رحلة ابن بطوطة - ج ٤

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٤

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-010-9
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٣٥١

أجرى الله الصالحات على يدي من أجراه ، وتقبّل أعماله التي قدّمها لأخراه بمنّه ويمنه.

فصل

ولما تخلصت الزاوية التي هي شمس والزوايا كواكب ، وتم ذلك المصنع الذي هو بحر والمصانع أنهار ومذانب. أمر مولانا أيّده الله بكتب ظهير كريم بتعيين مرتبات للقائمين هنالك بالوظائف ، وجرايات للمتولين لاشغالها المرضية السالف والخالف ، وأن يرتب هنالك جملة من الفقراء الصوفيّة أولي الأسرار القلبية ، والأنوار القدسيّة ، ليقيموا هنالك لإقامة الذكر ، ملعنين مع ـ شيخهم ـ بالحمد لله والشكر ، عامرين المجالس التي تحف بها ملائكة الرحمن. وتتنزّل عليها الرحمة في كل الأحيان ، سالكين مسالك أهل الطريق ، دارجين على مقامات أهل التحقيق. مكرمين للضياف ، موضحين لهم سبل الائتلاف. جامعين لهم على مركز التقوى ، معلقين آمالهم بالأسباب التي لا تزال تقوى.

وكذلك تعيّنت الجرايات لجملة من الخدم المتزوجات لأمثالهن عددا من العبيد المجتمعين في قبضة الرقّ السعيد المختارين للتحبيس على ذلك الموضع الذي هو أبدع من القصر المشيد ، ليقوموا بتنظيف تلك الديار ، وخدمة الزوّار ، وعمل الأطعمة العميمة الإيثار.

وعيّنت للقبّة السعيدة وسائر البيوت فرش حسنة النعوت ، من الطنافس والقطف ، والزرابي واللحف.

وصدرت بخطي تلك الظهائر الكريمة ، والمراسم الشريفة. واستقر الحال على ما ترضاهالإمامة المنيبة والخلافة المنيفة. ونجحت الأمور ، وثلجت برؤية الصدور الصدور. وزادت الأنوار ، وتوالت الأذكار ، ورقت شمائل الأسرار. وهبّت الصبا والشمائل بالاستبشار. فهي زاوية سعيدة السعداء إلّا أنها في الغرب ، ورياض ربيع إلّا أنه نابت منها بالقرب.

فصل

ومن جملة من سكن هذه الزاوية المباركة من الواردين عليها ، والصلحاء القاصدين إليها ، ولي من الأولياء أقام هنالك نحو نصف عام صامتا لا يتكلّم ، صائما الدهر يتحدّث ويتألّم. مقبلا على العبادة ، طالبا كيمياء السعادة. لا يلتفت إلى مخلوق ، ولا يفتر عن أداء ما لله عليه من حقوق.

إلى أن اعتراه مرض برح به ، ووصل سبب التألّم بسببه. فعند ذلك تكلّم بما خفّ ، ومد للمصافحة الكف. وصرف وجهه إلى رؤية القاصد. وغدا ألمه موصولا ، فاحتاج إلى العائد.

٣٢١

وأنا ممن زرته في آخر عام ثمانية وخمسين وسبعمائة ، فأسمعني كلامه ، وأولاني برّه وإكرامه. فرأيت منه رجلا أطال شأو المجاهدات ، وتوغل في ارتياد رياض الرياضات ، وجعل لذاته في ترك اللّذات ، وصفى باطنه من كدورات الشهوات ، حتى لحق بمن هام في وادي الفناء الذي هو وجود ، وغاص في بحور المحو الذي هو إثبات مشهود. وتحلّى بفرائد التفريد ، وكتب في جرائد التجريد. وأنس باللوائح والطوالع ، وانتعش بالبواده واللوامع. وهام بالمحادثات والمكالمات ، وكلّف بالمشاهدات والمحاضرات. وتاه في بيداء السحق والمحق. وانتقل إلى بقاع الجمع من حضيض الفرق. وشرب من عين الحياة ، واجتلى شموس الحقائق باهرة الآيات. واحتسى كؤوس المحبّة على بساط الوفاء ، ووقف لاجتلاء كعبة الأسرار على صفاء الصفاء.

