رحلة ابن بطوطة - ج ٤

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٤

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-010-9
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٣٥١

٢٦١

ويكون معهن نحو ثلاثين من غلمانه عليهم جباب الملفّ الحمر(٨٥) ، وفي رؤوسهم الشواشي البيض ، وكلّ واحد منهم متقلّد طبله ، يضربه ثم يأتي أصحابه من الصبيان فيلعبون ويتقلبون في الهواء كما يفعل السّندى ، ولهم في ذلك رشاقة وخفة بديعة ويلعبون بالسيوف أجمل لعب ، ويلعب دوغا بالسيف لعبا ، بديعا وعند ذلك يأمر السلطان له بالاحسان فيوتي بصرّة فيها مائتا مثقال (٨٥) من التّبر ويذكر له ما فيها على رؤوس الناس ، وتقوم الفرارية فينزعون في قسيهم شكرا للسلطان ، وبالغد يعطي كلّ واحد لدوغا عطاء على قدره ، وفي كل يوم جمعة بعد العصر يفعل دوغا مثل هذا الترتيب الذي ذكرناه.

ذكر الأضحوكة في إنشاد الشعراء للسلطان

وإذا كان يوم العيد وأتم دوغا لعبه جاء الشعراء ، ويسمون الجلا ، بضم الجيم ، واحدهم جالي (٨٦) ، وقد دخل كلّ واحد منهم في جوف صورة مصنوعة من الرّيش تشبّها لشقشاق ، وجعل لها رأس من الخشب له منقار أحمر كأنه رأس الشقشاق ، ويقفون بين يدي السلطان بتلك الهيأة المضحكة ، فينشدون أشعارهم (٨٧) ، وذكر لي أن شعرهم نوع من الوعظ يقولون فيه للسلطان : إن هذا البنبي الذي عليه جلس فوقه من الملوك فلان وكان من حسن أفعاله كذا ، وفلان وكان من أفعاله كذا ، فافعل أنت من الخير ما يذكر بعدك! ثم يصعد كبير الشعراء على درج البنبي ويضع رأسه في حجر السلطان ، ثم يصعد إلى أعلى البنبي فيضع رأسه على كتف السلطان الأيمن ثم على كتفه الأيسر ، وهو يتكلم بلسانهم ، ثم ينزل ، وأخبرت أن هذا الفعل لم يزل قديما عندهم قبل الاسلام فاستمروا عليه!.

حكاية [الجرادة المتكلمة]!

وحضرت مجلس السلطان في بعض الأيام ، فأتى أحد فقهائهم وكان قدم من بلاد بعيدة وقام بين يدي السلطان وتكلم كلاما كثيرا ، فقام القاضي فصدّقه ثم صدقهما السلطان ، فوضع كلّ واحد منهما عمامته عن رأسه وترّب بين يديه ، وكان إلى جانبي رجل

__________________

(٨٥) لعل (الملف) يأخذ اسمه من أمالفي الإيطالية ... التازي : مجلة مجمع اللغة العربية ، القاهرة مايه ١٩٨٩.

(٨٦) جالي (DYELI) ويعني المنشد ...

(٨٧) من المعتاد إلى اليوم رؤية مثل هذه المشاهد الجميلة والمثيرة بمناسبة استقبال عزيز أو ضيف كبير على نحو ما شاهدناه عند زيارة سمو ولّى العهد سيد محمد للمنطقة ... التازي : دفاعا عن الوحدة الترابية للمملكة المغربية رمضان ١٤٠٠ ـ يوليه ١٩٨٠ نشر المعهد الجامعي للبحث العلمي ص ٧٠.

الشقشاق : بلارج في تلمسان وهو الشحرور في غرناطة ، وقد ترجمه بيكينگام إلى HORNBILL طائر ضخم المنقار.

٢٦٢

من البيضان ، فقال لي : أتعرف ما قالوه؟ فقلت : لا أعرف. فقال : إن الفقيه أخبر أن الجراد وقع ببلادهم ، فخرج أحد صلحائهم إلى موضع الجراد فهاله أمرها ، فقال : هذا جراد كثير ، فأجابته جرادة منها ، وقالت : إن البلاد التي يكثر فيها الظلم يبعثنا الله لفساد زرعها!! فصدقه القاضي والسلطان ، وقال عند ذلك للأمراء : إني برىء من الظلم ، ومن ظلم منكم عاقبته ، ومن علم بظالم ولم يعلمني به فذنوب ذلك الظالم في عنقه ، والله حسيبه وسائله. ولما قال هذا الكلام وضع الفرارية عمائمهم عن رؤوسهم وتبرّءوا من الظلم

حكاية [عن عدل السلطان]

وحضرت الجمعة يوما فقام أحد التجار من طلبة مسوفة ويسمى بأبي حفص فقال : يا أهل المسجد ، أشهدكم أن منسى سليمان في دعوتي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم! فلما قال ذلك خرج إليه جماعة رجال من مقصورة السلطان ، فقالوا له : من ظلمك؟ من أخذ لك شيئا؟ فقال : منشاجو إيوالّاتن (٨٨)! يعني مشرفها ، أخذ مني ما قيمته ستمائة مثقال ، وأراد أن يعطيني في مقابلته مائة مثقال خاصة ، فبعث السلطان عنه للحين فحضر بعد أيام وصرفهما للقاضي فثبت للتاجر حقه فأخذه وبعد ذلك عزل المشرف عن عمله.

حكاية [زوجة السلطان وبنات عمه]

واتّفق في أيام إقامتي بمالي أن السلطان غضب على زوجته الكبرى بنت عمه المدعوة بقاسا ، ومعنى قاسا عندهم الملكة ، وهي شريكته في الملك على عادة السودان ، ويذكر اسمها مع اسمه على المنبر (٨٩) وسجنها عند بعض الفرارية وولى مكانها زوجته الأخرى بنجو ، ولم تكن من بنات الملوك ، فأكثر الناس الكلام في ذلك وأنكروا فعله ، ودخل بنات عمه على بنجو يهنئنها بالمملكة ، فجعلن الرّماد على أذرعهن ولم يترّبن رؤوسهن! ثم إن السلطان سرح ثقافها فدخل عليها بنات عمه يهنئنها بالسراح ، وترّبن على العادة ، فشكت بنجو إلى السلطان بذلك فغضب على بنات عمه فخفن منه واستجرن بالجامع فعفا عنهن واستدعاهن!

وعادتهن إذا دخلن على السلطان أن يتجردن عن ثيابهن ويدخلن عرايا ففعلن ذلك! ورضي عنهن ، وصرن ياتين باب السلطان غدوا وعشيا مدة سبعة أيام ، كذلك يفعل كلّ من عفا عنه السلطان.

__________________

(٨٨) يراجع iv ـ ٣٨٦ راجع التعليق رقم ٢٨.

(٨٩) يعني في خطبة يوم الجمعة ، وقاسا بلغة المالينك تعني الزوجة المحظية عند الحاكم.

٢٦٣

وصارت قاسا تركب كلّ يوم في جواريها وعبيدها وعلى رؤوسهم التّراب ، وتقف عند المشور متنقبة لا يرى وجهها. وأكثر الامراء الكلام في شأنها فجمعهم السلطان في المشور وقال لهم دوغا على لسانه : إنكم قد اكثرتم الكلام في امر قاسا وإنها أذنبت ذنبا كبيرا ثم أوتى بجارية من جواريها مقيّدة مغلولة ، فقيل لها : تكلمي بما عندك فأخبرت أن قاسا بعثتها إلى جاطا ابن عم السلطان الهارب عنه إلى كنبرني (٩٠) ، واستدعته ليخلع السلطان عن ملكه!! وقالت له : أنا وجميع العساكر طوع أمرك ، فلما سمع الامراء ذلك قالوا : إن هذا ذنب كبير وهي تستحق القتل عليه ، فخافت قاسا من ذلك واستجارت بدار الخطيب ، وعادتهم أن يستجيروا هنالك بالمسجد وان لم يتمكن فبدار الخطيب.

