سيلان ـ والبقّم: الشجر المعروف بشجر البرازيل (BRAZIL). فعلا هو شجر من إمريكا الوسطى يحتوي خشبه على مادة ملونة تستعمل في الصباغة ... وقد تحدث عنه كذلك ماركوپولو.

(١٣١) كولم هي التي تحمل عند الغرب اسم qUILON : مدينة نعتت أيضا من لدن ماركوبولو على أنها مهمة، وكذلك عند فارثيماVarthema وباربوزاBabosa.

(١٣٢) الصّوليون (CHulia) هو الاسم الذي أعطى سواء في سيلان أو في بلاد المعبر (المليبار) للمسلمين الشيعة ولا ندرى أصل هذه التسمية وربما أعطيت للمسلمين بصفة عامة.

(١٣٣) القصد إلى عراق العجم يعني فارس ، هذا ويلاحظ أن معظم سكان المنطقة اليوم من أهل السنّة ...

(١٣٤) قزوين تقع شمال إيران وفي شالوس منها قضّيت يوم ١٥ يونيه عام ١٩٧٩. ويصادف ذكرى ميلادي.

(١٣٥) الواقع التاريخي أن الذي عمّر كولم بالمسجد هو دينار مالك ... ويبدو أن التاجر خواجة انما قام ببعض أعمال ترميمية بالمسجد.

٤٩

ذكر سلطانها

وهو كافر يعرف بالتّيروري (١٣٦) ، بكسر التاء المعلوة وياء مد وراء وواو مفتوحين وراء مكسور وياء ، وهو يعظّم المسلمين وله أحكام شديدة على السرّاق والدّعار.

حكاية [العراقي القتيل]

ومما شاهدت بكولم أنّ بعض الرماة العراقيين قتل آخر منهم ، وفر إلى دار الآوجي ، وكان له مال كثير وأراد المسلمون دفن المقتول فمنعهم نواب السلطان من ذلك ، وقالوا : لا يدفن حتى تدفعوا لنا قاتله فيقتل به ، وتركوه في تابوته على باب الآوجي حتى انتن وتغيّر فمكنهم الأوجي من القاتل ، ورغب منهم أن يعطيهم أمواله ويتركوه حيا فأبوا ذلك وقتلوه وحينئذ دفن المقتول.

حكاية [رجل قتل بحبة عنبة]

أخبرت أن سلطان كولم ركب يوما إلى خارجها وكان طريقه فيما بين البساتين ، ومعه صهره زوج بنته ، وهو من أبناء الملوك ، فأخذ حبّة واحدة من العنبة سقطت من بعض البساتين وكان السلطان ينظر إليه فأمر به عند ذلك فوسّط وقسم نصفين وصلب نصفه عن يمين الطريق ونصفه الآخر عن يساره وقسمت حبة العنبة نصفين فوضع على كل نصف منه نصف منها وترك هنالك عبرة للناظرين (١٣٧)!!

حكاية [قتل مغتصب سيفا]

ومما اتفق نحو ذلك بقالقوط أن ابن أخي النائب عن سلطانها غصب سيفا لبعض تجار المسلمين فشكا بذلك إلى عمه فوعده بالنظر في أمره ، وقعد على باب داره ، فإذا بابن أخيه متقلّد ذلك السيف ، فدعاه ، فقال : هذا سيف المسلم؟ قال : نعم! قال : اشتريته منه؟ قال : : لا؟ فقال لأعوانه : أمسكوه ، ثم أمر به فضربت عنقه بذلك السيف!

__________________

(١٣٦) على نحو ما أشرنا اليه في التعليق ١٣١ فان كولم Quilon كانت منذ القدم كانت مركزا تجاريا هاما لبضائع الصين ، وقد ورد ذكرها عند التجار العرب والفرس كذلك منذ القرن الثالث الهجري ، التاسع الميلادي تحت اسم كولم ملاي ، ولم تلبث أن انهارت كمنافستها قالقوط في القرن السادس عشر ... هذا ويرى يول Yule أن الاسم الذي اورده ابن بطوطة لسلطان كولم : التّيروري يمكن أن يكون من أصل تاميل سنسكري :(Tiru ـ Pati) بمعنى السيد المقدس Yule : Cathay IV.P. : ٠٤ ـ Holy Lard.

(١٣٧) تعتبر السرقة في بلاد المليبار من الكبائر بعد قتل البراهمة وبعد تناول الخمور ...

٥٠

وأقمت بكولم مدة بزاوية الشيخ فخر الدين ابن الشيخ شهاب الدين الكازروني شيخ زاوية قالقوط ، فلم أتعرف للككم خبرا ، وفي أثناء مقامي بها دخل إليها أرسال ملك الصين الذين كانوا معنا ، وكانوا ركبوا في أحد تلك الجنوك فانكسر أيضا فكساهم تجار الصين وعادوا إلى بلادهم ولقيتهم بها بعد.

