رحلة ابن بطوطة - ج ٤

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٤

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-010-9
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٣٥١

قال ابن جزي : لو لا خشيت أن أنسب إلى العصبية لأطلت القول في وصف غرناطة ، فقد وجدت مكانه ما اشتهر كاشتهارها لا معنى لإطالة القول فيه! ولله درّ شيخنا أبي بكر محمد ابن أحمد ابن شبرين السّبتي (٣٧) نزيل غرناطة حيث يقول :

رعى الله من غرناطة متبوأ

يسرّ حزينا أو يجير طريدا

تبرّم منها صاحبي عند ما رأى

مسارحها بالثّلج عدن جليدا

هي الثّغر صان الله من أهلت به

وما خير ثغر لا يكون برودا؟

رجع ، ذكر سلطانها

وكان ملك غرناطة في عهد دخولي اليها السلطان أبو الحجاج يوسف بن السلطان أبي الوليد إسماعيل ابن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر ولم ألقه بسبب مرض كان به (٣٨) ، ويعثت إليّ والدته الحرة الصالحة الفاضلة بدنانير ذهب ارتفقت بها.

__________________

(٣٧) معظم النسخ التي بين أيدينا ترسم (البستي) نسبة إلى بست (Bost) في أفغانستان التي ينسب إليها أبو الفتح البستي صاحب القصيدة المشهورة التي مطلعها : (زيادة المرء في دنياه نقصان) ، وهناك نسخة تحمل رقم ٢٢٨٩ ومخطوطة بتونس تحمل رقم ٥٠٤٨ ترسم الكلمة : السبتي نسبة إلى سبتة ، وقد اعتمدت الروايات الأوربية البستي ، وجاء من بعد هذا اللذين اهتموا بالرحلة سواء في مصر أو لبنان أو المغرب فكتبوا البستي بتقديم الباء ، وورد مع هؤلاء من تهربوا من ذكر هذا الاسم نهائيا! وقد تجلى من خلال البحث أن القصد إلى السبتي بتقديم السين ويتعلق الأمر بمحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ... ابن شبرين (بالباء بعد الشين لا الياء) من مواليد سبتة ، وانتقل عند كائنة سبتة ، فاستقر بغرناطة فارتسم بالكتابة السلطانية وولى القضاء بعدة جهات وتأثل مالا وشهرة حتى جرى مجرى الاعيان من أهلها ... كان تاريخيا مقيدا محققا لما ينقله وكانت له رحلة إلى تونس ، وقد جرى ذكره في كتاب «التاج المحلى في مساجلة القدح المعلى» لابن الخطيب ... وقد ترجم له كذلك لسان الدين في الإحاطة ، وأتى بنماذج من شعره ... أدركه أجله في السبت الثاني من شعبان ٧٤٧ ـ ٢٣ نونبر ١٣٤٦ ودفن بباب ألبيرة :

(٣٨) هو يوسف الأول (١٣٣٣ ـ ١٣٥٤ ـ ٧٣٣ ـ ٧٥٥) من الدولة النّصرية وقد وصفه ابن الخطيب في الإحاطة (٤ ، ٣١٨) بأنه ... لباب هذا البيت وواسطة هذا العقد وطراز هذه الحلبة ...!! هذا ولم يفصح ابن بطوطة عن نوع المرض الذي كان يلم بالعاهل الغرناطي والذي يلاحظ أن أحدا من المؤرخين لم يشر إليه! ويبدو أن سلطان غرناطة الذي كان يطلب من أبي عنان تأجيل ملاحقه لوالده من مراكش فضّل المرض الدبلوماسي لتجنب الاتصال بهذا الزائر ...! وهكذا لم يتمكن رحالتنا من زيارة قصور الحمراء ... ومن ثم لم يقدم لنا عنها وصفا علي نحو ما اعتدنا منه عندما يزور معلمة من المعالم بل لم يكلّف نفسه عناء نقل بعض العبارات المنقوشة كما فعل من أتى بعده من أمثال الغزّال وابن عثمان في سفارتيهما لإسبانيا عندما نقلا علاوة على : (لا غالب إلّا الله) الموجودة في كل مكان ، مثل هذه الأشعار :

قصر بديع الحسن والإحسان

لاحت عليه جلالة السلطان!

