رحلة ابن بطوطة - ج ٤

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٤

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-010-9
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٣٥١

١
٢

الفصل الرابع عشر

الجنوب الهندي ـ جزر مالديف

ـ سيلان ـ البنغال

من دهلي إلى كول وأسر ابن بطوطة بها

من كول إلى دولةآباد

من دولةأباد إلى بلاد المليبار : بلاد الأبزار!

الذهاب إلى مدينة قالقوط

محاولة الذّهاب إلى الصين وفشلها ...

جزائر ذيبة المهل (المالديف)

ابن بطوطة بجزر مالديف ووقوفه بها على النقش التاريخي

جزيرة سيلان ...

عند ما هاجمه ١٢ مركبا وسلبوه!

٣
٤

٥
٦

ذكر سبب بعث الهدية للصين وذكر من بعث معي وذكر الهدية.

وكان ملك الصين قد بعث إلى السلطان مائة مملوك وجارية وخمسمائة ثوب من الكمخا منها مائة من التي تصنع بمدينة الزّيتون ، ومائة من التي تصنع بمدينة الخنسا ، وخمسة أمنان من المسك ، وخمسة أثواب مرصعة بالجوهر ، وخمسة من التراكش مزركشة ، وخمسة سيوف ، وطلب من السلطان أن يأذن له في بناء بيت الأصنام الذي بناحية جبل قراجيل(١) المتقدم ذكره، ويعرف الموضع الذي هو به بسمهل ، بفتح السين المهمل وسكون الميم وفتح الهاء ، وإليه يحج أهل الصين ، وتغلّب عليه جيش الإسلام بالهند فخرّبوه وسلبوه. فلما (٢) وصلت هذه الهدية إلى السلطان كتب إليه بأن هذا المطلب لا يجوز في ملّة الإسلام إسعافه ، ولا يباح بناء كنيسة بأرض المسلمين إلّا لمن يعطي الجزية ، فإن رضيت بإعطائها أبحنا لك بناءه ، والسلام على من اتبع الهدى. وكافأه (٣) عن هديته بخير منها ، وذلك مائة فرس من الجياد مسرجة ملجمة ، ومائة مملوك ومائة جارية ، من كفار الهند مغنّيات ورواقص ، ومائة ثوب بيرميّة ، وهي من القطن ولا نظير لها في الحسن ، قيمة الثوب منها مائة دينار(٤) ، ومائة شقة من ثياب الحرير المعروفة بالجزّ (٥) ، بضم الجيم وزاي ، وهي التي يكون حرير إحداها مصبوغا بخمسة ألوان وأربعة ، ومائة ثوب من الثياب المعروفة بالصّلاحية ، ومائة ثوب

__________________

(١) يعلّق بيكينگام (Beckingham) الذي تصدّى لترجمة الجزء الرابع من الرحلة بعد وفاة الأستاذ گيب : إنه لا يوجد أثر لحد الآن حول أخبار هذه السفارة في المراجع الصينية ولا الهندية. ونحن نقول : إنه يمكن أن تعتبر معلومة ابن بطوطة حول الموضوع معلومة أصيلة يعتمد عليها سيما وابن بطوطة شاهد عيان ...

وتعتبر هذه الفقرة من رحلة ابن بطوطة اسهاما جديدا في كتابة التاريخ الدولي للإسلام وعلاقته بالديانات والعقائد المجاورة حيث نرى المكاتبات بين ملوك الاسلام وملوك البوذية حول موضوع يتعلق بحرية ممارسة الشعائر وما يتصل بها من ظروف وصروف.

(٢) عرّف يول Yule سمهل هذه وكأنّها (Sambhal) التي توجد في روهيل خانذ (Rohilkhand) ـ ابن بطوطة ذكر السّنبل على أنها الاقليم الذي تقع فيه مدينة بذاون (III ، ١٣٦) يذكر بيكينگام أنه لم يعثر على بقايا بوذية هناك وان الدّين هناك كان على ما يبدو معدوما بالمرة في القرن الرابع عشر. علاوة على هذا نذكر أن ملك الهند السلطان محمد كان قد استولى على الناحية في حملته القراجيلية في اتجاه آخر نحو ناگاركوNagarkot ، وهكذا فإن من الصعب أن نتصور ان سمهل توجد على مقربة من اله؛يمالايا.

Yule H cathay and THe Way Thither. New ediion, LOndon ٣١٩١ ـ ٦١, ٤ Vols.

(٣) نسجل هنا حرص ابن بطوطة على ذكر نص جواب سلطان الهند على رسالة أمبراطور الصّين حول هذا الموضوع الهام في العلاقات بين الإسلام والديانات الأخرى وهذه اللقطة كما أسلفنا تأكيد بيّن لكونها أي الرحلة تعتبر مصدرا من مصادر التاريخ الدولي ...

(٤) البيرميّ تعبير مستعمل يطلق على ثوب هندي أبيض ، وقد ورد ذكره كذلك من قبل الكاتب البرتغالي دوارت بربوزا (Duarte Barbosa) في بداية القرن السادس عشر ، ويتعلق الأمر على ما يظهر بالثوب الحريري المنسوب إلى داكا (DACCA) : العاصمة الحالية لبنغلاديش ...

(٥) انواع من قماش ناعم متقزح اللّون حريريّ النسيج.

٧

٨

من الشّيرين باف (٦) ، ومائة ثوب من الشان باف (٧) ، وخمسمائة ثوب من المرعز ، مائة منها سود ، ومائة بيض ، ومائة حمر ، ومائة خضر ، ومائة زرق ، ومائة شقّة من الكتان الرّومي ، ومائة فضلة من الملف ، وسرّاجة (٨) وستّ من القباب ، وأربع حسك من ذهب ، وست حسك من فضة منيّلة ، وأربعة طسوت من الذّهب ذات أباريق كمثلها ، وستة طسوت من الفضة ، وعشر خلع من ثياب السلطان مزركشة ، وعشر شواش من لباسه ، إحداها مرصعة بالجوهر وعشرة تراكش مزركشة ، وأحدها مرصّع بالجوهر ، وعشرة من السيوف ، أحدها مرصع الغمد بالجوهر ، ودشت بان (٩) وهو قفّاز مرصع بالجوهر ، وخمسة عشر من الفتيان.

