رحلة ابن بطوطة - ج ٤

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٤

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-010-9
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٣٥١

خمسمائة نفس فعمّرت لهم سقائف في دارين وأسكنتهم بها ، وكنت أعطيتهم نفقة خمسة أيام في خمسة أيام ، فلما كان في بعض الأيام أتوني بمرأة منهم ، وقالوا : إنها كفتار وقد أكلت قلب صبيّ كان إلى جانبها ، وأتوا بالصبي ميّتا ، فأمرتهم أن يذهبوا بها إلى نائب السلطان فأمر باختبارها وذلك بأن ملأوا أربع جرات بالماء وربطوها بيدها ورجليها وطرحوها في نهر الجون فلم تغرق ، فعلم أنها كفتار! ولو لم تطف على الماء لم تكن بكفتار ، فأمر بإحراقها بالنّار وأتى أهل البلد رجالا ونساء فأخذوا رمادها وزعموا أنه من تبخر به أمن في تلك السنة من سحر كفتار!

حكاية [سحر الجوكية]

بعث إلي السلطان يوما وأنا عنده بالحضرة فدخلت عليه وهو في خلوة وعنده بعض خواصه ورجلان من هؤلاء الجوكية وهم يلتحفون بالملاحف ويغطّون رؤوسهم لأنهم ينتفونها بالرماد كما ينتف الناس أباطهم. فأمرني بالجلوس فجلست ، وقال لهما : إن هذا العزيز من بلاد بعيدة فأرياه ما لم يره! فقالا : نعم ، فتربع أحدهما ثم ارتفع عن الأرض حتى صار في الهواء فوقنا متربعا ، فعجبت منه ، وأدركني الوهم فسقطت إلى الأرض! فأمر السلطان أن أسقي دواء عنده فأفقت وقعدت وهو على حاله متربع ، فأخذ صاحبه نعلا من شكارة كانت معه فضرب بها الأرض كالمغتاظ فصعدت إلى أن علت فوق عنق المتربّع وجعلت تضرب في عنقه وهو ينزل قليلا حتى جلس معنا ، فقال لي السلطان : إن المتربع هو تلميذ صاحب النّعل ، ثم قال : لولا أني أخاف على عقلك لأمرتهم أن ياتوا بأعظم مما رأيت! فانصرفت عنه وأصابني الخفقان ومرضت حتى أمر لي بشربة أذهبن ذلك عني.

ولنعد لما كنا بسبيله ، فنقول : سافرنا من مدينة برون إلى منزل أمواري ، ثم إلى منزل كجرّا (٤٣) وبه حوض عظيم طوله نحو ميل وعليه الكنائس فيها الأصنام ، قد مثّل بها المسلمون، وفي وسطه ثلاث قباب من الحجارة الحمر على ثلاث طباق وعلى أركانه الأربعة أربع قباب ، ويسكن هنالك جماعة من الجوكية وقد لبّدوا شعورهم وطالت ، حتى صارت في طولهم وغلبت عليهم صفرة الألوان من الرياضة ، وكثير من المسلمين يتبعونهم ليتعلموا منهم ، ويذكرون أن من كانت به عاهة من برص أو جذام يأوي إليهم مدة طويلة فيبرأ بإذن الله تعالى.

__________________

(٤٣) أمواري Amouary لم نصل إلى تحديد موقعها ... أما كجرّا فإن القصد على ما يبدوا إلى خجره (khajuraho) التي تقع على بعد ٢٧ ميلا شرقي اقليم CHHATARPUR ، و ٢٥ ميلا شمال غربي بنّا (BANNA) بالرغم من المنعرجات الظاهرة في خط الرحلة ، وإنّ الوصف الذي قدمه ابن بطوطة يتفق مع الوصف الذي يوجد عن هذا الموقع في التقارير الهندية Gibb : Selec. P. ٣٦٣ N. ٥ Bekingham : Travel ٤ P. ٠٩٧.

٢١

وأول ما رأيت هذه الطائفة بمحلة السلطان طرمشيرين ملك تركستان ، وكانوا نحو خمسين فحفر لهم غار تحت الأرض ، وكانوا مقيمين به لا يخرجون إلا لقضاء حاجة.

ولهم شبه القرن يضربونه أول النهار وآخره وبعد العتمة ، وشأنهم كله عجب ومنهم الرجل الذي صنع للسلطان غياث الدين الدامغاني سلطان بلاد المعبر حبوبا يأكلها تقوية على الجماع (٤٤) ، وكان من أخلاطها برادة الحديد ، فأعجبه فعلها فأكل منها أزيد من مقدار الحاجة فمات ، وولي ابن أخيه ناصر الدين فأكرم هذا الجوكي ورفع قدره!

ثم سافرنا إلى مدينة جنديري (٤٥) ، وضبط اسمها بفتح الجيم المعقود وسكون النون وكسر الدال المهمل وياء مد وراء مدينة عظيمة لها أسواق حافلة يسكنها أمير أمراء تلك البلاد عز الدين البنتاني ، بالباء الموحدة ثم النون ثم التاء المثناة مفتوحات ثم ألف ونون ، وهو المدعوا بأعظم ملك. وكان خيّرا فاضلا يجالس أهل العلم ، وممن كان يجالسه الفقيه عز الدين الزّبيري والفقيه العالم وجيه الدين البياني ، نسبة إلى مدينة بيانة التي تقدم ذكرها (٤٦) والفقيه القاضي المعروف بقاضي خاصّة ، وإمامهم شمس الدين ، وكان النائب عنه على أمور المخزن يسمى قمر الدين ، ونائبه على أمور العسكر سعادة التّلنكي من كبار الشجعان ، وبين يديه تعرض العساكر وأعظم ملك لا يظهر إلا في يوم الجمعة أو غيرها نادرا.

ثم سرنا من جنديري إلى مدينة ظهار ، وضبط اسمها بكسر الظاء المعجم ، وهي مدينة المألوة أكبر عمالة تلك البلاد ، وزرعها كثير خصوصا القمح ، ومن هذه المدينة تحمل أوراق التنبول إلى دهلي وبينهما أربعة وعشرون يوما.

وعلى الطريق بينهما أعمدة منقوشة عليها عدد الأميال فيما بين كلّ عمودين فإذا أراد المسافر أن يعلم عدد ما سار في يومه وما بقى له إلى المنزل أو إلى المدينة التي يقصدها قرأ النقش الذي في الأعمدة فعرفه! ومدينة ظهار اقطاع للشيخ ابراهيم الذي من أهل ذيبة المهل.

__________________

(٤٤) سياتي عند الحديث عن غياث الدّين كلام أيضا حول هذه الحبوب التي تزيد في قوة الجماع IV ، ١٩٩ ـ ٢٠٠. وحول ابن أخيه ناصر الدين انظر ج.IV ، ٢٠٢ ـ ٢٠٣

(٤٥) تقع مدينة جنديري Tchendiri في إقليم گونا (Guna) قلعة مهمة فتحت في فترة علاء الدين الخلجي وحول أعظم ملك ـ عز الدّين البنتاني انظر ج IV ص ٦.

(٤٦) يعني ج IV ص ٥ وقد تقدم ذكر ظهار ج III ، ٣٢٩ ولكن من غير أن يحددها وينبغي أن يكون القصد إلى DHAR ، ويلاحظ مزيك (Mzik) أن ابن بطوطة كان عليه أن يمر عبرUjjAIN قبل أن يصل DHAR.

٢٢

حكاية [بطيخ الشيخ ابراهيم]

كان هذا الشيخ إبراهيم قدم على هذه المدينة ونزل بخارجها فأحيى أرضا مواتا هنالك وصار يزدرعها بطيخا فتأتى في الغاية من الحلاوة ليس بتلك الأرض مثلها ويزرع الناس بطيخا فيما يجاوره فلا يكون مثله ، وكان يطعم الفقراء والمساكين فلما قصد السلطان إلى بلاد المعبر(٤٧) أهدى اليه هذا الشيخ بطيخا فقبله واستطابه رأقطعه مدينة ظهار ، وأمره أن يعمّر زاوية بربوة تشرف عليها فعمرها أحسن عمارة وكان يطعم بها الوارد والصادر ، وأقام على ذلك أعواما ثم قدم على السلطان ، وحمل إليه ثلاثة عشر لكّا ، فقال : هذا فضل مما كنت أطعمه الناس ، وبيت المال أحق به ، فقبضه منه ولم يعجب السلطان فعله لكونه جمع المال ولم ينفق جميعه في اطعام الطعام!