نفع الله بمنّ هذه أوصافه ، وحيّا الله من اهتزّت لسماعها أعطافه. والله يجبر صدع من ردّ من الباب ، إلى ظلمة الحجاب. وحسده الشيطان في الدخول مع الأحباب واستنشاق نواسم الاقتراب. فهو متبع هواه. متردّ في مهواه. قد ردّ من أمره في الحافرة ، وآثر الدنيا على الآخرة. ونفسي بهذا أعني ، فما أجدرني ببكاء على الذنوب وحزني ، وعودي إلى التوبة التي تقرّب إلى الله وتدنّي ، وخروجي عن الدنيا التي لا تنفع طالبها ولا تغني.

رجع الحديث :

وطلبت من هذا الشيخ المبارك أن يعرّفني بشيخه الذي سلك على يديه ، واستند في حسن التربية إليه. فأعرض عن الجواب ، واشتغل بذكر رب الأرباب. فقنعت منه بالدعاء ، وفارقته مفارقة الظمآن للماء.

ثم إنه بعد ذلك أبل ، وعافاه الله عزه وجلّ ، فتشوّف لرؤية مولانا أمير المؤمنين أيّده الله ونصره ، وشكر في اعتنائه بالصالحين وردّه وصدره. فأخلى له مجلسه ، واستدعاه وأنسه. فلم يزد الشيخ على حمد الله والثناء عليه وانصرف إلى حلّه الذي اشتاق إليه ، وعاد إلى انقطاعه وتخلّيه ، والاشتغال بتحلّيه العائد بتجلّيه.

ولم يزل مولانا أيّده الله معتقدا فيه وفي أمثاله ، معتملا في الاهتمام بأهل الله تعالى أعظم اعتماله. فالله يثيبه وينفعه ، ويحيطه بالعمر الطويل ويمتعه بمنّه ويمنه.

فصل

وكان المقدّم شيخ الصوفية بهذه الزاوية المباركة عند خلاصها. ومتولى الإمامة بجامعها الأكرم المناسب لشرف اختصاصها الفقيه الصالح الزاهد أبا عبد الله محمد بن الفقيه الجليل المعظّم الأصيل رئيس المغرب وحسنة عصره المعجب به المغرب أبي محمد عبد

٣٢٢

الله بن أبي مدين. فقال الواجب ، وسلك في أموره على السنن اللاحب.

ولما حصل مفتاح الزاوية بيده ، وناسبت أحوالها الحسنة حسن معتقده ، واستحق ذلك الطوق جيّد ولايته ، وكانت تلك الخطة بداية في تقديمه ، ونهاية رعايته ، رأى حفظه الله أن يشهر أحوال تلك الزاوية في الآفاق ، ويشيع في المعمور عمارتها الجميلة الوفاق. ليقدم عليها الوفود ، وتكرم بمعاهدها العهود. وتحطّ بها الرحال ، وتستقدم ببركتها الآمال ، وتستكفى بحماها الخطوب ، وتستجلى بروحها الكروب. وتتيّسر للضعفاء الأقوات ، وتصفو من كدرها الأوقات.

فاستدعى أهل فاس إلى الحضور بجامع القرويين في يوم أخذت به السعود مأخذها ، واسترجعت الأفراح من يد الزمان أخائذها. واسترجعت في ميزان الابتهاج تباشيره ، واستوضحت في وجه السرور أساريره. وطاف بكعبة الآمال طواف القدوم ، وأبدى من محاسنه ما هو أبدع من الوشي المرقوم.

فجاء الناس زرافات وأفذاذا ، وأغذوا إلى إجابة داعيهم اغذاذا ، ولم تتسلل البشرى عنهم لوذا بل أنفذ لهم حكم السعادة إنفاذا وأسرعوا إلى الجامع الأعظم إسراع الحجج ليلا بين العلمين ، وازدحموا بصحنه ازدحام الركائب ليلة النفر بالمأزمين. فما راعهم إلّا بروز الشيخ الصالح الولي أبي يعقوب يوسف عمر الإمام نفع الله به فوقف للدعاء مليا. وأفصح بالثناء على مولانا أيّده الله بديا.