وارادت أن أعود من كولم إلى السلطان لأعلمه بما اتفق على الهدية (١٣٨) ثم خفت أن يتعقب فعلي ، ويقول : لم فارقت الهدية؟ فعزمت على العودة إلى السلطان جمال الدين الهنّوري وأقيم عنده حتى أتعرف خبر الككم ، فعدت إلى قالقوط ووجدت بها بعض مراكب السلطان ، فبعث فيها أميرا من العرب يعرف بالسيد أبي الحسن وهو من البرد دارية (١٣٩) ، وهم خواص البوابين ، بعثه السلطان بأموال يستجلب بها من قدر عليه من العرب من أرض هرمز والقطيف (١٤٠) لمحبته في العرب ، فتوجهت إلى هذا الامير ورأيته عازما على أن يشتو بقالقوط ، وحينئذ يسافر إلى بلاد العرب فشاورته في العودة إلى السلطان ، فلم يوافق على ذلك! فسافرت في البحر من قالقوط ، وذلك آخر فصل السفر فيه فكنا نسير نصف النهار الأول ثم نرسوا إلى الغد ، ولقّينا في طريقنا أربعة أجفان مخزونة فخفنا منها ثم لم يعرضوا لنا بشرّ!

ووصلنا إلى مدينة هنّور (١٤١) فنزلت إلى السلطان وسلمت عليه فأنزلني بدار ، ولم يكن لي خديم وطلب مني أن أصلّي معه الصلوات ، فكان أكثر جلوسي في مسجده ، وكنت أختم القرآن كلّ يوم ، ثم كنت أختم مرتين في اليوم ، ابتدي القراءة بعد صلاة الصبح فاختم عند الزوال وأجدد الوضوء وأبتدىء القراءة فأختم الختمة الثانية عند الغروب ، ولم أزل كذلك مدة ثلاثة أشهر واعتكفت منها أربعين (١٤٢) يوما.

__________________

(١٣٨) هذا من المواقف الغير المعتادة في حياة وسلوك ابن بطوطة ، فقد عوّدنا على عدم التردد في اتخاذ القرار ، وعلى الأخذ بالأحوط في الموضوع ، وهكذا فقد كان عليه أن يبلغ الحقيقة في الوقت المناسب للسلطان الذي وضع فيه ثقته ، وليكن ما يكون!!

(١٣٩) البرد دراية أصل العبارة (PARDE ـ DAR) الحاجب السلطاني III ٢٨٠.

(١٤٠) يلاحظ أن ابن بطوطة لم يضبط القطيف على نحو ما عند ياقوت في معجم البلدان بفتح القاف وقد مرّ بنا أنه ضبطها (II ,٢٤٧) بضم القاف ...

(١٤١) كان على ابن بطوطة أن يصل ـ في اتجاه الشمال ـ إلى هونفر (Honavar) حوالي أواسط شهر أبريل ١٣٤٢ ـ ذي القعدة ٧٤٢ حتى يبلغ مجموع أيام مقامه لدى هذا السلطان أحد عشر شهرا على ما يذكره جمال الدّين محمد بن حسن ـ انظر التعليق (٨٦).

(١٤٢) ملازمة المسجد والاعتكاف في مثل هذه الظروف يترجم عن الوضع الدقيق الذي وجد ابن بطوطة نفسه فيه بعد مصرع رفاقه في السفارة وبعد تفريطه في الهدايا الملكية ، وبعد أن نصحه الحاجب أن لا يعود لدهلي! ، وهكذا أخذنا نسمع عن انقطاعه بل وعن التغير الشامل لمسلكه في الحياة ... بعد أن لفّته الحيرة ولم يعد يدري ما ذا سيكون غده؟!

٥١

ذكر توجهنا إلى الغزو وفتح سندابور

وكان السلطان جمال الدين قد جهز اثنين وخمسين مركبا سفرية برسم غزو سندابور ، وكان وقع بين سلطانها وولده خلاف ، فكتب ولده إلى السلطان جمال الدين أن يتوجه لفتح سندابور ويسلم الولد المذكور ، ويزوجه السلطان أخته (١٤٣) ، فلمّا تجهزت المراكب ظهر لي أن أتوجه فيها إلى الجهاد ففتحت المصحف أنظر فيه فكان في أول الصفحة : يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره ، فاستبشرت بذلك ، وأتى السلطان إلى صلاة العصر ، فقلت له : أريد السفر فقال : إذا تكون أميرهم ، فأخبرته بما خرج لي في أول المصحف فأعجبه ذلك ، وعزم على السفر بنفسه ولم يكن ظهر له ذلك قبل ، فركب مركبا منها وأنا معه ، وذلك في يوم السبت فوصلنا عشيّ الاثنين إلى سندابور ، ودخلنا خورها فوجدنا أهلها مستعدّين للحرب وقد نصبوا المجانيق ، فبتنا عليها تلك الليلة.