وعيّن السلطان للسّفر معي بهذه الهدية الأمير ظهير الدين الزّنجاني (١٠) ، وهو من فضلاء أهل العلم ، والفتى كافور الشّربدار ، وإليه سلمت الهدية ، وبعث معنا الأمير محمد الهروي (١١) في ألف فارس ليوصلنا إلى الموضع الذي نركب منه البحر ، وتوجه صحبتنا أرسال ملك الصين، وهم خمسة عشر رجلا يسمى كبيرهم ترسي وخدامهم نحو مائة رجل وانفصلنا في جمع كبير ومحلة عظيمة ، وأمر لنا السلطان بالضيافة مدة سفرنا ببلاده.

وكان سفرنا في السابع عشر لشهر صفر سنة ثلاث وأربعين (١٢) وهو اليوم الذي اختاروه للسفر لأنهم يختارون للسفر من أيام الشهر ثانيه أو سابعه أو الثاني عشر أو السابع عشر أو الثاني والعشرين أو السابع والعشرين! فكان نزولنا في أول مرحلة بمنزل تلبت (١٣) ، على مسافة فرسخين وثلث من حضرة دهلي ، ورحلنا منه إلى منزل أو ، ورحلنا منه

__________________

(٦) نوع رفيع من القطن ...

(٧) شان باف (ShAna ـ BAF) هي على ما يبدوا ثوب شفاف من القطن يسمى سينابافي (SIN ـ ABAFFI) عند وارثيما (WARTHEMA) الرحالة الايطالي في بداية القرن السادس عشر.

(٨) السّراجة الخيمة الكبيرة الفسيحة. انظرII ، ٣٦٩III ٤٤ ـ ٢٥١ ـ ٣٥٢ ـ ٤١٥ ـ ٤٣٨

(٩) يبدوا أن كلمة دشتبان وهي كلمة فارسية صوابها دستبان بالسين.

(١٠) ظهير الدّين الزنجاني وصفه ابن بطوطة (III ، ١٤٥) بأنه كان كبير المنزلة عند السلطان ، كلمة الشرب دار تعنى الساقي والنّديم. ابن بطوطةIII ١٤٥

(١١) الهروي : نعته (III ، ١٢١) بالكتوال وهي تعني بالأردو صاحب الحصن أو رئيس الشرطة.

(١٢) التاريخ يوافق ٢٢ يوليه ١٣٤٢ بيد أن هناك مشاكل تتعلق من جهة بالتسلسل التاريخي ، وبخط السير من جهة أخرى. الأمر الذي يفرض علينا تقديم التاريخ الهجري سنة واحدة ، وهكذا فإن المناسب هو تاريخ ١٧ صفر ٧٤٢ الموافق ٢ غشت ١٣٤١.

(١٣) تلبب (Tilpat ذكرها ابن بطوطة (III ٣٩١) على أنها تبعد عن العاصمة بسبعة أميال ، وقد ذكرها هنا على أنها تقع على مسافة فرسخين وثلث الفرسخ ...

٩

إلى منزل هيلو (١٤) ، ورحلنا منه إلى مدينة بيانة (١٥) ، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة وفتح الياء آخر الحروف مع تخفيفها وفتح النون ، مدينة كبيرة حسنة البناء مليحة الأسواق. ومسجدها الجامع من أبدع المساجد وحيطانه وسقفه حجارة ، والأمير بها مظفر ابن الداية ، وأمه هي داية السلطان ، وكان بها قبله الملك مجير بن أبي الرجاء أحد كبار الملوك ، وقد تقدم ذكره (١٦) ، وهو ينتسب في قريش وفيه تجبّر ، وله ظلم كثير قتل من اهل هذه المدينة جملة ، ومثّل بكثير منهم ، ولقد رأيت من أهلها رجلا حسن الهيئة قاعدا في أسطوان منزله وهو مقطوع اليدين والرجلين.

وقدم السلطان مرة على هذه المدينة فتشكى الناس من الملك مجير المذكور فأمر السلطان بالقبض عليه وجعلت في عنقه الجامعة ، وكان يقعد بالدّيوان بين يدي الوزير ، وأهل البلد يكتبون عليه المظالم ، فأمره السلطان بإرضائهم فأرضاهم بالأموال ثم قتله بعد ذلك.

ومن كبار أهل هذه المدينة الامام العالم عزّ الدين الزبيري من ذرية الزبير بن العوامرضي‌الله‌عنه ، أحد كبار الفقهاء الصلحاء ، لقيته بكاليور عند الملك عز الدين البنتاني (١٧) المعروف بأعظم ملك.

ثم رحلنا من بيانة فوصلنا إلى مدينة (١٨) كول ، وضبط اسمها بضم الكاف ، مدينة حسنة ذات بساتين وأكثر أشجارها العنبا ، ونزلنا بخارجها في بسيط أفيح ، ولقينا بها الشيخ الصالح العابد شمس الدين المعروف بابن تاج العارفين ، وهو مكفوف البصر معمّر ، وبعد ذلك سجنه السلطان ومات في سجنه ، وقد ذكرنا حديثه (١٩).

__________________

(١٤) أو وهيلو لم يقع تحديدهما بصفة مرضية ، على الطريق الذي يربط دهلي بعليكرةALigarh.

(١٥) بيانة تقع على نحو ٣٨ كيلومترا غرب عليگره ... ونذكر هنا أنه توجد مدينة (البيّانة) بالأندلس ـ ابن بطوطة (IV ؛ ٣٧٠) ـ ويذكر مزيك Mzik أن كلام ابن بطوطة يقتضي أنه حتى الآن يتحرك في الجانب الغربي لجومناJumna.

(١٦) يراجع (ج III ، ٢٣٠) كما تراجع صفحة ٣١٨ حيث الحديث عن مجير الدّين بن أبي الرجاء ...