٢٢١

٢٢٢

ولقيت بغرناطة جملة من فضلائها : منهم قاضي الجماعة بها الشريف البليغ أبو القاسم محمد بن أحمد بن محمد الحسيني السبتي (٣٩) ، ومنهم فقيهها المدرس الخطيب العالم أبو عبد الله محمد بن ابراهيم البيّاني (٤٠) ، ومنهم عالمها ومقرئها الخطيب أبو سعيد فرج بن قاسم الشهير بابن لب (٤١) ، ومنهم قاضي الجماعة نادرة العصر وطرفة الدهر أبو البركات محمد بن محمد بن ابراهيم السّلمي (٤٢) البلفيقي ، قدم عليها من المرية في تلك

__________________

(٣٩) القصد إلى شخصية بارزة من ذرية الاشراف الصقليين الحسينيين الذين استقروا بسبتة بعد أن حلّ بصقلية ما حل أواخر القرن الخامس الهجري ، ولو كنت مكان ابن بطوطة لأضفت عبارة «الشهير ببلاد المغرب بالصقلي» على نحو ما فعل وهو يتحدث عن الشريف ، بن نفيس الحسيني الكربلائي قائلا : «الشهير ببلاد المغرب بالعراقي». وقد ترجم له لسان الدّين ابن الخطيب في الاحاطة ترجمة واسعة الا انه وقع خطأ مطبعي دون شك في جعله من الحسنيين بفتح الحاء بينما هو الحسيني ، وقد ترجم له كذلك ابن فرحون في الدّيباج فضبطه بالحسيني ، ونسب إليه كل كمال مشيرا إلى أنه بعد أن عزل عن القضاء تحيّز للكراسى العلمية وتفرغ لإفادة الناس إلى أن أدركه أجله في غرناطة عام ٧٦٠ ـ ١٣٥٩.

ابن الخطيب : الإحاطة في أخبار غرناطة ، تحقيق عبد الله عنان ، الناشر مكتبة الخانجي القاهرة ج ٤ ص ١٨١ وما بعدها عام ١٨٩٤ ـ ١٩٧٤ ـ ابن فرحون : الديباج المذهب ، المطبعة الحجرية لفاس ص ٢٦٠ ـ ٢٦١ ـ القادري : لمحة البهجة العلية في بعض أهل النسبة الصقلية ، تحقيق ونشر

Umberto Rissitano) Melanges Islamologique T III IT ALI)

ـ الطالب بن الحاج : الإشراف على بعض من حل بفاس من الأشراف ، عند ذكر الفصيلة الخامسة الكاظميين بعد الفصل الرابع : الادارسة المحمديون الموسويون العريضيون طبعة حجرية.

(٤٠) البيّاني نسبة إلى بيانة (Baena) يعتبر الإمام أبو عبد الله البياني بين الشخصيات الاندلسية التي فرضت نفسها على الذي ارخو للاندلسيين ، وهكذا وجدنا اسمه في النّفح كاحد اساتذة القاضي ابي محمد عبد الله بن أبي القاسم بن جزي (ج ٥ ، ٥٤٠) ، وكذا كأحد شيوخ الرئيس ابى يحيى بن عاصم ... ٦ ، ١٤٨.

(٤١) ابن لبّ ترجم له ابن الخطيب في كتابه الاحاطة ووصفه على انه حامل لواء التحصيل والاضطلاع بالمسائل ... اقرأ بالمدرسة النّصرية ، في ٢٨ رجب ٧٥٤ ـ انظر الديباج ٢ ، ١٣٩ ـ ٤٢ نيل الابتهاج ص ٢١٩.

