رحلة ابن بطوطة - ج ٤

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٤

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-010-9
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٣٥١

١٦١

١٦٢

رسم لقبرية السلطان الملك محمد الظاهر (؟) وهذا نص ما فيها :

«هذا قبر السعيد الشهيد المرحوم السلطان بن السلطان الملك الظاهر شمس الدنيا والدّين محمد بن الملك الصالح ، توفي ليلة الأحد ثاني عشر من شهر ذي الحجة سنة السادس والعشرين وسبعمائة من الهجرة النّبوية» وبهذه المناسبة نجدد شكرنا للزميل فان كونينكسفيلد ... عن الأصل من مكتبة (Bijgewerkte) جزءIV ص ٢٣٠ ـ ٣٠٧

١٦٣
١٦٤

الفصل السادس عشر

العودة إلى المغرب

من الجاوة إلى قالقوط

العدول عن فكرة الرجوع للهند

أخذ الطريق إلى ظفار محرم ٧٤٨ ـ يناير ١٣٤٧

من البصرة إلى دمشق

من دمشق إلى القاهرة

من القاهرة إلى الحجاز لأداء الحجة السادسة

من الحجاز إلى مصر فتونس

من تازة إلى فاس والمثول بين يدي السلطان أبي عنان

ذكر بعض مآثر ومناقب أبي عنان

١٦٥
١٦٦

١٦٧
١٦٨

وأقمت بهذه الجزيرة (الجاوة) شهرين ثم ركبت في بعض الجنوك وأعطاني السلطان كثيرا من العود والكافور والقرنفل والصّندل ، وزوّدني وسافرت عنه ، فوصلت بعد أربعين يوما إلى كولم ، فنزلت بها في جوار القزويني قاضي المسلمين ، وذلك في رمضان ، وحضرت بها صلاة العيد (١) في مسجدها الجامع ، وعادتهم أن ياتوا المسجد ليلا فلا يزالون يذكرون الله إلى الصبح، ثم يذكرون إلى حين صلاة العيد ثم يصلون ويخطب الخطيب وينصرفون.

ثم سافرنا من كولم إلى قالقوط وأقمنا بها أياما وأردت العودة إلى دهلي ، ثم خفت من ذلك (٢) ، فركبت البحر فوصلت بعد ثمان وعشرين ليلة إلى ظفار ، وذلك في محرم سنة ثمان وأربعين (٣) ونزلت بدار خطيبها عيسى بن طأطأ.

ذكر سلطانها [ظفار]

ووجدت سلطانها في هذه الكرة الملك الناصر بن الملك المغيث الذي كان ملكا بها حين وصولي إليها فيما تقدم (٤) ونائبه سيف الدين عمر أمير جندر (٥) التركي الأصل. وأنزلني هذا السلطان وأكرمني.

ثم ركبت البحر فوصلت إلى مسقط ، بفتح الميم ، وهي بلدة صغيرة بها السمك الكثير المعروف بقلب الماس (٦) ثم سافرنا إلى مرسى القريات ، وضبطها بضم القاف وفتح الراء

__________________

(١) يعني من عام ٧٤٧ موافق ١٥ يناير ١٣٤٧.

(٢) كان ابن بطوطة يخاف من السلطان محمد بن تغلق الذي قد يتّهمه بالتقصير في أداء المهمة ، وقد ذكرني حاله بحال الطبيب الصيدلي المعروف ابن البيطار الذي أقدم على الانتحار وقد خاف من بطش الملك الصالح الذي كان عهد اليه بمهمة علمية في مقابلة أموال سلّمها اليه على ما يقوله العمري فوقع ابن البيطار في حب نصرانية اسمها مريم ببيت المقدس انسته مهمته وصرف كل الاموال عليها حتى فوجئ ذات يوم بأن الملك الصالح يقوم بزيارة للمنطقة ...!! د. التازي : حياة ابن البيطار ، بحث ألقى بجامعة حلب بمناسبة اسبوع العلم الثالث والثلاثين بتاريخ ٦ ـ ١٢ نونبر ١٩٩٣ وصدر ضمن أعمال المجلس الأعلى ـ مطبعة دار الكتاب ـ سوريا ١٩٩٥.