(١٧) الملك عز الدّين هذا يحيى بندات أعطى لقب اعظم ملك من لدن السلطان الذي منحه إقطاعا يحمل اسم ساتگاون (Satgaon) ، وقد أكدت هذه المعلومات من قبل المؤرخين ، وقد تركت ساكتگاون لفخر الدّين البنغالي وسيرد ذكر عزّ الدّين منعوتا باعظم أمير لمدينة جنديري IV ، ٤١ ، كما سيرد ذكر عز الدّين الزبيري في نفس المساق.

(١٨) كول : علگره (ALIGARH) الحالية في إقليم يحمل نفس الاسم كان في الاصل اسما لحصن ، انظر ج III ٣٠٧.

(١٩) يراجع ج II ص ٣٠٨.

١٠

ذكر غزوة شهدناها بكول

ولما بلغنا إلى مدينة كول بلغنا أن بعض كفار الهنود حاصروا بلدة الجلالي (٢٠) وأحاطوا بها وهي على مسافة سبعة أميال من كول فقصدناها ، والكفار يقاتلون أهلها ، وقد أشرفوا على التّلف ، ولم يعلم الكفار بنا حتى صدقنا الحملة عليهم ، وهم في نحو ألف فارس وثلاثة آلاف راجل ، فقتلناهم عن آخرهم واحتوينا على خيلهم وأسلحتهم ، واستشهد من أصحابنا ثلاثة وعشرون فارسا وخمسة وخمسون راجلا ، واستشهد الفتى كافور الساقي الذي كانت الهدية مسلمة بيده ، فكتبنا إلى السلطان بخبره ، وأقمنا في انتظار الجواب.

وكان الكفار في أثناء ذلك ينزلون من جبل هنالك منيع فيغيرون على نواحي بلدة الجلالي ، وكان أصحابنا يركبون كلّ يوم مع أمير تلك الناحية ليعينوه على مدافعتهم.

ذكر محنتي بالأسر وخلاصي منه ، وخلاصي من شدة بعده ، على يد وليّ من أولياء الله تعالى

وفي بعض تلك الأيام ركبت في جماعة من أصحابي ودخلنا بستانا نقيل فيه وذلك فصل القيظ ، فسمعنا الصياح ، فركبنا ولحقنا كفارا أغاروا على قرية من قرى الجلالي ، فاتبعناهم فتفرقوا وتفرق أصحابنا في طلبهم ، وانفردت في خمسة من أصحابي ، فخرج علينا جملة من الفرسان والرجال من غيضة هنالك ففررنا منهم لكثرتهم واتبعني نحو عشرة منهم ، ثم انقطعوا عني إلا ثلاثة منهم ولا طريق بين يدي ، وتلك الأرض كثيرة الحجارة فنشبت يدا فرسي بين الحجارة ، فنزلت عنه واقتلعت يده وعدت إلى ركوبه.

والعادة بالهند أن يكون مع الانسان سيفان : أحدهما معلق بالسّرج ، ويسمى الرّكابي، والآخر في التركش ، فسقط سيفي الركابي من غمده وكانت حليته ذهبا فنزلت فأخذته وتقلدته وركبت وهم في أثري ، ثم وصلت إلى خندق عظيم فنزلت ودخلت في جوفه فكان آخر عهدي بهم.

ثم خرجت إلى واد في وسط شعراء ملتفة في وسطها طريق فمشيت عليه ولا أعرف منتهاه فبينا أنا في ذلك خرج عليّ نحو أربعين رجلا من الكفار بأيديهم القسّي فأحدقوا بي وخفت أن يرموني رمية رجل واحد إن فررت منهم ، وكنت غير متدرع ، فألقيت بنفسي إلى الأرض واستأسرت ، وهم لا يقتلون من فعل ذلك ، فأخذوني وسلبوني جميع ما عليّ ، غير جبة وقميص وسروال ودخلوا بي إلى تلك الغابة فانتهوا بي إلى موضع جلوسهم منها على حوض ماء بين تلك الاشجار وأتوني بخبز ماش ، وهو الجلبّان ، فأكلت منه وشربت من الماء.

__________________

(٢٠) الجلالي (JALALI) مدينة صغيرة على بعد ١٧ ك. م شرق عليگره.

١١

وكان معهم مسلمان كلّماني بالفارسية ، وسألاني عن شأني ، فأخيرتهما ببعضه وكتمتهما أني من جهة السلطان ، فقالا لي : لا بد أن يقتلك هؤلاء أو غيرهم ، ولكن هذا مقدّمهم وأشارا إلى رجل منهم ، فكلّمته بترجمة المسلمين وتلطفت له ، فوكل بي ثلاثة منهم : أحدهم شيخ ومعه ابنه ، والآخر أسود خبيث ، وكلّمني أولئك الثلاثة ، ففهمت منهم أنهم أمروا بقتلي، فاحتملوني عشيّ النهار إلى كهف ، وسلط الله على الأسود منهم حمّى مرعدة ، فوضع رجليه عليّ ونام الشيخ وابنه!

فلما أصبح تكلموا فيما بينهم وأشاروا إليّ بالنزول معهم إلى الحوض وفهمت أنهم يريدون قتلي فكلمت الشيخ وتلطفت إليه فرقّ لي ، وقطعت كمّي قميصي وأعطيته أياهما لكي لا يأخذه أصحابه فيّ إن فررت.

ولما كان عند الظهر سمعنا كلاما عند الحوض فظنوا أنهم أصحابهم ، فأشاروا إليّ بالنّزول معهم ، فنزلنا ووجدنا قوما آخرين فأشاروا عليهم أن يذهبوا في صحبتهم فأبوا ، وجلس ثلاثتهم أمامي وأنا مواجه لهم ووضعوا حبل قنّب كان معهم بالأرض ، وأنا أنظر إليهم ، وأقول في نفسي : بهذا الحبل يربطونني عند القتل ، وأقمت كذلك ساعة ثم جاء ثلاثة من أصحابهم الذين أخذوني فتكلموا معهم ، وفهمت أنهم قالوا لهم : لأي شيء ما قتلتموه؟ فأشار الشيخ إلى الأسود كأنّه اعتذر بمرضه! وكان أحد هؤلاء الثلاثة شابا حسن الوجه ، فقال لي : أتريد أن أسرحك؟ فقلت : نعم ، فقال : اذهب. فأخذت الجبّة التي كانت علي فأعطيته إياها وأعطاني مقيّرة بالية عنده ، وأراني الطريق فذهبت وخفت أن يبدو لهم فيدركونني ، فدخلت غيضة قصب واختفيت فيها ، إلى أن غابت الشمس ، ثم خرجت وسلكت الطريق التي أرانيها الشاب ، فأفضت بي إلى ماء فشربت منه ، وسرت إلى ثلث الليل فوصلت إلى جبل فنمت تحته فلما أصبحت سلكت الطريق فوصلت ضحى إلى جبل من الصخر عال فيه شجر أمّ غيلان والسدر ، فكنت أجني النبق فأكله حتى أثّر الشوك في ذراعي أثارا هي باقية به حتى الآن!