وبهذه المدينة أراد ابن اخت الوزير خواجة جهان (٤٨) أن يفتك بخاله ويستولي على أمواله ويسير إلى القائم ببلاد المعبر فنمى خبره إلى خاله فقبض عليه وعلى جماعة من الأمراء وبعثهم إلى السلطان فقتل الأمراء ورد ابن أخته إليه ، فقتله الوزير.

حكاية [ابن أخت الوزير وجاريته]

ولما رد ابن أخت الوزير إليه أمر به أن يقتل كما قتل أصحابه وكانت له جارية يحبها فاستحضرها وأطعمها التّنبول وأطعمته وعانقها مودعا ثم طرح للفيلة ، وسلخ جلده وملى تبنا ، فلما كان من الليل خرجت الجارية من الدار فرمت بنفسها في بئر هنالك تقرب من الموضع الذي قتل فيه فوجدت ميتة من الغد فأخرجت ودفن لحمه معها في قبر واحد ، وسمى ذلك قبور عاشقان ، وتفسير ذلك بلسانهم قبر العاشقين.

ثم سافرنا من مدينة ظهار إلى مدينة أجين ، وضبط اسمها بضم الهمزة وفتح الجيم وياء نون ، مدينة حسنة كثيرة العمارة وكان يسكنها الملك ناصر الدين بن عين الملك من الفضلاء الكرماء العلماء ، استشهد بجزيرة سندابور حين افتتاحها ، وقد زرت قبره هنالك ، وسنذكره(٤٩)، وبهذه المدينة كان سكنى الفقيه الطبيب جمال الدين المغربي الغرناطي الأصل.

__________________

(٤٧) تمت حملة السلطان على بلاد المعبر في عام ٧٣٥ ـ ١٣٣٥ انظر ج I ، ٤٢٦ وانظر ج III ـ ٤٥ ـ ٥٨ ١٤٤ ـ ٢١٢ ـ ٢١٤ ـ ٢٢٧ ـ ٢٤٥ ـ ٢٣٤ ـ ٢١٨ ـ ٤١١

(٤٨) خواجة جهان : لقب منح من لدن السلطان لأحمد ابن إياس وتوجد عدة أماكن تتعلق به. انظر التعليق السابق ص ٤٧

(٤٩) يلاحظ أن ابن بطوطة لم يف بوعده في الحديث عن القبر ، وسنرى IV ، ٦٨ نفس الحال بالنسبة للأمير هريب ... وعن افتتاح المسلمين لجزيرة سندابور التي يسميها المسلمون God ـ يراجع ج IV ص ١٠٦ ـ ١٠٧ ـ عن جمال الذين الغرناطي انظر ج ، ٢٩٣ ـ III ٢٧٢.

٢٣

ثم سافرنا من مدينة أجين إلى مدينة دولة أباد (٥١) وهي المدينة الضخمة العظيمة الشأن الموازية لحضرة دهلي في رفعة قدرها واتساع خطتها ، وهي منقسمة ثلاثة أقسام : أحدها دولة أباد وهو مختص بسكنى السلطان وعساكره ، والقسم الثاني يسمى الكتكة ، (٥١) ، بفتح الكافين والتاء المعلوة التي بينهما ، والقسم الثالث قلعتها التي لا مثل لها ولا نظير في الحصانة ، وتسمى الدّويقير ، بضم الدال المهمل وفتح الواو وسكون الياء وقاف معقود مكسور وياء مد وراء ، وبهذه المدينة سكنى الخان الأعظم قطلوخان (٥٢) معلّم السلطان ، وهو أميرها والنائب عن السلطان بها ، وببلاد صاغر وبلاد التّلنك وما أضيف إلى ذلك ، وعمالتها مسيرة ثلاثة أشهر عامرة كلّها لحكمه ونوابه فيها.

وقلعة الدّويقر التي ذكرناها في قطعة حجر في بسيط من الأرض (٥٣) ، قد نحتت وبنىبأعلاها قلعة يصعد إليها بسلّم مصنوع من جلود ويرفع ليلا ويسكن بها المفردون وهم الزمّاميون (٥٤) بأولادهم ، وفيها سجن أهل الجرائم العظيمة في جبوب بها وبها فيران ضخام أعظم من القطوط والقطوط تهرب منها ولا تطيق مدافعتها لأنها تغلبها! ولا تصاد إلا بحيل تدار عليها ، وقد رأيتها هنالك فعجبت منها.

حكاية [فيران تأكل الرجال]

أخبرني الملك خطّاب الأفغاني (٥٥) أنّه سجن مرة في جب بهذه القلعة يسمى جب الفيران ، قال : فكانت تجتمع عليّ ليلا لتأكلني فأقاتلها ، وألقى من ذلك جهدا ، ثم إني رأيت في النوم قائلا يقول لي : اقرأ سورة الإخلاص مائة الف مرة ، ويفرج الله عنك ، قال : فقرأتها فلما أتممتها أخرجت.

__________________

(٥٠) دولة أباد : DEOGIRI ديوجير القديمة (دويقير عند ابن بطوطة) وقد وصف حصن ديوجير في السجل الجغرافي الهندي ... وقد كان فتح من لدن المسلمين عام ٦٩٣ ـ ١٢٩٤ واعترافا من السلطان محمد ابن تغلق بأهميته كقاعدة لحماية الجنوب الهندي اعطاه اسم دولة أباد ... واقتنع باعتباره كعاصمة عام ٧٢٧ ـ ١٣٢٧ ... وقبل وفاة السلطان استولى عليه قائد تمرد على الحكم واستقل عن دهلي إلى أن ظهر الامبراطور أكبر ١٥٧٥ م ٩٨٣ ه‍.

(٥١) كتكة تعني باللغة السّنسكرية : المعسكر الملكي.

(٥٢) هناك طائفة من المراجع التي تتعلق بقطلو خان وخاصةIII ، ١٤٣ وما يليها أما عن صاغر فسياتي الحديث عنها ج IV ص ٥٢ وعن بلاد التّلين :(Telingama) يراجع ج III ١٩٢ ...

(٥٣) بني هذا البرج على صخرة مخروطة من علو ٥٠ ميتر في العلو ـ الأكمة التي ينتصب عليها تقوم تقريبا على علو مائتي ميتر على شكل عمودي وتجاور السهل راجع التعليق ٥٠ سالف الذكر.

(٥٤) القصد إلى الجنود المسجّلين على الزّمام الخاص بالجيش.

(٥٥) تقدم ذكر الأفغاني كحاكم في رابري ج IV ص ٢٩ ، سورة الإخلاص أقصر سورة في القرآن رقم ١١٢.

٢٤

وكان سبب خروجي أن الملك ملّ كان مسجونا في جب يجاورني فمرض وأكلت الفيران أصابعه وعينيه فمات فبلغ ذلك السلطان ، فقال : أخرجوا خطّابا لئلا يتفق له مثل ذلك ، وإلى هذه القلعة لجأ ناصر الدين بن الملك ملّ المذكور والقاضي جلال حين هزمهما السلطان(٥٦).

وأهل بلاد دولة أبادهم قبيل المرهتة الذين خص الله نساءهم بالحسن وخصوصا في الأنوف والحواجب ، ولهن من طيب الخلوة والمعرفة بحركات الجماع ما ليس لغيرهن (٥٧) ، وكفار هذه المدينة أصحاب تجارات وأكثر تجاراتهم في الجوهر ، وأموالهم طائلة ، وهم يسمون الساهة(٥٨) ، واحدهم ساه بإهمال السين وهم مثل الأكارم بديار مصر (٥٩).