فلما أصبح ضربت الطبول والانفار والأبواق وزحفت المراكب ، ورموا عليها بالمجانيق ، فلقد رأيت حجرا أصاب بعض الواقفين بمقربة من السلطان ، ورمى اهل المراكب أنفسهم في الماء وبأيديهم الترسة والسيوف ، ونزل السلطان إلى العكيرى ، وهو شبه الشلّير (١٤٤) ، ورميت بنفسي في الماء في جملة الناس ، وكان عندنا طريدتان مفتوحتي المواخر ، فيها الخيل ، وهي بحيث يركب الفارس فرسه في جوفها ويتدرّع ويخرج ففعلوا ذلك ، وأذن الله في فتحها وأنزل النصر على المسلمين ، فدخلنا بالسيف ودخل معظم الكفار في قصر سلطانهم ، فرمينا النار فيه فخرجوا وقبضنا عليهم ، ثم إن السلطان أمّنهم ورد لهم نساءهم وأولادهم وكانوا نحو عشرة آلاف وأسكنهم بربض المدينة وسكن السلطان القصر وأعطى الديار بمقربة منه لأهل دولته ، وأعطاني جارية منهن تسمى لمكي فسميتها مباركة (١٤٥) ، وأراد زوجها فداءها فأبيت! وكساني فرجية مصرية وجدت في خزائن الكافر ، وأقمت عنده بسندابور من يوم فتحها وهو الثالث عشر لجمادى الأولى إلى منتصف شعبان (١٤٦) ، وطلبت منه الإذن في السفر ، فأخذ عليّ العهد في العودة إليه!

__________________

(١٤٣) حول سندابور حيث توجد جزيرة (گوا) راجع التعليق السابق رقم ٧٩ ... يظهر أن خلافا شبّ بين حاكم الجزيرة وبين ولده أدّى إلى استنجاد هذا الأخير بالسلطان جمال الدين ضدّ والده ، تلقاء أن يسلم الأمير الولد ، وأن يتزوج بنت السلطان المسلم ـ الآية : (ولينصرن الله من ينصره) السورة ٢٢ / الآية ٤٠.

(١٤٤) يذكر دوزي في معجمه أن العكيرى نوع من السفن الشراعية الكبرى ، ويذكر الشلّير على أنه نوع من الفلك ...

(١٤٥) سمّاها كذلك طلبا للفأل الحسن سيما ونحن نعرف عن وضعه الحرج بعد كل الذي تعرض له من محن وفتن ...

(١٤٦) يعني منذ ١٥ أكتوبر ١٣٤٢ إلى منتصف يناير ١٣٤٣.

٥٢

وسافرت في البحر إلى هنور ثم إلى فاكنور ، ثم إلى منجرور ثم إلى هيلي ثم إلى جرفتّن وده فتّن ، وبدفتّن وفندرينا وقالقوط ، وقد تقدم ذكر جميعها ثم إلى مدينة الشاليات ، وهي بالشين المعجم والف ولام وياء آخر الحروف والف وتاء معلوة ، مدينة من حسان المدن تصنع بها الثياب المنسوبة لها (١٤٧) ، وأقمت بها فطال مقامي فعدت إلى قالقوط ، ووصل اليها غلامان كانا لي بالككم فأخبراني أن الجارية التي كانت حاملا وبسببها كان تغيّر خاطري توفيت ، وأخذ صاحب الجاوة سائر الجواري واستولت الأيدي على المتاع وتفرّق أصحابي إلى الصين والجاوة وبنجالة ، فعدت لما تعرّفت هذا إلى هنّور ، ثم إلى سندابور فوصلتها في آخر المحرم وأقمت بها إلى ثاني من شهر ربيع الآخر.

وقدم (١٤٨) سلطانها الكافر الذي دخلناها عليه برسم أخذها وهرب إليه الكفار كلّهم، وكانت عساكر السلطان متفرقة في قرى فانقطعوا عنا ، وحصرنا الكفار وضيّقوا علينا ، ولما اشتد الحال خرجت عنها وتركتها محصورة (١٤٩) ، وعدت إلى فالقوط.

وعزمت على السفر إلى ذيبة المهل وكنت أسمع بأخبارها فبعد عشرة أيام من ركوبنا البحر بقالقوط وصلنا جزائر ذيبة المهل ، وذيبة على لفظ مؤنث الذيب (١٥٠) ، والمهل بفتح الميم والهاء، وهذه الجزائر إحدى عجائب الدنيا ، وهي نحو ألفى جزيرة (١٥١) ويكون منها مائة فما

__________________

(١٤٧) الشاليات CHALIYAM هي التي كان البرتغال يطلقون عليها شيليات Chiliate أوChale ، وتحمل اليوم اسم بيبّور (Beypore) على بعد نحو سبعة أميال جنوب قالقوط ، وقد اشتهرت المدينة بمعاملها في النسيج المتنوع الأشكال ، وما يزال اسم (الشال) معروفا عند الناس ، حتى في الغرب نسبة إلى المدينة المذكورة.

(١٤٨) يعني من ٢٤ يونيه إلى ٢٤ غشت ١٣٤٣ ـ يلاحظ أن هذه التواريخ لا تتوافق مع معلومته الآتية الذكر (٤٦١ ـ ٤٦١ ـ IV) التي تفيد أنه غادر مالديف بتاريخ ٢٦ غشت ١٣٤٤ ـ ١٥ ربيع الثاني ٧٤٥.

(١٤٩) لو كان ابن بطوطة ثبت في موقفه وبقى صامدا لحضر نصرا جديدا للسلطان جمال الذين سلطان هونفر (Honavar) وحضر كذلك وفاة السلطان الأخير فيها ...