ثم نزلت من ذلك الجبل إلى أرض مزدرعة قطنا وبها أشجار الخروع ، وهنالك باين ، والبائن عندهم : بئر متسعة جدا مطوية بالحجارة ، لها درج ينزل عليها إلى ورد الماء ، وبعضها يكون في وسطه وجوانبه القباب مر ، الحجر والسقايف والمجالس ، ويتفاخر ملوك البلاد وأمراؤها بعمارتها في الطرقات التي لا ماء بها ، وسنذكر بعض ما رأيناه منها فيما بعد(٢١) ، ولما وصلت إلى البائن شربت منه ووجدت عليه شيئا من عساليج الخردل قد سقطت

__________________

(٢١) انظر ما يأتي IV ، ٨٤ ـ ٨٥ حول المقيرة انظر المقدمة.

١٢

لمن غسلها فأكلت منها وادّخرت عليه شيئا من عساليج الخردل قد سقطت لمن غسلها فأكلت منها وادّخرت باقيها ، ونمت تحت شجرة خروع.

فبينما أنا كذلك إذ ورد البائن نحو أربعين فارسا مدرعين ، فدخل بعضهم إلى المزرعة، ثم ذهبوا ، وطمس الله أبصارهم دوني ، ثم جاء بعدهم نحو خمسين في السّلاح ونزلوا إلى البائن ، وأتى أحدهم إلى شجرة إزاء الشجرة التي كنت تحتها ، فلم يشعر بي.

ودخلت إذ ذاك في مزرعة القطن وأقمت بها بقية نهاري ، وأقاموا على البائن يغسلون ثيابهم ويلعبون ، فلما كان الليل هدأت أصواتهم ، فعلمت أنهم قد مرّوا أو ناموا فخرجت حينئذ واتبعت أثر الخيل ، والليل مقمر ، وسرت حتى انتهيت إلى باين آخر ، عليه قبة فنزلت إليه وشربت من مائه وأكلت من عساليج الخردل التي كانت عندي ، ودخلت القبة فوجدتها مملوءة بالعشب مما يجمعه الطير فنمت بها ، وكنت أحس حركة حيوان في تلك العشب أظنه حيّة فلا أبالي بها لما بي من الجهد ، فلما أصبحت سلكت طريقا واسعة تفضي إلى قرية خربة وسلكت سواها فكانت كمثلها وأقمت كذلك أياما ، وفي بعضها وصلت إلى أشجار ملتفة بينها حوض ماء وداخلها شبه بيت وعلى جوانب الحوض نبات الأرض كالنّجيل. وغيره فأردت أن أقعد هنالك حتى يبعث الله من يوصلني إلى العمارة.

ثم إني وجدت يسير قوة فنهضت على طريق وجدت بها أثر البقر ووجدت ثورا عليه بردعة ومنجل ، فإذا تلك الطريق تفضي إلى قرى الكفار فاتبعت طريقا أخرى فأفضت بي إلى قرية خربة ورأيت بها أسودين عريانين فخفتهما وأقمت تحت أشجار هنالك فلما كان الليل دخلت القرية ووجدت دارا في بيت من بيوتها شبه خابية كبيرة يصنعونها لاختزان الزّرع، وفي أسفلها نقب يسع منه الرجل فدخلتها ووجدت داخلها مفروشا بالتبن وفيه حجر جعلت رأسي عليه ونمت.

وكان فوقها طائر يرفرف بجناحيه أكثر الليل ، وأظنه كان يخاف فاجتمعنا خائفين وأقمت على تلك الحال سبعة أيام من يوم أسرت ، وهو يوم السبت وفي السابع منها وصلت إلى قرية للكفار عامرة ، وفيها حوض ماء ومنابت خضر ، فسألتهم الطعام ، فأبوا أن يعطوني ، فوجدت حول بئر بها أوراق فجل ، فأكلته ، وجئت القرية فوجدت جماعة كفار لهم طليعة ، فدعاني طليعتهم فلم أجبه ، وقعدت إلى الأرض ، فأتى أحدهم بسيف مسلول ورفعه ليضربني به ، فلم التفت إليه لعظم ما بي من الجهد ، ففتشني فلم يجد عندي شيئا فأخذ القميص الذي كنت أعطيت كمّية للشيخ الموكل بي.