وكان السودان يكرهون منسى سليمان لبخله وكان قبله منسى مغا ، وقبل مغا ، منسى موسى (٩١) ، وكان كريما فاضلا يحب البيضان ، ويحسن اليهم وهو الذي أعطى لأبي إسحاق الساحلي في يوم واحد أربعة آلاف مثقال (٩٢) ، وأخبرني بعض الثقات أنه أعطى لمدرك بن فقّوص ثلاثة آلاف مثقال في يوم واحد ، وكان جده سارق جاطة (٩٣) أسلم على يدي جد مدرك هذا.

__________________

(٩٠) لعل القصد إلى ماري جاطا (وليس إلى منسى جاطا) الذي سيبعث (صفر ٧٦٢ ـ يناير ١٣٦١) بسفارة إلى العاهل المغربي أبي سالم. كان من جملة الهدايا التي حملها السّفير الزرافة التي حركت من قريحة الشعراء راجع التعليق ٨٠ ـ كنبرني : لعل القصد إلى كونبرى (Konbere) التي تقع في باندوگو (Bendugu) منطقة وراء وادي باني (BANI).

(٩١) منسى موسى (٧١٢ ـ ١٣٣٧ ـ ١٣١٢ ـ ١٣٣٧) أعظم امبراطور اكتسبته مالّي وقد اشتهر بما انفقه في حجه من أموال : طن ونصف من التبر عام ١٣٢٤ ـ ٧٢٤ ولده منسا مغا الاول (مغا ـ محمد) ـ ١٣٤١ ١٣٣٧ خلفه بيد أن أخا موسى سليمان تغلّب على مغا واستولى على الحكم عام ١٣٤١ ـ ٧٤١.

(٩٢) القصد إلى ابراهيم بن محمد الأنصاري الساحلي المشهور بالطّويجن (تعليق ٧٠) كان أبوه أمين العطارين بغرناطة وقد ترجم له لسان الدين ابن الخطيب في الاحاطة ترجمة واسعة ، وقال عنه : إنه نسيج وحده في الأدب نظما ونثرا ... أنيق الديباجة غزير المادة إلى خطّ بديع ومشاركة في الفنون وكرم من النفس ، رحل بعد أن اشتهر فضله ... ثم دخل بلاد السودان فاتصل بملكها واستوطنها زمانا طويلا ... ثم آب إلى المغرب لكن القدر صرفه إلى مستقره من بلاد السودان ورزق هناك اولادا كالخنافسة ...!! وقد أهدى إلى ملك المغرب هدية فأثا به عليها مالا خطيرا ومدحه بشعر بديع عند دنّو ركابه من ظاهر تلمسان :

خطرت كمياس القنا المتاطّر

ورنت بالحاظ الغزال الأعفر

وقد ادركه اجله بتنبكتو يوم الاثنين ٢٧ جمادى الثانية ٧٤٧ ـ المقري : النفح ٢ ، ١٩٤ الإحاطة : جl ص ٣٢٩ تحقيق عبد الله عنان ـ يراجع التعليق رقم ٧٠

(٩٣) سارق جاطة : القصد إلى سون دياطا أو ماري دياطا ٦٢٩ ـ ٦٥٣ ـ ١٢٣٠ ـ ١٢٥٥ أول سلطان لمالّي ذكر من لدن المؤرخين وفي بعض المخطوطات ماري جاطة ـ ابن بطوطة يشير إلى ماري جاطا المعروف أكثر بسوندياطا المؤسس الأسطوري لامبراطورية مالّي ـ والواقع أن تاريخ وتسلسل أسرة الحكام بمالي في الفترات الأولى غير مؤكد ... إن والد منسى موسى أبا بكر كان أخا أو ربما ابن أخت لسوندياتا.

٢٦٤

حكاية [الحسنة بعشر أمثالها]

وأخبرني الفقيه مدرك هذا أن رجلا من اهل تلمسان يعرف بابن شيخ اللبن كان قد أحسن إلى السلطان منسى موسى في صغره بسبعة مثاقيل وثلث ، وهو يومئذ صبي غير معتبر ، ثم اتفق أن جاء اليه في خصومة وهو سلطان ، فعرفه ودعاه وأدناه منه حتى جلس معه على البنبي ثم قرّره على فعله معه ، وقال للأمراء : ما جزاء من فعل فعله من الخير؟ فقالوا له : الحسنة بعشر أمثالها (٩٤) ، فأعطه سبعين مثقالا فأعطاه عند ذلك سبع مائة مثقال وكسوة ومبيدا وخدما وأمره أن لا ينقطع عنه ، وأخبرني بهذه الحكاية أيضا ولد ابن شيخ اللّبن المذكور وهو من الطلبة يعلم القرآن بمالي.

ذكر ما استحسنته من أفعال السودان وما استقبحته منها.

فمن أفعالهم الحسنة قلة الظلم ، فهم أبعد الناس عنه وسلطانهم لا يسامح أحدا في شيء منه ، ومنها شمول الأمن في بلادهم فلا يخاف المسافر فيها ولا المقيم من سارق ولا غاصب ، ومنها عدم تعرضهم لمال من يموت ببلادهم من البيضان ولو كان القناطير المقنطرة، إنما يتركونه بيد ثقة من البيضان حتى يأخذه مستحقه (٩٥) ، ومنها مواظبتهم للصّلوات والتزامهم لها في الجماعات ، وضربهم أولادهم عليها ، وإذا كان يوم الجمعة ولم يبكّر الإنسان إلى المسجد لم يجد أين يصلي لكثرة الزحام. ومن عادتهم أن يبعث كلّ إنسان غلامه بسجادته فيبسطها له بموضع يستحقه بها حتى يذهب إلى المسجد ، وسجادتهم من سعف شجر يشبه النخل ولا ثمر له ، ومنها لباسهم الثياب البيض الحسان يوم الجمعة ولو لم يكن لأحدهم إلا قميص خلق غسله ونظفه وشهد به الجمعة ، ومنها عنايتهم بحفظ القرآن العظيم وهم يجعلون لأولادهم القيود إذا ظهر في حقهم التقصير في حفظه ، فلا تفك عنهم حتى يحفظوه!

ولقد دخلت على القاضي يوم العيد وأولاده مقيّدون ، فقلت له : ألا تسرحهم؟ فقال : لا أفعل حتى يحفظوا القرآن! ومررت يوما بشاب منهم حسن الصورة عليه ثياب فاخرة وفي رجله قيد ثقيل ، فقلت لمن كان معي : ما فعل هذا؟ أقتل؟ ففهم عني الشاب وضحك وقيل لي : إنما قيد حتى يحفظ القرآن! ومن مساوىء أفعالهم كون الخدم والجواري والبنات الصّغار يظهرن للناس عرايا باديات العورات ، ولقد كنت أرى في رمضان كثيرا منهن على تلك

__________________

(٩٤) القرآن الكريم ، السورة ٦ ، الآية ١٦٠.

(٩٥) هذه هي أحكام الإسلام في التعامل الدّولي. يراجع مختصر خليل عند قوله في الجهاد : وإن مات عندنا ...

٢٦٥

الصورة ، فإن عادة الفرارية أن يفطروا بدار السلطان ، وياتي كل واحد منهم بطعامه تحمله العشرون فما فوقهنّ من جواريه ، وهن عرايا! ومنها دخول النساء على السلطان عرايا غير مستترات ، وتعرّي بناته. ولقد رأيت في ليلة سبع وعشرين من رمضان نحو مائة جارية خرجن بالطعام من قصره عرايا ، ومعهن بنتان له ناهدان ليس عليهما ستر! ومنها جعلهم التّراب والرماد على رؤوسهم تأدبا ، ومنها ما ذكرته من الأضحوكة في إنشاد الشعراء ، ومنها أن كثيرا منهم يأكلون الجيف والكلاب والحمير.