(١٥٠) ذيبت كلمة من أصل سنسكري : دفيبّا (DVIPA) ومعناها جزيرة. ومهل هو اسمها ، جزيرة مهل أعطت بالصياغة الأوربية مهل جزيرة : أي مالديف وتقع جزر مالديف جنوب جزر لاكديف التابعة للهند ... ويلاحظ أن هذه الإفادات من ابن بطوطة عن جزر مالديف تعتبر أصيلة وفريدة في بابها لم يتقدم عليه أحد فيها ومن هنا وجدنا أن المالدفيين لا ينفكّون يذكرون الرحالة المغربي بكلّ خير ...

د. التازي : أقدم نقش في مالديف يتحدث عن المغرب ... ـ بحث قدم لمؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة في دورته السابعة والخمسين (يبراير ١٩٩١).

هذا وقد كانت أقدم ترجمة لهذا النص الخاص بالمالديف من رحلة ابن بطوطة هي التي قام بها البيرگراي (Albert Gray) معززا بH.C.P.Bell في الملحق A لترجمتهما لحكاية فرانسوا بيراردو لافال البحار الفرنسي الذي حرّت مركبه هناك وأقام في مالديف من عام ١٦٠٢ إلى ١٦٠٧ وقد طبعت عام ١٨٨٧ ـ ٩٠ من طرف Hakluyt وقد قدم السيدC.H.B.Reyolds مساعدة ثمينة إلى Bekmgham بعض في تعليقاته ...

(١٥١) يتكون الأرخبيل من عشرين جزيرة مرجانية حلقية الشكل atolls ومن حوالي ألف ومائتي جزيرةIslands.

٥٣

دونها مجتمعات مستديرة كالحلقة لها مدخل كالباب لا تدخل المراكب إلّا منه ، وإذا وصل المركب إلى إحداها فلا بدّ له من دليل من أهلها يسير به إلى سائر الجزائر ، وهي من التقارب بحيث تظهر رؤوس النخل التي باحداها عند الخروج من الأخرى ، فان أخطأ المركب سمتها لم يمكنه دخولها وحملته الريح إلى المعبر أو سيلان (١٥٢).

وهذه الجزائر أهلها كلّهم مسلمون ، ذووا ديانة وصلاح ، وهي منقسمة إلى اقاليم ، على كلّ إقليم وال يسمونه الكردوبي (١٥٣) ، ومن أقاليمها إقليم بالبور (١٥٤) ، وهو بباءين معقودتين وكسر اللام وآخره راء ومنها كنّلوس (١٥٥) بفتح الكاف والنون مع تشديدها وضم اللام وآخره راء ، ومنها كنّلوس (١٥٥) ، بفتح الكاف والنون مع تشديدها وضم اللام وواو وسين مهمل ، ومنها إقليم المهل (١٥٦) ، وبه تعرف الجزائر كلّها ، وبها يسكن سلاطينها ، ومنها إقليم تلاديب(١٥٧) ، بفتح التاء المعلوة واللام والف ودال مهملة وياء مد وباء موحدة، ومنها إقليم كرايدو (١٥٨) ، بفتح الكاف والراء وسكون الياء المسفولة وضم الدال المهمل وواو، ومنها إقليم التّيم (١٥٩) ، بفتح التاء المعلوة وسكون الياء المسفولة ، ومنها اقليم تلدمّتي(١٦٠) ، بفتح التاء المعلوة الأولى واللام وضم الدال المهمل وفتح الميم وتشديدها وكسر التاء الأخرى وياء

__________________

(١٥٢) ساحل المعبر جنوب الهند.

(١٥٣) الكردوي KARDUI وهو ما يوجد في مخطوطة الكتاني ، سماه ابن بطوطة فيما بعد الكردوي بدون الياءالثانية، بيد أن كلّا من الاسمين لا يظهر أنه يطابق الحقيقة ، فإن الكلمة المالديفية هي : كردا ـ فيري Karuda ـ veri : تعبير قديم يعادل اليوم التعبير العصري أتولو فيري Atolu ـ Veri أو (Atoll Chief).

(١٥٤) الجزيرة المرجانية الحلقية الشكل بّالبور (Palipour) تقع بين الدرجة السادسة والخامسة من خطوط العرض وهي الجزيرة التي تحمل اسم (Fadiffoulu) عندFrancois Pyrard De Laval البحّار الفرنسي سابق الذكر.

(١٥٥) عرفت بأنها جزيرة كينالوس (kinalos) في الجزيرة المرجانية مالوسمادولو (Malosmadulu) دائما بين الدرجة السادسة والسابعة غرب باديفولو (بالبور) ابن بطوطة.

(١٥٦) المهل (Male) تكوّن جزيرتين مرجانيتين : إحداهما تقع في الشمال بين الدرجة ٥ و ٤ ، وثانيتهما تقع في الجنوب على الدرجة الرابعة. عاصمة سائر الأرخبيل ـ وتسمى أيضا مالي (Male) توجد على الجزيرة المرجانية الشمالية.