وبدولة أباد العنب والرمان ويثمران مرتين في السنة ، وهي من أعظم البلاد مجبى وأكبرها خراجا لكثرة عمارتها واتساع عمالتها.

وأخبرت أن بعض الهنود التزم مغارمها وعمالتها جميعا ، وهي كما ذكرناه ، مسيرة ثلاثة أشهر بسبعة عشر كرورا ، والكرور مائة لكّ ، واللّك مائة ألف دينار ولكنه لم يف بذلك فبقى عليه بقية وأخذ ماله وسلخ جلده.

ذكر سوق المغنين

وبمدينة دولةأباد سوق للمغنّين والمغنيات تسمى طرب أباد ، من أجمل الأسواق وأكبرها ، فيه الدكاكين الكثيرة ، كلّ دكان له باب يفضي إلى دار صاحبه ، وللدار باب سوى ذلك! والحانوت مزين بالفرش ، وفي وسطه شكل مهد كبير تجلس فيه المغنية أو ترقد، وهي متزيّنة بأنواع الحلي وجواريها يحركن مهدها.

وفي وسط السوق قبّة عظيمة مفروشة مزخرفة يجلس فيها أمير المطربين بعد صلاة العصر من يوم كلّ خمسين ، وبين يديه خدامه ومماليكه وتأتي المغنيات طائفة بعد أخرى فيغنين

__________________

(٥٦) تقدم الحديث عن هذا الموضوع ج III ص ٣٦٢ ـ ٣٦٣ ويعتقد مهدى حسين ان ابن بطوطة غادر الهند قبل هذا التمرد ...

(٥٧) يعلّق الأمير مولاي العباس في مخطوطته الخاصة الموجودة بالخزانة الملكية على هذه الفقيرة بقوله : «اطعمنا الله من هذه النعمة»!! هذا وقد علّق بيكينگام على الموضوع مؤكدا أن رحّالة آخرين يشاطرون ابن بطوطة الرأي حول معرفة المهرتيات بأساليب الجماع ...! (يراجع IV ، ٢٩ تعليق ٣٣)

(٥٨) اسمهم بالسنسكرتية سارنها فاها وسانتها فاها وينطقها أهل سيلان ساتناهه أو ساتياهه ـ النّعيمي.

(٥٩) أفرد التجبيبي وصفا دقيقا لمسالك الحج من قوص إلى عيذاب ، ومعلوم مركز المدينتين في تجارة آسيا والهند التي كانت منتظمة في تلك الفترة بواسطة تجار عدن الذين كانوا يعرفون عند المصريين بالأكارم ولهم خان يخصهم في مدينة قوص التي كانت بحق مركزا تجاريا وعلميا متميزا على ما أسلفناه عند الحديث عن قوص وعيذاب ، (I) ، ١١٦ ، III ، ٢٥١ ، التجبيبي : مستفاد الرحلة والاغتراب تحقيق عبد الحفيظ منصور ، مصدر سابق.

٢٥

٢٦

بين يديه ويرقصن إلى وقت المغرب ثم ينصرف وفي تلك السوق المساجد للصلاة ، ويصلي الئمة فيها التّراويح في شهر رمضان ، وكان بعض سلاطين الكفار بالهند إذا مر بهذه السوق ينزل بقبتها ، ويغني المغنيات بين يديه ، وقد فعل ذلك بعض سلاطين المسلمين أيضا.

ثم سافرنا إلى مدينة نذربار (٦٠) ، وضبط اسمها بنون وبذال معجم مفتوحين وراء مسكن وباء موحدة مفتوحة وألف وراء ، مدينة صغيرة يسكنها المرهتة وهم أهل الاتقان في الصنائع والأطباء والمنجمون ، وشرفاء المرهتة هم البراهمة وهم الكتريون (٦١) أيضا ، وأكلهم الأرز والخضر ودهن السمسم ، ولا يرون بتعذيب الحيوان ولا ذبحه ويغتسلون للأكل كغسل الجنابة ، ولا ينكحون في أقاربهم إلا فيمن كان بينهم وبينه سبعة أجداد ، ولا يشربون الخمر وهي عندهم أعظم المعايب وكذلك هي ببلاد الهند عند المسلمين ، ومن شربها من مسلم جلد ثمانين جلدة ، وسجن في مطمورة ثلاثة أشهر لا تفتح عليه إلا حين طعامه ،

ثم سافرنا من هذه المدينة إلى مدينة صاغر ، وضبط اسمها بفتح الصاد المهمل وفتح الغين المعجم وآخره راء ، وهي مدينة كبيرة على نهر كبير يسمى أيضا صاغر (٦٢) كإسمها ، وعليه النواعير ، والبساتين فيها العنبا والموز وقصب السّكّر ، وأهل هذه المدينة أهل صلاح ودين وأمانة ، وأحوالهم كلها مرضية ولهم بساتين فيها الزوايا للوارد والصادر ، وكل من يبني زاوية يحبس البستان عليها ويجعل النظر فيه لأولاده ، فإن انقرضوا عاد النظر للقضاة.

والعمارة بها كثيرة والناس يقصدونها للتبرك بأهلها ولكونها محررة من المغارم والوظائف. ثم سافرنا من صاغر المذكورة إلى مدينة كنباية (٦٣) ، وضبط اسمها بكسر الكاف وسكون النون وفتح الباء الموحدة وألف وياء آخر الحروف مفتوحة ، وهي على خور من البحر وهو شبه الوادي تدخله المراكب ، وبه المد والجزر وعاينت المراكب به مرساة في الوحل حين الجزر فإذا كان المد عامت في الماء.

__________________

(٦٠) حول نذربار (NANDURBAR) يلاحظ أن ابن بطوطة غادر دولة أباد في الاتجاه الذي ورد منه ، ويفترض أن السفارة الهندية كانت تقصد إلى قالقوط عن طريق البر بيد أنّ ابن بطوطة علم وهو في دولة أباد أن السفر ربّما لا يكون آمنا وقد يتعرض للخطر سيما وأن ما يصحب السفارة من هدايا ثمين جدّا ...

(٦١) يتعلق الأمر بالكثترين وهو طائفة انحدرت من (Kshatryas) وهي فرقة تختلف عما سواها من الفرق القديمة في المجتمع الهندي.Enthoven : The Tribes and Castes of Bombay.

(٦٢) القصد بصاغر إلى (Songarh) في سافلة النهر الذي هو طابتي (TAPTI) ، وقد عوضت صاغر بعد القرن السادس عشر سورات SURAT ـ راجع التعليق ٥٢.

(٦٣) كان على ابن بطوطة أن يصل إلى كنبايةCambay في النصف الأول من شهر أكتوبر عام ١٣٤١ جمادى الأولى ٧٤٣ ه‍ ومن المهم أن نذكر هنا أن إفادات باربوزا (بداية القرن ١٦) أكّدت ما ورد في ابن بطوطة من الأهمية التي كانت لميناء هذه المدينة قبل أن يأفل نجمها.

٢٧

وهذه المدينة من أحسن المدن في إتقان البناء وعمارة المساجد ، وسبب ذلك أن اكثر سكانها التّجار الغرباء فهم أبدا يبنون بها الديار الحسنة والمساجد العجيبة ويتنافسون في ذلك ، ومن الديار العظيمة بها دار الشريف السامريّ الذي اتفقت لي معه قضية الحلواء وكذّبه ملك النّدماء (٦٤) ، ولم أر قط أضخم من الخشب الذي رأيته بهذه الدار ، وبابها كأنه باب مدينة ، والى جانبها مسجد عظيم يعرف باسمه ومنها دار ملك التجار الكازروني ، وإلى جانبها مسجده، ومنها دار التاجر شمس الدين كلاه دوز ومعناه خياط الشواشي.