ذكر سفري عن مالّي

وكان دخولي إليها في الرابع عشر لجمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين وخروجي عنها في الثاني والعشرين لمحرم سنة أربع وخمسين (٩٦) ، ورافقني تاجر يعرف بأبي بكر بن يعقوب ، وقصدنا طريق ميمة (٩٧) ، وكان لي جمل أركبه لان الخيل غالية الأثمان ، يساوي احدها مائة مثقال ، فوصلنا إلى خليج كبير يخرج من النّيل لا يجاز إلا في المراكب وذلك الموضع كثير البعوض فلا يمر أحد به إلا باللّيل ووصلنا الخليج ثلث الليل والليل مقمر.

ذكر الخيل التي تكون بالنّيل

ولما وصلنا الخليج رأيت على ضفته ست عشرة دابّة ضخمة الخلقة ، فعجبت منها وظننتها فيلة لكثرتها هنالك ، ثم إني رأيتها دخلت في النهر ، فقلت لأبي بكر بن يعقوب : ما هذه الدواب؟ فقال : هي خيل البحر ، خرجت ترعى في البر وهي أغلظ من الخيل ، ولها أعراف وأذناب ورؤوسها كرؤوس الخيل ، وأرجلها كأرجل الفيلة.

ورأيت هذه الخيل مرة أخرى لما ركبنا النّيل من تنبكتو إلى كوكو ، وهي تعوم في الماء وترفع رؤوسها وتنفخ ، وخاف منها أهل المركب ، فقربوا من البر لئلا تغرقهم ، ولهم حيلة في صيدها حسنة ، وذلك أن لهم رماحا مثقوبة قد جعل في ثقبها شرائط وثيقة ، فيضربون الفرس منها فإن صادفت الضربة رجله أو عنقه أنفذته وجذبوه بالحبل حتى يصل إلى الساحل فيقتلونه ويأكلون لحمه ومن عظامها بالساحل كثير.

وكان نزولنا عند هذا الخليج بقرية كبيرة عليها حاكم من السودان حاج فاضل يسمى فربا(٩٨) مغا بفتح الميم والغين المعجم ، وهو ممن حج مع السلطان منسى موسى لما حج.

__________________

(٩٦) يعني من ٢٩ يونيه ١٣٥٢ إلى ٢٨ يبراير ١٣٥٣.

(٩٧) ميمه Mema اسم يعطيه السّونيك لموقع خرب قريب من نامبّالاNampala شمال منطقة ماسينا ((Macina هذا والقصد بفرس النهر أو جاموس البحر إلى Hippopotame

(٩٨) حول لقب (فربا) انظر التعليق السابق رقم ٢٦ وحول موسى وحجّه ، انظر التعليق ٩١.

٢٦٦

٢٦٧

حكاية [أكلة لحم البشر]

أخبرني فربا مغا أن منسى موسى لما وصل إلى هذا الخليج ، كان معه قاض من البيضان يكنى بأبي العباس ، ويعرف بالدّكالي (٩٩) فأحسن إليه بأربعة آلاف مثقال سرقت له من داره فاستحضر السلطان أمير ميمة وتوعّده بالقتل إن لم يحضر من سرقها ، وطلب الأمير السارق فلم يجد أحدا ، ولا سارق يكون بتلك البلاد ، فدخل دار القاضي واشتدّ على خدامه وهدّدهم ، فقالت له إحدى جواريه : ما ضاع له شيء! وإنما دفنها بيده في ذلك الموضع! وأشارت له إلى الموضع ، فأخرجها الأمير وأتى بها السلطان وعرّفه الخبر فغضب على القاضي ونفاه إلى بلاد الكفار الذين يأكلون بني آدم (١٠٠) ، فأقام عندهم أربع سنين ، ثم رده إلى بلده ، وانما لم يأكله الكفار لبياضه! لأنهم يقولون : إن أكل الأبيض مضر لأنه لم ينضج والأسود هو النضج بزعمهم!!

حكاية [أكلة خادمة السلطان]

قدمت على السلطان منسى سليمان جماعة من هؤلاء السودان الذين يأكلون بني آدم، معهم أمير لهم ، وعادتهم أن يجعلوا في آذانهم أقراطا كبارا وتكون فتحة القرط منها نصف شبر ، ويلتحفون في ملاحف الحرير ، وفي بلادهم يكون معدن الذهب ، فأكرمهم السلطان ، وأعطاهم في الضيافة خادما فذبحوها وأكلوها ولطخوا وجوههم وأيديهم بدمها وأتو السلطان شاكرين!!

وأخبرت أن عادتهم متى ما وفدوا عليه أن يفعلوا ذلك وذكر لي عنهم أنهم يقولون : إن أطيب ما في لحوم الآدميات الكفّ والثدي!!

__________________

(٩٩) نحن على مثل اليقين من أن القصد إلى أحد أفراد عائلة الشيخ الثقة الثّبت أبي عثمان سعيد الدكالي الذي كان ابن فضل الله العمري يعتمد عليه في أخباره ، وهو أي الدكالي ممن سكن مدينة (نيني) خمسة وثلاثين سنة ـ نقل عنه أكثر من مرة وكان يكنيه بأبي عثمان ... وقد يكون أبو العباس عند ابن بطوطة هو أبا عثمان عند العمري ... وتتحدث الكتب بهذه المناسبة عن علاقات بلاد السودان مع المغرب.

(١٠٠) تقع المناطق التي عرفت بأكل لحوم البشرl anthropophagie في الطريق الرئيسي الذي يمتد من يولا (Yola) إلى تخوم زاريا (ZARIA) ، هناك أربع وثلاثون قبيلة معروفة بالاسم ، ويذكر ميك (Meek) في تأليفه عن قبائل شمال نيجيريا) ١٩٢٥ أن من بين القبائل التي لا تتناول لحوم البشر اليوم توجد بقايا عادات تدل على أن فيها من كان يفعل ذلك قبل : وقد ذكر العمري أن تاجرا قدم لأحد الملوك الوثنيين السود قطعا من الملح ، وعند العودة بعث اليه الملك المذكور بفتاتين لغرض اكلهما! خليفة عباس العبيد : الزبير باشا مصدر سابق ـ تعليق ٥٣.

٢٦٨

ثم رحلنا من هذه القرية التي عند الخليج فوصلنا إلى بلدة قري منسى (١٠١) ، وقري بقم القاف وكسر الراء ومات لي بها الجمل الذي كنت أركبه ، فأخبرني راعيه بذلك فخرجت لأنظر إليه ، فوجدت السودان قد أكلوه كعادتهم في أكل الجيف ، فبعثت غلامين كنت استأجرتهما على خدمتي ليشتريا لي جملا بزاغري ، وهي على مسيرة يومين ، وأقام معي بعض أصحاب أبي بكر بن يعقوب وتوجه هو لينتظرنا بميمة فأقمت ستة أيام أضافني فيها بعض الحجاج بهذه البلدة حتى وصل الغلامان بالجمل.

حكاية [منامة]

وفي أيام إقامتي بهذه البلدة رأيت ليلة ، فيما يرى النائم ، كأن إنسانا يقول لي : يا محمّد بن بطوطة! لماذا لا تقرأ سورة يس (١٠٢) في كل يوم؟ فمن يومئذ ما تركت قراءتها كلّ يوم في سفر ولا حضر.

ثم رحلت إلى بلدة ميمة ، بكسر الميم الأول وفتح الثاني ، فنزلنا على آبار بخارجها ، ثم سافرنا منها إلى مدينة تنبكتو (١٠٣) ، وضبط اسمها بضم التاء المعلوة وسكون النون وضم البلاد الموحدة وسكون الكاف وضم التاء المعلوه الثانية وواو ، وبينها وبين النّيل أربعة أميال ، وأكثر سكانها مسّوفة أهل اللثام ، وحاكمها يسمى فربا موسى ، حضرت عنده يوما وقد قدّم أحد مسّوفة أميرا على جماعة فجعل عليه ثوبا وعمامة وسروالا ، كلّها مصبوغة ، وأجلسه على درقة ورفعه كبراء قبيلته على رؤوسهم.

وبهذه البلدة قبر الشاعر المفلق أبي إسحاق الساحلي الغرناطي المعروف ببلده بالطّويجن ، وبها قبر سراج الدين ابن الكويك (١٠٠٤) أحد كبار التجار من أهل الاسكندرية.