ولم ينشب الناس أن أمنوا على دعائه ، وأثنوا أعظم من ثنائه ، وحمدوا الله ملء أرضه وسمائه. وقد كان شيوخ الزوايا مجتمعين ، والفقراء السفّارة للأوامر مستمعين. وبيد قيّم الزاوية مفتاحها الضامن للفتوح ، المبشّر بالخير الممنوح الذي فعله حميد ، وكل بصر برؤية حديده حديد.

فلما طلع حاجب الشمس ، وتعرف الأفق بالفصل منها والجنس. خرج خدمة الزاوية مع الفقراء ، وأمامهم صدور الشرفاء ، وأعلام الفقهاء ، وغيرهم من الأعيان الحسباء ، ومن انخرط في سلك الدهماء. رافعين أصواتهم بالأذكار والدعاء ، مفعمة أنوفهم بالعنبر والورد والكباء. مرسلة عليهم مزن القوارير بغيوث ماء الورد مشوبا بالعبير ، مفضوضة لهم نوافح المسك الأذفر. مضمخة ذيول نسيمهم بشذاه الأذكى وعرفه الأعطر.

وبرزت لذلك المشهد الكريم ربّات الحجال ، والمخدرات المحمية ببيض النصال. وامتأت الطرق بالشبّان والكهول والشيب ، داعين السميع المجيب ، مظهرين للمحبّة التي استجليت ضرائبها المنزهة عن الضريب كالضريب. مخلصين لمولانا أمير المؤمنين المنصور الذي جاء

٣٢٣

بالترغيب والترهيب.

ثم خرجوا على باب المحروق فغصّت الأباطح بأصناف الخلائق. وانتشروا بتلك الأرجاء انتشار النواسم في الحدائق ، وتجاذبوا أهذاب المسرّات الواضحة الحقائق ، والابتهاج الذي أبان لهم أوضح الطرائق ، إلى أن أفضوا إلى الزاوية النّيرة الطالعة الأنوار ، وقدموا منها على محل الجود والإيثار ، والفضائل التي تحلّت بها عواطل الاعصار ، واشتهر ذكرها في الأقطار والأمصار.

ودخلوا بابها الذي فتح للسعود أبوابا ، وحلّوا بجنابها الذي فسح للخيرات جنابا ، وعجبوا من صنائعها ، وقيّدوا أبصارهم ببدائعها. وأطالوا بها الأذكار ، واستنزلوا بأسرار قلوبهم الأنوار.

وكان فيمن حضر ذلك الحفل الشيخ الشاعر الشهير أبو إسحاق الحسناوي التونسي ، فأنشد قصيدة من نظمه في مدح مولانا الخليفة الإمام ، وذكر محاسن تلك الزاوية التي هي بكر الأيام. فأصاخت إليه الأسماع ، وكادت تنطق بأمثال مدامحه البقاع.

وعلى أثر ذلك وصلت طيافير الطعام الملوكية ، عليها المناديل الساطعة البياض ، والسباني المرموقة كأنّها أزهار الرياض. من كل موشى الظاهر والباطن ، ثقيل إلّا أنه متلقى بالقبول في كل المواطن ، مستدير كالشمس لكن حرارتها في أوانه إذا سار لم يبرح عن سمت الرءوس يرصد أهل زمانه ، كبير الساحة ، تجول فيه الراحة بالراحة. مرتصّة في دواخله صفوف صحافه ، لا يتحلّل فرجها الشيطان الذي حكمت التسمية بانصرافه. آت بما تشتهيه الأنفس التي حظيت باستعاده وإسعافه ، معروفة حروفه بالإشباع والاتباع ، آمنة أحاديثه المسلسلة من الانقطاع. متحرّك خفض على الجوار ، فروى لحمه عن البزار. فأكل الناس هنيئا مريا ، وأفاضوا في الدعاء الذي أطلع صبح القبول جليا ، وانفضوا عن مشهد تهادت البلاد أخباره ، واجتلت في صفحات الأيام آثاره. ووقت صفت من الشوائب موارده ، واستحكمت بأيدي السعود معاقده.