(١٥٧) تلاديب Taladib يتعلق الأمر إمّا بجزيرة تولادو (Tuladu) في الجزيرة المرجانية الجنوبية لمالوسمادولو (Malosmadulu) أو بجزيرة تلاديب التي يقع كل من قسميها شمالا وجنوبا في الخط الثالث من خطوط العرض.

(١٥٨) كرايدو : Karhidu القصد إلى الجزيرة الصغيرة المعزولة (Karhidu (تقع على الخط الخامس ...

(١٥٩) التّيم القصد إلى (Oteim) في الخرائط القديمة وهي : أوتيمو (Utimu) الحالية ، جزيرة شمالية تابعة للجزيرة المرجانية تيلّا دوماتي (Tilladumati) بين الدرجة السابعة والدرجة السادسة من خطوط العرض.

(١٦٠) تلدمّتي : الجزيرة المرجانية (Tilladumati) ، بين الخط السابع والسادس.

٥٤

ومنها إقليم هلدمّتي (١٦١) ، وهو مثل لفظ الذي قبله الا أن الهاء أوله ، ومنها إقليم بريدو (١٦٢) ، بفتح الباء الموحدة والراء وسكون الياء وضم الدال المهمل وواو ، ومنها اقليم كندكل (١٦٣) ، بفتح الكافين والدال المهمل وسكون النون ، ومنها إقليم ملوك (١٦٤) ، بضم الميم ، ومنها اقليم السّويد (١٦٥) بالسين المهمل وهو أقصاها.

وهذه الجزائر كلها لا زرع بها إلا أن في اقليم السّويد منها زرعا يشبه أنلي (١٦٦) ويجلب منه إلى المهل ، وإنما أكل أهلها سمك يشبه البيرون (١٦٧) ، يسمونه قلب الماس ، بضم القاف ، ولحمه أحمر ، ولا زفر له ، إنما ريحه كريح لحم الانعام ، وإذا اصطادوه قطعوا السمكة منه أربع قطع وطبخوها يسيرا ثم جعلوه في مكاتيل من سعف النخل وعلّقوه للدخان فإذا استحكم يبسه أكلوه (١٦٨) ويحمل منها إلى الهند والصين واليمن ويسمونه قلب الماس بضم القاف.

ذكر أشجارها

ومعظم أشجار هذه الجزائر النّارجيل (١٦٩) ، وهو من أقواتهم مع السّمك ، وقد تقدم ذكره ، وأشجار النارجيل شأنها عجيب وتثمر النخل منها اثنى عشر عذقا في السنة ، يخرج في كل شهر عذق ، فيكون بعضها صغيرا وبعضها كبيرا وبعضها يابسا وبعضها أخضر ، هكذا أبدا ويصنعون منه الحليب والزيت والعسل حسبما ذكرنا في السفر الأول (١٧٠) ويصنعون من عسله الحلواء فيأكلونها مع الجوز اليابس منه ، وكذلك أكله.

__________________

(١٦١) هدّمّتي هي (Haddumati) وتقع على الدرجة الثانية ـ أنظر التعليق الآتي رقم ٢٠٥.

(١٦٢) بريذوا : Braidu كان هذا العلم أصعب الأعلام في مالديف لتحديده والتعريف به ، ويمكن أن يكون فوليدو (Falidu) بين الخط الرابع والثالث.

(١٦٣) كندكل هي التي تسمى (Kaindecolu) في الخرائط القديمة ، وهي كيدكولو (Kedidolu) الحالية في الجزيرة المرجانية (Miladummadulu) التي توجد على الخط السادس ...

(١٦٤) ملوك Mulaku تقع على الخط الثالث.

(١٦٥) السويد (Suwaid) أو (Suadiva) بين الدرجة الأولى وخط الاستواء.

(١٦٦) أنلي : كلمة بربرية تعني الحبّ الذي يسمى بالفرنسية ٠٣١ III ـ ٤١٣ ,III.Millet.

(١٦٧) البيرون كما في نسخنا المصححة ، أصله أبيرون لفظ بربري يعني سمك التن. قلب الماس أصل الكلمة مالديفي : Halu ـ Bili ـ Mas ، معنى كالو : أسود ، ومعنى بيلي : التّون ، ومعنى ماس : سمك ، ويظل دائما هذا النوع من السمك هو المنتوج الأساسي لجزر مالديف ، وقد أهديت إلينا نماذج منه عند زيارة الجمهورية بمناسبة عيدها الوطني مايه ١٩٩٠. ويعتبر من أجود الأنواع التي تصدّر للخارج.

م. شفيق : المعجم العربي الأمازيغي ـ أكاديمية المغرب

Destaing : Vocabulaires Francais Berbers ـ Paris ٥٣٩١.

(١٦٨) من الطريف أن نعثر عند بيرارPyrard على وصف دقيق لكيفية تصبير هذا النوع من السمك الذي يمسى لونه بعد العملية أسود.

(١٦٩) النّارجيل هو بالذات ما نسميه جوز الهند ... وهو في الأصل من جزر شيشيل (Seychelles).

(١٧٠) يراجع ج II ص ٢٠٦ وما بعدها ... ومن غريب ما وقع فيه بيكيگام عند الترجمة أنه ترجم السّفر بكسر السّين على أنه سفر بفتحها حيث قال :(in the first journey).