(٣) أول محرم ٧٤٨ يوافق ١٣ ابريل مايه ١٣٤٧.

(٤) حول سلطان ظفار يراجع الجزءII ٢١١ ـ ٢١٢.

(٥) جندر وجندار وتجمع على جنادره تردد ذكرها وخاصة (II ، ٦٤ ـ ١٢٧ ـ ١٥١ ـ ١٧٤ ـ ١٧٥ ـ ١٩٨) ... وأغلب الظن ان الكلمة مخففة من جند دار ، وتعنى في الشرق الشرطى ، وفي اليمن تعنى الحرس الملكي ، وأمير جندار قائد الحرس ... وعند ذكر القلقشندي لوظائف الدولة ذكر إمرة جاندار وانها تعنى ما يشبه الحجابة وهو المشرف على الزردخانة (سجن خاص لكبار ورجال الدولة) التي هي أرفع قدرا في الاعتقالات ولا تطول مدتها فإمّا أن تبرأ ساحته أو يقطع رأسه ، وصاحب هذه الوظيفة هو الذي يرأس الزفّة (موكب السلطان) ... وصاحبها مقدّم الف.

(٦) قلب الماس تقدمت الكلمة عند حديثه عن مالديف ، ويشبه أبيرون في المغرب (IV ، ١١٢.)

١٦٩

١٧٠

١٧١

١٧٢

والياء آخر الحروف والف وتاء مثناة ، ثم سافرنا إلى مرسى شبّة ، وضبط اسمها بفتح الشين المعجم وفتح الباء الموحدة وتشديدها ، ثم إلى مرسى كلبة ولفظها على لفظ مؤنتة الكلب ، ثم إلى قلهات ، وقد تقدم ذكرها (٧) ، وهذه البلاد كلّها من عمالة هرمز (٨) ، وهي محسوبة من بلاد عمان ،

ثم سافرنا إلى هرمز وأقمنا بها ثلاثا وسافرنا في البر إلى كورستان (٩) ثم إلى اللّار ثم إلى خنج بال ، وقد تقدم ذكر جميعها (١٠) ، ثم سافرنا إلى كارزي (١١) ، وضبط اسمها بفتح الكاف وسكون الراء وكسر الزاي ، وأقمنا بها ثلاثا ثم سافرنا إلى جمكان ، وضبط اسمها بفتح الجيم والميم والكاف وآخره نون ، ثم سافرنا منها إلى ميمن ، وضبط اسمها بفتح الميم وبينهما ياء آخر الحروف مسكنة وآخره نون ، ثم سافرنا إلى بسّا (١٢) ، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة والسين المهملة مع تشديدها ، ثم إلى مدينة شيراز فوجدنا سلطانها أبا اسحاق على ملكه إلا أنه كان غائبا (١٣) عنها ، ولقيت بها شيخنا الصالح العالم مجد الدين (١٤) قاضي القضاة وهو قد كف بصره نفعه الله ونفع به.

__________________

(٧) ذكر ابن بطوطة هذه الموانئ على غير ترتيب كما فعل في السابق والواقع أن المتّجه نحو هرمز عليه أن يبتدئ بقلهات ثم القريات ثم مسقط (وبقرية السيّب : شبا) ثم كلباء التابعة اليوم لإمارة الشارقة على ما قلناه في ص II ، ٢٩٩ تعليق ١١٨.

(٨) يفيدنا ابن بطوطة هنا أن المدن التي ذكرها ومنها قلهات تابعة لعمالة هرمز ولو أنها معدودة من عمان ، واذا راجعنا التاريخ فسنجد أن ولاة قلهات أيضا كانوا أحيانا يحكمون في هرمز ، ومعنى هذا أنه كان هناك مدّ وجزر حسب قوة الحاكم في الشمال أو الجنوب وهكذا فإن الأمير محمد القلهاتي حكم هرمز عام ١٢٤٣ إلى عام ١٢٧٧ وبعد وفاته استولى أحد عبيده الأتراك : إياز على السلطة ١٢٩١ ـ ١٣١١ وعند وفاة هذا الأخير تسلمت زوجته بيبّي مريم الحكم حتى حوالي عام ١٣٢٠ ، II ت ١٢٠ ـ ١٠٠Note Gibb : Travels II ٦٩٣

(٩) كورستان تقدمت في الجزءII ، ٢٣٩ كوراستان بألف بعد الراء خطأ هناك قلنا انها تحمل في الخريطة الإيرانية اسم كهورستان ... نقلت موسوعة (لغة نامه) اوصافها عن ابن بطوطة ...