__________________

(١٠١) يرى اصطيفان أن من الأفضل أن نقرأ قرى بضم القاف وفتح الراء ولو أن الافارقة ينطقون على نحو ما قاله ابن بطوطة ... لكنها حسب ديلفوص تبقى قرى وتقع على مقربة من القرية التي تحمل اسم كوكري (KOKRI) شمال شرقي سانسا ندينع (SANSANdINQ) ...

Gib, P, ١٨٣ Note ٩٢ ـ Beckingham ٨٦٩ N ٠ ٤٧.

(١٠٢) حول التعود على أكل الجيف انظرIV ، ٤٢٤ ـ السورة ٣٦ الآية ، وقد اعتاد المغاربة أن يتلو سورة ياسين على الأموات كما سلف القول نظرا لما ورد فيها من أحاديث حول المناسبة.

(١٠٣) تنبكتو اضافها إلى مملكته منسى موسى بعد فتح گاو (او گاوگاو) عام ١٣٢٥ ـ ٧٢٥ ، وفي عام ١٣٣٣ انتهبت المدينة واحرقت عند غارة موسى عليها انطلاقا من ياتينگا (فولتا العليا) ولكنها بنيت من جديد من لدن سليمان مباشرة بعد اعتلائه الحكم ... أما عن الشاعر الساحلي فلنرجع للتعليق ٧٠ ـ ٩٢.

(١٠٤) ابن الكوّيك هو عبد اللطيف بن احمد بن محمود بن أبي الفتح بن محمود بن أبي القاسم التكريتي الأصل سراج الدين بن الكويك التاجر الاسكندراني ... تفقه ومهر ورحل إلى دمشق فسمع من اسحاق الاسدي واسماعيل بن مكتوم وبنت البطائحي وغيرهم وكان من الرؤساء الكبار ... قال ابن حجر : هو جدّ شيخنا أبى الطاهر محمد بن محمد بن عبد اللطيف ، قرأت بخط ولده أبي جعفر انه مات ببلاد التكرور توفى ٧٣٤ ـ ١٣٣٤. هذا وأتساءل عن صلة سراج الدين هذا بتاج الدّين ابن الكوبك المتقدم الذكر في ج II ٢٤٩. ـ الدرر ج ٣ ص ١٨ ـ ١٩.

٢٦٩

حكاية [أمير لا يحب البكاء]

كان السلطان منسى موسى لما حج ، نزل بروض لسراج الدين هذا ببركة الحبش(١٠٥)، خارج مصر ، وبها ينزل السلطان واحتاج إلى مال فتسلّفه من سراج الدين وتسلّف منه أمراؤه أيضا وبعث معهم سراج الدين وكيله يقتضى المال فأقام بمالي فتوجه سراج الدين بنفسه لاقتضاء ماله ، ومعه ابن له فلما وصل تنبكتو أضافه أبو إسحاق الساحلي ، فكان من القدر موته تلك الليلة ، فتكلم الناس في ذلك ، واتّهموا أنه سم ، فقال ولده : إني أكلت معه ذلك الطعام بعينه فلو كان فيه سم لقتلنا جميعا لكنه انقضى أجله! ووصل الولد إلى مالّي واقتضى ماله وانصرف إلى ديار مصر.

ومن تنبكتو ركبت النيل في مركب صغير منحوت من خشبة واحدة ، كنا ننزل كل ليلة بالقرى فنشتري ما نحتاج إليه من الطعام والسمن بالملح وبالعطريات وبحلى الزّجاج ، ثم وصلت إلى بلد أنسيت اسمه ، له أمير فاضل حاج يسمى فربا سليمان مشهور بالشجاعة والشدة ، لا يتعاطى أحد النزع في قوسه ، ولم أر في السودان أطول منه ولا أضخم جسما ، واحتجت بهذه البلدة إلى شيء من الذّرة فجئت إليه ، وذلك يوم مولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٠٦) ، فسلمت عليه ، وسألني عن مقدمي ، كان معه فقيه يكتب له فأخذت لوحا كان بين يديه وكتبت فيه : يا فقيه! قل لهذا الأمير : إنّا نحتاج إلى شيء من الذرة (١٠٧) للزاد والسلام! وناولت الفقيه اللوح يقرأ ما فيه سرّا ويكلم الأمير في ذلك بلسانه ، فقرأه جهرا وفهمه الأمير ، فأخذ بيدي وأدخلني إلى مشوره ، وبه سلاح كثير من الدرق والقسي والرماح ، ووجدت عنده كتاب المدهش لابن الجوزي (١٠٨) فجعلت أقرأ فيه ، ثم أتى بمشروب لهم يسمى الدّقنو ، بفتح الدال المهمل وسكون القاف وضم النون وواو ، وهو ماء فيه جريش الذرة

__________________

(١٠٥) بركة الحبش ، كانت جنوب الفسطاط ، وفي بعض المخطوطات بركة الخش ـ عن السّلف الذي اضطر اليه موسى بعد أن صرف طنّا ونصف الطن من الذهب يذكر أن التجار هناك ربحوا «أضعافا مضاعفة» فانهم في مقابلة تسليفهم لثلاثمائة دينار مثلا ربحو سبعمائة! (عن حج موسي انظر بدائع الزهور لابن إياس الذي ينعته بملك التكرور ويذكر أنه قدّم هدايا جليلة ...) هذا وحسب رواية أخرى فإن سراج الدّين ابن الكويك سلف موسى ثلاثين الف دينار وبعث باثنين من رجاله الى مالي لاسترجاع ماله بيد أن هذين توفيا بمالي ، وهنا بعث بولده فخر الدين ابى جعفر وبعث معه بموظف ثالث لكن الموت ادركت حينئذ موسى نفسه فلم يحصل المبعوثان على شيء ...

Monteil : Les Empires du MALIp. ٣١١ Peckingham IV P. ٠٧٩ N ٠ ١٨.

(١٠٦) ١٢ ربيع الأول ٧٥٤ يوافق ٢٥ غشت ١٣٥٣.

(١٠٧) ليس القصد إلى الذّرة الامريكية التي تعرف اليوم ولكن إلى الذرة البيضاء التي نقدّمها لطير الحمام.

(١٠٨) هو عبد الرحمن بن علي الجوزي البغدادي الحنبلي أبو الفرج ، كثير التصانيف ... من تأليفه تلقيح فهوم أهل الآثار ... والأذكياء وأخبارهم ، وكتاب الحمقى والمغفّلين ، وتقويم اللسان ومنها هذا التأليف : «المدهش في المحاضرة وغرائب الأخبار» له نحو ثلاثمائة مصنف ... أدركه أجله في بغداد عام ٥٩٧ ـ ١٢٠١.

٢٧٠

مخطوط بيسير عسل أو لبن (١٠٩) ، وهم يشربونه عوض الماء لانهم إن شربوا الماء خالصا أضرّ بهم ، وإن لم يجدوا الذّرة خلطوه بالعسل أو اللبن ، ثم أتى ببطيخ أخضر فأكلنا منه ، ودخل غلام خماسي (١١٠) فدعاه ، وقال لي : هذا ضيافتك ، واحفظه لئيلّا يفر! فأخذته وأردت الانصراف ، فقال : أقم حتى ياتي الطعام ، وجاءت إلينا جارية له دمشقية عربية (١١١) ، فكلمتني بالعربي ، فبينما نحن في ذلك سمعنا صراخا بداره ، فوجه الجارية لتعرف خبر ذلك فعادت إليه فأعلمته أن بنتا له قد توفيت! فقال : إني لا أحب البكاء! فتعال نمشي إلى البحر! يعني النيل ، وله على الساحل ديار ، فأتى بالفرس فقال لي : اركب ، فقلت : لا أركبه وأنت ماش! فمشينا جميعا ، ووصلنا إلى دياره على النّيل وأتي بالطعام فأكلنا ووادعته وانصرفت ولم أر في السودان أكرم منه ولا أفضل ، والغلام الذي أعطانيه باق عندي إلى الآن.