٥٥

٥٦

وللسّمك الذي يغتذون به قوة عجيبة في الباءة لا نظير لها ، ولأهل هذه الجزائر عجب في ذلك ، ولقد كان لي بها أربع نسوة وجوار سواهن فكنت أطوف على جميعهن كلّ يوم ، وأبيت عند من تكون ليلتها ، وأقمت بها سنة ونصف أخرى على ذلك! (١٧١).

ومن أشجارها الجمّون (١٧٢) والأترج والليمون والقلقاص (١٧٣) ، وهم يصنعون من أصوله دقيقا يعملون منه شبه الإطرية ، ويطبخونها بحليب النارجيل وهي من أطيب الطعام كنت أستحسنها كثيرا وآكلها.

ذكر أهل هذه الجزائر ، وبعض عوائدهم وذكر مساكنهم

وأهل هذه الجزائر أهل صلاح وديانة وإيمان صحيح ونية صادقة ، أكلهم حلال ودعاءهم مجاب ، وإذا رأى الانسان أحدهم قال له : الله ربي ، ومحمد نبيّ وأنا أمي مسكين ، وأبدانهم ضعيفة ولا عهد لهم بالقتال والمحاربة وسلاحهم الدعاء ، ولقد أمرت مرة بقطع يد سارق بها فغشى على جماعة منهم كانوا بالمجلس ، ولا تطرقهم لصوص الهند ولا تذعرهم لانهم جربوا أنّ من أخذ لهم شيئا أصابته مصيبة عاجلة ، واذا أتت أجفان العدو إلى ناحيتهم أخذوا من وجدوا ، من غيرهم ، ولم يعرضوا لأحد منهم بسوء ، وإن أخذ أحد الكفار ولو ليمونة عاقبة أمير الكفار وضربه الضرب المبرح خوفا من عاقبة ذلك ولو لا هذا لكانوا أهون الناس على قاصدهم بالقتال لضعف بنيتهم.

وفي كل جزيرة من جزائرهم المساجد الحسنة وأكثر عمارتهم بالخشب وهم أهل نظافة وتنزه عن الأقذار وأكثرهم يغتسلون مرتين في اليوم تنظفا لشدة الحر بها وكثرة العرق ، ويكثرون من الأدهان العطرية كالصندلية ويتلطّخون بالغالية المجلوبة من مقدشو.

ومن عادتهم أنهم إذا صلوا الصبح أتت كل امرأة إلى زوجها أو ابنها بالمكحلة وبماء الورد ودهن الغالية (١٧٤) فيكحّل عينيه ويدهن بماء الورد ودهن الغالية ، فتصقل بشرته وتزيل الشحوب عن وجهه.

ولباسهم فوط يشدون الفوطة منها على أوساطهم عوض السراويل ، ويجعلون على

__________________

(١٧١) كلام ابن بطوطة واضح في أنه قضى في مالديف سنة ونصف السنة وقد ناقشه حول هذا المقام بعض الذين علقوا على الرحلة (انظر المقدمة).

(١٧٢)(EUGENIA JAMBOL ANA) انظرII ١٩١III ١٢٨

(١٧٣) يسمى (Hittala ـ Fu) في جزر مالديف ، وتعني كلمة (FU) الدقيق ، انظر تعليق ١١٠.

(١٧٤) الغالية : عطر مركب من المسك ومن العنبر ... وهذه المادة كثيرة في الجزر.

٥٧

ظهرهم ثياب الوليان (١٧٥) ، بكسر الواو وسكون اللام وياء آخر الحروف ، وهي شبه الأحاريم، وبعضهم يجعل عمامة ، وبعضهم منديلا صغيرا عوضا منها ، وإذا لقى أحدهم القاضي أو الخطيب وضع ثوبه عن كتفيه وكشف ظهره ومضى معه كذلك حتى يصل إلى منزلة ومن عوائدهم أنه إذا تزوج الرجل منهم ومضى إلى دار زوجته بسطت له ثياب القطن من باب دارها إلى باب البيت ، وجعل عليها غرفات من الودع عن يمين طريقه إلى البيت وشماله ، وتكون المرأة واقفة عند باب البيت تنتظره فإذا وصل إليها رمت على رجليه (١٧٦) ثوبا يأخذه خدامه ، وان كانت المرأة هي التي تاتي إلى منزل الرجل بسطت داره وجعل فيها الودع ورمت المرأة عند الوصول اليه الثوب على رجليه ، وكذلك عادتهم في السلام على السلطان عندهم ، لا بد من ثوب يرمى عند ذلك ، وسنذكره.

وبنياتهم بالخشب ويجعلون سطوح البيوت مرتفعة عن الأرض توقيا من الرطوبات لأن أرضهم ندية ، وكيفية ذلك أن ينحتوا حجارة يكون طول الحجر منها ذراعين أو ثلاثة ويجعلونها صفوفا ويعرضون عليها خشب النارجيل ، ثم يضعون الحيطان من الخشب (١٧٧) ولهم صناعة عجيبة في ذلك ، ويبنون في أسطوان الدار بيتا يسمونه المالم (١٧٨) بفتح اللام ، يجلس الرجل به مع أصحابه ويكون له بابان أحدهما إلى جهة الاسطوان يدخل منه الناس والآخر إلى جهة الدار يدخل منه صاحبها ، ويكون عند هذا البيت خابية مملوءة ماء ، ولها مستقى يسمونه الولنج (١٧٩) ، بفتح الواو واللام وسكون النون وجيم ، هو من قشر جوز النّارجيل وله نصاب طوله ذراعان ، وبه يسقون الماء من الآبار لقربها.