(١٠) انظر جزءII ، ٢٤٠ ـ ٢٤١.

(١١) كارزي : أوكارزين مدينة قديمة تقع على الساحل الأيمن لنهر سكّان أو مند.

(١٢) يضع مستوفي جمكان على بعد خمسة فراسخ جنوب كور ممند (التي يسميها ابن بطوطة ميمن) وبين كارزين ـ ميمند توجد في شرق المدينة الحالية التي تحمل اسم فيروزاباد ... اما فاساFASA التي وردت في تاليف أبي الفداء فانها تقع جنوب شيراز انظر موسوعة لغتنامه.

(١٣) حول أبي اسحاق : انظر ج II ص ٦٤ ـ ٧٢. عند عودة ابن بطوطة في صيف ١٣٤٧ ـ ٧٤٨ كان أبو إسحاق يخوض غارة ضد مبرز الدين محمد سلطان يزد.

(١٤) حول مجدّ الدين اسماعيل بن محمد بن خذاداد انظر ج II ، ٥٤ ـ ٦٣ ـ ٦٧ ـ ٧٩ ـ ٨٣ ، ,III ، ٢٥٤.

١٧٣

ثم سافرت إلى ماين (١٥) ، ثم إلى يزد خاص (١٦) ، ثم إلى كليل (١٧) ، ثم كشك زرّ (١٨) ثم إلى إصبهان (١٩) ، ثم إلى تستر (٢٠) ، ثم إلى الحويزا (٢١) ثم إلى البصرة ، وقد تقدم ذكر جميعها(٢٢) ، وزرت بالبصرة القبور الكريمة التي بها وهي قبر الزّبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله وحليمة السعدية وأبي بكرة ، وأنس بن مالك ، والحسن البصري وثابت البناني ومحمد بن سيرين ، ومالك بن دينار ومحمد بن واسع وحبيب العجمي وسهل بن عبد الله التستري (٢٣) رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

ثم سافرنا من البصرة فوصلنا إلى مشهد علي بن أبي طالب (٢٤) رضي‌الله‌عنه وزرناه ، ثم توجهنا إلى الكوفة فزرنا مسجدها المبارك ، ثم إلى الحلة حيث مشهد صاحب الزمان (٢٥) واتفق في بعض تلك الأيام أن وليها بعض الأمراء فمنع أهلها من التوجه على عادتهم إلى مسجد صاحب الزمان وانتظاره هنالك ، ومنع عنهم الدابة التي كانوا يأخذونها كل ليلة من الامير ، فأصابت ذلك الوالي علة مات منها سريعا فزاد ذلك في فتنة الرافضة وقالوا : إنما أصابه ذلك لأجل منعه الدابة فلم تمنع بعد!

ثم سافرت إلى صرصر (٢٦) ، ثم إلى مدينة بغداد ، وصلتها في شوال سنة ثمان

__________________

(١٥) حول ماين انظر ج II ص ٥٢ حيث رسم هكذا : مايين بياءين اثنتين.

(١٦) حول يزد خاص (YAZDIKHWAST) انظر ج II ، ٥١.

(١٧) انظرII ، ٥٠.

(١٨) تقدم ذكر كوشك زر القصر الذهبي III ، ٣٢٩. ولكن في الهند ـ المكان المقصود هنا هو كوشك زرد (Kuski ـ ZARD) (القصر الأصفر) ، هذا الاسم يظهر على الخرائط هكذا ، ولكنه دوّن هكذا : كوشك ـ ا ـ زرKushk ـ e ـ zar في خريطة ايران التي اصدرتها مصلحة الخريطة التابعة لوزارة الدفاع ، واشنطن.٤٨٩١ D.C.