(٤٢) البلفيقي نسبة إلى بلفيق (Velffique) بلدة بولاية ألمرية ، كان مصدرا من المصادر حول ترجمة ابن بطوطة على ما نقرأه في الدرر ـ انظر الاحاطة ٢ ص ١٤٣ ـ النفح ٥ ، ٤٧١ ـ الدرر ٤ ص ١٥٥ الديباج ٩٦٢ ,II نيل الابتهاج ٢٥٤. ـ وقد تقدم الحديث عنه راجع ٦٢ ,III.٠٢ ,I.

٢٢٣

٢٢٤

٢٢٥

الأيام فوقع الاجتماع به في بستان الفقيه أبي القاسم محمد بن الفقيه الكاتب الجليل أبي عبد الله بن عاصم (٤٣) وأقمنا هنالك يومين وليلة (٤٤).

قال ابن جزي : كنت معهم في ذلك البستان وأمتعنا الشيخ أبو عبد الله باخبار رحلته ، وقيّدت عنه أسماء الأعلام الذين لقيهم فيها واستفدنا منه الفوائد العجيبة ، وكان معنا جملة من وجوه أهل غرناطة منهم الشاعر المجيد الغريب الشأن أبو جعفر أحمد بن رضوان بن عبد العظيم الجذامي (٤٥) وهذا الفتى أمره عجيب ، فإنه نشأ بالبادية ولم يطلب العلم ولا مارس الطّلبة ، ثم إنه نبغ بالشعر الجيد الذي يندر وقوعه من كبار البلغاء وصدور الطلبة مثل قوله :

يا من اختار فؤادي منزلا

بابه العين التي ترمقه

فتح الباب سهادي بعدكم

فابعثوا طيفكم يغلقه

رجع ، ولقيت بغرناطة شيخ الشيوخ والمتصوفين بها الفقيه أبا علي عمر بن الشيخ الصالح الولي أبي عبد الله محمد بن المحروق (٤٦) ، وأقمت أياما بزاويته التي بخارج

__________________

(٤٣) يبدو أن القصد إلى أبي عبد الله محمد بن محمد بن عاصم بن محمد بن أبي عاصم الأنصاري من أهل غرناطة ويعرف بابن عاصم ، كان حسن الخط ، وكتب بالديار السلطانية ، كان ليّن العريكة طيب النفس سليم الصّدر وولى الحسبة وناب عن صاحب القلم الاعلى ومن بعض قصائده :

شيّدت بملكك للهدى أركان

وسما به فوق السها أركان

والله أسعدنا بدولتك التي

هي للعباد والبلاد أمان

وقلنا «يبدو» اعتمادا على ما ورده في هامش النسخة المطبوعة من الدرر من أنه توفى عام ٧٧٤ وليس عام ٧٤٣! ـ الدرر : ج ٤ ، ص ٢٩٤.

(٤٤) حسب إفادة البلفيقي ... فإن ذلك اللقاء تمّ في بستان بقرية نبلة ـ انظر ما نقله لسان الدين ابن الخطيب عن أبي البركات في الاحاطة ج III ص ٢٧٣. فهو يزكى ـ إلى حد ـ معلومات ابن بطوطة.

(٤٥) الجذامي هذا هو الذي نعته ابن حجر بأنه شاب فاضل وانه من الفلّاحين ببلدة غرناطة ، وأنه يحوك الشعر بالطبع الذّكي الذي له كقوله :

يا سيّدا ودعته ومدامعي

تنهلّ من عيني يوم وداعه

ما سار شخصك من محبّك انما

غيبت عن عينيه في اضلاعه!

وقد أورد ابن حجر كذلك نفس البيتين الواردين في الرحلة ، باستثناء تبديل منزل بمسكن مات شهيدا في جمادى ... عام ٧٦٣ عن احدى وأربعين سنة وربع سنة ـ الدررl ، ص ١٤١ ـ ١٦٢.