١٣

ولما كان في اليوم الثامن اشتدّ بي العطش ، وعدمت الماء ووصلت إلى قرية خراب فلم أجد بها حوضا ، وعادتهم بتلك القرى أن يصنعوا أحواضا يجتمع بها ماء المطر فيشربون منه جميع السنة ، فاتبعت طريقا فأفضت بي الى بئر غير مطوية ، عليها حبل مصنوع من نبات الأرض ، وليس فيه آنية يستقى بها فربطت خرقة كانت على رأسي في الحبل ، وامتصصت ما تعلق بها من الماء ، فلم يروني ، فربطت خفي واستقيت به ، فلم يفروني فاستقيت به ثانيا فانقطع الحبل ، ووقع الخف في البئر فربطت الخف الآخر وشربت حتى رويت ، ثم قطعته فربطت أعلاه على رجلي بحبل البئر ، وبخرق وجدتها هنالك فبينما أنا أربطها وأفكر في حالي إذ لاح لي شخص فنظرت إليه فإذا رجل أسود اللّون بيده إبريق وعكّاز ، وعلى كاهله جراب ، فقال لي : سلام عليكم فقلت له : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فقال لي بالفارسية : جيكس معناه : من أنت؟ فقلت له : أنا تائه! فقال لي : وأنا كذلك ، ثم ربط إبريقه بحبل كان معه واستقى ماء فأردت أن أشرب ، فقال لي : اصبر! ثم فتح جرابه فأخرج منه غرفة حمّص أسود مقلو مع قليل أرز ، فأكلت منه وشربت ، وتوضأ وصلّى ركعتين وتوضأت أنا وصليت ، وسألني عن اسمي فقلت : محمد ، وسألته عن اسمه فقال لي : القلب الفارح فتفاءلت بذلك وسررت به ، ثم قال لي : بسم الله! ترافقني؟ فقلت : نعم ، فمشيت معه قليلا ، ثم وجدت فتورا في أعضاءي ، ولم أستطع النهوض ، فقعدت ، فقال لي : ما شأنك؟ فقلت له : كنت قادرا على المشي قبل أن ألقاك فلما لقيتك عجزت ، فقال : سبحان الله اركب عنقي! فقلت له : إنك ضعيف ولا تستطيع ذلك ، فقال : يقوّيني الله ، لا بد لك من ذلك ، فركبت على عنقه ، وقال لي : أكثر من قراءة : حسبنا الله ونعم الوكيل ، فاكثرت من ذلك.

وغلبتني عيني فلم أفق إلا لسقوطي على الأرض فاستيقظت ولم أر للرجل أثرا ، وإذا أنا في قرية عامرة فدخلتها فوجدتها لرعية الهنود ، وحاكمها من المسلمين ، فأعلموه بي فجاء إليّ فقلت له : ما اسم هذه القرية؟ فقال لي : تاج بوره (٢٢) ، وبينها وبين مدينة كول حيث أصحابنا فرسخان ، وحملني ذلك الحاكم إلى بيته فأطعمني طعاما سخنا واغتسلت وقال لي : عندي ثوب وعمامة أودعهما عندي رجل عربي مصري من أهل المحلّة التي بكول ، فقلت له: هاتهما ألبسهما إلى أن أصل إلى المحلة ، فأتى بهما فوجدتهما من ثيابي كنت قد وهبتهما لذلك العربي لما قدمنا كول فطال تعجبي من ذلك!

__________________

(٢٢) تاج بورة (TAJPUR) تقع على نحو خمس كيلو ميترات شمال غرب عليگرة ، وقد ظهرت في خريطة عن المواقع الأثرية الهامة ... لجمال م صدّيقي ALigarh : Snippets from the Past

كراسة نشرت بتعاون مع الكونگرس التاريخي الهندي عليكره : عام ١٩٧٥ ـ الآية حسبنا الله ونعم الوكيل من سورة آل عمران رقم ١٧٣ واللفظ في سورة المائدة والثوبة.

١٤

وفكرت في الرجل الذي حملني على عنقه ، فتذكرت ما أخبرني به ولي الله تعالى أبو عبد الله المرشدي حسبما ذكرناه في السفر الأول (٢٣) ، إذ قال لي : ستدخل أرض الهند وتلقى بها أخي دلشاد ، ويخلصك من شدة تقع فيها ، وتذكرت قوله لما سألته عن اسمه فقال : القلب الفارح وتفسيره بالفارسية دلشاد ، فعلمت أنه هو الذي أخبرني بلقائه وأنه من الأولياء ولم يحصل لي من صحبته إلا المقدار الذي ذكرته.

وكتبت تلك الليلة إلى أصحابي بكول معلما لهم بسلامتي فجاءوا إلي بفرس وثياب ، واستبشروا بي ووجدت جواب السلطان قد وصلهم ، وبعث بفتى يسمى بسنبل الجامدار عوضا من كافور المستشهد ، وأمرنا أن نتمادى على سفرنا ، ووجدتهم أيضا قد كتبوا للسلطان بما كان من أمري وتشاءموا بهذه السفرة لما جرى فيها عليّ وعلى كافور ، وهم يريدون أن يرجعوا ، فلما رأيت تأكيد السلطان في السّفر ، أكدت عليهم وقوى عزمي ، فقالوا ألا ترى ما اتفق في بداية هذه السفرة والسلطان يعذرك ، فلنرجع إليه أو نقيم حتى يصل جوابه ، فقلت لهم : لا يمكن المقام وحيث ما كنا أدركنا الجواب.

فرحلنا عن كول ونزلنا بورج بوره (٢٤) وبه زاوية حسنة فيها شيخ حسن الصورة والسيرة يسمى بمحمد العريان لانه لا يلبس عليه إلا ثوبا من سرته إلى أسفل وباقي جسده مكشوف وهو تلميذ الصّالح الولي محمد العريان القاطن بقرافة مصر ، نفع الله به.

حكاية هذا الشيخ

وكان من أولياء الله تعالى قائما على قدم التجرد يلبس تنّورة ، وهو ثوب يستر من سرته إلى أسفل ، ويذكر أنه كان إذا صلّى العشاء الآخرة أخرج كل ما بقى بالزاوية من طعام وادام وماء وفرق ذلك على المساكين ورمى بفتيلة السراج ، وأصبح على غير معلوم.

وكانت عادته أن يطعم أصحابه عند الصباح خبزا وفولا فكان الخبازون والفوّالون يستبقون إلى زاويته فيأخذ منهم مقدار ما يكفي الفقراء ، ويقول لمن أخذ منه ذلك : أقعد حتى يأخذ أول ما يفتح به عليه في ذلك اليوم قليلا كثيرا.

ومن حكايته أنه لما وصل قازان ملك التتر إلى الشام بعساكره وملك دمشق ما عدا قلعتهما ، وخرج الملك الناصر إلى مدافعته ووقع اللقاء على مسيرة يومين من دمشق بموضع

__________________

(٢٣) يراجع ج I ، ٤٧ الجام دار : تعني بالفارسية حامل الكاس وسيذكر سنبل وسينعته بالملك V ، ٩٥.