وحين أبدى وجوهه باهرة الجمال ، وصدع بأنوار البشرى الطالعة نجومها في سماء الإقبال. واستتبت أمور الزاوية أحسن استتباب ، وانسكبت سحائب الجود بذراها أعظم انكساب ، واتبعت قلم الحساب بكل عطاء حساب.

جزى الله مولانا على ذلكم جزاء من آتبع الحسنة بأختها. وتحلّى من الفضائل بأبدع نعتها ، وجلى أحكام الفخار لوقتها ، ولازال كماله منزها عن عوج النقائض وأختها.

٣٢٤

ولابن جزيّ في «الزاوية المتوكلية» نقلا عن كتاب أزهار الرياض

وله في زاوية أبي عنان

ومن ذلك قوله رحمه‌الله في الزاوية التي أنشأها أبو عنان ، وهو مكتوب عليها إلى قرب هذا التاريخ:

هذا محلّ الفضل والإيثار

والرّفق بالسّكان والزّوّار

دار على الإحسان شيدت والتّقى

فجزاؤها الحسنى وعقبى الدّار

هي ملجأ للواردين ومورد

لابن السبيل وكلّ ركب ساري

آثار مولانا الخليفة فارس

أكرم بها في المجد من آثار

لا زال منصور اللواء مظفّرا

ماضي العزائم سامى المقدار

بنيت على يد عبدهم وخديم با

بهم العلّي محمّد بن جدار

في عام أربعة وخمسين انقضت

من بعد سبع مئين في الأعصار

* * *

تهنئة ملك غرناطة لملك المغرب بتحرير طرابلس

وعن تحرير لمدينة طرابلس ٠٥٣ ـ IV نجد رسالة هامة إليه في غرض التهنئة من ملك غرناطة وكانت من انشاء ابن الخطيب ننقلها عن كتابه (ريحانة الكتاب).

المقام الذي شفي المجد والكرم بشفائه. وعاد جفن الملة بأنبا عصمته المستقيلة إلى إغفائه ، ويلقى السرور ضيف البشارة المختالة من خبر راحته في أجمل الشّارة باحتفائه واعتفائه ، وثبت للدين الحنيف ما فرج به من التعريف دليل السعد المنيف ، وقد تطرّق القياس الجلى إلى انتقائه ، فعاد مورد اليمن إلى صفائه ، وتبرّأ الدهر من ذنبه [وعاد إلى وفائه]. مقام محل أخينا الذي أسباب هذه البلاد الغريبة بأسبابه معقودة ، وآمال الإسلام بوجوده موجودة ، وأبواب المخاوف بتأميل بابه العلى مسدودة [وأيدى من بها من الأمم على مجدها الراعي الذمم مشدودة] فأقطارها بقطر الإعلام بعافيته مجودة ، وأكف ناسها على اختلاف أجناسها باشكر ممدوة ، أبقاه الله يتلقى زيارة الله بالكنف الرّحب والعقد السّليم ، ويعجل بريد الضراعة والاستقالة ، مهما أحسّ بتغيير الحالة ، طارقا باب السّميع العليم ، ونقتني من الأجر الموفور الموفور ، والثّواب المذخور ، بضائع إنما يخص الله بها [من عباده] خزائن الأوّاه