حكاية [الثلاثة المخالفين]

ولما وقع ما قدمناه من مخالفة القاضي جلال الأفغاني أراد شمس الدين المذكور والناخوذة إلياس ، وكان من كبار أهل هذه المدينة ، وملك الحكماء الذي تقدم ذكره (٦٥) ، على ان يمتنعوا منه بهذه المدينة ، وشرعوا في حفر خندق عليها إذ لا سور لها فتغلب عليهم ودخلها واختفى الثلاثة المذكورون في دار واحدة وخافوا أن يتطلع عليهم فاتفقوا على أن يقتلوا أنفسهم، فضرب كل واحد منهم صاحبه بقتّارة ، وقد ذكرنا صفتها (٦٦) ، فمات اثنان منهم ، ولم يمت ملك الحكماء.

وكان من كبار التجار أيضا بها نجم الدين الجيلاني وكان حسن الصورة كثير المال وبنى بها دارا عظيمة ومسجدا ثم بعث السلطان عنه وأمّره عليها وأعطاه المراتب (٦٧). فكان ذلك سبب تلف نفسه وماله.

وكان أمير كنباية حين وصولنا اليها مقبل التلنكي ، وهو كبير المنزلة عند السلطان(٦٨). وكان في صحبته الشيخ زاده الأصبهاني نائبا عنه في جميع أموره ، وهذا الشيخ له أموال عظيمة وعنده معرفة بأمور السلطنة ، ولا يزال يبعث الأموال إلى بلاده ويتحيل في الفرار ، وبلغ خبره إلى السلطان وذكر عنه أنه يروم الهروب فكتب إلى مقبل أن يبعثه على البريد وأحضر بين يدي السلطان ووكّل به ، والعادة عنده أنه متى وكّل بأحد فقلّما ينجو! فاتفق هذا الشيخ مع الموكّل به على مال يعطيه إياه وهربا جميعا ، وذكر لي أحد الثقات أنه رآه في ركن مسجد بمدينة قلهات (٦٩) ، وأنه وصل بعد ذلك إلى بلاده وحصل على أمواله وأمن مما كان يخافه.

__________________

(٦٤) يراجع ج III ص ٤٢٢ ـ ٤٢٣.

(٦٥) يراجع ج III صفحة ٣٦٢ إلى ٣٧٢.

(٦٦) فعلا كان ذلك في ج / IV ص ٣١.

(٦٧) تراجع الفقرة الخاصة باستقبال الغرباء وتخصيصهم بالولايات والمراتب ج III ـ ٩٧ ـ ٩٨ ـ ٢٢٢ ـ ٢٢٩ ٢٣٣ ـ ٢٣٩ ـ ٢٤٣ ـ ٢٧٤ ـ ٢٩٨ ـ ٣٣٤ ـ ٤٢٧

(٦٨) يراجع ج III صفحة ٣٦٢ ـ ٣٧٢.

(٦٩) قلهات تقع في عمان ، ج.II ـ ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ـ ٢٣٦.

٢٨

حكاية [الأعورين]

واضافنا الملك مقبل يوما بداره فكان من النادر أن جلس قاضي المدينة ، وهو أعور العين اليمنى ، وفي مقابلته شريف بغدادي شديد الشبه به في صورته وعوره ، إلا أنه أعور اليسرى! فجعل الشريف ينظر إلى القاضي ويضحك ، فزجره القاضي ، فقال له : لا تزجرني فاني أحسن منك ، قال : كيف ذلك؟ قال لأنك أعور اليمنى وأنا أعور اليسرى! فضحك الأمير والحاضرون وخجل القاضي ولم يستطع أن يرد عليه ، لأن الشرفاء ببلاد الهند معظّمون أشدّ التعظيم.

وكان بهذه المدينة من الصالحين الحاج ناصر من أهل ديار بكر وسكناه بقبة من قباب الجامع دخلنا إليه وأكلنا من طعامه ، واتّفق له لما دخل القاضي جلال مدينة كنباية حين خلافه أنه أتاه ، وذكر للسلطان أنه دعا له ، فهرب لئيلا يقتل كما قتل الحيدري (٧٠).

وكان بها أيضا من الصالحين التاجر خواجة إسحاق ، وله زاوية يطعم فيها الوارد والصادر ، وينفق على الفقراء والمساكين ، وماله على هذا ينمّي ويزيد كثرة.

وسافرنا من هذه المدينة يعني كنباية إلى بلدة كاوي (٧١) ، وهي على خور فيه المد والجزر وهي من بلاد الريّ جالنسي الكافر وسنذكره ، وسافرنا منها إلى مدينة قندهار (٧٢) وضبط اسمها بفتح القاف وسكون النون وفتح الدال المهمل وهاء والف وراء ، وهي مدينة كبيرة للكفار على خور من البحر.

ذكر سلطانها (قندهار)

وسلطان قندهار كافر اسمه جالنسي (٧٣) بفتح الجيم واللام وسكون النون وكسر السين المهمل ، وهو تحت حكم الاسلام ويعطي لملك الهند هدية كلّ عام ، ولما وصلنا إلى قندهار خرج إلى استقبالنا وعظّمنا أشد التعظيم وخرج عن قصره فأنزلنا به ، وجاء إلينا من

__________________

(٧٠) يراجع ج III ٣١٠ ـ ٣١١. حول ديار بكر راجع II ـ ١٣١

(٧١) كاوي (القصد إلى Kava قبالة كنباية على الشاطئ الجنوبي لمصب نهر ماهي (MAHI).

(٧٢) قندهار (GANDHAR) ميناء هامّ كان في ذلك العهد ، على مصب نهر ذانذار (DHANDAR) أوDHADAR مباشرة جنوب كاوي. انظر الخريطة جنوب ولاية الكجرات.

(٧٣) جالنسي Jalansi هذا الاسم يتفق مع اسم لقبيلة تحمل اسم راجبوت (RAjPUT) وهم : جهالاس (JHALAS) وهناك علم ظهر في هذه الفترة من التاريخ ضمن لائحة لملوك ميروار (MERWAR) جنوب شرق راجستان (RADJASTAN). بيد أن ماروار توجد في الشمال أكثر ، وتوجد مفصولة عن قندهار (GANDHAR) بالجزرات تحت هيمنة دهلي على ذلك العهد ، Stephane II ,٥٨١ ـ Gibb ـ Selections ;P.٣٦٣ N.٠١.

٢٩

عنده من كبار المسلمين ، كأولاد خواجة بهرة (٧٤) ، ومنهم الناخودة ابراهيم له ستة من المراكب مختصة له ، ومن هذه المدينة ركبنا البحر.

ذكر ركوبنا البحر

وركبنا في مركب لابراهيم المذكور يسمى الجاكر ، بفتح الجيم والكاف المعقودة ، وجعلنا فيه من خيل الهدية سبعين فرسا ، وجعلنا باقيها مع خيل أصحابنا في مركب لأخي ابراهيم المذكور يسمى منورت ، بفتح الميم ونون وواو مد وراء مسكن وتاء معلوة ، وأعطانا جالنسي مركبا جعلنا فيه خيل ظهير الدين وسنبل وأصحابهما ، وجهز لنا بالماء والزاد والعلف وبعث ولده في مركب يسمى العكيري ، بضم العين المهمل وفتح الكاف وسكون الياء وراء ، وهو شبه الغراب ، الا أنه أوسع منه ، وفيه ستون مجذافا ويسقّف حين القتال حتى لا ينال الجذافين شيء من السّهم ولا الحجارة ، وكان ركوبي أنا في الجاكر وكان فيه خمسون راميا وخمسون من المقاتلة الحبشة ، وهم زعماء هذا البحر ، واذا كان بالمركب أحد منهم تحاماه لصوص الهنود وكفارهم.

ووصلنا بعد يومين إلى جزيرة بيرم (٧٦) ، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة وسكون الياء وفتح الراء ، وهي خالية وبينها وبين البر أربعة أميال فنزلنا بها واستقينا الماء من حوض بها ، وسبب خرابها أن المسلمين دخلوها على الكفار فلم تعمر بعد! وكان ملك التجار الذي تقدم ذكره أراد عمارتها وبنى سورها ، وجعل بها المجانيق وأسكن بها بعض المسلمين.