وجميعهم حفاة الأقدام من رفيع ووضيع ، وأزقتهم مكنوسة نقية تظللها الأشجار

__________________

(١٧٥) الوليان ، يرى گراي وبيل أن الكلمة ربّما كان أصلها مالديفي Feliya وتعني صدرية وتلبس عند بعض المناسبات، وبالنسبة لكلمة الإحرام ـ انظر ٨١ ,I.

(١٧٦) يتعلق الأمر بشكلين من الزواج يوجدان معا في سيلان القريبة من مالديف ، وخاصة عند الجماعة السنهالية ، (سيري لانكا) يحمل الشكلان اسم بيناBina وديكاو (Diga). الزواج على طريقة (Bina) يتم عندما تكون الزوجة تمتك دارا أو أراضي ، الزوج يقصد بيتها الذي يصبح بيتا للزّوجين معا ، أما الزواج على طريقة (Diga) وهو الذي يكون فيه الزوج هو المالك للدار أو الارض فإن الزوج يسمى كذلك سيد البيت وهذا يشبه التقاليد في جزر لاگاديف (انظر دائرة المعارف الاسلامية مادة (Laccadive) وهي تقع كما قدمنا شمال مالديف انظر التعليق ١٥٠ من هذا الفصل وانظر اصطيفان.

(١٧٧) نفس المعلومات يرددها بيرار (Pyrard).

(١٧٨) هذه الكلمة (المالم) لم نهتد لتحديد معناها ، هذا وتختص الحجرة الداخلية أو الخاصة باسم إيتيريجي (Eterige) والحجرة الخارجية أو العامة تحمل اسم بيرو ـ جي (Beru ـ ge).

(١٧٩) حول الولنج ، نذكر أن هناك باللغة السنهالية كلمة (فالاندا (Valanda) بمعنى اناء يصلح للطبخ ، الجفن ـ أو القصعة المعرفة اليوم تحمل اسم ضوني Doni.

٥٨

فالماشي بها كأنه في بستان ، ومع ذلك لا بد لكل داخل إلى الدار أن يغسل رجليه بالماء الذي في الخابية ، بالمالم ويمسحها بحصير غليظ من اللّيف (١٨٠) يكون هنالك ، ثم يدخل بيته ، وكذلك يفعل كل داخل إلى المسجد.

ومن عوائدهم إذا قدم عليهم مركب أن تخرج إليه الكنادر (١٨١) ، وهي القوارب الصّغار ، واحدها كندرة ، بضم الكاف والدال ، وفيها أهل الجزيرة معهم التنبول ، والكرنبة(١٨٢) وهي جوز النّارجيل الأخضر فيعطي الإنسان منهم ذلك لمن شاء من اهل المركب ويكون نزيله ويحمل أمتعته إلى داره كأنه بعض أقربائه ، ومن أراد التزوج من القادمين عليهم تزوج ، فإذا حان سفره طلق المرأة لانهن لا يخرجن عن بلادهن! ومن لم يتزوج فالمرأة التي ينزل بدارها تطبخ له وتخدمه وتزوّده اذا سافر وترضى منه في مقابلته بأيسر شيء من الإحسان.

وفائدة المخزن ويسمونه البندر (١٨٣) ، أن يشتري من كل سلعة بالمركب حظا بسوم معلوم سواء كانت السلعة تساوي ذلك أو أكثر منه ويسمونه : شرع البندر (١٨٤) ، ويكون للبندر بيت في كل جزيرة من الخشب يسمونه البجنصار (١٨٥) ، بفتح الباء الموحدة والجيم وسكون النون وفتح الصاد المهمل وآخره راء يجمع به الوالي وهو الكردوري (١٨٦) جميع سلعه ويبيع بها ويشتري ، وهم يشترون الفخّار إذا جلب اليهم بالدّجاج فتباع عندهم القدر بخمس دجاجات وست.

وتحمل المراكب من هذه الجزائر السمك الذي ذكرناه ، وجوز النارجيل والفوط والوليان

__________________

(١٨٠) اللّيف : مادة تتخذ من أوراق النخيل.

(١٨١) الكنادر : جمع كندرة باللغة السنكرية (Bhandara) بمعنى المخزن والمستودع وهي غير البندر بمعنى المرسى والميناء ... ـ المصادر البرتغالية تتحدث عن كنادر (Gundras) مالديف ، والسنهاليون يسمون أيضا السفن المالديفية باسم كندرة.

(١٨٢) القصد إلى كوروبا (kURUNBA) باللغة المالديفية ، وكورومبا (kurumba) باللغة السنهالية.

(١٨٣) البندر يعني الميناء بلغة الفرس ، وهناك كذلك بهانداره (Bhandara) بمعنى الخزينة باللغة السنسكرية على ما تقدم في التعليق ١٨١.