(١٩) انظر الجزءII ، ٤٣ ـ ٥٠.

(٢٠) انظر الجزءII ، ٢٣ ـ ٢٩.

(٢١) القصد إلى الحويزاء (بالهمزة في الآخر) وقد تقدمت في الجزءII ص ٩٣.

(٢٢) الجزءII ص ٨ ـ ١٦.

(٢٣) كل هذه الشخصيات سبق الحديث عنها جزءII ص ١٤ ـ ١٥ باستثناء ثابت بن أسلم البناني الذي يعتبر من المحدّثين الذين عاشوا في النّصف الأول من الثامن الميلادي ـ القرن الثاني الهجري ـ بنانة كانت حيّا من أحياء البصرة.

(٢٤) يراجع الجزءII ص ١٢ لتقف على وصف مشهد الإمام علي كرم الله وجهه.

(٢٥) حول مسجد الكوفة يراجع ج II ، ٩٣ ـ ٩٤ ... وحول مسجد الحلة انظرII ، ص ٩٦ ـ ٩٧ ...

(٢٦) صرصر اسم لقريتين : صرصر العليا وصرصر السفلى عند قناة عيسى.

١٧٤

١٧٥

وأربعين (٢٧) ، ولقيت بها بعض المغاربة فعرّفني بكائنة طريف واستيلاء الروم على الخضراء (٢٨) جبر الله صدع الإسلام في ذلك.

ذكر سلطانها [بغداد]

كان سلطان بغداد والعراق في عهد دخولي إليها في التاريخ المذكور الشيخ حسن بن عمّة السلطان أبي سعيد رحمه‌الله (٢٩) ولما مات أبو سعيد استولى على ملكه بالعراق ، وتزوج زوجته دلشاد بنت دمشق خواجة بن الأمير الجوبان حسبما كان فعله السلطان أبو سعيد من تزوج زوجة الشيخ حسن ، وكان السلطان حسن غائبا عن بغداد في هذه المدة متوجّها لقتال أتابك أفراسياب صاحب بلاد اللور.

ثم رحلت من بغداد فوصلت إلى مدينة الأنبار ، ثم إلى هيت ، ثم إلى الحديثة ثم إلى عانة(٣٠) وهذه البلاد من أحسن البلاد وأخصبها ، والطريق فيما بينها كثير العمارة كأن الماشي ، في سوق من الأسواق وقد ذكرنا أنّا لم نر ما يشبه البلاد التي على نهر الصين إلا هذه البلاد.

ثم (٣١) وصلت إلى مدينة الرّحبة وهي التي تنسب إلى مالك بن طوق (٣٢) ، ومدينة الرحبة أحسن بلاد العراق وأول بلاد الشام. ثم سافرنا منها إلى السّخنة (٣٣) ، وهي بلدة حسنة أكثر سكانها الكفار من النصارى ، وانما سميت السّخنة لحرارة مائها ، وفيها بيوت

__________________

(٢٧) يوافق هذا التاريخ الهجري يناير ١٣٤٨.

(٢٨) وقعت هذه الكارثة كما نعلم يوم الاثنين ٧ جمادى الثانية عام ٧٤١ ـ ٢٨ نونبر ١٣٤٠ كما أنّ سقوط الجزيرة الخضراء تمّ بعد ذلك بسنتين وقد عرف عنهما ابن بطوطة كما نرى بعد مضي بضع سنوات ونلاحظ في المقابل أن أخبار سقوط بغداد تليت على المنابر في مراكش. الذيل والتكملة للمراكشي.

(٢٩) انظر الجزءII ص ١١٩ ـ ١٢٣.

(٣٠) انظر الجزءII ص ٣٠ ـ ٣١.

(٣١) انظرIV ص ٢٩٥ هذا ويلاحظ أن ابن بطوطة يخترق الجزيرة الفراتية ذات التاريخ الحافل ...

(٣٢) سميت كذلك : لان مالكا بن طوق بن عتّاب الثعلبي هو الذي رمّمها قديما في القرن الثامن الميلادي لتتميّز عن المدن الأخرى التي تحمل الاسم.

(٣٣) السّخنة : واحات تقع شمال شرق تدمر حوالي ٣٥ ميلا من حلب عام ١٩٣٩.