ثم سافرنا منها ووصلنا في اليوم الثاني إلى مدينة قوقة ، وهي بضم القاف الأولى وفتح الثانية ، وهي مدينة كبيرة عظيمة الأسواق (٧٧) أرسينا على أربعة أميال منها بسبب

__________________

(٧٤) البهرة يكوّنون إلى اليوم جماعة تنتمي للاسلام في الكجرات وبومباي ويمتازون بنشاطهم التجاري الفائق وبتنظيمهم الدقيق لحياتهم الاجتماعية حسبما ما وقفت عليه بالعيان عندما حضرت مهرجانا دينيا لهم في بومباي أبريل ١٩٧٥. وإذا كانت فرقة البهرة التي بالكجرات وبومباي تنتمي إلى الاسماعيلية فإن هناك فرقة أخرى من أهل السنة ، وهم في شمال كونكان Bekingham Konkan.

(٧٥) تم الإبحار كما نرى من مرسى قندهار الذي كان يحتل مكانة كبيرة من هذا الخليج الشهير بتاريخه عبر العصور بما في ذلك عمليات القرصنة التي كانت تشهدها بعض جزره ... ويذكر ابن بطوطة أن من جملة المراكب مركبا يشبه السفينة التي تحمل في اللسان العربي اسم الغراب ج اغربة : نوع من المراكب السريعة الحركة وتختص عادة بخفر السواحل وابلاغ البريد.

التازي : الأسطول المغربي عبر التاريخ ، مجلة البحث العلمي ٣٩ نونبر ١٩٨٢.

(٧٦) جزيرة بيرم (PIRAM) أوPerim على مقربة من مدخل خليج كنباية ، كانت معقلا مشهورا للقراصنة قبل أن يغير عليها السلطان محمد ابن تغلق ويدمّرها.

(٧٧) تقع Goga شمال بيرم على الساحل الغربي لخليج كنباية ... ويلاحظ انها لم تكن على طريق ابن بطوطة من قندهار إلى گوا ولكن السفينة قصدتها اما لغرض تقني أو انها اضطرت لذلك مجاراة للرياح ...

٣٠

الجزر ، ونزلت في عشاري مع بعض اصحابي حين الجزر لأدخل اليها فوحل العشاري في الطين، وبقى بيننا وبين البلد نحو ميل فكنت لما نزلنا في الوحل أتوكأ على رجلين من أصحابي ، وخوّفني الناس من وصول المد قبل وصولي اليها وأنا لا أحسن السباحة ، ثم وصلت إليها وطفت باسواقها ، ورأيت بها مسجدا ينسب للخضر وإلياس عليهما‌السلام ، صليت به المغرب ، ووجدت به جماعة من الفقراء الحيدرية مع شيخ لهم ثم عدت إلى المركب (٧٨).

ذكر سلطانها

وسلطانها كافر يسمى دنكول بضم الدال المهمل وسكون النون وضم الكاف وواو ولام ، وكان يظهر الطاعة لملك الهند وهو في الحقيقة عاص ، ولما أقلعنا عن هذه المدينة وصلنا بعد ثلاثة أيام إلى جزيرة سندابور وضبط اسمها بفتح السين المهمل وسكون النون وفتح الدال المهمل والف وباء موحدة وواو مد وراء ، وهي جزيرة في وسطها ست وثلاثون قرية (٧٩) ، ويدور بها خور واذا كان الجزر فماؤها عذب طيب ، وإذا كان المد فهو ملح أجاج ، وفي وسطها مدينتان إحداهما قديمة من بناء الكفار ، والثانية بناها المسلمون عند استفتاحهم لهذه الجزيرة الفتح الأول، وفيها مسجد جامع عظيم يشبه مساجد بغداد عمّره الناخودة حسن والد السلطان جمال الدين محمد الهنوري ، وسياتي ذكره وذكر حضوري معه لفتح هذه الجزيرة الفتح الثاني إن شاء الله (٨٠) ، وتجاوزنا هذه الجزيرة لما مررنا بها ورسينا على جزيرة صغيرة قريبة من البر (٨١) فيها كنيسة وبستان وحوض ماء ووجدنا فيها أحد الجوكية.

حكاية هذا الجوكي

ولما نزلنا بهذه الجزيرة الصغرى وجدنا بها جوكيا مستندا إلى حائط بدخانة ، وهي بيت الاصنام ، وهو فيما بين صنمين منها وعليه أثر المجاهدة فكلّمناه فلم يتكلم ، ونظرنا : هل معه طعام فلم نر معه طعاما ، وفي حين نظرنا صاح صيحة عظيمة فسقطت عند صياحه

__________________

(٧٨) حول الحيدرية يراجع ج II ص ٦ وج III ص ٧٩.

(٧٩) سندابورSandbur أو سندابور كانت اسما يطلق على جزيرة وخليج گواGoa المعروفين عند التجار الأقدمين المسلمين ... وقد كانوا افتتحوها عام ٧١٢ ـ ١٣١٢ وتداولت عليها الأيدي من هذا الطرف أو ذاك ج.II ـ ١٧٧ ـ ٢٥٤

(٨٠) ج IV ص ٦٨ ـ ٦٩ ... وكذا صفحة ١٠٦ ـ ١٠٧ من هذا الجزءIV.

(٨١) القصد إلى جزيرة أنجيديف (ANDJIDIV) التي تقع على بعد ١٠٠ ك. م جنوب گوGoa ، والجدير بالذكر هنا أن فاسكوا دي كاما الذي يذكرانه زار الجزيرة عام ١٤٩٨ ترك لنا وصفا مشابها ، الأمر الذي يؤيد مصداقية الرحالة المغربي ...

٣١

٣٢

جوزة من جوز النارجيل بين يديه ، ودفعها لنا فعجبنا من ذلك ودفعنا له دنانير ودراهم ، فلم يقبلها وأتيناه بزاد فردّه.

وكانت بين يديه عباءة من صوف الجمال مطروحة فقلّبتها بيدي فدفعها لي ، وكانت بيدي سبحة زيلع (٨٢) فقلّبها في يدي فأعطيته إياها ، ففركها بيده وشمها وقبّلها ، وأشار إلى السماء ثم إلى سمت القبلة ، فلم يفهم أصحابي إشارته ، وفهمت أنا عنه أنه أشار أنّه مسلم يخفي إسلامه من أهل تلك الجزيرة ، ويتعيش من تلك الجوز ، ولمّا وادعناه قبلت يده فأنكر أصحابي ذلك ففهم إنكارهم فأخذ يدي وقبّلها وتبسّم وأشار لنا بالانصراف فانصرفنا وكنت آخر أصحابي خروجا ، فجذب ثوبي فرددت رأسي إليه ، فأعطاني عشرة دنانير ، فلما خرجنا عنه قال لي أصحابي : لم جذبك؟ فقلت لهم : أعطاني هذه الدنانير ، وأعطيت لظهير الدين ثلاثة منها ولسنبل ثلاثة ، وقلت لهما : الرجل مسلم ، ألا ترون كيف أشار إلى السماء؟ يشير إلى أنه يعرف الله تعالى ، وأشار إلى القبلة يشير إلى معرفة الرسول عليه‌السلام وأخذه السبحة يصدّق ذلك ، فرجعا لما قلت لهما ذلك إليه ، فلم يجداه وسافرنا في تلك الساعة.

وبالغد وصلنا إلى مدينة هنور (٨٣) ، وضبط اسمها بكسر الهاء وفتح النون وسكون الواو وراء ، وهي على خور كبيرة تدخله المراكب الكبار ، والمدينة على نصف ميل من البحر وفي أيام البشكال ، وهو المطر ، يشتد هيجان هذا البحر وطغيانه فيبقى مدّة أربعة أشهر لا يستطيع أحد ركوبه إلا للصيد فيه ، وفي يوم وصولنا إليها جاءني أحد الجوكية من الهنود في خلوة وأعطاني ستة دنانير ، وقال لي : البرهمي بعثها إليك ، يعني الجوكي الذي أعطيته السبحة وأعطاني الدنانير فأخذتها منه وأعطيته دينارا منها فلم يقبله وانصرف ، وأخبرت أصحابي بالقضية وقلت لهما : إن شئتما نصيبكما منها ، فأبيا ، وجعلا يعجبان من شأنه ، وقالا لي : إن الدنانير الستة التي أعطيتنا إياها جعلنا معها مثلها وتركناها بين الصنمين حيث وجدناه ، فطال عجبي من أمره واحتفظت بتلك الدنانير التي أعطانيها.