(٤٦) لم نقف على ترجمة لأبي علي عمر ابن المحروق هذا في كتاب الاحاطة لابن الخطيب بالرغم مما احال عليه لسان الدين في الترجمة الواسعة لابن أخيه أبي الحسن عليّ آتي الذكر قريبا ...

٢٢٦

غرناطة ، وأكرمني أشد الإكرام وتوجهت معه إلى زيارة الزاوية الشهيرة البركة المعروفة برابطة العقاب ، والعقاب جبل مطل على خارج غرناطة ، وبينهما نحو ثمانية أميال وهو مجاور لمدينة ألبيرة (٤٧) الخربة ، ولقيت أيضا ابن أخيه الفقيه أبا الحسن علي بن أحمد المحروق (٤٨) بزاويته المنسوبة للّجام ، بأعلى ربض نجد (٤٩) من خارج غرناطة المتصل بجبل السّبيكة ، وهو شيخ المتسبّبين من الفقراء.

وبغرناطة جملة من فقراء العجم (٥٠) استوطنوها لشبهها ببلادهم ، منهم الحاج أبو عبد الله السمرقندي ، والحاج أحمد التّبريزي ، والحاج إبراهيم القونوي ، والحاج حسين الخراساني والحاجان عليّ ورشيد الهنديان وسواهم.

__________________

(٤٧) يوجد في المخطوطات التي بين أيدينا كلمة (التيرة) بالتاء عوض (البيرة)(Elvira) الذي هو الصواب ، وهي خربة كما يقول نتيجة ـ على ما يبدو ـ لمعركة البيرة التي شاهدتها المنطقة سنة ٧١٩ ـ ١٣١٩ بين الأندلسيين والقشتالين.

(٤٨) أبو الحسن هذا ترجم له ابن الخطيب في الاحاطة ترجمة واسعة (٤ ، ٢٠١ ـ ٢٠٢) ونعته بشيخ الفقراء السّفارة والمتسبّبة بالرباط المنسوب إلى جده حسن الشكل أصيل البيت ، مترفّع ، حسن البزّة ... كان ممن امتحنوا من السلطان وقد عد مشايخه في لائحة طويلة ، ويلاحظ أن لسان الذين ذكر في عنوان الترجمة انه تحدث عن عمه وجدّه ...؟

(٤٩) نجد : علم جغرافي لموقع بضواحي غرناطة ، ويعتبر من أشرف وأطرف منتزهات العاصمة ليتفرج الناس ويصقلوا الخواطر بالتطلع في ظاهر البلد وهو ملاصق لجبل السبيكة ... وقد قيل فيها الكثير في الشعر :

يا من يحنّ إلى نجد وناديها

غرناطة قد ثوت نجد بواديها

قف بالسبيكة وانظر ما بساحتها

عقيلة والكثيب الفرد جاليها

ومن شعر سليمان الكلاعي :

أحنّ إلى نجد ومن حلّ في نجد

وما ذا الذي يغنى حنيني أو يجدي؟!

وقال احد الطارئين محمد الجبّائي :

قضوا في ربى نجد ففي القلب مرساه

وغنّوا إن أبصرتم ثمّ مغناه!!

ومن شعره كذلك

سرت من ربى نجد معطرة الرّيا

يموت لها قلبي وآونة تحيى!

الاحاطة ٨١٣ ـ ٧١٣,II ض. ـ المقري : نفح الطيّب ٣١٥ ,III.