١٧٦

للرجال وبيوت للنساء يستحمون فيها ويستقون الماء ليلا ويجعلونه في السطوح ليبرد ، ثم سافرنا إلى تدمر (٣٤) مدينة نبي الله سليمان عليه‌السلام التي بنتها له الجن كما قال النّابغة :

يبنون تدمر بالصفّاح والعمد (٣٥).

ثم سافرنا منها إلى مدينة دمشق الشام وكانت مدة مغيبي عنها عشرين سنة كاملة ، وكنت تركت بها زوجة لي حاملا (٣٦) ، وتعرفت وأنا ببلاد الهند أنها ولدت ولدا ذكرا فبعثت حينئذ إلى جده للّام وكان من أهل مكناسة (٣٧) المغرب أربعين دينار ذهبا هنديا ، فحين وصولي إلى دمشق في هذه الكرّة لم يكن لي همّ إلا السؤال عن ولدي ، فدخلت المسجد فوقف لي نور الدين السخاوي إمام المالكية وكبيرهم (٣٨) ، فسلمت عليه ، فلم يعرفني فعرّفته بنفسي ، وسألته عن الولد فقال : مات منذ اثنتي عشرة سنة ، وأخبرني أن فقيها من أهل طنجة يسكن بالمدرسة الظاهرية (٣٩) ، فسرت إليه لأسأله عن والدي وأهلي فوجدته شيخا كبيرا فسلمت عليه، وانتسبت له ، فأخبرني أن والدي توفي مند خمسة عشرة سنة وأن الوالدة بقيد الحياة.

وأقمت بدمشق الشام بقية السنة (٤٠) والغلاء شديد والخبز قد انتهى إلى قيمة سبع أواقي بدرهم نقرة ، وأوقيتهم أربع أواقي مغربية ، وكان قاضي قضاة المالكية إذا ذاك جمال

__________________

(٣٤) تدمر هي التي تعرف في الرواية الأوربية (PALMYRE).

(٣٥) النابغة الذبياني هو زياد بن معاوية ، شاعر جاهلي كانت تضرب له قبة من جلد أحمر في سوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها ... أحد أشراف الجاهلية ، كان حظيا عند النعمان ابن المنذر حتى شبب في قصيدة له بالمتجرّده (زوجة النعمان) لكن النعمان لم يلبث أن رضي عنه ، أدركه أجله حوالي ١٨ قبل الهجرة عام ٦٠٨ م. هذا وبداية البيت هكذا :

وخيس الجنّ أني قد أذنت لهم

يبنون تدمر بالصّفاح والعمد

من القصيدة التي يعتبرها بعضهم من المعلقات ومطلعها :

بادارميّة بالعلياء فالسند

أقوت وطال عليها سالف الأبد!

أنظر ياقوت في كتابه معجم البلدان.

(٣٦) لقد كان زار دمشق رمضان ٧٢٦ ـ ٣٢٦ ويلاحظ أنه لم يشر إلى زواجه عند حديثه عن مقامه الأول هناك ـ يراجع ج I ، ٢٣٥ تعليق ٣١٣.

(٣٧) من طرائف الرحلة أن نجد فيها مثل هذه الأخبار : زوجته الحفيدة لأحد أهل مكناسة بعد الفاسية والصفاقسية التي ربّما كانت تابعة لطنجويّة تزوج بها قبل أن يرحل؟!

(٣٨) الحديث عن السّخاوي تقدم ج I ، ٢١٤ ـ ٢٤١ ـ ٢٤٢ يلاحظ أن لقبه في المرجع الأول بدر الدّين مع انه نور الدّين ، ونذكر ان ابن بطوطة في زيارته الأولى لدمشق أقام عنده.

(٣٩) يراجع I ، ٢١٨.

(٤٠) يعني إلى آخر شهر مارس ١٣٤٨ ... هذا وقد ردد بعضهم ما قيل عند مقامه الأول من أنه يبعد أن يأخذ تلك الاجازات في ذلك الأمد القصير ، وهو كلام لا يلتفت اليه!!