٣٢٥

الحليم ، وجعل العصمة مصاحبة لذاته الطّاهرة ، [في الأحوال الباطنة والظاهرة] يطالع منها زاد المسافر وتحفة القادم [وزاد المقيم] وشكر ما يصله بعناية تعريفه من سبب الولي الحميم [من الولي الحميم] معظّم قدره الذي تعظيمه مفترض. ومقيم برّه الذي لا يقدم على تتميمه غرض. الذي أقصى مذاهب المساهمة لمجده مهما ألمّ بجوهر مقامه الأبوي عرض ، أو شاب مورد صحته مرض ، فلان ومنه : وإلى هذا حرس الله ذاتكم الطاهرة من طرق النوائب ، وصان مواردكم المؤملة من شبوب الشّوائب ، وكنفكم بجناح عصمته في الشّاهد والغائب. فإننا في هذه الأيام ، طرق بعض سواحلنا شاني مشنو الخبر ، وحثّ جناح الشّراع منه مارج مكروه العين والأثر ، جمجم بكلام ملفّق ، ونبإ غير محقّق ، عللّنا النفوس بتمحيله وتكذيبه ، [ولم نعن] بتقرير هدهده فضلا عن تعذيبه ، وغمضنا عنده الأجفان ، طمعا في أن يكون حلما ، وتغافلنا عن استفسار كلا يجر كلما ، فلم تقرّ الجوارح على هذه الصّدمة المتعرّفة ، ولا سكن اضطراب النفس في مثل هذه الأمور المصرّفة ، فزند القلق في مثلها أورى ، واضطراب البال بمثالها أحرى ، والشفيق كما قيل بسوء الظن مغرى. فعجّلنا إلى جبل الفتح ، من يجلب منه نفسا بنفس من بثّ وعيهنا له المراحل تحت الحثّ ، فلم يكن يهبّ نسيمه ، ويقضي إلى المطلوب سيره وتقسيمه ، حتى طلع علينا من كتابكم صبح جلى الظّلمة المعتركة ، وعلم عرف النكرة ، وحكم حزم الظنون المذهلة المسكرة ، عرفتمونا فيه بالألم الذي ألمّ ، واتصال العافية التي خصّ صنعها وعم ، وشرحتم ما أوجب الألفية التي صدّقت الآمال بتكذيبها ، وسهّلت العبارة بحذف وحشيها وغريبها ، وقررتم استقرار العافية في مهادها ، ورجوع الحال الصحيحة إلى معتادها ، واستبشار قبّة الإسلام باستقامة عمادها ، وذهاب جياد السّرور في أقطار المعمور إلى غاياتها وآمادها. فقدّمنا أولا شكر الله الذي تعزّى لسان الفرج بتقديمه ، ونظرنا إلى وجه الإسلام ، وقد عادت نظرة أديمه ، وبهرتنا فواضل مقامكم الذي اتّصل فضل حديثه بقديمه. فلقد كان كتاب مقامكم إلينا أمر من توقّع الشفا لديكم ، وأنس من عوايد الصّنع الذي ورد عليكم ، فنحن نسهب في الثناء ونطيل ، ونتحكم على الأيام ونستطيل [ونظرح بظهور الحق ما دلسته الأباطيل [ونهنئكم بمراجعة عقيلة الصحة التي لا ينبو بها من بعد إن شاء الله بيت ، ولا يتطرّق إليها [كيت ولا كيت] ولا يعمل بسببها بعلّ ولا ليت ، فلتهن راحتكم مجالس العلم وخلوات العمل ، لا بل الإسلام بما حمل ، فإنما عصمتكم على الدين الحنيف وأهله رواق ، وظلّ خفاق، ومكارمكم في أسواقها للدين والدنيا نفاق ، فإذا تألّممتم كان بالدين الحنيف وأهله إشفاق ، وإذا عوفيتم ، كان للأمن اتّساق ، وللسّعد إشراق. ثم اتبعتم رحل المرّة بالحقيبة ، وجهاد الشيطان الناعق بالتعقيبة [جاريا على فضل من فضل الضريبة ومن النقيبة] فسرّحتم ما عندكم من العزم الذي جعلتم هذه الحركات المباركات مقدّمات قياسه ، وأنواعا لأجناسه ، وأنكم تباشرون إعداد المنشآت وتستظهرون على قطع مسافة البحر لجيادها الكرام الشّيات ، وعملكم على ما فيه رضى الله ، قضية لا تحتمل النقيض ، وتصريح لا يقبل التعريض. إنما هو