(٥٠) لقطة هامة في تاريخ غرناطة تتحدث عن وجود جالية إسلامية من خارج المنطقة ، ويتعلق الامر بطائفة من المسلمين من الذين وردوا على الأندلس من سمرقند وتبريز وقونية وخراسان والهند ... وردوا على الأندلس كما كانوا يردون على أطراف المغرب منذ الفتح الاسلامي. وقد تضمنت بعض مصادر التاريخ الأندلسي والمغربي عددا من أسماء المشارقة الذين اختاروا المقام بالمغرب إما للجهاد أو للانقطاع للتجارة ، ونذكر من هؤلاء الصوفية فضل المعافري الذي أخذ عن غالب بن سيد بونه الخزاعي المترجم في الإحاصة الذي كان ثار على سماع الآلة الموسيقية المسمّاة الشبّابة وقد توفي عام ٧٣٣ كما نذكر سيدي السمرقندي دفين مراكش عام ٧٧٦ ـ ١٣٧٤ الإحاطة ٤ ـ ٢٣٩.

٢٢٧

٢٢٨

ثم رحلت من غرناطة إلى الحمّة ، ثم إلى بلّش ثم إلى مالقة ، ثم إلى حصن ذكوان وهو حصن حسن كثير المياه والاشجار والفواكه (٥١) ، ثم سافرت منه إلى رندة ثم إلى قرية بني رياح(٥٢) فأنزلني شيخها أبو الحسن علي بن سليمان الرياحي وهو أحد كرماء الرجال ، وفضلاء الأعيان يطعم الصادر والوارد وأضافني ضيافة حسنة.

ثم سافرت إلى جبل الفتح وركبت البحر في الجفن الذي جزت فيه أولا وهو لأهل أصيلا فوصلت إلى سبتة وكان قائدها إذا ذاك الشيخ أبو مهدي عيسى بن سليمان بن منصور وقاضيها الفقيه أبو محمد الزجندري (٥٣).

ثم سافرت منها إلى أصيلا وأقمت بها شهورا (٥٤) ، ثم سافرت منها إلى مدينة سلا (٥٥) ، ثم سافرت من سلا فوصلت إلى مدينة مراكش (٥٦) ، وهي من أجمل المدن ، فسيحة الأرجاء متسعة الأقطار كثيرة الخيرات ، بها المساجد الضّخمة كمسجدها الأعظم المعروف بمسجد الكتبيين (٥٧) وبها الصومعة الهائلة العجيبة ، صعدتها وظهر لي جميع البلد منها ،

__________________

(٥١) حصن ذكوان ، هو ما يعرف اليوم بكوين (Coin) المدينة الصغيرة التي تقع على بعد ٤٠ كيلوميترا غربي مالقة في منتصف الطريق بين رندة ومالقة ـ النفح ٤ ، ٥١٥ ـ ٥١٦.

(٥٢) تقع قرية بني رياح بين رندة وجبل طارق لكنا لم نصل إلى تحديد موقعها بالضبط.

(٥٣) كانت زيارتي لسبتة في ٢٩ / ١١ / ١٩٩٦ مناسبة للرجوع إلى ترجمة هذا العالم الجليل الذي ينتسب إلى زكندر (بسوس) وقد تجول عبر الأقطار المشرقية ... تولى بعد سبتة قضاء مراكش وبها توفي عام ٧٦٨ ه‍ ، أهمل بروفنسال ذكره وكذا بقية المعلقين ترجمه ابن الخطيب في النفاضة وقال عنه : «حسن الغفلة عن نصيب النفس» أما عن القائد فإن لأسرته ذكرا عند المنافسة على السلطة ...

(٥٤) لم نعرف بالضبط عدد الشهور التي قضاها في أصيلا وليس في سبتة كما يقول ذ. نورّيس ...) Norris) وربما كان هذا الانتظار في أصيلا بدافع الابتعاد عن العاصمة التي كانت تعيش فترة قلقة بسبب تدهور العلاقات بين السلطان أبي الحسن وولده السلطان أبي عنان الذي التحق بمراكش في طلب والده في صفر ٧٥١ ـ أبريل ماي ١٣٥٠ على ما يذكر الزركشي في كتابه (تاريخ الدولتين)

(٥٥) بالرغم مما يظهر من أن مقامه بسلا كان عابرا الا أن ما حكاه وهو يزور (القسطنطينية العظمى) (تركيا). وهو يزور (بلخ) افغانستان يؤكد أنه لم ينس ذكر رباط الفتح في آسيا الصغرى ولم ينس جامع حسان وهو في خراسان ـ يراجع ج ٢٣٤ ـ II ، ج.٩٥ ـ III يراجع بحثي حول نصيب الأعلام الجغرافية المغربية في رحلة ابن بطوطة ، ندوة تاريخ الرباط نونبر ١٩٩٥.