واهل مدينة هنّور شافعية المذهب ، لهم صلاح ودين وجهاد في البحر وقوة ، وبذلك عرفوا حتى أذلهم الزمان بعد فتحهم لسندابور ، وسنذكر ذلك ، ولقيت من المتعبدين بهذه المدينة الشيخ محمد الناقوري أضافني بزاويته. وكان يطبخ الطعام بيده استقذارا للجارية

__________________

(٨٢) الزيلع : ضرب من صغار الودع ، الصدف ... وهناك (زيلع) : العلم الجغرافي : عاصمة البربرة التي تقدم الكلام عنها ج II ـ ١٨٠. حول بدخانة يراجع ج.III ـ ١٥١

(٨٣) هنور (HONAVAR) تقع في إقليم كانارا (KANARA) عند مصب نهر شاراواتي (SHARAVATI).

٣٣

والغلام! ولقيت بها الفقيه اسماعيل معلم كتاب الله تعالى وهو ورع حسن الخلق كريم النفس والقاضي بها نور الدين عليّا والخطيب ، ولا أذكر اسمه.

ونساء هذه المدينة وجميع هذه البلاد الساحلية لا يلبس المخيط ، (٨٤) إنما يلبسن ثيابا غير مخيطة تحتزم إحداهن بأحد طرفي الثوب وتجعل باقية على رأسها وصدرها ، ولهن جمال وعفاف ، وتجعل إحداهن خرص ذهب في أنفها (٨٥). ومن خصائصهن أنهنّ جميعا يحفظن القرآن العظيم ، ورأيت بالمدينة ثلاثة عشر مكتبا لتعليم البنات وثلاثة وعشرين لتعليم الأولاد ولم أر ذلك في سواها.

ومعاش أهلها من التجار في البحر ولا زرع لهم ، وأهل بلاد المليبار يعطون للسلطان جمال الدين في كلّ عام شيئا معلوما خوفا منه لقوته في البحر ، وعسكره نحو ستة آلاف بين فرسان ورجالة.

ذكر سلطان هنّور.

وهو السلطان جمال الدين محمد بن حسن من خيار السلاطين وكبارهم ، وهو تحت حكم سلطان كافر يسمى هريب ، سنذكره (٨٧) ، والسلطان جمال الدين مواظب للصلاة في الجماعة ، وعادته أن يأتي إلى المسجد قبل الصبح فيتلو في المصحف حتى يطلع الفجر فيصلي أول الوقت ثم يركب إلى خارج المدينة ، وياتي عند الضحى فيبدأ بالمسجد فيركع فيه ثم يدخل إلى قصره وهو يصوم الأيام البيض (٨٨) وكان أيام إقامتي عنده يدعوني للافطار

__________________

(٨٤) هذا الثوب هو الذي يعرف إلى الآن باسم الصّاري (LESARI).

(٨٥) ما يسمى ناث (NATH) يجعلنه يسار الأنف ...

(٨٦) محمد بن حسن شخصية لم نقف لها على ذكر لها فيما توفر لدينا من مصادر وهي تنتسب على ما يترجح لدينا إلى فريق من النواتية المسلمين الذين تمكنوا من بعض النقاط الساحلية : گوا ، وهنور الخ.

(٨٧) يقول ابن بطوطة هنا أنه سيتحدث عن هريب هذا وهو الوعد الذي لم يتحقق على نحو وعد به قبل عندما وعد بالحديث عن قبر الملك ناصر الدّين ابن عين الملك (٥٤ ,IV) فهل كانت تلك الفقرات وهذه مما أتت عليه عمليات الإيجاز التي قام بها ابن جزي؟! مهما يكن فإن هذا السلطان الذي لم يذكره مرة أخرى تم التعريف به مع هارهارا نريبّا لا (٥٧٣١ ـ ٠٤٣١)) HARIHARA ـ NRIPALA (حفيد هنّانريبّا (HONNA ـ NRIPA) الذي كان جنرالا عند فرابا لّا الثالث (VIRA BALLALA III) ، سلطان هاوزالا

Hoysala Ibn Battuta, voyages. T, III P. ٣٩١ Note ٧٨ Trad de l\'arabe de D. S. ٨٥٨١. INTROD. et notes de Stephane Yerasimos, EDIT. la Decouverte, PARIS ٠٩٩١.

(٨٨) القصد بالأيام البيض إلى يوم ١٣ ـ ١٤ ـ ١٥ من الشهر القمري التي كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصومها ...

٣٤

معه فاحضر لذلك ويحضر الفقيه علي والفقيه اسماعيل فتوضع أربع كراسي صغار على الأرض فيقعد على أحدها ويقعد كل واحد منا على كرسي.

ذكر ترتيب طعامه

وترتيبه أن يوتي بمائدة نحاس يسمونها خونجة (٨٩) ويجعل عليها طبق نحاس يسمونه الطّالم، بفتح الطاء المهمل وفتح اللام ، وتاتي جارية حسنة ملتحفة بثوب حرير فتقدّم قدور الطعام بين يديه ، ومعها مغرفة نحاس كبيرة فتغرف بها من الأرز مغرفة واحدة وتجعلها في الطّالم وتصب فوقها السمن ، وتجعل مع ذلك عناقيد الفلفل المملوح والزّنجبيل الأخضر والليمون المملوح والعنبا، فيأكل الانسان لقمة ويتبعها بشيء من تلك الموالح ، فإذا تمت الغرفة التي جعلتها في الطالم غرفت غرفة أخرى من الأرز وأفرغت دجاجة مطبوخة في سكرجة فيوكل بها الأرز أيضا فإذا تمت المغرفة الثانية غرفت وأفرغت لونا آخر من الدجاج توكل به ، فإذا تمت ألوان الدجاج أتوا بألوان من السّمك فيأكلون بها الأرز أيضا ، فإذا فرغت ألوان السمك أتوا بالخضر مطبوخة بالسمن والألبان فيأكلون بها الأرز ، فإذا فرغ ذلك كلّه أتوا بالكوشان وهو اللبن الرائب وبه يختمون إطعامهم فإذا وضع علم أنه لم يبق شيء يوكل بعده ، ثم يشربون على ذلك الماء السخن لأن الماء البارد يضرّ بهم في فصل نزول المطر.

ولقد أقمت عند هذا السلطان في كرة أخرى أحد عشر شهرا لم آكل خبزا ، إنما طعامهم الأرز وبقيت أيضا بجزائر المهل وسيلان وبلاد المعبر والمليبار (٩٠) ثلاث سنين لا آكل فيها إلا الأرز حتى كنت لا استسغيه إلا بالماء.

ولباس هذا السلطان ملاحف الحرير والكتان الرقاق يشدّ في وسطه فوطة ، ويلتحف ملحفتين إحداهما فوق الأخرى ويعقد شعره ويلف عليه عمامة صغيرة ، وإذا ركب لبس قباد والتحف بملحفتين فوقه ، وتضرب بين يديه طبول وأبواق يحملها الرجال.

وكانت إقامتنا عنده في هذه المرة ثلاثة أيام وزوّدنا وسافرنا عنه ، وبعد ثلاثة أيام وصلنا إلى بلاد المليبار بضم الميم وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة

__________________

(٨٩) الكلمة بالفارسية (KHWANTCHEH) واختصرت وعرّبت إلى خوان بمعنى الصّحن أو السّماط وهي العبارة التي اختارتها اليوم الخطوط الملكية المغربية للتعبير عن قائمة الطّعام (menu). والطّلم : يضم الطاء وتسكين اللّام: باللغة العربية ما يبسط عليه الخبر.