٣٢٦

جدّ خلص لله قصده ، وعزم أرهف في سبيل الله حدّه ، وكريم يقفو ما سنّه أبوه وجدّه ، فاستكثروا من الخير الذي أنتم بسبيله ، واستعدوا على البحر القاطع بيننا وبينكم بتوفّر عدد أساطيله ، فقبل الرّمى تراش السّهام ، وقبل اللقاء يكتب الجيش اللهام. وعقل التجربة قد بيّن ما أشكل ، وفي معرض الاستعداد قيّدها وتؤكّل ، ومن قبلكم تلتمس العوارف ، ونقتبس المعارف ، ونتوسّد الظّل الوارف ، وبنظركم السّديد تحمد الموارد والمصارف [بفضل الله]. ومما أطرف به كتابكم الذي أطعم وسقا ، وأورد المسرّات نسقا ، وجلا من [الظلم المتظاهر] غسقا، خبر ما آل إليه حال مدينة إطرابلس التي أوقعت بالقلوب وقيعتها الشنيعة ، وفرعت بملكه الكفر هضبتها المنيعة ، وما ذخر الله فيها لملككم من حسن الصّنيعة ، وأنكم لبّيتم على البعد نداءها ، وشفيتم داءها ، وعاجلتم من يد الكفار فداءها ، وذلك عنوان قبول الله على مقامكم وإقباله ، ومنفبة حباها الله لجلاله ، فمن طمح إلى ما طمحتم إليه نظر لمناله ، ومن شراها بالثمن الخطير ، والله ما جار على ماله ، فياله من فخر جلّ قدره عن الثمن ، وذكر تخلل بغداد العراق وصنعا اليمن ، وصفقة رابحة إن لم يعقدها مثلكم ، وإلّا فمن لمثل ذلك تطمح الهمم ، وفي مثله تتنافس الأمم ، والله يذخر المال ، وعليه تحوم الآمال ، لدّة الإسكندرية ، وأمّ من أمهات المدن البحرية ، أراد الله أن يبقى التوحيد بها بسببكم ، وأن يجعلها بالملك الصريح من مكتسبكم ، فاهنوا بهذه الصنائع التي يلبسكم الله أطواقها ، ويفتح بسعدكم أغلاقها ، ما ذلك إلا لنية اطّلع عليها من ضميركم ، فسدّد إلى [الغرض الكريم] سهام تدبيركم ، وهو سبحانه يزيدكم من مواهبه ، ويحملكم من البرّ على أوضح مذاهبه. وأننا لم استجلينا من كتابكم غرّة السعادة المشرقة. وشكرنا منكم موقع الغمامة المغرقة [أمرنا برقد] المنشور ، فصدع به في الحفل المشهود [وبلغنا من الإشادة به أقصى الشهود] ورحّبنا بوافده المردود ، وأرغمنا أنوف أعداء الله وأعدائنا بلوائه المعقود ، حتى يبدو للقريب والبعيد تشيّعنا لمقامكم المحمود ، واستظلالنا بظلكم الممدود ، ونحن نجمع في مراجعتنا بين الشكر والثناء ، ومضاعفة الهنا. ونسل الله تعالى أن يطيل بقاءكم في الملك الوثيق البناء ، ويعرفكم من لديه عوارف الاعتناء [وهو سبحانه يديم سعدكم ويحرس مجدكم] والسلام.

٣٢٧

معلومات عن الرحلة من خلال المراسلات

وعن اشاراتنا في المقدمة للمراسلات العديدة التي اجريناها مع بعض الجهات المعنية للتحري في القول نسوق البعض منها مما يعالج بعض مناطق الظل من الرحلة أو يكشف عن معلومات تهم المهتمين بالبحث العلمي ...

٣٢٨

      

٣٢٩

      

٣٣٠

      

٣٣١

٣٣٢

٣٣٣

٣٣٤

٣٣٥

٣٣٦

٣٣٧

٣٣٨

٣٣٩

٣٤٠