(٢٤) بورج بورة (Burjpur) على بعد من ١٦ ك. م في (MAINPUR) بين عليكره وكانّوج.

١٥

يقال له : قشحب ، والملك الناصر إذ ذاك حديث السن لم يعهد الوقائع ، وكان الشيخ العريان في صحبته فنزل ، وأخذ قيدا فقيد به فرس الملك الناصر لئيلا يتزحزح عند اللقاء لحداثة سنة ، فيكون ذلك سبب هزيمة المسلمين ، فثبت الملك الناصر وهزم التتر هزيمة شنعاء قتل منهم فيها كثير وغرق كثير بما أرسل عليهم من المياه ، ولم يعد التتر إلى قصد بلاد الاسلام بعدها (٢٥) ، وأخبرني الشيخ محمد العريان المذكور تلميذ هذا الشيخ أنه حضر هذه الوقيعة وهو حديث السن.

ورحلنا من برج بوره ونزلنا على الماء المعروف باب سياه (٢٦) ، ثم رحلنا إلى مدينة قنوج(٢٧) ، وضبط اسمها بكسر القاف وفتح النون وواو ساكن وجيم ، مدينة كبيرة حسنة العمارة حصينة رخيصة الأسعار كثيرة السكّر ، ومنها يحمل إلى دهلي ، وعليها سور عظيم ، وقد تقدم ذكرها ، وكان بها الشيخ معين الدين الباخرزي أضافنا بها ، وأميرها فيروز البدخشاني من ذرية بهرام جور (٢٨) صاحب كسرى ، ويسكن بها جماعة من الصلحاء الفضلاء المعروفين بمكارم الأخلاق يعرفون بأولاد شرف جهان ، وكان جدهم قاضي القضاة بدولة أباد وهو من المحسنين المتصدقين وانتهت الرئاسة ببلاد الهند إليه.

حكاية قاضي القضاة

يذكر أنه عزل مرة عن القضاء وكان له أعداء فادعى أحدهم عند القاضي الذي ولي بعده ، أنّ له عشرة آلاف دينار قبله ولم تكن له بيّنة وكان قصده أن يحلّفه فبعث القاضي عنه ، فقال لرسوله : بما ادعى عليّ؟ فقال : بعشرة آلاف دينار ، فبعث إلى مجلس القاضي عشرة آلاف ، وسلّمت للمدّعي.

__________________

(٢٥) يتعلق الأمر بمعركة مرج الصّفّار التي وقعت يوم ثاني رمضان ٧٠٢ ـ ٢١ ابريل ١٣٠٣ لقد كان قازان المغولي إيلخان فارس اجتحاح سوريا واحتل لفترة مدينة دمشق ، وقد دافع السلطان المملوكي الناصر ملك مصر عن البلاد وهزم المغول الذين كان يقودهم قطلو شاه والأمير جوبان وليس الإيلخان ـ ويبدو أن قشحب تحريف لكلمة كشاف حيث التحق قطلو بايلخان. ولا ننسى أنه بمناسبة هذا النصر بعث سلطان مصر لسلطان المغرب ببعض الهدايا التي غنمها في معركته ضد التتر : ٢٠ اكديشا ٢٠ اسيرا ـ تشكيلة من طبولهم واسلحتهم علاوة على الفيل والزرافة ...

وقد قدم لنا المقريزي وصفا مفصلا لتلك المعركة ولكن من غير أن يشير لما حكاه ابن بطوطة هنا الأمر بدائع الزهور ١٩٨٢ ج ١ ، ٤١٣ ... دائرة المعارف الإسلامية ، مادةMARDJ AL SSUFAR

(٢٦) آب سياه يعني" النهر الأسود" كاليندي (Kalindi) : احد روافد الكانج.

(٢٧) قنوج (Kanauj) تقع على الساحل الأيمن للكانج في إقليم (Fatehgarh)

(٢٨) يخلط ابن بطوطة بين بهرام جور الملك الساساني لفارس في القرن الخامس وبين الجنرال بهرام جوبان الذي ثار على كسرى برويز ـ Beckingham : The travels IV P. ٧٨٤

١٦

وبلغ خبره السلطان علاء الدين وصح عنده بطلان تلك الدعوى ، فأعاده إلى القضاء وأعطاه عشرة آلاف.

وأقمنا بهذه المدينة ثلاثا ، ووصلنا فيها جواب السلطان في شأني بأنه إن لم يظهر لفلان أثر فيتوجّه وجيه الملك قاضي دولة آباد عوضا منه! ثم رحلنا من هذه المدينة فنزلنا بمنزل هنول ، ثم بمنزل وزير بور ثم بمنزل البجالصة (٢٩) ثم وصلنا إلى مدينة موري (٣٠) ، وضبط اسمها بفتح ميم وواو وراء وهي صغيرة ولها أسواق حسنة ، ولقيت بها الشيخ الصالح المعمر قطب الدين المسمى بحيدر الفرغاني ، وكان بحال مرض فدعا لي وزوّدني رغيف شعير ، وأخبرني أن عمره ينيف على مائة وخمسين ، وذكر لي أصحابه أنه يصوم الدّهر ويواصل كثيرا ويكثر الاعتكاف ، وربما أقام في خلوته أربعين يوما يقتات فيها بأربعين تمرة في كلّ يوم واحدة.

وقد رأيت بدهلي الشيخ المسمى برجب البرقعي دخل الخلوة بأربعين تمرة فأقام بها أربعين ثم خرج وفضل معه منها ثلاث عشرة تمرة!

ثم رحلنا ووصلنا إلى مدينة مره (٣١) ، وضبط اسمها بفتح الميم وسكون الراء وهاء ، وهي مدينة كبيرة أكثر سكانها كفار تحت الذّمة ، وهي حصينة وبها القمح الطيب الذي ليس مثله بسواها ، ومنها يحمل إلى دهلي ، وحبوبه طوال شديدة الصفرة ضخمة ، ولم أر قمحا مثله إلا بأرض الصين! وتنسب هذه المدينة إلى المالوة ٣٢) بفتح اللام ، وهي قبيلة من قبائل الهنود ضخام الأجسام عظام الخلق حسان الصور ، لنسائهم الجمال الفائق ، وهن مشهورات بطيب الخلوة ووفور الحظ من اللّذة ، وكذلك نساء المرهتة (٣٣) ونساء جزيرة ذيبة المهل (٣٤)!