(١٨٤) يشرح بيرار (Pyrard) كيف يتصرف السلطان في البضائع التي تعرض على المسؤولين في الجزيرة ، ويقع التراضي في المبالغ المستحقة وشرع البندر يعني حق الدّيوانة ، وقد سمّاه قبل هذا (حق البندر) عندما تحدث عن سلطان فاكنور انظرIV ، ٧٨

(١٨٥) يدعى المستودع فاروجي (Varu ـ GE) البجنصار (Bangasar) أو بنكشال (Bankschall) الذي سيستعمل في فترة لاحقة.

(١٨٦) الكردوي أنظر التعليق رقم ١٥٣ ، فقد رسمه هناك هكذا كردويي (kardui).

٥٩

(١٨٧) والعمائم ، وهي من القطن ويحملون منها أواني النّحاس فانها عندهم كثيرة (١٨٨) ويحملون الودع ويحملون القنبر ، بفتح القاف وسكون النون وفتح الباء الموحدة والرّاء ، وهو ليف جوز النّارجيل ، وهم يدبغونه في حفر على الساحل ثم يضربونه بالمرازب ثم يغزله النساء وتصنع منه الحبال لخياطة المراكب ، وتحمل إلى الصين والهند واليمن ، وهو خير من القنب وبهذه الحبال تخاط مراكب الهند واليمن ، لأن ذلك البحر كثير الحجارة فإن كان المركب مسمّرا بمسامير الحديد صدم الحجارة فانكسر ، وإذا كان مخيطا بالحبال أعطى الرطوبة فلم ينكسر.

وصرف أهل هذه الجزائر الودع وهو حيوان يلتقطونه في البحر ، ويضعونه في حفر هنالك فيذهب لحمه ويبقى عظمه أبيض ويسمون المائة منه : سياه ، بسين مهمل وياء آخر الحروف ، ويسمّون السبعمائة منه : الفال ، بالفاء ، ويسمون الاثنى عشر الفا منه : الكتّى ، بضم الكاف وتشديد التاء المعلوة ، ويسمون المائة الف منه بستوا (١٨٩) بضم الباء الموحدة والتاء المعلوة وبينهما سين مهمل ، ويباع بها بقيمة أربعة بساتي بدينار من الذهب وربما رخص حتى يباع عشر بساتي منه بدينار ويبيعونه من أهل بنجالة بالأرز ، وهو أيضا صرف أهل بلاد بنجالة، ويبيعونه من أهل اليمن فيجعلونه عوض الرمل في مراكبهم ، وهذا الودع أيضا هو صرف السودان في بلادهم (١٩٠) ، رأيته يباع بمالي وجوجو (١٩١) بحساب الف ومائة وخمسين للدينار الذّهبي.

ذكر نسائها

ونساؤها لا يغطين رؤوسهن ولا سلطانتهم تغطي رأسها ويمشطن شعورهن ويجمعنها إلى جهة واحدة (١٩٢) ، ولا يلبسن أكثرهن إلا فوطة واحدة تسترها من السرة إلى أسفل وسائر أجسادهن مكشوف ، وكذلك يمشين في الأسواق وغيرها.

__________________

(١٨٧) يراجع التعليق السابق رقم ١٧٥.

(١٨٨) العجب من بعض المعلّقين يجدون أنّ من السهل تشكيك الناس في هذه المعلومات طالما لم يروها أحد غير ابن بطوطة عوض أن يقولوا إنها مما استأثر بذكره الرحالة المغربي!!

(١٨٩) هذه الالفاظ التي مرت (Hiya) (أو (Siya) باللغة السنهالية) فالي (Fale) كوتي (Cotte) ثم باسطا (Basta) كلها بالمالديفية كتّى ج كتاتي ج IV ـ ١٤٧.

(١٩٠) يتحدث المعلقون هنا عن قيمة الودع كعملة سواء في هذه الجهات أو في بعض أقاليم إفريقيا السوداء ، كما أنهم عندما يتحدثون عن الوجود الهولاندي في مالديف ـ بعد فترة ابن بطوطة يقولون : إنهم كانوا يمارسون تجارة هامة وكانوا يتقاضون تلقاء التجارة هذا الودع ...

(١٩١) حول جوجو التي يرسمها أيضا كوكو انظر ج.IV ص ٤٩٥ ـ ٤٢٦ ـ ٤٣٥ ـ ٤٣٨.

(١٩٢) تتحدث بعض التعاليق عن الوضع بالنسبة للشّعر عند الرجال ، وتذكر أنه من غير المسموح للرجال أن يتركوا شعورهم اللهم إذا كان الامر يتعلق بالضباط أو جنود السلطان أو كبار البلاد فهؤلاء يسمح لهم بإطالة شعرهم ... الفرق في توفير الشّعر بين النساء والرجال أن الرجال يضفرون شعورهم على قمة رأسهم ولا يرسلونها خلف الرءوس كما تفعل النساء. هذا ويذكر أن لباس النساء لم يختلف أيام بيرارPyrard عنه أيام ابن بطوطة في أغلب الحالات ...

٦٠