(٥٦) يلاحظ أن ابن بطوطة بالنسبة للمواقع الجغرافية المغربية لم يبق له اهتمام بتحريكها وشكلها على نحو ما كان يفعل مع مواقع في البلاد الأخرى فهو لم يحمل نفسه عناء البحث في أن مراكش تشكل بضم الميم كما يقول قوم أو بفتحها كما يقول آخرون أم أنها ترسم على شكل ثالث كما فعله الأمير بلقين في مذكراته. ويلاحظ أن الترجمة الفرنسية أعطت لنفسها الصلاحية لترجمة كلمة (مراكش) بكلمةMaroc عكس الترجمة الانجليزية التي تميز بين اسم المغرب كبلد واسم مراكش كمدينة د. التازي : الأعلام الجغرافية في رحلة ابن بطوطة ، بحث قدم لمجمع القاهرة مارس ١٩٩٦ ـ المنهل ، جدة ، مارس ١٩٩٧.

(٥٧) يبلغ علو صومعة الكتبيين ٦٧ ميتر وما تزال شامخة إلى اليوم ... وعندما نذكر منارة الكتبيين نذكر منارة حسان (بالرباط) ومنارة الخيرالدا (باشبيلية) مقرونة بها ... فقد اقترن تاريخ بناء الثلاث باحداث هامة في تاريخ الدولة الموحدية حيث نلاحظ انها المساجد الثلاثة شيدت شكرا لله على ما أنعم به على الموحدين من ضروب النصر ، وخاصة في وقعة الآرك التي ظلت حديث المؤرخين ردحا من الزمان.

ذ ـ التازي : التاريخ الدبلوماسي للمغرب ج ٦ ص ٦٨.

٢٢٩

وقد استولى عليه الخراب (٥٨) ، فما شبّهته إلا ببغداد إلا (٥٩) أن أسواق بغداد أحسن ، وبمراكش المدرسة العجيبة (٦٠) التي تميّزت بحسن الوضع وإتقان الصنعة وهي من بناء مولانا أمير المسلمين أبي الحسن رضوان الله عليه.

قال ابن جزي : في مراكش يقول قاضيها الامام التّاريخي أبو عبد الله محمد ابن عبد الملك الأوسي (٦١) :

لله مراكش الغرّاء من بلد

وحبّذا أهلها السادات من سكن

إن حلّها نازح الأوطان مغترب

أسلوه بالأنس عن أهل وعن وطن

بين الحديث بها أو العيان لها

ينشا التّحاسد بين العين والأذن!!

رجع. ثم سافرت من مراكش صحبة الرّكاب العلي : ركاب مولانا أيده الله فوصلنا إلى مدينة (٦٢) سلا ثم إلى مدينة مكناسة العجيبة الخضرة النضرة ذات البساتين والجنات المحيطة بها بحائر الزيتون من جميع نواحيها ثم وصلنا إلى حضرة فاس حرسها الله تعالى فوادعت بها مولانا أيده الله ...

__________________

(٥٨) ملاحظة ابن بطوطة ناتجة عن أن مراكش التي كانت عاصمة سياسية للدولة الموحدية ، وكانت مقصدا للزوار من سائر جهات العالم هجرت بعد أن تمكن بنو مرين من السيطرة عليها حيث عادت العاصمة إلى مدينة فاس ...