__________________

(٢٩) يلاحظ مزيك MZIK بأنه من الصعب جدّا أن تحدد الطريق التي سلكها ابن بطوطة من قنوج إلى گاليور ... لا توجد اسماء لها شبه بهنول ولا وزير بور أو البجالصة بالاقليم الذي اجتازه ابن بطوطة ـ وسيذكر ابن بطوطة گاليور على أنه زارها بيد أنه لم يذكر كيف وصلها فلعلها اختلطت عنده بزيارة أخرى. ٧٨١.Beckingham P

(٣٠) من الممكن أن يكون القصد إلى أمري (UMRI) التي تقع على مقربة من بهند (BHIND) في الإقليم الذي يحمل نفس الاسم ...

(٣١) حول رجب البرقعي يراجع ج ٨٦٣ ـ ٧٦٣ ,I حيث نجده مبعوثا بهدية من الملك إلى الخليفة وعن مدينة مرة فإن مزيك Mzik يقترح علينا فكرة احتمال تحريف كلمة موه (MAUH) إلى مره.

(٣٢) مالوة قبيلة تقع شمال غربيّ الإقليم الحالي الذي يحمل اسم ماديا برادش ـ (MADHYA PRA ـ DESH) والذي يقع جنوب دهلي ـ انظر الخريطة ...

(٣٣) المرهته : يكتبها ابن بطوطة هكذا بتقديم الراء على الهاء والامر بالعكس على ما يبدو ، نسبة إلى إقليم مهرشطرا (MAHARASHTRA) الذي ينفتح على بومباي الواقعة على بحر العرب انظر ج III ١٨٢ تعليق ٩٣.

(٣٤) هي جزر مالديف آتية الذكر.

١٧

ثم سافرنا إلى مدينة علابور (٣٥) ، وضبط اسمها بفتح العين ولام والف وباء موحدة مضمومة وواو وراء ، مدينة صغيرة أكثر سكانها الكفار تحت الذمة ، وعلى مسيرة يوم منها سلطان كافر اسمه قتم بفتح القاف والتاء المعلوة ، وهو سلطان جنبيل بفتح الجيم وسكون النون وكسر الباء الموحدة وباء مد ولام ، الذي حاصر مدينة كيالير ، وقتل بعد ذلك (٣٦).

حكاية الأمير قتم

كان هذا السلطان الكافر قد حاصر مدينة رابري (٣٧) ، وهي على نهر الجون ، كثيرة القرى والمزارع ، وكان أميرها خطّاب الأفغاني ، وهو أحد الشجعان ، واستعان السلطان الكافر بسلطان كافر مثله يسمى رجو ، بفتح الراء وضم الجيم ، وبلده يسمى سلطان بور(٣٨) ، وحاصرا مدينة ربري فبعث خطّاب إلى السلطان يطلب منه الإغاثة فأبطأ عليه المدد وهو على مسيرة أربعين من الحضرة ، فخاف أن يتغلب الكفار عليه فجمع من قبيلة الأفغان نحو ثلاثمائة، ومثلهم من المماليك ونحو أربع مائة من سائر الناس ، وجعلوا العمائم في أعناق خيلهم! وهي عادة أهل الهند إذا أرادوا الموت وباعوا نفوسهم من الله تعالى ، وتقدّم خطّاب وقبيلته وأتبعهم سائر الناس ، وفتحوا الباب عند الصبح وحملوا على الكفار حملة واحدة وكانوا نحو خمسة عشر ألفا فهزموهم ، باذن الله ، وقتلوا سلطانيهم قتم ورجو ، وبعثوا برأسيهما إلى السلطان ولم ينج من الكفار إلا الشّريد.

ذكر أمير علابور واستشهاده

وكان أمير علابور بدر الحبشي من عبيد السلطان ، وهو من الأبطال الذين تضرب بهم الأمثال ، وكان لا يزال يغير على الكفار منفردا بنفسه فيقتل ويسبى حتى شاع خبره واشتهر أمره وهابه الكفار ، وكان طويلا ضخما ياكل الشاة عن آخرها في أكلة! وأخبرت أنه كان يشرب نحو رطل ونصف من السمن بعد غذائه على عادة الحبشة

__________________

(٣٥) علابور حاليا هي (ALAPUR) قرية جنوب شرق گواليور (Gwalir) على بعد نحو ٧ ك. م منها ويذكرMzik أن هناك موقعا جغرافيا آخر يحمل نفس الاسم على بعد ٧٣ ك. م. غربي شمال گواليور الذي يبعد عن الطريق من قنوج.

(٣٦) يتعلق الامر ، على ما يبدو بأمير دولبورDHAULPUR مدينة واقعة بين أگرا وگواليور على شامبل ، ومن هنا جاءت كلمة جنبيل في نصّ ابن بطوطة.

(٣٧) رابري : يتعلق الامر ، على ما يبدوا ، بمدينة رابّري (RAPRI) التي تقع على نهر يامونا (Yamuna).

(٣٨) توجد عدة مواقع تحمل اسم سلطان بور ، ومن ذلك موقع اقليم يحمل نفس الاسم في جنوب شرقي لكنوو (LUCKNOW).

١٨

ببلادهم! وكان له ابن يدانيه في الشجاعة ، فاتفق أن غار مرة في جماعة من عبيده على قرية للكفار فوقع به الفرس في مطمورة واجتمع عليه أهل القرية فضربه أحدهم بقتّارة ، والقتّارة بقاف معقود وتاء معلوة ، حديدة شبه سكة للحرث يدخل الرجل يده فيها فتكسو ذراعه ويفضل منها مقدار ذراعين ، وضربتها لا تبقي ، فقتله بتلك الضربة وقاتل عبيده أشد القتال فتغلبوا على القرية ، وقتلوا رجالها وسبوا نساءها وما فيها وأخرجوا الفرس من المطمورة سالما فأتوا به ولده فكان من الاتفاق الغريب أنه ركب الفرس وتوجّه إلى دهلي فخرج عليه الكفار فقاتلهم حتى قتل وعاد الفرس إلى أصحابه فدفعوه إلى أهله فركبه صهر له فقتله الكفار عليه أيضا!