ثم سرت إلى مدينة كوكو (١١٢) وهي مدينة كبيرة على النيل من أحسن مدن السودان وأكبرها وأخصبها ، فيها الأرز الكثير واللبن والدجاج والسمك ، وبها الفقّوص العناني الذي لا نظير (١١٣) له ، وتعامل أهلها في البيع والشراء بالودع ، وكذلك اهل مالّي ، وأقمت بها نحو شهر وأضافني بها محمد بن عمر من أهل مكناسة ، وكان ظريفا مزّاحا فاضلا وتوفّى بها

__________________

(١٠٩) الدقنو هو الذي سمّاه كايّي باسم الدخنو ، ويقول عنه أنه خليط من دقيق أنلي مع العسل يشربونه.

RENE CAILLE : VOYAGE A TOMBOUCTON, ٠٣٨١

(١١٠) غلام خماسي : العبارة تعني أنه من خمسة أشبار أي إنه بلغ سن الرشد.

Cuoq : Recueil p. ٦١٣ ـ Note l.

(١١١) يظهر أنّ هذه الجارية اقتنيت من مصر أثناء موسم حج ، ونحن نعلم أن منسى موسى حصل على بعض المرتزقة الترك من القاهرة على ما يفهم من العمري ، وسنرى أن ابن بطوطة سيذكّر بأن أهل مالي وايولّاتن وتكدّا يعتزون بامتلاك الجواري «ولا يبيعون المعلّمات منهن إلا نادرا وبالثمن الكثير» فلعل هذه الجارية من هؤلاء ـ وقد ذكر المقريزي أن اهل السودان جرت عادتهم على اقتناء الجواري من الشرق أثناء قيامهم مناسك الحج ـ Ouoq : P.٦١٣ N ٠ ٢

(١١٢) گوگو بالكاف المصرية : Gao على نهر النيجر شرقي تنبكتو كانت نقطة الانطلاق بالنسبة للطّريق التجاري عبر الصحراء ومن المفيد أن نذكّر بأن كوكو كانت في القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي كانت عاصمة امبراطور سنغاي عند اعتناقها الإسلام ، وقد ألحقت سنغاي هذه بما لي من لدن السلطان منسى موسى عام ٧٢٥ ـ ١٣٢٥ ولكن ، عند عام ٧٥٩ ـ ١٣٣٥ استقرت كدولة تحت عنوان (سنّي) وهو اللقب الذي لازمها إلى أيام سنّي على ١٤٦٥ ـ ٩٢ آخر حاكم من أصل بربري ، وقد عرف كيف يوسع مملكته «وقد عوض من لدن الجنرال محمد سونينك ٩٥٥١ ٣٩٤١ SONINKE ويعتبر مؤسسا لدولة عسكية التي سنرى أن نهايتها كانت عام ١٥٩١ على يد ملوك المغرب ..Gibb : selections ,P.٢٨٣

(١١٣) تبع گيب الترجمة الفرنسية في ترجمتها لكلمة الفقوص ... (Cucumber) ، أما موني (Mauny) فقد ترجمها بالبطيخ Melon والكل ترك كلمة عناني بدون ترجمة وكأنها اسم لنوع من الانواع ، ويقترح دوزي أن تقرأ الكلمة هكذا (عتابي) وهو اسم لنوع من هذه الخضراوت يشبه البطيخ ...

Beckingham P. ١٧٩ n ٠ ٦٨.

٢٧١

٢٧٢

بعد خروجي عنها ، وأضافني بها الحاج محمد الوجدي التازي وهو ممن دخل اليمن (١١٤) ، والفقيه محمد الفيلالي امام مسجد البيضان.

ثم سافرت منها برسم تكدا (١١٥) في البر مع قافلة كبيرة للغدامسيين ، دليلهم ومقدمهم الحاج وجّين بضم الواو وتشديد الجيم المعقودة ، ومعناه الذئب بلسان السودان ، وكان له جمل لركوبي وناقة لحمل الزاد ، فلما رحلنا أول مرحلة وقفت الناقة فأخذ الحاج وجين ما كان عليها وقسمه على أصحابه فتوزّعوا حمله ، وكان في الرفقة مغربي من أهل تادلة (١١٧) فأبى أن يرفع من ذلك شيئا كما فعل غيره ، وعطش غلامي يوما فطلبت منه الماء فلم يسمح به!

ثم وصلنا إلى بلاد بردامة (١١٨) وهي قبيلة من البربر ، وضبطها بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الدال المهمل والف وميم مفتوح وتاء تأنيث ، ولا تسير القوافل إلّا في خفارتهم ، والمرأة عندهم في ذلك أعظم شأنا من الرجل ، وهم رحّالة لا يقيمون ، وبيوتهم غريبة الشكل يقيمون أعوادا من الخشب ويضعون عليها الحصر ، وفوق ذلك أعواد مشتبكة، وفوقها الجلود أو ثياب القطن ، ونساؤهم أتم النساء جمالا وأبدعهن صوّرا ، مع البياض الناصع والسّمن! ولم أر في البلاد من يبلغ مبلغهن في السّمن! وطعامهن حليب البقر وجريش الذرة يشربنه مخلوطا بالماء غير مطبوخ عند المساء والصباح ، ومن أراد التزوّج منهن سكن بهن في أقرب البلاد إليهن ولا يتجاوز بهن كوكو ولا إيوالّاتن.

__________________

(١١٤) لم يكن هذا التازي المغربيّ الأول والأخير الذي دخل اليمن ، فقد عرف التاريخ عن عدد ممّن كان لهم باليمن. ـ د. التازي : رحلة مغربيّ إلى حضر موت ، مجلة المورد البغدادية ١٩٩٣.

(١١٥) تكدّا اضطربت أقوال المعلقين حول تحديد المكان الذي يقصده ابن بطوطة في منطقة إير (AYAR) ويبدوا الآن انها هي أزليك (AZELIK). هذا وإن التنقيبات والحفريات كشفت عن النشاط الذي كان موجودا فيما يتصل بصناعة النحاس والصفر بموقع أزليك (AZelik) على بعد ٢٥ ك. م. شمال شرق تيگيدّا ـ المناجم نفسها توجد في أزوزا (Azouza) على بعد ١٣ ك. م شرق أزليك ، وأن وجود النحاس أكّده العمري

GIbb, P. ٢٨٢ Note ٥٣. Stephane T. p. ٥٣٤ ـ Note ٠١١ Beckingham T IV P. ٢٧٩.

(١١٦) كان ينبغي أن تكتب (وجين) هكذا : أوشين بالشين (Uchchn) وهي تعني ابن آوى لأنه هو الموجود بالمغرب أما الذئب بمعنى Wolves فلا يوجد بأرض افريقيا على ما يقول المتخصصون.

(١١٧) تادلة من الأقاليم المغربية الكبرى وقد كان لها حضور بارز في تاريخ المغرب على عهد المرابطين والموحّدين واليها ينتسب عدد من العلماء ورجال الفضل ، والعجب كيف أن ابن بطوطة صادف هذا الرهط منه فإن أهل تادلا معروفون بالفضل والخير ...

(١١٨) بردامة ، يعتقد أنها هي بالذات بغامة عند الادريسي وهو يقول عنها ج I ص ٢٥ ـ ٢٧.

ومع الصحراء قوم يقال لهم بغامة وهم برابر رحالة لا يقيمون في مكان ، يرعون جمالهم على ساحل واد يأتي من ناحية المشرق فيصبّ في النيل (كذا) ، واللبن عندهم كثير ، ومنه يعيشون ..." وشربهم من عيون يحفرونها في تلك الارض عن علم لها وتجربة في ذلك صحيحة ـ يراجع التعليق رقم ٢٤.

٢٧٣

وأصابني المرض في هذه البلاد لاشتداد الحر وغلبة الصفراء ، واجتهدنا في السير إلى أن وصلنا إلى مدينة تكدّا ، وضبطها بفتح التاء المعلوة والكاف المعقودة والدال المهمل مع تشديده، ونزلت بها في جوار شيخ المغاربة سعيد بن علي الجزولي (١٩) ، وأضافني قاضيها أبو إبراهيم إسحاق الجاناتي ، وهو من الأفاضل وأضافني جعفر بن محمد المسّوفي.