١٧٧

الدين المسلاتي (٤١) وكان من أصحاب الشيخ علاء الدين القونوي ، وقدم معه دمشق فعرف بها ، ثم ولي القضاء ، وقاضي قضاة الشافعية تقي الدين ابن السّبكي وأمير دمشق ملك الأمراء أرغون شاه (٤٢).

حكاية [قتلى الخبز]

ومات في تلك الأيام بعض كبراء دمشق وأوصى بمال للمساكين ، فكان المتولى لإنفاذ الوصية يشتري الخبز ويفرقه عليهم كلّ يوم بعد العصر ، فاجتمعوا في بعض الليالي وتزاحموا واختطفوا الخبز الذي يفرق عليهم ومدّوا أيديهم إلى خبز الخبازين ، وبلغ ذلك الامير أرغون شاه فأخرج زبانيّته فكانوا حيث ما لقوا أحدا من المساكين قالوا له : تعال تاخذ الخبز! فاجتمع منهم عدد كثير فحسبهم تلك اللية ، وركب من الغد ، وأحضرهم تحت القلعة ، وأمر بقطع أيديهم وأرجلهم ، وكان أكثرهم برّاء من ذلك ، وأخرج طائفة الحرافيش (٤٣) عن دمشق فانتقلوا إلى حمص وحماة وحلب ، وذكر لي أنه لم يعش بعد ذلك إلا قليلا وقتل.

ثم سافرت من دمشق إلى حمص ثم حماة ثم المعرّة ثم سرمين ثم إلى حلب (٤٤) وكان أمير حلب في هذا العهد الحاج رغطى (٤٥) ، بضم الراء وسكون الغين المعجم وفتح الطاء المهمل وياء آخر الحروف مسكنة.

__________________

(٤١) هو محمد بن عبد الرحيم بن علي بن عبد الملك ... السّلمي المسلاتي الملقب بجمال الدين المالكي ... سمع بالاسكندرية وبمصر والشام وولى نيابة الحكم بدمشق ثم ولى استقلالا قضاء دمشق أكثر من عشرين سنة ... كان حسن الشكل والبزة ظريفا ... كان يتكلم في الأدبيات ويظهر العجائب في مقاماته الحجازيات والحلبيات ... أدركه أجله بمصر في ثالث عشر ذي القعدة ٧٧١ بالقاهرة وهو والد القاضي سرّي الدين الذي تحول شافعيا. حول القونوي انظرI ، ٢١٤.

ـ الدرر ٤ ، ص ١٢٩. تحقيق محمد سيد جاد الحق ١٩٦٧.

(٤٢) أرغون شاه أو ارغون الصغير الكاملي نائب حلب ، كان أحد مماليك الصالح اسماعيل رباه وهو صغير السن ، كان جميلا جدّا ، فلما ولى الكامل حظى عنده وقدمه وأمّره مائة (قائد المائة) ... ولكنه لم يلبث وقد شعر بالتآمر ضده أن فر إلى مصر حيث تلقاه أهلها بالشموع ... وانتهى أمره إلى الامتحان فأقام بالقدس بطّالا، ومات به في شوال ٧٥٨ ـ ١٣٥٧ ، وقد التبس على الناشرين الفرنسيين (في الفهرس) بارغون شاه الدوادار الذي توفي بحلب ربيع الأول سنة ٧٣١ ـ ١٣٣٠ فظناه واحدا ... الدّرر الكامنة ج I ص ٣٧٥ ـ ٣٧٤ بيكينگام ج.IV ، ٩١٧ تعليق ٤١.

(٤٣) الحرافيش ج حرفوش يراجع II ، ٨٦ التعليق ١٢٥.

(٤٤) حول الزيارة لهذه الأماكن راجع الجزءI ص ١٤٠ ـ ١٦٢.

(٤٥) يسميه يوسف ابن تغري بردي الحاج سيف الدّين اورقطاي بن عبد الله القفجق. وان النطق الصحيح للاسم هو كما يبدو أوروغطاي. كان حاكما ـ على التوالي ـ لصفد وطرابلس وحلب ثم نائب السلطنة بمصر ثم مرة ثانية حاكما لحلب ، ادركه أجله سنة ٧٥٧ ـ ١٣٥٧ في طريقه إلى دمشق حيث نقل إلى هناك ... حول ترجمته انظر (المنهل الصافي) ج II ص ٣٢٨ تعليق ٣٧٨.