(٥٩) كانت مقارنة مراكش ببغداد مقارنة في محلها سيما مع تقارب الطقس وتكاثف النخيل وقد شعرت بهذه المقارنة عند وصولي إلى بغداد سفيرا لبلادي حيث جرى حديث مع الجهات المسؤولة حول إمكانية التوأمة بين بغداد ومراكش ...

(٦٠) يعتبر ابن بطوطة أول رحّالة يتحدث لنا عن مدرسة السلطان أبي الحسن ، وقد كان ـ كما نعلم ـ معاصرا لنشاط المدرسة المذكورة كما سيتحدث عن هذه المدرسة ابن مرزوق وابن الوزّان ...

Deverdun : Marrakech, RABAT ٩٥٩١. ـ p. ٠٢٣ ـ ٢٢٣ ـ ٤٤٣ ـ ٨٦٥.

(٦١) القصد إلى ابن عبد الملك الأوسي المراكشي صاحب كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ، ترجم في أكثر من كتاب ، وقد كان فيمن ترجموا له العباس بن إبراهيم صاحب الإعلام بمن حلّ مراكش وأغمات من الأعلام ، ١٩٧٦ المطبعة الملكية ج ٤ ص ٣٣١ ـ ٣٣٢. المراكشي : الذيل والتكملة ـ القسم الأول تحقيق د. محمد بن شريفة ، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية ١٩٨٤.

deverdun : inscriptions arabes de marrakech ـ rabat ١٩٥٦ p. ٢٢.

(٦٢) هذه إشارة هامة ينبغي الوقوف عندها ... وهي تفيد أن ابن بطوطة صحب ركب السلطان أبي عنان الذي غادر مراكش يحتمل معه شلو أبيه المتوفى يوم ٢٣ ربيع الثاني ٧٥٢ ـ ١٩ يونيه ١٧٥١ حيث تمت عملية الدّفن بشالة برباط سلا ، ومن المهم أن نلاحظ دهاء وكياسة ابن بطوطة حول عدم التعرض إطلاقا لما كان يجري على الساحة المغربية بين السلطان أبي الحسن وبين ابنه السلطان أبي عنان ممّا يهم الأسرة المالكة وحدها ومما يعتبر من القضايا الداخلية التي تقتضي التغاضي عنها!

٢٣٠

٢٣١

٢٣٢

٢٣٣
٢٣٤

الفصل الثامن عشر

الرحلة إلى بلاد السودان

نحو مدينة سجلماسة ، وصف المدينة

أصحاب التكشيف في مسوّفة وشياطين الصحراء!

إلى تغازّى مدينة الملح

الوصول إلى ايوالّاتن : أول عمالة السودان

الحديث عن مركز المرأة في ايوالّاتن

نحو مالّي حضرة بلاد السودان

حديثه عن ملك مالي الذي أقام مجلس عزاء للسلطان أبي الحسن ...

حديث ابن بطوطة عن وادي النيجر الذي اعتقد أن له صلة بالنّيل!

حديثه عن أكلة لحوم البشر!!

حديثه عن حج السلطان منسي موسى ...

وصول البريد لابن بطوطة بالعودة إلى المغرب.

اجتماعه بالسلطان أبي عنان الذي أصدر أمره بانتساخ الرحلة

٢٣٥
٢٣٦

٢٣٧
٢٣٨

ثم سافرت من مراكش صحبة الرّكاب العليّ : ركاب مولانا أيده الله فوصلنا إلى مدينة سلا ، ثم إلى مدينة مكناسة العجيبة الخضرة النّضرة ذات البساتين والجنّات المحيطة بها بحائر الزيتون من جميع نواحيها ثم وصلنا إلى حضرة فاس حرسها الله تعالى ، فوادعت بها مولانا أيده الله.