وديار تكدّا مبنية بالحجارة الحمر ، وماؤها يجري على معادن النحاس فيتغيّر لونه وطعمه بذلك (١٢٠) ، ولا زرع بها إلا يسير من القمح يأكله التجار والغرباء ويباع بحساب عشرين مدّا من أمدادهم (١٢١) بمثقال ذهب ، ومدّهم ثلث المدّ ببلادنا ، وتباع الذّرة عندهم بحساب تسعين مدّا بمثقال من ذهب ، وهي كثيرة العقارب وعقاربها تقتل من كان صبيا لم يبلغ ، وأما الرجال فقلّما تقتلهم ، ولقد لدغت يوما ، وأنا بها ، ولدا للشيخ سعيد ابن علي عند الصبح فمات لحينه ، وحضرت جنازته.

ولا شغل لأهل تكدّا غير التجارة يسافرون كلّ عام إلى مصر ويجلبون من كلّ ما بها من حسان الثياب وسواها ، ولاهلها رفاهية وسعة حال ويتفاخرون بكثرة العبيد والخدم ، وكذلك أهل مالي وإيوالّاتن ولا يبيعون المعلمات منهن إلا نادرا وبالثمن الكثير.

حكاية [جوار معلّمات]

أردت ـ لما دخلت تكدّا ـ شراء خادم معلّمة فلم أجدها ثم بعث إليّ القاضي ابو ابراهيم بخادم لبعض أصحابه فاشتريتها بخمسة وعشرين مثقالا ثم إن صاحبها ندم ورغب في الإقالة ، فقلت له : إن دللتني على سواها أقلتك ، فدلّني على خادم لعليّ أغيول ، وهو المغربي التادلي الذي أبى أن يرفع شيئا من أسبابي حين وقعت ناقتي ، وأبى أن يسقي غلامي الماء حين عطش! فأشتريتها منه وكانت خيرا من الأولى ، وأقلت صاحبي الأول ، ثم ندم هذا المغربي على بيع الخادم ورغب في الإقالة وألح في ذلك فأبيت إلا أن أجازيه بسوء فعله! فكاد أن يجن أو يهلك أسفا ثم أقلته بعد!!

__________________

(١١٩) نسبة إلى جزولة جنوب المغرب مشهورة برجالها ... حول الجناتي انظر تعليق ١٢٢.

(١٢٠) يذكر أن مياه (Teguidda n\'Tesemt) مشحونة بالطين وبالملح ، لا تشرب تقريبا ، وكذلك فإن منطقة أزليك (Azelik) سالفة الذكر وبالذات المحلّة التي تحمل اسم (Azelik Guelele) تمتلك نفس الخصائص ...

(١٢١) المدّ يختلف من بلد إلى آخر ، ففي الشرق الأوسط نراه يعادل ٥١٣ ك. ك ... أما عن المثقال الذهبي فإنه يعادل دائما دينار الذهب المغربي الذي يزن ٤٦ ، ٤ گرام.

٢٧٤

ذكر معدن النحاس

ومعدن النحاس بخارج تكدا (١٢٢) يحفرون عليه في الأرض فإذا سبكوه نحاسا أحمر صنعوا منه قضبانا في طول شبر ونصف ، بعضها رقاق وبعضها غلاظ ، فتباع الغلاظ منها بحساب أربع مائة قضيب بمثقال ذهب ، وتباع الرقاق بحساب ستمائة وسبع مائة بمثقال ، وهي صرفهم يشترون برقاقها اللّحم والحطب ، ويشترون بغلاظها العبيد والخدم والذرة والسمن والقمح ، ويحمل النحاس منها إلى مدينة كوبر (١٢٣) من بلاد الكفار وإلى زغاي (١٢٤) وإلى بلاد برنو (١٢٥) ، وهي على مسيرة أربعين يوما من تكدا وأهلها مسلمون لهم ملك اسمه ادريس (١٢٦) لا يظهر للناس ولا يكلّمهم الا من وراء حجاب ومن هذه البلاد يؤتى بالجواري (١٢٧) الحسان والفتيان والثياب الجيّدة ، ويحمل النّاس أيضا منها إلى جوجوة (١٢٨) وبلاد المورتبين (١٢٩) وسواها.

__________________

(١٢٢) انظر ما تقدم ـ تعليق ١١٥.

(١٢٣) كوبر (Gobir) تقع في منطقة مارادي (Maradi) جنوب جمهورية النيجر الحالية ، غربيّ العاصمة نيامي. انظر الخريطة.

(١٢٤) زغاي القصد بدون شك إلى دياDia أو دياگاDiaga على ساحل نهر النيجر ، بعض المخطوطات تحمل اسم زاغاي وبعضها زاغري Mauny : Texte et Documats P.٦٧ N ٣.

(١٢٥) تقع برنو في شرق بحيرة التشاد ، التي تقع بين الجزائر والتشاد ، كانت على ذلك العهد جزءا من مملكة كانم.

(١٢٦) إدريس ابن ابراهيم ملك كانم ١٣٢٩ ـ ٥٣ وفي هذا العهد كانت برنو قسما من امبراطورية كانم يقول العمري : محجوب لا يراه أحد إلا في يوم العيدين يرى بكرة وعند العصر ، وفي سائر السنة لا يكلمه أحد ولو كان أميرا إلا من وراء حجاب!!

(١٢٧) الحديث عن جمال الجواري في بورنو تكرر في مصادر أخرى بصياغة أكثر دلالة وإثارة كذلك على نحو ما نقرأه عند محمد بن عمر التونسي (ت ١٢٧٤ ـ ١٨٥٧) في تأليفه الرحلة إلى وادي داي (Oud day) الذي ترجمه د. بيرون (Perron) إلى الفرنسية بعنوان (Voyage au Ouaday) وطبع بها وضاعت نسخة العربية! الزركلي : الأعلام / ص ٢٠٩.

(١٢٨) جوجوة : ربما كان القصد إلى گاوگاو (Kukawa) التي ذكر هاليون الافريقي والتي تقع في شرق كانم وشمال دارفور (Darfour) بجمهورية السودان الحالية. وقد أشار ابن سعيد ١٢٨٦ م ـ ٦٨٥) إضافة لهذا إلى جاجا (Djadja) كعاصمة لكانم.

(١٢٩) بلاد المورتبين : هذه البلاد لم يعرف تحديدها ... ويتسائل هل ما إذا لم تكن في منطقة كانم بورنو أو بلاد الهوسا ...Cuoq : Recueil : P.٩١٣ ـ Note ,٣

٢٧٥

ذكر سلطان تكدّا

وفي أيام إقامتي بها توجّه القاضي أبو ابراهيم ، والخطيب محمد والمدرس أبو حفص ، والشيخ سعيد بن علي إلى سلطان تكدّا ، وهو بربري يسمى إزار (١٣٠) ، بكسر الهمزة وزاي والف وراء ، وكان على مسيرة يوم منها ، ووقعت بينه وبين التكركرى (١٣١) ، وهو من سلاطين البربر أيضا ، منازعة فذهبوا إلى الاصلاح بينهما فأردت أن القاه ، فاكتريت دليلا وتوجهت إليه، وأعلمه المذكورون بقدومي فجاء إليّ راكبا فرسا دون سرج وتلك عادتهم ، وقد جعل عوض السرج طنفسة حمراء بديعة وعليه ملحفة وسراويل وعمامة كلّها زرق ، ومعه أولاد أخته وهم الذين يرثون ملكه ، فقمنا إليه ، وصافحناه ، وسأل عن حالي ومقدمي فأعلم بذلك ، وأنزلني ببيت من بيوت اليناطبين ، وهم كالوصفان (١٣٢) عندنا ، وبعث برأس غنم مشوي في السفود ، وقعب من حليب البقر ، وكان في جوارنا بيت أمه وأخته فجاءتا إلينا وسلّمتا علينا وكانت أمه تبعث لنا الحليب بعد العتمة وهو وقت حلبهم ويشربونه ذلك الوقت وبالغدو ، وأما الطعام فلا يأكلونه ولا يعرفونه ، وأقمت عندهم ستّة أيام ، وفي كل يوم يبعث بكبشين مشويين عند الصباح والمساء ، وأحسن إلي بناقة وعشرين مثاقيل من الذهب وانصرفت عنه وعدت إلى تكدا.