ثم سافرنا إلى مدينة كاليور ، وضبط اسمها بفتح الكاف المعقود وكسر اللّام وضم الياء آخر الحروف وواو وراء ، ويقال فيها أيضا كيالير ، وهي مدينة كبيرة لها حصن منيع منقطع في رأس شاهق على بابه صورة فيل ، وفيال من الحجارة وقد مر ذكره في اسم السلطان قطب الدين (٣٩) ، وأمير هذه المدينة أحمد بن سيرخان فاضل كان يكرمني أيام إقامتي عنده قبل هذه السفرة.

ودخلت عليه يوما وهو يريد توسيط رجل من الكفار فقلت له : بالله لا تفعل ذلك ، فاني ما رأيت أحدا قط يقتل بمحضري! فأمر بسجنه وكان ذلك سبب خلاصه.

ثم رحلنا من مدينة كاليور إلى مدينة برون (٤٠) ، وضبط اسمها بفتح الباء المعقودة وسكون الراء وفتح الواو وآخره نون ، مدينة صغيرة للمسلمين بين بلاد الكفار ، أميرها محمد بن بيرم التركي الأصل ، والسباع بها كثيرة ، وذكر لي بعض أهلها أن السبع كان يدخل إليها ليلا وأبوابها مغلقة فيفترس الناس حتى قتل من أهلها كثيرا وكانوا يعجبون في شأن دخوله. وأخبرني محمد التّوفيري من أهلها ، وكان جارا لي بها أنه دخل داره ليلا وافترس صبيا من فوق السرير ، وأخبرني غيره أنه كان مع جماعة في دار عرس فخرج أحدهم لحاجة فافترسه فخرج أصحابه في طلبه فوجدوه مطروحا بالسوق وقد شرب دمه ولم يأكل لحمه.

وذكروا أنه كذلك فعله بالناس.

__________________

(٣٩) يراجع ج III ص ١٩٤ حيث ردد ذكر صورة الفيل المنحوت من الحجر على باب الحصن ، وعليه صورة فيال ...

(٤٠) برون (PARWAN) القصد على ما يبدو ـ إلى نرور (NARWAR) في ولاية گواليور (Gwalior) التي كانت ، حسب المسجل الهندي ـ إحدى المحطات الخصبة على الطريق الذي يربط بين دهلي ودكّان (Deccan) الخريطة العصرية توحي كذلك بمكان يحمل اسم بروي PARWAI على بعد ٥٢ ميلا شمال شرق نرورNARWAR , و ٠٣ ميلا جنوب گواليور Gibb : Selections; P. ٣٦٣ N ٥ ـ Beckingham. IVP. ٧٨٧ N. ٤٤

١٩

ومن العجب أن بعض الناس أخبرني أن الذي يفعل ذلك ليس بسبع وإنما هو أدمي من السّحرة المعروفين بالجوكية يتصور في صورة سبع ، ولما أخبرت بذلك أنكرته ، وأخبرني به جماعة ولنذكر بعضا من أخبار هؤلاء السحرة.

ذكر السّحرة الجوكية (٤١)

وهؤلاء الطائفة تظهر منهم عجائب ، منها أن أحدهم يقيم الأشهر لا يأكل ولا يشرب ، وكثير منهم تحفر لهم حفر تحت الأرض وتبنى عليه ، فلا يترك له إلا موضع يدخل منه الهواء ، ويقيم بها الشهور ، وسمعت أن بعضهم يقيم كذلك سنة!

ورأيت بمدينة منجرو رجلا من المسلمين ممن يتعلّم منهم قد رفعت له طبلة وأقام بأعلاها لا يأكل ولا يشرب مدة من خمسة وعشرين يوما وتركته كذلك ، فلا أدري كم أقام بعدي.

والناس يذكرون أنهم يركّبون حبوبا يأكلون الحبة منها لأيام معلومة أو أشهر فلا يحتاج في تلك المدة إلى طعام ولا شراب ويخبرون بأمور مغيبة والسلطان يعظمهم ويجالسهم ، ومنهم من يقتصر في أكله على البقل ومنهم من لا يأكل اللحم وهم الاكثرون ، والظاهر من حالهم أنهم عودوا أنفسهم الرياضة ولا حاجة لهم في الدنيا وزينتها ، ومنهم من ينظر إلى الإنسان فيقع ميتا من نظرته ، وتقول العامة : إنه إذا قتل بالنظر وشق عن صدر الميت وجد دون قلب! ويقولون: أكل قلبه ، وأكثر ما يكون هذا في النّساء ، والمرأة التي تفعل ذلك تسمى كفتار!

حكاية [امرأة كفتار]

لما وقعت المجاعة العظمى ببلاد الهند بسبب القحط والسلطان ببلاد التّلنك (٤٢) نفّذ أمره أن يعطى لأهل دهلي ما يقوتهم بحساب رطل ونصف للواحد في اليوم ، فجمعهم الوزير، ووزع المساكين منهم على الأمراء والقضاة ليتولّوا إطعامهم فكان عندي منهم

__________________

(٤١) هؤلاء السّحرة المدعوون بالجوكية هم بالذات الذين سمع بهم ابن خلدون في المقدمة ، (طبعة دار الكتاب اللبناني : ص ٩٩٨ ـ ٨٩٨) والكلمة من أصل سنسكريتي (Jogin) المأخوذ نفسه من كلمة (Yoga) "Joug " التي ظهرت في أوربا منذ سنة ٨٩٢١ ثم Jogue : ٣٥٥١ وعام IOGHI ـ ٥٧٥١ ، هكذا يكون ابن بطوطة من أوائل الذين تحدثوا عن الجوكية ـ

(٤٢) بلاد التّلنك ... تيلينگاناTilingama مملكة هندية بين گودافاري وبين نهر كريشنا بعاصمتها ـ WA RANGAL يراجع ج III ١٩٢.

٢٠