وتوجهت برسم السفر إلى بلاد السودان (١) فوصلت إلى مدينة سجلماسة (٢) ، وهي من أحسن المدن وبها التّمر الكثير الطيب ، وتشبهها مدينة البصرة في كثرة التمر ، لكن تمر سجلماسة أطيب ، وصنف إيرار (٣) منه لا نظير له في البلاد ، ونزلت منها عند الفقيه أبي محمد البشري وهو الذي لقيت أخاه بمدينة قنجنفو من بلاد الصين (٤) فيا شدّ ما تباعدا! فأكرمني غاية الاكرام واشتريت بها الجمال وعلّفتها أربعة أشهر.

ثم سافرت في غرة شهر الله المحرم سنة ثلاث وخمسين (٥) في رفقة مقدّمها أبو محمد يندكان المسّوفي رحمه‌الله ، وفيها جماعة من تجار سجلماسة وغيرهم ، فوصلنا بعد خمسة وعشرين يوما إلى تغازّى (٦) وضبط اسمها بفتح التاء المثناة والغين المعجم وألف وزاي مفتوح أيضا ، وهي قرية لا خير فيها ، ومن عجائبها أن بناء بيوتها ومسجدها من حجارة الملح! وسقفها من جلود الجمال! ولا شجر بها ، إنما هي رمل فيه معدن الملح يحفر عليه في الأرض فيوجد منه ألواح ضخام متراكبة كأنها قد نحتت ووضعت تحت الأرض

__________________

(١) يتحدث بعض المعلّقين سواء من العرب أو غيرهم ، عن أن هذه الرحلة من ابن بطوطة إلى بلاد السودان كانت بتكليف من السلطان أبي عنان في مهمة خاصة الأمر الذي تدل عليه بعض المؤشرات منها وصول بريد خاص له وهو في تكدا من لدن السلطان أبي عنان يطلب إلى ابن بطوطة العودة إلى العاصمة ... يراجع التعليق الآتي رقم ١٣٣.

(٢) سجلماسة : مدينة عتيقة أنشأت سنة ١٤٠ ـ ٧٥٧ م ظلت المحطة الأساسية للتجارة إلى أوائل القرن الذي ولى زيارة ابن بطوطة ... الخرائب توجد غرب الريصاني في تافيلالت يسار ساحل وادي زيز ، ويتساءل هنا لماذا لم يأخذ ابن بطوطة طريقه إلى السودان مباشرة من مراكش مثلا.

هناك من يعتقد أن ذلك الانعراج كان بسبب أن هناك مصاعب سببها بنو معقل الذين كانوا يحولون دون عبور القوافل عبر غرب الأطلس ووادي سوس. والذي اعتقده أن ابن بطوطة كان عليه أن يصحب الركب العنّاني الذي يحتمل شلو السلطان أبي الحسن إلى شالة ـ د. التازي : القبائل العربية بالمغرب ١٩٩٧.

Textes et Documents relatifs a l\'historie de l\'Afrique : extraits tires des voyages d\'Ibn Battuta, trad. Annotee par R. Mauny, V. Monteil, Djenidi Robert et Devisse, Histoire n ٠ ٩ Universite de DAKAR, ٦٦٩١, p ٥٣ N ٠ l.

(٣) إيرار : هناك قرية تحمل اسم إيراره توجد على مقربة من موقع سجلماسة فلعلّ الكلمة مأخوذة منها ، وقيل إن إيرار كلمة بربرية تعني التّمر الذي ينضج مبكّرا ...

(٤) يراجع ٢٨٢ ,IV.

(٥) يوافق ١٨ يبراير ١٣٥٢.

(٦) مملكة تغازّي تقع شمال غربيّ تاودني وقد جعل أبو عبيد البكري موقعها على بعد عشرين مرحلة من سجلماسة ، وقد تركت في القرن العاشر الهجري ـ القرن ١٦ الميلادي وأجرى عليها تنقيب عام ١٩٥٠ ـ هذا ويتحدث هيرودوت وبلين عن البناء بالملح حيث لا توجد أمطار كافية لاذابتها.

٢٣٩

٢٤٠