(٩٠) بلاد المليبار (Moulaibar) المعروفة بإنتاج الأبزار (le poivre) : الفلفل الأسود كما يسميه المشارقة .. وتتفق اليوم مع ولاية كيرالا : إحدى ولايات الهند ٢٢ ... وتستدل الهند أحيانا على حدودها التاريخية بما يرويه ابن بطوطة!

٣٥

وألف وراء ، وهي بلاد الفلفل ، وطولها مسيرة شهرين على ساحل البحر من سندابور إلى كولم، والطريق في جميعها بين ظلال الأشجار ، وفي كل نصف ميل بيت من الخشب فيه دكاكين يقعد عليها كلّ وارد وصادر ، من مسلم أو كافر وعند كل بيت منها بئر يشرب منها ، ورجل كافر موكل بها ، فمن كان كافرا يسقاه في الأواني ومن كان مسلما يسقاه في يديه ولا يزال يصب له حتى يشير له أو يكف ، وعادة الكفار ببلاد المليبار أن لا يدخل المسلم دورهم ولا يطعم في آنيتهم ، فإن طعم فيها كسّروها أو أعطوها للمسلمين ، وإذا دخل المسلم موضعا منها لا يكون فيه دار للمسلمين ، طبخوا له الطعام وصبّوه له على أوراق الموز وصبّوا عليه الإدام ، وما فضل عنه يأكله الكلاب والطير.

وفي جميع المنازل بهذا الطريق ديار المسلمين ينزل عندهم المسلمون فيبيعون منهم جميع ما يحتاجون إليه ، ويطبخون لهم الطعام ، ولولاهم لما سافر فيه مسلم ، وهذا الطريق الذي ذكرنا أنّه مسيرة شهرين ليس فيه موضع شبر فما فوق دون عمارة ، وكلّ إنسان له بستانه على حدة وداره في وسطه وعلى الجميع حائط خشب ، والطريق يمر في البساتين فإذا انتهى إلى حائط بستان كان هناك درج خشب يصعد عليها ودرج آخر ينزل عليها ودرج آخر ينزل عليها إلى البستان الآخر ، هكذا مسيرة الشهرين!

ولا يسافر أحد في تلك البلاد بدابّة ولا تكون الخيل إلا عند السلطان ، وأكثر ركوب أهلها في دولة على رقاب العبيد أو المستأجرين ، ومن لم يركب في دولة مشى على قدميه كائنا من كان ، ومن كان له رحل أو متاع من تجارة وسواها اكترى رجالا يحملونه على ظهورهم فترى هنالك التاجر ومعه المائة فما دونها أو فوقها يحملون أمتعتهم ، وبيد كلّ واحد منهم عود غليظ له زجّ حديد ، وفي أعلاه مخطاف حديد ، فإذا أعيا ولم يجد دكّانة يستريح عليها ركز عوده بالأرض وعلّق حمله منه ، فإذا استراح أخذ حمله من غير معين ومضى به.

ولم أر طريقا آمن من هذا الطريق ، وهم يقتلون السارق على الجوزة الواحدة ، فإذا سقط شيء من الثمار لم يلتقطه أحد حتى ياخذه صاحبه!

وأخبرت أن بعض الهنود مرّوا على الطريق فالتقط أحدهم جوزة ، وبلغ خبره إلى الحاكم فأمر بعود فركز في الأرض وبري طرفه الأعلى وأدخل في لوح خشب حتى برز منه ، ومدّ الرجل على اللوح وركز في العود وهو على بطنه حتى خرج من ظهره وترك عبرة للناظرين!

ومن هذه العيدان على هذه الصورة بتلك الطرق كثير ليراها الناس فيتعظوا ، ولقد كنا نلقى الكفار بالليل في هذه الطريق فإذا رأونا تنحوا عن الطريق حتى نجوز ، والمسلمون أعزّ الناس بها غير أنهم كما ذكرناه لا يؤاكلونهم ولا يدخلونهم دورهم.

٣٦

٣٧

وفي بلاد المليبار اثنا عشر سلطانا من الكفار (٩١) ، منهم القوي الذي يبلغ عسكره خمسين ألفا ، ومنهم الضعيف الذي عسكره ثلاثة آلاف ، ولا فتنة بينهم البتّة ، ولا يطمع القوي منهم في انتزاع ما بيد الضعيف ، وبين بلاد أحدهم وصاحبه باب خشب منقوش فيه اسم الذي هو مبدأ عمالته ، ويسمونه : باب أمان فلان ، وإذا فرّ مسلم أو كافر بسبب جناية من بلاد أحدهم ووصل باب أمان الآخر أمن على نفسه ، ولم يستطع الذي هرب عنه أخذه وإن كان القوي صاحب العدد والجيوش. وسلاطين تلك البلاد يورثون ابن الأخت ملكهم (٩٢) دون أولادهم ، ولم أر من يفعل ذلك إلا مسوّفة أهل اللثام وسنذكرهم فيما بعد(٩٣) ، فإذا أراد السلطان من أهل بلاد المليبار منع الناس من البيع والشراء أمر بعض غلمانه فعلق على الحوانيت بعض أغصان الأشجار بأوراقها فلا يبيع أحد ولا يشتري ما دامت عليها تلك الأغصان.

ذكر الفلفل

وشجرات الفلفل (٩٤) شبيهة بدوالي العنب ، وهم يغرسونها إزاء النارجيل فتصعد فيها كصعود الدوالي إلا أنها ليس لها عسلوح وهو الغزل كما للدوالي ، وأوراق شجره تشبه

__________________

(٩١) في الحقيقة نجد المؤرخين في بلاد المعبر والمليبار التي تقع جنوب جبل دلّى (Delly) استطاعوا أن يعدو ـ في القرن الثامن عشر ـ أكثر من ثمانية عشر سلطانا ، الأربعة الأساسيون الذي كانوا في عهد ابن بطوطة واستمروا فيما بعد : آل كولاتّيري :(Kolattiri) أصحاب كانّانور (Cannanor) شمال قاليقوط ، والسّامريون Zamorin أصحاب قاليقوط وآل راجا أصحاب كوشان (Cochin) جنوب قاليقوط ، وأصحاب كولم التي يسمونها (Quilon) جنوب كوشان ، وبين هؤلاء وأولئك وفي أخريات البلاد تلتئم سلسلة لإمارات صغيرة أدّى التنافس فيما بينها للتدخل البرتغالي ٩٠٠ ـ ١٤٩٥! أحمد زين الدّين المعبري المليباري : تحفة المجاهدين في أحوال البرتغاليين تحقيق محمد سعيد الطريحي مؤسسة الوفاء بيروت ١٤٠٥ ـ ١٩٨٥.

(٩٢) التنظيم الاجتماعي يأخذ بعين الاعتبار الانتساب للام وحده وقد تردد ذكر مثل هذا عند حديث المؤرخين عن بعض قبائل إفريقيا أنظر مادة (عادة) في دائرة المعارف الاسلامية ـ وأنظر التاريخ الدبلوماسي للمغرب ج ٥ ، ص ١٧.

(٩٣) مسّوفة قبيلة من البربر كانت تتمركز في غرب الصحراء يتميزون بنظامهم الاجتماعي المبنيّ على أنّ مرجعية النسب إلى الأم وليس إلى الأب على ما يذكر ، يراجع (IV ، ٣٨٨) ، هذا وعوض اللثام الذي هو الصواب نجد في بعض النسخ : الشام!

(٩٤) الفلفل :(Poivre) هو بالذات الذي يخصّ في المغرب باسم الأبزار ، ولا يعرف في بلادنا باسم الفلفل، انما الفلفل هو النبات المعروف ، وينعت الفلفل في بعض بلاد المشرق بالفلفل الأسود تمييزا له عن الفلفل : النبات، ومعلوم أن بلاد الابزار هي المليبار ...!