ذكر وصول الأمر الكريم إلي

ولما عدت إلى تكدا وصل غلام الحاج محمد بن سعيد السّجلماسي بأمر مولانا أمير

__________________

(١٣٠) ورد في الباب الحادي عشر من مسالك الأمصار لابن فضل الله العمري : «وبلاد السودان أيضا ثلاثة ملوك مستقلون مسلمون بيض من البربر سلطان أهير ، وسلطان دموسه وسلطان دامكة ... ثلاثتهم في جنوب الغرب وأكبرهم ملك أهير ... زيّهم نحو زي المغاربة» ففيما يتصل بأهير فإنها توجد في شرق تيكيدّا وتادماكتا في الشمال الغربي لهذه المدينة الاخيرة (في شرق جمهورية مالي) ـ سلطان تكدا الذي ذكره ابن بطوطة هو سلطان دموسه عند العمري ، في هذه السنة ذاتها لقي ابن خلدون في بسكره مبعوثا من هذا السلطان يشيد بازدهار تكدّا ...

(١٣١) ينبغي أن يكتب هكذا : الكركري نسبة إلى كركر : منطقة صحراوية تقع في الجنوب الغربي لأير (AIR) ويحتمل أن يكون الأصل (جرجر (Cuoq p ٠٢٣ ـ Note ٢.

(١٣٢) الوصفان في اصطلاح كتاب القصور الملكية بالمغرب جمع أوصيف (Usef) ، ويعني العبد الحارس المقرّب من الملك وهو نظام يشبه إلى حدّ كبير نظام الحشم الذي كان في عهد المرابطين على ما نقراه في الحلل الموشية ... وتقدم لنا الحديث عنهم أما اليناطيون (أو النّياطيون كما في نسخة الحبيب اللمسي) : فلم يعرف القصد منه ولعل أصل الكلمة من لغة التوارگ وعرّبت فحرّفت Beckingham ٥٧٩ n ١٠١ Cuoq.p ٠٢٣ Note ٢.

٢٧٦

المؤمنين وناصر الدين المتوكّل على رب العالمين (١٣٣) أمرا لي بالوصول إلى حضرته العلية فقبّلته ، وأمتثلته على الفور ، واشتريت جملين لركوبي بسبعة وثلاثين مثقالا وثلث ، وقصدت السّفر إلى توات (١٣٤) ، ورفعت زاد سبعين ليلة إذ لا يوجد الطعام فيما بين تكدا وتوات ، إنما يوجد اللحم واللبن والسمن يشتري بالأثواب ، وخرجت من تكدّا يوم الخميس الحادي عشر لشعبان سنة أربع وخمسين (١٣٥) في رفقة كبيرة فيهم جعفر التواتي ، وهو من الفضلاء ، ومعنا الفقيه محمد بن عبد الله قاضي تكدّا ، وفي الرفقة نحو ستمائة خادم (١٣٦) فوصلنا إلى كاهر من بلاد السلطان الكركرى ، وهي أرض كثيرة الأعشاب يشتري بها الناس من برابرها الغنم ويقدّدون لحمها ويحمله أهل توات إلى بلادهم.

ودخلنا منها إلى برية لا عمارة بها ولا ماء ، وهي مسيرة ثلاثة أيام ، ثم سرنا بعد ذلك خمسة عشر يوما في بريّة لا عمارة بها إلا أن بها الماء ، ووصلنا إلى الموضع (١٣٧) الذي يفترق به طريق غات الآخذ إلى ديار مصر ، وطريق توات ، وهنالك أحساء ماء يجري على الحديد، فإذا غسل به الثوب الأبيض اسودّ لونه! وسرنا من هنالك عشرة أيام ووصلنا إلى بلاد هكّار (١٣٨) ، وهم طائفة من البربر ملثمون لا خير عندهم ، ولقينا أحد كبرائهم فحبس القافلة حتى غرموا له أثوابا وسواها! وكان وصولنا إلى بلادهم في شهر رمضان ، وهم لا يغيرون فيه ولا يعترضون القوافل ، واذا وجد سرّاقها المتاع بالطريق في رمضان لم يعرضوا له ، وكذلك جميع من بهذه الطريق من البرابر.

__________________

(١٣٣) القصد إلى السلطان أبي عنان ، وهذه لقطة أيضا هامة حول صلة ابن بطوطة بالبلاط المريني ، وهكذا فبعد أن كان التحق بالعاهل المذكور وهو بمراكش وصحبه إلى شالة يحتمل شلو أبيه على ما تقدم ... نراه اليوم يتلقّى يريدا خاصّا من السلطان المذكور يطلبه للالتحاق بفاس التي كانت أنذاك تزخر بالعلماء ورجال الفكر ـ اللقطة تعبّر من جهة أخرى عن نشاط حركة البريد بين المملكة المغربية وباقي الممالك الافريقية المجاورة ... ومع الاسف فإن ابن بطوطة لم يسجل لنا نص الامر الذي وصله من ملكه ... وهذا مما يندرج عندي في موضوع إهمال المغاربة لتاريخهم ...

(١٣٤) تقع توات في الشمال الغربي لاقليم الصحراء ، يراجع تقييد ما اشتمل عليه إقليم توات من الايالة السعيدة من القصور ١٣٨١ ـ ١٩٦٢ المطبعة الملكية ـ الرباط.

(١٣٥) هذا التاريخ يوافق ١٢ شتنبر ١٣٥٣.

(١٣٦) يلاحظ أن المترجمين الناشرين تصرفا في الترجمة على نحو يجعل الستمائة خادم جميعا جواري وتبعهما الأب كيوك (Cuoq) في تأليفه (Recueil ـ ـ ـ) ص ٣٢١ كما تبعهم بيكينگام ... فهل لم يكن بين هؤلاء الخوادم ذكور؟ هذا والقصد بالكاهر إلى إير ـ أيار سالف الذكر.

(١٣٧) يمكن أن يكون القصد إلى الموضع الذي هو مفترق الطرق :(AZAWA) أو (ASIU) في أقصى جنوب شرق الجزائر حيث تذهب الطرق من جهة نحو جاني (Djanet) (وليست هي جناتة!) ومن جهة نحو غات والصحراء الليبية ـ يلاحظ الاحتفاظ بالقافلة مجتمعة بالنظر لتلك الثروة المتجلية في ٦٠٠ خادم التي تصحب القافلة ، وكل ذلك يمكن أن يفسر السرّ في تلك اللفّة من جهة الشرق ـ تجنّبا لطريق قد يكون محفوفا بالاخطار ...

(١٣٨) الهگار القصد إلى رجال التوارگة ... لقيهم ابن بطوطة طوال شهر رمضان ـ ٣٠ ـ ٢٩ أكتوبر ١٣٥٣.

٢٧٧

٢٧٨

وسرنا في بلاد هكّار شهرا ، وهي قليلة النبات كثيرة الحجارة ، طريقها وعر ، ووصلنا يوم عيد الفطر إلى بلاد برابر أهل لثام كهؤلاء فأخبرونا باخبار بلادنا واعلمونا أن اولاد خراج(١٤٠) وابن يغمور (١٤١) خالفوا وسكنوا (تسابيت) من توات (١٤٢) ، فخاف أهل القافلة من ذلك ، ثم وصلنا إلى بودا (١٤٣) ، بضم الباء الموحدة ، وهي من أكبر قرى توات ، وأرضها رمال وسباخ وتمرها كثير ليس بطيب ، لكن أهلها يفضلونه على تمر سجلماسة ، ولا زرع بها ولا سمن ولا زيت وانما يجلب لها ذلك من بلاد المغرب ، واكل أهلها التمر والجراد ، وهو كثير عندهم يختزنوه كما يختزن التمر ويقتاتون به ويخرجون إلى صيده قبل طلوع الشمس فانه لا يطير اذا ذاك لأجل البرد!