١٧٨

حكاية [الوباء المجتاح]

واتفق في تلك الأيام أن فقيرا يعرف بشيخ المشايخ وهو ساكن في جبل خارج مدينة عينتاب (٤٦) ، والناس يقصدونه وهم يتبركون به وله تلميذ ملازم له ، وكان متجردا عزبا لا زوجة له ، وقال في بعض كلامه : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان لا يصبر عن النساء وأنا أصبر عنهن! فشهد عليه بذلك وثبت عند القاضي ورفع أمره إلى ملك الأمراء ، وأوتى به وبتلميذه الموافق له على قوله ، فأفتى القضاة الاربعة وهم شهاب الدين المالكي ، وناصر الدين العديم الحنفي، وتقي الدين بن الصائغ الشافعي وعز الدين الدمشقي الحنبلي بقتلهما معا ، فقتلا!

وفي أوائل شهر ربيع الأول عام تسعة وأربعين (٤٧) بلغنا الخبر في حلب أن الوباء وقع بغزة وأنه انتهى عدد الموتى فيها إلى زائد على الآلف في يوم واحد (٤٨)! فسافرت إلى حمص فوجدت الوباء قد وقع بها ، ومات يوم دخولي اليها نحو ثلاثمائة إنسان ، ثم سافرت إلى دمشق ووصلتها يوم الخميس ، وكان أهلها قد صاموا ثلاثة أيام وخرجوا يوم الجمعة إلى مسجد الأقدام حسبما ذكرناه في السفر الأول (٤٩) فخفف الله الوباء عنهم فانتهى عدد الموتى عندهم إلى ألفين وأربع مائة في اليوم!

ثم سافرت إلى عجلون (٥٠) ، ثم إلى بيت المقدس ووجدت الوباء قد ارتفع عنه ولقيت خطيبه عز الدين بن جماعة بن عم عز الدّين قاضي القضاة بمصر (٥١) وهو من الفضلاء الكرماء ومرتبه على الخطابة ألف درهم في الشهر.

__________________

(٤٦) مدينة عينتاب مدينة كبيرة واسعة توجد الآن في تركيا على بعد ٥٥ ميلا شمال شرقي حلب ، وقد ترسم في الخرائط السورية هكذا (INTAB) وربّما رسمت في الخريطة التركيةANTEP ويمكن أن نتصور من هذا الخلاف في كتابة الاعلام الجغرافية مدى ما يقع من تحريف في الأسماء الجغرافية ـ انظر الخريطة السورية والتركية ...

(٤٨) يتعلق الأمر بالطاعون الأسود الذي ضرب دول حوض البحر المتوسط والذي ترك وراءه ملايين الضحايا ، واذا كان ابن بطوطة ـ كما سنرى ـ قد ردّد صدى آثار هذا الوباء في مذكراته ، فإن ابن خلدون الذي أتى الطاعون على والديه قد خصص فقرات باكية في مقدمته لما نزل بالعمران شرقا وغربا في المائة الثامنة بسبب هذا الطاعون الجارف الذي طوى كثيرا من محاسن العمران ... ابن خلدون المقدمة ، بيروت ١٩٥٦ ص ٥١.

(٤٩) يراجع ج ٧٢٢ ـ I ، ٢٢٦ ـ ٢٢٧.

(٥٠) يراجع I ، ١٢٩.

(٥١) ج I ، ٨٨.

١٧٩

حكاية [نذر الخطيب]

وصنع الخطيب عز الدين يوما دعوة ودعاني فيمن دعاه إليها ، فسألته عن سببها؟ فأخبرني انه نذر أيام الوباء أنه إن ارتفع ذلك ومرّ عليه يوم لا يصلي فيه على ميّت صنع الدعوة! ثم قال لي : ولما كان بالامس لم أصلّ على ميّت فصنعت الدعوة التي نذرت!!