هذا وكلّ النسخ تذكر عسلون بالنون وهو تحريف لكلمة عسلوج بالجيم التي تعني نفس ما تعنيه الكلمة العربية : الغزل (ج. غزول)(Vrille) وهي العروق اللينة التي تنطلق من الدالية أو اللّواية أو العليق لتشتبك بنحو الشجرة والجدار وتكون بمثابة خيوط (تغزل) الدالية بما جاورها ، والكلمة من دقائق اللغة العربية المستعملة من لدن ابن بطوطة ... انظر لسان العرب مادة عسلج ـ دوزي مادة غزل.

٣٨

آذان الخيل ، وبعضها يشبه أوراق العلّيق ، ويثمر عناقيد صغارا حبّها كحبّ أبي قنينة (٩٥) إذا كانت خضرا ، وإذا كان أوان الخريف قطفوه وفرشوه على الحصر في الشمس ، كما يصنع بالعنب عند تزبيبه ولا يزالون يقلّبونه حتى يستحكم يبسه ويسودّ ثم يبيعونه من التجار ، والعامة ببلادنا يزعمون أنهم يقلونه بالنار! وبسبب ذلك يحدث فيه التكريش ، وليس كذلك ، وإنما يحدث ذلك بالشمس ، ولقد رأيته بمدينة قالقوط يصبّ للكيل كالذّرة ببلادنا.

وأول مدينة دخلناها من بلاد المليبار مدينة أبي سرور (٩٦) ، بفتح السين ، وهي صغيرة على خور كبير كثيرة أشجار النّارجيل ، وكبير المسلمين بها الشيخ جمعة المعروف بأبي ستة أحد الكرماء ، أنفق أمواله على الفقراء والمساكين حتى نفدت.

وبعد يومين منها وصلنا إلى مدينة فاكنور (٩٧) ، وضبط اسمها بفتح الفاء والكاف والنون وآخره راء ، مدينة كبيرة على خور ، بها قصب السكّر الكثير الطيب الذي لا مثل له بتلك البلاد ، وبها جماعة من المسلمين يسمّى كبيرهم بحسين السلاط ، وبها قاض وخطيب ، وعمّر بها حسين المذكور مسجدا لاقامة الجمعة.

ذكر سلطانها

وسلطان فاكنور كافر اسمه باسدو (٩٨) ، بفتح الباء الموحدة والسين المهمل والدال المهمل وسكون الواو ، وله نحو ثلاثين مركبا حربية ، قائدها مسلم يسمى لولا ، وكان من المفسدين يقطع بالبحر ويسلب التجار ، ولما أرسينا على فاكنور بعث سلطانها إلينا ولده فأقام بالمركب كالرهينة ، ونزلنا إليه فأضافنا ثلاثا بأحسن ضيافة تعظيما لسلطان الهند وقياما بحقه ورغبة فيما يستفيده في التجارة مع أهل مراكبنا.

ومن عادتهم هنالك أن كل مركب يمر ببلد فلا بد من إرسائه بها وإعطائه هدية لصاحب البلد يسمونها حق البندر ، ومن لم يفعل ذلك خرجوا في اتباعه بمراكبهم وأدخلوه المرسى قهرا وضاعفوا عليه المغرم ، ومنعوه عن السفر ما شاءوا.

__________________

(٩٥) حار المعلقون في البحث عن معنى أبي قنينة والكلمة معروفة في شمال المغرب الذي ينتسب إليه ابن بطوطة وهو نبات يكثر في المناطق الجبلية يستعمل حبه لعدة أغراض على ما قلناه في المقدمة ...

(٩٦) مدينة أبي سرور :(BARCELORE) التي تنتج الأرز حسب باربوزا ، BARBOSA وقد أنشأ الهولانديون هنا فيما بعد وكالة تجارية. ولا وجود للمدينة اليوم.

(٩٧) فاكّنّور هي (BACCANORE) القرية التي تحمل حاليا اسم (BARKUR)

(٩٨) كانت المنطقة في ذلك العهد محكومة من لدن دولة آل ألوبّا (ALUPA) حليفة هاوزالا (HOYSALA)

سالفة الذكر ، كان السلطان هوكولا سيخارا الوبّاندرا ـ دوفا الثاني (Kulasekhar Alupendra Deva II) حوالي سنة ١٣٣٥ ـ ١٣٥٤ صاهر هاوّزالا فيرابالّا الثالث Hoysala vira Ballala III ـ هناك نقش بتاريخ ٧٤٥ ـ ١٣٤٥ يثبت حكمه في باراكورو (BARAKURU).

٣٩

وسافرنا منها فوصلنا بعد ثلاثة أيام إلى مدينة منجرور (٩٩) ، وضبط اسمها بفتح الميم وسكون النون وفتح الجيم وضم الراء ، وواو وراء ثانية ، مدينة كبيرة على خور يسمى خور الذّنب ، بضم الدال المهمل وسكون النون وباء موحدة ، وهو أكبر خور (١٠٠) ببلاد المليبار وبهذه المدينة ينزل معظم تجار فارس واليمن ، والفلفل والزنجبيل بها كثير جدا.

ذكر سلطانها

وهو من أكبر سلاطين تلك البلاد ، واسمه رام دو (١٠١) بفتح الراء والميم والدال المهمل وسكون الواو ، وبها نحو اربعة آلاف من المسلمين يسكنون ربضا بناحية المدينة ، وبما وقعت الحرب بينهم وبين أهل المدينة فيصلح السلطان بينهم لحاجته إلى التجار ، وبها قاض من الفضلاء الكرماء شافعي المذهب يسمى بدر الدين المعبري وهو يقرئ العلم صعد الينا إلى المركب ورغب في النزول إلى بلده ، فقلنا حتى يبعث السلطان ولده يقيم بالمركب ، فقال : إنما فعل ذلك سلطان فاكنور لانه لا قوة للمسلمين في بلده ، وأما نحن فالسلطان يخافنا فأبينا عليه إلا إن بعث السلطان ولده ، فبعث ولده كما فعل الآخر ، ونزلنا اليهم وأكرمونا إكراما عظيما وأقمنا عندهم ثلاثة أيام.

ثم سافرنا إلى مدينة هيلي (١٠٢) ، فوصلنا بعد يومين ، وضبط اسمها بهاء مكسورة وياء مد ولام مكسورة ، وهي كبيرة حسنة العمارة على خور عظيم تدخله المراكب الكبار ، وإلى هذه المدينة تنتهي مراكب الصين ولا تدخل الّا مرساها ومرسى كولم ، وقالقوط.

__________________

(٩٩) منجرور هي (MANGALORE) جنوب كانارا (Kanara) وشمال جبل دلّي Delly , وقد ورد ذكرها عند وارثيما (Warthema) عندما قال إنه يوسق منها سنويا ٦٠ سفينة من الأرز ... وقد نصّ ابن بطوطة على أنها كانت ملتقى تجاريا دوليا كما نرى.

(١٠١) رام دو (Ram Deo) من المعروف أن منجرور أو منگالور كانت جزءا كذلك من ممتلكات آل (ALUPA) ، وكانت في أغلب الأحيان عاصمة لفرع من الدولة ، ولكنه لا يعرف في تلك الفترة أي شخص كان يحكم في هذه المدينة.

(١٠٢) تحدّث عدد من المؤلفين عن هيلي (ELI) ويروي ماركوبولو عن الفلفل الاسود (الأبزار) الذي ينبت بها بكثرة وكذا الزنجبيل (GINGEMBRE) ، كما تحدث عنها نيكولو كونتي N.Conti في القرن ١٥ أما باربوزا فلم يتحدث في بداية القرن ١٦ الا عن «جبل إيلي» (DELY) ... وان وصف ابن بطوطة المتعلق بالخور العظيم يمكّن من تحديد المكان في مادايي (MAdayi) الواقعة بالخور العظيم حاليا على بعد ثمانية أميال جنوب جبل ديلي Gibb : Ibn Battuta in Asia and Africa ـ P. ٤٦٣. Note ٤١.) DELLY)

٤٠