وأقمنا ببودا أياما ، ثم سافرنا في قافلة ووصلنا في أواسط ذي القعدة (١٤٤) إلى مدينة سجلماسة ، وخرجت منها في ثاني ذي الحجة (١٤٥) ، وذلك أول البرد الشديد ، ونزل بالطريق ثلج كثير. ولقد رأيت الطرق الصّعبة والثلج الكثير ببخاري وسمرقند وخراسان وبلاد الأتراك فلم أر أصعب من طريق أمّ جنيبة! (١٤٦).

ووصلنا ليلة عيد الأضحى إلى دار الطمع (١٤٧) ، فأقمت هنالك يوم الأضحى ، ثم

__________________

(١٣٩) كان يوافق ٣٠ أكتوبر ١٣٥٣.

(١٤٠) أولاد خرج : قبيلة عربية من بني معقل مكانهم بين تلمسان ووجدة والبحر المتوسط وكانوا يتنقلون من تلمسان إلى توات ... وقد كانت هذه القبائل تتمرد أحيانا على السلطان انظر التعليق رقم ٢

(١٤١) القصد إلى بني عبد الواد ، أصحاب تلمسان الذين كان أبو عنان تغلب على عاصمتهم في ربيع الثاني عام ٧٥٣ مايه ١٣٥٢ في السنة الماضية ـ في أعقاب المعركة الشهيرة المعروفة بمعركة أنگاد الاستقصاء ٣ ، ١٨٢ ـ د. التازي : التاريخ الدپلوماسي للمغرب ـ الجزء السابع ص ١٤ تعليق ١٠.

(١٤٢) تسابيت : واحات على بعد ٦٠ شمال أدرار تمردوا على السلطان بزعامة يعقوب ...

(١٤٣) بودا : واحات على بعد ٢٠ ك. م. شمال غرب أدرار توات ، على الخط ٢٨ شمالا و ٣٠ ، ٠ شرقا.

وحسب ابن خلدون فإن هذا المكان هو نقطة انطلاق القوافل نحو مالي ... هذا ويذكر بعض الجغرافيين العرب أن الجراد مما يؤكل في مراكش.

(١٤٤) يوافق ١٢ دجنبر ١٣٥٣ ـ حول سجلماسة انظر ما سبق تعليق رقم ٢.

(١٤٥) يوافق ٢٩ دجنبر ١٣٥٣.

(١٤٦) ورد عند الحسن ابن الوزان في (وصف افريقيا) وهو يتحدث عن مدينة تحمل هذا الاسم : أم جنيبة أنها قرب ممر الأطلس على منحدره الجنوبي (٩٠ ك. م. جنوب شرق فاس) ويظهر بجانب المدينة مرتفع يلزم كلّ من صعده ليقطعه مع قافلة أن يرقص! وقد رأى ابن الوزان بعينه أن كلّ الذين يمرون بالمرتفع يرقصون ...! انظر وصف افريقيا ، وانظر الترجمة الإسبانية التي أعدهاS.Fanjul و ٣٩٩١ F.Arbos ص ALIANZA EDITORIAL ٣٩٧

(١٤٧) ربما تكون دار الطمع هي تاملالت (Tamelalt) بين أزرو وبين صفرو على ما يقوله بيكنگام وقد تجنب Mauny اذكرها نهائيا بينما استغنى كيوك عن التعليق عليها!!

٢٧٩

خرجت فوصلت إلى حضرة فاس حضرة مولانا أمير المومنين أيده الله فقبلت يده الكريمة (١٤٨) وتيمّنت بمشاهدة وجهه المبارك وأقمت في كنف إحسانه بعد طول الرحلة ، والله تعالى يشكر ما أولانيه من جزيل إحسانه وسابغ امتنانه ويديم أيامه ويمتع المسلمين بطول بقائه.

وهاهنا انتهت الرحلة المسماة (تحفة النظار في غرائب الامصار وعجائب الأسفار) وكان الفراغ من تقييدها في ثالث ذي الحجة عام ستة وخمسين وسبع مائة (١٤٩) والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.

قال ابن جزي : انتهى ما لخّصته من تقييد (١٥٠) الشيخ أبي عبد الله محمد ابن بطوطة، اكرمه الله ، ولا يخفى على ذي عقل أن هذا الشيخ هو رحّال العصر ، ومن قال : رحّال هذه الملة لم يبعد ، ولم يجعل بلاد الدّنيا للرحلة واتّخذ حضرة فاس قرارا ومستوطنا بعد طول جولاته ، إلا لما تحقق أن مولانا أيده الله أعظم ملوكها شأنا وأعمهم فضائل ، وأكثرهم إحسانا وأشدهم بالواردين عليه عناية ، وأتمهم بمن ينتمي إلى طلب العلم حماية ، فيجب على مثلي أن يحمد الله تعالى لأن وفقه في أول حاله وترحاله لاستئيطان هذه الحضرة التي اختارها هذا الشيخ بعد رحلة خمسة وعشرين عاما ، إنها لنعمة لا يقدر قدرها ولا يوفى شكرها ، والله تعالى يرزقنا الإعانة على خدمة مولانا أمير المومنين ويبقى علينا ظلّ حرمته ورحمته ويجزيه عنا معشر الغرباء المنقطعين إليه أفضل جزاء المحسنين.

اللهمّ ـ وكما فضلته على الملوك بفضيلتي العلم والدين وخصصته بالحلم والعقل الرصين ، فمدّ لملكه أسباب التأييد والتمكين وعرفه عوارف النصر العزيز والفتح المبين واجعل الملك ، في عقبه إلى يوم الدين وأره قرّة العين في نفسه وبنيه وملكه ورعيته يا أرحم الراحمين وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا ونبيّنا محمد خاتم النبيين وأمام المرسلين والحمد لله رب العالمين.

وكان الفراغ من كتبها في صفر عام سبعة وخمسين وسبع مائة (١٥١) عرف الله من كتبها.

__________________

(١٤٨) هذه لقطة أخرى تتحدث عن مدى صلة الرحالة المغربي بالسلطان أبي عنان مما يزيّف ما حكاه أبو القاسم الزياني مما حكاه زورا عن رحلة البلوي مما تعرضنا له في المقدمة وفي الملاحق ...

(١٤٩) كان ذلك يوافق تاسع دجنبر ١٣٥٥.

(١٥٠) ينبغي أن ننتبه هنا لهذه الفقرات من الكاتب ابن جزي : لقد قام ابن بطوطة بوضع «تقييد» للرحلة أنهاه بتاريخ ٣ ذي الحجة عام ٧٥٦ (٩ دجنبر ١٣٥٥) وقدم «التقييد» للكاتب بن جزي الذي قام بوضع «تلخيص» لما كان قيده ابن بطوطة وأنهى كتب هذا التلخيص في صفر من عام ٧٥٧ (يبراير ١٣٥٦) ، ومعنى هذا أن العملية إنما استغرقت من قبل ابن جزي ثلاثة شهور على أكثر تقدير ...!

(١٥١) كان ذلك يوافق يبراير ١٣٥٦ ، والجدير بالذكر هنا أن نكرر القول بأن النسخة التي تحمل في مكتبة باريز رقم ٩٠٧ أو ٢٢٩١ ، والمعروفة بمخطوط دولا بّورط ، تختتم هكذا : «وكان الفراغ من كتبها في صفر عام سبعة وخمسين وسبع مائة عرف الله من كتبها." بينما نجد أن سائر النسخ الأخرى التي توفّرنا عليها لا تحتوي على هذه العبارة وهي تقف عند : يا أرحم الرحمين ... ومن هنا رجح القول بأن المخطوطة رقم ٩٠٧ ـ ٢٩١. ٩ هي بخط ابن جزي.

٢٨٠