ووجدت من كنت أعهده من جميع الأشياخ بالقدس قد انتقلوا إلى جوار الله تعالىرحمهم‌الله ، فلم يبق منهم إلا القليل مثل المحدث العالم الإمام صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي ، ومثل الصالح شرف الدين الخشّي شيخ زاوية المسجد الأقصى.

ولقيت الشيخ سليمان الشيرازي فأضافني ولم ألق بالشام ومصر من وصل إلى قدم آدمعليه‌السلام سواه! ثم سافرت عن القدس ، ورافقني الواعظ المحدث شرف الدين سليمان الملياني. وشيخ المغاربة بالقدس (٥٢) الصوفي الفاضل طلحة العبد الوادي فوصلنا إلى مدينة الخليل عليه‌السلام ، وزرناه ومن معه من الانبياء عليهم‌السلام ، ثم سرنا إلى غزّة فوجدنا معظمها خاليا من كثرة من مات بها في الوباء ، وأخبرنا قاضيها أن العدول بها كانوا ثمانين فبقى منهم الرّبع وان عدد الموتى بها انتهى إلى الف ومائة في اليوم.

ثم سافرنا في البر فوصلت إلى دمياط ولقيت بها قطب الدين النقشواني ، وهو صائم الدهر ، ورافقني منها إلى فارس كور وسمنّود (٥٣) ، ثم إلى أبي صير (٥٤) بكسر الصاد المهمل وياء مد وراء ونزلنا في زاوية لبعض المصريين بها.

__________________

(٥٢) إذا كان ابن بطوطة قد اختصر الحديث عن المغاربة الذين كانوا يوجدون بكثرة أثناء زيارته الأولى لبيت المقدس عام ٧٢٦ (I ، ١٢٥) ، فإنه هنا يتحدث بصراحة عن (شيخ المغاربة) أي وكيلهم لدى من يعنيه الأمر. ومن المعلوم أنه يوجد بالقدس حيّ بكامله يحمل اسم المغاربة الذين كانوا يرابطون هناك للدفاع عن بيت المقدس ، وعلاوة على وثيقة على أوقاف المصمودي سنة ٧٣٠ وأوقاف أبي مدين سنة ٧٢٠ فقد وجدنا رسالة يرفعها عام ٧٩٥ شيخ المغاربة بن عبد الوارث إلى كافل السلطنة في دمشق في اعقاب التجاء احد اليهود اليه ليتدخل لصالحهم في رفع الحجر الذي فرضه وإلى المدينة على تركة أحد اليهود ... د. التازي أوقاف المغاربة في القدس ، مطبعة فضالة المحمدية رقم الايداع القانوني ـ ١٤٠١ ـ ١٩٨١ ٨١ ـ ١٩٨١ التاريخ الدبلوماسي للمغرب ج ٢ ص ٢٦٢ مصدر سابق ـ الوقف لخدمة السياسة الخارجية في المغرب ـ طبع المعهد الفرنسي للدراسات العربية ـ دمشق ١٩٩٥ ص ٧٦.

(٥٣) حول زيارة ابن بطوطة الأولى للخليل انظرI ، ١١٤ ـ ١٢٠ وحول غزه I ، ١١٥ ـ ١١٦ وحول دمياط (I ، ٦٠ ـ ٦٤) (وحول فارس كور يراجع I ، ٩٥ ولا يزال هذا معروفا بهذا الاسم ...

(٥٤) توجد عدة أمكنة في مصر تحمل اسم أبو صير ، ولهذا الاسم صلة بالإلاه أوزيريس Osiris الذي كانت له مكانة خاصة في مصر الشمالية ، وقد اخطا صطيفان عندما اعتقد أن القصد إلى أبو قير الذي يوجد على المتوسط شمال الاسكندرية ونعته بيكنكام على أنه مدينة صغيرة على مقربة من طنطا والحقيقة أن القصد إلى (بوصيربنا) الذي يقع جنوب المحلة مباشرة ، وهذا غير (بوصير الملق) الذي ينتسب إليه البوصيري صاحب البردة والذي يوجد جنوبا بمديرية بنو سويف انظر دائرة المعارف الإسلامية ـ التازي : حول الإمام البوصيري دفين القاهرة. العلم ٢٦ شتنبر ١٩٩٥.

١٨٠